الوهابية أو عقيدة السلف
للتحميل كملف pdf اضغط هنا
تقديم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فهذه مسودة رسالة بخط مؤرخ العراق عباس العزاوي ت 1391 رحمه الله تعالى، تكلم فيها عن تاريخ العقيدة السلفية، والتي نُبزت في وقت متأخر بالوهابية تنفيرا للناس منها وتشويها لها…
بدأ بانتشار العقيدة السلفية زمانا ومكانا ومذاهب، وكيف دخلت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى العراق وموقف الشيخ أحمد القباني في الرد عليها، وأنه لم يقف على كتب ابن تيمية ومع ذلك يردد كلام خصومه..
ويبدو أن العزاوي لم يتم الرسالة ــ حيث وقف عند نقل كلام القباني ـ أو أتمّها ولم نقف على بقيتها.
وقد اعتمدنا في إخراجها على نسخة بخطه، علقنا على بعض المواضع المشكلة في القراءة وصححنا ما رأيناه يحتاج إلى تصحيح. مع الإشارة إليه.
والله الموفق.
مذهب السلف هذه العقيدة قديمةٌ في العراق كقِدَم الشريعة الإسلامية، بل لا تختلف عنها في أمرٍ. وإنَّ المسلمين كانوا على عقيدة القرآن، وهي عينُها. ولمَّا دخَلَ (علمُ الكلام) ورأى العلماءُ الضَّرورةَ مُلِحَّةً على قبوله بالتصدِّي للدفاع والذبِّ عن العقيدة تكوَّن عندنا وظهر فيه([1]) أكابر العلماء، وبقي آخرون على (عقيدة القرآن)، وهؤلاء جَرَوا على عقيدة السلف ولم يَدخلوا في الجدل؛ لأنهم يقولون بأن الكتاب لا ريب فيه هُدى للمتقين، فلا يلتمسون أدلةً غيرَ ما أُورِد لإثباته.
وفي خلال ظهور المتكلِّمين بقي الظاهرية على عقيدة (السلف). وإن الظاهرية نَـبَزٌ([2])، فصار لقبًا لِمَن بقي على تلك العقيدة. ومنهم داود الظاهري، وابنه محمد بن داود، والطبريّ المؤرِّخ، وغالب المحدّثين.
وفي عهد المَغُول والتُّركُمان تغلَّب الكلام. والحنابلة والمحدثون استمرُّوا على اتِّباع هذه الطريقة.
وأما العهد العثمانيّ فكان الشأن كذلك، واقتصرت عقيدة السلف على الحنابلة والمحدِّثين، إلا أنَّ بعضَهم شذَّ عنها، كما أنَّ المحدّثين من الشافعية والمالكية داموا على هذه العقيدة.
رأيتُ إجازاتٍ عديدةً في أواخر القرن الحادي عشر، وفي أوائل القرن الثاني عشر تلتزم (عقيدة السلف)، وتُوصي بمراعاتها، وأن لا يُترَك المجالُ لمُرَاعَاة غيرِها. فنَجِد العراقَ حافَظَ على هذه العقيدة، وإن كان جماعةٌ من علمائه على مذهب الأشاعرة والماتريدية؛ وفي العراق الشافعية على مذهب الأشعريّ، والمالكية على قِلَّتهم على هذا المذهب، والحنفية ماتريدية.
ولم نسمع بالدعوة إليه من أحد من العلماء، ولا إجبارِ أحد عليه. وإنَّما كان العلماءُ يَدِينون اللهَ تعالى بما رَغِبوا، والمحدِّثون عليه كما هو الأغلب. ولم يُوجَد صِنفٌ خاصٌّ أو جماعةُ معيَّنةٌ على هذا المذهب. ولا شكَّ أنَّه دام على هذه الحالة من أمد بعيد وخفتت([3]) دعوته، وبقي موكولًا إلى الاختيار والرغبة.
وفي سنة 1155هـ في أواسطها جاءت من الشيخ محمد بن عبد الوهاب قاضي العُيَينة دعوةٌ أرسلها إلى البصرة يحُثُّ فيها بلزوم متابعة مذهب السلف. وصل إلى العلامة الشيخ أحمد بن علي الشهير بالقبَّانِي البصري، وكان من العلماء المعروفين في تلك الأنحاء.
وجد الشيخ أحمد في هذا الكتاب ما يُخالِف عقيدتَه المألوفةَ، فثار ثائرُه وتصدَّى للرد وانبرى للجواب على هذا الكتاب، فكتب كتابًا مفصَّلًا سمَّاه «فصل الخطاب». قدَّم له مقدّماتٍ ثم شرَحَه رادًّا عليه فقرة فقرة، وأتَمَّه في 12 شوال سنة 1155هـ، أي: أنَّه أجابه في سَنَته. وقد وصلتْ إليَّ نسخةٌ من هذا الكتاب مؤرَّخة في 11 شعبان سنة 1205هـ.
وهذه([4]) وإن كانت لا تخلو من أغلاط لا نجد لها أخرى، وهي في نظرنا مهمَّة جدًّا.
و«فصل الخطاب» لم يرَ مؤلِّفُه كُتُبَ ابن تيمية إلَّا أنَّه شاهَدَ ردودًا عليها، فاتَّخذها قاعدتَه في ردِّه. اندفع في ردِّه [لأجل] عقيدته التي تلقاها وجمد عليها، ولم يكن مُتأثِّرًا بما حدَثَ بعدَ ذلك من سياسة مشادَّة بين ابن سعود الذي ناصَرَ هذه العقيدةَ وبين الدولة العثمانية.
دعا محمد بن عبد الوهاب إلى عقيدة الإسلام خالصةً مخلصةً لله تعالى والقولِ بتوحيده، فعاكسه([5]) هذا الرجل، وركَنَ إلى أنَّ شدَّ الرِّحال لزيارة النبي ﷺ والاستغاثة بالأولياء والعلماء من الدين؛ لا سيَّما الأموات منهم.
وإنَّ الأستاذ القبَّاني قدَّم أدلةً لم تخرُج المؤلَّفاتُ التاليةُ لها عمَّا ذكَرَ، يتجاهَلُ على ابن تيمية ولم يُشاهِد مؤلفاتِه وطعن به؛ لأنَّ ابن حجر الهَيتَمي وأمثالَه طعَنُوا به، ومشى على ما مشى عليه هؤلاء، ولم ينظر إلى أقوال العلماء الأكابر في ابن تيمية، واتَّخذ هذا الردَّ ردًّا على ابن عبد الوهاب.
قال([6]): (مضمونُها -رسالة ابن عبد الوهاب- أنَّ الاستغاثة والتوسُّل بالنَّبيِّ ﷺ أو بأحدٍ من الأولياء شركٌ أكبرُ، وأنَّ شرك الكفار أخفُّ منه، وأنَّ المؤمن الذي لا يرى الاستغاثةَ ولم يسُبَّ المستغيثين ولم يُعادِهم ويُبغِضْهم ويُبغِضْ مَن يُحِبُّهم ويَبْرَأْ منهم وممَّن عبَدُوه مِن دون الله من الأنبياء والأولياء= لا يكون مؤمنًا. وجزم بذلك وأطلَقَ من غير تقييدٍ بمذهبٍ من مذاهب الأئمة يدعو بها الناسَ إلى عبادة الله وحدَه مُخلِصين له الدين. فلمَّا وقَفتُ عليها رأيتُها قد اشتملتْ على دلائلَ لا يجمُلُ بأدنى طالبٍ من ذوي التحصيل اعتمادُها، ومباحث لا يحلّ…) ([7])
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) المراد: التكوين العلمي، أي: تخرَّج وبرز في هذا العلم -وهو علم الكلام- عدد من أكابر العلماء.
([3]) غير محررة في الأصل، ويمكن أن تقرأ: خفيت.
([4]) يعني النسخة الخطية للكتاب.