التداخل العقدي بين الطوائف المنحرفة – الشيعة والصوفية أنموذجًا –
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
أولًا: المد الشيعي في بلاد أهل السنة:
من أخطر الفتن التي ابتُليت بها هذه الأمة: فتنةُ الشيعة الرافضة، الذين بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، الذين يشهد التاريخ قديمًا وحديثًا بفسادهم وزيغهم وضلالهم، الذين ما سنحت لهم فرصة إلا وكانت أسلحتهم موجَّهة إلى أجساد أهل السنة، يستحلّون قتلهم، وينتهكون أعراضهم، ويرون أموالهم وأملاكهم غنيمةً لهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، والتاريخ خير شاهد([1]).
فكانوا على مر العصور أخطرَ على الأمة من اليهود والنصارى، وصدق فيهم -والله- ما قاله عبد القاهر البغدادي: “اعلموا -أسعدكم الله- أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل أعظم من مضرة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان؛ لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا هذا أكثر من الذين يضلون بالدجال وقت ظهوره؛ لأن فترة الدجال لا تزيد مدتها عن أربعين يومًا، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر”([2]).
ويكفيك فيهم ما قال ابن حزم رحمه الله عندما ناظر النصارى وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليها، فقال: “إن الرافضة ليسوا مسلمين، وليس قولهم حجة على الدين، وإنما هي فرقة حدث أولها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة ممن خذله الله بدعوة من كاد للإسلام”([3]).
وقال: “ولا خلاف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن المتلوّ عندنا نفسه، وإنما خالف في ذلك قوم من غلاة الروافض، وهم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل الإسلام، وليس كلامنا مع هؤلاء، وإنما كلامنا في هذا الكتاب مع ملتنا”([4]).
وقال شيخ الإسلام: “وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَأَصلُ بِدعَتِهِم عَن زَندَقَةٍ وَإِلحَادٍ، وَتَعَمُّدُ الكَذِبِ كَثِيرٌ فِيهِم، وَهُم يُقِرُّونَ بِذَلِكَ حَيثُ يَقُولُونَ: دِينُنَا التَّقِيَّةُ، وَهُوَ أَن يَقُولَ أَحَدُهُم بِلِسَانِهِ خِلَافَ مَا فِي قَلبِهِ، وَهَذَا هُوَ الكَذِبُ وَالنِّفَاقُ، وَيَدَّعُونَ مَعَ هَذَا أَنَّهُم هُمُ المُؤمِنُونَ دُونَ غَيرِهِم مِن أَهلِ المِلَّةِ، وَيَصِفُونَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ بِالرِّدَّةِ، وَالنِّفَاقِ، فَهُم فِي ذَلِكَ كَمَا قِيلَ: رَمَتنِي بِدَائِهَا وَانسَلَّت”([5]).
ثانيًا: الصوفية قنطرة الإمامية:
كانت الصوفية -ولا تزال- قنطرة التشيع في بلاد أهل السنة، وذلك لما بينهما من الصلة، وهذه الصلة حقيقة تحدَّث عنها كثيرٌ من النقَّاد، مثل ابن خلدون، وإحسان إلهي، وكامل مصطفى الشيبي، وهو ممَّن أفرد كتابًا لإثبات ذلك، وغيره ممَّن عقدوا مقارناتٍ بين اعتقادات الفريقين وطقوسهما([6]).
والثابتُ مِن كتُب كثير ممِن عاصر الصوفية وغيرهم أنَّ أوَّلَ مَن أسَّس التصوف هم: الشيعة، ومرجِع النشأة لرجلين منهم هما عبدك (ت: ٢١٠هــ)، وهو على رأس طائفة شيعيَّة، وأبو هاشم الكوفي الشيعي الصوفي (ت: ١٥٠هــ)([7]).
فالتصوف وليد التشيع، وبداية أمر حركة التصوف الفرس الذين يمثلون عصب التشيع ودمه الفوار، وكبار المتصوفة والمنظرين له فرس؛ كالبسطامي، والحلاج، ومعروف البلخي، وابن خضرويه البلخي، ويحيى بن معاذ الرازي.
والفرس يصبغون أي دين يَرِد عليه بلبوسهم، ويُذيبونه في ثقافتهم وعقائدهم، فيصطلحون على ما سلف من أمرهم بلغة ما ورد على ديانتهم الجديدة، فإن تبصر الواعي أمرهم درى أن كسرى صار يسمى إمامًا، والمرجع الشيعي صار يُسمى شيخ الطريقة، والأئمة الاثنا عشر هم الأقطاب والغوث، ومراتب دعاة الباطنية الإسماعيلية هم الأوتاد والأتقياء والنجباء والمريدون عند الصوفية([8]).
وورد في موقع مفكرة الإسلام: أن مصادر صحافية مصرية ذكرت تقريرًا سريًّا لمجمع البحوث الإسلامية كشف عن محاولة لنشر أفكار المذهب الشيعي بين أتباع الطرق الصوفية ومريديها في مصر من قبل بعض التيارات والجهات الشيعية التي تستغل التشابه بين التصوف والتشيع. وأن الأموال باتت تتدفق على أتباع الطرق الصوفية في مصر بعد تصريحات أطلقها بعض قيادات التصوف ورموزه، أشاروا فيها إلى أنه لا فرق بين الشيعة والمتصوفين، وفق ما نسب إلى حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية.
وحذر الجميع من تزايد النشاط الشيعي في مصر، خاصة مع قدوم لاجئين عراقيين ينتمون إلى المذهب الشيعي يسعون لإقامة حسينيات في مصر.
كما أن مجمع البحوث الإسلامية قرر مصادرة العديد من الكتب والمجلات الشيعية مؤخرًا، كان آخرها كتاب لأحمد راسم النفيس أحد أقطاب الشيعة في مصر، يستعرض فيه رحلته في الانتقال من المذهب السني إلى المذهب الشيعي([9]).
يقول الدكتور ناصر القفاري: “والملاحظ أن سلاح التشيع الباطني وسلاح التصوف الغالي ذي الأصول الباطنية من أخطر ما وُجِّه لضرب الأمة من داخلها، بل هما من أمضى الأسلحة الخفية المؤثرة سلبًا داخل كيان الأمة الإسلامية، وقد استخدم أعداء الأمة الظاهرون والمستترون هاتين الطائفتين لغزو الأمة من داخلها؛ ولذا فقد اعتنى أهل الاستشراق بدراستهما، حتى إن المستشرق دونلدسن بقي في إيران ست عشرة سنة لدراسة التشيع، ثم أخرج كتابه (عقيدة الشيعة).
واهتم المستشرق الفرنسي ماسينيون بالتصوف، وأمضى حياته في دراسة هذه الطائفة، بل اهتم بالشخصيات المتطرفة منهم كالحلاج، حتى لقب بـ«عاشق الحلاج».
وهؤلاء المستشرقون -كما هو معروف- يعملون مستشارين في وكالات الاستخبارات ووزارات الخارجية في بلادهم، وتبنى على بحوثهم ودراساتهم وتقاريرهم مواقف وخطط وحروب وسياسات.
وتتجلى خطورة هذا التيار الخفي -من التشيع الصفوي المستتر بالتصوف- في بُعده العقدي والأمني والسياسي والاجتماعي، فلقد تسللت المجوسية الفارسية التي تتخذ من التشيع وسيلة لخدمة أهدافها السياسية، وإقامة إمبراطوريتها الفارسية، وإعادة مملكتها البائدة ومجدها الغابر؛ تسللت إلى التصوف على سبيل الخصوص، وإلى المجتمعات الإسلامية على سبيل العموم، بواسطة هذه الطائفة والمتأثرين بها.
ولإدراك أبعاد هذا الخطر انظر إلى آثار الاختراق الإيراني باسم التشيع لبعض فرق الزيدية، وهي الجارودية، وتأثيراته الخطرة على بلاد اليمن وما جاورها، ثم انظر إلى اختراقهم المجتمع اللبناني بواسطة ما يسمى «حزب الله»”([10]).
إن من المفاهيم الخاطئة الشائعة التي يجب أن تصحح: تصور عامة الناس أن العلاقة بين «التشيع» و«التصوف» هي نوع من التشابه غير المقصود، ولا ينبئ عن وجود طائفة قائمة لها كيانها ورجالها ومصادرها وتواصلها السري والعلني مع رموز الشيعة، واعتقاد بعضهم أن العلاقة بين التشيع والتصوف هي من قبيل الغزو الخارجي الشيعي للتصوف فقط، ولا وجود لطائفة باطنية رافضية قائمة تعيش وتقبع داخل الطرق الصوفية من مدة طويلة، ولا تزال هذه الطائفة تتوسع في تدميرها لكيان التصوف، ونقلهم إلى نحلتهم بأنواع الإغراءات وصنوف شتى من التلبيس والتدليس.
ويبدو من خلال الاستقراء والدراسة والنظر أن التيار الشيعي الباطني إذا أنهى أو أكمل عملية تحويل الطريقة الصوفية إلى المسار الشيعي الباطني فإنه يتم حينئذ كشف المستور والخروج عن التقية كما ترى الحال بالنسبة للطريقة «الختمية»، حيث أفصحت وأعلنت تشيُّعها بالكامل من خلال ارتباطها اعتقادًا واستدلالًا ومنهجًا ومصيرًا بالتشيع، ولذا ترى بعض شيوخ الطريقة «الختمية» المعاصرين يحتجون بنفس حجج الإمامية، ويطعنون في الصحابة كحال إخوانهم الرافضة، سواء بسواء، ومثل ذلك «البكتاشية»، حتى عدها الكوثري من ألقاب الشيعة الإمامية([11]) وكذلك الطريقة «العزمية»([12]). ثم يتحدث بعض من لا يدرك أبعاد المكر الباطني بأن هذا تشابه، وهذا آخر ما وصلت إليه دراستهم.
ومن إفرازات هذه الخلية الباطنية الصوفية قيام بعض رموزها بمناورات ماكرة وحيل سافرة، وهي الإعلان عن انتقالهم من السنة إلى الشيعة، وقيامهم بتأليف بعض الكتب التي يدّعون فيها تحولهم من السنة إلى الشيعة، وقد مرت هذه الخدعة على بعضهم، وظنوا أنها حقيقة، وما علموا أنها «الرافضة الباطنية المستترة برداء التصوف». إن قلة من الناس من يستطيع أن يفرق بين «الشيعة الصوفية» و«الشيعة المتصوفة» و«الصوفية الزاهدة» ذات التوجه السني في الأصل([13]).
مما يوضح لك خطورة هذا الأمر ما قاله أحد أئمة الصوفية العزمية في مقال بعنوان: “يا مسلمي العالم اتحدوا”.
قال: “من أكثر العوامل الداعية لوحدة الأمة الإسلامية اتفاق المسلمين على حب أهل البيت النبوي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرًا، وأهل البيت من سلالة السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وزوج الإمام علي بن أبي طالب، وهم الذين لم يختلف مسلم واحد على حبهم، وإن اختلفوا في مقدار هذا الحب، وهم الذين ينطبق عليهم وصف التربية النبوية بمعناها الحقيقي، فهم الامتداد الروحي للبيت النبوي، وقد انعكست عليهم شخصية مربيهم، لا يشاركهم في هذا الامتياز أحد من الخلق، وقد نزلت الآيات المحكمات وتضافرت الأحاديث المتواترة في بيان فضلهم وجليل قدرهم؛ من أجل ذلك نرى المسلمين لا يحتفلون بمولد أحد غيرهم؛ ولا يكنون مثل هذا الحب لسواهم”([14]).
فانظر كيف جعل وحدة المسلمين كلها وقيام دولتهم وعزهم ليس توحيد الله والعقيدة الصحيحة، وإنما هو حب آل البيت الذين حُصروا في فاطمة وعلي رضي الله عنهما؛ لذلك لا تتعجب أن نسمع عن الكثير من مشايخ الصوفية يذهبون إلى إيران.
وهناك من ينادي بتدريس المذهب الشيعي الجعفري في الأزهر الشريف وجعله مذهبًا رئيسيًّا كمذاهب الأئمة الأربعة.
وبهذا يتبين لنا كيف أن الفرقة الشيعية تتستر وراء التصوف لنشر الانحراف في العالم الإسلامي، ومعاداة المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وعلى هذا فقد قامت في هذا العصر محاولات كثيرة للتقريب بين أهل السنة والشيعة كمحاولة جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة وغيرها. وهذه المحاولات مبنية على: «إنه لا خلاف بين أهل السنة والشيعة في شيء من أصول الإيمان، أو أركان الإسلام أو ما علم من الدين بالضرورة»([15])؛ وإنما هو خلاف في بعض المسائل الفلسفية والآراء الكلامية التي لا صله لها بأصول العقيدة، أو لا خلاف بينهم أصلًا إلا في بعض مسائل الفروع([16])، والصراع والخلاف بينهما إنما صنعته الأوهام نتيجة العزلة الطويلة بين الطائفتين([17])، وأخذ العدو يؤيد هذا الخلاف ويؤججه، فيقول: والواقع أنه لا اختلاف بين الطائفتين عند الدراسة والتحقيق: “فمن الممكن أن يتقارب المسلمون فيعلموا أن هناك فرقا بين العقيدة التي يجب الإيمان بها، وبين المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أن تمس العقيدة، ويومئذ يهون الأمر، فنجتمع على ما نجتمع عليه، وإذا اختلفنا لم يكن خلافنا إلا كما يختلف أهل المذاهب الفقهية دون خصام ولا اتهام، ودون توجس واسترابة وسوء ظن؛ مما يجعلنا متقاطعين في معاملاتنا ومصاهراتنا وثقافاتنا”([18]).
“والقطعية بين المسلمين أوجدت حجبًا كثيفة لا بد لرفعها من دعوة تنظم الجهود ودعاة مخلصين يبذلون غاية الجهد لتعريف كل طائفة بما عند غيرها..”([19]).
وهناك دراسة علمية قام بها الدكتور أحمد صبحي منصور -الأستاذ بقسم التاريخ في جامعة الأزهر-، بيَّن فيها بالأدلة التاريخية والإثباتات الواضحة قيام مدرسة شيعية اتخذت من التصوف ستارًا لحقيقة مذهبها، ومطامعها السياسة، وقد اشتهرت وما زالت على أنها طريقة صوفية سنية. وهي مدرسة أحمد الرفاعي الذي أرسل أنجب تلاميذه لمصر؛ لإعادة الحكم الفاطمي الشيعي بعد أن قضى عليه صلاح الدين، وكان لهذا التلميذ -وهو أبو الفتح الواسطي- الدور الكبير في تأسيس الطرق الصوفية في مصر بعد ذلك([20]).
ثم أرسل العلويون -الشيعة- البدوي لنشر دعوتهم بمصر، لإرجاع الملك الفاطمي الشيعي، وبخاصة بعد إعدام الشاعر الفقيه عمارة اليمني([21]) وأتباعه سنة (569هـ/ 1172م) بعد اكتشاف مؤامرتهم ضد صلاح الدين الأيوبي لإعادة حكم الفاطميين، وبعد موت داعيتهم أبي الفتح الواسطي بالإسكندرية سنة (635هـ/ 1237م)([22]).
يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر: “إنه رجع إلى مخطوطة مغربية يذكر صاحبها أن أحمد البدوي كان صوفيًّا، ويثبت أنه كان علويًّا شيعيًّا يهدف إلى إرجاع الملك العبيدي الفاطمي الشيعي المغالي، وأن علي البدوي والد أحمد البدوي كان أحد العلويين الشيعة الإسماعيلية، وأنه نزح من المغرب إلى مكة، وكان أحمد البدوي وقتها لم يتجاوز السبع سنوات، وكان ذلك عام (603هـ) حيث عقد الشيعة مؤتمرًا في مكة بحثوا فيه كيف يعملون على إعادة الدولة الإسلامية علوية -أي: شيعية باطنية-، وكانت بلاد المغرب وقتها مسرحًا للنشاط الشيعي الباطني المتستر بالتصوف، والذي يحاول إعادة الدولة العبيدية الفاطمية التي كانت تقوم على أساس المذهب الإسماعيلي الباطني المغالي”([23]).
ثالثًا: الصلة بين الشيعة والصوفية:
1- التوحيد بين الشيعة والصوفية:
أما عند الصوفية فالتوحيد عندهم لا معنى له، ولا يجوز التعبير عنه بالعبارة، بل عندهم من زعم أنه موحّد فهو جاحد، روى عبد الكريم بن هوازن القشيري عن أبي نصر السراج قال: سُئل الشبلي فقيل لَهُ: أَخْبرنَا عَن توحيد مجرد وبلسان حق مفرد، فَقَالَ: ويحك! من أجاب عَنِ التوحيد بالعبارة فَهُوَ ملحد، ومن أشار إِلَيْهِ فَهُوَ ثنوي، ومن أومأ إِلَيْهِ فَهُوَ عابد وثن، ومن نطق فِيهِ فَهُوَ غافل، ومن سكت عَنْهُ فَهُوَ جاهل، ومن توهم أَنَّهُ واصل فليس لَهُ حاصل، ومن رأى أَنَّهُ قريب فَهُوَ بعيد، ومن تواجد فَهُوَ فاقد، وكل مَا ميزتُموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فِي أتم معانيكم فَهُوَ مصروف مردود إليكم، محدث مصنوع مثلكم”([24]).
وَقَالَ الشبلي أيضًا: “مَا شمّ روائح التوحيد من تصور عنده التوحيد”([25]).
وَقَالَ ابْن عَطَاء: “علامة حقيقة التوحيد نسيان التوحيد”([26]).
والتوحيد عندهم ثلاثة أقسام: توحيد العامة، وتوحيد الخاصة، وتوحيد خاصة الخاصة، الذي ينتهي إلى القول بوحدة الوجود، فمثلًا من أوراد الطريقة الختمية([27]) قولهم: “اللهم زجَّ بي في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى، ولا أجد، ولا أحس إلا بها”([28]).
ثم قادهم القول بوحدة الوجود إلى اعتقاد سقوط توحيد العبادة عمن وصل منهم إلى درجة الكمال -حسب مفهومهم([29])-، يقول ابن عطاء مفسرًا قول الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}: “أي: اقترب إلى بساط الربوبية نعتقك من بساط العبودية”([30]).
أما عند الشيعة، فالتوحيد لا يخرج عن معناه عند الصوفية، فلا معنى له، بل يقوم على النفي المحض، ويصفون الله عز وجل بالعدم المحض، ثم لم يجدوا دليلًا يعتمدون عليه إلا الكذب على الأئمة، ونسبة أقوال لهم وهم منها براء، فهم يقولون: هل يبقى مجال للبحث عن الصفات؟! وهل له طريق إلا الإذعان بكلمة أمير المؤمنين رضي الله عنه: “كمال الإخلاص نفي الصفات عنه”؟!([31]).
ومن مظاهر وصفهم لله بالعدم وصف الله عز وجل بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه، فقد روي عن الصدوق أكثر من سبعين رواية تقول: إنه تعالى “لا يوصف بزمان، ولا مكان، ولا كيفية، ولا حركة، ولا انتقال، ولا بشيء من صفات الأجسام، وليس حسًّا ولا جسمانيًّا ولا صورة…”([32]).
ثم ينتهي الأمر عندهم في التوحيد إلى ما انتهى إليه الصوفية من القول بوحدة الوجود، فهم يقسمون التوحيد أربع مراتب: توحيد العوام، وتوحيد الخواص، وخاص الخاص، وأخص الخواص.
يقول إبراهيم الزنجاني: “إن مراتب التوحيد أربع…: توحيد العوام، وتوحيد الخواص، وتوحيد خاص الخاص، وتوحيد أخص الخاص، والأول مدلول كلمة لا إله إلا الله”([33]).
ونقل محسن الأمين عن صدر المتألهين الشيرازي (980هـ-1050هـ/ 1572م-1640م) قوله: “إن وحدة الوجود هي التوحيد الحقيقي الذي لا يشاب بالشرك؛ لأن التوحيد توحيد في العبادة، وتوحيد في الخلق، وتوحيد في الوجود”([34]).
2- تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن وحقيقة وشريعة:
إن أعظم بدعة بثها التشيع هي الباطنية الخبيثة، فإنهم لما أعيتهم النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة في نشر مذهبهم، وأعياهم شدة تمسك المسلمين بالنصوص ورجوعهم إليها والاحتكام إليها مع التسليم لها في جميع أمورهم، ابتدعوا هذه الفكرة الشيطانية، وهي تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن([35]).
ولقد تكلم عنهم الغزالي في “فضائح الباطنية”، وبين أن أئمة هذه الدعوة هم أساطين الكفر من الْمَجُوس والمزدكية وشرذمة من الثنوية الْمُلْحِدِينَ وَطَائِفَة كَبِيرَة من ملحدة الفلاسفة الْمُتَقَدِّمين، أرادوا أن يكيدوا للإسلام وأهله، فانتحلوا الرفض، وأظهروا حب آل البيت، فلبّسوا على المسلمين لما عجزوا عن منازلتهم بقتال أو دعوتهم إلى مذهبهم بمقال.
يقول الغزالي حاكيًا عنهم: “وَلَا مطمع فِي مقاومتهم بِقِتَال، وَلَا سَبِيل إلى استنزالهم عَمَّا أصروا عَلَيْهِ إلا بمكر واحتيال، وَلَو شافهناهم بِالدُّعَاءِ إلى مَذْهَبنَا لتنمروا علينا وامتنعوا من الإصغاء إلينا، فسبيلنا أن ننتحل عقيدة طَائِفَة من فرقهم هم أركّهم عقولًا وأسخفهم رَأيا وألينهم عَرِيكَة لقبُول المحالات وأطوعهم للتصديق بالأكاذيب المزخرفات، وهم الروافض.
ونتحصن بالانتساب إِلَيْهِم والاعتزاء إلى أهل الْبَيْت عَن شرهم، ونتودد إليهم بِمَا يلائم طبعهم من ذكر مَا تمّ على سلفهم من الظُّلم الْعَظِيم والذل الهائل، ونتباكى لَهُم على مَا حل بآل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونتوصل بِهِ إلى تَطْوِيل اللِّسَان فِي أَئِمَّة سلفهم الَّذين هم أسوتهم وقدوتهم، حَتَّى إِذا قبحنا أَحْوَالهم فِي أَعينهم وَمَا ينْقل إِلَيْهِم شرعهم بنقلهم وروايتهم اشْتَدَّ عَلَيْهِم بَاب الرُّجُوع إِلَى الشَّرْع، وَسَهل علينا استدراجهم إِلَى الانخلاع عَن الدّين، وإن بَقِي عِنْدهم معتصم من ظواهر الْقُرْآن ومتواتر الأخبار أوهمنا عِنْدهم أن تِلْكَ الظَّوَاهِر لَهَا أسرار وبواطن، وأن أمارة الأحمق الانخداع بظواهرها، وعلامة الفطنة اعْتِقَاد بواطنها، ثمَّ نبث إليهم عقائدنا، ونزعم أنها المُرَاد بظواهر الْقُرْآن، ثمَّ إذا تكثرنا بهؤلاء سهل علينا اسْتِدْرَاج سَائِر الْفرق بعد التحيز إلى هَؤُلَاءِ والتظاهر بنصرهم”([36]).
ثم جاءت الصوفية -ربيبة التشيع- وقسموا المجتمع الإسلامي إلى أهل الظاهر، وهم أهل الشريعة والرسوم، وإلى أهل الباطن ويقصدون بذلك أنفسهم أهل الكشف والأذواق، ويسمون أهل السنة بالعوام، ويسمون أنفسهم بالخواص.
بل وكتبوا في هذا العلم، وبوبوا له أبوابًا، فهذا السراج الطوسي في اللمع بوب بابًا لهذه البدعة فقال: “باب إثبات علم الباطن والبيان على صحة ذلك بالحجة”. ثم قال: “وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، فالعلم المستنبط هو علم الباطن، وهو علم أهل التصوف؛ لأن لهم مستنبطات من القرآن والحديث وغير ذلك… فالعلم ظاهر وباطن، والقرآن ظاهر وباطن، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر وباطن”([37]).
ثم يزعمون أن علم الباطن هذا سر من أسرار الله تعالى، يجعله في قلب من شاء من عباده، فقد نقل أبو بكر الكلاباذي (ت: 380هــ) عن عبد الواحد بن زيد قال: سألت الحسن عن علم الباطن، فقال: سألت حذيفة عن علم الباطن، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علم الباطن، فقال: سألت جبريل عن علم الباطن فقال: سألت الله عز وجل عن علم الباطن، فقال: هو سر من سري، أجعله في قلب عبدي، لا يقف عليه أحد من خلقي([38]).
قال ابن الجوزي: “وقد سموا علم الشريعة علم الظاهر، وسموا هواجس النفوس العلم الباطن، واحتجوا لَهُ بهذا الحديث… ثم ساق بسنده الحديث السابق، وقال: “وهذا حديث لا أصل لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون”([39]).
وهكذا اتفق الصوفية مع إخوانهم الشيعة على هذه البدعة التي أولوا بها النصوص، وحرفوا بها معاني القرآن والسنة؛ لتوافق ما هم عليه من بدع وضلالات التي لم تكن في العهد الأول، ولم يعرفها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى نشرها الشيعة بين الصوفية، وهذا ما أقره بعض المعاصرين من الصوفية واعترفوا به، فهذا الدكتور أبو العلا عفيفي يقول: “ولم يكن المسلمون في أول عهدهم بالإسلام ليقروا هذه التفرقة أو يفكروا فيها، ولكنها بدأت بالشيعة الذين قالوا: إن لكل شيء ظاهرًا وباطنًا”([40]).
ثم جرتهم هذه البدعة إلى بدعة أخرى، وهي زعمهم أن عندهم علمًا لا يكون لغيرهم، ادعوا حدوثه بغير شاهد ولا دليل، لا يقوم على القرآن ولا السنة، وإنما يقوم على خطرات القلب ووساوس الشيطان، ليس له مستند من عقل أو نقل، وسموه: العلم اللدني، وقالوا: “الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْعَامَّةِ، وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ وَأَهْلُ الْخُصُوصِ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تلك النصوص، بل إنما يراد مِنْهُمْ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ خَوَاطِرِهِمْ. وَقَالُوا: وَذَلِكَ لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الْأَغْيَارِ، فَتَتَجَلَّى لَهُمُ الْعُلُومُ الْإِلَهِيَّةُ وَالْحَقَائِقُ الرَّبَّانِيَّةُ، فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَارِ الْكَائِنَاتِ، وَيَعْلَمُونَ أَحْكَامَ الْجُزْئِيَّاتِ، فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ الْكُلِّيَّاتِ، وَقَدْ جَاءَ فِيمَا يَنْقُلُونَ: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ، وَهَذَا الْقَوْلُ زَنْدَقَةٌ وَكُفْرٌ يُقْتَلُ قَائِلُهُ وَلَا يُسْتَتَابُ؛ لِأَنَّهُ إِنْكَارُ مَا عُلِمَ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ وَأَنْفَذَ حِكْمَتَهُ بِأَنَّ أَحْكَامَهُ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ السُّفَرَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَهُمُ الْمُبَلِّغُونَ عَنْهُ رِسَالَتَهُ وَكَلَامَهُ الْمُبَيِّنُونَ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ”([41]).
3- الإمامة والولاية عند الشيعة والصوفية:
أقام كلٌّ من الصوفية والإمامية دينهم على الإمامة والولاية، فأساس الصوفية لا يكون إلا بالولاية، قال الهويجري وهو أحد أئمة المتصوفة: «فاعلم أن أساس التصوف والمعرفة قائم على الولاية»([42]).
وأساس التشيع لا يكون إلا بالإمامة، قال ابن المطهر الحلي: “مسألة الإمامة: هي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان، والتخلص من غضب الرحمن”([43]).
وعلى هذا جعل الصوفية والإمامية للأئمة والأولياء خصائص لا تكون لغيرهم حتى من الأنبياء، ومنها:
أ- أن الأئمة والأولياء لهم الدنيا والآخرة، ويتصرفون في الكون كيف شاؤوا:
عقد الكليني في الكافي بابًا بعنوان: “باب الأرض كلها للإمام”، روى فيه عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: “أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام، يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك؟!”([44]).
وذكر الرفاعية عن أحمد الرفاعي قال: “جاء في بعض الكتب الإلهية أن الله تعالى قال: “يا بني آدم أطيعوني أطعكم، وراقبوني أراقبكم، وأجعلكم تقولون للشيء: كن فيكون”([45]).
ب- زعمهم أن الأئمة والأولياء يملكون الإحياء والإماتة والخلق والرزق:
يعتقد الشيعة أن الذي بيده الحياة والموت هو علي رضي الله عنه، فهو عندهم يحيي الموتى، كما جاء في الكافي: “إن أمير المؤمنين له خُؤُولَةُ في بني مخزوم، وإن شابًّا منهم أتاه فقال: يا خالي، إن أخي مات، وقد حزنْتُ عليه حزنًا شديدًا، فقال: تشتهي أن تراه؟ قال: بلى، قال: فأرني قبره، قال: فخرج ومعه بردة رسول الله مُتَّزِرًا بها، فلما انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه، ثم ركضه برجله، فخرج من قبره وهو يقول بلسان الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال: بلى، ولكنا متنا على سُنَّةِ فلان وفلان (يعني أبا بكر وعمر) فانقلبت ألسنتنا”([46]).
بل زعموا أن عليًّا أحيا موتى مقبرةِ الجبانة بأجمعهم، وضرب الحجر فخرجت منه مائة ناقة([47]).
كذلك الصوفية يزعمون أن من خصائص الولي إحياء الموتى، قال الرفاعي: “الشيخ المتمكن يحيى الموتى بإذن الله”([48]).
ج- إسنادهم خلق الحوادث الكونية للأئمة والأولياء:
فقد نسب الشيعة لأئمتهم نزول المطر وجريان السحاب، فيروي الشيعة عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم، قلت: من صاحبنا؟ قال: أمير المؤمنين عليه السلام([49]).
يعني كل ما وقع من رعد وبرق فهو من أمر علي رضي الله عنه، لا من أمر الله، تعالى الله عما يقولون.
وأما الصوفية فإسنادهم الحوادث الكونية للأولياء أكثر من أن يذكر، وكتب القوم مليئة بهذه الدعاوى، فهذا البدوي يقول:
سائر الأرض كلها تحت حكمي وهي عندي كخردل في فلاء
أنــــا سلطان على قطب كبيـــر وطبولي تدق فوق السماء([50])
د- ادعاؤهم علم الغيب:
فقد عقد الكليني في الكافي بابا بعنوان: “الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشيء”([51]).
وضمنه روايات تدل على ذلك، منها قوله: قال أبو عبد الله: “إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون”([52]).
وزعم الصوفية أن الولي لا يقف أمامه حجاب، ولا يوصد أمامه باب، ولا يعجزه علم شيء في الأرض ولا في السماء. فقد ادعى الصوفية أن من كرامات الولي معرفة الغيب والاطلاع عليه. وساقوا في ذلك قصصًا كثيرة، منها مثلًا:
– ادعاؤهم بأن رجلًا مر بالبدوي وهو يحمل قربة لبن، فأومأ إليها البدوي بأصبعه فتحطمت، وانسكب اللبن، وخرجت منه حية كبيرة([53]).
– ونقلوا عن الرفاعي قوله: “إن العبد ما يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق، فيطلعه على غيبه، حتى لا تنبت شجرة ولا تخضر ورقة إلا بنظره، ويتكلم هناك بكلام لا تسمعه عقول الخلائق…”([54]).
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض الصوفية قوله: “بِأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى كُلِّ مَا يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ مِنْ الْحَسَنِ إلَى ذُرِّيَّتِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى انْتَهَى ذَلِكَ إلَى أَبِي الْحَسَنِ الشاذلي، ثُمَّ إلَى ابْنِهِ”، ثم قال شيخ الإسلام: “خَاطَبَنِي بِذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِهِمْ”([55]).
هـ- زعمهم نزول الوحي عليهم وخدمة الملائكة لهم:
ترى الصوفية والإمامية أن النبوة لم تختم بحمد صلى الله عليه وسلم، بل هناء من ينزل عليه الوحي، ويُرسل إليه رسول، ويكلمه الله من غير حجاب، وأعطاه خصالًا لم تكن لأحد من خلقه، وهو الإمام عند الإمامية، والولي عند الصوفية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَعْيَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا هُوَ اللَّهُ. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَهُمْ سُلُوكٌ وَخِبْرَةٌ أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَابْنُ هُودٍ فِي مَكَّةَ فَدَخَلَا الْكَعْبَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُودٍ -وَأَشَارَ إلَى وَسَطِ الْكَعْبَةِ- هَذَا مَهْبِطُ النُّورِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ لَهُ: لَوْ قَالَ لَك صَاحِبُ هَذَا الْبَيْتِ: أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَك إلَهًا مَاذَا كُنْت تَقُولُ لَهُ؟ قَالَ: وَقَفَ شَعَرِي مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَانْخَنَسْت. أَوْ كَمَا قَالَ”([56]).
بل زعمت الشيعة أن الملائكة خُلقت من نور الأئمة، وتتنزل على الأئمة، كما جاء في بحار الأنوار: “خلق الله من نور وجه علي بن أبي طالب سبعين ألف ملك، يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة”([57]).
ووظيفة الملائكة عند الشيعة إما خدمة الأئمة، أو زيارة قبر الحسين واللطم عند قبره. جاء في بحار الأنوار وفي عيون أخبار الرضا قولهم: “إن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا”([58]).
وجاء في آخر حديث طويل لهم: “إن جبرائيل دعا أن يكون خادمًا للأئمة، قالوا: فجبريل خادمنا”([59]).
هذا وقد زعموا أن من ملائكة الرحمن من لا وظيفة لهم إلا البكاء على قبر الحسين والتردد لزيارته، قالوا: “وكل الله بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة”([60]).
بل وزعموا أن زيارة قبر الحسين هي أمنية أهل السماء، فقالوا: “وليس شيء في السموات إلا وهم يسألون الله أن يؤذن لهم في زيارة الحسين، ففوج ينزل وفوج يعرج”([61]).
وعلى خطى الشيعة قالت الصوفية بنزول الوحي على أوليائهم، يقول الدباغ: وأما ما ذكروه في الفرق بين النبي والولي من نزول الملك وعدمه فليس بصحيح؛ لأن المفتوح عليه سواء كان وليًّا أو نبيًّا لا بد أن يشاهد الملائكة بذواتهم على ما هم عليه، ويخاطبهم ويخاطبونه، وكل من قال: إن الولي لا يشاهد الملك ولا يكلمه فذاك دليل على أنه غير مفتوح عليه”([62]).
و- زعمهم اختصاص الأئمة والأولياء بعلم الباطن:
يزعم كلٌّ من الإمامية والصوفية اختصاص الأئمة والأولياء بعلم الباطن، ويستدلون على ذلك بحديث: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب»، وهو حديث مشهور عند القوم، لكنه موضوع، قال أبو زرعة: “كم من خلق افتضحوا بهذا الحديث”([63])، وقال ابن الجوزي: “فيه عمر بن إسماعيل بن مجالد متروك ليس بثقة”([64])، وقال ابن حجر: “منكر”([65]).
وقال أبو طالب المكي: “أهل الظاهر هم: أهل الخبر واللسان، وعلماء الباطن هم: أرباب القلوب والعيان… وعلم الظاهر حكم، وعلم الباطن حاكم، والحكم موقوف حتى يأتي الحاكم بحكم فيه”([66]).
ز- زعمهم عدم خلو الأرض منهم:
يزعم كلٌّ من الإمامية والصوفية عدم خلو الأرض من قائم معصوم، يقيم حجة الله على خلقه، وأنه متى خلت الأرض من ذلك ساخت بأهلها.
وهذا القائم عند الإمامية هو الإمام المعصوم، ثُمَّ مَعَ هَذَا يَقُولُونَ: إنَّهُ كَانَ صَبِيًّا دَخَلَ السِّرْدَابَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، وَلَا يُدْرَكُ لَهُ حِسٌّ وَلَا خَبَرٌ([67]).
روى ابن بابويه القمي عن علي بن موسى الرضا أنه سُئل: أتخلو الأرض من حجة؟ فقال: لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها([68]).
وأما الصوفية فاستبدلوا الإمام عند الشيعة بالولي عند الصوفية، وكل طائفة تدعي أن وليها هو الحجة المعصوم، الذي لا يجوز أن يخلو الزمان منه، قال شيخ الإسلام: “وَهَذَا مِنْ جِنْسِ دَعْوَى الرَّافِضَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ إمَامٍ مَعْصُومٍ يَكُونُ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إلَّا بِهِ”([69]).
يقول الطوسي: “لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة؛ لئلا تبطل آياته وتدحض حججه”([70])، وقال الحكيم الترمذي: “لا تخلو الدنيا في هذه الأمة من قائم بالحجة”([71]).
ح- اعتقادهم أن الأئمة والأولياء هم الواسطة بين الله وخلقه:
فقد جعل الصوفية والإمامية الأئمة والأولياء واسطة بين الله وخلقه، يتوسلون بهم، ويستغيثون بهم، ويستعينون بهم، ويدعونهم من دون الله تعالى.
قال المجلسي عن أئمتهم: “فإنهم حُجُب الرب، والوسائط بينه وبين الخلق”([72]).
وعقد لذلك بابًا بعنوان: “باب أن الناس لا يهتدون إلا بهم، وأنهم الوسائل بين الخلق وبين الله، وأنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم”([73]).
وجاء في كتاب “عقائد الإمامية” للمظفر أن الأئمة الاثني عشر هم: “أبواب الله والسبل إليه… إنهم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق”([74]).
وبلغ الأمر بهم أن قالوا: لا يقبل الدعاء إلا إذا كان بأسماء الأئمة، جاء في أخبارهم عن الأئمة: “من دعا الله بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك”([75]).
وأما الاستغاثة بالأئمة فحدث ولا حرج، فقد خصّصوا لكل إمام وظيفةً يستغاث به فيها، فقالوا: “أما علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين ونفث الشياطين، وأما محمد بن علي بن جعفر بن محمد فللآخرة وما تبتغيه من طاعة الله عز وجل، وأما موسى بن جعفر فالتمس به العافية من الله عز وجل، وأما علي بن موسى فاطلب به السلامة في البراري والبحار، وأما محمد بن علي فاستنزل به الرزق من الله تعالى، وأما علي بن محمد فللنوافل وبر الإخوان وما تبتغيه من طاعة الله عز وجل، وأما الحسن بن علي فللآخرة، وأما صاحب الزمان فإذا بلغ منك السيف الذبح فاستعن به فإنه يعينك”([76]).
وأما الصوفية فاشتهرت عنهم عبارات التوسل وطلب المدد من الأولياء والاستغاثة بهم، وعباراتهم في ذلك مشهورة، لا يستطيع أن ينكرها أحد، مثل: “مدد يا رسول الله مدَد، يا عليّ أغثني، مدد يا بدَوي” وغيرها كثير.
بل من التوسلات الصوفية ذات الصبغة الإمامية الشيعية ما جاء في حزب الفرج المنسوب للرفاعي في قوله: “اللهم بجاه الحسين وأخيه، وجده وأبيه، وأمه وبينه، فرج عني وعن المسلمين ما نحن فيه”([77]).
وأورد عبد الصمد في مقدمة كتابه عن البدوي قوله: “أحببت أن أتوسل لبلوغ مقصدي من جانب الشريف الأحمدي سيد طائفة الأولياء، صاحب الفضل على المشارق والمغارب، وسيد السالكين، الفرد الجامع، والأستاذ الأعظم، والغوث الفخم، والملاذ… والقطب النبوي، والبحر الذي منه الأنام ترتوى، سيدى أحمد البدوي”([78]).
ووصف الرفاعية تاج الدين الرفاعي أنه “غياث الملهوفين”([79]).
هذا هو الغلو الذي ورثته الصوفية من الشيعة، ونجى الله منه أهل السنة، كما قال الموسوي: “وفكرة الغلو تحتلّ قلوب كثير من الناس حتى من غير المسلمين، وتشارك الفرق الإسلامية الأخرى الشيعة في غلوهم بالنسبة للأئمة والأولياء، نستثني منهم (السلفية) الذين استطاعوا أن يحطّموا القيود التي قيّدت عقول الناس وقلوبهم على السواء”([80]).
4- استخدامهم للطلاسم والسحر والشعوذة والرموز، واستغاثتهم بالمجهول:
ومما اتفق عليه الصوفية والإمامية استخدامهم للطلاسم والسحر والشعوذة والرموز التي هي من السحر والشرك، واعتبار ذلك من أحراز الأئمة وأدعيتهم، من أجل الشفاء والسلامة من كل داء.
وقد جمع من ذلك المجلسي فأكثر، فقد أورد في كتابه طائفة من الألفاظ التي لا معنى لها، ووضع صورَ بعض الطلاسم برسم غريب في كتابه “البحار” على أن ذلك من هدي الأئمة للشفاء.
ومن أمثلة هذه الطلاسم التي رواها المجلسي ما نسبه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: “حرز لأمير المؤمنين صلوات الله عليه للمسحور، والتوابع -الجني يتبع الإنسان حيث ذهب- والمصروع والسم والسلطان والشيطان وجميع ما يخافه الإنسان… وهذه كتابته: بسم الله الرحمن الرحيم، أي كنوش أي كنوش أرشش عطنيطنيطح يا مطيطرون فريالسنون ما وما ساما سويا طيطشا لوش خيطوش…” إلى آخر هذه الطلاسم، ثم رسم رموزًا غريبة على شكل خطوط متداخلة([81]).
والصوفية لم يكونوا أحسن حالًا من الإمامية، فلا تكاد تجد شيخًا لطريقة صوفية إلا ويعمل بالسحر والاستعانة بالجن، بل ويعدون هذا من باب الكرامات.
يقول ابن عربي عن السحر: “فهو وإن كان مذمومًا بالإطلاق، فهو محمود بالتقييد، وهو من باب الكرامات، وهو عين السحر عند العلماء”([82]).
وهذا إبراهيم الدسوقي له أذكار وأدعية خاصة به، لا تخرج عن كونها سحرا، مثل قوله: “لووا عما نووا ثم لووا عما نووا فعموا وصموا عما نووا فوقع القول عليهم بما ظلموا… اللهم آمنا من كل خوف وهم وغم وكرب وكد كد/ كردد كردد / كرده كرده/ ده ده/ده ده…”([83]).
إلى آخر هذا الغثاء الذي لا يفهم له رسم ولا معنى، ولم يعرفه أحد من السلف، فإذا أنكرت مثل هذا الغثاء أنكروا عليك، وقالوا: نحن لنا أحوال، نحن أهل الحقيقة وأنتم أهل الشريعة، لنا مع الله أحوال، ولنا معارف نعرفها منه بلا واسطة، لم يطلع عليها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل.
كما قال الشعراني على لسان إبراهيم الدسوقي: “إذا كمل العارف في مقام العرفان أورثه الله علمًا بلا واسطة، وأخذ العلوم المكتوبة في ألواح المعاني، ففهم رموزها، وعرف كنوزها، وفك طلسماتها، وعلم رسمها واسمها، وأطلعه الله على العلوم المودعة في النقط، ولولا خوف الإنكار لنطقوا بما يبهر العقول”([84]).
وهذا أبو الحسن الشاذلي -مؤسس الطريقة الشاذلية- كان معروفًا بالسحر، مشهورًا به، قال ابن عجيبة: “قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: صحبني إنسان وكان ثقيلًا علي، فبسطته ببسط وقلت: يا ولدي، ما حاجتك؟ ولِمَ صحبتني؟ قال: يا سيدي، قيل لي: إنك تعلم الكيمياء فصحبتك لأتعلم منك، فقلت له: صدقت وصدق من حدثك”([85]).
وعلم الكمياء المقصود به في هذا الوقت علم السحر والنجوم والكواكب.
وقال الفاسي وهو يقصّ قصة انتقال الشاذلي من شاذلة إلى مصر: “ولما سافر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات: إنه سيقدم عليكم مصرَ مغربي من الزنادقة؛ أخرجناه من بلادنا حين أتلف عقائد المسلمين، وإياكم وأن يخدعكم بحلاوة منطقه، فإنه من كبار الملحدين، ومعه استخدامات من الجن”([86]).
5- تقديس القبور والأضرحة:
من المسلّمات في دين الصوفية والإمامية تقديس القبور والأضرحة، وفرض زيارتها، وإقامة الاحتفالات عندها، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله وحده، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت”([87]).
بل تذهب روايتهم إلى القول بأفضلية زيارة هذه القبور والأضرحة على الحج وزيارة بيت الله الحرام، فهذه رواية منسوبة لجعفر الصادق رحمه الله يقول فيها لأعرابي زار قبر الحسين: “إن زيارة أبي عبد الله عليه السلام -يعني نفسه- تعدل حجّة مقبولة زاكية مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فتعجب من ذلك، فقال له: إي والله، وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فتعجب، فلم يزل أبو عبد الله عليه السلام يزيد حتى قال: ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكيـة مع رسول الله صلى الله عليه وآلـه”([88]).
وتذهب رواية أخرى إلى أن “من زار قبر أبي عبد الله كتب الله له ثمانين حجة مبرورة”([89]).
وتزيد رواية أخرى على ذلك فتقول: “من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفًا بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”([90]).
ولا زالت الأعداد تتزايد حتى تقول الرواية: “من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيًا لقي الله عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم…”([91]).
وهذا قطعًا ليس خاصًّا بقبر الحسين، بل لكل من خرج من بيته وشدّ رحله يقصد ضريح أحدٍ من الأئمة، تقول الرواية الشيعية: إن موسى الكاظم قال: “من زار قبر ولدي علي -وهو الرضا- كان له عند الله كسبعين حجة مبرورة، وسبعين ألف حجة، ومن زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه”([92]).
وهكذا الأمر عند الشيعة مبناه على الغلو والكذب على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبث الروايات في تعظيم زيارتها حتى قيل: إن عدد هذه الأحاديث المكذوبة بلغ ما يقرب من (458) حديثًا، منها (338) في زيارة قبر الحسين، والبقية في زيارة قبور الأئمة عامة([93]).
حتى تعجّب شيخ الإسلام من ذلك، وهذا في زمنه، فكيف به لو رأى زماننا، يقول: “وقد صنف شيخهم ابن النعمان -المعروف عندهم بالمفيد- كتابًا سماه: (مناسك حج المشاهد)، جعل قبور المخلوقين تحَج كما تحَج الكعبة البيت الحرام”([94]).
ولا شكّ أن هذه البدعة المنكرة التي تؤدي إلى الشرك والكفر بالله ما هي إلا صناعة شيعية رافضية خبيثة، هم أول من ابتدعها ودعا إليها، يقول شيخ الإسلام: “وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي السَّفَرِ لِزِيَارَةِ الْمَشَاهِدِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ أَهْلُ الْبِدَعِ مَنَّ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ الَّذِينَ يُعَطِّلُونَ الْمَسَاجِدَ وَيُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ، يَدَعُونَ بُيُوتَ اللَّهِ الَّتِي أَمَرَ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَيُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي يُشْرَكُ فِيهَا وَيُكَذَّبُ وَيُبْتَدَعُ فِيهَا دِينٌ لَمْ يُنَزِّلْ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إنَّمَا فِيهِمَا ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ دُونَ الْمَشَاهِدِ”([95]).
أما عند الصوفية فإن شد الرحل من أجل زيارة قبور الأنبياء والصالحين وسائر العلماء والأولياء تعبدًا وتقربًا إلى الله عز وجل وتبركًا بها والتماسَ إجابة الدعاء وقضاء الحوائج عندها، كل هذا جائز عندهم، بل مستحبّ، وينقلون الإجماع عليه، بل يسيئون الظنّ بمن أنكر ذلك أو تردد في الجزم بمشروعيته([96]).
بل فاقت الصوفية الإمامية في تعظيم القبور وعبادتها بالكم الهائل من المزارات والأضرحة التي بلغت في مصر وحدها أكثر من ألف ضريح، موزعةً في المدن والقرى والنجوع في مصر شرقًا وغربًا.
ويذكر علي باشا مبارك أن الموجود في زمنه في القاهرة وحدها مائتان وأربعة وتسعون ضريحًا([97])، كضريح الحسين، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح السيدة زينب، وضريح الإمام الشافعي، وضريح الليث بن سعد، وكل هذه الأضرحة قد بني عليها جوامع ومساجد.
وتذكر الدكتورة سعاد ماهر أن الأضرحة المشهورة يزيد عددها في مصر على الألف([98]).
حتى أصبح القبر والضريح لازمًا من لوازم الطرق الصوفية في مصر وغيرها، بحيث لا يتصوّر أحد وجود طريقة صوفية من غير ضريح -أو أكثر- تقدسه، وتعبده، وتتوسل به، وتدعوه من دون الله تعالى.
وهذا الصوفي محمد مهدي الرواسي الرفاعي صنف كتابًا ضخمًا سماه: “بوارق الحقائق”، يصف فيه ما لاقاه في رحلاته الطويلة في زيارات مشاهد وقبور من يعظمهم أو يعبدهم من المقبورين في مختلف البلاد الإسلامية، وكثيرًا ما يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره أمره بزيارة قبر فلان وفلان([99]).
وأما حجّ الصوفية إلى هذه القبور والأضرحة، فإنه مُشاهد ومعروف، حتى إنهم في زيارتهم للبدوي مثلًا وضعوا شعائر تشبه تمامًا الحج إلى بيت الله الحرام، نجد فيها قدومًا وسعيًا وطوافًا وتهليلًا وتكبيرًا وذبحًا.
ووضعوا أيضًا في الضريح مثل الحجر الأسود، وفي نهاية الشعائر يضع الزوار النذور لصاحب الضريح مثلما يقدِّم الحاج الهدي لله تعالى في مكة المكرمة.
وعِجل السيد معروف ومشهور، حيث يجهَّز ويطاف به في موكب وتهليل وتكبير إلى ضريح البدوي.
قال عبد الصمد: لما مات سيدي أحمد تخلّف بعده سيدي -عبد العال- فشيد أركان البيت، وأقام الأشاير -أي: نظم الأتباع ووزع المهام لرعاية الحجاج- وقصده الناس للزيارة من سائر الأقطار([100]).
وقد نسب إلى البدوي قوله:
ألا أيها الزوار حجوا لبيتنا وطوفوا بأستار له تبلغوا المنا
فهيا بني الحاجات سعيًا لمنهلٍ ورثناه في الدارين من فيض جدِّنا
ففي الأبيات حثّ لزيارة البدوي؛ ليشهدوا منافع لهم، ويفوا نذورهم ويطوفوا بالبيت -قبر البدوي-، مع وعد صريح لأصحاب الحاجات بقضاء حاجاتهم([101]).
وفي هذا يقول السخاوى بالحرف الواحد: “جاء الحجاج هذه السنة لسيدي أحمد البدوي من الشام وحلب ومكة أكثر من حجاج الحرمين”([102]).
وقال ابن القيم رحمه الله منكرًا على هؤلاء: “فقد آل الأمر بهؤلاء الضُّلال والمشركين إلى أن شرعوا للقبور حجًّا، ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا سماه: (مناسك حج المشاهد)؛ مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عباد الأصنام”([103]).
خلاصة البحث:
بعد هذا العرض السابق يتبين أمور:
أولًا: أن الأمة تمر بالكثير من الفتن العقدية، ومن أخطرها سلاح التشيع الباطني وسلاح التصوف الغالي ذي الأصول الباطنية، فهذان من أخطر ما وُجِّه لضرب الأمة من داخلها.
ثانيًا: أن الصوفية كانت -ولا تزال- قنطرة التشيع في بلاد أهل السنة، وذلك لما بينهما من الصلة.
ثالثًا: أن التوحيد عند الشيعة والصوفية لا معنى له، ولا يجوز التعبير عنه بعبارة، بل عندهم من زعم أنه موحّد فهو جاحد، بل التوحيد عندهم يقوم على نفي الصفات ووصف الله عز وجل بالعدم المحض.
رابعًا: أن من أخطر بدع الشيعة والصوفية تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن، وتقسيم المجتمع المسلم إلى أهل الظاهر وهم أهل الشريعة والرسوم، وأهل الباطن ويقصدون بذلك أنفسهم أهل الكشف والأذواق، ويسمون أهل السنة بالعوام، ويسمون أنفسهم بالخواص.
خامسًا: أن كلًّا من الصوفية والإمامية أقاموا دينهم على الإمامة والولاية، فأساس الصوفية لا يكون إلا بالولاية، وأساس التشيع لا يكون إلا بالإمامة.
سادسًا: أن الصوفية والإمامية جعلوا للأئمة والأولياء خصائص لا تكون لغيرهم حتى من الأنبياء، ومنها: التصرف في الكون، وملك الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وعلم الغيب، ونزول الوحي عليهم، وخدمة الملائكة لهم، واختصاصهم بعلم الباطن، وعدم خلو الأرض منهم، وأنهم واسطة بين الله وخلقه.
سابعًا: أن مما اتفق عليه الصوفية والإمامية استخدامهم للطلاسم والسحر والشعوذة والرموز التي هي من السحر والشرك، واعتبار ذلك من أحراز الأئمة وأدعيتهم من أجل الشفاء والسلامة من كل داء.
ثامنًا: أن من الأسس التي يقوم عليها دين الصوفية والإمامية تقديس القبور والأضرحة، وفرض زيارتها، وإقامة الاحتفالات عندها، والحج إليها.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) انظر: عقائد الشيعة في ميزان الشريعة، حماد عبد الجليل، ط: دار المجد (ص: 137).
([2]) الفرق بين الفرق، ط: المكتبة العصرية (ص: 281).
([3]) الفصل في الملل والنحل، ط: دار بن حزم (2/ 312).
([4]) الإحكام في أصول الأحكام، ط: دار الآفاق الجديدة – بيروت (1/ 96).
([5]) منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، ط: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، (1/ 68).
([6]) الصلة بين التشيع والتصوف، د: نبيل عبد الكريم:
https://ketabonline.com/ar/books/104585/read?part=1&page=1&index=3394222
([7]) الصلة بين التصوف والتشيع، كامل مصطفى الشيبي، دار الأندلس – بيروت – ط: 3، 1982م (ص: 271) بتصرف.
([8]) انظر: التصوف عند الفرس، إبراهيم الدسوقي، ط: دار المعارف – القاهرة (ص: 23).
([9]) للاستزادة انظر: الشيعة في مصر من الإمام علي حتى الإمام الخميني، صالح الورداني (ص: 81)، وجريدة الشرق الأوسط العدد (9713)، وموقع إسلام أون لاين مقال بعنوان: (جدل ساخن في السودان حول المد الشيعي)، وموقع الإصلاح مقال بعنوان: (النشاط الشيعي في السودان).
([10]) انظر: مقال للدكتور ناصر القفاري، بعنوان: الشيعة المتصوفة، على الرابط:
https://ar.islamway.net/article/81263/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%81%D8%A9
([11]) انظر: مقدمة «كشف أسرار الباطنية».
([12]) انظر على سبيل المثال: سلسلة «شبهات حول الشيعة» من إعداد لجنة البحوث والدراسات بالطريقة العزمية، وفيه محاولة للدفاع عن الشيعة وترويج عقائدهم في: الإمامة (1/ 110-112)، وأن ابن سبأ أسطورة لا وجود لها (2/ 17، 94)، وجواز العمل بالتقية (3/ 13)، والطعن في عدالة الصحابة (3/ 70)، والقول بعصمة الأئمة (4/ 45، 99)، والمتعة (5/ 89-90)، والبداء (6/ 51-52)، والانتظار (6/ 84)، والرجعة (6/ 116).
([13]) http://www.msf-online.com
([14]) https://www.islamwattan.org
([15]) دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام (ص: 7).
([16]) محمد حسين آل كاشف الغطا، “رساله الإسلام”، السنة الأولى، العدد الأول (ص: 22-23).
([17]) مقدمة كتاب “الدعوة الإسلامية إلي وحدة أهل السنة والإمامية” لمحمد جواد مغنية (والكتاب للخنيزي).
([18]) رسالة الإسلام “مجلة دار التقريب” السنة الأولى، العدد الأول، 1368هـ، مجلد 1، ص 93 (صوت التقريب).
([19]) محمد تقي القمي في مقدمته لكتاب: بين السنة والشيعة، للدكتور سليمان دنيا.
([20]) البدوي بين الحقيقة والخرافة (ص: 40).
([21]) عمارة اليمني (٠٠٠-٥٦٩هـ/ ٠٠٠-١١٧٤م)، عمارة بن علي أبي الحسن بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني، أبو محمد، نجم الدين: مؤرخ ثقة، وشاعر فقيه أديب، من أهل اليمن. ولد في تهامة ورحل إلى زبيد سنة ٥٣١هـ، وقدم مصر برسالة من القاسم بن هشام أمير مكة إلى الفائز الفاطمي سنة ٥٥٠هـ في وزارة «طلائع بن رزيك» فأحسن الفاطميون إليه وبالغوا في إكرامه، فأقام عندهم ومدحهم. ولم يزل مواليا لهم حتى دالت دولتهم وملك السلطان صلاح الدين الديار المصرية، فرثاهم عمارة، واتفق مع سبعة من أعيان المصريين على الفتك بصلاح الدين، فعلم بهم فقبض عليهم وصلبهم بالقاهرة، وعمارة في جملتهم. الأعلام لخير الدين الزريكلي، ط: دار العلم للملايين (5/ 37).
([22]) السيد البدوي دراسة نقدية، د: عبد الله صابر، ط: دار الطباعة والنشر الإسلامية (ص: 14)
([23]) انظر: السيد البدوي دراسة نقدية، د: عبد الله صابر (ص: 6)، ونشرته مجلة السياسة الأسبوعية في الأعداد: 89 و90 و92 لسنة 1927م، تحت عنوان: (المولدان الأحمدي والدسوقي).
([24]) الرسالة القشيرية، ط: دار المعارف، القاهرة (2/ 466).
([25]) الرسالة القشيرية (2/ 467).
([26]) الرسالة القشيرية (2/ 467).
([27]) الطريقة الختمية طريقة صوفية أسَّسها محمد عثمان الميرغني الختم في عام 1817م، وهو سوداني الأصل، ممن ادعى ختم الولاية لنفسه، كان يقول عن نفسه: “من رآني ومن رأى من رآني إلى خمسة لم تمسه النار، ولا حرج على ذلك فإن الله يختص برحمته من يشاء”. انظر: تاج التفاسير لمحمد عثمان الميرغني (ص: 4).
([28]) فتح الرسول، محمد عثمان الميرغني (ص: 21).
([29]) انظر: العلاقة بين الصوفية والإمامية، زياد بن عبد الله الحمام، ط: مجلة البيان (ص: 210).
([30]) الطبقات الكبرى للشعراني (2/ 95).
([31]) عقائد الإمامية الاثني عشرية، للزنجاني (ص: 28).
([32]) التوحيد للصدوق (ص: 31).
([33]) شرح فصوص الحكم، للقاشاني (ص: 152).
([34]) أعيان الشيعة، محسن الأمين (9/ 322).
([35]) العلاقة بين التشيع والتصوف، فلاح بن إسماعيل بن أحمد، الجامعة الإسلامية المدينة المنورة (ص: 182).
([36]) فضائح الباطنية، ط: مؤسسة دار الكتب الثقافية – الكويت (ص: 19).
([37]) اللمع، ط: الهيئة العامة لقصور الثقافة – مصر (ص: 43-44).
([38]) التعرف لمذهب أهل التصوف، دار الوراق للنشر (ص: 105).
([39]) تلبيس إبليس، ط: دار الفكر (ص: 284).
([40]) التصوف الثورة الروحية في الإسلام (ص: 107).
([41]) تفسير القرطبي، ط: دار الكتب المصرية – القاهرة (11/ 40).
([42]) الحكيم الترمذي ونظريته في الولاية (ص: 72).
([43]) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة (ص: 1).
([45]) جامع كرامات الأولياء للنبهاني، ط: دار الكتب العلمية (2/ 158).
([46]) أصول الكافي (1/ 457). وانظر: بحار الأنوار (41/ 192)، وبصائر الدرجات (ص: 76).
([47]) انظر: بحار الأنوار (41/ 194-198).
([48]) قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر، ط: دار الكتب العلمية (ص: 73).
([49]) انظر: الاختصاص (ص: 327)، بحار الأنوار (27/ 33)، البرهان (2/ 482).
([50]) الجواهر السنية في النسبة والكرامات الأحمدية، لعبد الصمد بن عبد الله الأحمدي المصري (ص: 90-95).
([53]) السيد البدوي شيخ وطريقة (ص: 185).
([54]) الطبقات الكبرى، للشعراني (1/ 142).
([55]) مجموع الفتاوى (14/ 365).
([56]) مجموع الفتاوى (14/ 365).
([57]) بحار الأنوار (23/ 320).
([58]) بحار الأنوار (26/ 235)، عيون أخبار الرضا (1/ 262).
([59]) بحار الأنوار (26/ 344).
([60]) الكافي (1/ 325)، وسائل الشيعة (10/ 318).
([61]) وسائل الشيعة (10/ 322).
([62]) الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز الدباغ، لأحمد بن مبارك السجلماسي (ص: 151).
([63]) انظر: تهذيب الكمال (21/ 277).
([64]) الضعفاء والمتروكين (2/ 205).
([65]) لسان الميزان (1/ 197). وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (6/ 518).
([66]) قوت القلوب لأبي طالب المكي (1/ 158).
([67]) مجموع الفتاوى (11/ 439).
([68]) عيون أخبار الرضا (1/ 272).
([69]) مجموع الفتاوى (11/ 439).
([73]) بحار الأنوار (23/ 101).
([74]) عقائد الإمامية، للمظفر (ص: 98).
([75]) بحار الأنوار (23/ 103).
([77]) حزب الفرج (ص: 30). وانظر: العلاقة بين الصوفية والإمامية (ص: 312).
([78]) مقدمة كتاب الجواهر السنية (ص: 5-7).
([80]) الشيعة والتصحيح – الصراع بين الشيعة والتشيع (ص: 80).
([81]) بحار الأنوار (94/ 193، 229، 265، 297).
([82]) الفتوحات المكية، ط: دار الكتب العلمية (ص: 201).
([83]) الورد الكبير والصغير للطريقة البرهانية، لإبراهيم الدسوقي، ط: المكتبة السعدية، (ص: 118-124).
([84]) الطبقات الكبرى (1/ 147).
([85]) طبقات الشاذلية الكبرى (ص: 155).
([86]) طبقات الشاذلية الكبرى (ص: 42).
([87]) منهاج السنة النبوية (2/ 124).
([88]) ثواب الأعمال، لابن بابويه القمي (ص: 52)، ووسائل الشيعة للحر العاملي (10/ 350).
([89]) ثواب الأعمال، لابن بابويه القمي (ص: 52).
([90]) ثواب الأعمال، لابن بابويه القمي (ص: 52).
([91]) بحار الأنوار (101/ 290).
([93]) العلاقة بين الصوفية والإمامية (ص: 364).
([94]) منهاج السنة النبوية (1/ 476).
([95]) مجموع الفتاوى (27/ 191). وانظر: الرد على الإخنائي، ط: دار الخراز – جدة (ص: 150).
([96]) انظر: إحياء علوم الدين، للغزالي (2/ 270)، والمدخل، لابن الحاج (1/ 257).
([97]) الخطط التوفيقية (1/ 244).
([98]) مساجد مصر وأولياؤها الصالحون (1/ 44).
([99]) العلاقة بين الصوفية والإمامية (ص: 368).
([100]) الجواهر السنة (ص: 24). وانظر: السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة، أحمد صبحي منصور (ص: 233).
([101]) السيد البدوي شيخًا وطريقة (ص: 262).
([102]) التبر المسبوك في ذيل السلوك (ص: 176).
([103]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ط: مكتبة المعارف، الرياض (1/ 197).