الاثنين - 28 جمادى الآخر 1446 هـ - 30 ديسمبر 2024 م

التداخل العقدي بين الطوائف المنحرفة.. الصوفية والفلاسفة أنموذجًا

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

لا شكَّ أنَّ الزهد والتقلُّل من مُتع الدنيا وعدم تعلُّق القلب بها هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، وقد حثَّنا الله في كتابه على ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5]، وقال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 65].

لكن هذا الزهد مقيَّد بالكتاب والسنة؛ لذا تجد الصحابة رضوان الله عليهم أزهد الناس وأعبد الناس، ورغم ذلك لم يخرجهم هذا الزهد وهذا التعبّد عن طريقة الكتاب والسنة.

حتى جاء القرن الثاني الهجري، وكثرت الفتوحات، وكثرت الأموال، وكثر الانشغال بالدنيا، ظهرت في المقابل طائفة تدعو إلى الزهد في الدنيا والتقلّل منها، لكن هذه الطائفة غلب عليها العبادة والبعد عن العلم ومجالس العلماء، وأطلقوا على أنفسهم “الصوفية” نسبة إلى لبس الصوف، أو إلى أهل الصفة على خلاف في ذلك.

لكن هذه الطائفة لم تستمرَّ على طور واحد، ولم يكن الأمر عندهم مقتصرًا على الزهد والعبادة، بل تنقَّلوا في أطوار مختلفة، لكل طور صفاته.

وقبل أن نتكلَّم عن التصوف والانحراف العقدي فيه، لا بدَّ أن نبيّن التصوّف الذي نقصده، فإن الصوفية عبر قرون مثَّلت ما يشبه التيارَ الواسع المتعدِّد الأطياف، والذي تفاوتت درجاتُ الغلوّ والانحراف بين مذاهبه وطرقِه، ولكننا يمكننا الحديث عن ثلاثة أطوار من أطوار التصوف:

الطور الأول: الصوفية الأولى صوفية الزهد والعبادة:

وهي تعبّر عن مبالغةٍ في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك مما لم يكن موجودًا على عهد الصحابة، ولا معروفًا في طريقتهم في السلوك والتعبُّد، فظهر من يُغْشَى عليه عند سماع آيات القرآن، خلافًا للمأثور عن الصحابة من وجَل القلب واقشعرار الجلود ودمع العين.

وبعض العلماء يطلِق على هذا النوع من التصوف: (التصوف السني)، ومقصدهم بذلك أن كبار أئمة هذا التصوّف كالجنيد (ت 298هـ) وأبي سليمان الداراني (ت 215هـ) وأحمد بن أبي الحواري (ت 230هـ) وغيرهم من أئمة ما عرف بالتصوف السني وكبارهم. ومقصد العلماء الذين أطلقوا هذا المصطلح (التصوف السني) على هؤلاء أنهم كانوا في الجملةِ على أصولِ الكتاب والسنةِ، خاصةً في باب العقائد، ودَعُوا لالتزام الشريعة والكتاب والسنة.

قال شيخ الإسلام بن تيمية: “والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ [أي: الصوفية] يوافق ما كان عليه السلف، وهذا هو الذي كان يجب أن يُذْكَر؛ فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشايخ -مثل الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، ومعروف الكرخي، إلى الجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء- ما يبين حقيقة مقالات المشايخ”([1]).

وهؤلاء الزهاد لم تكن عندهم بدع مكفرة في الجملة، وإنما شاب زهدَهم بدعٌ لا أصل لها في الشرع، وخالط عملهم وسلوكَهم مغالاةٌ وزيادة لم يأتِ بها الشرع.

ومن ذلك أن أبا تراب النخشبي([2]) قال لتلميذه وقد رآه يمد يده إلى قشر البطيخ يريد أن يأكل منه: “أنت لا يصلح لك التصوف، الزم السوق”([3]).

قال ابن الجوزي: “وكان أصل تلبيسه -أي: إبليس- عليهم أنه صدَّهم عَن العلم وأراهم أن المقصود العمل، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا فِي الظلمات؛ فمنهم من أراده أن المقصود من ذلك ترك الدنيا فِي الجملة فرفضوا مَا يصلح أبدانهم، وشبهوا المال بالعقارب ونسوا أنه خلق للمصالح، وبالغوا فِي الحمل عَلَى النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع. وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة، غير أنهم عَلَى غير الجادة، وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وَهُوَ لا يدري”([4]).

الطور الثاني: التصوف الفلسفي:

وهو مزيج من موروث الصوفية مع عقائد الفلاسفة وتصوّراتهم، الذي نتج منه القول بالحلول، والاتحاد، والمساواة بين الأديان، واكتساب النبوة، وتفضيل الأولياء على الأنبياء، واستباحة المحرَّمات، ومعارضة الشريعة بالحقيقة، وتفسير القرآن تفسيرًا باطنيًّا كفريًّا، وغيرها من البدع الكفرية الإلحادية.

ومن رموز هذا التصوف: الحسين بن الحلاج (ت 309هـ) المقتول على الزندقة، ومحيي الدين ابن عربي (ت 638هـ)، وابن الفارض (ت 632هـ)، وابن سبعين (ت 669هـ) وغيرهم.

وقد ذكر كثير من الباحثين أن الأفلاطونية الحديثة هي أحد المصادر الأساسية للتصوف، بل إنها هي المصدر الأول بالنسبة إلى القائلين بوحدة الوجود والحلول، بدءًا من أبي يزيد البسطامي وسهل التستري وابن سبعين، وانتهاءً بابن الفارض والحلاج وابن عربي والسهروردي المقتول وغيرهم كثير.

وقد أخذ هؤلاء نظرية الفيض والمحبة والإشراق والمعرفة، مع الآراء الأخرى التي تمسكوا بها عن الأفلاطونية الحديثة([5]).

فهذا ذو النون المصري -وهو من الشخصيات المتقدمة في التصوف، وصف بأنه واضع أسس التصوف- كان له علم بالحكمة اليونانية الشائعة يومئذ في بلده مصر، وكثيرًا ما كان يأوي إلى البراري بأخميم مصر، وهي بيوت الحكمة، ينظر ويقرأ نقوشها وآثارها.

والمشهور عن ابن سينا أنه فيلسوف، لكن الثابت أيضًا أنه متصوف كما يدل عليه كتابه “الإشارات”.

والسهروردي يحيى بن حبش المقتول يقول: “إن الصوفي غير المتفلسف هو صوفي ناقص، وكذلك الفيلسوف غير المتصوف هو فيلسوف ناقص. وأبو حامد الغزالي كان فيلسوفًا، ثم تصوَّف وبقيت عليه بقية من فلسفة لم يقدر على التخلص منها، ساير بها تصوفه دون ارتياب، وقد قال ابن العربي فيه: شيخنا أبو حامد بلع الفلسفة وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع”([6]).

وهذا الجيلي يقول مادحًا أفلاطون: “ولقد اجتمعت بأفلاطون الذي يعدّونه أهل الظاهر كافرًا، فرأيته وقد ملأ العالم الغيبي نورًا وبهجة، ورأيت له مكانة لم أرها إلا لآحاد من الآولياء، فقلت له: من أنت؟ قال: قطب الزمان وواحد الأوان، ولكَم رأينا من عجائب وغرائب مثل هذا، ليس من شرطها أن تفشى”([7]).

ويقول الشعراني: “وكان سيدي أفضل الدين رحمه الله يقول: كثير من كلام الصوفية لا يتمشى ظاهره إلا على قواعد المعتزلة والفلاسفة، فالعاقل لا يبادر إلى الإنكار بمجرد عزو ذلك الكلام إليهم، بل ينظر ويتأمل في أدلتهم التي استندوا إليها، فما كل ما قاله الفلاسفة والمعتزلة في كتبهم يكون باطلًا”([8]).

لذا ظهر في هذه المرحلة الأثر الفلسفي في التصوف، فظهرت نظريات: الفناء، والعشق الإلهي، والحلول، والاتحاد، والقول بالجبر، والفيض، والفناء، والبقاء.

وظهرت كتب التصوف المعتمدة لدى الصوفية، مثل: اللمع للسراج الطوسي، والتعرف لمذهب أهل التصوف لأبي بكر الكلاباذي، وقوت القلوب لأبي طالب المكي، وطبقات الصوفية للسلمي، والرسالة القشيرية للقشيري([9]).

الطور الثالث: التصوف الطرقي الخرافي:

وهو الذي استقرَّ عليه أمر التصوّف منذ القرن السادس والسابع الهجري تقريبًا، وما زال منتشرًا حتى يومنا هذا، وأتباعه يعظِّمون أئمة التصوّف الفلسفي، كابن عربي وابن الفارض الذي ينشدون أشعاره في موالدهم واحتفالاتهم، وإن كان كثير منهم لا يلتزم بحقيقة أقوالهم أو لا يعرفها على التفصيل.

وقد اختلط هذا التصوّف بالقبوريّة حتى صارا قرينين، وصار الغلوّ في الأولياء وكراماتهم هو أساس دعوتهم وطريقتهم، وأصبحت البدع والمحدثات والرقص والسماع المحدَث شعارًا لمجالسهم، وفي الجملة صار هذا التصوف مرتعًا للخرافة والخرافيين.

ولعل أبرز سمات هذه الفترة هي كثرة الطرق الصوفية، حتى أصبح همّ كلّ صوفي الانتماء إلى طريقة صوفية معينة يحفظ أورادها ويقدس أعلامها، كما ظهرت طائفة المجذوبين والدراويش، وغلب في هذه الفترة الاهتمام بتلخيص مؤلفات السابقين أو شرحها، وكانت الكثير من المؤلفات تقتصر على ذكر فضائل الطرق الصوفية ومناقب أقطابها، وذكر كراماتهم الخارقة التي هي فوق قدرة البشر، والحث على الاتباع الأعمى للمشايخ، وكثرة حلقات الغناء والرقص، وتعظيم قبور الأولياء والصالحين ومشائخ الصوفية، وجعلها مزارات ومشاهد، وغلب التأليف في التوسل الشركي والأوراد الخاصة بكل ضريح، وأصبح الحج إلى المشاهد في أوقات مخصوصة أمرًا مألوفًا في هذه المرحلة، حتى صنف بعض غلاتهم كتابًا سماه “حج المشاهد”([10]).

مصادر الصوفية:

التصوّف له مصادر كثيرة وروافد مختلفة، إذ هو متأثر بالثقافات المتنوعة والديانات المختلفة سواء كانت هذه الديانات وثنية في الأصل كالبوذية واليونانية، أو كانت ديانات سماوية في الأصل كالمسيحية واليهودية([11]).

لذا فالناظر والباحث في الفكر الصوفي يجد الكثير من العقائد الصوفية تصطدم اصطدامًا مباشرًا مع العقيدة الإسلامية، بل تؤدي إلى الكفر والإلحاد، كالقول بوحدة الوجود، والحلول، والاتحاد، وادعاء تلقي العلوم عن طريق ما يسمونه: الإشراق، والقول بالفناء وغيرها كثير.

وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف، فقال: “إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون: إنهم يتشبهون بالمسيح ابن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا، وكان صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره”([12]).

وهذا ما قرره كثير من الباحثين المعاصرين الذين بحثوا في الشأن الصوفي، يقول الشيخ عبد الرحمن الوكيل: “إن التصوف أدنأ وألأم كيدٍ ابتدعه الشيطان ليسخّر معه عباد الله في حربه لله ورسوله، إنه قناع كل عدو صوفي للدين الحق، فتش فيه تجد برهمية وبوذية وزرادشتية ومانوية وديصانية، تجد أفلاطونية وغنوصية، تجد فيه يهودية ونصرانية ووثنية جاهلية”([13]).

ويقول الشيخ إحسان إلهي ظهير: “عندما نتعمق في تعاليم الصوفية الأوائل والأواخر وأقاويلهم المنقولة منهم والمأثورة في كتب الصوفية القديمة والحديثة نفسها نرى بونًا شاسعًا بينها وبين تعاليم القرآن والسنة، وكذلك لا نرى جذورها وبذورها في سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام البررة خيار خلق الله وصفوة الكون، بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقتبسة من الرهبنة المسيحية والبرهمة الهندوكية وتنسك اليهودية وزهد البوذية”([14]).

ويقول الدكتور صابر طعيمة وهو خبير بأمر الصوفية: “إن التصوف وليد الأفكار المختلطة من الإسلام واليهودية والمسيحية، ومن المانوية والمجوسية والمزدكية، وكذلك الهندوكية والبوذية، وقبل ذلك من الفلسفة اليونانية، وآراء الأفلاطونية الحديثة، ثم قال: وتمسك بهذا الرأي بعض الكتاب في الصوفية من المسلمين وغير المسلمين”([15]).

ومن خلال عرض آراء هؤلاء الكتاب المعاصرين في أصل الصوفية -وغيرهم ممن لم نذكره كثيرون يرون هذا الرأي- يتبين أن الصوفية دخيلة على الإسلام، يظهر ذلك في ممارسات المنتسبين إليها، تلك الممارسات الغريبة على الإسلام والبعيدة عن هديه، وإنما نعني بهذا المتأخرين من الصوفية حيث كثرت وعظمت شطحاتهم، أما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من الاعتدال، كالفضيل بن عياض والجنيد وإبراهيم بن أدهم وغيرهم([16]).

وهذه المصادر السابقة نستطيع أن نسميها: مصادر خارجية، أما آراء الشيوخ والرياضة والمنامات والكشف والإلهام فهي غالبًا داخلة فيما سبق، بل بعضها يبني الصوفيةُ مذهبهم عليها.

يقول عبد الرحمن عبد الخالق: “تختلف العقيدة الصوفية في صورتها الأخيرة عن عقيدة الكتاب والسنة من كل وجه؛ من حيث التلقي والمصادر أعني مصدر المعرفة الدينية، ففي الإسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن أو سنة، لكن في التصوف تثبت العقيدة بالإلهام والوحي المزعوم للأولياء، والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين، وبعروج الروح إلى السماوات، وبالفناء في الله وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم، وبالكشف، وبربط القلب بالرسول حيث يستمد العلوم منه في زعمهم، وبلقاء الرسول في اليقظة والمنام حسب زعمهم، وبالرؤى… وبالجملة فالمصادر الصوفية للغيب كثيرة جدًّا”)[17](.

أوجه الشبه بين التصوف والفلسفة:

أولًا: التوحيد:

التوحيد عند الصوفية:

هو: معرفته الثابتة له في الأزل والأبد، وذلك بأن لا يحضر في شهوده غير الواحد جل جلاله. وأركان التوحيد سبعة: إفراد القدم عن الحدث، وتنزيه القديم عن إدراك المحدث له، وترك التساوي بين النعوت، وإزالة العلة عن الربوبية، وإجلال الحق عن أن تجري قدرة الحدث عليه فتلوّنه، وتنزيهه عن التمييز والتأمل، وتبرئته عن القياس([18]).

قال الجنيد: التوحيد هو إفراد القدم من الحدث([19]).

فاستخدام مصطلحات مثل القدم والحدث والعلة لا يخرج عن مصطلحات الفلاسفة. فإزالة العلة عن الربوبية تعني أنه ليس معلولًا، فهو العلة الأولى لجميع الأشياء، وهو مصطلح فلسفي خالص.

والتوحيد عندهم لا يتحقق إلا بتحقيق الفناء وهو أن تكون مع الله بلا علاقة، كما قال الجنيد، وعلق السراج على ذلك فقال: “وهذا لا يكون إلا بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له… بذهاب حسه وحركته لقيام الحق له فيما أراد منه… وبهذا الفناء في التوحيد يتحقق للصوفي الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية”([20]).

فالجنيد مع تصريحه بالتمسك بالكتاب والسنة عبر عن رأيه في التوحيد بعبارات فلسفية عندما عرف توحيد الخواص بأنه الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية. ويتضح من هذا أيضًا أن الجنيد يشير إلى نوع خاص يقوم على أساس الفناء، ويلجأ إلى عبارات دقيقة قصيرة، تتلاءم مع لغة الجذب والشطح، لغة غريبة لا عهد للسلف بها، حتى إن كثيرًا من الصوفية يصرحون بأنهم لا يفهمون بعض عباراته([21]).

والموحد عندهم هو ذلك الشخص الذي يرى الوجود واحدًا، كما قال الغزالي: “موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد، فلا يرى الكل من حيث إنه كثير، بل من حيث إنه واحد، وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد”([22]).

وهذا يسمى عندهم توحيد الشهود، وهو الذي يتصل فيه العبد بالمحبوب الأعظم، فلا حاجة إلى برهنة أو استدلال؛ لأنه لا يقوم على عقل أو منطق، وإنما اتصال بالله وفناء فيه واتحاد معه.

وقد مر الجنيد بقوم من المتكلمين يخوضون في علم الكلام فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص، فقال: نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب([23]).

وكان الجنيد أول من صرح بفكرة الوجود السابق للروح على البدن، أو بعبارة أخرى: نظرية تحقّقت بها نفس الإنسان في عالم آخر قبل أن تتّصل بالبدن في هذا العالم، وأكدها مرارًا وتكرارًا.

فكان لهذه النظرية أثرها الواضح للصوفية الذين جاؤوا من بعده، ثم طوروها وفصلوها؛ ليجعلوها أساسًا قامت عليه نظرية الحقيقة المحمدية، أو الإنسان الكامل أو القطب، أو خاتم الأولياء([24]).

وكما قال عامر بن عامر البصري:

تجلى لي المحبوب في كل وجهة               فشاهدته في كل معنى وصورة

وخاطبني مني بكشف سرائري                  فقال: أتدري من أنا؟ قلت: منيتي

فأنت مناي بل أنا أنت دائمًا                        إذا كنت أنت اليوم عين حقيقتي

وأنظر في مرآة ذاتي شاهدًا                           لذاتي بذاتي وهي غاية بغيتي

وما شهدت عيني سوى عين ذاتها               وإن سواها لا يلم بفكرتي

بذاتي تقوم الذات في كل ذروة                     أجدد فيها حلة بعد حلة

فليلى وهند والرباب وزينب                      وعلوى وسلمى بعدها وبثينة

عبارات أسماء بغير حقيقة                         وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي([25])

وهكذا نرى أن التوحيد عند هذه الطائفة من الصوفية كالجنيد والغزالي والسهروردي لا ينال إلا بالفناء في الله، فالموحد يفنى عن نفسه ليبقى بربه، ويكون شاهدًا له في كل شيء، بل لا يشاهد في هذا الشهود إلا الله، وهذا التوحيد هو المعروف عندهم بوحدة الشهود([26]).

وهكذا تجد: “غَايَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ التَّوْحِيدِ هُوَ شُهُودُ هَذَا التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ، لَا سِيَّمَا إذَا غَابَ الْعَارِفُ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وَجُودِهِ وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَدَخَلَ فِي فَنَاءِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بِحَيْثُ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي لَا غَايَةَ وَرَاءَهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ التَّوْحِيدِ، وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّوْحِيدِ مُسْلِمًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ مِنْ سَادَاتِ الْأَوْلِيَاءِ”([27]).

وهذا التوحيد لا ينبغي أن يطلع عليه إلا خاصة الخاصة كما قال الغزالي: “وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطّر في كتاب، فقد قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر”([28]).

وهذا معناه أن حقيقة التوحيد ليست في كتاب الله، وأنه لا يعرفها أحد إلا الصوفية أرباب الكشف! وهذا معناه أيضا أنه هو وأمثاله من الصوفية يعرفون أسرار الربوبية، غير أنهم يضنون بها على الكتب، وأن المسلمين جميعًا لا يعرفون حقيقة التوحيد!([29]).

وهكذا نرى الغزالي يظهر عبارات الفلاسفة في قالب التصوف؛ لذا قال أخص أصحابه أبو بكر بن العربي عنه: “شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر”([30]).

وقد يقال: المنهج الفلسفي يقوم على النظر، والمنهج الصوفي يقوم على الكشف والرؤي والتأويلات الباطنية، فما الذي جمع بين المنهجين؟!

نقول: نعم، كان الأمر كذلك، هناك انفصال بين المنهج الفلسفي الكلامي والمنهج الصوفي الباطني، إلى أن جاء القرن السادس الهجري حيث اكتمل في منتصف هذا القرن بناء التصوف الفلسفي، واتضحت خطوطه، ونضجت معالمه، كفلسفة متكاملة قائمة على أساس توحيد المنهجين ودمجهما في قالب واحد على يد واضعه الفيلسوف الصوفي المعروف بالسهروردي المقتول([31]).

فوحَّد بين حكمة الفلاسفة وكشف الصوفية في منهج واحد سماه: “حكمة الإشراق”، فظهر التصوفُ الفلسفي على يَدَيه، وكان قبل ذلك مجردَ سلوكٍ يهدف إلى الترقي الروحي([32]).

وفلسفة السهروردي الإشراقية تدور حول محورٍ واحد وهو النور، وجعله مبدأ الوجود وجوهره، وهو موجود لذاته، ولا يوجد بغيره، ولا يشار إليه بالحس([33]).

وهكذا أدخل المتصوفة في الإسلام ما ليس منه في جميع جوانبه، سواء كان في جانب العبادة، أو كان في جانب العقائد والأخلاق، حتى أصبحت معرفة الصوفية في عمومها معرفة فلسفية أو إشراقية، فالإشراق الفلسفي الذي عرف من قبل عند سقراط وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة اليونان والهند والفرس، والذي يصل فيه المرء بعد مرحلة التجرد والرياضة والعبادة إلى مرحلة الكشف والإخبار عن المغيبات هو غاية التصوف الإسلامي في منهجه الفلسفي([34]).

التوحيد عند الفلاسفة:

الذي يقرأ كتب الفلسفة يستطيع أن يعرف مصدر كلام الصوفية في التوحيد، إنه الفيلسوف اليوناني المعروف أفلاطون الذي اشتهر بنظرية الْمُثُل([35]) وانتشرت آراؤه في العالم الإسلامي في وقت مبكر.

فالتوحيد عند الفلاسفة أيضًا لا بد أن يحاط بالسرية، ولا يكون إلا لخاصة الخاصة([36])، كما يقول أفلاطون: “إن المعرفة الخاصة بالإله معرفة لا تقال مطلقًا إلا لخاصة الخاصة؛ لما يحيط بها من أسرار ولا يجب التحدث عنها حديثًا عامًّا”([37]).

والإله لا يعدو عندهم أن يكون علة من العلل، ولكنه العلة الأولى التي فاض منها كل شيء، يقول أفلاطون: “إن نشوء المعلولات عن العلل -وهو ما نشاهده في كل لحظة- يبرهن على أن تلك العلل مشتملة على قوة في إمكانها أن توجد ما لم يكن موجودًا، فإذا ثبتت هذه القوة الإيجابية وجب أن يكون هناك كائن متّصف بهذه القوى الموجودة؛ لأن ما هو ثابت للمعلولات من قوى يجب أن يثبت للعلل بهيئة أكثر كمالًا، وليس سوى الإله”([38]).

والفيض عندهم يحدث كما يصدر النور عن الشمس دون أن يتغير جوهر الشمس، فالوجود بالقياس إلى الأول هو بمثابة شعاع الشمس من الشمس؛ لذا كانت فكرة الوحدة في الله هي الأساس في نظرية التوحيد عند الفلاسفة.

ثانيًا: الأسماء والصفات:

الأسماء والصفات عند الصوفية:

وصَف الصوفيةُ الله عز وجل بالسلوب؛ جريًا على ما عند الفلاسفة فقالوا: “ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولا شخص ولا جوهر ولا عرض، ولا اجتماع له ولا افتراق، ولا يتحرك ولا يسكن، ولا ينقص ولا يزداد، ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا جوارح ولا أعضاء، ولا بذي جهات ولا أماكن…”([39]).

وقال الغزالي: “وأنه ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدود مقدر، وأنه لا يماثل الأجسام في التقدير ولا في قبول الانقسام، وأنه ليس بجوهر ولا تحلّه الجواهر، ولا بعرض ولا تحله الأعراض…”([40]).

وهذا الشعراني يصف الله تعالى بالسلوب كذلك فيقول: “قائم بنفسه، ليس بجوهر فيقدر له المكان، ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء، ولا بجسم فيكون له الجهة والتلقاء… لا يحده زمان ولا يحويه مكان، بل كان ولا مكان…”([41]).

الأسماء والصفات عند الفلاسفة:

ثبت تاريخيًّا أن أول من قال بنفي الصفات في الإسلام هو الجعد بن درهم، وكان هذا الجعد من حران، وكان فيها أئمة الصابئة والفلاسفة، وانتشرت هذه الأقوال في بلاد المسلمين مع ترجمة كتب الفلسفة في عهد المأمون.

فإن وصف الإله بالسلوب هو الأصل عند أساطين الفلاسفة، فهذا فليون يقول: “لا نستطيع أن نضيف إلى الله إلا هذه الصفات السلبية لأننا إذا أثبتنا له صفة إيجابية فقد أضفنا إليه صفات تتعارض مع طبيعته”([42]).

وهكذا نجد فليون لا يريد أن يبقِي أي صفة لله عز وجل، بل ينعته بأنه الموجود بلا كيف ولا صفة، ولا يبقي له غير صفة واحدة هي صفة الوجود.

ثالثًا: الفناء:

الفناء عند الصوفية:

هو زوال الرغبة والتجرّد من الدنيا وكافة الصفات البشرية، حتى ينتهي به إلى الاندماج والفناء في ذات الإله. يقول الهجويري: “الصوفي هو الفاني عن نفسه والباقي بالحق، قد تحرر من قبضة الطبائع واتصل بحقيقة الحقائق”([43]).

وفي مجلة التصوف الإسلامي يقول محمد ذكي إبراهيم: “التصوف فناء صفة العبد ببقاء صفة المعبود”([44]).

بل يقول البسطامي: “سبحاني سبحاني! ما أعظم سلطاني! ليس مثلي في السماء يوجد، ولا مثلي في الأرض تعرف، أنا هو، وهو أنا، وهو هو”([45]).

وأشار القشيري أن هناك فناء الأحوال فقال: “فناء في الأحوال، وفلسفته أن من شاهد الربوبية في جريان القدر وتصاريف الأحكام فني عن أي حسبان، فإذا فني عن توهّم الآثار من الأغيار بقي بصفات الحق، فلا يشهد من الأغيار عينًا ولا أثرًا ولا رسمًا ولا طللًا لانعدام أثرها عليه، وعند ذلك يقال في عرفهم: (إنه فني عن الخلق، وبقي بالحق)”([46]).

يقول المستشرق نيكلسون: “ومن الغريب أن تصدر الكلمات الأخيرة عن صوفي سنّي كالقشيري؛ لأنها كلمات صريحة في وحدة الوجود. ولكن لها مغزاها أيضا من ناحية أخرى؛ إذ إنها ترشدنا إلى الخطر الذي نستهدف له عندما نأخذ أقوال الصوفية بحرفيتها، ونفهم منها معانيها الظاهرة. والواقع أن القشيري لا يقصد بما يسمى الاستهلاك في وجود الحق سوى فناء الصوفي عن فكره وإرادته، بالتأمل في وجود الحق، واستهلاكه في ذلك استهلاكًا لا وعي فيه، ولكن كثيرًا ما يكون الفناء مصحوبًا بحالة يفقد فيها الصوفية إحساسهم، وإن كان ذلك ليس بالأمر العام فيهم”([47]).

فكلام القشيري صريح الدلالة في ظاهره على وحدة الوجود، إلا أنه يجب ألا نحاكم الصوفية إلى هذا الظاهر؛ فكثيرًا ما يفقد الصوفية إحساسهم حال الفناء، فيتكلمون بظاهر يخالف ما في باطنهم. هكذا يقول نيكلسون.

قال الدكتور لطف الله خوجة: “وقد أصاب، فظاهر كلام القشيري لا يحتمل إلا وحدة الوجود؛ أي: أن الألفاظ التي استعملها لا تستعمل إلا في هذا المعنى، فأما أن هذا هو ما يقصده باطنا فذلك أمر لايعلمه إلا الله تعالى، فربما خانته العبارة، أو قال عبارات أهل السكر الذين يرددون ما لا يريدون حقيقته، فوقف عند المعنى الذي يقصده، ولم يتأمل في ملاءمته لألفاظه”([48]).

والفناء عندهم هو أعلى المقامات، كما قال أبو الحسن النوري: “أعلى مقامات أهل الحقائق انقطاعهم عن الخلائق، وسبيل المحبين التلذذ بمحبوبهم، وسبيل الفانين الفناء في محبوبهم”([49]).

ويؤكد ابن القيم هذا المعنى للفناء عند القوم فيقول: “والفناء الذي يشير إليه القوم ويعملون عليه أن تذهب المحدثات في شهود العبد، وتغيب في أفق العدم كما كانت قبل أن توجد، ويبقى الحق تعالى كما لم يزل، ثم تغيب صورة المشاهد ورسمه أيضا فلا يبقى له صورة ولا رسم، ثم يغيب شهوده أيضا فلا يبقى له شهود، ويصير الحق هو الذي يشاهد نفسه بنفسه كما كان الأمر قبل إيجاد المكونات، وحقيقته أن يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل”([50]).

وهذا ما أكد عليه الجنيد بقوله: “التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة”، ويؤكد هذا المعنى بقوله أيضًا: “التصوف هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به”([51]).

وعلى أي حال فالفناء عند الصوفية بشتى صوره يقترب من حيث المعنى من “وحدة الوجود”؛ لأن الحالتين -حالة الفناء، وحالة الوحدة- تتحول فيهما الذاتان القديمة والمحدثة إلى ذات واحدة وهي القديمة.

وعلى كل حال فقد ربط الصوفية -كالجنيد ومن تبعه- التوحيد بالفناء ربطًا قويًّا، فكأن التوحيد لا ينال إلا بالفناء في الله، فالموحد يفنى عن نفسه ليبقى بربه، ويكون مشاهدًا له في كل شيء، بل ولا يشاهد في هذا الشهود إلا الله.

فالتوحيد عند الجنيد والغزالي والسهروردي لا يعني مجرد الإقرار بالوحدانية لله ونفي الأضداد عنه، بل يعني ألا يحضر في شهود الموحد غير الله تعالى.

وهذا هو المعنى الحقيقي للتوحيد عندهم، فالتوحيد والفناء والشهود كلها بمعنى واحد([52]).

لذا فالغاية من التوحيد عندهم هي تحقيق الفناء، وقد سبق نقل كلام شيخ الإسلام في نقد هذا المفوم للتوحيد([53]).

الفناء عند الفلاسفة:

لا يختلف الفناء عند الفلاسفة عنه عند الصوفية، فالفناء عند الفلاسفة يقوم على الاتحاد الكامل بين الجوهر والفعل، أي: في الطبيعة والمشيئة والفعل الصادر منهما، فتكون الإشارة إلى الواحد عين الإشارة إلى الآخر.

قال عبد الرحمن بدوي وهو يصوّر رحلة الخط الصاعد عند أفلوطين وأفلاطون: “إن النفس كانت تحيا من قبل حياة أبدية، ثم هبطت من هذه الحياة الأبدية إلى الحياة الجسمية البدنية، وهي تحمل في أساسها صفات الواحد الأول؛ لأنها تحمل صفات النفس الكلية والعقل الكلي، وبالتالي فعليها التخلص من المحسوس المتبدّد لكي تعود إلى الوحدة والطمأنينة… وهذه الحالة التي يعبر عنها الصوفية بحالة تبدأ بالوجد ويتطور حنين النفس إلى مصدرها إلى حالة عشق ونشوة وسكر، وفي هذه الحالة تصل النفس إلى ما يصطلح عليه الصوفية الفناء أو المحو…”([54]).

وفي التاسوعات لأفلوطين: “إني ربما خلوت بنفسي، وخلعت بدني جانبًا، وصرت كأني جوهر بلا بدن، فأكون داخلًا في ذاتي، راجعًا إليها، خارجًا عن سائر الأشياء، فأكون العلم والمعلوم جميعًا، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء والضياء ما أبقى له متعجبًا بهتًا، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الشريف الفاضل الإلهي ذو الحياة الفعالة. فلما أيقنت بذلك ترقيت بذاتي من ذلك العالم إلى العالم الإلهي…”([55]).

رابعًا: الحلول والاتحاد ووحدة والوجود:

الحلول والاتحاد ووحدة والوجود عند الصوفية:

دخلت فكرة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود على الصوفية من باب (التشبه بالإله على قدر الطاقة)، فحاولوا إثبات تشبه العبد بالرب في الذات والصفات والأفعال، كما فعل الغزالي ومن تبعه في كتابه: (المضنون به على غير أهله)، ثم جاء ابن عربي وتلامذته فقالوا بالوحدة المطلقة؛ لأن الفلاسفة يقولون: الوجود الحقيقي هو للعلة الأولى (الله) لاستغنائه بذاته، فكل ما هو مفتقر إليه فوجوده كالخيال. ومن هنا نشأت نظرية “وحدة الوجود” عند ابن عربي، وقد انطلقت ابتداء مما يردده الصوفية بشكل عام من أن الموجود الحق هو الله سبحانه، ويعنون بذلك أن الموجودات والكائنات إنما هي صور زائفة ومجرد أوهام، وليست ذاتًا منفصلة قائمة بنفسها، فمثلها لا يستحق أن يطلق عليه الوجود الحقيقي، ولكنها حرفت عند ابن عربي عن مفهومها لدى الصوفية بحيث انتهى إلى القول بوحدة الوجود، فقال: إن الوجود الحقيقي هو الله سبحانه، ولكننا نرى هذه الكثرة والتعدد قائمة أمام أعيننا، فلا يمكن إنكارها، ومن ثم فهذه الموجودات كلها ليست سوى الله ذاته -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا-([56]).

والحلول هو: أن يكون الشيء حاصلًا في الشيء، ومختصًّا به، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر تحقيقًا أو تقديرًا([57]).

والحلول على قسمين:

حلول خاصّ: وهو دعوى حلول الرب وحصوله في بعض خلقه.

فمنهم من يجعل هذا الحلول في عين مختصة، كدعوى النسطورية من النصارى بحلول اللاهوت في الناسوت، ويخصون ذلك بعيسى عليه السلام، وكدعوى غالية الرافضة الذين يقولون: إن الله تعالى حلَّ بعلي بن أبي طالب، وأئمة أهل بيته.

ومنهم من يربط الحلول بمن حقق وصفًا مختصًّا، كبعض غلاة الصوفية ممن يقول بحلوله -تعالى وتقدس- فيمن حقّق الولاية، وهذب نفسه في الطاعة، وصبر عن لذات النفس وشهواتها، فارتقى في درجات المصافاة، فيصفو عن النفس البشرية، فتحل فيه روح الإله -تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرا-([58]).

حلول عام: وهو دعوى حلول الرب وحصوله بذاته في كل مكان.

وهذا القول هو الذي ذكره أئمة السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين، ممن يقول: إن الله بذاته في كل مكان([59]).

والحلول لم يكن إلا نتيجة الفناء المفرط والمذموم عند الصوفية؛ ولذا حذر منه بعضهم كالسراج والقشيري([60]).

وحلولية المتصوفة هم المنتسبون إلى أبي الحسين الحلاج، حكوا عنه أنه قال: “من هذب نَفسه في الطَّاعَة وصبر على اللَّذَّات والشهوات ارْتقى إلى مقَام المقربين، ثمَّ لَا يزَال يصفو ويرتقى في دَرَجَات المصافاة حَتَّى يصفو عَن البشرية، فإذا لم يبْق فِيهِ من البشرية حَظّ حل فِيهِ روح الإله الذي حل في عِيسَى ابن مَرْيَم، وَلم يرد حِينَئِذٍ شَيْئا إلا كَانَ كَمَا أراد، وَكَانَ جَمِيع فعله فعل الله تَعَالَى”([61]).

وهو القائل:

سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا لخلقه ظاهرًا في صورة الآكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه كلحظة الحاجب بالحاجب([62])

ومن النصوص السابقة تبين أن الحلاج أول من وضع نظرية الحلول، أي: حلول اللاهوت بالناسوت، أو الإله المتأنس في دائرة التصوف الفلسفي، بأسلوب دقيق وعبارة عميقة.

على أن الحلاج ليس وحيدًا في هذا الاتجاه، فالشبلي يحمل نفس الاتجاه، ولكنه لم يصرح، فهو القائل: “كنت أنا والحلاج شيئًا واحدًا، إلا أنه أظهر وكتمتُ”([63]).

والاتحاد: تصيير ذاتيين واحدة، وهو حال الصوفي الواصل.

وهذا المعنى قديم عند الصوفية، فقد ألمح إليه صوفية الطبقة الأولى، ومنهم أبو يزيد البسطامي، فهو القائل: “خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح مني فيَّ: يا من أنت أنا قد تحقّقت في مقام الفنا”([64]).

كما عرفه بعضهم بأنه: “اتحاد شيء مع شيء آخر بنحو يصبح الاثنان شيئًا واحدًا، وذلك عندما تزول من الإنسان كل صفة من صفات الجسم، ويزول عنه كل ما هو غير روحاني، وعندما يتم ذلك يتحد الإنسان بالله، ويصبح كل ما لله من الصفات والإمكانيات لهذا الإنسان، بنحو تكون الكلمتان (الله) و(الإنسان) تعبيرًا عن معنى واحد”([65]).

وأما وحدة الوجود: فتعني أنه لا وجود حقيقة إلا الله، وكل الموجودات وهم، ولا تصبح حقيقة إلا بتجليات الإله فيها([66]).

وممن قال بهذه المقالة ابن عربي وابن الفارض، لكن من أوائل من قال بها أبو حمزة الصوفي المعاصر للإمام أحمد.

فقد تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس فقبلوه، فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع، فزعق أبو حمزة وقال: لبيك لبيك، فنسبوه إلى الزندقة، وقالوا: حُلولي زنديق، وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع: (هذا فرس الزنديق)([67]).

وقال أبو نصر الطوسي: “بلغني عن أبي حمزة (الصوفي) أنه دخل دار حارث المحاسبي، وكان للحارث دار حسنة وثياب نظاف، وفي داره شاة مُرغية، فصاحت الشاة مرغية، فشهق أبو حمزة شهقة، وقال: (لبيك يا سيدي)، قال: فغضب الحارث وعمد إلى سكين، فقال: إن لم تتب من هذا الذي أنت فيه أذبحك. قال: فقال له أبو حمزة: أنت إذا لم تحسن هذا الذي أنت فيه فلِمَ لا تأكل النخالة بالرماد؟!”.

يعلق الطوسي على هذا الكلام فيقول: “يريد (أبو حمزة) بذلك أن إنكارك عليّ يشبه أحوال المريدين والمبتدئين”([68]).

وابن عربي زعم أنه نقل علمه وكتبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، وكتب عن اللوح المحفوظ بلا وساطة، وصاغ عقيدة وحدة الوجود بكل جرأة وبلا مواربة، واستطاع أن يحرف آيات القرآن فيزعم أن قوم هود الكافرين كانوا على الصراط المستقيم، وأن فرعون كان مؤمنًا كامل الإيمان، وأن قوم نوح كانوا مؤمنين، فجازاهم الله بأن أغرقهم في بحار الوحدة، وأدخلهم نار الحب الإلهي ليتنعموا فيها، وأن هارون أخطأ لأنه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل، وما كان العجل إلا المعبود الحق، أو صورة من صور المعبود الحق، وأن قوم نوح أصابوا في عدم تركهم ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا لأنها مظاهر للإله الواحد، وأن النار عذوبة لا عذاب، وأنه ما من إنسان إلا مرحوم مرضي عنه، وأن الله لا يعلم شيئًا قبل وجوده؛ لأن وجود الشيء هو وجود العلم، بل وجود كل شيء هو ترجمة لوجود الله.

وهذا الذي ذكره ابن عربي رغم ما فيه من الكفر والزندقة، إلا أنه ادعى بأن كل ذلك قد نقله بلا زيادة ولا نقصان عن الرسول الذي أمره بتبليغ ذلك للناس([69]).

قال في مطلع كتابه (فصوص الحكم) -وهو الكتاب الذي جعله خاتمة لأعماله جامعًا لعقيدته-: “أما بعد، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا. ثم يقول: فحققت الأمنية، وأخلصت النية، وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي الرسول صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان”([70]).

ويقول عبد الكريم الجيلي:

ذاتٌ لها في نفسها وجْهَانِ ** للسّفل وجهٌ والعُلا للثاني

ولكلّ وجهٍ في العبارة والأدا ** ذاتٌ وأوصافٌ وفعلُ بَيَانِ

إن قلت واحدة صدقْتَ وإنْ تقُلْ ** اثنانِ حقّا إنّه اثنانِ

أو قلتَ لا بل إنّهُ لَمثلّثٌ ** فصدقْتَ ذاك حقيقةُ الإنسانِ

ولئن ترى الذاتين قلت لكونه ** عبدًا وربًّا إنه اثنان([71])

الحلول والاتحاد ووحدة والوجود عند الفلاسفة:

قال الدكتور عبد الرحمن بدوي: “وأوليات هذا المذهب نجدها عند بعض الفلاسفة اليونانيين السابقين على سقراط، ونجده عند انكسمندر… ومن بعده اسكينوفان الأيلي الذي يرى أن الله هو الموجود الثابت السرمدي، وقال بوحدة كل شيء وسماها: الله. وتلميذه برمنيدس الأيلي يقرر أن الوجود ثابت لا يتغير ولا يفنى ويبقى دائمًا هو هو، والعقل والوجود يتحدان”([72]).

أما أفلوطين صاحب المدرسة الأفلاطونية المحدثة فهو الذي بلور نظرية وحدة الوجود من خلال نظرية الفيض والصدور. ثم تناقل هذه الفكرة المنسوبون إلى الإسلام وخلطوها بتسميات إسلامية، محاولين التغيير من شكلها الخارجي وإعطاءها بريقًا إسلاميًّا لتمرّ على عقول عامة الخلق، ولتنشأ مفاهيم جديدة ظاهرها إسلاميّ وهي ليست من الإسلام في شيء([73]).

والفيض معناه أن الله قوّة، وهذه القوة تفيض بما فيها، فينتج الوجود، فهو يحدث كما يحدث شعاع الشمس، وكما يصدر الماء من الينبوع دون أن يتغير الينبوع، وأحسن التشبيهات التي يمكن أن تستخدم في هذه الحالة أن يقال: إن حلول الله أو الأول في الكون كحلول الروح في البدن([74]).

فهذه هي فلسفة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود التي يكون الله فيها منبثًّا في الأشياء مختلطًا بها، غير متميز عنها، فالأول يحوي كل شيء؛ لأن الأدنى حاضر في الأعلى، فالجسم في النفس، والنفس في العقل، والعقل في الأول أو الواحد، والواحد في كل مكان، موجود في كل شيء)[75](.

وكذلك نجد فكرة وحدة الوجود عند سبينوزا على سبيل المثال في الفلسفة الحديثة في قوله بالطبيعية الطابعة والطبيعة المطبوعة وأن الوجود واحد، وكذلك عند هيجل في قوله بالروح المطلع الذي يتجلّى في الظواهر بطريقة جدلية، فحقيقة الوجود واحد وأن هذه الحقيقة تتمظهر في عالم الظواهر حتى تعود إلى حالتها الأولى، وقد تحققت بالفعل بعد أن كانت حقيقة بالقوة.

لذا سيبقى للفلسفة دائمًا الدور الأكبر في محاولة تخريب العقيدة الإسلامية الصافية السهلة، بل بتخريب المجتمعات الإنسانية؛ لأنها تقوم على نظريات في الذهن وليست في الواقع، وهذا مما حدا بعالم كبير كابن تيمية أن يقول محذّرًا منها بعد أن نفذ إلى أعماقها: “ولا شك أن كل من كان أقرب إلى الشرائع السماوية كان أقرب إلى العقل ومعرفة الحقيقة، وهل رأيت فيلسوفًا أقام مصلحة قرية من القرى”([76]).

وهو هنا يلتقي مع مفكر غربي هو الدكتور ألكسس كاريل الذي يرى أن الفلسفة أساءت كثيرًا للمجتمعات الغربية حين كانت تنظر في الكتب فقط دون معرفة الواقع العملي، ويقول: “ليس هناك مذهب فلسفي قد استطاع أن يحظى بقبول جميع الناس، وكل استنباطات الفلاسفة ما هي إلا فروض”، ويتابع نقده للفلسفة: “كان من الممكن للعلم أن يكفل لنا نجاح حياتنا الفردية والاجتماعية، ولكننا فضّلنا نتائج التفكير الفلسفي فارتضينا أن نأسن وسط المعاني المجردة، ولا شك أن فلاسفة عصر النور هم الذين مكنوا لعبادة الحرية بصورة عمياء في أوروبا وأمريكا”([77]).

خامسًا: الحقيقة المحمدية والعقل الأول:

الحقيقة المحمدية والعقل الأول عند الصوفية:

هي شعبة من شعَب الغلو الذي وقعت فيه الصوفية، بل من شعب الكفر، وهو مزيج من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأثر بالفلسفة اليونانية في تقريرها لأول مخلوق، والتأثر بالنصرانية التي أضفت صفات الربوبية على المسيح عليه السلام([78]).

قال القاشاني: “إن محمدًا أول التعينات التي عين به الذات الأحدية قبل كل تعين، فظهر به ما لا نهاية من التعينات، فهو يشمل جمع التعينات. فهو واحد فرد في الوجود لا نظير له؛ إذ لا يتعين من يساويه في المرتبة، وليس فوقه إلا الذات الأحدية المطلقة المنزهة عن كل تعين وصفة واسم ورسم وحدّ ونعت، فله الفردية المطلقة، ومن هذا يعلم أن الاسم الأعظم لا يكون إلا له دون غيره من الأنبياء، ومن فرديته يعلم سر قوله: (كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين) كونه خاتم النبيين وأول الأولين وآخر الآخرين، ومن أوليته وجمعيته سر قوله: (أوتيت جوامع الكلم) وكونه أفضل الأنبياء فإنهم في التصاعد وسعة الاستعداد والمرتبة ينتهون إلى التعين الأول ولا يبلغونه، والتعين الأول هو محمد الذي يرجع إليه جميع التعينات، فهو البرزخ بين الذات الأحدية وبين سائر الموجودات”([79]).

ومعنى أول التعينات أي: أول موجود معين له ذات، وقبله لم يكن هناك أي ذات، لا عرش ولا كرسي ولا سماوات ولا أرض.

وقول القاشاني شارح الفصوص: “وليس فوقه إلا الذات الأحدية المطلقة المنزهة عن كل تعين وصفة واسم ورسم وحد ونعت…” إلخ، يعني أنه ليس فوق مرتبة الرسول شيء إلا الذات الإلهية التي لا توصف بأي صفة بتاتًا؛ لأن ذات الله عنده مطلقة عن كل قيد، في زعمه منزهة عن أن تكون ذاتًا معينة محدودة مثلًا كأن يقول: لله وجه أو يد أو ساق، أو استوى على العرش، أو يأتي يوم القيامة؛ لأن الذات الإلهية في العقيدة الصوفية هي المطلقة عن كل هذه القيود لأنها كل الموجودات([80]).

ويشرح ابن عربي نفسه عقيدته هذه بقوله: “بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني وهو العرش الإلهي”([81]).

فالنظرية الصوفية الفلسفية قد وصلت إلى القول بأن الله هو هذا الوجود القائم المتجدّد المتغير، فهو السماوات والأرض والعرش والكرسي والملائكة والإنسان والحيوان والنبات، وهو الأزل والأبد -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-.

وإن كانت عباراتهم تختلف أحيانًا، فمرة يقولون: هو الروح الساري في الموجودات، ويشبهون هذا السريان بأنه كرائحة الورد في الورد، ووجود الروح في الجسم الحيّ، وتارة يقولون: نفس وجود الموجودات هو وجود الله، فليس هناك اثنان في الوجود خالق ومخلوق، بل المخلوق هو عين الخالق، والخالق هو نفس المخلوق.

اعتقد بذلك ونشره في الناس كبار الصوفية من أهل الزندقة والإلحاد؛ كابن عربي والحلاج والجيلي وابن سبعين ومن على شاكلتهم، وهؤلاء الصوفية أنكروا في كتبهم على من يشهد بأن الله سبحانه وتعالى هو الإله القائم بنفسه المستوي على عرشه البائن من خلقه، والذي هو معتقد المسلمين في ربهم سبحانه وتعالى([82]).

وقد كان هذا المعتقد أيضًا هو معتقد بعض من نسب إلى التصوف؛ ولذلك شدد ابن عربي عليهم النكير أيضًا وخطّأهم ونسبهم إلى القصور وعدم الفهم.

وخلاصة القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يراه الصوفية:

1- هو التعيين الأول، وهو العقل الأول، وهو العقل الفعال.

2- هو الاسم الأعظم، وهو الذات، وهو مرآة الذات.

3- هو المقابل لحضرة الأزل، وهو الأزلي الأبدي.

4- هو المتلبس بملابس شتى، ولابسه في كل زمان هم الأقطاب.

والحقيقة المحمدية حسب المفهوم الصوفي الفلسفي قد يختلف بعضها عن بعض قليلًا، ولكنها جميعها مجمعة على شيء واحد وهو أن الرسول هو أوّل موجود، فمنهم من يقول: نور الرسول هو أول موجود، ومنهم من يقول: بل وأيضًا ذاته النورانية المستوية على العرش، وأن وجوده البشري في وقته إنما كان مجرد تعيين جديد، وتجسد جديد لذات الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعض الصوفية أيضًا يجعل عين الرسول وذاته هي عين الله وذاته، وأنه ليس هناك حقيقة إلهية غير الحقيقة المحمدية، ومن ذهب إلى ذلك عبد الكريم الجيلي وغيره، وبعضهم يفرق بين الذات الإلهية التي ليس لها تعين ذاتي ووجود منفصل عن الخلائق، بل هي كل الموجودات، بل هي في زعمهم الروح الخفي الساري في الموجودات، وأن هذه الذات الإلهية خلقت النبي محمدًا أولًا قبل المخلوقات جميعًا، ثم خلقت المخلوقات بعد ذلك من نور ذات الرسول، وأن ذات الرسول هي المستوية على العرش الرحماني، كما قال ابن عربي.

ومنهم -ولا سيما المتأخرون- من يجعل ذات الرسول والحقيقة المحمدية هي عين الحقيقة الإلهية، ويجعلون الرسول بصورته البشرية صورة كاملة أو هو أكمل صورة للحقيقة الإلهية، ويجعلون كذلك الصورة البشرية المحمدية هي إحدى الصور الممكنة للرسول، ويعتقدون أنه يتشكل كثيرًا في أي صورة يشاء([83]).

الحقيقة المحمدية والعقل الأول عند الفلاسفة:

نقل الصوفية عقيدة وحدة الوجود عن الفلسفة الأفلاطونية واعتقدوها، وجعلوها هي الحقيقة الصوفية وسر الأسرار، وهي معتقد أهل الإسلام في زعمهم، ونقلوا ما قاله هؤلاء الفلاسفة في نظرياتهم في بدء الخلق والعقل الأول، فقد قال الفلاسفة الأقدمون: “إن أول شيء بدأ في الخلق هو الهباء (أي: الذرات) وإن أول موجود وجد هو العقل الأول وسموه: (العقل الفعال)، وأنه عن هذا العقل الأول نشأ العالم العلوي السماوات والكواكب ثم العالم السفلي.. إلخ([84]).

هذه النظرية الفلسفية القديمة جاء ابن عربي ونقلها هي نفسها إلى الفكر الصوفي، ولكنه استبدل بدلًا من العقل الفعال عند الفلاسفة ما أسماه هو الحقيقة المحمدية، فزعم أن أول الخلق كان هباء -كلام الفلاسفة نفسه-، وأن أول موجود هو “الحقيقة المحمدية” التي زعم ابن عربي أنها أول الموجودات، وعلى حد تعبيره: أول التعينات، أي: أول عين تشكلت وتصورت من الذرات. ويتطاول ابن عربي ويقول: إن هذه (الحقيقة المحمدية) هي التي استوت على العرش الإلهي، فيجعل ما حدثنا الله سبحانه وتعالى به عن نفسه من أنه خالق الخلق، وأنه المستوي على العرش.. ويلوي كل ذلك ويلبس على المسلمين وينقل لهم كلام الفلاسفة الملحدين في أسلوب جديد بغطاء إسلامي وآيات قرآنية، فيقول: إن ذات محمد هي أول ذات تكونت من الهباء، وهي التي استوت على العرش الإلهي، ومن نور هذه الذات خلق الله الخلق جميعًا بعد ذلك فالملائكة والسماوات والأرض، كل ذلك قد خلق من نور الذات الأولى وهي الذات المحمدية عند ابن عربي، والعقل الفعال في الفكر الفلسفي([85]). وهكذا استطاع ابن عربي أن ينقل ترهات الفلاسفة وتخيلاتهم المريضة إلى دنيا المسلمين وعقائدهم، بل جعل هذه العقيدة الإلحادية هي العقيدة الأساسية التي قام الفكر الصوفي كله بعد ذلك عليها.

فإذا علمنا ماذا يعنيه المتصوفة المتفلسفون بوحدة الوجود وأن الله عندهم ليس ذاتًا يراها المؤمنون في الآخرة وتستوي على العرش، وإنما هو نفس الوجود بكل درجاته وتناقضاته، فالله عندهم هو عين وجود المَلَك والشيطان والإنس والجان والحيوان والنبات، أقول: إذا علمنا بعد ذلك ماذا يريد المتصوفة من قولهم بالحقيقة المحمدية المستوية على العرش وجعل النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم هو المخلوق الأول قبل الأكوان جميعًا وهو الذي استوى على العرش ومن نور النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله جميع الأكوان بعد ذلك السماوات والأرض والملائكة والإنس والجن وسائر المخلوقات، فأصبحت الحقيقة المحمدية -في زعمه- الصورة الكاملة المتجسدة للذات الإلهية التي لا ترى بذاتها، ولا تنفصل عن هذا الوجود.. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند ابن عربي ومشايخ التصوف الذين جاؤوا من بعده هو الله المتجلي على العرش. أو قل: هو صورة الله المصغَّرة، وهو الذي منه استمدّت كل الموجودات وجوداتها وانفلقت عنه كل الأنوار وكل الأكوان وكل الموجودات.. وهو يعني أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو البذرة الأولى لكل موجود، فكأنه بذرة لشجرة كان منها بعد ذلك الساق والفروع والأوراق والثمار والأشواك، فهكذا بدأ الوجود بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم خلق من نوره العرش والكرسي والسماوات والأرض وآدم وذريته، وتفرع الخلق وتدرج بعد ذلك من المخلوقات التي خلقت من نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالموجودات كلها في عقيدة التصوف شيء واحد متفرع عن أصل واحد، أو قل: شجرة متفرعة عن بذرة واحدة([86]).

سادسًا: نظرية المعرفة:

نظرية المعرفة عند الصوفية:

المعرفة في الاصطلاح الصوفي صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى في معاملاته، ثم تنقى عن أخلاقه الرديئة وآفاته، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه، فحظي من الله تعالى بجميل إقباله، وصدق الله في جميع أحواله، وانقطع عنه هواجس نفسه، ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره، فإذا صار من الخلق أجنبيًّا، ومن آفات نفسه بريًّا، ومن المساكنات والملاحظات نقيًّا، ودام في السر مع الله تعالى مناجاته، وحق في كل لحظة إليه رجوعه، وصار محدثًا من قبل الحقّ سبحانه بتعريف أسراره فيما يجريه من تصاريف أقداره، يسمّى عند ذلك عارفا وتسمّى حالته معرفة([87]).

لكن هذه المعرفة توجب عندهم غيبة العبد عن نفسه؛ لاستيلاء ذكر الحق سبحانه عليه، فلا يشهد غير الله ولا يرجع إلى غيره. يقول ابن عطاء الله السكندري: “والمعرفة رؤية لا علم، وعين لا خبر، ومشاهدة لا وصف، وكشف لا حجاب، ما هُمْ هُمْ، ولا هُمْ بإياهم، كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59]، «فإذا أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا ومؤيدًا»…”([88]).

ويظهر من القراءة الساذجة لهذا النص أن فيه تنافرًا بين جمله، لكن هذا يزول إذا تذكرنا أنهم يعنون بعبارة: (أنعمنا عليه) أي: بالولاية والقرب، وعبارة: (كنت له سمعًا وبصرًا) أي: جعلته يستشعر ويتحقق أنه أنا، وأن (هو) من الأسماء الحسنى([89]).

وقال الحسين بن منصور الحلاج: “إذا بلغ العبد إلى مقام المعرفة أوحى الله تعالى إليه بخواطره، وحرص سره أن يسنح فيه غير خاطر الحق”([90]).

والمعرفة عند بعضهم تغني عن العبادة، ينقل عن الشبلي أنه سئل: ألا تعلم أن الله رحمن؟ قال: بلى، ولكن منذ عرفتُ أنه رحمن ما سألتُه أن يرحمني. وعن أبي يعقوب السوسي أن حقيقة المحبة أن ينسى العبد حظّه من الله وينسى حوائجه إليه، وعرّف الصوفي بأنه: الذي لا يكون له إلى الله حاجة([91]).

ونقل عن ممشاد الدينوري قوله: “منذ ثلاثين سنة تُعرَض عليّ الجنةُ فما أعرتُها طرفي”([92])، وعن أبي حفص قوله: “منذ عرفت الله تعالى ما دخل قلبي حقّ ولا باطل”([93])، وعن الحلاج: “من عرف حقيقة التوحيد سقط عنه: لِمَ؟ وكيف؟”([94]).

نظرية المعرفة عند الفلاسفة:

المعرفة عند الصوفية تساوي الغنوصية([95]) عند الفلاسفة، وهي كلمة يونانية تساوي المعرفة أو العرفان، ويمكن أن تترجم بالعرفانية، وهي نزعة فلسفية دينية صوفية معًا.

وسميت بهذا لأن شعارها هو أن بداية الكمال معرفة الإنسان نفسه([96])، أما معرفة الله فهي الغاية والنهاية. واهتمام الغنوصيين إنما هو بالكمال، ويمكن بلوغ الكمال بواسطة المعرفة (Gnoses) والغنوص يتم بوصفه عرفانًا بالإنسان، وهذا العرفان يفضي إلى عرفان الله. والعرفان بالله هو المؤدي إلى النجاة والخلاص؛ لأن الله هو الإنسان؛ ولهذا فإن الغنوص هو معرفة الإنسان بنفسه بوصفه إلهًا، وهذه المعرفة تؤدي إلى نجاة الإنسان([97]).

إن العرفان لا يتم بالفكر والتعلم، بل يتم بالجماعة عن طريق الطقوس والمراس، وهو ليس معرفة بالأحوال الخارجية بل بالحقائق الباطنية، خصوصًا ما يتعلق بالتمييز بين الخير والشر، وغاية المعرفة جعل الإنسان لها، واتحاد الإنسان بالله هو المعرفة أو العرفان. إن الإنسان لا يستطيع أن يبلغ بنفسه الدرجات العليا من المعرفة؛ لذا لا بد من قوة علوية هي التي تلهم هذه المعرفة العليا([98]).

وقد ازدهرت الغنوصية عند النصارى في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، واتجهت الآراء بعد ذلك لتحليلها، فكانت غالب التوجهات تنزع إلى القول أنها تزاوج بين المسيحية والفلسفة اليونانية. وذهب البعض إلى أنها نزعة قائمة بذاتها يتجلى فيها فهم جديد تمامًا للعالم والإنسان من خلال معرفة الإنسان بنفسه، فإذا ما عرف نفسه تمامًا عرف أنها هي الإله([99]).

خاتمة:

من خلال العرض السابق يمكن أن نجمل أوجه الشبه بين الصوفية والفلاسفة في النقاط التالية:

أولًا: استخدامُ الصوفية مصطلحات مثل القدم والحدث والعلة لا يخرُج عن مصطلحات الفلاسفة، فإزالة العلة عن الربوبية تعني أنه ليس معلولًا، فهو العلة الأولى لجميع الأشياء، وهو مصطلح فلسفيّ خالص.

ثانيًا: وصَف الصوفيةُ اللهَ عز وجل بالسلوب؛ جريًا على ما عند الفلاسفة فقالوا: “ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولا شخص ولا جوهر ولا عرض، ولا اجتماع له ولا افتراق، ولا يتحرك ولا يسكن، ولا ينقص ولا يزداد، ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا جوارح ولا أعضاء، ولا بذي جهات ولا أماكن”.

ثالثًا: ربط الصوفية -كالجنيد ومن تبعه- التوحيد بالفناء ربطًا قويًّا، فكأن التوحيد لا ينال إلا بالفناء في الله، فالموحّد يفنى عن نفسه ليبقى بربّه، ويكون مشاهدًا له في كلّ شيء، بل ولا يشاهد في هذا الشهود إلا الله، وهذا المعنى لا يختلف عند الفلاسفة عنه عند الصوفية، فالفناء عند الفلاسفة يقوم على الاتحاد الكامل بين الجوهر والفعل، أي: في الطبيعة والمشيئة والفعل الصادر منهما، فتكون الإشارة إلى الواحد عين الإشارة إلى الآخر.

رابعًا: دخلت فكرة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود على الصوفية من باب (التشبّه بالإله على قدر الطاقة)، فحاولوا إثبات تشبه العبد بالربّ في الذات والصفات والأفعال، وما أخذ الصوفية هذا المعنى إلا عن طريق الفلاسفة.

خامسًا: الحقيقة المحمدية هي شعبة من شعَب الغلو الذي وقعت فيه الصوفية، وهو مزيج من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأثّر بالفلسفة اليونانية في تقريرها لأول مخلوق، والتأثّر بالنصرانية التي أضفت صفات الربوبية على المسيح عليه السلام.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) الاستقامة (1/ 82).

([2]) عسكر بن حصين النخشبي، قدم بغداد واجتمع بأحمد بن حنبل، ومات بالبادية نهشته السباع (245هـ). انظر: تاريخ بغداد (12/ 315).

([3]) الرسالة القشيرية (1/ 98).

([4]) تلبيس إبليس -دار الفكر للطباعة والنشر- (ص: 147).

([5]) انظر: مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية، إدريس محمود إدريس -ط: مكتبة الرشد- (1/ 63-54).

([6]) انظر: تعريف التصوف دراسة وصفية، لطف الله خوجة -ط: دار سلف للنشر والتوزيع- (ص: 20-21).

([7]) الإنسان الكامل (2/ 52).

([8]) الطبقات الكبرى (1/ 11). وينظر: تعريف التصوف دراسة وصفية (ص: 22).

([9]) وحدة الأديان في عقائد الصوفية، سعيد محمد معلوي -ط: مكتبة الرشد- (1/ 76).

([10]) انظر: وحدة الأديان في عقائد الصوفية (1/ 79-82).

([11]) ينظر: مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية، إدريس محمود إدريس -ط: مكتبة الرشد- (1/ 54).

([12]) ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 5).

([13]) هذه هي الصوفية (ص: 19).

([14]) التصوف.. المنشأ والمصادر (ص: 28).

([15]) التصوف المنشأ والمصدر (ص: 49).

([16]) ينظر: حقيقة التصوف وموقف الصوفية من أصول العبادة والدين، صالح الفوزان (ص: 8).

([17]) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (ص: 37).

([18]) معجم المصطلحات الصوفية (ص: 52).

([19]) الرسالة القشيرية (ص: 22).

([20]) اللمع (ص: 49).

([21]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي، سعيد عقيل سراج (1/ 162).

([22]) إحياء علوم الدين (4/ 246).

([23]) ينظر: مقدمة ابن خلدون (ص: 467).

([24]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي، سعيد عقيل سراج (1/ 164).

([25]) ينظر: طبقات الشعراني (1/ 167).

([26]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي (1/ 189).

([27]) مجموع الفتاوى (10/ 101-102).

([28]) ينظر: الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ، محمود عبد الرؤوف القاسم (1/ 21).

([29]) ينظر: هذه هي الصوفية، عبد الرحمن الوكيل (ص: 45).

([30]) انظر: تعريف التصوف دراسة وصفية، لطف الله خوجة -ط: دار سلف للنشر والتوزيع- (ص: 20-21).

([31]) هو: أبو الفتوح يحيى بن حبش الملقب بالسهروردي، ولد سنة 549هـ ببلدة سهرورد من أعمال زنجبار، وانتقل إلى حلب، وله مناظرات مع فقهاء حلب، أدت إلى اتهامهم إياه بالزندقة والإلحاد، فأمر صلاح الدين بقتله سنة 587هـ، ولقب بالمقتول لئلا يعتبر شهيدًا. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 207).

([32]) ينظر: الحياة الروحية في الإسلام، محمد مصطفى حلمي (ص: 167).

([33]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي (1/ 176).

([34]) ينظر: التصوف الإسلامي بين الدين والفلسفة، إبراهيم هلال (ص: 1).

([35]) المثال عند أفلاطون هو الحقيقة الثابتة خلف الظواهر المادية المحسوسة، ووجوده وجود حقيقيّ، لا يدرك إلا بالتفكير والتأمّل، ومن أبرز هذه المثل مثال الخير.

([36]) ينظر: أفلاطون، لعبد الرحمن بدوي (ص: 235).

([37]) ينظر: الفكر الفلسفي في الإسلام، على سامي النشار -ط: دار السلام- (1/ 165-167).

([38]) ينظر: فكرة الألوهية عند أفلاطون وأثرها في الفلسفة الإسلامية والغربية، على سامي النشار (ص: 236-237).

([39]) التعرف لمذهب أهل التصوف، للكلاباذي (ص: 14).

([40]) إحياء علوم الدين -ط: دار المعرفة، بيروت- (1/ 90).

([41]) اليواقيت والجواهر (ص: 16).

([42]) موسوعة الفلسفة، عبد الرحمن بدوي -المؤسسة العربية الدراسات والنشر- (1/ 165).

([43]) ينظر: التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي (ص: 147-148).

([44]) مجلة التصوف الإسلامي الصادرة عن المجلس الصوفي الأعلى في مصر، عدد رجب 1414هـ (ص: 42).

([45]) ينظر: تلبيس إبليس، لابن الجوزي (ص: 407).

([46]) الرسالة القشيرية (1/ 229).

([47]) في التصوف الإسلامي وتاريخه (ص: 101).

([48]) موضوع التصوف (ص: 42).

([49]) ينظر: حلية الأولياء (10/ 253).

([50]) مدارج السالكين (1/ 148).

([51]) ينظر: الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ (1/ 109).

([52]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي (1/ 189).

([53]) مجموع الفتاوى (10/ 101-102).

([54]) موسوعة الفلسفة (1/ 190).

([55]) ينظر: ظهر الإسلام (4/ 156)، تعريف التصوف (ص: 25).

([56]) ينظر: الصوفية نشأتها وتطورها (ص: 50).

([57]) الكليات للكفوي -ط: مؤسسة الرسالة- (ص: 390).

([58]) انظر: الفرق بين الفرق (82)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (2/ 171-172).

([59]) انظر: مجموع الفتاوى (2/ 140)، درء تعارض العقل والنقل (6/ 151-152).

([60]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي (1/ 319).

([61]) ينظر: الفرق بين الفرق (ص: 248).

([62]) ينظر: سير أعلام النبلاء (14/ 325).

([63]) ينظر: البداية والنهاية (١١/ ١٥٢).

([64]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب الحديثة والمعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، (1/ 203).

([65]) ينظر: نظرية الاتصال عند الصوفية (ص: 33).

([66]) انظر: موسوعة الفلسفة، عبد الرحمن بدوي (2/ 624).

([67]) ينظر: تلبيس إبليس (ص: 169).

([68]) اللمع -ط: الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر- (ص: 495).

([69]) ينظر: الفكر الصوفي (في ضوء الكتاب والسنة)، عبد الرحمن عبد الخالق -ط: دار الحرمين، مصر- (ص: 115).

([70]) فصوص الحكم -تحقيق: أبو العلاء عفيفي، طبع بيروت- (ص: 47).

([71]) انظر: نونية الجيلي.

([72]) موسوعة الفلسفة (2/ 4).

([73]) انظر: الصوفية نشأتها وتطورها، محمد العبدة، طارق عبد الحليم -دار الصفوة- (ص: 21-30).

([74]) ينظر: صلة الله بالكون في التصوف الفلسفي (2/ 490).

([75]) https://www.al-aqidah.com/art/s/351

([76]) درء تعارض العقل والنقل (5/ 65).

([77]) تأملات في سلوك الإنسان (1/ 7، 47)، الصوفية نشأتها وتطورها (ص: 55-56).

([78]) ينظر: الصوفية نشأتها وتطورها (ص: 69).

([79]) شرح القاشاني على الفصوص (ص: 266-267).

([80]) ينظر: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق (ص: 179).

([81]) الفتوحات المكية (1/ 152).

([82]) ينظر: الفكر الصوفي في ضوء القرآن والسنة (ص: 175).

([83]) ينظر: الفكر الصوفي في ضوء القرآن والسنة (ص: 176).

([84]) الفكر الصوفي في ضوء القرآن والسنة (ص: 106).

([85]) الفكر الصوفي في ضوء القرآن والسنة (ص: 111).

([86]) انظر: الفكر الصوفي في ضوء القرآن والسنة (ص: 175-195) بتصرف، وصلة الله بالكون في التصوف الفلسفي (2/ 468).

([87]) الرسالة القشيرية -الطبعة الثانية القاهرة، 1959م- (ص: 154).

([88]) القصد المجرد (ص: 86).

([89]) ينظر: الكشف عن حقيقة الصوفية (1/ 291).

([90]) ينظر: الرسالة القشيرية (ص: 142).

([91]) الرسالة القشيرية (ص: 100). وانظر: المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية، لعبد الرحمن دمشقية (ص: 140).

([92]) الرسالة القشيرية (ص: 100).

([93]) الرسالة القشيرية (ص: 145).

([94]) الرسالة القشيرية (ص: 6).

([95]) الغنوصية: فرقة دينية فلسفية متعددة الصور، مبدؤها أن المعرفة الحقة هي الكشف عن طريق الحدس الحاصل عن اتحاد العارف بالمعروف، وليس عن طريق العلم والاستدلال، فهي نوع من التصوف يزعم أنه المثل الأعلى للمعرفة، ويعتقد أنه ليس هناك حواجز أو فروق بين الأديان، ومن هنا كان خطرها، وهي مأخوذة من اللفظ اليوناني (غنوسيس) يعني (معرفة) وقد نشأت في القرن الأول الميلادي بتأثير اختلاط الثقافة اليوناينة بثقافة الشرق، ومن زعمائها (أفلوطين) فيلسوف القرن الثالث الميلادي. انظر: إبراهيم هلال في مقدمة الولاية والطريق إليها (ص: 77).

([96]) وهذه هي مقولة سقراط المشهورة: اعرف نفسك، وحولها الإسلاميون من خلال حديث موضوع: (من عرف نفسه فقد عرف ربه).

([97]) موسوعة الفلسفة -المؤسسة العربية للدراسات والنشر- (2/ 86).

([98]) المصدر السابق (2/ 88).

([99]) ينظر: الصوفية نشأتها وتطورها، طارق العبدة (ص: 25).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017