ترجمة الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان رحمه الله تعالى
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
فقد فجع العالم الإسلامي صبيحة يوم الأربعاء الثاني من شهر جمادى الآخرة (1443هـ) بموت عالم من كبار العلماء، وموت العالم –لا شك- ثلمة في جدار الإسلام، فالعلماء هم حراس الشريعة، وحماة ثغورها، ولذلك كان موتهم مصيبة كبيرة لدى أهل العلم والإيمان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذه ترجمة موجزة للشيخ رحمه الله تعالى .
اسمه ونسبه :
هو الشيخ العلامة / صالح بن محمد اللحيدان. وينتهي نسبه إلى قبيلة سبيع. وأسرة اللحيدان من الأسر الشهيرة التي ينتمي إليها علماء وقضاة ورجال فقه، فمنهم: خالد بن عبد الله اللحيدان، وصالح بن سعد اللحيدان، وسليمان بن عبد الله اللحيدان، ومحمد بن عبد الله اللحيدان، وعبد الرحمن بن عبد الله اللحيدان.
مولده :
ولد الشيخ رحمه الله تعالى بمدينة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1350 من الهجرة.
نشأته وتعلمه :
وقد تلقى – رحمه الله – العلم عن طريق التعليم النظامي، فدرس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وبعد الثانوية التحق بكلية الشريعة بالرياض؛ فدرس بكلية الشريعة بالرياض وتخرّج منها عام 1379 هـ، ولم يتوقف -رحمه الله -عن طلب العلم ومواصلته، فالتحق بالمعهد العالي للقضاء وتخرّج منه عام 88/ 1389 هـ وكان موضوع بحثه “الإقرار في الشريعة الإسلامية “.
وقد تلقى العلم على مشايخ فضلاء منهم: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهم الله تعالى .
أعماله وجهوده :
برز الشيخ رحمه الله في عدة مجالات، كالتدريس والوعظ والخطابة ومناقشة الرسائل العلمية والتوجيه، لكن أبرزها على الإطلاق : القضاء الذي صار علمًا عليه، واشتغل به قريبًا من نصف قرن، وكذلك الإفتاء، حيث عمل بعد تخرجه من الكلية سكرتيراً لسماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله في الإفتاء، إلى أن عُيّن عام 1383 هـ مساعداً لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض، ثم صار رئيساً للمحكمة عام 1348هـ واستمرّ رئيساً للمحكمة الكبرى إلى أن عُيّن عام 1390 هـ قاضيَ تمييز وعضواً بالهيئة القضائية العليا.
وفي عام 1403هـ عيّن رئيساً للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، واستمرّ في ذلك نائباً لرئيس المجلس في غيابه إلى أن عُيّن عام 1413 هـ رئيساً للمجلس بهيئته العامة والدائمة.
وقد ظل رحمه الله أكثر من خمسين عاما مشتغلا بالقضاء وفصل الخصومات بحكم الشريعة الإسلامية، حتى ارتبط اسمه بالقضاء، وصار علمًا عليه .
والشيخ رحمه الله أيضا، كان عضوًا في هيئة كبار العلماء منذ تأسيسها عام 1391هـ، وهو – باستثناء الشيخ سليمان بن منيع حفظه الله – آخر العلماء المشاركين في تأسيس الهيئة .
وكان الشيخ رحمه الله عضوًا في رابطة العالم الإسلامي.
وشارك في تأسيس مجلة راية الإسلام، التي كان يديرها ويرأس تحريرها .
وللشيخ بعض المؤلفات مثل : شرح القواعد الأربع، وفضل دعوة محمد بن عبد الوهاب، وإيضاح الدلالة في وجوب الحذر من أصحاب الضلالة، وشرح حديث معاذ (حق الله على العباد).
كذلك كان للشيخ رحمه الله جهود دعوية عبر وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد، موجهًا وواعظًا ومفتيًا ومصلحًا.
وقد اشتهر الشيخ رحمه الله بالفصاحة في الخطاب، والحصافة في الجواب، والسلاسة عند الإجابة، وبرامجه المتلفزة والإذاعية كثيرة جدًا، من أشهرها البرنامج الإذاعي الشهير (نور على الدرب)، وعرفه المسلمون وحجاج بيت الله الحرام بمكانه المعروف قريبا من بئر زمزم في الحرم القديم، حيث حلقته الكبيرة يدرس فيها ويفتي ويوجه .
وتميز رحمه الله ببعد النظر وعلوّ الهمة وقوّة الشخصيّة وصدق اللهجة. وعرف بالقوة، وأنه ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان نصوحاً لولاة الأمر على طريقة السلف الصالح رضي الله عنهم.
ثناء العلماء عليه :
قال عنه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم : “عالم جليل وداعية إلى الله، ذو هيبة وقدر، وإمام وخطيب، وقد تخرّج من كلية الشريعة بالرياض عام 1379هـ وعمل سكرتيرا لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله في الإفتاء بعد تخرجه، إلى أن عين عام 1383ه مساعدا لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض، ثم صار رئيسا للمحكمة عام 1384هـ.
وقد حصل على رسالة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، عام 1389هـ، واستمر رئيسا للمحكمة الكبرى إلى أن عين عام 1390هـ قاضي تمييز، وعضوا بالهيئة القضائية العليا.
وفي عام 1403هـ، عين رئيسا للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، واستمر في ذلك نائبا لرئيس المجلس في غيابه إلى أن عين عام 1413هـ رئيسا للمجلس بهيئته العامة والدائمة.
وهو أيضا عضو في هيئة كبار العلماء منذ إنشائها عام 1391هـ، وعضو في رابطة العالم الإسلامي، وكان له نشاط في تأسيس مجلة راية الإسلام، ومديرها ورئيس تحريرها.
وله دروس في المسجد الحرام وتذاع، وفتاوى في برنامج نور على الدرب، وله محاضرات وندوات ومشاركة في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، وغير ذلك مما فيه صلاح وإصلاح، فجزاه الله أحسن الجزاء”([1]).
ولما وجه بعض المغرضين سهامهم نحو الشيخ مشنعين عليه ببعض مواقفه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انبرى للدفاع عنه عدد كبير من العلماء وطلبة العلم والدعاة، وعلى رأسهم الشيخ العلامة صالح الفوزان –حفظه الله تعالى- فقال عنه :” هو عالم جليل وهو من أكبر علماء هذه البلاد، فهو عضو من أعضاء هيئة كبار العلماء منذ أنشئت هذه الهيئة في عهد الملك فيصل رحمه الله، وهو تلميذ المشايخ الأجلاء وخريج كلية الشريعة، وخريج المعهد العالي للقضاء، ولاه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله بعد تخرجه عضوية الإفتاء فكان ملازمًا له في حياته، ثم ولاه رئاسة المحكمة الشرعية بالرياض، ثم بعد ذلك صار عضوًا في الهيئة القضائية العليا، ثم صار عضوًا في المجلس الأعلى للقضاء، ثم عينه الملك فهد رحمه الله رئاسة هذا المجلس، واستمر في ذلك إلى أن تقاعد رسمياً، وكان محمود السيرة حازمًا في جميع أعماله مسددًا في آرائه وأحكامه، ومع أعماله الرسمية الجليلة كان مشاركًا في برنامج نور على الدرب منذ أنشئ إلى جانب مشاركاته في الدعوة إلى الله بإلقاء المحاضرات وإلقاء الدروس في المسجد الحرام وفي غيره من المساجد مع الإجابة على أسئلة المستفتين في كل مكان يوجد فيه، فما هي وجهة هؤلاء الطاعنين عليه؟!”([2])
وفاته رحمه الله :
توفي رحمه الله فجر يوم الأربعاء 2 جمادى الآخرة 1443 هجريًّا، الموافق 5 يناير 2022 ميلاديًّا، عن عمر ناهز 90 عامًا بعد معاناة مع المرض، وكان قد تعرض قبل أسابيع من وفاته لوعكة صحية دخل على أثرها المستشفى. وقد نشرت أسرة اللحيدان تغريدة على موقع تويتر جاء فيها “إنا لله وإنا إليه راجعون، أحسن الله عزاءنا وعزاء الأمة الإسلامية في وفاة شيخنا ووالدنا صالح بن محمد اللحيدان، رحمه الله رحمة واسعة، والصلاة على شيخنا اليوم الأربعاء بعد صلاة العصر بجامع الراجحي بالرياض”
وصلى عليه جمع غفير امتلأ بهم المسجد الكبير، ونعاه عدد كبير من علماء العالم الإسلامي وطلبة العلم.
نسأل الله تعالى أن يرفع درجته في المهديين وأن يخلفه في عقبه وأمته في الغابرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) مقال منشور على عدد من المواقع الصحفية والالكترونية، كمجلة مكة الالكترونية.