الأربعاء - 06 شعبان 1446 هـ - 05 فبراير 2025 م

الوهابية أو عقيدة السلف

A A

 للتحميل كملف pdf  اضغط هنا


 

تقديم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فهذه مسودة رسالة بخط مؤرخ العراق عباس العزاوي ت 1391 رحمه الله تعالى، تكلم فيها عن تاريخ العقيدة السلفية، والتي نُبزت في وقت متأخر بالوهابية تنفيرا للناس منها وتشويها لها…

بدأ بانتشار العقيدة السلفية زمانا ومكانا ومذاهب، وكيف دخلت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى العراق وموقف الشيخ أحمد القباني في الرد عليها، وأنه لم يقف على كتب ابن تيمية ومع ذلك يردد كلام خصومه..

ويبدو أن العزاوي لم يتم الرسالة ــ حيث وقف عند نقل كلام القباني ـ أو أتمّها ولم نقف على بقيتها.

وقد اعتمدنا في إخراجها على نسخة بخطه، علقنا على بعض المواضع المشكلة في القراءة وصححنا ما رأيناه يحتاج إلى تصحيح. مع الإشارة إليه.

والله الموفق.

مذهب السلف هذه العقيدة قديمةٌ في العراق كقِدَم الشريعة الإسلامية، بل لا تختلف عنها في أمرٍ. وإنَّ المسلمين كانوا على عقيدة القرآن، وهي عينُها. ولمَّا دخَلَ (علمُ الكلام) ورأى العلماءُ الضَّرورةَ مُلِحَّةً على قبوله بالتصدِّي للدفاع والذبِّ عن العقيدة تكوَّن عندنا وظهر فيه([1]) أكابر العلماء، وبقي آخرون على (عقيدة القرآن)، وهؤلاء جَرَوا على عقيدة السلف ولم يَدخلوا في الجدل؛ لأنهم يقولون بأن الكتاب لا ريب فيه هُدى للمتقين، فلا يلتمسون أدلةً غيرَ ما أُورِد لإثباته.

وفي خلال ظهور المتكلِّمين بقي الظاهرية على عقيدة (السلف). وإن الظاهرية نَـبَزٌ([2])، فصار لقبًا لِمَن بقي على تلك العقيدة. ومنهم داود الظاهري، وابنه محمد بن داود، والطبريّ المؤرِّخ، وغالب المحدّثين.

وفي عهد المَغُول والتُّركُمان تغلَّب الكلام. والحنابلة والمحدثون استمرُّوا على اتِّباع هذه الطريقة.

وأما العهد العثمانيّ فكان الشأن كذلك، واقتصرت عقيدة السلف على الحنابلة والمحدِّثين، إلا أنَّ بعضَهم شذَّ عنها، كما أنَّ المحدّثين من الشافعية والمالكية داموا على هذه العقيدة.

رأيتُ إجازاتٍ عديدةً في أواخر القرن الحادي عشر، وفي أوائل القرن الثاني عشر تلتزم (عقيدة السلف)، وتُوصي بمراعاتها، وأن لا يُترَك المجالُ لمُرَاعَاة غيرِها. فنَجِد العراقَ حافَظَ على هذه العقيدة، وإن كان جماعةٌ من علمائه على مذهب الأشاعرة والماتريدية؛ وفي العراق الشافعية على مذهب الأشعريّ، والمالكية على قِلَّتهم على هذا المذهب، والحنفية ماتريدية.

ولم نسمع بالدعوة إليه من أحد من العلماء، ولا إجبارِ أحد عليه. وإنَّما كان العلماءُ يَدِينون اللهَ تعالى بما رَغِبوا، والمحدِّثون عليه كما هو الأغلب. ولم يُوجَد صِنفٌ خاصٌّ أو جماعةُ معيَّنةٌ على هذا المذهب. ولا شكَّ أنَّه دام على هذه الحالة من أمد بعيد وخفتت([3]) دعوته، وبقي موكولًا إلى الاختيار والرغبة.

وفي سنة 1155هـ في أواسطها جاءت من الشيخ محمد بن عبد الوهاب قاضي العُيَينة دعوةٌ أرسلها إلى البصرة يحُثُّ فيها بلزوم متابعة مذهب السلف. وصل إلى العلامة الشيخ أحمد بن علي الشهير بالقبَّانِي البصري، وكان من العلماء المعروفين في تلك الأنحاء.

وجد الشيخ أحمد في هذا الكتاب ما يُخالِف عقيدتَه المألوفةَ، فثار ثائرُه وتصدَّى للرد وانبرى للجواب على هذا الكتاب، فكتب كتابًا مفصَّلًا سمَّاه «فصل الخطاب». قدَّم له مقدّماتٍ ثم شرَحَه رادًّا عليه فقرة فقرة، وأتَمَّه في 12 شوال سنة 1155هـ، أي: أنَّه أجابه في سَنَته. وقد وصلتْ إليَّ نسخةٌ من هذا الكتاب مؤرَّخة في 11 شعبان سنة 1205هـ.

وهذه([4]) وإن كانت لا تخلو من أغلاط لا نجد لها أخرى، وهي في نظرنا مهمَّة جدًّا.

و«فصل الخطاب» لم يرَ مؤلِّفُه كُتُبَ ابن تيمية إلَّا أنَّه شاهَدَ ردودًا عليها، فاتَّخذها قاعدتَه في ردِّه. اندفع في ردِّه [لأجل] عقيدته التي تلقاها وجمد عليها، ولم يكن مُتأثِّرًا بما حدَثَ بعدَ ذلك من سياسة مشادَّة بين ابن سعود الذي ناصَرَ هذه العقيدةَ وبين الدولة العثمانية.

دعا محمد بن عبد الوهاب إلى عقيدة الإسلام خالصةً مخلصةً لله تعالى والقولِ بتوحيده، فعاكسه([5]) هذا الرجل، وركَنَ إلى أنَّ شدَّ الرِّحال لزيارة النبي ﷺ والاستغاثة بالأولياء والعلماء من الدين؛ لا سيَّما الأموات منهم.

وإنَّ الأستاذ القبَّاني قدَّم أدلةً لم تخرُج المؤلَّفاتُ التاليةُ لها عمَّا ذكَرَ، يتجاهَلُ على ابن تيمية ولم يُشاهِد مؤلفاتِه وطعن به؛ لأنَّ ابن حجر الهَيتَمي وأمثالَه طعَنُوا به، ومشى على ما مشى عليه هؤلاء، ولم ينظر إلى أقوال العلماء الأكابر في ابن تيمية، واتَّخذ هذا الردَّ ردًّا على ابن عبد الوهاب.

قال([6]): (مضمونُها -رسالة ابن عبد الوهاب- أنَّ الاستغاثة والتوسُّل بالنَّبيِّ ﷺ أو بأحدٍ من الأولياء شركٌ أكبرُ، وأنَّ شرك الكفار أخفُّ منه، وأنَّ المؤمن الذي لا يرى الاستغاثةَ ولم يسُبَّ المستغيثين ولم يُعادِهم ويُبغِضْهم ويُبغِضْ مَن يُحِبُّهم ويَبْرَأْ منهم وممَّن عبَدُوه مِن دون الله من الأنبياء والأولياء= لا يكون مؤمنًا. وجزم بذلك وأطلَقَ من غير تقييدٍ بمذهبٍ من مذاهب الأئمة يدعو بها الناسَ إلى عبادة الله وحدَه مُخلِصين له الدين. فلمَّا وقَفتُ عليها رأيتُها قد اشتملتْ على دلائلَ لا يجمُلُ بأدنى طالبٍ من ذوي التحصيل اعتمادُها، ومباحث لا يحلّ…) ([7])

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) المراد: التكوين العلمي، أي: تخرَّج وبرز في هذا العلم -وهو علم الكلام- عدد من أكابر العلماء.

([2]) أي: لقب قبيح يُعاب به.

([3]) غير محررة في الأصل، ويمكن أن تقرأ: خفيت.

([4]) يعني النسخة الخطية للكتاب.

([5]) أي: عارضه وقام في وجه دعوته.

([6]) أي القباني.

([7]) هنا انتهى ما وجد من هذه الرسالة بخط العزاوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

البهائية.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بعد أن أتم الله تعالى عليه النعمة وأكمل له الملة، وأنزل عليه وهو قائم بعرفة يوم عرفة: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهي الآية التي حسدتنا عليها اليهود كما في الصحيحين أنَّ […]

الصمت في التصوف: عبادة مبتدعة أم سلوك مشروع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: الصوفية: جماعةٌ دينية لهم طريقةٌ مُعيَّنة تُعرف بالتصوّف، وقد مَرَّ التصوّف بمراحل، فأوَّل ما نشأ كان زُهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم تطوَّر شيئًا فشيئًا حتى صار إلحادًا وضلالًا، وقال أصحابه بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات([1])، وبين هذا وذاك بدعٌ كثيرة في الاعتقاد والعمل والسلوك. وفي إطار تصدِّي […]

دفع مزاعم القبورية حول حديث: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

مقدمة: من الفِرى ردُّ الأحاديث الصحيحة المتلقّاة بالقبول انتصارًا للأهواء والضلالات البدعية، وما من نصّ صحيح يسُدُّ ضلالًا إلا رُمِي بسهام النكارة أو الشذوذ ودعوى البطلان والوضع، فإن سلم منها سلّطت عليه سهام التأويل أو التحريف، لتسلم المزاعم وتنتفي معارضة الآراء المزعومة والمعتقدات. وليس هذا ببعيد عن حديث «‌اتخذوا ‌قبور ‌أنبيائهم»، فقد أثار أحدهم إشكالًا […]

استباحة المحرَّمات.. معناها وروافدها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من أعظم البدع التي تهدم الإسلام بدعة استباحةُ الشريعة، واعتقاد جواز الخروج عنها، وقد ظهرت هذه البدعة قديمًا وحديثًا في أثواب شتى وعبر روافد ومصادر متعدِّدة، وكلها تؤدّي في نهايتها للتحلّل من الشريعة وعدم الخضوع لها. وانطلاقًا من واجب الدفاع عن أصول الإسلام وتقرير قواعده العظام الذي أخذه […]

الحالة السلفية في فكر الإمام أبي المعالي الجويني إمام الحرمين -أصول ومعالم-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من الأمور المحقَّقة عند الباحثين صحةُ حصول مراجعات فكرية حقيقية عند كبار المتكلمين المنسوبين إلى الأشعرية وغيرها، وقد وثِّقت تلك المراجعات في كتب التراجم والتاريخ، ونُقِلت عنهم في ذلك عبارات صريحة، بل قامت شواهد الواقع على ذلك عند ملاحظة ما ألَّفوه من مصنفات ومقارنتها، وتحقيق المتأخر منها والمتقدم، […]

أحوال السلف في شهر رجب

 مقدمة: إن الله تعالى خَلَقَ الخلق، واصطفى من خلقه ما يشاء، ففضّله على غيره، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ ‌وَيَخۡتَارُ﴾ [القصص: 68]. والمقصود بالاختيار: الاصطفاء بعد الخلق، فالخلق عامّ، والاصطفاء خاصّ[1]. ومن هذا تفضيله تعالى بعض الأزمان على بعض، كالأشهر الحرم، ورمضان، ويوم الجمعة، والعشر الأواخر من رمضان، وعشر ذي الحجة، وغير ذلك مما […]

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

مقدمة: هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم […]

الصوفية وعجز الإفصاح ..الغموض والكتمان نموذجا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  توطئة: تتجلى ظاهرة الغموض والكتمان في الفكر الصوفي من خلال مفهوم الظاهر والباطن، ويرى الصوفية أن علم الباطن هو أرقى مراتب المعرفة، إذ يستند إلى تأويلات عميقة -فيما يزعمون- للنصوص الدينية، مما يتيح لهم تفسير القرآن والحديث بطرق تتناغم مع معتقداتهم الفاسدة، حيث يدّعون أن الأئمة والأولياء هم الوحيدون […]

القيادة والتنمية عند أتباع السلف الصالح الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان وما وراء النهر أنموذجا (182-230ه/ 798-845م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  المقدمة: كنتُ أقرأ قصةَ الإمام إسحاق بن راهويه -رحمه الله- عندما عرض كتاب (التاريخ الكبير) للإمام البخاري -رحمه الله- على الأمير عبد الله بن طاهر، وقال له: (ألا أريك سحرًا؟!)، وكنت أتساءل: لماذا يعرض كتابًا متخصِّصًا في علم الرجال على الأمير؟ وهل عند الأمير من الوقت للاطّلاع على الكتب، […]

دعوى غلو النجديين وخروجهم عن سنن العلماء

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تكثر الدعاوى حول الدعوة النجدية، وتكثر الأوهام حول طريقتهم سواء من المخالفين أو حتى من بعض الموافقين الذين دخلت عليهم بعض شُبه الخصوم، وزاد الطين بلة انتسابُ كثير من الجهال والغلاة إلى طريقة الدعوة النجدية، ووظفوا بعض عباراتهم -والتي لا يحفظون غيرها- فشطوا في التكفير بغير حق، وأساؤوا […]

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017