الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

عر ض وتعريف بكتاب:دراسة نظريَّة نقديَّة على شرح أمِّ البراهين

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

تمهيد:

يعدُّ أبو عبد الله محمَّد بن يوسف السّنوسي (ت: 895هـ) أحدَ أبرز علماء الأشاعرة، وكان لكتبه الشَّأن الكبير في الدَّرس العقديّ الأشعريّ المعاصر، والمطَّلع على كتبه يجدُ أنها تمثّل متونًا عقديَّة تعليمية؛ ولذلك حظِيت باهتمامٍ كبير، وتُدَرَّس وتقرَّر في معاهد الأشاعرة المعاصرين ومدارسهم، وله مؤلّفات عديدة، من أهمَّها:

  • عقيدة أهل التوحيد المخرجة بعون الله من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة بفضل الله أنفَ كل مبتدعٍ عنيد = العقيدة الكبرى.
  • شرح العقيدة الكبرى.
  • العقيدة الوسطى، وشرحها.
  • أم البراهين = العقيدة الصغرى.
  • شرح أم البراهين.
  • صغرى الصغرى.
  • صغرى صغرى الصغرى = الحفيدة.

وغيرها من الكتب.

ودراسة هذه الكتب لها أهميَّة بالغة للمهتمِّين بعلم العقيدة عمومًا، وللمهتمين بالمذهب الأشعريّ بالخصوص، ومن هنا جاءت أهميَّة هذا الكتاب الذي نستعرضُه هنا، فالكتاب الذي نستعرضه هو قراءة نقدية لكتاب “شرح أمّ البراهين” للسنوسي.

بيانات الكتاب:

عنوانه: دراسة نظريَّة نقديَّة على شرح أم البراهين لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني.

مؤلّفه: د. أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف.

اعتنى بإخراجه: د. مازن بن محمد بن عيسى.

طبعته: الطبعة الأولى، 1442هـ/ 2021م.

حجمه: مجلد واحد من 477 صفحة.

الموضوع العام للكتاب:

يظهر من عنوان الكتاب أنَّه عبارة عن دراسة نقديَّة لكتاب “شرح أم البراهين للسنوسي”، وهذا الأخير كتابٌ عقديٌّ أشعريٌّ ذكر فيه المؤلف عقيدته واستدلَّ لها، وهو شرح لكتابه أمّ البراهين المسمَّى بالعقيدة الصغرى، والكتاب لم يبوِّبه المؤلّف السنوسي، بيد أنه بعد التأمل يمكننا أن نعلم أنَّه مقسَّم إلى خمسة أقسام، وهي:

1- مقدمات.

2- صفات الله سبحانه وتعالى.

3- وجود الله.

4- النبوة.

5- الشهادتان.

فعلى هذه المحاول الخمسة يدور الكتاب، وجاء مرتبًا على هذا إلا في بعض المواضع كذكره لبعض الصفات بعد مبحث وجود الله.

وقد بدأ المعتني بالكتاب ببيان أهميَّة شرح أم البراهين للسنوي فقال: “فعقيدة السنوسي “أم البراهين” حظيت باهتمامٍ بالغٍ تمثَّل في تقريظها نظمًا ونثرًا، ومَنح الإجازات على قراءتِها وسماعها وتعلّمها، ووفرة الشروح والحواشي والتعليقات والمنظومات عليها، وكثرة الإقبال على نسخها، حتى بلغ عدد نسخها في الخزانة الحسينية فقط أربعين نسخة، وتجاوز عدد نسخ شرح مؤلّفها خمسين نسخة في الخزانة نفسها”([1]). ويبيِّن سبب الاهتمام بهذا الكتاب فيقول: “وإنَّما كان هذا الاهتمام البالغ بها لأنَّها حوت زبدةَ الكلام الأشعريّ، فيستغني من طالعها وحفظها ودرسها عن كبار الدَّواوين في علم الكلام كما يقولون”([2]).

وقد جاءت هذه الدراسة من الدكتور أحمد بن عبد اللطيف في قراءة هذا الكتاب المهم في المدرسة الأشعرية ونقده، وذلك بعرضها على الكتاب والسنة كما يقول: “ونحن سندرس ما كتبه دراسةً موضوعيَّةً بعيدةً عن التشنُّج والتعصّب، هدفنا فهمُ كلامه، ثم عرضه على الكتاب والسنة والمعقول الصحيح، ومعرفة مدى قربه أو بعده عن المنهج الحق”([3]). وقد كان الدكتور أحمد يعرض قطعة من نصِّ السنوسي، ثم يبدأ بشرحها وبيان مجمل معانيها، ثم بيان ما على النص من ملاحظات بطريقة مرتّبة، ومع أن الشرح ليس هو الغرض الأساس، إلا أن الدكتور قد بسط عبارات السنوسي، وبين المعنى الإجمالي للنَّص، فهو ليس مجردَ قراءة نقدية يوقِف القارئ على مواطن النقد في الكتاب، بل هو أيضًا مساعدٌ لتصوّر المذهب الأشعري بدراسةِ واحدٍ من أهمِّ متونه وفهمه.

النظرة التفصيلية للكتاب:

مقدمة المعتني بالكتاب:

بدأ المعتني ببيان أهمية أم البراهين، وأنَّه لقي قبولًا واسعًا حتى كثرت شروحه وحواشيه، وأنَّ السنوسي له حظوةٌ واسعةٌ عند أتباعه ومريديه، ومع ذلك فقد عورض في عددٍ من المسائل؛ كمسألة إيمان المقلّد والتي عارضه فيها أحمد بن زكري التلمساني، وبيّن المعتني أنَّ هناك من يعدُّ عصر السنوسية أهمَّ مرحلة من مراحل تطوّر المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي بالخصوص؛ بل يقولون: هي مرحلة التراكم المعرفي الكبير في المؤلفات العقديَّة، بينما يرى آخرون أنَّ المرحلة السنوسيّة تمثل نوعًا من التراجع في علم الكلام الأشعريّ مع وجود تطورٍ كمِّيّ على مستوى المصنفات.

وقد بينتُ سابقًا أن الكتاب يمكن تقسيمه إلى خمسة أقسام، سأستعرض الكتاب بناءً عليها:

1- المقدمات:

تطرَّق الدكتور في المقدمة إلى مسائل مهمَّة مثل أكثرية الأشاعرة، ومدى قرب الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، كما بيَّن مراحل الأشاعرة، وذكر أنَّ الحكم عليهم كلّهم في بعض القضايا لا يمكن أن يكون دقيقًا؛ لأنَّ موقفهم اختلف من مرحلةٍ لأخرى، وبيَّن مخالفة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والسببيَّة وما إلى ذلك، ثم تطرق لقضية مهمَّة وهي: أنَّه يمكن أن يجتمع في الشخص علم كلام وتصوّف، وكثير من علماء الكلام كان لهم توجّه صوفي، وفي آخر هذا الكتاب يبيِّن الدكتور بوضوح أثر التصوّف على السنوسيّ نفسه عند عرضه لكلمة التوحيد وذكر فضائله وطريقة ذكره، حيث أخذ أو تأثر بالمنهج الصوفي.

ثم عرج الدكتور إلى أثر علم الكلام على العقائد، وذكر أثره السيّئ على العقيدة، وأنه مخالف لمنهج السلف، وأن علم الكلام بالنظر إلى مؤدّاه كلّه بدعيّ.

ومما يميِّز الكاتب أنَّ قراءته لشرح أم البراهين ليست مقتصرة على الجوانب التفصيلية؛ بل كثيرًا ما يذكر الدكتور الأخطاء المنهجية والتناقضات، وذكر في المقدمة أن السنوسيّ يرى أن إثبات الرسالة مبنيّ على إثبات الْمُرسِل، فالأركان عنده ثلاثة: مُرسِل ورسولٌ ورسالة، ولا يُؤخذ من الرسول إلا بعد ثبوت المُرسِل، إلا أنَّ هاهنا مأخذين كما يرى الدكتور، وهما:

1- أنَّنا سنجد خللًا يتطرق إلى منهجه عند التَّطبيق.

2- أنَّ منهجه غير واقعيّ، وبعض تقريراته تصطدم مع الواقع([4]).   

ومن المسائل التي تطرق لها في المقدمات: أنَّ مؤلّف أمِّ البراهين لا يرى إلا السبب الشرعي دون العقلي([5])، وبين الدكتور أنَّ مذهبهم في إنكار هذا مكابرة منهم؛ إذ يجعلون إحراق النَّار مثلًا ليس سببًا، وإنما هو حكم عاديّ مقترن فقط، وبيَّن الدكتور بطلان مذهبهم هذا من خلال القرآن الكريم وإثبات القرآن للأسباب، ومن العجيب أنَّ السنوسي حكم على من يثبت الأسباب بأحكام عظيمة كقوله: “وقد غلِط قوم في تلك الأحكام العادية، فجعلوها عقليَّة… فأصبحوا وقد باؤوا بهوسٍ ذميمٍ وبدعةٍ شنيعةٍ في أصول الدين وشركٍ عظيم”([6])، وسيأتي أن السنوسي يذكر هذا من ضمن أصول الكفر.

ومن المسائل التي تمَّ التطرّق لها في المقدمات: قضية “الظلم” عند السنوسي، وقد بيَّن الدكتور أنَّ مفهومه عنده خطأ، والقرآن على عكس ذلك، وذلك حين جعل السنوسي تعذيب الطَّائع الذي لم يعص الله قطّ طرفة عين من الجائز النَّظري عقلًا، وهذا غير صحيح بهذا الإطلاق، فتعريف الظلم الصحيح فيه أنه: وضع الشيء في غير موضعه، والذي يجعل مذهب السنوسي خطأً هو أنه بنى مذهبه على نفي الحكمة والتعليل، أما عند أهل السنة والجماعة فحكمته تأبى عذاب الطائعين.

ومن المسائل المهمّة في المقدمات: مسألة أول واجب على المكلف، وقد ذكر السنوسي اختلاف المتكلمين في أول واجب بين النَّظر والقصد وغير ذلك. وبيَّن الدكتور أن هذا ينتابه أمران:

1- أنَّه مصادمٌ للواقع؛ فلا يوجد أحد يقول لابنه حين يبلغ: اذهب وانظر!

2- ما ترتَّب على المسألة من الاضطراب في بيان حكم من لم ينظر؛ فمنهم من يقول: هو عاصٍ، ومنهم من لا يقبل إيمانه([7]).

وقد بين الدكتور عددًا من الإشكالات في هذه القضية منها: أنَّ السنوسي يقع في الدَّور في الإيجاب الشرعي للنَّظر؛ لأنه يقول: لا يوجد إلا الواجب الشرعي، ولا وجود للواجب العقلي، والنَّظر واجبٌ قبل أن يثبت الشارع، فهذا دور، ويرى الدكتور أنَّ هذا مجرد تنظيرٍ يصطدم مع الواقع، وذلك أنَّ عامَّة الناس لا يفعلونه، فلا يوجد من يأمر ابنه عند البلوغ بالنَّظر؛ بل يأمرونه بالصلاة لسبع لأنَّ إيمانه كافٍ ومقبول، ويبين الدكتور أنَّ المتكلمين لديهم خللٌ في تصور التقليد؛ فهم يتصوَّرون أنَّ عامة الناس على التَّقليد المحض، والأمر ليس كذلك؛ بل هم على الدليل الفطري، فلديهم الفطرة الصحيحة التي تنافي مجرد التقليد؛ ولذلك ينظرون في الآيات والبراهين الكونية، ويكفيهم ذلك؛ لأن معرفة الله مغروسة في الفِطر.

وقد أطال السنوسي الكلام في النظر، وتعبه الدكتور، وبين التناقض ومصادمة كلامهم للشرع؛ لأن الشرع دعا للتوحيد لا النظر، كما أن كلامهم مصادمٌ للواقع.

2- صفات الله سبحانه وتعالى:

بدأ السنوسي بذكر صفات الله سبحانه وتعالى، وقد أطال الكلام فيها([8])، وبين الدكتور في بداية هذا الباب أنَّ ذكره للصفات هنا مخالفٌ للمنهج الصحيح في التَّأليف عند الأشاعرة بالخصوص، فإنَّه لم يُثبت أدلة وجود الله بعدُ حتى يتحدّث عن صفاته، وكان الأولى أن يقدّم كلامه عن وجود الله ثم يتكلّم عن صفاته.

وذكر السنوسي عشرين صفةً، بيَّن الدكتور أنَّها ترجع إلى سبع صفات، وفي هذا الباب تفاصيل وتقسيمات عرضها السنوسي وشرحها الدكتور وعلَّق عليها، كما ذكر السنوسي ما يناقض هذه الصفات العشرين وهي المستحيلة على الله؛ كالعدم والحدوث وطروِّ العدم والمماثلة للحوادث والجهل، وبين الدكتور ملاحظاته كلها عند عرضها.

كما تطرق السنوسي في هذا القسم إلى مسألة الصلاح وفعل الأصلح، وذلك ردًّا على المعتزلة، وبين الدكتور خطأ الطائفتين في المسألة، وبين المذهب الحقّ عند أهل السنة والجماعة.

3- وجود الله:

بدأ السنوسي بقضية وجود الله، ولم يطل فيها كما أطال في الصفات([9])، وقد بدأ بدليل الحدوث كما هو معلومٌ في استدلال المتكلمين، وقد رجع السنوسي إلى قضية السببية هنا وبين الدكتور خطأ قولهم، وأن قولهم يلزم منه بطلان إثبات وجود الله، وقد تطرق الدكتور إلى بدعية هذا الدليل ومخالفته للمنهج القرآني.

ورجع السنوسي إلى قضية الصفات، وبدأ يذكر أدلة أربع صفات وهي: القدرة والإرادة والعلم والحياة، وأن الدليل على ذلك هو أنَّه لو انتفى شيءٌ منها لما وجد شيء من الحوادث، ثمَّ ذكر أن برهان صفة السمع والبصر والكلام هو الكتاب والسنة والإجماع، وأنه لو لم يتَّصف بها لاتَّصف بأضدادها، ويذكر الدكتور أنَّه في هذا يخالف الأشاعرة، فهم يجعلون السمع والبصر أدلتها عقلية لا سمعية.

4- النبوَّة:

بدأ السنوسي بعد ذلك في بيان ما يجب للأنبياء([10])، فبين أنَّه يجب في حقهم الصدق والأمانة والتَّبليغ، ويستحيل عليهم أضدادُها، وذكر الدكتور ما وقع فيه المتكلِّمون من خطأ في موضوع العصمة، حتى نفوا أخطاء الأنبياء وتأوَّلوا ما ورد في القرآن من بيان أخطائهم؛ مثل قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]، وقوله: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، وقوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1].

ومن المسائل التي ذكر الدكتور خطأها قولهم: إنَّ إرسال الرُّسل من الجائزات على الله، بينما يرى الدكتور أنَّ هذا منافٍ لحكمة الله الذي يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، يقول الدكتور: “فمن قال: إنَّ هذا جائز ويمكن ألا يبعث الله رسولًا فكأنَّه يجيز نفي الحكمة عن الله… ونحن لا نقول: إنَّه واجب عقلًا كالمعتزلة، بل هو واجبٌ من مقتضى صفات الله أنَّه الحكيم”([11]).

وختم السنوسي هذا الباب بذكر المعجزة، وذكر الدكتور خطأ حصر أدلة النبوة عليها، كما بين عددًا من الأخطاء التي وقعت فيها الأشاعرة في مبحث المعجزة.

5- الشهادتان:

بدأ السنوسي بعد هذا في تفسير كلمة التوحيد “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، وتكلم عنها من سبع جهات، وهي: 1- ضبطها، 2- إعرابها، 3- بيان معانيها، 4- بيان حكمها، 5- بيان فضلها، 6- كيفية ذكرها على الوجه الأكمل، 7- بيان الفوائد التي تحصل لذاكرها.

وقد ذكر الدكتور بعض المآخذ على تفسير السنوسي ومباحثه حول هذه الكلمة، فمنها: أنَّ ما قرره في عقيدته من نفي الحكمة أدخله في مفهوم كلمة إله، وهذا غير صحيح.

ومنها أنَّ السنوسي قال: “حقيقة الإله هو الواجب الوجود المستحق للعبادة”([12])، قال الدكتور: “ليس هو المفهوم لمعنى الإله عند العرب… والإله هو المعبود”، وقولهم: إنَّه واجب الوجود هو معنى صحيح؛ فالإله الحقّ واجب الوجود، لكنَّا أولًا نبحث عن الكلمة عند العرب، ومعناها عند العرب: المعبود، وقد بين الدكتور -في أكثر من موضع- أنَّ المتكلمين مع الصوفية ساهموا في انتشار الشِّرك، وذلك من جهة أنَّ المتكلّمين كان جلّ اهتمامهم ينصبُّ على توحيد الربوبية لا الألوهية.

وذكر السنوسي قضية مهمة في الكتاب وهي: أصول الكفر الستة، وذكر أنها: “الإيجاب الذاتي، والتحسين العقلي، والتقليد الرديء، والربط العادي، والجهل المركّب، والتمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية”([13]) يقول الدكتور: “أصول الكفر التي ذكرها منها ما هو صحيح كقول الفلاسفة، ومنها ما هو باطل كإدراج مذهبه في السببية”([14]). ثم بين السنوسي هذه الست واحدة واحدة.

وبين الدكتور أن الأول منها وهو: الإيجاب الذاتي عند الفلاسفة بجعل الله علةً تستلزم معلولها دون اختيار منه؛ أنَّ هذا كفر.

أمَّا الثاني -وهو: التحسين العقلي- فقد بيَّن الدكتور أن الأشاعرة هم من وقعوا في الخطأ في نفيه بالكلية، مع خطأ المعتزلة أيضًا.

أمَّا الثالث -وهو: التقليد الرديء- فهذا خطأ من السنوسي أيضًا، فقد شبه تقليد المشركين بما عليه أهل الإيمان، وهذا غير صحيح؛ فإنَّ أهل الإيمان معهم الفطرة الصحيحة.

أمَّا الرَّابع -وهو: الربط العادي- فقد بيَّن الدكتور أنَّ هذا من خطئه البيِّن؛ لأنه أراد أن ينفي السببية ويجعل الإيمان بها سببًا للكفر؛ بل هي سبب للإيمان بالله تعالى.

أمَّا الخامس -فهو: الجهل المركب- وهذا كلام عامّ، فهو يقع منهم ومن غيرهم.

أمَّا السادس -وهو: التمسُّك بظواهر النصوص- فهذا باطل أيضًا، أي: أن يكون من أصول الكفر، بل الواجب فهم النصوص على ظاهرها.

ثم أكمل السنوسي كلامه على كلمة التوحيد، وأنَّها حوت كل شيء، والدكتور يرى أنَّ اعتقاد أنَّ كل العقائد نابعة من هذه الكلمة فيه نظر؛ لأنَّ كلمة التوحيد يراد بها إفراد الله بالعبادة، وما بعد ذلك من خصائص الله وصفاته مبثوثة في القرآن والسنة.      

وختم السنوسي كتابه بذكر فضل كلمة التوحيد، وطريقة ذكره على الوجه الأكمل، والفوائد التي يحصل للإنسان عند ذكرها، وبيَّن الدكتور أن في كلامه خلطًا كبيرًا بالتصوُّف وذكرًا لطرقٍ وأعدادٍ لم ترد في الكتاب والسنة.

أفانين:

بعد استعراض الكتاب هنا بعض الوقفات معه:

أولًا: الكتاب مهمٌّ من جهة أنَّه يعطي تصورًا عن المذهب الأشعري المعاصر في هذه القضايا التي ذكرناها، وهذا يمكن الحصول عليه بدراسة المتون الأشعرية، لكن مثل هذا الكتاب مهم لغير المختص بالذات لسببين:

1- لأنَّه يقدم شرحًا مبسطًا لمسائل الكتاب، فالكتاب ليس مجردَ نقد، وإنما هو شرحٌ ثم إبداء ملاحظات.

2- أن غير المتخصّص الذي يريد الدخول إلى معرفة العقائد الأشعرية يستحسن له الدخول عبر هذه الكتب؛ لأنها تعرض المذهب وتبيّن الملاحظات عليه في آن واحد. وهذا ما تميز به كتاب الدكتور، فقد جاء شارحًا بطريقة سهلة بسيطة، كما جاء مبينًا لأبرز الملاحظات المنهجية والتفصيلية.

ثانيًا: كان الدكتور يحرص على ذكر تناقضات الأشاعرة، أو تناقضات السنوسي في كتابه، من ذلك مثلًا أنَّه يبين أنَّ السنوسي يقرر أنَّ النُّبوة لا تتوقف على إثبات السمع والبصر والكلام لله، بينما يقرر في موضعٍ آخر أنَّ النبوة لها تعلق بكلام الله([15])، ومن ذلك أنَّ السنوسي يقول: “إنَّ لله أن يفعل ما يشاء”، وذلك في قضية نفي الحكمة والتعليل، ثم يأتي ويقول: “إنَّ الله يجب عليه أن يصدق النبي بالمعجزة”([16])، وفي هذا يقول الدكتور: “ووجه الخلل أنَّه قرَّر سابقًا أنَّ فعل الله جائز ولا يجب عليه شيء، فيقال له: من أين أوجبت عليه تعالى أن يصدق النبي؟! فلو جاء كذَّابٌ وادَّعى النبوة وقال: أنا نبي وهو ساحر؛ فأنت ترى أنَّ الله تعالى يبطله ولا يمكِّنه منه، فيقال لك: من أين لك أنه يبطله ولا يمكنه منه؟! أليس جائزًا على مذهبك أن يفعل الله تعالى ما يشاء لأنَّه لا شيء واجب عليه تعالى؟!”([17]).

ثالثًا: بين الدكتور في عدد من المواضع عددًا من الإلزامات على السنوسي.

رابعًا: لم يكن قصد الدكتور نقد الأشاعرة في الأصل، ولذلك يعرض معتقد السنوسي، وقد يتعرض للأشاعرة في بيان أن السنوسي تأثر بمذهبه في مسألةٍ ما عند حكمه على مسألة أخرى، ومما يبينه في هذا الكتاب: مخالفة السنوسي للأشاعرة في بعض القضايا، مثل أن إثبات السمع والبصر والكلام لله يكون بالدليل السمعي عند السنوسي خلافا للمتكلمين الذين يرون الدليل عليه عقليًّا.

خامسًا: أنصف الدكتورُ السنوسيَّ، وقد كان يذكر له بعض العبارات التي تحتمل وحدة الوجود ثم يقول: “إنَّ السنوسي نفى ذلك في عقيدته”([18])، بل ينصف الأشاعرة عمومًا، وكان يذكر تقسيمات السنوسي في عددٍ من القضايا ويقول: “وهذه التقسيمات عمومًا صحيحة لكن بعض أمثلتها غير صحيحة”([19]).

ويقول الدكتور بعد كلامٍ للسنوسي في التحذير من كتب الفلسفة: “هذا كلامٌ جيد من المؤلف، وهو التحذير من كتب الفلاسفة ومن كتب المتكلمين الذين تأثروا بهم”([20]).

وحين ذكر السنوسي ترك صفة إدراك الله للطعوم والروائح لما فيها من خلاف، قال الدكتور: “هذا كلامٌ طيبٌ جميل؛ ولكن ليته فعل ذلك في باقي الصفات واقتصر على ما أجمعت عليه الأمة”([21]).

وبين أنَّ عرضه لدليل الحدوث اتَّسم بالبساطة، على عكس المتكلمين الذين يقدّمونه بتعقيد، إلى غير ذلك من المواضع.

سادسًا: من منهجيّته في الكتاب أنَّه لا يقتصر على الأخطاء التفصيلية، بل يذكر الأخطاء المنهجية، فيذكرها بعد النصّ مباشرة، أو يذكر الأخطاء التفصيلية ثم يقول: والخلاصة… فيذكر الأخطاء المنهجية.

هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(المراجع)

([1]) دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 10).

([2]) دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 10).

([3]) دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 6).

([4]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 46).

([5]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 54).

([6]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 58).

([7]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 99).

([8]) بدأ الكلام فيه من صفحة 134 إلى 268.

([9]) بدأ الباب من صفحة 272 حتى صفحة 310.

([10]) من صفحة 310 إلى 353.

([11]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 317-318).

([12]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 370).

([13]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 402).

([14]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 402).

([15]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 320).

([16]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 330).

([17]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 330).

([18]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 28).

([19]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 62).

([20]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 132).

([21]) ينظر: دراسة نظرية نقدية على شرح أم البراهين (ص: 205).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017