الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

الإعلام بخطورة تكفير أئمة الإسلام .. (قواعد وأصول مهمة) (الجزء الأول)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

من الظواهر الخطيرة والقبيحة التي تفشَّت مؤخَّرًا بين بعض الشباب: ظاهرة الطعنِ في كثير من الأئمة الذين اتّفِقَ على جلالتهم وصدقهم وعدالتهم وعِلمهم وأمانتهم ورسوخ قدمهم، كالإمام أبي حنيفة والإمام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهم من أئمة الإسلام والعلماء الأعلام رحمهم الله جميعًا.

وهذه الفتنة الملعونة كانت قد أطلَّت بقرنها منذ عقودٍ يسيرةٍ، وظهر من يجهَر بلا خوفٍ ولا حياءٍ بالطعن في هؤلاء الأئمّة الأعلام، بل ويكفِّر طائفةً منهم كالإمام النووي والحافظ ابن حجر، ويَدعُو لحرق كُتُبهما وتحريم النظر فيها؛ بدعوى أنهما من الأشاعرة، وأن الأشاعرة جهمية، وأن السلف متَّفقون على تكفير الجهميّة.

وتصدى حينها أهل العلم لهذه الفتنة، فأخمدوها في مهدها، قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في رسالته التي صنفها للتصدِّي لهذه الفتنة: “تلك البادِرة الملعونة من تكفير الأئمة -النووي وابن دقيق العيد وابن حجر العسقلاني رحمهم الله تعالى- أو الحط من أقدارهم، أو أنهم مبتدعة ضُلَّال، كل هذا من عمل الشيطان، وبابُ ضلالةٍ وإضلال، وفسادٍ وإفسادٍ، وإذا جُرح شهود الشّرع جُرح المشهودُ به، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبَّتون”([1]).

وصنَّف فيها كذلك الدكتور محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله- كتابه (حرمة أهل العلم) الذي ردّ فيه على هذه الفتنة، فقال: “وهذا أحدُهم قد طوَّعت له نفسُه أن يُطلق لسانه بشتم بعض العلماء والإزراء بهم، فلا يراهم إلا من خلال منظار أسودَ قاتمٍ، لا يرى حسنة إلا وقد اصطبغت بالسواد، وكأنه لم يَبق عالم يملأ عينَيه أو يحترمه، مع أنه يتعسَّف ويتهوَّر في إطلاق التُّهم، ويجازف في توزيع الأحكام بالبدعة والضلال، ويندفع في تعميم أحكامه بصورة لا تشمّ رائحة الانضباط العلمي الدقيق، وهو يحسب أن انتصاره للحق ودفاعه عن عقيدة السلف يسوِّغان له الجفاء والتهوُّر.. فتراه يحكي القول بتكفير أبي حنيفة ولا ينكره.. ومن ذلك: أنه نقل عن السلف تكفيرَ الجهمية، ثم عقَّب ذلك بالتنبيه على أن الأشاعرة من الجهمية، فينتج أنَّ الأشاعرة كفار”([2]).

وتصدَّى لذلك كبار العلماء، وحذَّروا من هذه الفتنة، فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هو موقفنا من العلماء الذين أوَّلوا في الصفات، مثل ابن حجر والنووي وابن الجوزي وغيرهم؟ هل نعتبرهم من أئمة أهل السنَّة والجماعة أم ماذا؟ وهل نقول: إنهم أخطؤوا في تأويلاتهم، أم كانوا ضالين في ذلك؟

فأجابوا: “موقفنا من أبي بكر الباقلاني والبيهقي وأبي الفرج بن الجوزي وأبي زكريا النووي وابن حجر وأمثالهم ممن تأوَّل بعض صفات الله تعالى، أو فوَّضوا في أصل معناها: أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمّة بعلمهم، فرحمهم الله رحمةً واسعةً، وجزاهم عنا خيرَ الجزاء، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمَّة السلف في القرون الثلاثة التي شهِد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، وأنهم أخطؤوا فيما تأوَّلوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله، سواء تأولوا الصفات الذاتية وصفات الأفعال، أم بعض ذلك. وبالله التوفيق”([3]).

وقال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله رادًّا على منِ اتهم السلفيين بتكفير العلماء الأشاعرة كالحافظ ابن حجر رحمه الله: “ليس من أهل العلم السلفيّين من يكفِّر هؤلاء الذين ذكرتهم، وإنّما يوضِّحون أخطاءهم في تأويل الكثير من الصفات، ويوضِّحون أنَّ ذلك خلافُ مذهب سلف الأمة، وليس ذلك تكفيرًا لهم، ولا تمزيقًا لشمل الأمة، ولا تفريقًا لصفِّهم، وإنما في ذلك النصحُ لله ولعباده، وبيانُ الحق”([4]).

وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة من أهل البدع، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع، مثل ابن حجر العسقلاني والنووي -رحمهما الله- فإنّ بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحًا تامًّا مطلقًا من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ (فتح الباري)؛ لأن ابن حجر أشعريّ، وهذا غير صحيح؛ فهذان الرجلان بالذات ما أعلمُ اليوم أنَّ أحدًا قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه، ويدلّك على أنّ الله سبحانه وتعالى بحوله وقوّته -ولا أَتَأَلّى على الله- قد قَبِلها: ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس، لدى طلبة العلم، بل حتى عند العامة، فالآن كتاب (رياض الصالحين) يُقرأ في كلّ مجلس، ويُقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعًا عظيمًا، وأتمنى أن يجعل الله لي كتابًا مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته، وفي مسجده، فكيف يُقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالَّان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما، ويجب إحراق (فتح الباري)، و(شرح صحيح مسلم)؟! سبحان الله! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال، وبلسان المقال:

أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سُدُّوا المكان الذي سَدُّوا

من كان يستطيع أن يقدِّم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان إلا أن يشاء الله؟! فأنا أقول: غفر الله للنووي، ولابن حجر العسقلاني، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين”([5]).

وقال الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله: “لذلك نحن ننصَح شبابنا أن يلتزموا العمل بالكتاب والسنة في حدود علمهم، ولا يتطاولوا على غيرهم ممن لا يقرنون بهم علمًا وفهمًا، وربما صلاحًا. فمثل النووي ومثل الحافظ ابن حجر العسقلاني أعطنا اليوم في العالم الإسلامي كله مثل هذين الرجلين… فمثل النووي وابن حجر العسقلاني وأمثالهم من الظلم أن يقال عنهم: إنّهم من أهل البدع، أنا أعرف أنهما من (الأشاعرة)، لكنّهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة، وإنما وهِموا، وظنُّوا أنّ ما ورثوه من العقيدة الأشعرية، ظنوا شيئين اثنين: أولًا: أن الإمام الأشعري يقول ذلك، وهو لا يقول ذلك إلَّا قديمًا لأنه رجع عنه. وثانيًا: توهموه صوابًا، وليس بصواب”([6]).

وأنت ترى في هذه الكلماتِ القوية من كبار علماء السلفيين أنهم بريئون من تكفير علماء الإسلام أو تبديعهم وتضليلهم، وأنهم مع ذلك لم يداهنوا في العقيدة، ولا سكتوا عن الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء العلماء الأعلام، كتأويل الصفات، بل بيَّنوا خطأهم في ذلك، مع الحفاظ على قدرهم ومنزلتهم.

فليس الأمر كما يصوِّر هؤلاء الغلاة أنَّ عدم تكفير هؤلاء الأئمة أو تضليلهم هو من تقديم حقِّ المخلوق على حقِّ الله تعالى، كما يخدعون بذلك الشباب الأحداث، متوهِّمين أنهم وحدهم الذين قاموا ببيان حقِّ الله تعالى والدفاع عن عقيدة السلف بتكفيرهم لأئمة الإسلام وحفاظه الأعلام!

فالعلماء يردُّون الخطأ على صاحبه كائنًا من كان، فليس هناك معصومٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يفرِّقون بين من له قدم صدق في الإسلام، وظهر فضله وخيره، ولم يكن خطؤه ناشئًا عن عناد، أو ردٍّ للكتاب والسنة، ومن هو رأس في البدعة، داعية إليها، ينطلق من أصولٍ منابذة للكتاب والسنة، فلا يسَوّون بين الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وبشر المريسي وأمثالهم من رؤوس الجهمية، والإمام النووي وابن حجر وابن الجوزي وأمثالهم من أئمة الفقه والدين، ولكنهم أخطؤوا في بعض المسائل. ففي مثل هؤلاء يقولون: إذا بلغ الماء قلتين لم يحملِ الخبث.

ورغمَ هذا البيان الواضح من كبار العلماء، إلا أنّه سعى بعض الغلاة من حدثاء الأسنان في إحياء هذه الفتنة الملعونة -تكفير الأئمة وتضليلهم- مرة أخرى، بنفس هذه الحجج والمقدِّمات، وهي:

– أن هؤلاء العلماء كانوا من الأشاعرة، نفاة العلوّ والاستواء.

– وأن الأشاعرة من الجهمية.

– وأن السلف متَّفقون على تكفير الجهمية نفاةِ العلو.

فينتج عن ذلك تكفير هؤلاء الأئمة، أو على أقل تقدير: اعتبار تكفيرهم قولًا سائغًا، لا إنكار فيه على صاحبه.

ورغم أنه يكفي لرد هذه البدعة أنه لا قائلَ بها من العلماء المعتبَرين، بل ما روّجها إلا أغمار لم يعرفوا بالرسوخ في العلم؛ ولذلك لا تجد لها رواجًا إلا بين الأحداث الصغار ومن شابههم من الجهال، حتى إنهم لا يقنعون بكلام كبار العلماء المعاصرين كابن باز وابن عثيمين والألباني وعبد الرزاق عفيفي والمعلمي اليماني والأمين الشنقيطي وغيرهم كثير من عامة العلماء السلفيين المعاصرين، بل ولا بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ولا غيره، ظانين بأنفسهم أنهم أعلم بمنهج السلف وطريقتهم من كل هؤلاء!

أقول: رغم ذلك إلا أننا سنبين بعون الله تعالى فسادَ هذه المقدمات، والنتيجة التي بنيت عليها. ولكن قبل ذلك نبين بعض الأصول المهمة في تناول هذه المسألة.

الأصل الأول: في خطورة تكفير المسلمين:

أن تكفير المسلم الذي ثبت له عقد الإسلام ورطة خطيرة، لا يجوز الإقدام عليها، إلا ببيِّنة أوضح من شمس النهار؛ فإنّ إثم التكفير عظيم، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا»([7]). وأَن يخطئ المرء في ترك التكفير الذي هو محلّ اجتهاد وظنّ أهونُ بكثير من أن يخطِئ في تكفير المسلم.

وإذا كان هذا في حقّ عامة المسلمين، فكيف بالعالم الذي عظَّمت الشريعة حقَّه وقدره؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقّه»([8]).

ونصَّ العلماء في متون الاعتقاد التي تضمنت أصول أهل السنة المتَّفق عليها والتي لا يشذّ عنها إلا أهل البدع والضلال على وجوب تعظيم العلماء وتوقيرهم، قال الطحاوى رحمه الله في عقيدته المشهورة: “وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين -أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر- لا يُذْكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل”.

قال ابن أبي العز في شرحه: “قال تعالى: ﴿وَمَن ‌يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115]. فيجب على كل مسلم -بعد موالاة الله ورسوله- موالاةُ المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصًا الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم، يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم؛ إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم علماؤها شرارها إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول من أمته، والمُحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وكلهم متفقون اتفاقًا يقينًا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له في تركه من عذر. وجماع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

والثاني: عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول.

والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.

فلهم الفضل علينا والمنة بالسبق، وتبليغ ما أُرْسل به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، وإيضاح ما كان منه يخفى علينا، فرضي الله عنهم وأرضاهم”([9]).

فتقدير أهل العلم والذب عنهم والرد على من طعن فيهم هو من تعظيم شعائر الله تعالى، وليس كما يقول بعض هؤلاء الجهال أنهم يقدِّمون حق الله تعالى على حقّ المخلوق، يقصدون بذلك تكفير الأئمة؛ مراعاة لحق الله تعالى -بزعمهم-، ويقصدون بمراعاة حق المخلوق نفي تكفير الأئمة والدفاع عنهم.

بل إحسان الظن بالعلماء وتأويل عثراتهم وحملها على أحسن المحامل -ما أمكن ذلك- هو من تعظيم شعائر الله تعالى، وتعظيم حق الله عز وجل.

الأصل الثاني: في منهجية التعامل مع الكلمات المنقولة عن السلف:

فالبعض يتعامل مع بعض النقول عن السلف وكأنها نصوص من الوحي المعصوم، ويأبى توجيه أهل العلم لها، متوهِّمًا أن هذا هو التمسُّك بمنهجهم.

والاحتجاج بكلام السلف إنما يكون فيما أجمعوا عليه، فإجماعهم حجَّة ملزمة، وأما كلام الواحد منهم فلا يكون ملزمًا ما لم يكن نقلا عن جماعتهم التي تقوم بها الحجّة.

وعند الاختلاف بينهم فالمرجع للكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿فَإِن ‌تَنَٰزَعْتُمْ ‌فِي ‌شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْر وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].

ولا يصحّ أن يعامَل كلامُ أئمة السلف على أنه ككلام المعصوم، فيعامل كالنصوص الشرعية التي يستَدَلّ بكل لفظة فيها، ولها صفة الإطلاق في الزمان والمكان، فيحتجّ بعمومها ومطلقها، وإنما ينظر في سياقه، والظرف الذي ورد فيه، ويُحاكَم لقواعد العلم والترجيح المعروفة.

فمثلا: حينما يُنقل عن كثير من أئمة السلف أنهم كفروا الجهمية في زمانهم، فإن ذلك لا يُتعامل معه كأنه نصّ شرعي، بل ينظر في سبب هذا التكفير، وبيان من وصفهم العلماء بذلك، وبيان الزمن الذي قيل فيه هذا الكلام، وما خرج على سبيل الإلزام في الحجاج والمناظرة، وما هو على سبيل التقرير المجرد، وكذلك مراعاة التطبيق العملي للسلف مع من وصفوا بالجهمية من الولاة والقضاة والعوام، ونحو ذلك مما له تأثير في فهم هذا الكلام.

وينظر كذلك في فهم هذا الكلام في ضوء قواعد التكفير المتفق عليها، وقواعد تطبيق الحكم على الأعيان، وموانع الأهلية ونحو ذلك مما يجب النظر فيه من قواعد العلم، لا أن تفهم بمعزل عن ذلك.

مثال آخر على ذلك:

الكلام المنقول في ذم أبي حنيفة بل وتكفيره، فليس من الصواب التمسك بكلام البعض في ذمه واتهامه بالتجهم، وتكفيره بذلك، وترك ما تتابعت عليه الأمة واتفقت كلمتهم عليه من الاتفاق على فضله وجلالته وإمامته في الدين، ونفي ما نُسِب إليه من القول بالتجهم وخلق القرآن.

قَالَ أَبُو يُوسُف: “ناظرت ‌أَبَا ‌حنيفَة سِتَّة أشهر، فاتفق رَأينَا على أَن من قَالَ: الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر”([10]). وروى الخطيب البغدادي أن الإمام أحمد قال: “لم يصح عندنا أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يَقُولُ: القُرْآن مخلوق”([11]).

قال الشيخ الألباني رحمه الله: “وهذا هو الظن بالإمام أبي حنيفة رحمه الله وعِلمِه، فإن صح عنه خلافه، فلعل ذلك كان قبل أن يناظره أبو يوسف، كما في الرواية الثابتة عنه في الكتاب، فلما ناظره -ولأمر ما استمر في مناظرته ستة أشهر- اتفق معه أخيرا على أن القرآن غير مخلوق، وأن من قال: (القرآن مخلوق) فهو كافر. وهذا في الواقع من الأدلة الكثيرة على فضل أبي حنيفة، فإنه لم تأخذه العزة، ولم يستكبر عن متابعة تلميذه أبي يوسف حين تبين له أن الحق معه، فرحمه الله تعالى ورضي عنه”([12]).

ولذلك قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله: “وكان مقتضى الحكمة اتباع ما مضى عليه أهلُ العلم منذ سبعمائة سنة تقريبًا من سدل الستار على تلك الأحوال وتقارض الثناء”([13]).

مثال آخر:

ما ورد عن السلف في هجر المبتدع وعدم توقيره ونحو ذلك. فإن هذا حق لا ريب فيه، ولكن لا بد أن يفهم من خلال قواعد الشرع المختلفة.

فمن المعلوم أن هجر المبتدع مبني على مراعاة المصالح والمفاسد، والنبي صلى الله عليه وسلم قد هجر الثلاثة الذين خلّفوا؛ لما رجا من حسن توبتهم بذلك، ولم يهجر المنافقين على خبثهم؛ لأنه لا مصلحة ترتجى من ذلك، بل ربما كان ذلك سببًا في زيادة فسادهم.

وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن إظهار العداوة لأهل البدع القائلين بخلق القرآن، أم يداريهم؟ فقال: أهل خراسان لا يَقْوَون بهم. يقول: كأن المداراة([14]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فإذا لم يكن في هجرانه [الظالم والمبتدع] انزجار أحد ولا انتهاء أحد، بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها، لم تكن هجرة مأمورًا بها، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا ‌يقوون ‌بالجهمية… وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو تُرك روايةُ الحديث عنهم، لاندرس العلمُ والسنن والآثار المحفوظة فيهم… ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل.

وكثير من أجوبة الإمام أحمد وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد عَلِمَ المسئولُ حالَه، أو خرج خطابًا لمعيَّن قد عَلِم حاله، فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما يثبت حكمُها في نظيرها. فإن أقوامًا جعلوا ذلك عامًّا فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات”([15]).

وهؤلاء الغلاة كلما وجدوا أحدًا من أهل العلم ترفَّق ببعض المبتدعة لمصلحة ترتجى من وراء ذلك اتهموه في دينهم، واتهموه بأنه يهدم الإسلام! ولا شك أن هذا من الغلو، وكلام أهل العلم في التفريق بين المداراة والمداهنة معروف، وأدلته من الشرع معروفة، وليس هذا موضع بسطها.

وهذا في حقِّ أهل البدع والأهواء الصُّرحاء، فكيف بمن لم يكن منهم وإنما وقع في شيء من أقوالهم باجتهادٍ خاطئ.

الأصل الثالث: التفريق بين الحكم المطلق والحكم على المعيَّن:

فتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به كفرٌ بلا خلاف، كما قال تعالى ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ ‌مِمَّن ‌كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُۥٓ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوى لِّلْكَٰفِرِينَ﴾ [الزمر: 32]. أما الحكم على شخصٍ معيَّن بالكفر إذا أنكر شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنَّ ذلك يتوقَّف على استيفاء الشرائط وانتفاء الموانع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذين الأصلين: “أحدهما: أن العلم والإيمان والهدَى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يُرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث.

والأصل الثاني: أن التكفير العام كالوعيد العام، يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين؛ فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه”([16]).

ولذلك اتَّفق السلف على تكفير من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة؛ لأنه يُجزم بتكذيبه للرسول صلى الله عليه وسلم، بخلاف من أنكر ما دون ذلك، فإنه لا يمكن تكفيره إلا بعد إقامة الحجة الرسالية التي يفهمها مثله، ويُكفَّر منكرها.

ولا فرق في هذا بين الأمور العلمية الخبرية والأمور العملية، فمن أنكر وجوب الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو تحريم الزنا والخمر ونحوها فهو كافر. وهي أمور عملية.

ومن نازع في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلة المعراج، وفي نبوة الخضر ومريم وغيرهما ممن اختلف العلماء في نبوتهم؛ فإنه لا يكفر، بل ولا يبدع ويضلل، مع أنها مسائل اعتقادية علمية.

فليس مرد التكفير أو التضليل إلى كون المسألة اعتقادية أو عملية، أو من مسائل الأصول أو الفروع؛ فإن هذا التقسيم محدث لا دليل عليه، ولا يجوز بناء الأحكام عليه، وهو من كلام المعتزلة([17])، بل مرد ذلك من جهة النوع: لكون المسألة تكذيبًا لله ورسوله، ومن جهة العين: لتحقق ذلك في الشخص المعيَّن باستيفاء الشروط وانتفاء الموانع.

ومن هذه الموانع: الجهل والتأويل؛ فإن التأويل من موانع التكفير؛ لأن صاحبه لا يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يخطئ في تأويل كلامه.

وهذا التفريق بين النوع والعين في الأحكام هو مما استفاضت الأدلَّة به، واتفق عليه السلف رضي الله عنهم.

فمن أدلة ذلك من القرآن: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن ‌نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]، وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح فِيمَا ‌أَخْطَأْتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 5]. قال شيخ الإسلام: “فهذا عامّ عمومًا محفوظًا، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذِّب من هذه الأمة مخطئًا على خطئه”([18]).

وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ‌هَلْ ‌يَسْتَطِيعُ ‌رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَة مِّنَ ٱلسَّمَاءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 112]. قال المعلمي اليماني رحمه الله: “فالآية ظاهرةٌ في أن القوم كانوا قد أسلموا، وأخذوا بحظٍّ من الإيمان، ولكن بقي في قلوبهم شيءٌ من الجهل والشكِّ، ولم يوجب هذا أن يُعَدُّوا كفَّارًا أو مرتدِّين”([19]).

ومن السنة: حديث أبي هريرة رضي الله الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ، وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ، فَأَمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ»([20]).

فهذا رجل شكَّ في قدرة الله تعالى على بعثِه بعدما أُحرق وذري، ومع ذلك غفر الله له؛ لأنه كان جاهلا.

قال ابن قتيبة رحمه الله: “هذا رجل مؤمن بالله، مقرٌّ به، خائف له، إلا أنه جهل صفةً من صفاته، فظن أنه إذ أُحرق وذري الريح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له بمعرفته ما بنيته وبمخافته من عذابه جَهْلَهُ بهذه الصفة من صفاته. وقد ‌يَغْلطُ في صفات الله تعالى قومٌ من المسلمين، ولا يُحكم عليهم بالنار، بل تُرجأ أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنياتهم”([21]).

وقال الشافعي رحمه الله: “‌لله ‌أسماء ‌وصفات، جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحدًا، إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه كما نفاه عن نفسه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْر} [الشُّوْرَى: 11]”([22]).

والأدلة على ثبوت العذر بالجهل والخطأ والتأويل كثيرة مشهورة.

ومما يؤكد ذلك: عدم تكفير الصحابة -رضي الله عنهم- للخوارج، فعلي رضي الله عنه لما سئل عنهم: أكفارٌ هُم؟ قال: ‌من ‌الكفر ‌فرّوا. قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلّا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا. قيل: فما هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا([23]).

ولا شكَّ أن سيرته معهم تدلُّ على أنه -ومعه الصحابة- لا يكفرونهم، فلم يبدؤوهم بقتال إلا حينما سفكوا الدم الحرام، ولم يعاملوهم معاملة المرتدين.

قال الخطابي: “أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم ‌فرقة ‌من ‌فرق ‌المسلمين، وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفَّرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام”([24]).

هذا مع كون الخوارج يكفِّرون الصحابة الذين ثبت فضلهم بالقرآن والسنة، ويستحلون الدم الحرام والمال الحرام، ولكن لما كان ذلك كله بتأويل امتنع تكفيرهم.

وقال ابن قدامة رحمه الله: “وأكثر الفقهاء على أنهم [أي: الخوارج] بغاة، ولا يرون تكفيرهم، قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلِهم كالمرتدين”([25]).

وقال أيضا: “وإن استحلَّ قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفِعْلِهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى، وكذلك لم يحكم بكفر ‌ابن ‌ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك… وقد عُرِف من مذهب الخوارج تكفيرُ كثيرٍ من الصحابة ومن بعدهم، واستحلال دمائهم وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم؛ لتأويلهم”([26]).

ومن أدلة ذلك أيضا: عدم تكفير الصحابة لمانعي الزكاة، مع أن منعهم للزكاة كان لاعتقادهم عدم وجوبها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ونفي وجوب الزكاة كفر بلا شك؛ لأنه تكذيب للقرآن، ولكن لما كان ذلك بتأويل امتنع تكفيرهم.

وهؤلاء هم الذين اختلف أبو بكر مع عمر -رضي الله عنهما- في قتالهم، فإنهم لم يختلفوا في قتال منِ ارتدوا لعبادة الأوثان، أو اتّبعوا مدعي النبوة؛ لوضوح شأنهم، وإنما اختلفوا في مانعي الزكاة؛ لوجود الشبهة عندهم. واستقرّ الأمر على قتالهم قتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام، وهو لا يستلزم تكفير أعيانهم كما هو معلوم.

ومن أدلة ذلك: عدم تكفير عمر والصحابة لمن استباحوا الخمر كقدامة بن مظعون([27]) متأولًا قوله تعالى ﴿لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ‌جُنَاح ‌فِيمَا ‌طَعِمُواْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: 93]؛ وذلك لوجود الشبهة، مع أن استحلال الخمر كفر وتكذيب للقرآن، ولكن لما كان ذلك بتأويل لم يكفر قدامة بن مظعون رضي الله عنه بذلك، وإن عاقبه عمر على ذلك بالجلد.

قال ابن قدامة رحمه الله: “وكذلك كلّ جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحلّه بعد ذلك. وقد قال أحمد: من قال: (الخمر حلال) فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه لما ذكرنا”([28]).

ومن أدلة ذلك: ما رواه ابن أبي حاتم عن شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} بالنصب، ويقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنَ الشَّيْءِ، إِنَّمَا يَعْجَبُ مَنْ لَا يَعْلَمُ. قَالَ الْأَعْمَشُ: فَذَكَرْتُ ذلك لإبراهيم النخعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحًا كَانَ مُعْجَبًا بِرَأْيِهِ، وَعَبْد اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ، كَانَ يَقْرَأُهَا: {بَلْ عَجِبْتُ”([29]).

فهذا شريح أنكر صفة العَجَب، وأنكر قراءة ثابتة، وفي ذلك دلالة أن من جحد شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لجهل أو تأويل لا يكفر بذلك، حتى يبين له وتقام عليه الحجة وتنتفي الشبهات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأيضا فإن السلف أخطأ كثيرٌ منهم في كثير من هذه المسائل، واتفقوا على عدم التكفير بذلك، مثل: ما أنكر بعضُ الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحيّ، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه. ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف. وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة.

وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: {بَلْ عَجِبْتُ} ويقول: إن الله لا يعجَب؛ فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجِبه علمه. كان عبد الله أفقه منه فكان يقول: {بَلْ عَجِبْتُ}، فهذا قد أنكر قراءة ثابتة، وأنكر صفةً دل عليها الكتابُ والسنة، واتفقت الأمّةُ على أنه إمامٌ من الأئمة.

وكذلك بعض السلف أنكر بعضُهم حروف القرآن، مثل إنكار بعضهم قوله: ﴿‌أَفَلَمْ ‌يَايـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [الرعد: 31] وقال: إنما هي: أوَلم يتبين الذين آمنوا، وإنكار الآخر قراءة قوله: ﴿‌وَقَضَىٰ ‌رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23] وقال: إنما هي: ووصى ربك.

وبعضهم كان حذَف المعوِّذتين، وآخر يكتب سورة القنوت.

وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا فلما لم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر”([30]).

ومن أدلة ذلك: رواية أئمة السنة عن بعض المبتدعة، على تفصيل بينهم في ذلك، ومعلوم أن هذا حكمٌ بإسلامهم في الجملة؛ إذ من شرط قبول الرواية العدالة، وأول شروطها الإسلام. فروى البخاري عن عمران بن حطان الذي مدح ابنَ ملجم قاتل علي بقوله:

يا ضربة من تقي ما أراد بها             إلا ليبلغ عند الله رضوانا

إني لأذكره يوما فأحسبه                  أوفى البرية عند الله ميزانا([31])

قال الزركشي: “قال الحافظ ابن عدي: قلت للربيع: ما حمل الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى مع وصفه إياه أنه كان قدريًّا؟ فقال: كان الشافعي يقول: لأن يخر إبراهيم من السماء أحب إليه من أن يكذب”([32]).

فهذا كله يدلّ على التفريق بين الحكم العامّ والحكم على المعين، وأن هذه القاعدة في التفريق بين التكفير المطلق والمعين ليست اختراعًا أو مما انفرد بها ابن تيمية، بل هي مما اتفق عليها السلف رضي الله عنهم.

الأصل الرابع: ضابط التأويل المقبول من غير المقبول:

قد يقول قائل: إن هذا معناه عدم تكفير أحد مطلقًا؛ فإنه ما من أحد إلا وله تأويل، حتى الباطنية وأمثالهم من الغلاة، فما الضابط؟

والجواب: أن التأويل المقبول هو الذي لا يخالف المعلوم من الدين بالضرورة، أما الذي يخالفه فلا اعتبار به، وذلك كتأويلات الباطنية، كتأويلهم وجوب الصلوات الخمس بأسماء رجال من آل البيت، والصوم بالإمساك عن سر الطائفة، والزنا بإفشاء سر الطريقة، فكلها تأويلات غير مقبولة، ولا تمنع من تكفيرهم.

وكذلك تأويلات غلاة الرافضة الذين يؤلهون عليًّا، أو يقولون بتحريف القرآن، أو نبوة أحد من أهل البيت، كذلك لا تمنع من التكفير.

ولذلك اتفق العلماء على كفر طوائف البابية والبهائية والقاديانية والدروز والإسماعيلية والبهرة والقرامطة والنصيرية والحلولية والاتحادية، وغلاة الجهمية والمرجئة والقدرية نفاة العلم والكتابة، ولم يعذروهم بشيء من التأويل؛ لأنها تنكر المعلوم من الدين بالضرورة.

بخلاف تأويل الزيدية والأشاعرة ومرجئة الفقهاء، فإنهم لا يكفّرونهم بالاتفاق، مع أن مرجئة الفقهاء أنكروا كون العمل من مسمَّى الإيمان، وهذا مخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما كان ذلك بتأويل لم يكن ذلك مقتضيًا لكفرهم، فعُذروا بالتأويل.

والعذر بالتأويل هنا وإن كان رافعًا للتكفير، إلا أنه لا يرفع الإثم أو العقوبة في الدنيا والآخرة، إذا وجد تقصير من الشخص في طلب الحق؛ ولذلك جلد عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون على شرب الخمر مستحلًّا، فلم يكفّره ولكن عاقبه، وكذلك قاتل الصحابة مانعي الزكاة، ولم يكفروهم.

وأئمَّة السلف وإن لم يكفِّروا أهل البدع من الخوارج وغيرهم، إلا أنهم بدَّعوهم وضلَّلوهم، وحذَّروا من بدعهم.

فالتأويل تارة يكون مانعًا من التكفير والإثم واستحقاق العقوبة، وتارة يكون مانعًا من التكفير، ولا يمنع من العقوبة في الدنيا والآخرة، وتارة لا يكون مانعًا من التكفير أصلًا، كما سبق بيانه.

خامسا: التأويل قد يكون مانعًا من التكفير في زمن دون آخر:

وهذا أصل مهمّ جدًّا، يرتفع به كثير من الإشكالات.

فإن المعلوم من الدين بالضرورة يتفاوت علمه بين الناس، فما يكون معلومًا قطعيًّا لدى البعض لا يكون كذلك عند غيرهم.

فمثلا: لو أن أحدًا تأوّل تأويل قدامة بن مظعون اليوم في استباحة الخمر لما كان ذلك مقبولًا؛ لأن الشرائع قد استقرَّت، وصار علمُ تحريم الخمر مستفيضًا، لا يتصور أن يجهله مسلم نشأ في ديار الإسلام.

وكذلك لو أنَّ أحدًا ادّعى اليوم عدم وجوب الزكاة؛ بحجة أنها لا تدفع إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، لما قُبِل منه ذلك، ولكان كافرًا مرتدًّا.

قال الخطابي رحمه الله: “فإن قيل: كيف ‌تأولتَ ‌أمر ‌الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذهبتَ إليه وجعلتهم أهلَ بغي؟ وهل إذا أنكرت طائفةٌ من المسلمين في زماننا فرضَ الزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي؟

قلنا: لا؛ فإن من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرًا بإجماع المسلمين.

والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما عُذِروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان، منها قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ، ومنها أن القوم كانوا جهّالًا بأمور الدين، وكان عهدهم بالإسلام قريبًا، فدخلتهم الشبهة فَعُذِروا، فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام واستفاض في المسلمين عِلم وجوب الزكاة، حتى عرفها الخاص والعام، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحدٌ بتأويل يتأوله في إنكارها.

وكذلك الأمر في كلّ من أنكر شيئا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين، إذا كان علمُه منتشرًا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنى والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام، إلا أن يكون رجلًا حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئا منها جهلا به لم يكفر، وكان سبيلُه سبيلَ أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه.

فأما ما كان الإجماع فيه معلومًا من طريق علم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدًا لا يرث، وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة”([33]).

والمقصود بالعذر هنا: العذر في عدم التكفير، لا في العقوبة والإثم على ما سبق بيانه.

سادسا: أن تبديع المعين كتكفير المعين:

وهذه من القواعد المهمّة جدًّا في ضبط هذا الباب، فإن التكفير والتبديع كسائر أحكام الوعيد، وأهل السنة في باب الوعيد يفرقون بين الحكم المطلق والمعين، ويجوّزون تخلف الوعيد في الشخص المعين؛ لعدم تحقق المناط فيه.

فمثلا: لا يجوز تبديع ابن مسعود بسبب حكِّه المعوِّذتين، ولا تبديع شريح لإنكاره صفة العَجَب؛ لظنه أن العجَب لا يليق بالله تعالى، وغيرها من المسائل العلمية التي اختلف فيها السلف، ولم يكفِّر ولم يفسِّق بعضهم بعضًا فيها؛ لوجود التأويل.

فقد يغلَّظ في تبديع شخص معين ويعذر غيره لوجود مانع معتبر عنده، وهذا كما في التكفير، يكون في التبديع.

ومن ذلك ما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن مُحَمَّد بْن يحيى بْن سَعِيد الْقطَّان قَالَ: لما ولي مُعَاذُ بْن مُعَاذ قَضَاءَ الْبَصْرَة أَبى أَن ‌يُجِيز ‌شَهَادَة ‌الْقَدَرِيَّة، قَالَ: فَكَلّمهُ أَبِي وخَالِدُ بْن الْحَارِث، وَقَالا لَهُ: قد عرفتَ أَهْلَ هَذَا الْمصر! قَالَ: فَكَأَنَّهُ تساهل بعدُ([34]).

فراعى الإمام أحمد كثرة القدرية في البصرة، ونشأتهم على ذلك، مما كان له أثر في خفاء هذه المسائل عليهم، وعذرهم بسبب ذلك، فكان هذا من موانع تبديعهم وإسقاط عدالتهم.

ولا شكّ أن البون شاسع بين من تلقَّنوا العقائد صغارًا، ونشؤوا على قبولها والسكون إليها، وعامَّة الناس حولهم مطبقون عليها، وبَلَغتْهم الشرائعُ، وما نبَّهتْ عليه من الحجج ودفع الشبهات، وبلغهم كلامُ العقلاء الذي تلقَّوه من الشرائع، وفسَّروا به ما نبَّهتْ عليه من الحجج وفرَّعوا عليها، ومن نشؤوا بمعزل عن ذلك كله، بل على الضد من ذلك. قال ابن مسعود رضي الله عنه: “كَيْفَ أَنْتُمْ ‌إِذَا ‌لَبِسَتْكُمْ ‌فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً، فَإِذَا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ؟!”([35]).

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا الأمر كان سببًا في العمل ببعض البدع العملية عند بني أمية، كتأخير الصلاة، فقال: “ومعلوم أنّ الأمراء بالعراق الذين شاهدوا ما عليه أمراء البلد، وهم أئمة، ولم يبلغهم خلاف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأوا من شاهدوهم من أهل العلم والدين لا يعرفون غير ذلك، فظنوا أن ذلك هو من أصل السنة، وحصل بذلك نقصان في وقت الصلاة وفعلها، فاعتقدوا أن تأخير الصلاة أفضل من تقديمها كما كان الأئمة يفعلون ذلك، وكذلك عدم إتمام التكبير وغير ذلك من الأمور الناقصة عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم”([36]).

وقال رحمه الله: “فلما طال الزمان خَفِي على كثيرٍ من الناس ما كان ظاهرًا لهم، ودقّ على كثير من الناس ما كان جليًّا لهم، فَكَثُرَ من المتأخرين مخالفةُ الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا في السلف، وإن كانوا مع هذا مجتهدين معذورين، يغفر الله لهم خطاياهم ويثيبهم على اجتهادهم. وقد يكون لهم من الحسنات ما يكون للعامل منهم أجر خمسين رجلًا يعملها في ذلك الزمان؛ لأنهم كانوا يجدون من يعينهم على ذلك، وهؤلاء المتأخرون لم يجدوا من يعينهم على ذلك”([37]).

فهذه ستة أصول يلزم استصحابها عند التعامل مع كلام السلف في الجهمية. وأما تطبيق ذلك على كلامهم فنوضحه في الجزء الثاني إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) تصنيف الناس بين الظنِّ واليقين (ص: 94).

([2]) حرمة أهل العلم (ص: 308).

([3]) فتاوى اللجنة الدائمة -الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود- (3/ 241).

([4]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/ 72).

([5]) لقاءات الباب المفتوح (43/ السؤال رقم 9).

([6]) سلسلة الهدى والنور، شريط رقم (666). من الدقيقة (18-20).

([7]) أخرجه البخاري (6103)، ومسلم (60).

([8]) أخرجه أحمد (22807)، والحاكم في المستدرك (421)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (529): إسناده حسن.

([9]) شرح العفقيدة الطحاوية (2/ 741).

([10]) ينظر: العلو، للذهبي (409).

([11]) تاريخ بغداد (15/ 516).

([12]) مختصر العلو (ص: 156).

([13]) التنكيل (1/ 101).

([14]) مسائل أحمد وإسحق (9/ 4677).

([15]) مجموع الفتاوى (28/ 212-213).

([16]) مجموع الفتاوى (12/ 496-497).

([17]) انظر: مجموع الفتاوى (13/ 125).

([18]) مجموع الفتاوى (12/ 490).

([19]) رفع الاشتباه -مجموع آثار المعلمي- (2/ 137).

([20]) أخرجه البخاري (7506)، ومسلم (2756).

([21]) تأويل مختلف الحديث (ص: 186).

([22]) أورده الذهبي في العرش (2/ 293). وقال: رواه شيخ الإسلام [الهكاري] في عقيدة الشافعي، وغيره، بإسناد كلهم ثقات.

([23]) أخرجه عبد الرزاق (18656).

([24]) ينظر: فتح الباري (12/ 300). وفي نقل هذا الإجماع نظر، فالخلاف في ذلك عن بعض أهل الحديث ثابت ومشهور، ولكن الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم عدم تكفيرهم.

([25]) المغني (12/ 241).

([26]) المغني (12/ 276).

([27]) حديث شرب قدامة للخمر أخرجه النسائي في الكبرى (5270). وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 141): سندها صحيح.

([28]) المغني (12/ 277).

([29]) اخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (18150)، والحاكم في المستدرك (3608) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي.

([30]) مجموع الفتاوى (12/ 492-493).

([31]) ينظر: المغني (12/ 276).

([32]) ينظر: البحر المحيط (4/ 270).

([33]) ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 205).

([34]) العلل ومعرفة الرجال (2593).

([35]) أخرجه عبد الرزاق (37156)، والدارمي (191)، وقال محققه حسين أسد: إسناده صحيح.

([36]) القواعد النورانية (ص: 108).

([37]) مجموع الفتاوى (13/ 66).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017