إيضاح ما أَشكَل في قصة موسى عليه السلام وملك الموت
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدّمة:
إن حديثَ لطم موسى عليه السلام لملك الموت من الأحاديث التي طعَن فيها المبتدعةُ منذ وقتٍ مبكِّرٍ، وتصدَّى العلماءُ للردِّ عليهم في شُبهاتهم.
وقد صرّح الإمامُ أحمد رحمه الله لما سئل عن هذا الحديث بأنه: (لا يدَعُهُ إلا مُبتَدِع أو ضعيف الرأي)([1])؛ ولذلك ذكر الأئمة الإيمان بهذا الحديث في عقائدهم، كما فعل الحافظ عبد الغني والإمام الموفق.
قال الحافظ عبد الغني: (ونؤمن بأن ملك الموت أرسل إلى موسى عليه السلام فصكَّه ففقأ عينه كما صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، لا يُنكره إلا ضالٌّ مبتدع راد على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)([2]).
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة: (ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه… ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فرد عليه عينه)([3]).
وقد طعن في هذا الحديث فئام من الرافضة، كابن المطهر الحلي في كتابه الشهير: (نهج الحق وكشف الصدق)، ونور الله التستري الذي دافع عن كتابه هذا في كتاب سماه (إحقاق الحق وإبطال الباطل).
وطعن فيه أيضًا بعض من صنّف منهم ومِن أذنابهم في الطعن في أبي هريرة رضي الله عنه راوي الحديث، مثل محمد بن علي عز الدين العاملي، وعبد الحسين شرف الدين، وربيبه أبي رية([4]).
وقد تتابع العلماء منذ وقت بعيد على نسبة الطعن في هذا الحديث إلى الملاحدة والجهمية وأهل الزيغ والابتداع:
قال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة: (أنكر بعض أهل البدع والجهمية هذا الحديث ودفعوه..)، ثم أورد الاعتراض عليه ثم قال: (وهذا اعتراض من أعمى الله بصيرته، ولم يبصره رشده، ومعنى الحديث صحيح على غير ما ظنهُ الجهمي)([5]).
وأورد تلميذه الحافظ ابن حبان رحمه الله هذا الحديث تحت عنوان: (ذكر خبر شَنَّع به على منتحلي سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم من حُرِم التوفيق لإدراك معناه)([6]).
وقال أبو سليمان الخطابي: (هذا حديث يطعن فيه الملحدون وأهل الزيغ والبدع، ويغمزون به في رواته ونقلته)([7]).
وقال البغوي بعد أن أورد ردّ الخطّابي: (وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه ردًّا على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع والملحدين -أبادهم الله وكفى المسلمين شرهم-)([8]).
وقال الحافظ ابن الجوزي: (وقد اعترض بعض الملحدين على هذا الحديث بأربعة أشياء..)([9]).
وقال الأستاذ أبو بكر ابن فورك المتكلِّم -شيخ الحافظ البيهقي- بعد أن أورد هذا الحديث: (فقال بعض أهل الإلحاد على طريق الإنكار لذلك: إن جاز على ملَك الموت العوَر جاز عليه العمى)([10]).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي بعد أن أورده: (وقد أنكر قَومٌ من أهل الإلحاد هذا، وقالوا: إنْ جاز على ملك الموت العَورَ جاز عليه العمى)([11]).
وقال أبو عبد الله المازري: (هذا الحديث مما تَطعَن به الملحدة وتتلاعب بِنقلَة الآثار بسببه)([12]).
وقال أبو العبّاس القرطبي: (ولما ظهر هذا من هذا الحديث شنَّعته الملحِدَة، وقالوا: إن هذا كله محال ولا يصح)([13]).
وتقدّم أيضًا قول الحافظ عبد الغني: (لا يُنكره إلا ضالٌّ مبتدع راد على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)([14]).
وسنتناول في هذه الورقة الإشكالات التي أُثِيرت على هذا الحديث في متنه وإسناده، ونبين أوجه الفساد فيها والاختلال، وبالله التوفيق.
أولًا: الإشكالات المتعلِّقة بالإسناد:
جاء الحديث من عدّة طرق، أشهرها طريقان([15]):
الطريق الأول: ما جاء في صحيفة همام بن منَبِّه التي أخرجها عبد الرزاق([16]) عن معمر، قَالَ همّام: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ». قَالَ: «فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا». قَالَ: «فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي». قَالَ: «فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلِ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ. رَبِّ، أَمِتْنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ، لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ»([17]).
الطريق الثاني: عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ! فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ. فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ».
وقد اختلف الرواة عن عبد الرزاق، فمنهم من رواه موقوفًا في أوّله، وآخرُه مرفوع، كما في هذه الرواية، وهم أكثر الرواة عن عبد الرزاق([18])، ومنهم من رواه مرفوعًا برمّته([19]).
وقد تكلَّم بعض المعاصرين في إعلال هذا الحديث بأمور:
العلة الأولى: أن همام بن منبه رحمه الله يرويه من الإسرائيليات:
ولعل صاحب هذا الاعتراض خلط بين همام بن منبه وأخيه وهب بن منبّه، فوهب هو الذي كانت له معرفة بكتب أهل الكتب، أما همام فشهرته بالصحيفة التي رواها عن أبي هريرة([20]).
ولو سلَّمنا بأن همامًا يروي عن أهل الكتاب تسليمًا جدليًّا، فكيف يجاب عن متابعة طاوس وعمار بن أبي عمار لهمام؟!
وموافقة أهل الكتاب في نقل هذه القصة لا تضرّ، ما دامت قد ثبتت رواية أبي هريرة رضي الله عنه لها مرفوعةً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلها عنه الرواة الثقات العدول، ولم يكن العلماء يطعنون في الحديث بمجرد موافقة أهل الكتاب في نقله، ولذلك فإن ابن قتيبة قال عن هذا الحديث: (وأحسب له أصلًا في الأخبار القديمة)([21])، ومع ذلك صححه ودافع عنه.
العلة الثانية: الاختلاف على معمر في رواية الحديث:
ومقصود صاحب الاعتراض أن عبد الرزاق رواه مرةً عن معمر عن همام، ومرة عنه عن ابن طاوس عن أبيه، ومرة عنه عمن سمع الحسن عن الحسن.
وهذا لا يضرّ أيضًا، فإن معمرًا كان حافظًا مكثرًا، فتعدُّد الرواة الذين روى عنهم دليلٌ على حفظِه، وليس دليلًا على اضطراب الرواية، وقد يأتي مثل ذلك عن غيره من الحفّاظ كابن شهاب وغيره.
العلة الثالثة: تعارض الروايات رفعًا ووقفًا:
والمقصود التعارضُ الواقع بين رواية همام ورواية طاوس، والجواب عن ذلك من وجوه:
أولًا: أن تعارض الوقف والرفع يحكم فيه لمن رفع، كما تقرر في فن المصطلح؛ لأن من رفع مثبت، وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه؛ لأنه علم ما خفي عليه([22]).
ثانيًا: أن الرواة عن طاوس -كما قدّمنا- منهم من رواه موقوفًا، ومنهم من رواه مرفوعًا أيضًا، فقد رواه مرفوعًا عنه أربعة من الرواة، ولم ينفرد بذلك واحد حتى يجزم بوهمه، ومن رواه عنه موقوفًا روى آخره مرفوعًا، مما يشعر بأن الرفع له أصل حتى في رواية طاوس.
ثالثًا: أن هذا القصة لا تقال من جهة الرأي، وما رواه الصحابي على هذا النحو فحُكمُه حكم المرفوع، وأبو هريرة رضي الله عنه لم يكن يروي عن أهل الكتاب.
وقد جعل بعض الرافضة الحديث من وضع أبي هريرة رضي الله عنه! ولا غرابة في ذلك؛ فهم ممن قال الله فيهم: {يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلكُفَّارَ} [الفتح: 29] كما جاء عن الإمام مالك، حيث قال: (من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية)([23]).
ومنهم من أورد احتمالًا أن يكون واضعُه هو عبد الله بن طاوس بن كيسان كما يقول الرافضي محمد بن علي عز الدين العاملي في ابن طاوس: (المشهور عند الجميع بوضع الحديث)([24]). وهذا من الإفك الصريح، فعبد الله بن طاوس ثقة مأمون، وثّقه أبو حاتم والنسائي والعجلي وغيرهم([25]).
ثانيًا: الإشكالات المتعلقة بالمتن:
الإشكال الأول: كيف جاز لموسى أن يفعل ذلك برسول ربِّه؟ وفي طيِّ هذا مُراغَمة المُرسِل.
وهذا أشهر الإشكالات وأهمُّها؛ لتعلُّقه بمسألة العصمة، وقد تعدّدت الأجوبة عليه، وتفاوتت قوةً وضعفًا، وسنفصّل في الجواب الأول لأنه أقواها، ونجيب عما اعترض به عليه، ثم نذكر سائر الأجوبة ونبين ضعف الضعيف منها.
الجواب الأول: أن الملَك جاء إلى موسى عليه السلام في غيرِ صورتِه الحقيقيةِ، وقد أخبر الله تعالى بمجيء الملائكة الأنبياءَ في صورة بشرية في أكثر من قصة، ولذلك فإن موسى عليه السلام لم يَعلمْ أن الشخصَ الذي أتاه هو ملَك الموت في المرة الأولى، ففقأ عينه، وذلك لا يُعَدُّ اعتداءً وظلمًا، لأنه رأى شخصًا غريبًا دخل بيته فدفعه عن نفسِه. فلما عَلِم أنه ملك الموت في المرة الثانية استسلم لقضاء الله.
وهذا الجواب هو أشهر الأجوبة، وأشهر من أجاب به إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، وحذا حذوه تلميذه ابن حبّان في (صحيحه)([26])، ولخّص الخطابي جواب ابن خزيمة وزاد عليه، كما قال الحافظ([27])، ونقله عنه البيهقي([28])، واستفاد البغوي([29]) الجواب من الخطابي، وأشار إلى ذلك، واستفاده ابن الجوزي وابن جماعة أيضًا دون إشارة([30])، رحمهم الله جميعًا.
قال أبو العبّاس القرطبي: (وأشبه ما قيل فيه: ما قاله الشيخ الإمام أبو بكر بن خزيمة، وهو أن موسى عليه السلام لم يعرف ملك الموت، وأنه رأى رجلًا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسَه، فدافع عن نفسه، فلطم عينه، ففقأها. وتجب المدافعة في مثل هذا بكل ممكن. وهذا وجه حسن)([31]).
وذكر أبو عبد الله المازري هذا الجواب بعد أن ضَعَّف بعض أجوبة أصحابِه الأشاعرة كما سيأتي، ولم يعزُه لأحد ممن تقدّمه، وقال: (وأَحسَن ما اعتمد عليه في المسألةِ هذا الجواب الذي ظهر لنا)([32]).
وأخذَهُ عنه القاضي عياض وقال: (وللمُتقدِّمِين والمتأخرين على هذا الحديث أجوبةٌ، هذا أسدُّهَا عندي، وهو تأويل شيخنا الإمام أبي عبد الله المازري)([33]).
وقال في موضعٍ آخر: (والوجه الذى ذكر الشيخ الإمام -المازري- رحمه الله أنه ظهر له وحسَّنَه وهو حسن، وهو تأويل الإمام أبي بكر ابن خزيمة وغيره من المتقدمين، وبنصه احتجاجه، وأرى الشيخ لم يكن رآه لغيره، والله أعلم)([34]).
وقال ابن الوزير بعد أن أورد هذا الجواب: (وهذا وجهٌ حَسَنٌ في الجواب، لا سبيل إلى القطع ببطلانه، ومع احتماله يرتَفِعُ الإشكالُ في القطع بتكذيب الرواة، والمجازفة بجرح الثقات)([35]).
وإيضاح هذا الجواب في ما يأتي:
1- الملَك جاء إلى موسى في غيرِ صورتِه الحقيقيةِ، فلم يعرفه في المرة الأولى:
فقد كان الملائكةُ يَأتون الأنبياءَ في غيرِ صُوَرِهم الحقيقيةِ؛ لحِكمةٍ وغاية، كما وقَع مع إبراهيم ولوطٍ عليهما السلام في قصة الضُّيوف، وكما قيل: إنه وقع مع داودَ عليه السلام في قصةِ الخصمِ الذين تسوَّروا المحرابَ.
بل وقَع ذلك مع نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لمَّا جاءه جبريلُ في صورة رجل؛ ليُعَلِّمَ المسلمين أمْرَ دينهِم([36]).
يقول ابن خزيمة رحمه الله تعالى: (ومحال أن يعلم موسى أنه ملك الموت ويفقأ عينه، وكذلك لا ينظره إلا بعلمه.
وقد جاءت الملائكةُ خليل الله إبراهيم ولم يعرفهم في الابتداء حتى أعلموه أنهم رسل ربهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمًا قَالَ سَلَٰمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَءَا أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَة} [هود: 69، 70]، ولو علم إبراهيم في الابتداء أنهم ملائكة الله لكان من المحال أن يقدِّم إليهم عجلًا؛ لأن الملائكة لا تَطعم، فلما أوجس منهم خيفة {قَالُواْ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70].
وقد أخبر الله أن رسله جاءت لوطًا فسيءَ بهم وضاق بهم ذرعًا، ومحال أن يعلم في الابتداء أنهم رسل الله ويضيق بهم ذرعًا، أو يسيء بهم.
وقد جاء الملك إلى مريم فلم تعرفه، واستعاذت منه، ولو علمت مريم في الابتداء أنه ملَكٌ جاء يبشرها بغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويكون نبيًّا ما استعاذت منه.
وقد دخل الملكان على داود في شبه آدميين يختصمان عنده، ولم يعرفهما، وإنما بعثهما الله ليتّعظ بدعوى أحدهما على صاحبه، ويعلم أن الذى فعله لم يكن صوابًا، فتاب إلى الله وندم، قال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّٰهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].
فكيف يُستنكر ألا يعرف موسى ملك الموت حين دخل عليه؟! وقد جاء جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإيمان والإسلام في صورة لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، فلما ولَّى أخبر النبي أنه جبريل وقال: «ما أتاني في صورة قط إلا عرفته، غير هذه المرة».
وكان يأتيه في بعض الأوقات مرة في صورة، ومرة في صورة أخرى، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لم ير جبريل في صورته التي خُلق عليها إلا مرتين)([37]).
وقال المعلمي: (ثبتَ بالكتاب والسنَّة أنّ الملائكة قد يتمثَّلون في صُوَر الرجال، وقد يراهم كذلك بعضُ الأنبياء فيظنّهم من بني آدم، كما في قِصّتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام. اقرأ من سورة هود الآيات 69-80، وقال الله تعالى في مريم عليها السلام: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 17، 18].
وفي السُّنة أشياء من ذلك، وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والإسلام والإحسان.
فمن كان جاحدًا لهذا كلّه أو مرتابًا فيه فليس كلامنا معه، ومن كان مصدِّقًا علم أنه لا مانعَ أن يتمثّل مَلَك الموت رجلًا ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى.
الجسد المادّي الذي يتمثّل به الملك ليس جسده الحقيقيّ، وليس مِن لازم تمثُّله فيه أن يخرج الملك عن مَلَكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن مادِّيته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أرواح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا لو عرض ضربٌ أو طعن أو قطع لذاك الجسم، لم يلزم أن يتألَّم بها الْمَلَك، ولا أن تؤثِّر في جسمه الحقيقي.
ما المانع أن تقتضيَ حكمة الله عزّ وجلّ أن يتمثَّل ملك الموت بصورة رجلٍ ويأمره الله أن يدخل على موسى بغتةً ويقول له مثلًا: سأقبض روحك. وينظر ماذا يصنع؛ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت، فيكون في قَصِّ ذلك عبرةٌ لمن بعده.
فعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلًا لا يعرفه دخل بغتةً وقال ما قال حمله حبُّ الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدّة حبِّ الحياة لتأنَّى وقال: مَن أنت؟ وما شأنُك؟ ونحو ذلك)([38]).
2- فَقْءُ عينِ الشّخص الذي أتى موسَى في المرة الأولى لا يُعَدُّ اعتداءً وظلمًا:
فهو بحسبِ الظاهِرِ لموسى عليه السلام رجلٌ غريبٌ اقتحَمَ عليه بيتَه، وقد جرَت شرائعُ الأنبياء بحفظِ النُّفوس ودفْع الضَّرر عنها.
وقد أذِنَت شريعتُنا في حالةٍ أخفَّ من هذه الحالة بفَقْءِ العين، حيث أذِنَت بفَقْءِ العينِ بمجرد النَّظر في بيتِ الغيرِ بغيرِ إذنٍ، كما جاء عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنَّ امرَأً اطَّلَع عليكَ بغَيرِ إذنٍ، فخَذَفْتَه بحَصاٍة، ففَقَأْتَ عينَه؛ لم يَكُن عليك جُناحٌ»([39]).
ومن الجائز أن تتّفِقَ شريعتُنا مع شريعةِ موسى عليه السلام بإسقاطِ الحرَجِ عمَّن فقَأ عينَ الداخلِ دارَه بغيرِ إذنِه.
قال ابن خزيمة: (وكانت اللطمة مباحةً عند موسى إذا رأى شخصًا في صورة آدمي قد دخل عنده لا يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الرسول فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن)([40]).
وقال ابن حبّان: (وكان موسى غَيُورًا، فرأى في داره رجلا لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقءِ عينه في الصورة التي يتصوَّرُ بها، لا الصورة التي خلقه الله عليها.
ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس حيث قال: «أمني جبريل عند البيت مرتين»، فذكر الخبر، وقال في آخره: «هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك»، كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد تتّفق ببعض شرائع من قبلنا من الأمم.
ولما كان من شريعتنا أنَّ من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر في بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الجمَّة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع في كتبنا؛ كان جائزًا اتفاقُ هذهِ الشريعة بشريعةِ موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مُباحًا له، ولا حرج عليه في فعله)([41]).
بل إن في فَقْءِ موسى عليه السلام لعَين ملَك الموت انتصارًا لحقِّ الله تعالى أيضًا كما نبَّه عليه بعضُ أهل العلم؛ لِمَا ظنَّه موسى عليه السلام مِن أن هذا الشخصَ يزعُم أنه من عند الله، وأن الحالَ ليس كذلك، وقد كان موسى عليه السلام ذا شَهامةٍ وغَيرةٍ عظيمةٍ، كما دلَّت على ذلك مواقفُ من حياتِه التي قصَّها الله تعالى علينا في كتابه الكريم.
قال أبو بكر الكلاباذي: (فيجوز أن يكون صَكُّه لمَلَك الموت ولطمُه إياه لم يكن زلة؛ لأنها لم تكن بغضبِ نفسِه، وإنما كان غضبًا لله، وشدة في أمرِ الله، وحميَّةً لدين الله؛ وذلك أن الملك أتاه في صورة إنسان، فيجُوز أن يكون موسى لم يعرِف أنه مَلَكٌ رسول الله… ثم أراد قبض روحه؛ أنكر أن يكون إنسانٌ يريد قبضَ روح كليم الله ورسولِه، وصَكَّه ولطمه إنكارًا له وردًّا عليه أنه ملَك، وأنه لله رسول؛ أنكر عليه ادِّعَاءَه ما ليس للبشر من قبض أرواح الأنبياء، ومن ادعى ذلك من البشر فهو كاذب على الله، فغضب لله فصكَّهُ ولطمَه)([42]).
3- لما عرف موسى أن الذي جاءه ملك الموت استسلم لقضاء الله تعالى:
إن موسى عليه السلام لم يكن يعرف أن ملك الموت هو الذي جاءه في المرة الأولى كما قدّمنا، فبالمقارَنة بين ردَّةِ فِعل موسى عليه السلام مع مَجيءِ الملَك في المرة الأولى ومع مجيئه المرةَ الثانية نَعلم أنه لم يَعرِفْه في الأولى؛ إذ لو عرَفه لتصرَّف كما تصرَّف في المرة الثانية عند تيقُّنِه وعلمِه به، حيث رأى في المرة الثانية أن الله تعالى ردَّ عين ملك الموت ليعلَمَ موسى أنه جاءَه من عند الله، فحينئذٍ استسلَم لأمر الله تعالى.
قال الخطابي: (فلمّا عاد الملك إلى ربه عز وجل مُستَثبِتًا أمرَه فيما جرى عليه ردَّ الله عز وجل عليه عينَه، وأعاده رسولًا إليه بالقول المذكور في الخبر الذي رويناه، ليعلَمَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى صحَّة عينه المفقوءة وعودةَ بصره الذاهب أنَّه رسول الله بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذٍ لأمرِه وطابَ نفسًا بقضائِه)([43]).
فدلّ كلام الخطابي ومن تبِعه كالبغوي أن عودةَ عين الملك صحيحةً هي العلامة والدليل الذي عرف به موسى عليه السلام أن هذا الشخص هو ملك الموت المُرسَل من عند الله، وجوّز أبو عبد الله المازري أن يكون ثمّة علامة لم تتعين في الحديث([44]).
وقال ابن حبّان: (فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى عليه السلام فيه أمره ثانيًا بأمر آخر، أمرَ اختبار وابتلاء -كما ذكرنا قبل-؛ إذ قال الله له: قل له: إن شئتَ فضع يدَك على متن ثور، فلك بكل ما غطَّت يدك بكل شعرة سنة.
فلما علم موسى كليم الله -صلى الله على نبينا وعليه- أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله طابت نفسه بالموت، ولم يستمهل، وقال: فالآن.
فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقُّنه وعِلمه به، ضدَّ قول من زعم أن أصحابَ الحديث حمالةُ الحطب، ورعاةُ الليل يجمعون ما لا ينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام، جهلًا منه بمعاني الأخبار، وترك التفقه في الآثار، معتمدًا منه على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس)([45]).
فهذا هو حاصل ما ذكره الأئمة ممن ذهب إلى هذا الجواب.
دفع الاعتراضات على هذا الجواب:
وقد اعترض نور الله التّستري الرافضي على هذا الجواب بعد أن نقله عن القاضي عياض فقال: (وفيه ما فيه، أمّا أولًا: فلأنّ عدم إمكان الاستعلام ممنوع، إذ كثيرًا ما تتصوّر الملائكة للأنبياء بصورة غيرهم، ويعلمون بهم. على أنّ في الحديث أنّ ملك الموت لما رجع إلى ربّه -وقال: أرسلتَني إلى عبد لا يريد الموت- قال: ارجع إليه وقل له يضع يده إلخ، وهذا قرينة شعوره بالملك.
وأما ثانيًا: فلأنّه لا وجه للاختبار والامتحان بعد القول بأنَّه فعل الواجب من المدافعة، فافهَم)([46]).
وجواب ما ذكرَه هذا الرافضي من وجوه:
الأول: أن أصحاب هذا الجواب لا يمنعون أن يعَلَم الأنبياء بالملائكة، كما علم النبي صلى الله عليه وسلم بجبريل لما جاء وأخبر الصحابة رضي الله عنهم أنه جاء يعلّمهم دينهم، ولا يمنعون أيضًا إمكانية الاستعلام، بل قد تقدّم في كلام المعلّمي أن موسى عليه السلام كان يمكنه أن يستعلم من ملك الموت عن حاله، لكنه عاجله بالضرب.
الثاني: أنّ ما ذكره من قرينة الشعور بالملك ذكره بعض علماء أهل السنة، ولم يكن ذلك مانعًا من استحسان هذا الجواب، ولذلك قال أبو العبّاس القرطبي -وقد تقدّم كلامه- في استحسان جواب ابن خزيمة: (غير أن هذا اعتُرض عليه بما في الحديث، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله قال: يا رب، أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت!
فلو لم يعرفه موسى وإنما دفَعَه عن نفسه لما صَدَق هذا القول من ملك الموت)([47]).
ولذلك ذهب أبو العباس القرطبي إلى جوابٍ آخر سيأتي بيانه، لكن التستري لم يستوفِ جميع أجوبة أهل السنة على اعتراض الرافضة كابن المطهِّر وغيرهم من أهل البدع على هذا الحديث، فلو سلّمنا تسليمًا جدليًّا ببطلان هذا الجواب برمّته، فثمة أجوبة أخرى عن هذا الإشكال لم يوردها التستريُّ ولم يعترض عليها.
على أن القرينة المذكورة لا تعدو كونها قرينةً تفيد الظنَّ، وليست كافيةً للجزم بأن موسى عليه السلام علم أن هذا الذي جاءه ملك الموت، إذ يجوز أن ملك الموت علم أنه لا يريد الموت من مجرَّد شدة مدافعته له التي انتهت بفقء عينه، دون أن يكون موسى عليه السلام قد علم أن هذا الجائي ملك الموت.
قال ابن الوزير: (فإن قُلتَ: أليس في الحديث أن ملك الموت لما رجع إلى الله قال: يا رب، أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت! وهذا يدل على أنه قد أخبره أنه ملك الموت، وأنه قد جاء لقبضه، وأن موسى عليه السلام قد عرفه؟!
والجواب: أن هذا لا يدلّ على معرفة موسى لملك الموت، ويدلّ على ذلك أنه قد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى لا يقبض نبيًّا حتى يخيّره، وفي حديث: «حتى يريه مقعده من الجنة ويخيره»، فلما جاء ملك الموت لقبض روحه عليه السلام من غير تخيير -وعنده لا يقبض حتى يخيَّر- لم يعلم أنه ملك الموت، وشكَّ في ذلك، وظن أن هذا رجل يدَّعي عليه أنه ملك الموت بغير دليل، فقد ذكر العلماء أن الأنبياء لا يجوز لهم تصديق الملك في دعواه أنه ملك إلا بدليل من معجز يظهره، أو علم ضروري يضطره إلى ذلك)([48]).
الثالث: أن كونَ موسى عليه السلام مختبَرًا وممتحنًا في ما أُمر به لا يعكِّر عليه القول بأنه قام بالواجب في المدافعة؛ لأن الاختبار والامتحان هو في مجموع القصة المتضمن لمجيء الملك مرتين، وليس مجيئه من المرة الأولى فحسب -كما تجده صريحًا في كلام ابن حبّان-، وقد ظهر من مجموع القصة إيثار موسى لما عند الله تعالى.
وثمة اعتراض آخر على هذا الجواب نقله الملا علي القاري فقال: (وأنكر الشيخ الشارح -يعني الأكمل- بأن هذا غير صحيح؛ لأن الرجل الداخل لم يقصده بالمحاربة حتى يدفعه عنه، بل دعاه إلى الموت، وبمجرد هذا القول لا يصدر عن مؤمن صالح مثل هذا الفعل، فما ظنّك بموسى عليه الصلاة والسلام؟!)([49]).
والجواب عن هذا الاعتراض: أنه قد تقدّم أن فقء عين ملك الموت هو عقوبة على نظره في الدار بغير إذن صاحبها كما جاءت بذلك شريعتنا، وهذا ليس من باب دفع الصائل الذي يقصد المحاربة فيدفع بالأخفّ فالأخفّ، وقد فرّق ابن تيمية بين النوعين بقوله: (وقد ظن طائفة من العلماء أن هذا من باب دفع الصائل؛ لأن الناظر معتدٍ بنظره فيدفع كما يدفع سائر البغاة، ولو كان الأمر كما قالوا لدفع بالأسهل فالأسهل، ولم يجز قلع عينه ابتداء إذا لم يذهب إلا بذلك. والنصوص تخالف ذلك؛ فإنه أباح أن تخذفه حتى تفقأ عينه قبل أمره بالانصراف، وكذلك قوله: «لو أعلم أنّك تنظرني لطعنت به في عينك»، فجعل نفس النظر مُبيحًا للطعن في العين، ولم يذكُر الأمر له بالانصراف، وهذا يدلّ على أنه من باب المعاقبة له على ذلك حيث جنى هذه الجنايةَ على حُرمة صاحبِ البيت، فله أن يفقأ عينه بالحصى والمدرى)([50]).
وثمة اعتراضٌ أخير ذكره أحد الباحثين على هذا الجواب فقال: (وهذا التوجيه مع جلالة القائلين به([51]) إِلَّا أنَّ سِياج التَكلُّفِ مُحيطٌ به، وذلك من جهة تقدير ما لا يدل عليه النَّصُّ، فأين البرهان المُصحِّح لدعوى تَسوُّر ملك الموت منزل نبي الله موسى عليه السلام بلا استئذان؟!).
والجواب عن ذلك: إن أراد بانتفاء دلالة النصّ عليه أنه لم يرد ذكر دخول الملك بيت موسى عليه السلام بلا إذن منصوصًا في الحديث في شيء من طرقه فمُسلَّم، غير أنه لا يلزم لصحة هذا الجواب أن يرِدَ ذلك نصًّا، إذ يكفي انتفاء ما يدلّ على بطلانه. وإن أراد أن النصّ لا يحتمله فأين دليل ذلك؟
وكونُ ملكِ الموت جاءَ في صورة رجل ودخل بلا استئذانٍ مُمكِنٌ عقلًا وعادةً وشرعًا، وإذا كان كذلك لم يكن ثمة قاطع على بطلان هذا الجواب، وهذا يكفي في الدفع عن الحديث وجواب الطعن فيه أو في رواته، وليس ذلك من التكلُّفِ.
الجواب الثاني: أن موسى عليه السلام عرَف ملك الموت لما جاءه، وإنما غضبَ منه ولطمَه على وجهه لكونه أراد قبض روحه دون تخيير، والأنبياء يخيّرون.
وقد أشار ابن خزيمة إلى هذا المعنى في آخر جوابه المتقدّم فقال: (وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لم يقبض نبيًّا قط حتى يريَه مقعده من الجنة ويخيره، فلا يجوز أن يؤمر ملك الموت بقبض روحه قبل أن يريَه مقعده من الجنة، وقبل أن يُخيِّره)([52]).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: (لم يكن هذا من موسى عليه السلام كراهية في الموت، وإنما كان غضبًا من موسى عليه السلام؛ لسرعة غضبه، وما كان قطُّ غضبُه إلا في الله، لا لمعنى من معاني الدنيا. قال علماؤنا: وإنما غضب هاهنا لأنه كان عنده أن نبيًّا لم يقبض قط حتى يخيَّر، فلما جاء بغير تخيير استنكر ذلك، وأدركته حمية الإلهية.
ألا ترى إلى قول عائشة رضي الله عنها حين سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الأعْلَى»، فعلمت أنه كان حديثه الذي كان يحدّثنا به، تعني قوله: «إنَّ نَبِيًّا لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى يُخَيَّرَ».
وقد روى أبو مُوَيهِبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بليال نزل إليه جبريل عليه السلام، فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْخُلْدِ في الدُنْيَا أوْ بَيْنَ الْمَوْتِ.
وهذا من بلاء الله تعالى الحسَن لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام؛ لأنه يخيِّرهم قبل الموت بين البقاء في الدنيا على النعيم والنبوة والملك، وبين لقاء الله تعالى، فلا يؤثرون على الله تعالى شيئًا؛ لعظيم معرفتهم به، وأن لقاءه عن رضوان هو الشرف الأكبر والنعيم الأوفر)([53]).
وقال أبو العبّاس القرطبي بعد أن أورد الجواب الأول والاعتراضَ المتقدِّم عليه دون جواب: (وقد أظهر لي ذو الطَّول والإفضال وجهًا حسنًا يحسِم مادة الإشكال، وهو أن موسى عَرَف ملَك الموت، وأنه جاء ليقبضَ روحه، لكنه جاء مجيءَ الجازم بأنه قد أمر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نصَّ عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من أن الله تعالى لا يقبض روح نبيّ حتى يخيِّره، فلمَّا جاءه على غير الوجه الذي أعلِم به بادر بشهامته وقوّة نفسه إلى أدب ملك الموت، فلطمه فانفقأت عينه امتحانًا لملك الموت، إذ لم يصرّح له بالتخيير، ومما يدل على صحة هذا أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيَّره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم. وهذا الوجه -إن شاء الله- أحسن ما قيل فيه وأسلم)([54]).
وتعقّبه الحافظ ابن حجر بقوله: (وفيه نظر؛ لأنه يعود أصل السؤال فيُقال: لِمَ أقدم ملكُ الموت على قبض نبيّ الله وأَخلَّ بالشَّرط؟ فيعود الجواب: أن ذلك وقع امتحانًا)([55]).
الجواب الثالث: أن الله تعالى أَذِنَ لموسى عليه السلام بفقءِ عين ملك الموت، وفعل ذلك قاصدًا متعمِّدًا؛ امتحانًا من الله تعالى للمَلَك الملطوم.
وهذا جواب فيه ميل إلى تفسير ما جرى بين موسى وملك الموت عليهما السلام تفسيرًا تعبّديًّا ابتلائيًّا، دون نظرٍ في حكمة أو مصلحة، وهو جواب بعض متكلِّمي الأشاعرة، ولذلك قال المازري: (مال إليه بعض أئمتنا من المتكلِّمين)([56]). ولا يبعد أنه مخرّج على قواعد الأشعرية في نفي الحكمة والتعليل.
فممَّن ذكر هذا الجواب من متكلِّمي الأشعرية: الأستاذ أبو بكر ابن فورك، فقال: (ولو قال قائل: إن ذلك إن كان حقيقة من موسى عليه السلام، وكان إدخال نقص على جارحة الملك بإذنِ الله عز وجل حتى يكون محنة للملطوم وعبادة للَّاطم لم يكن ذلك مُنكَرًا تدفعُه العقول؛ لأن لله عز وجل أن يأمر بما يشاء من ذلك، ويأذن فيما يشاء منه)([57]).
وتبعه القاضي أبو يعلى الحنبلي فقال في كتابه (إبطال التأويلات) الذي هو ردٌّ على كتاب ابن فورك: (اعلم أن هذا حديث صحيحٌ، يُحمل على ظاهره، وأن ذلك الفعل كان من موسى على الحقيقة، وأنَّه إدخالُ نَقْصٍ على جَارحةِ المَلَكِ ليكون محنةً للمَلْطُوم، إباحةً للَّاطم، بأنْ يكون الله عزَّ وجلَّ أَبَاحَه ذلك؛ لأنَّ لله تعالى أنْ يأمرَ بما يشاء من ذلك، ويأذن فيما شاء منه)([58]).
ونقل ابن الجوزي هذا الجواب عن أبي الوفاء ابن عقيل، قال: (قال ابن عقيل: يجوز أن يكون موسى قد أُذِن له في ذلك الفعل بملك الموت، وابتُلي ملكُ المَوت بالصبر عليه، كقصة الخضر مع موسى)([59]).
وقد بيّن أبو العبّاس القرطبي ضعفَ هذا الجواب فقال: (وهذا ليس بجواب، فإنَّه إنما وقع الإشكال في صدور سبب هذا الامتحان من موسى، وكيف يجوز وقوع مثل هذا؟)([60]).
وقال الملا علي القاري أيضًا عن هذا الجواب: (ولا يخفى أنه بعيد)([61]).
الجواب الرابع: أن العين التي فُقِئت هي عين تخييل وليست حقيقيَّة، نقله ابن فورك عن بعض الأشاعرة.
قال ابن فورك: (قال بعض أصحابنا فيه: إنما ينتقل فيه من هذه الأمثلة بتخييلات، وإن اللطمة أذهبت العين التي هي تخييل، وليست بحقيقة)([62]).
وهذا الجواب مردود؛ (فإنَّه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له، وهو قول باطل بالنصوص المنقولة والأدلة المعقولة)، كما قال أبو العبّاس القرطبي([63]).
ونُسِب هذا القول لأبي محمد ابن قتيبة، ومن تأمَّل كلامه في سياقه -وسيأتي في جواب الإشكال الثاني- علم أنه يقصد بالتمثيل التصوير على الصورة البشرية كما سماه الله تمثيلًا بقوله: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]، لا أنه يقصد ما قصده أصحاب هذا القول.
الجواب الخامس: أن عين ملك الموت التي فُقِئَت هي عين معنويّة، وإنما فقأها بالحُجَّة، وهو قول بعض الأشاعرة أيضًا، ومال له ابن فورك.
قال ابن فورك: (ومنهم من قال: إن معنى قوله: «لطم موسى عليه السلام عين ملك الموت» توسُّع في الكلام، وهو نحو ما يُحكى عن علي رضي الله عنه أنه قال: “أنا فقأت عين الفتنة”، يريد بذلك إلزامَ موسى ملك الموت الحجة حين ردَّه في قبض روحه على حسب ما روي في الخبر.
واعلم أن للعرب في نحو ذلك إستعارات يعرف معانيها ومجاري خطابها فيها المتوسِّع في استقراء كلامهم، والمتبحر في المعرفة بلغاتهم.
فإذا كانت اللطم مستعملة عندهم على أمرين: أحدهما: أن يراد به عين الجارحة وإدخال النقص فيها، والثاني: أن يراد به عين الشيء وذاته، ويُرادُ بالعور: محقُه ومحوُه؛ لم يُنكَر([64]) أن يكون معنى الكلام محمولًا عليه على معنى التوسع.
وقد يقول القائل: عورت عين هذا الأمر إذا ردَّه؛ تشبيهًا لمن أدخل نقصًا على العين التي هي حدقة)([65]).
وقد نقل القاضي أبو يعلى هذين الجوابين -الرابع والخامس- من كتاب ابن فورك وقال: (وقد أثبته قومٌ من المسلمين([66])، وتأوَّلوه على وجهين)([67]). ثم ذكرهما، ولم يتعقبهما بشيء.
ونحن إذا سلَّمنا أن العرب تستعمل اللطمة بالمعنى الذي ذكره ابن فورك، فإننا لا نسلم أن سياق الحديث يتَّفق مع هذا التأويل، بل هو يأباه.
قال قوام السنة الأصبهاني: (وقول من قال: معنى اللطمة: إلزام الحجة غَلَطٌ؛ لأن في الخبر أنه عرج إلى ربه فردَّ عليه عينه، ولا يكون هذا إلا في عين هي حقيقة؛ لأن العين التي ليست بحقيقة لا تحتاجُ إلى ردها.
وقوله اللطمة: إلزام الحجة؛ لو كانت اللطمة إلزامَ الحجة لم يَعُد إلى قبضِ رُوحه؛ لأن الحجة قد لزِمَته في ترك قبض روحه كلما عاد ليقبض روحه)([68]).
وقال المازري: (وهذا أيضًا قد يبعد عن ظاهر هذا اللّفظ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَرَدَّ الله إليه عينَه». وإن قالوا: معناه: ردّ الله إليه حجّته، كان بعيدًا عن مقتضى سياق اللّفظ)([69]).
ولذلك قال أبو العباس القُرطُبيّ بعد ذكر هذين القولين الرابع والخامس: (وهذان القولان لا يُلتَفَت إليهما لظهور فسادهما)([70]).
الجواب السادس: إلزام منِ اعترض على قصّة موسى عليه السلام في فقء عين الملَك بالاعتراض على قصته في إلقاء الألواح وجرّه رأس هارون.
وهذا الجواب جوابٌ إلزامي وليس تقريريًّا، ولا مانع من القول به مع الجواب الأول أو الجواب الثاني التحقيقيَّين، وقد ذكره بعض من أجاب عن هذا الإشكال بالجواب الأول.
قال أبو بكر الكلاباذي: (وهذا الحديث له في كتاب الله نصًّا نظيرُه، قال تعالى في خبر موسى وهارون عليهما السلام: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} إلى قوله: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف: 150]، وقال: {يَا ابْنَ أُمّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} [طه: 94].
وليس الجرّ إليك بالخشونة والغلظة بأقلَّ من الدفع عنك بالخشونة والغلظة، وهو الصك واللطم… وليس هارون بأدون منزلة من ملك الموت -صلوات الله عليهما-، بل هو أجل قدرًا منه، وأعلى مرتبة، وأبين فضلًا عند أكثر علماء الأمّة من أهل النظر والأثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نبيّ مرسل، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [المؤمنون: 46].
وهو مع جليل قدره في نبوّته وعلوِّ درجته في رسالته أخو موسى لأبيه وأمه، وأكبر سنًّا منه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حقّ كبير الإخوة على صغيرهم كحقّ الوالد على ولده».
فإذا أخبر الله تعالى عن موسى عليه السلام أنه أخذ برأسه ولحيته وجرَّه إليه بعنفٍ وغِلظة حتى استعطفه عليه واعتذر إليه، فقال: {يَا ابْنَ أُمّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 94]، وقوله: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ} [الأعراف: 150]، ولولا ذلك عسى كان يكون منه ما هو أعظم مما صنع به.
ثم لم نجد في الكتاب ما يدلّ على عِتاب الله إياه، ولا على توبَته منه، ولو كان ذلك منه صغيرةً أو زلةً لظهر ذلك نصًّا في الكتاب أو دلالة، كما ذكر الله تعالى زلات الأنبياء -صلوات الله عليهم- ومُعاتَبَته إياهم عليها، وتوبتهم منها إلى الله، ورجوعهم إليه، واستغفارهم إياه، واعترافهم على أنفسهم بالظلم لها.
فلو كان جرُّه أخاه إليه وأخذُه برأسه ولحيته زلةً منه لظهر اعترافه على نفسه وتوبته إلى ربه، أو معاتبة الله إياه، فلما لم يكن دلَّ أنه لم يكن منه معصية ولا زلة.
كذلك صكُّه ملكَ الموت ولطمُه إياه؛ لأنهما عُنفان، أحدهما بالدَّفع عنك، والآخر بالجر إليك كريمين إلى الله تعالى، أحدهما رسُولٌ نبيٌّ، والآخر مَلَكٌ زكيٌّ، وكما لم يرد في الكتاب عتابٌ ولا توبة واعتراف في قصة الملك، فما جاز في الكتاب من التأويل ساغ ذلك في الخبر إن شاء الله)([71]).
وقال ابن الوزير: (فإنَّهُ قد ورد في القرآن العظيم أنَّ موسى أخذ برأس أخيه يجرّه إليه، وذلك من غير ذنبٍ عَلِمَه من أخيه عليه السلام، ولا دفعِ مَضرَّةٍ خافها على نفسه، وأخوه هارون نبيٌّ كريم بنصّ القرآن وإجماع أهلِ الإسلام، ولا شكّ أن حرمة الأنبياء مثل حرمة الملائكة؛ لأن من استخفّ بنبيّ كفر.
وقد بَطَش مُوسى عليه السلام بأخيه بطشًا شديدًا، ولهذا قال هارون عليه السلام يتلطَّف لموسى ويستعطفه: {ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}، و{لَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ}.
فإن قلت: إنما فعل ذلك لأنه ظن أنَّ هارون رضي بما فعل قومه من عبادة العجل.
قلت: هذا العذرُ أقبَحُ من المعتَذَر عنه، فالجرُّ برأسِه عليه السلام أهونُ من الظنِّ فيه أنه رضي بالعجل شريكًا في الربوبية لرب العزِّ جل جلاله)([72]).
وقال الفضل بن روزبهان في جوابه عن اعتراض ابن المطهر الحلّي على هذا الحديث: (الموت بالطبع مكروهٌ للإنسان، وكان موسى عليه السّلام رجُلًا حادًّا كما جاء في الأخبار والآثار، فلمَّا صحّ الحديث وجب أن يُحمَل على كراهتِه للموت. وبعثَتْهُ الحدة على أن لطَم ملك الموت كما أنّه ألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه.
وهذا الاعتراضُ واردٌ على ضرب هارون، وكَسْرِ ألواح التوراة التي أعطاه الله تعالى إيَّاها هدى ورحمة.
ويُمكن أن يُقال: كيف يجُوز أن ينسب إلى موسى إلقاء الألواح وطرح كتاب الله تعالى، وكسر لوحه إهانة لكتاب اللّه؟! وكيف يجوز له ضرب هارون وهو نبيٌّ مرسل؟!
وكلُّ هذه عند أهل الحقّ محمولٌ على ما يعرض البشر من الصّفات البشرية، وليس فيه قدح في ملَكة عصمة الأنبياء، وأمَّا عند ابن المطهر فهي محمولة على ذنوب الأنبياء.
ولو لم يكن القرآن متواترًا، ونُقل لابن المطهر الحلي أن موسى ألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه؛ لكان ينكر هذا ويعترض بمثل هذه)([73]).
وقد أجاب نور الله التستري الرافضي عن كلام الفضل بن روزبهان بإيراد تأويل ركيك للشريف المرتضى -تابعه فيه الفخر الرازي- لجرِّ موسى لرأس أخيه هارون عليهما السلام، وأن ذلك يجري على عادة العرب في أخذ اللّحية والرأس عند الملاقاة والمشاورة، قال: (فيوجب خروج إمامه فخر الدّين الرّازي وشيخه صاحب المواقف عن أهل الحقّ حيث حملوا ذلك على ما حمله عليه ابن المطهّر -طهّر اللّه رمسه- ممّا لا ينافي طهارة الأنبياء عليهم السّلام. فالعجب أنّ النّواصب يحملون الآيات التي ظاهرها عتابُ الأنبياء عليهم السّلام على ترك الأولى والأفضل على ظواهرها، ويحكمون عليهم بالمعاصي والأخطاء مع دلالة العقل على وجوب تنزيههم عن ذلك، ومع وجود المحامل لظواهر تلك الآيات، ويحملون هذيانات عمر بن الخطاب وكلماته التي ظاهرها منكر ومرتبته أقلّ من مراتب الأنبياء عليهم السّلام بأضعاف لا تحصى على خلاف ظاهرها، ويمنعون من جواز حملها على ظواهرها مع أنّ كلامه لا محمل له، ويتركون العمل بظاهره بغير تأويل واضح وتوجيهٍ بيِّن، وهلّا ساوَوا بينه وبين الأنبياء الذين هم في محلّ التعظيم؟! وما ذاك إلا من قلّة الإنصاف وشدّة العصبية والاعتساف).
وهذا من ضلال هذا الرافضي وجهلِه، فإن أهل السنة يحملون أفعال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم على المحامل الحسنة، لكنهم لا يحرِّفون الكلم عن مواضعه، ولا يأتون بالتأويلات الركيكة الباردة للآيات، وإن قال بها من تأثر بالرافضة في مسألة العصمة من الأشعرية، فإن ذلك لا يكون حجَّة على عموم أهل السنة الذين لا يغلون في مسألة عصمة الأنبياء.
كما أن أهل السنة لا يحملون الأضغان على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ينتقم لأمير المؤمنين عُمَرَ رضي الله عنه من شانئيه ومبغضيه.
ويتابع الرافضي ردّه فيقول: (وأما قوله: “ولو لم يكن القرآن مُتواترًا ونقل لابن المطهّر أنّ موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه لكان ينكر هذا” إلخ، فرجمٌ بالغيب ورميٌ في الظلام كما لا يخفى، ومن أين علم أنَّه لم يكن يحمِلُه على ما ذكرناه من المحمل الذي ارتضاه مرتضى الشّيعة؟!)([74]).
وقد طوَّلنا بذكر كلام هذا الرافضي ليُعلم مآخذُ الطاعنين في حديث لطم ملك الموت في النظر في هذه المسألة، وأثر الاختلاف في مسألة عصمة الأنبياء في التعامل مع هذا الحديث.
يقول ابن القيم: (وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيميّة رضي الله عنه يقول: انظر إلى موسى -صلواتُ الله وسلامُه عليه- رمى الألواح التي فيها كلامُ الله الذي كتَبه بيده فكسَرها، وجرَّ بلحيةِ نبيٍّ مثلِه ورأسِه وهو هارون، ولطَم عينَ ملَكِ الموت ففقأها، وعاتَب ربَّه ليلةَ الإسراء في محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ورفعِه عليه، وربُّه تبارك وتعالى يحتمل له ذلك كلَّه، ويحبُّه ويكرمه ويدلِّلُه؛ لأنَّه قام لله المقاماتِ العظيمةَ في مقابلةِ أعدى عدوٍّ له، وصدَعَ بأمره، وعالج أمَّةَ القبط وأمَّةَ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة؛ فكانت هذه الأمورُ كالشَّعرة في البحر. وانظر إلى يونس بن متّى حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى صلى الله عليه وسلم، غاضَبَ ربَّه مرّةً، فأخَذه وسجَنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى صلى الله عليه وسلم)([75]).
فهذا تمام الكلام عن الإشكال الأول وأجوبته، وثمة إشكالات أخرى تتعلَّق بمتن الحديث قد تمهَّد الجواب عنها بما تقدّم، فهذا أوان تخصيصِها بالذكر والردِّ إظهارًا للأمر على جليّته، وإتمامًا للمقصود. ولن يكون البحث فيها طويلًا، وهي:
الإشكالُ الثاني: هل الملائكة تعرض لهم العاهات من عمًى أو عوَر؟
فَقْءُ عينِ ملَك الموت لا يدلُّ على حُصول العاهات للملائكةِ، كما استشكله بعض المعاصرين([76])، فقد تقدَّم أن الملَكَ جاء بصورةٍ غيرِ صُورتِه الحقيقيةِ.
قال أبو محمد ابن قتيبة رحمه الله: (والذي نذهب إليه فيه أن ملائكة الله تعالى روحانيون، والروحاني منسوب إلى الروح نسبةَ الخلقة، فكأنَّهُم أرواحٌ لا جثث لهم، فتلحقها الأبصار، ولا عيون لها كعيوننا، ولا أبشار كأبشارنا.
ولسنا نعلم كيف هيَّأهم الله تعالى؛ لأنا لا نعرف من الأشياء إلا ما شاهدنا، وإلا ما رأينا له مثالًا، وكذلك الجن والشياطين والغيلان هي أرواح، ولا نعلم كيفيتها.
وإنما تنتهي في صفاتها إلى حيث ما وصف الله جل وعز لنا، ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله جل وعز: {جَاعِلِ ٱلمَلَٰئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِي أَجنِحَةٍ مَّثنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ}، ثم قال: {يَزِيدُ فِي ٱلخَلقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1]، كأنه يزيد في تلك الأجنحة ما يشاء وفي غيرها.
وكانت العرب تدعو الملائكة جِنًّا؛ لأنهم اجتنّوا عن الأبصار كما اجتنت الجن، قال الأعشى يذكر سليمان بن داود عليهما السلام:
وسَخَّر من جِنِّ الملائك تسعةً … قيامًا لديه يعملُون بلا أجْرِ
وقد جعل الله سبحانه للملائكة من الاستطاعة أن تتمثل في صور مختلفة…
ولما تمثَّل ملك الموت لموسى عليه السلام، وهذا ملك الله، وهذا نبي الله، وجاذبه، لطمه موسى لطمة أذهبت العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست حقيقة، وعاد ملَكُ الموتِ عليه السلام إلى حقيقة خلقته الروحانية كما كان، لم ينتَقِص منه شيء)([77]).
وقال الخطابي -وتبِعَهُ البغوي وابن الجوزي رحمهم الله-: (فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاء فيها، دون الصورة الملكية التي هي مجبول الخلقة عليها)([78]).
وقال أبو بكر الكلاباذي: (والفقء إنما حلَّ في الصُّورة لا في الملك؛ لأن بنية الملائكة وخلقتهم ليست من الأشباح والطبائع المختلفة التي تقبل الكسور والفساد، وتحلُّها الآفَات، ويؤثر فيها أفعال المحدَث؛ لأنهم لا ينمُون، ولا يتوالدون، ولا ينامُون، ولا يأكلون، ولا يسأمون، ولا يستحسرون، ولا يفترون، وكل هذه آفَات، والفقء آفة، وهم لا تحلهم الآفَات.
فالآفَةُ التي هي الفقء إنما حل في الصورة التي جاء الملك فيها، لا في عين الملك.
وليس الملائكة كالناس، فإن الإنسانَ إنسانٌ بصورته وخواصه، ولا يكون الإنسانُ إنسانًا بخواصه دون صورته التي هي صورة الناس. فإنه وإن وجدت خواصه في نوع من أنواع الحيوان، ولم توجد صورة الإنسان؛ فليس ذلك النوع إنسانًا حتى يوجد ثلاثة: الإنسان، وصورته، وخواصه.
والملَكُ ملَكٌ بخواصه دون صورتِه؛ لأن صورهم مختلفة وخواصهم واحدة، فمنهم من هو فيهم على صورة الإنسان، ومنهم على صورة الطير، ومنهم على صورة السباع، ومنهم على صورة الأنعام، وكلهم ملائكة، ولهم أجنحة على أعداد متفاوتة، قال الله تعالى: {ٱلحَمدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ جَاعِلِ ٱلمَلَٰئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِي أَجنِحَةٍ مَّثنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ يَزِيدُ فِي ٱلخَلقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1])([79]).
وقال المعلمي: (ووقوع الصّكَّة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس)([80]).
الإشكال الثالث: كيف يقدِر الآدمي أن يفقأَ عينَ ملك الموت؟!
هذا الإشكال مثلَ سابِقِه فرعٌ عن عدَم تصوّر الهيئة التي جاء بها ملك الموت لموسى عليه السلام، فإنما يصحّ هذا الاعتراض لو قلنا: إنه جاءه بغير الصورة البشرية، لكنه جاء على صورة رجل، ومثل كليم الله موسى عليه السلام في قوّته قادرٌ على رجلٌ واحد، فهو قد قتل القبطي من وكزة واحدة، وقوّته في السقي معروفة حتى قالت المرأة لأبيها: {يَٰأَبَتِ ٱستَـٔجِرهُ إِنَّ خَيرَ مَنِ ٱستَـٔجَرتَ ٱلقَوِيُّ ٱلأَمِينُ} [القصص: ٢٦].
وقد شغّب بهذا الإشكال نور الله التستري حيث قال: (ثمّ ليس الكلام في مجرّد نسبة الذنب إلى موسى عليه السّلام، بل في سخافة اعتقادهم أيضًا أنَّ ملك الموت مع تلك القدرة والتأييد من اللّه تعالى يعجز عن مقاومة موسى عليه السّلام في حال مرضه وضعفه، بحيث يُتلِفُ عينَه، ويحتاجُ إلى الشكاية عند ربِّه، إلى غير ذلك من المضحكات التي يتلهَّى بها الصِّبيَان. فتأمل، فإنَّ الفكرَ فِيهم طويل)([81]). وما تقدّم يزيل شناعاته كلها.
الإشكال الرابع: أين شوقُ موسى إلى لقاء الله تعالى؟!
هذا من الإشكالات الشهيرة على هذه القصّة، وقد ذكره ابن المطهّر الحلّي الرافضي، فقال: (فكيف يجوزُ لعاقلٍ أن ينسِبَ موسى مع عظمته وشرَف منزلته وطلبِ قربه من الله تعالى والفوز بمجاورة عالم القُدسِ إلى هذه الكراهة؟!)([82]).
وقال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (إنَّ الحديثَ صحيحُ السند، لكِنَّ متنَهُ يُثير الرِّيبَة؛ إذ يُفيد أن موسى يكرَهُ الموت، ولا يحبّ لقاء الله بعدما انتهى أجله، وهذا المعنى مرفوض بالنسبة إلى الصالحين من عباد الله كما جاء في الحديث الآخر: «من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه»، فكيف بأنبياء الله؟! وكيف بواحد من أولى العزم؟! إن كراهيته للموت بعدما جاء مَلَكُه أمر مستغرب!)([83]).
والجواب: أنَّ الشوقَ إلى لقاءِ الله سبحانه لا يُناقِض كراهية الموت، كما يقول أبو الفرج ابن الجوزي([84]).
ولذلك فإنَّ الله تعالى لما علم ذلك من عباده وكان موسى كريمًا عليه أراد أن تكون حادثة وفاته عليه السلام بالتدريج والتهيئة، كما جاء في هذا الخبر.
قال الإمام الخطّابي رحمه الله حيث يقول: (إنه لما دنا حينُ وفاته -وهو بشرٌ يكرَه الموت طبعًا، ويجدُ ألمه حِسًّا- لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكَّل به أن يأخذه قهرًا وقسرًا، لكن أرسله إليه منذرًا بالموت، وأمره بالتعرُّض له على سبيل الامتحان في صورة بشر، فلما رآه موسى استنكر شأنَه واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعًا عن نفسه بما كان من صكّه إياه، فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاء فيها دون الصورة الملكية التي هي مجبول الخلقة عليها.
ومثل هذه الأمور مما يُعلَّلُ به طِبَاع البشر، وتطيبُ به نفوسُهم في المكروه الذي هو واقعٌ بهم، فإنه لا شيء أشفَى للنَّفسِ من الانتقام ممن يكيدها فيريدها بسوء)([85]).
وكراهية موسى عليه السلام للموت إنما كانت رغبةً في القيام بأوامر الله تعالى، لا حبًّا في الدنيا وملذّاتها وشهواتها، كيف ولما خُيِّر في المرة الثانية اختار جوار الله تعالى؟! ولو كان يريد الدنيا لِذاتها وملذَّاتها لاختار السنوات التي كانت بعدَد ما يمسحه من شعرات الثور، وهي مدة طويلة جدًّا.
يقول ابن هبيرة: (وإنما وجهُ الحديث عندي أنَّ مُوسى عليه السلام كان من الدنيا في دار عبادةٍ وخدمةٍ، فجاء ملك الموت لينقُلَه إلى دار راحة ونعمة، فكرِهَ أن يراهُ الله تعالى مُسرعًا إلى الخلاص من خِدمة ربه، وحمل أعباء الأثقال من مداراة خلقه، طالبًا تعجيل الراحة بالتنعم في دار الخلد بالعطايا السنية، فلطم ملك الموت، فعاد ملك الموت عليه السلام في صورة شاكٍ، فقيل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل شعرة سنة.
فلو كان موسى عليه السلام إنما فَرِق من الموت لقَبِلَ ما أنعم به عليه من كثرة السنين، ولكنه قال: من الآن، وأراد: أن موافقتي لاختيار ربي خير من موافقتي لاختيار نفسي)([86]).
ويقول ابن القيم: (فإنه لما جاءه ملك الموت لطمه، ففقأ عينه، ولم يكن ذلك حبًّا منه للدنيا والعيش فيها، ولكن لينفّذ أوامر ربّه، ويقيم دينه، ويجاهد أعداءه، فكأنه قال لملك الموت: أنت عبد مأمور، وأنا عبد مأمور، وأنا في تنفيذ أوامر ربّي وإقامة دينه، فلما عرضت عليه الحياة الطويلة وعلم أن الموت بعدها اختار ما اختار الله له)([87]).
وقد ذكر ابن كثير بعض الأمور التي كان يرجوها موسى عليه السلام، فقال: (وكأنه لم يعرفه في تلك الصورة، ولم يحمل قوله هذا على أنه مطابق؛ إذ لم يتحقَّق في الساعة الراهنة أنه ملك كريم، لأنه كان يرجُو أمورًا كثيرة كان يحبُّ وقوعَهَا في حياته، من خُرُوجه من التيه، ودخولهم الأرض المقدسة، وكان قد سبق في قدر الله أنه عليه السلام يموت في التيه بعد هارون أخيه)([88]).
والخلاصة: أنَّ جميعَ الإشكالاتِ المُتعلِّقَة بمتن الحديث ناتجةٌ عن قِراءةٍ خاطئةٍ، وأنت إذا نظرْتَ فيه نظَرًا علميًّا مُنصفًا بعيدًا عن الأهواء وجدْتَ أنه لا يدلُّ بحالٍ على مَثلَبةٍ لموسى عليه السلام، وإنما يدلُّ على نقيضِ ذلك من حِرصِه على إقامةِ دِين الله تعالى، كما أنه لا يخالف العقل.
وقد كان من المأمول أن يجدَ المسترشد في كلام المعترضين من المعاصرين على هذا الحديث أجوبةً علميّةً على كلام العلماء المتقدّمين في الذبِّ عنه، غير أن المعترضين آثروا نهج التحقير والاستخفاف([89])، كما فعل مِن قَبلُ المعترضون على هذا الحديث من الملاحدة والجهمية حيث وصفوا المدافعين عن هذا الحديث بالحشوية([90]).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) «عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي» (ص: 95-96).
([3]) «لمعة الاعتقاد» (ص: 28-29).
([4]) انظر: «شيخ المضيرة» لأبي رية (ص: 244-245)، وفي الردّ عليه: «أحاديث الصحيحين المنتقدة الخاصة بالأنبياء» للدكتور أسامة زهير الشنطي (ص: 245-291). وقد ذكر بعض الباحثين أنه لم يطَّلع على قائلٍ معيّن اعترض على هذا الحديث من المتقدّمين! وقد ظهر لك أن ابن المطهّر ومن تبعه ردّوه.
([5]) ينظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (3/ 322).
([6]) «صحيح ابن حبان» (4/ 115).
([7]) «أعلام الحديث» (1/ 696).
([9]) «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (3/ 443).
([10]) «مشكل الحديث وبيانه» (ص: 313).
([11]) «إبطال التأويلات» (ص: 479).
([12]) «المعلم بفوائد مسلم» (3/ 230).
([13]) «المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم» (6/ 220-221).
([14]) «عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي» (ص95-96).
الطريق الثالث: أخرجه أحمد (10904، 10905) والبزّار (9593) والحاكم (4152) من طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الطريق الرابع: طريق عبد الرزاق في مصنّفه (20532) عن معمر عمن سمعه من الحسن عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الطريق الخامس: أخرجه الإمام أحمد (8616) عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة عن أبي يونس سليم بن جبير عن أبي هريرة. قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (2/ 222): (تفرد به الإمام أحمد).
الطريق السادس: أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 214) عن سلمة عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([16]) «مصنف عبد الرزاق» (20531).
([17]) وأخرجه أيضا البخاري (3407)، ومسلم (6225)، وأحمد (8172)، وأبو عوانة (535)، وابن حبان (6224)، وابن أبي عاصم (613).
([18]) أخرجه البخاري (1339) وأحمد (7646) عن محمود بن غيلان، والبخاري (3407) عن يحيى بن موسى، ومسلم (6224) عن عبد بن حميد، ومسلم (6224) والنسائي (4/ 118-119) عن محمد بن رافع، وابن أبي عاصم (559) عن سلمة بن شبيب، وأبو عوانة (10473) عن محمد بن عبد الله بن مُهلّ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص: 492) عن أحمد بن منصور الرمادي، سبعتهم عن عبد الرزاق بالإسناد المذكور.
([19]) أخرجه أبو عوانة (10474) من طريق الدبري -وهو في المصنف (20530)-، وابن حبّان (6223) عن إسحاق بن راهويه، والإسماعيلي -كما في «الفتح» (10/ 155)- عن محمد بن يحيى الذهلي، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 214) عن سلمة بن شبيب، أربعتهم عن عبد الرزاق بالإسناد المذكور.
([20]) ينظر: «سير أعلام النبلاء» (5/ 311).
([21]) «تأويل مختلف الحديث» (ص: 355-356).
([22]) ينظر: «شرح التبصرة والتذكرة» للحافظ العراقي (1/ 233).
([23]) «حلية الأولياء» (6/ 327)، وانظر: «السُّنَّة» للخلال (760). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله -في رواية عنه- بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم). «تفسير ابن كثير» (7/ 362).
([24]) «تحية القاري لصحيح البخاري» (ص: 262).
([25]) «الجرح والتعديل» (5/ 89)، «السنن الكبرى» (9893)، «الثقات» (3812).
([26]) «التقاسيم والأنواع» (4/ 75-76).
([27]) «فتح الباري» (10/ 157-158).
([28]) «الأسماء والصفات» (2/ 450-453).
([30]) «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (3/ 444)، و«إيضاح الدليل» لابن جماعة (ص: 166).
([31]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (6/ 221).
([32]) «المُعلم بفوائد مسلم» (3/ 232).
([33]) «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (2/ 166).
([34]) «إكمال المعلم» (7/ 353).
([35]) «العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم» (8/ 370).
([37]) نقله ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (3/ 323-324)، واختصره الحافظ في «فتح الباري» (10/ 157).
([38]) «الأنوار الكاشفة» ضمن «مجموع رسائل المعلمي» (12/ 303).
([39]) أخرجه البخاري (6888)، ومسلم (2158).
([40]) ينظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (3/ 322-323).
([41]) «التقاسيم والأنواع» (4/ 75-76).
([42]) «بحر الفوائد» (1/ 543).
([43]) «أعلام الحديث» (1/ 700). وانظر: «شرح السنة» للبغوي (5/ 268)، و«فتح الباري» لابن حجر (10/ 158).
([44]) «المُعلم بفوائد مسلم» (3/ 232).
([45]) «التقاسيم والأنواع» (4/ 76).
([46]) «إحقاق الحق وإزهاق الباطل» (2/ 244).
([47]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (6/ 221).
([48]) «العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم» (8/ 370).
([49]) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (9/ 3649).
([50]) «مجموع الفتاوى» (15/ 380).
([51]) يقال هنا: القائل بهذا الجواب ليس بالضرورة يقول به انبهارًا بجلالة القائلين به، فقد يقول به لقوّته، ولذلك تواردت عليه الأفكار كما تقدّم في موافقة المازري لابن خزيمة ومن تبعه دون اطلاعه على كلامِه.
([52]) نقله ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (3/ 325).
([53]) «القبس في شرح موطأ مالك بن أنس» (ص: 434).
([54]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (6/ 221-222).
([55]) «فتح الباري» (10/ 158).
([56]) «المعلم بفوائد صحيح مسلم» (3/ 231). وقد رجّح المازري الجواب الأول عليه كما تقدّم، ونسب الحافظ في «الفتح» (10/ 158) للنووي هذا القول، مع أن النووي إنما أورد أجوبةَ العلماء نقلًا عن المازري، والمازري إنما ذكر هذا الجواب حكاية عن غيره.
([57]) «تأويل مشكل الحديث وبيانه» (ص: 315).
([58]) «إبطال التأويلات» (ص: 479).
([59]) «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (3/ 444). وهذا خلاف ما نقله عنه ابن هبيرة في كلامه على هذا الحديث من تخطئته لموسى ولملك الموت. انظر: «الإفصاح عن معاني الصحاح» (6/ 328-329).
([60]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (6/ 221).
([61]) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (9/ 3649).
([62]) «مشكل الحديث وبيانه» (ص: 314).
([63]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (6/ 221).
([64]) هذا جواب الشرط: (فإذا كانت..).
([65]) «مشكل الحديث وبيانه» (ص: 314).
([66]) يعني بالقوم من المسلمين الذين أثبتوا الحديث وتأولوه: الأشاعرة الذين نقل ابن فورك كلامهم.
([67]) «إبطال التأويلات» (ص: 480).
([68]) «الحجة في بيان المحجة» (2/ 437).
([69]) «المعلم بفوائد مسلم» (3/ 231). ونقله النووي في «شرحه» (15/ 129).
([70]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (6/ 221).
([71]) «بحر الفوائد» (1/ 541-543).
([72]) «العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم» (8/ 369).
([73]) «إحقاق الحق وإزهاق الباطل» (2/ 243).
([74]) «إحقاق الحق وإزهاق الباطل» (2/ 245-247).
([75]) «مدارج السالكين» (1/ 506).
([76]) «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» للشيخ محمد الغزالي رحمه الله (ص: 27).
([77]) «تأويل مختلف الحديث» (ص: 356-357).
([78]) «أعلام الحديث» للخطابي (1/ 698)، «شرح السنة» للبغوي (5/ 267)، و«كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (3/ 444).
([79]) «بحر الفوائد» (1/ 544).
([80]) «الأنوار الكاشفة» ضمن «مجموع رسائل المعلمي» (12/ 303).
([81]) «إحقاق الحق وإزهاق الباطل» (2/ 244-245).
([82]) «نهج الحق وكشف الصدق» بواسطة «إحقاق الحق وإزهاق الباطل» (2/ 243).
([83]) «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص: 27).
([84]) «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (3/ 444).
([85]) «أعلام الحديث» (1/ 699).
([86]) «الإفصاح عن معاني الصحاح» (6/ 329).
([87]) «عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين» (ص: 515).
([88]) «البداية والنهاية» (2/ 223).
([89]) انظر: «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص: 29)، ورد الشيخ الألباني رحمه الله في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (7/ 827-835).