مواقفُ الأشاعرةِ من كتاب “الإبانة عن أصول الديانة” لأبي الحسن الأشعري
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
تمهيد:
“الإبانة عن أصول الديانة” واحدٌ من الكتب المهمَّة لأبي الحسن الأشعريّ والذي تنتسب له الأشاعرة، كما أنَّه واحدٌ من الكتب التي أثارت جدالًا ونقاشًا واسعين سواءً في نسبته أو تحريفه، ويعود سبب ذلك إلى كونه واحدًا من الشَّواهد المهمَّة التي يستند إليها من يقول بأنَّ أبا الحسن الأشعري قد رجع عن معتقد الكلّابيَّة -الذي رجع إليه بعد الاعتزال- إلى مُجمل معتقد أهل السنة والجماعة، وهو ما أثبته في كتابه الإبانة هذا وبعض كتبه الأخرى، وهذا ما يبيّنه ابن كثير فيقول: “ذكروا للشَّيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله ثلاثة أحوال، أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة، والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وتأويل الخَبرية كالوجه، واليدين، والقدم، والساق، ونحو ذلك، والحال الثالثة: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريًا على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخرًا، وشرحه القاضي الباقلاني، ونقلها أبو القاسم ابن عساكر، وهي التي مال إليها الباقلاني وإمام الحرمين وغيرهما من أئمَّة الأصحاب المتقدِّمين في أواخر أقوالهم، والله أعلم”([1]).
فالأطوار عند ابن كثير ثلاثة أطوار، والإبانة يمثل الطَّور الثَّالث الذي رجع فيه إلى مجمل اعتقاد أهل السُّنة والجماعة، وهو ما تنفيه الأشاعرة المعاصرون بالخُصوص لكونهِ يتنَافى مع منهجهم في الصِّفات كالاستواء والوجه واليدين وما يماثلها ممَّا أثبتها الأشعري في كتابه وتأوَّتلها الأشاعرة، فالأشاعرة لم يسيروا تمامًا على ما كان عليه أبو الحسن الأشعري عند من يثبتون رجوعه عن المذهب الكلابي، وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله: “وأمَّا الأشعري نفسه وأئمَّة أصحابه فلم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبريَّة وفي الردِّ على من يتأولها؛ كمن يقول: استوى بمعنى استولى، وهذا مذكور في كتبه كلها كالموجز الكبير، والمقالات الصغيرة والكبيرة، والإبانة، وغير ذلك”([2]).
ومع أهميَّة الكتاب إلَّا أنَّ مواقف الأشاعرة من الكتاب قد تباينت واضطربت واختلفت نظرًا لِمَا يحويه الكتاب من عباراتٍ تناقِضُ المذهب الأشعري المعاصر وإن حاولوا تبرير ذلك بما سيأتي بيانُه، لكن الحالة نفسها تبيِّن أنَّ الكتاب مخالفٌ للمنهج الذي ارتضته الأشاعرة سواءً اعترفوا بذلك أو أنكروا؛ إذ لو لم يكن الكتاب مخالفًا للمعتقد الأشعري المعاصر لما حصل هذا الاضطراب والاختلاف في الموقف منه، فهو حجة على إثبات رجوع الإمام أبي الحسن إلى مجمل اعتقاد أهل اسنة والجماعة، كما أنه حجة على الأشاعرة في منهجهم التأويليِّ لكثيرٍ من الصفات.
ولأنَّ الكتاب مخالفٌ للمنهج الأشعري المعاصر فإنَّ مواقفهم من الكتاب تباينت كما سبق ذكره، وفي هذه الورقة رصدٌ لأهمِّ المواقف الأشعريَّة من الكتاب، والت يمكننا أن نرجعها إلى خمسة مواقف:
الموقف الأول: أنَّ الكتاب مكذوبٌ عليه:
بعضُ المعاصرين لم يجدوا بدًّا من تكذيب الكتاب برمَّته وتكذيب نسبته إلى أبي الحسن الأشعري؛ إذ يرى أنَّ هناك قرائن كثيرة تقف شاهدة على عدم صحَّة نسبة الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري كما يصرِّح بذلك الدُّكتور خالد زهري في بحثه الموسوم بـ “كتاب الإبانة عن أصول الديانة: تحقيق في نسبته إلى أبي الحسن الأشعري”([3])، وقد عدَّد أسبابه التي سنذكرها بعد قليل، وهي في نظره كافيةٌ لدحض نسبة الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري، وبناءً عليه فإنَّ الكثير من الأبحاثِ التي بُنيت على الإبانة سواء من قبل الأشاعرة أو غيرهم لا قيمة لها؛ إذ إنَّها مبنية على “توهُّم صحة نسبة الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري، فكانت عبارة عن دعاوى لا أساس لها من الصحة”([4]).
ويؤكد الدكتور ما قلناه في بداية الورقة من أنَّ الأشاعرة وقفت مواقفَ مختلفة من الكتاب، وسبب ذلك أن الإبانة يحمل أفكارًا مصادمةً للأشعرية المعاصرة، يقول: “ولا يمكن الاستهانة بالخطأ في نسبة الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري؛ حيث إن ذلك أخذ أبعادًا إيديولوجية خطيرة في فترتنا المعاصرة؛ لما يحمله هذا الكتاب من عقائد وأفكار غريبة عن عقيدتنا الأشعرية”([5]). ويبين مرةً أخرى خطر نسبة هذا الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري لأنه يؤدي إلى مفاسد عديدة، من أهمها في نظره: أنَّ الكتاب يختلف في كثير من العقائد المبثوثة فيه مع أصول عقيدة الأشاعرة([6])، والنَّتيجة التي توصَّل إليها كما يقول: “هي أنَّ الإبانة من تأليف أحد حشويَّة الحنابلة، ولا يمتّ بصلة إلى المصنفات صحيحة النسبة إلى أبي الحسن الأشعري، ومن أجل التمويه والإمعان في التَّدليس نقل مؤلفه الذي لا نعرف عنه إلا أنه حشويّ فقراتٍ من كتاب اللّمع صحيح النسبة إليه”([7]).
وقد أثار عبد الرحمن بدوي التساؤلَ أيضًا حول صحّة نسبة الكتاب إلى أبي الحسن فقال: “ولكن المشكلة ليست في تصحيح النَّص الوارد إلينا بقدر ما هي في معرفة هل هذا النص كتبه الأشعري؟”([8]).
وقد أبدى الباحث المغربي السابق ذكره أسبابه، كما شاركه في بعضها عبد الرحمن بدوي، فممَّا اتَّكؤوا عليه في بيان عدم صحَّة نسبة الكتاب إلى أبي الحسن: أنَّ الكتاب لم يذكره عددٌ ممَّن ذكر كتب الأشعري، ومنهم ابن فورك وابن عساكر قبل كتابه “تبيين كذب المفتري”، وفي هذا يقول عبد الرحمن بدوي: “وقبل هذا نثير مشكلة وهي: لماذا لم يرد ذكر هذا الكتاب في الأثبات الثلاثة المذكورة؟”([9]).
ومن الأسباب التي ذكرها الدكتور خالد: أنَّ الكتاب تضمَّن عقائد يستحيل أن تصدر عن مبتدئٍ في دراسة المذهب الأشعري. ومن أسبابه: أنَّ الإبانة كُتبت بروح إقصائية حيث ورد فيه عبارة: “ونرى مفارقة كل داعيةٍ إلى بدعة، ومجانبة أهل الأهواء”([10])، كما ذكر أنَّ أبا الحسن قد ردَّ على حشوية الحنابلة في كتابه “استحسان الخوض في علم الكلام”، فكيف يصرح بالانتساب إليهم؟!([11]).
وهذا الرأي الذي ذهب إليه الدكتور ومن معه رأيٌ خاطئ، ولم ينقل لنا نصًّا واحدًا صريحًا لأيِّ إمامٍ سلفي أو أشعريٍّ ينفي نسبة الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري؛ بل الأئمة على خلاف ذلك، وقد استند إلى أمورٍ ضعيفة لا ترقى لأن تكون دليلًا على أمرٍ كبيرٍ كهذا، خاصةً وأنَّ الأئمة العلماء على مر التاريخ على خلافه، ويمكننا مناقشة كلامه عبر الآتي:
أولًا: ذكر أئمَّةٌ كثيرون هذا الكتاب لأبي الحسن الأشعري، وفي المقابل لم ينقل الدكتور نصًّا واحدًا في النَّفي إلا تمسّكه بعدم إيراد ابن فورك له وسيأتي بيانه، لكن أثبت الكتاب لأبي الحسن الأشعري كثيرٌ من العلماء، فقد نسبه إليه أبو بكر البيهقي (ت: 458هـ)، وابن عساكر (ت: 571هـ)، وابن درباس (ت: 622هـ)، وابن تيمية (ت: 728هـ)، والذهبي (ت: 748هـ)، وابن رجب (ت: 795هـ)، وابن حجر (ت: 852هـ) وغيرهم، يقول إبراهيم بن درباس([12]): “وقد ذكر الكتاب واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن -رحمة الله عليه- وأثنى عليه بما ذكره فيه وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه جماعةٌ من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام وأئمة القراء وحفَّاظ الحديث وغيرهم، منهم الإمام الفقيه الحافظ أبو بكر البيهقي صاحب التَّصانيف المشهورة والفضائل المنثورة، اعتمد عليه في كتاب الاعتقاد له، وحكى عنه في موضع منه، ولم يذكر من تواليفه سواه… ومنهم الإمام الحافظ أبو العبَّاس أحمد بن ثابت الطرقي… ومنهم الإمام الأستاذ الحافظ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصَّابوني، ومنهم إمام القراء أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الفارسي… ومنهم الإمام الفقيه أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله… ومنهم الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي… ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب كتاب الذخائر في الفقه… ومنهم الحافظ أبو محمد بن علي البغدادي نزيل مكة حرسها الله”([13]). فهؤلاء العلماء كلُّهم أثبتوا الكتاب لأبي الحسن الأشعري، وهم مقدَّمون على غيرهم من المتأخرين من العلماء إذا نفوا الكتاب عن الأشعري، فكيف والدكتور لم ينقل نصًّا واحدًا في النَّفي عمَّن قبله؟!
ثانيًا: عدم ذكر كتاب الإبانة من بعض من ترجم لأبي الحسن أو ذكَر كتبَه -وخاصة ابن فورك- لا يعني بالضَّرورة عدم وجود الكتاب، فإنَّ المترجمين لا يذكرون كلَّ كتب المترجم له في أحايين كثيرة، وبغضِّ النَّظر عن الأسباب التي سأذكرها إلا أنَّه يمكن أن يقال: إنَّ السقط قد يكون له أسبابٌ كثيرة، وما دام أنَّ ابن فورك رحمه الله لم يصرِّح بنفي الكتاب، وقوبل عدم ذكره بذكر أئمةٍ آخرين؛ فإنَّ عدم ذكره للكتاب لا يعني أنَّ الكتاب ليس لأبي الحسن الأشعري ولا يدلُّ عليه، وقد زعم الدكتور خالد أنَّ أول من ذكر الكتاب هو ابن عساكر في تبيين كذب المفتري، وهذا غير صحيح، بل ذكره قبله البيهقي في الاعتقاد إذ قال: “وقد ذكر الشافعيُّ رحمه الله ما دلَّ على أن ما نتلوه من القرآن بألسنتنا ونسمعه بآذاننا ونكتبه في مصاحفنا يسمَّى كلام الله عز وجل، وأنَّ الله عز وجل كلَّم به عباده بأن أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم. وبمعناه ذكره أيضا علي بن إسماعيل في كتابه الإبانة”([14]).
أمَّا عدم ذكر ابن فورك له بالخصوص فقد بيَّنتُ أنَّ عدم الذكر لا يستلزم عدم الوجود، فليس له نفيًا للكتاب، وقد بيَّن ابن تيمية رحمه الله أنَّ لعدم ذكر ابن فورك للكتاب سببين، فقال: “فإن قيل: فابن فورك وأتباعه لم يذكروا هذا، قيل: له سببان:
أحدهما: أنَّ هذا الكتاب ونحوه صنَّفه ببغداد في آخر عمره لما زاد استبصاره في السُّنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة بما أفصح به فيه وفي أمثاله، وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرقٌ بين عدم القول وبين القول بالعدم، وابن فورك قد ذكر فيما صنَّفه من أخبار الأشعري تصانيفه قبل ذلك… قال ابن عساكر بعد أن ذكر كلام ابن فورك: هذا آخر ما ذكره ابن فورك من تصانيفه، وقد وقع إليَّ أشياء لم يذكرها في تسمية تواليفه.
السبب الثاني: أنَّ ابن فورك وذويه كانوا يميلون إلى النَّفي في مسألة الاستواء ونحوها، وقد ذكرنا فيما نقله هو من ألفاظ ابن كلَّاب -وهو من المثبتين كذلك- كيف تصرف في كلامه تصرفًا يشبه تصرفه في ألفاظ النصوص الواردة في إثبات ذلك كما فعله في كتابه تأويل مشكل النصوص، فكان هواه في النَّفي يمنعه من تتبع ما جاء في الإثبات من كلام أئمته وغيرهم”([15]).
والشَّاهد أنه لا يلزم من عدم ذكر ابن فورك للكتاب أن الكتاب ليس لأبي الحسن، بغضِّ النَّظر عن أسباب عدم ذكر ابن فورك له.
ثالثًا: كون ما ورد في الكتاب مخالفًا لما عليه الأشاعرة المعاصرون ليس سببًا في الطَّعن في الكتاب، وإنَّما يجب أن يكون دافعًا لدراسة المعتقد، ومحاولة معرفة الفرق بين قول أبي الحسن والمعتقد الأشعري المعاصر، ومعرفة سبب تحوُّل الأشاعرة من قول أبي الحسن إلى غيره، فمن العجيب أن يستدلَّ الدكتور بهذا على أنَّ الكتاب غير صحيح، دون أن يثير هذا الاختلاف عنده أي تساؤلٍ حول ماهيَّة العلاقة بين الأشاعرة المعاصرين وأبي الحسن الأشعري، وهو ما ينبغي دراسته، وبغضِّ النظر عن كون الأشاعرة اليوم هم على نفس قول أبي الحسن أو لا فإنَّ مجرد وجود عقائد مخالفة للأشعرية المعاصرة لا يعني عدم صحَّة نسبة الكتاب إلى أبي الحسن، بل يعلم المطلع أنَّ بعض أعيان الأشاعرة لم يبقوا على مذهبٍ واحد، بل انتقلوا من طور لآخر.
رابعًا: ذكر الدكتور أنَّ من أسباب نفيه صحَّة نسبة الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري أنَّه ظهر في الكتاب حادًّا شديدًا على المخالفين، وفي الحقيقة كلَّما تابعتَ مع الدكتور أدلَّته تجد أنها لا تدلُّ على نفي نسبة الكتاب، ولا تعدو أن تكون سمات للكتابة في هذا الكتاب، وتحليلها لمعرفة أسبابها أقرب إلى العلميَّة بكثير من أن يستدلَّ بها على نفي الكتاب، وعلى كل حال فإنَّ الشدة لم تكن بتلك التي يصوّرها الدكتور أو غيره -خاصَّةً فيما يتعلق بالتبديع- فإنَّه موجودٌ حتى في غير الإبانة، ففي المقالات مثلًا ينقل عن أهل السنة والحديث فيقول: “ويرون مجانبة كل داعٍ إلى بدعة”([16]). هذا مع قوله بأنَّه يذهب إلى كل ما ذهبوا إليه، ومع ذلك فإنَّ من التفسيرات التي أراها قريبةً للصحَّة في محاولة فهم هذا المنهج من أبي الحسن في الإبانة هو أنَّه صنف الإبانة بعد رجوعه عن الاعتزال، فكان شديدًا عليهم لأنَّه تبيَّن له بطلان المذهب بعد سنواتٍ طويلة من عمره، وهذا ما قرَّره حمود غرابة في مقدمة تحقيقه للُّمع فيقول: “ولعلَّ ما يعود إلى الأسباب النَّفسية أنَّنا نرى الأشعريَّ في كتاب الإبانة أشرق أسلوبًا وأكثر تحمسًا وأعظم تحاملًا على المعتزلة وأكثر بعدًا عن آرائهم، وهذه مظاهر نفسية يجدها المرء في نفسه تجاه رأيه الذي يتركه إبان تركه أو بُعيد التنازل عنه”([17]).
فالشدَّة إن كانت موجودة -وإن تنزَّلنا وقلنا إنها مخالفة لكلّ كتبه- فإنَّ لها مبرراتها الموضوعيَّة، ومع هذا فإنَّه مشابهٌ لعدد من كتبه الأخرى كما ذكرنا، وهذا التشابه العام بين الإبانة وغيره هو ما أكده الدكتور خالد بنفسه، لكنَّه ادَّعى أنَّ الحشويَّ الذي ألَّف الكتاب سرق من اللمع، فأضاف إلى الإبانة ليسهل عليه نسبته إلى أبي الحسن! وهنا تلاحظ مرة بعد أخرى أن الدكتور ابتعد كثيرًا عن الموضوعية في طرح آراء ودعاوى دون أيّ دليل، وباستنباطات بعيدة في أمر مهمّ كهذا.
خامسًا: استدلَّ الدكتور بأنَّه ردَّ على الحشويَّة الحنابلة بكتاب “استحسان الخوض في علم الكلام”، ويريد أنَّ أبا الحسن الأشعري قد ألَّف هذا الكتاب في علم الكلام ردًّا على الحنابلة لأنهم يحرّمون علم الكلام، فكيف ينتقل أبو الحسن إلى عقيدة الحنابلة؟!
وهذا استدلال بعيدٌ من الدكتور؛ فإنَّ أبا الحسن لم يصرح في كتابه “استحسان الخوض في علم الكلام” أنه يردُّ به على الحنابلة، كما أن الحنابلة لم يحرموا كلّهم علم الكلام، يضاف إلى ذلك أنه لا تضادَّ بين أن ينتقل أبو الحسن إلى عقيدة الحنابلة مع احتفاظه برأيه في علم الكلام، خاصَّة أنه لم يتطرَّق لعلم الكلام في كتابه الإبانة، فهذا استدلالٌ في غير محلِّه.
سادسًا: مارسَ الدكتور قفزًا حكميًّا بتجاوز نصوصٍ كثيرةٍ في إثبات الكتاب، وكون النسخ المعتمدة في التَّحقيق كلها تنسب الكتاب إليه، وكون العلماء الأشاعرة أنفسهم يثبتونه، وقد أثبته البيهقي في القرن الخامس كما قلنا، فكيف يجاب عن هذا كله؟! لم يقدم الدكتور جوابًا عنها، بل قدّم مبرراته في القول بنفي صحَّة نسبة الكتاب، وهذا لا يكفي في إثبات هذا الأمر، بل لا بد من الإجابة المقنعة عن كل هذه النصوص المثبتة.
فتبين من هذا أنَّه لا دليل صحيح على نفي الكتاب عن أبي الحسن، بل الأدلة على عكس هذا القول من كلام الأئمة الأشاعرة وغيرهم.
الموقف الثاني: أنَّ كتاب الإبانة ثابت لأبي الحسن لكنَّه تراجع عنه:
يرى بعضُ الباحثين الأشاعرة أنَّ الكتاب لأبي الحسن، لكنَّه قد تراجع عنه في كتابه اللُّمع، وهذا التَّوجّه ليس بقويٍّ لدى الأشاعرة لكن هناك من يقول به([18])، ويحمِّل هذا الباحثُ الأشاعرةَ مسؤوليَّة بعث الإبانة من جديد داخل الوسط الأشعري، ويبين أنَّ فيه غلوًّا وتطرفًا لا يتناسب مع المذهب الأشعري، يقول: “يشهد المغرب في السنوات الأخيرة مشروع إصلاح الحقل الديني؛ وقد تمَّ التركيز في هذا المشروع على تثبيت العقيدة الأشعريَّة والفقه المالكي والتصوف السنِّي بالمغرب”([19]). ثم تحدث عن مركز أبي الحسن الأشعري بالمغرب ثم قال: “الملاحظ في هذه الحركة الفكريَّة الأشعريَّة تبنِّيها فكر كتاب الإبانة ذي التوجّه الحنبلي المنسوب إلى أبي الحسن الأشعري، وهو كتابٌ ينطوي على فكرٍ غالٍ ومتطرِّف، هذا الفكر الذي تخلَّص منه أبو الحسن الأشعري نفسه في آخر كتبه التي صنفها وخاصة كتاب اللمع، وسيعلن انفصاله كذلك عن ذلك التوجه الحنبلي المفرط في التشبيه والموغل في رفض النظر، وذلك في رسالته المتعلقة باستحسان الخوض في علم الكلام… المسؤولين عن البحث العقدي في هذا المركز يريدون إعادة المغاربة إلى فكر كتاب الإبانة المفرط في التطرّف، والموغل في الانغلاق، الذي لا يصلح للمجتمع المغربي ولا لغيره من المجتمعات الإسلامية؛ لما يحمله من تجسيم وتكفير ودعوة إلى سفك الدماء”([20]).
فأكبر أسبابه في قوله بأنَّ الأشعري قد رجع عن كتاب الإبانة هو أنَّ فيه انتسابًا إلى الحنابلة، وفيه غلوًّا وتطرفًا حسب رأيه، كما أنَّ فيه عقائد مخالفة للأشعرية المعاصرة كما في الكلام عن العلو والاستواء والوجه واليدين وغير ذلك ممَّا قاله في ورقته هذه.
بدايةً؛ هذا التوجه وأمثاله يؤكد ما قلته سابقًا من أنَّ الفرق واضحٌ بين الإبانة والعقيدة التي استقر عليها الأشاعرة المعاصرون، وإن كان هناك من نفى أن يكون هناك فرق وأوَّلوا الإبانةَ بما يوافق المذهب الأشعري المعاصر كما أوَّلوا نصوص الوحي قبل ذلك.
ثمَّ إنَّ الأدلة التي استند إليها الباحثُ في قوله بتراجع أبي الحسن عن الإبانة أدلة لا تدلُّ على المراد، فبغضِّ النظر عن آخر ما ألفه هل هو الإبانة أو اللمع، فإنَّ كل واحد منهما تناول موضوعات مختلفة غالبًا، وفي اللمع ما ليس في الإبانة، ولا يمكن القول عن مؤلف بأنه تراجع عن الكتاب الأول برمَّته إلا إذا صرَّح بذلك، أو كان الآخر مؤلفًا في نفس قضايا الكتاب الأول مع مخالفته الصريحة له، وليس في اللمع ما يدلُّ على ذلك.
أمَّا غلوّه وتطرُّفه فقد سبق نقاشه، وأنَّ هذا الغلو الذي يتصوره في التشديد على أهل البدع موجود مثله في كتاب المقالات ورسالته إلى أهل الثغر، فلا مانع من وجوده في الإبانة، وخلوُّه في كتاب لا يعني أنه لا ينتهجه في كتاب آخر.
وأمَّا وجود عقائد تخالف عقائد الأشاعرة المعاصرين فقد قلت: إنَّ هذا يدعو إلى التفكر في سبب هذا الاختلاف، وفي كيفيَّة وصول الأشاعرة إلى عقيدةٍ تخالفُ ما كان عليه أبو الحسن، ولا يصح ادِّعاء أنَّه تراجع عن كتابه لمجرَّد أنَّ الأشاعرة اليوم لم يأخذوا بكل أقواله، كما أنَّ اللمع لا يمكن القول بأنَّه به نقض عقائدَه السابقة، فإنه في الإبانة لم يتعرض للكسب وغيره من المسائل، وفي اللمع لم يتعرض للاستواء والعرش وغير ذلك، فالأصل هو الجمع بينهما لا ادعاء تناقضهما.
وتبين من خلال هذا أن الأدلة التي أوردها لا تدلُّ على أن أبا الحسن قد تراجع عن الإبانة.
الموقف الثالث: أنَّه ألَّفه من أجل الحنابلة؛ إمَّا تقية أو تدرّجًا بهم إلى الأشعريَّة الخالصة:
ذهبَ بعضُ الأشاعرة وغيرهم إلى أنَّ أبا الحسن الأشعري لم يعتقد تمامًا صحة ما قاله في الإبانة؛ إمَّا لأنه ألَّفه اتقاء للحنابلة، أو لأنَّه ألَّفه ليتدرج بهم نحو الأشعرية الخالصة لأنَّهم لن يقبلوا منه مباشرة! وممَّن ادعى أنه كتبه ليجعله وقاية من الحنابلة: أبو علي الأهوازي، وهو أحد المشنِّعين على أبي الحسن الأشعري، وألف فيه رسالة صغيرة بعنوان: “مثالب ابن أبي بشر الأشعري”([21]).
وهذه الرسالة الصغيرة أحد الأدلة على أنَّ الكتاب ثابتٌ عن أبي الحسن؛ إذ إنَّه لو لم يكن ثابتًا لنفاه هذا الذي شنع على أبي الحسن، لكنَّه لم يستطع أن ينفيه عنه، فادَّعى أنَّه إنما كتبه وقاية، يقول في رسالته: “وللأشعري([22]) كتابٌ في السنَّة قد جعلوه أصحابه وقايةً لهم من أهل السنة، يلقون به العوام من أصحابنا، سمَّاه: كتاب الإبانة، صنعه ببغداد لما دخلها، فلم يقبل ذلك منه الحنابلة وهجروه”([23]). ثم أورد قصة عن الحمراني قال: “لما دخل الأشعري إلى بغداد جاء إلى البربهاري فجعل يقول: رددتُ على الجبائي وعلى أبي هاشم، ونقضتُ عليهم وعلى اليهود والنصارى وعلى المجوس، وقلت وقالوا. وأكثر الكلام في ذلك، فلما سكت قال البربهاري: ما أدري ممَّا قلت قليلًا ولا كثيرًا، ما نعرف غير ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل، قال: فخرج من عنده وصنَّف كتاب الإبانة فلم يقبلوه”([24]). ثم نقل عن الباقلاني أنَّه قال: “هو صنَّفها يتَّقي بها الحنابلة ببغداد”([25]). والشاهد أنَّ الإبانة ثابتٌ للأشعري لكنّه ألفه ليتَّقي به الحنابلة! وإنَّما نقلتُ قول من ليس بأشعريّ لأنَّ هناك من الأشاعرة من يرى بالفعل أنَّه ألَّفه دون أن يعتقدَ صحتَه كاملًا على وضعه، وذلك حتى يتدرَّج بالحنابلة، يقول الكوثري: “وتأليف الإبانة كان في أوائل رجوعه عن الاعتزال لتدريج البربهاري إلى معتقد أهل السنَّة”([26])، ويقول أيضًا: “وهي على الطريقة المفوّضة في الإمساك عن تعيين المراد وهو مذهب السلف، وأراد بها انتشال المتورّطين في أوحال التشبيه من الرواة، والتدرج بهم إلى مستوى الاعتقاد الصحيح”([27]).
ويقول سعيد فودة: “وبعد الدِّراسة لهذه المرحلة دراسةً مدقَّقة توصلتُ إلى أنه عندما تراجع عن فكر الاعتزال التقى بالحنابلة الذين كانوا قد غالوا حتى وصلوا إلى أطراف التَّجسيم، بل كثير منهم كان قد غاص فيه، والتقى بأحد مشايخهم وهو الحافظ زكريا السجزي المتوفى سنة 307هـ، ومنه عرف الأشعري مقالة الحنابلة وعقائدهم، وعلى إثر هذا ألَّف كتابه الإبانة عن أصول الديانة، هذا الكتاب الذي قال فيه الإمام الكوثري: إنَّ الإمام الأشعري حاول بهذا الكتاب أن يتدرج بالمجسِّمة من أحضان التَّجسيم ليرفعهم إلى أعتاب التَّنزيه، ولا شكَّ أنَّ هذا الكتاب كان بعد أن رأى الأشعري مدى اختلاط الحنابلة بعقائد المجسمة، فأراد أن يرفعهم عن هذه الدَّرجة، فألَّف كتاب الإبانة، وألف بعده كثيرًا من الكتب نحو اللمع ورسالة إلى أهل الثغر وغيرها”([28]). فالكتاب إذن إمَّا ألفه وقاية من الحنابلة أو تدرّجًا بهم، وفي الحالتين يلزم منه أنَّه لا يعتقد به تمام الاعتقاد، وإنما يعتقد غيره.
وهذا القول فيه إساءةٌ إلى أبي الحسن الأشعريّ، فإنَّ الإنسان في الأصل لا يؤلّف ما يضادّ عقيدته؛ إذ إنَّ فيه شبهةَ نفاق، ومثل هذا يُنزَّه عنه أبو الحسن الأشعري، وقد بيَّن ابن تيمية رحمه الله بُعد هذا القول -أي: أن يكون الأشعري يقول في الظاهر ما يخالفه باطنًا- فيقول: “والأشعري ابتُلي بطائفتين: طائفة تبغضُه وطائفة تحبّه، كلّ منهما يكذب عليه ويقول: إنَّما صنّف هذه الكتب تقيَّة وإظهارًا لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم. وهذا كذبٌ على الرجل؛ فإنَّه لم يوجد له قولٌ باطنٌ يخالف الأقوال التي أظهَرَها، ولا نقل أحدٌ من خواصّ أصحابه ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته. فدعوى المدَّعي أنَّه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلًا”([29]).
وأبو الحسن الأشعري ظلَّ في الاعتزال إلى قرابة الأربعين من عمره، وفي ذلك الوقت كان الفكر الاعتزاليّ ليس له قوّة ظهور، بل كان الظهور لأهل السنة عليهم، ومع هذا لم نجِد أنه ألَّف شيئًا ضدَّ المعتزلة خوفًا أو تقيَّة؛ مما ينفي أن يكون قد كتَب الإبانةَ تقية في آخر عُمره.
الموقف الرابع: كتاب الإبانة ثابتٌ للأشعري لكن الموجود منه المطبوع محرَّف:
معظم -إن لم يكن جميع- من يقول بهذا القول يستشهدون بقول الكوثري: “وتأليف الإبانة كان في أوائل رجوعه عن الاعتزال لتدريج البربهاري إلى معتقد أهل السنة، ومن ظنَّ أنها آخر مؤلفاته فقد ظنَّ باطلًا، وقد تلاحقت أقلام الحشويَّة بالتصرّف فيها ولا سيما بعد فتن بغداد، فلا تعويل على ما فيها ممَّا يخالف نصوص أئمة المذهب من أصحابه وأصحاب أصحابه”([30]). ويكرِّر نفس الكلام في تعليقه على الإبانة فيقول: “والنُّسخة المطبوعة في الهند من الإبانة نسخة مصحَّفة محرَّفة، تلاعبت بها الأيادي الأثيمة، فتجب إعادة طبعها من أصلٍ وثيق”([31]).
وإلى هذا يذهب وهبي سليمان غاوجي أيضًا -مستندًا إلى الكوثري- في كتابه الذي هو بعنوان: “نظرة علميَّة في نسبة كتاب الإبانة جميعه إلى الإمام الجليل ناصر السنة أبي الحسن الأشعري”، وقد أثبت فيه صحَّة نسبة الكتاب في الأصل إلى أبي الحسن([32])، ثم يذكر تحريف الكتاب الموجود بين أيدينا مستندًا إلى كلام الكوثري، وكل ما يورده الأشعري من عقائد مخالفة للأشاعرة المعاصرين فإن غاوجي يكذّبه لمجرد أنَّها عقيدة مخالفة دون دليلٍ علمي آخر، فالأشعري حين تحدَّث عن العلوّ ورفع اليد للسماء واستواء الله على عرشه قال غاوجي: “أنا أقطع أنَّ هذا الكلام ليس كلام الإمام الأشعري ناصر عقيدة أهل السنة والجماعة وناشرها رحمه الله”([33])، ومثله عند قول الأشعري: “يا ساكن السماء”([34]).
فالقول بالتحريف سببه: وجود عقائد مخالفة لعقيدة الأشاعرة المعاصرين.
ومن أسباب قولهم بالتحريف: أنَّ ابن عساكر نقل في كتابه “تبيين كذب المفتري” فصلين من الإبانة، وبين الموجود في التبيين والموجود في الإبانة اختلافات من أهمها: أن الأشعري أثبت لله عينين في الإبانة بينما عند ابن عساكر ورد إثبات العين مفردة.
وهذا كله دعاوى بلا دليلٍ حقيقيّ صحيح دالٍّ على المراد، ويمكن مناقشته بالآتي:
أولًا: كل النسخ الخطيَّة الموجودة اتَّفقت فيما بينها، وليس بينها خلافات جوهريَّة؛ ممَّا يؤكد أنَّ الكتاب لأبي الحسن كما هو، خاصة وأنَّ النسخة ليست وحيدة، بل تزيد عن الخمس نسخ، فهي متفقة في المجمل، إلا النُّسخة التي اعتمدت عليها فوقيَّة وسيأتي الكلام عنها، فاتفاق النسخ فيما بينها دليلٌ على صحة الكتاب بوضعه الحالي لأبي الحسن، والاختلافات الموجودة ليست جوهرية حتى يقال: إنه دخل التحريف في كل نسخة من نسخ الكتاب، والفروق بين المخطوط وبين ما أورده ابن عساكر ليست جوهرية لدرجة أن نقول: إن تحريفًا قد دخل في الكتاب.
ثانيًا: لم أر من قال بالتَّحريف إلا مستندًا إلى كلام الكوثري، فأين كلام العلماء من قبل الكوثري في بيان تحريف الكتاب؟! ألم يتفطَّن للتحريف إلا الكوثري بعبارته المقتضبة التي قدمها بلا دليل ثم بنى عليها جلُّ الأشاعرة القائلين بالتَّحريف إن لم يكونوا كلهم؟! وليس الأمر يقف عند هذا الحد؛ بل الكوثري نفسه تكلم عن النسخة التي طبعت في الهند، حيث ادعى أنَّها تم التصرف فيها، فكيف إذن الطبعات الأخرى للكتاب وقد اعتمدت تحقيقات أخرى على نسخ أخرى غير التي اعتمدت في طبعة الهند؟! فمن العجيب أن يتمَّ الاعتماد على قول الكوثري وحده المتوفى سنة (1371هـ)! خاصَّة أنَّ كلامه عن طبعة واحدة ثم لم يقدّموا أي دليل صحيحٍ على وقوع هذا التحريف كنصّ إمامٍ جاء بعد الأشعري بسنواتٍ مثلًا أو أي عالم قبل الكوثري المتأخر جدًّا.
وهذا الكلام الذي في الهواء دون أي إثبات يظهر أيضًا من علي جمعة حين سُئل عن أبي الحسن الأشعري فقال: “الإبانة فيها تزوير نشأ على يد طاهر الجزائري من النسخة التي كانت موجودة في الظاهرية، هو زوَّرها ولم تكن فيها العبارات”([35]). يقصد عبارات مخالفة لعقيدة الأشاعرة المعاصرين، فما الدليل على أنَّ الشيخ طاهرًا الجزائري هو من زوَّرها؟! وإذا كان كذلك فما شأن النسخ الأخرى غير هذه؟! ثم يتكلم علي جمعة عن عبارتين فقط، بينما يتحدث غيره عن عبارات أخرى كثيرة، فمن نصدّق؟! وبأيِّ معيار؟!
ثالثًا: النُّسخة التي اعتمدت عليها الدكتورة فوقيَّة فيها زيادات خلت منها النُّسخ الأخرى، وهي زيادات تقرب إلى قول الأشاعرة المعاصرين، وإن كان كثير منهم لم يرضوا حتى عن تلك العبارات لكونها ليست صريحة وإنما مخفِّفة فقط، لكن هناك مشكلة في اعتماد تلك النسخة دون غيرها! فالدكتورة فوقية نفسها تقول في مقدمة تحقيقها: “وقد اعتبرتُها النُّسخة الأم؛ لأنَّها تخلو من التَّقديم والتَّأخير المخلين بالمعنى، وليس بها خروم ذات قيمة، بخلاف النُّسخ الأخرى، ولأنَّ ناسخها كان يضبط الألفاظ إلى حدٍّ كبير، غير أنه يجب أن يلاحظ أنَّ ما بها من زيادات في حاجة إلى المراجعة الدقيقة، لاستبعاد ما علق به من عبارات مدسوسة، فقد ظهر -رغم أنَّ هذه الزيادات تؤكد بصفة عامة اتجاه السلف- تصريح يخالف هذا الاتجاه، مثال ذلك ما ورد في صفحة (81) لتفسير الاستواء من أنَّه بالقهر والقدرة، فهذا تصريحٌ لا بد وأنه بيد أحد قراء المخطوط الميالين إلى الاعتزال والذين هم في نفس الوقت على جهل بحقيقة الأمور، ويؤكد هذا تعليقة بصفحة (٨٢) نصها: (قف على هذا الباب، فإنَّ المؤلف تسامح في إيراده هذه العبارات، فإنها تدل على الجهات صريحًا وعلى الجسمية ضمنًا فتأمله)، يدل الكلام هنا على أن صاحبه يتجه إلى التنزيه المطلق الذى يقول به المعتزلة، والذي ترتب عليه نفي الصفات على نحو ما بينا قبل ذلك، خاصة وأن الالتزام باتجاه السلف في هذه الزيادات واضح لكل فاحص مدقّق. ويلاحظ أنَّنا لم نقع على تاريخ نسخ هذا الأصل بسبب انتهاء الميكروفيلم مباشرة بعد نهاية النَّص“([36]).
هذه الطبعة احتفى بها كثيرٌ من الأشاعرة، ومع ذلك فإنَّ المحققة نفسها تؤكّد أنَّ فيها زيادات هي أقرب إلى الفكر الاعتزالي منها إلى المعتقد الأشعري المعاصر، ومع ذلك يحتفي بها الأشاعرة لأنَّ فيها بعض العبارات القليلة التي قد تكون أقرب إلى الأشاعرة من السلفيَّة، بالرغم من أنَّ المحقِّقة تصرِّح مرة أخرى أيضًا بأنَّها اعتمدت على نسخة لا تعرف ناسخها، وأن ناسخها أقرب إلى الاعتزال وقد تصرَّف في النسخة، ولم تعرف حتى تاريخ النّسخة، ومع ذلك اعتَمَدت تلك النسخة على أنَّها النسخة الأمّ، واحتفى الأشاعرة بها!([37]).
يؤكد هذا المعنى:
رابعًا: مجرّد اختلاف العقائد الموجودة في الإبانة عن عقائد الأشاعرة المعاصرين لا يعني أنَّ النسخة فيها تحريف كما سبق بيانه، وإن ادَّعوا أن هذه النصوص مُدخَلة ومقحمةٌ في الإبانة، فلغيرهم أن يدَّعي أن الزيادات التي وردت في نسخة فوقية مدخلة مقحَمة، وهو ما أكدته المحققة نفسها في مواضع، ودونك مثلًا كلام أبي الحسن -في نسخة فوقية فقط- عن الاستواء الذي قال فيه: “وأنَّه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزَّهًا عن المماسة والاستقرار، والتمكن والتحول والانتقال؛ لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى، فوقية لا تزيده قربًا إلى العرش والسماء، بل هو رفيع الدرجات على العرش كما أنه رفيع الدرجات على الثرى، وهو مع ذلك قريب من كل موجود، وهو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد، وهو على كل شيءٍ شهيد”([38]). وهذا النَّص بعينه وبحروفه موجودٌ في كتاب الأربعين للغزالي([39])، فهل يكون دليلًا على إقحامه في هذه النسخة الحافلة بالزيادات؟! وهذا ما أورده بعض الأشاعرة عند نقاشهم تحريف الإبانة، إذ أورد البعض أنه كما يمكن للأشاعرة أن تدَّعي دسَّ المواضع التي فيها قرب من السلفية إلى الإبانة، فكذلك يمكن للسلفيَّة أن تدّعي دسَّ المواضع التي فيها قرب للأشاعرة أو المعتزلة كما في نسخة فوقية، ولا معيار واضح في التفريق. وهو كما قال، ويبقى أنَّ النسخ الموجودة اليوم اتفقت على هذه العبارات والنُّصوص التي يدَّعون تحريفها، فالأصل أنها ثابتة لأبي الحسن، ولا دليل للقائل بالتحريف.الموقف الخامس: الكتاب صحيح لكن السلفية فهِمَته خطأً:
يذهب بعضُ الأشاعرة إلى أنَّ الكتاب صحيحُ النسبة، ولا شيءَ فيه يخالف عقيدة الأشاعرة، والسلفيَّة التي زعمت أن أبا الحسن خالفه الأشاعرةُ المعاصرون قد أخطؤوا في فهم كلام أبي الحسن، فإنَّه لم يخرج عن تقرير معتقد الأشاعرة، ويتزعَّم هذا الرأي سعيد فودة، ويرى أصحاب هذا الرأي أنَّ ادعاء التحريف ضعف في موقف الأشاعرة؛ لأنَّه لا دليل صريح عليه، ولأن الآمدي وغيره قد نقلوا آراء عن أبي الحسن توافق ما في الإبانة، فالمفترض أن نصحِّح فهم الإبانة لا أن ندَّعي تحريفها، وخلاصة الأمر عندهم في العبارات التي تتعلّق بالصفات الذاتيَّة أنَّ الأشعري كان مفوّضًا فيها، وأن مذهب الأشاعرة يحتمل التفويض والتأويل، ولا ضير في اختيار واحدٍ منهما، ولتدعيم حجّتهم هذه ينقلون بعض النصوص عن أبي الحسن ليست على الاعتقاد المفصّل لدى السلفية، وإنما هي ألفاظٌ عامة.
يقول سعيد فودة: “أمَّا كتاب الإبانة فهو ثابتٌ بأصله للإمام الأشعري رضي الله عنه، ونتوقَّف في التَّسليم بجميع ما فيه لعدم بُعد الدَّسِّ والتلاعب فيه؛ ولكنِّي أقول قولًا إجماليًّا: قد زعم بعض الناس أنَّ ما في الكتاب هو محض التَّجسيم وعين مذهب الكرامية، وهذا غلطٌ منهم، فالإمام الأشعري ينفي أصول هؤلاء في الكتاب، فكيف يقال: إنَّه يقرر عين مذهبهم؟! أمَّا مخالفته للمعتزلة وأجوبته التي ربَّما لا يرضى بها بعضُ الأشاعرة أو أغلبهم لما يرونه من إلزامات قد لا تلزمهم فهذا لا يستلزم أنَّه ليس للأشعري”([40]).
ففودة يرى أنَّه لردّه على التجسيم في كتبه الأخرى فإنَّ نصوصه هنا يجب أن تفهم على نفي الجسمية، مع الأخذ بالاعتبار أنَّ إثبات الصفات الذاتية على ظاهرها في اللغة تجسيمٌ عند الأشاعرة، فيكون المراد أن نعتقدّ أن أبا الحسن قد أثبت الصفات على غير ظاهرها.
ويقول أيضًا: “أمَّا تحريف كلّ كتب الإمام الأشعري فلا نزعم أنَّ هذا هو الحاصل بالفعل، بل يوجد بين أيدينا بعض كتب له ولم نعلم فيها تحريفًا ككتاب اللمع، وعندي رسالة صغيرة للإمام الأشعري ما تزال مخطوطة، وهي رسالة الإيمان في صفحة أو صفحتين، وأنا أجزم أنَّ كتاب المقالات لم يقع التَّحريف في أغلبه، ولكن العلماء قد يستشكلون بعض عبارات للإمام الأشعري في كتاب الإبانة إن قلنا بوقوع تحريف وتلاعب فيه، وكذا يعترضون على عبارات من رسالة إلى أهل الثغر، وهذه العبارات لا تدلُّ دلالة قاطعة على التجسيم كما يظنّ هؤلاء، بل غالبًا ما يفهمونها فهمًا غير صحيح ولا مطابق لما ينبغي أن تفهم عليه… وعلى كلّ حال؛ فإنَّ ما نقل عن الإمام الأشعري في الإبانة لا يقتضي كما قلنا تجسيمًا ولا موافقة لمذهب المخالفين من المعتزلة والمجسمة، ومن فرح به منهم فقد فرح من غير مفرح”([41]).
ويقول حمد السنان وفوزي العنجري: “والذي لا ريبَ فيه أنَّ الإمام قد سلك في هذا الكتاب وفي غيره من الرسائل التي نسبت له أسلوبًا مختلفًا في التَّأليف، فهو في الغالب قد سلك مسلك جمهور السلف في المتشابهات، نعني بذلك أنَّه قد أخذ بطريق التَّفويض، ففهم البعض من ذلك أنَّ الإمام قد رجع عن طريق ابن كلاب الذي كان عليه إلى طريق السلف”([42]).
ففودة وغيره يرون أنَّنا إن أثبتنا الكتاب للأشعري فإنه لا يلزم منه أن نقول بأنه يقول بقول السلفية، وأنَّه يثبت الصفات على ظاهرها، وهذا مخالفٌ لما أثبته الأشعري في عدد من كتبه كانتسابه إلى أهل الحديث في كتابه المقالات بعد حكاية قولهم والتَّفريق بينهم وبين الكلابية، وكذلك مخالفٌ لقوله في الإبانة نفسها: “فإن قال قائل: إذا ذكر الله عز وجل الأيدي وأراد يدين، فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدًا واحدة؟ قيل له: ذكر تعالى أيدي وأراد يدين؛ لأنَّهم أجمعوا على بطلان قول من قال: أيدي كثيرة، وقول من قال: يدًا واحدة، فقلنا: يدان؛ لأنَّ القرآن على ظاهره، إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر. فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71]، وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] على المجاز؟ قيل له: حكمُ كلام الله تعالى أن يكون على ظاهرِه وحقيقته، ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجَّة“([43]). فتمعَّن في هذا الكلام وقس عليه ما يماثله.
أمَّا أنَّ الأشعري قد أثبت هذه الصفات على التَّفويض فيرد عليه النَّص السابق بأنه أراد الحقيقة، وليس المراد من الحقيقة: تحقّقها في الخارج كما يحاول بعض الأشاعرة أن يفسرها، وإنَّما هي الحقيقة المقابلة للمجاز كما في النَّص تمامًا، ثمَّ إنَّه قد صرَّح بأنه على عقيدة الإمام أحمد بن حنبل فقال: “قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل -نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون”([44])، وادعاء التفويض لأحمد وللسلف عمومًا ادعاءٌ كبيرٌ لا يُسلَّم، وليس هذا موضع مناقشته، ولسنا بحاجة إلى هذا التأويل في كلام أبي الحسن الذي هو ظاهر في إثبات الحقيقة.
أمَّا كون أبي الحسن له نصوصٌ قد يُفهم منها أنه ليس على المذهب التفصيلي للسلفية فهذا أمرٌ لا يُنكر، فلم يقل المعتبرون أنَّه قد رجع إلى كل اعتقاد أهل السنة والجماعة، بل يصرحون أنَّه إنما رجع إلى مجمل اعتقادهم وبقيت عنده بقايا، يقول ابن تيمية رحمه الله: “وتأمَّلت ما وجدته في الصفات من المقالات؛ مثل كتاب الملل والنحل للشهرستاني، وكتاب مقالات الإسلاميين للأشعري وهو أجمع كتابٍ رأيته في هذا الفن، وقد ذكر فيه ما ذكر أنَّه مقالة أهل السنة والحديث وأنَّه يختارها، وهي أقرب ما ذكره من المقالات إلى السنَّة والحديث، لكنْ فيه أمور لم يقلها أحدٌ من أهل السنة والحديث، ونفس مقالة أهل السنة والحديث لم يكن يعرفها ولا هو خبيرٌ بها”([45]).
وأخيرًا:
الشَّاهد من الورقة أنَّ الإبانة فيها الكثير مما يخالف معتقد الأشاعرة المعاصرين؛ ممَّا يوجب عليهم دراسة سبب هذا الاختلاف والبون بين العقيدتين، وهم يقرون بهذا الاختلاف بين العقيدتين؛ ولذلك تعدَّدت المواقف من الإبانة محاولةً منهم التوفيق بين ما ورد فيها وبين عقيدة الأشاعرة، إلا أنَّ محاولتهم طمسَ أي خلاف بين المذهب الذي كان عليه أبو الحسن وبين ما عليه الأشاعرة اليوم لا تستقيم لهم؛ لأنَّ مواقفهم غير صحيحةٍ من كتاب الإبانة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) طبقات الشافعيين (ص: 210).
([2]) مجموع الفتاوى (12/ 203).
([3]) وهو بحث منشور في العدد الأول من مجلة الإبانة الصادرة عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب. وقد ناقش الدكتور الحسين بودميع هذا البحث في ورقة بعنوان: “كتاب الإبانة عن أصول الديانة هل يمثل خطرًا على عقيدة المغاربة؟” منشورة في مجلة البيان، العدد: (353).
([8]) مذاهب الإسلاميين (ص: 516).
([10]) الإبانة عن أصول الديانة (ص: 34).
([11]) ينظر: كتاب الإبانة عن أصول الديانة: تحقيق في نسبته إلى أبي الحسن الأشعري، مجلة الإبانة، العدد 1، (ص: 118-123).
([12]) الرسالة مطبوعة أيضًا باسم أبي القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس، وقد بين المحقق حمدي بن عبد المجيد السلفي خطأ هذه النسبة بعد رجوعه إلى عدة نسخ. ينظر: مقدمة رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري وكتابه الإبانة عن أصول الديانة، بتحقيقه.
([13]) رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري وكتابه الإبانة عن أصول الديانة (ص: 6-11). ولم يقتصر المؤلف على بيان من أثبته فقط بل ذكر أين أثبته وكيف، فينظر الكتاب للاستزادة، وينظر أيضا: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 136-138)، كما ذكر صالح العصيمي في تحقيقه للإبانة عددًا ممن أثبت الكتاب، ينظر مقدمة التحقيق له (ص: 29-33).
([15]) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 143-146) باختصار.
([16]) مقالات الإسلاميين (ص: 297).
([17]) مقدمة تحقيق اللمع لأبي الحسن (ص: 7).
([18]) ينظر مثلا: أحمد محيمد في ورقة له بعنوان: “مركز أبي الحسن الأشعري وخطورة تبني فكر كتاب الإبانة”.
([21]) يقول الذهبي رحمه الله: “وقد ألف الأهوازي جزءًا في مثالب ابن أبي بشر، فيه أكاذيب”. سير أعلام النبلاء (15/ 89). وقد نشرها أحد المستشرقين عن أصلٍ خطي في الظاهرية، ونشرتها مجلة الدراسات المشرقية الفرنسية.
([22]) في هذا الموضع في أصل الرسالة لعن ودعاء على أبي الحسن رحمه الله، وهو أمر لا نرتضيه.
([23]) مثالب ابن أبي بشر الأشعري، مجلة الدراسات المشرقية الفرنسية، العدد: 23، (ص: 157).
([24]) المرجع السابق (ص: 158-159).
([25]) المرجع السابق (ص: 159).
([26]) السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل للسبكي، بحاشية الكوثري (ص: 91).
([27]) كتاب الإبانة عن أصول الديانة بتقديم وتعليق الكوثري (ص: 31/ الحاشية 1).
([28]) بحوث في علم الكلام (ص: 53).
([29]) مجموع الفتاوى (12/ 204-205).
([30]) السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل للسبكي، بحاشية الكوثري (ص: 91).
([31]) كتاب الإبانة عن أصول الديانة بتقديم وتعليق الكوثري (ص: 31/ الحاشية 1).
([32]) نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعه إلى الإمام الجليل ناصر السنة أبي الحسن الأشعري (ص: 7-8).
([35]) https://www.youtube.com/watch?v=4sjPgVI0m_M
([36]) مقدمة تحقيق الدكتورة فوقية لكتاب الإبانة (ص: 188).
([37]) ناقش محمد حامد محمد النسخة التي اعتمدت عليها فوقية في مقدمة تحقيقه لكتاب الإبانة (ص: 41-44)، كما ناقشها الدكتور صالح العصيمي في مقدمة تحقيقه للإبانة (ص: 123-133).
([38]) الإبانة، نسخة فوقية (ص: 20 من ترقيم النص المحقق، وص: 211 من ترقيم الكتاب كله).
([39]) ينظر: الأربعين في أصول الدين للغزالي (ص: 5).
([40]) أجوبة الشيخ سعيد على منتدى الرياحين (ص: 49).
([42]) أهل السنة الأشاعرة، شهادة علماء الأمة وأدلتهم (ص: 58-59).
([43]) الإبانة عن أصول الديانة (ص: 138-139).