الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

تحقيق القول في مراتب الاستغاثة ودرجاتها وشبهة تلقي الفقهاء لها بالقبول

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

لا شكَّ أنَّ وجوبَ إفرادِ الله تعالى وحدَه بالدعاء دون غيره من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، فالله عز وجل شرع لعباده دعاءَه وحده لا شريك له، وهو سبحانه يستجيب لهم في كلّ زمان ومكان، على اختلاف حاجاتهم وتنوّع لغاتهم، كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

وقد درج المخالفون قديمًا وحديثًا بإلقاء الشبهات في هذا الأصل العظيم؛ إما من الآثار الضعيفة التي لا تقوم بها حُجّة، أو من كلامٍ مُتشابهٍ لأهل العلم، فبعضُ هذه الشبهات يكون لها أصل صحيح عند أهل العلم، لكن يستدلّ بها المُخالف على غير مطلوبها، وقد يكون هذا العالم الذي يستدلُّ به المخالف قد وقع في بدعة، أو نقل قولًا مستندًا إلى حديث ضعيف أو أثر ظنه صحيحًا، ثم ذهل عن لوازمه ولم يلتزم تلك اللوازم، ثم يأتي بعض المخالفين من المعاصرين ليستدلّوا بكلام هذا العالم المخطئ، ويتأولونه على إباحة الشرك الصريح، مع أن كلام هذا العالم ومقصودَه لا يدلّ على ذلك بالضرورة.

ومن تلك الدعاوى: أنَّ الاستغاثةَ بالرسول متلقاةٌ بالقبول عند الفقهاء قديمًا وحديثًا، ولم ينكرها إلا شيخ الإسلام ابن تيمية، واحتجّوا على ذلك بأمرين:

الأول: ما ذكره الفقهاء من حكاية العتبي في باب المناسك وآداب الزيارة.

الثاني: الإجماع الذي ذكره تقيّ الدين السبكيّ من جواز الاستغاثة بالرسول.

الشبهة الأولى: حكاية العتبي:

من هذه الشبه التي بُنيَت على كلامٍ مجمل لبعض الفقهاء حكاية العتبي المشهورة التي رواها البيهقيّ وغيره، وذكرها الفقهاء والمفسِّرون.

قال البيهقي رحمه الله: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَقِيَّةَ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا شُكْرٌ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيد الرَّقَاشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَوْحِ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ الْهِلَالِيُّ قَالَ: حَجَّ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَعَقْلَهَا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى أَتَى الْقَبْرَ، وَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُكَ مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، مُسْتَشْفِعًا بِكَ عَلَى رَبِّكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، وَقَدْ جِئْتُكَ -بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي- مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّكَ أَنْ يَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَأَنْ تَشْفَعَ فِيَّ”([1]).

والشبهة الواقعة في هذا الحديث لا تنجلي بتضعيف الحديث فقط كما يفعل بعض الباحثين المعاصرين مُكتفين بذلك في إبطاله، فهذا وإن كان وجهًا قويًّا من وجوه الردّ، إلا أنه لا يكفي؛ وذلك لأن جماعة كبيرة من فقهاء الأمة العدول -كابن قدامة وغيره- تتابعوا على ذكر هذه القصة في كتاب المناسك من كتب الفقه، فالمخالف يتمسَّك بإمرار معناه عند الفقهاء، ولو أنه يتضمّن معنى شركيًّا ما مرَّروه وقبلوه.

وحاصل الجواب عن ذلك من وجهين:

الوجه الأول: هذه الحكاية -على ضعف إسنادها- لا تتضمن شركًا ولا طلبًا للشفاعة، وإنما تضمَّنت توسّلًا وتشفّعًا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله، وإن كانت بصيغة المخطابة والإخبار له، لذلك قال ابن عبد الهادي عن تلك القصة: “ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض”([2]).

وهذا صريح في أن الحافظ ابن عبد الهادي لا يراها تدلّ على مطلوب من استدلَّ بها حتى مع بطلانها عنده، وذلك لأنها قد تخرج مخرج التوسل والتشفع، وهي من مسائل الخلاف الفقهي، وخطاب الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرج الاستحضار في القلب، أو أن الأعرابي أخطأ لكونه ليس من أهل العلم، فأراد أن يحظى بشرف من شملته الآية كالصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، كمن يأتي باكيًا إلى قبر أبيه قائلًا: (أرجوك أن تسامحني يا أبتِ). فهذه وأمثالها لا يُمكن أن تخرج مخرج الشرك، فهي تخرج منه مخرج المرة ونحوها، التي لا يُقاسُ عليها.

الوجه الثاني: أن الفقهاء في آداب الزيارة لم ينقلوا الحديث، بل تصرَّفوا في ألفاظه بما يُناسب المقام، واستلّوا منه معنى التوسل دون الاستغاثة، وجعلوا الطلب موجهًا لله عز وجل دون غيره.

ويظهر هذا جليًّا في تصرُّف ابن قدامة حيث قال: “وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه وعباده، أشهد ألا إله إلا الله… -إلى أن قال:- اللهم إنك قلت وقولك الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين وأنجح السائلين…”([3]).

فقول ابن قدامة: (فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة…) فيه الطلب من الله تعالى، لا من النبي صلى الله عليه وسلم.

أما مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “وقد أتيتك مستغفرًا مستشفعًا بك إلى ربي” فهي من باب الإخبار، من جنس مخاطبة أبي بكر وعمر -سواءً بسواء- حال السلام عليهما، دون الطلب منهما، ومن جنس خطابه في التشهد (السلام عليك أيها النبي)، ومعلوم أن (أيها) من أدوات النداء كما هو معروف عند أهل اللغة، وليست هذه من الاستغاثة الشركية بحال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “قوله: (يا محمد يا نبي الله) هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب، كما يقول المصلي: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) والإنسان يفعل مثل هذا كثيرًا، يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب”([4]).

ويتجلى هذا أيضًا عند النووي حيث يقول: “ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له…”([5]).

فقول النووي: (ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه) يدل على مطلوب التوسل لا الاستغاثة.

ومما سبق يتبيَّن جليًّا أن الفقهاء -رحمهم الله- لم يمرروا معنى شركيًّا كما يزعم غلاة الصوفية؛ وذلك لأنهم قد جعلوا الطلب والسؤال من الله وحده، وإن مرروا معنى التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم المتنازع فيه عند المتأخرين، وهو من مسائل الفقه التي قد تخفى أدلتها، ولا يُبدَّع المخالف فيها.

والقصد أن كلام فقهاء المتأخرين يقع في باب الخطأ الذي يُستدرك عليهم، والبحث إنما يكون في مدى صواب الفقهاء أو خطئهم في الاعتماد على أثرٍ ضعيف أو إمرار معناه في التوسل، وليس البحث من باب وقوعهم في الشرك من عدمه، وهذا الاستدراك الشرعي هو دور المحققين من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم وابن عبد الهادي ونحوهم، وهو أمر لا يوجب الشذوذ عن مجموع الأمة كما يدَّعي الخصوم؛ لأن هذا أمر وارد في سائر مسائل العلم، فما زال العلماء قديمًا وحديثًا يستدرك بعضهم على بعضٍ في الحواشي والشروحات دون نكير، وقد خالف العز بن عبد السلام فقهاء زمانه في إباحتهم التوسل بالصالحين، وقصر جوازه على أن يكون بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وعلّق ذلك على صحة الحديث فقال: “لا يجوز أن يتوسّل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إن صحَّ حديث الأعمى”([6]). ولم يتّهم أحد العز بن عبد السلام بالشذوذ، فما دام الفقيه لم يخرج عن سنن العلم وأصوله، فالاستدراك أمر متعيِّن لا غضاضة فيه.

يقول الحافظ ابن عبد الهادي: “وحكاية الأعرابي المشهورة التي ذكرها المصنفون في مناسكهم وفي بعض طرقها أنَّ الأعرابي ركب راحلته وانصرف، وذلك يدل أنه كان مسافرًا، والحكاية المذكورة ذكرها جماعة من الأئمة عن العتبي، واسمه محمد بن عبد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب، كان من أفصح الناس، صاحب أخبار ورواية للأدب، وحدَّث عن أبيه وسفيان بن عيينة، توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين، يكنى أبا عبد الرحمن. وذكرها ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في (مثير العزم الساكن) وغيرهما بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فزرته فجلست حذاءه، فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرسل، إن الله أنزل عليك كتابًا صادقًا قال فيه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء: 64]، وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي، ثم بكى وأنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه … فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم استغفر وانصرف، فرقدت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: الْحَقْ الرجلَ فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي، فاستيقظتُ فخرجت أطلبه فلم لأجده… -إلى أن قال:- هذا آخر ما أو رده المعترض في الباب الثالث، وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي، وقد ذكرها البيهقي في كتاب (شعب الإيمان) بإسناد مُظلِم عن محمد بن روح بن يزيد بن البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حجّ أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ثم ذكر نحو ما تقدَّم، وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره.

وفي الجملة: ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلق ولفظها مختلق أيضًا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم، وبالله التوفيق”([7]).

واعتراض علماء كابن تيمية وموافقة جماعة من الفقهاء له في زمنه كشمس الدين ابن عبد الهادي وغيره ينقض دعوى تلقّي العلماء لمعناها بالقبول، لا سيما أن موافقة ابن عبد الهادي لابن تيمية لم تكن تقليدًا له، بل من باب الاتفاق عن علمٍ، يكفي أن الذهبي يقول عن ابن عبد الهادي: «والله، ما اجتمعتُ به إلا واستفدت منه»([8])، وهذه الكلمة ممن هو في فحولة الذهبي -المعروف عنه عدم المجاملة- تُنبئ بقدر ابن عبد الهادي وإمامته.

الشبهة الثانية: دعوى الإجماع:

تتمثَّل هذه الشبهة في الإجماع الذي ذكره تقي الدين السبكي من جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول رحمه الله: “اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى, وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين. ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية، فتكلم في ذلك بكلام يلبِّس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يُسبق إليه في سائر الأعصار”([9]).

والجواب عنها من وجهين:

الوجه الأول: مما يبطل دعوى السبكي الإجماع وتلقي الفقهاء للاستغاثة بالقبول وأنه لا خصوصية لابن تيمية في إنكارها أنه قد سئل القاضي الفقيه أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي (ت ٤٥٨هـ) عن مسائل وردت عليه من مكة وكان منها: ما تقول في قول الإنسان إذا عثر: (محمد أو عليّ)؟ فأجاب: إن قصد الاستعانة فهو مخطئ؛ لأن الغوث من الله تعالى فقال: وهما ميتان فلا يصح الغوث منهما، ولأنه يجب تقديم الله على غيره”([10]).

وكذلك تلميذه الأصوليّ ابن عقيل، يقول فيما أنكره من استغاثة العوام وأنها من موجبات الكفر: “وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها: يا مولاي، افعل لي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركًا وإفاضة الطّيب على القبور وشدّ الرحال إليها”([11]).

ومن النقلين السابقين عن أئمة الحنابلة المتقدّمين يتبيَّن بطلان دعوى أن الاستغاثة متلقاة بالقبول عند الفقهاء، وبطلان دعوى السبكي أن الأمة أجمعت على الاستغاثة بالرسول حيًّا وميتًا، فهذا القاضي أبو يعلى -وهو يسبق ابن تيمية بقرون- يقول في النقل السابق: “وهما ميتان فلا يصح الغوث منهما”، فجعل الموت سببًا في بطلان الاستغاثة بهما.

الوجه الثاني: أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد نقل إجماعًا مقابلًا، وقد تلقاه جميع الحنابلة المتأخرون بالقبول في كتب الفقه، واعتمدوه، ووافقهم عليه بعض الشافعية كابن حجر الهيتمي في (الإعلام)، ومحمد سليمان الكردي الشافعي في (فتاواه)، والباعلوي الشافعي في (بغية المسترشدين)، ومن ذلك قوله: “فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين”([12]).

مراتب الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم:

بعد بيان بطلان دعوى أن العلماء تلقَّوا الاستغاثة بالقبول في كتب الفقه يجدر بيان مرتبة ما وقعوا فيه من غلط ودرجته، فمعلوم أن جماعة كبيرة من العلماء المتأخرين قالوا بجواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم واستحبابها، بل ووقع منهم -غفر الله لهم- استغاثات به في قصائدهم، وهم كثرة لا يقتصر الأمر على تقي الدين السبكي ولا ابن حجر الهيتمي.

وليس الغرض في هذا المقام بيان غلطهم في ذلك، فهو ظاهر، وإنما الغرض تحرير مقاصدهم ومراتب ما وقعوا فيه، وكذا تحقيق القول في مراتب الاستغاثة وبيان ما هو شركٌ جلي لا خفاء فيه، وما هو فيه شبهة شرك.

وقد قسَّمها شيخ الإسلام إلى ثلاث مراتب:

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “من يأتي إلى القبر أو إلى رجل صالح ويستنجده فهذا على ثلاث درجات:

إحداها: أن يسأل حاجته، مثل أن يقول: اغفر لي ونحوه، فهذا شرك كما تقدم.

الثانية: أن يطلب منه أن يدعو له لأنه أقرب إلى الإجابة، فهذا مشروع في الحي، وأما الميت فلم يشرع لنا أن نقول له: ادع لنا، ولا: اسأل لنا ربك، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد في حديث؛ بل في الصحيح أن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس، ولم يأت قبر النبي صلى الله عليه وسلم…

وأما القسم الثالث: وهو أن يقول: اللهم بجاه فلان عندك، أو ببركة فلان، أو بحرمة فلان عندك، افعل لي كذا وكذا. فهذا يفعله كثير من الناس، لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء”([13]).

فالدرجة الأولى: أن يسأله ما لا يقدر عليه كالمغفرة والرزق ونحو ذلك، وهذا شركٌ أكبر لا يختلف عليه أحد، وسيأتي بيان أن جمهور من يُعتد بقوله من المتأخرين يقول بشركيتها.

والدرجة الثانية: أن يطلب الدعاء من صاحب القبر أو يطلب منه الشفاعة إلى الله، وكثير من المتأخرين يجوز ذلك الصنيع مع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره لما له من خصوصية الشفاعة، والحياة في قبره، ورده السلام ونحو ذلك، وورود آثار مثل العتبي ومالك الدار احتجوا بها في هذا المعنى -وإن كانت ضعيفة كما أسلفنا-.

وهذه الدرجة ليست شركًا صريًحا عند ابن تيمية،؛ لأن السائل لم يسأل الميت ما هو من خصائص الألوهية، بل سأله أن يسأل الله، ففيه اعتراف ضمني بعجز الميت، وتتأكد الشبهة في النبي صلى الله عليه وسلم لما أوردوه من أدلة خاصة بالرسول دون غيره، وإن كانت مقيسة عنده على ما يصنعه المشركون من طلب الشفاعة من الملائكة، وكما يفعله النصارى من طلب الشفاعة من المسيح والعذراء وغيرهما.

قال شيخ الإسلام: “الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ: ادْعُ اللَّهَ لِي، أَوْ: ادْعُ لَنَا رَبَّك، أَوْ: اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ”([14]).

ففرقٌ بين سؤال الميت أن يسأل الله قضاء الحاجة، وبين سؤال الميت قضاء الحاجة، فالأول بدعة وضلالة، والثاني شرك أكبر.

الدرجة الثالثة: وهي التوسل بذوات الأنبياء والصالحين وجاههم إلى الله، وجمهور المتأخرين على جوازها، وهي من مسائل الفقه كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويدور حكمها بين الخطأ والصواب والسنة والبدعة، والقول الصحيح فيها: أنها بدعة على المختار من كلام أهل العلم.

تحقيق مذهب المتأخرين ممن قالوا بجواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم:

إذا عرفنا مراتب الاستغاثة كما قسَّمها شيخ الإسلام ابن تيمية، فليُعلم أن كلام فقهاء المتأخرين ممن أجازوا الاستغاثة بالرسول -في أكثره ومعظمه- يشمل المرتبة الثانية والثالثة فقط (أي: طلب الدعاء، والتوسل)، وقد يسمون ذلك استغاثة اصطلاحًا، أي: الاستغاثة بالله متوسلًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، كأن تقول (دعوتُ بالرسول)، أي: دعوت الله بالرسول، فكذلك (استغثتُ بالرسول) أي: استغثتُ الله متوسلًا بالرسول صلى الله عليه وسلم.

والمراد مما سبق أن قول المتأخرين ممن غلطوا في مسألة الاستغاثة بالرسول ليس هو قول القبورية الصرفة، وتلك مغالطة شهيرة يقع فيها المخالفون، وهي اعتبار السبكي وابن دقيق العيد وابن حجر العسقلاني والهيتمي والسفاريني والسيوطي وكثير من المتأخرين ممن أجازوا الاستغاثة أو ورد لهم استغاثات في قصائدهم من جُملة القبورية، وهذا أمر ليس بصحيح.

والشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه لم يقل بذلك أبدًا، بل رسائله مليئة بعبارات من جنس (وهذا الشرك لا يقوله أحد من علماء المسلمين)، (ولا نكفر إلا بما أجمع عليه علماء الإسلام)، ونحو ذلك من العبارات.

بل كان الشيخ رحمه الله يُحاجج خصومه بكلام المتأخرين، فقال رحمه الله: “قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية والمالكي والشافعي والحنبلي كل أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب، وذكرت ما قالوا بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها فصرفوا ذلك وتحققوه ولم يزدهم إلا نفورا”([15]).

ويُفهم من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتترس بمتأخري علماء المذاهب، وهذا فيه فائدتان:

1- أن الشيخ رحمه الله يعتبر أقوال المتأخرين، فلا يُهدرهم فضلًا عن أن يُكفِّرهم.

2- أنه لا يعتبر التوحيد مذهب ابن تيمية وحده، بل يعتبره مذهب جميع العلماء وحقيقة الإسلام.

وهنا ينبغي التنبيه على مغالطة سائرة يقع فيها المخالفون والموافقون أيضًا، وهي اعتبار علماء المتأخرين ممن قالوا بجواز الاستغاثة بالرسول أو ورد لهم استغاثات في قصائدهم من جُملة القبورية الذين قصدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وهذا أمر لا نُسلِّم به، بل إن البوصيري لم يكفره الشيخ محمد بن عبد الوهاب باستغاثاته في البُردة، فكيف بعلماء المتأخرين؟!([16]).

والأدلة على أن قول المتأخرين يُفارق قول القبورية نوجزها فيما يلي:

الدليل الأول: نقل شيخ الإسلام أن البكري من الغلاة الذين لم يوافقه أحد في علماء زمانه، بل ذكر أنه طاف بجوابه على أهل العلم طالبًا منهم أن يوافقوه على الاستغاثة بالأولياء فلم يوافقوه، يقول شيخ الإسلام: “وقد طاف بجوابه على علماء مصر ليوافقه واحد منهم فما وافقوه، وطلب منهم أن يخالفوا الجواب الذي كتبته فما خالفوه، وقد كان بعض الناس يوافقه على جواز التوسل بالنبي الميت؛ لكنهم لم يوافقوه على تسميته استغاثة، ولا على كفر من أنكر الاستغاثة به، ولا جعلوا هذا السبب، بل عامتهم وافقوا على منع الاستغاثة به بمعنى أن يطلب منه ما لا يقدر عليه”([17]).

وهذا الذي نقله ابن تيمية عن علماء مصر الأشاعرة -وفيهم من يخالف ابن تيمية في التوسل والاستغاثة بالرسول- فيه دليل أن قولهم يخالف قول البكري ويخالف قول القبورية، لا كما يظن كثير من المخالفين والموافقين([18]).

الدليل الثاني: معلوم أن الإمام الطوفي هو من القائلين بالاستغاثة بالرسول، وقد أسهب فيها ورد على المعارضين في كتابه (الإشارات الإلهية)، لكنه قد شرح معناها، ونفى أن يكون معناها طلب ما لا يقدر عليه مما اختصت به القدرة الإلهية، وذكر أن هذا شرك بإجماع المسلمين.

تأمل قول الطوفي في حكاية قول المعترض: “الثاني: أن استغاثة صاحب موسى به كان في أمر يمكن موسى فعله، وهو إعانته على خصمه، وهو أمر معتاد، ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بالمخلوق فيما يختص فعله بالله عز وجل؛ كالرحمة والمغفرة والرزق والحياة ونحو ذلك، فلا يقال: يا محمد اغفر لي، أو ارحمني، أو ارزقني، أو أحيني، أو أعطني مالًا وولدًا؛ لأن ذلك شرك بإجماع”([19]).

وجاء تعقيب الطوفي: “وعن الثاني: أن ما ذكرتموه أمرٌ مجمع عليه، معلوم عند صغير المسلمين -فضلًا عن كبيرهم- أن المخلوق على الإطلاق لا يُطلَب منه، ولا ينسب إليه فعل ما اختصت القدرة الإلهية به، وقد رأينا أغمار الناس وعامتهم وأبعدهم عن العلم والمعرفة يلوذون بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزيدون على أن يسألوا الشفاعة والوسيلة: يا رسول الله اشفع لنا، يا الله ببركة نبيك اغفر لنا، فصار الكلام في المسألة المفروضة فضلًا لا حاجة بأحد من المسلمين إليه..

وإذا لم يكن بدٌّ من التعريف بهذا الحُكْم خشية أن يقع فيه أحد، فليكن بعبارة لا توهم نقصًا في النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غضًّا من منصبه، مثل أن يقال: ما استأثر الله عز وجل بالقدرة عليه فلا يطلب من مخلوق”([20]).

وهذا كلام الطوفي السابق: فيه موافقة المعترض في الاعتراض الثاني وهو (شركية دعاء الميت)، وقد نقل الطوفي الإجماع على حرمته، وهو محور الخلاف المُعاصر، فتأمل.

وأما حكايته عن أن صغير المسلمين قبل كبيرهم لا يطلبون من الرسول ما يختص به الله، فلعله يحكي عن زمنه هو -وقت عدم انتشار هذا الأمر- أو أنه يعتبر من يفعل ذلك من الغلاة، فلم يعتبرهم من المسلمين. ولكن فيما بعد انتشر هذا المذهب الغالي في بلاد المسلمين فيما بعد القرن التاسع والعاشر الهجري. وتصدَّى له المجدِّدون المؤتَمنون على الشريعة.

الدليل الثالث: أن أبا زرعة العراقي -تلميذ السبكي- ورد في فتاواه تحريم الطلب من الأولياء وسماه مُنكرًا، فقال رحمه الله: “سُئلتُ عمن يزور الصالحين من الموتى فيقول عند قبر الواحد منهم: يا سيدي فلان أنا أستجير بك أو متوسل بك أن يحصل لي كذا وكذا”، فأجاب بعد أن بيَّن أن زيارة القبور مندوبة: “ولا امتناع في التوسل بالصالحين، فإنه ورد التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصلحاء أمته وأما قوله: (أنا أطلب منك أن يحصل لي كذا وكذا) فمُنكر، فالطلب إنما هو من الله تعالى، والتوسل إليه بالأعمال الصالحة أو بأصحابها أحياءً وأمواتا”([21]).

حتى إن المُحقق للكتاب ظن أن العراقي ممن يحرمون الاستغاثة، وجعله ممن يخالف جمهور الشافعية، وظنّ هذا الظن أيضا بعض الباحثين السلفيين ممن كتبوا في عقيدة الشافعية في القبور، وجعل قول العراقي قسيمًا لقول السبكي، وهذا غلط من قائله، بل الذي يظهر أن العراقي مذهبه كمذهب غيره من أهل زمنه، والذي ينكر الاستغاثة بالرسول كان يُسجن في هذه الأزمنة كما حدث مع ابن أبي العز الحنفي وغيره.

ودليل ذلك أن العراقي أثنى على كتاب السبكي (شفاء السقام) فقال: “وما أبشع مسألتي ابن تيمية في الطلاق والزيارة، وقد رد عليه فيهما معًا الشيخ تقي الدين السبكي، وأفرد ذلك بالتصنيف فأجاد وأحسن”([22]).

وقال أيضًا: “وللشيخ تقي الدين ابن تيمية كلام بشع يتضمن منع شد الرحل للزيارة، وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في (شفاء السقام)، فشفى صدور قوم مؤمنين”([23]).

ففي النقلين السابقين يثني العراقي على كتاب السُّبكي، ولم يُشر إلى مخالفته بشأن الاستغاثة التي أطال السبكي النفس فيها وأخذت منه معظم الكتاب، ومع هذا -وفي الوقت نفسه- تجد العراقي في فتاواه يُنكر على المستغيث بالأولياء عند القبور، وهذه قرينة تدل على أن كلا القولين مُتباينان عند العراقي. والله أعلم.

الدليل الرابع: أن صنع الله الحلبي الحنفي فرَّق بين المقالتين أيضًا، ومعلوم أن صنع الله الحنفي من المحاربين لمظاهر الشرك ودعاء الأولياء والاستغاثة بهم، بل ويرى كفر هذه المظاهر، وكتابه (سيف الله على من كذب على أولياء الله) من أوله إلى آخره هجومٌ على القبورية، فمما قاله مثلًا: “وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدَّعون أنّ للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهِممهم تنكشف المُهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات. وقرّرهم على ذلك من ادعى العلم بمسائل، وأمدهم بفتاوى ورسائل”([24]).

والقصد: أنه لا يُزايد أحد على استقامة العلامة صنع الله الحلبي، ووضوح موقفه من مظاهر شرك الأضرحة.

ومع ما سبق يقول في نفس الكتاب: “وما قيل -يعني من العلماء- من أنه يجوز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين، فإنما المراد به التبرك بذكرهم، والتوسل بهم، بلا إمداد منهم، فإياك ثم إياك في شأنك أن تُغالط إخوانك، اللهم طهرنا من معرة ذلك، وأعذنا من إيهام ما فيه المهالك”([25]).

فجعل قول العلماء الذين جوَّزوا الاستغاثة قولًا مباينًا لقول القبورية، فتأمل.

الدليل الخامس: أن العلامة السفاريني وافق ابن تيمية في المنع من الاستغاثة بالمقبورين، فقال: “أما من كان قصده بالزيارة أن يطلب حوائجه من الميت فهذا لا يشك عاقل في قبحه وتحريمه؛ إذ الحوائج منوطة لخالقها، فليس إلا الله يقضي حاجة، ومن شك في هذا طغى وتمرد”([26]).

ثم نقل عن ابن تيمية وابن القيم ما يُفيد شركية هذه الممارسات مُحتجًّا بهما، مما يدل على أنه يوافقهما على ذلك.

ثم إن السفاريني في نفس الكتاب ذكر قصيدته التي يستغيث فيها بالرسول صلى الله عليه وسلم، والتي جاء فيها:

يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي * إني أتيت بلا علمٍ ولا عملِ([27])

ولا يصح أن يُقال: إن السفاريني تراجع عن قوله؛ وذلك لأن كلا القولين في نفس الكتاب، وهو قائلٌ بهما معًا، مما يدل على أن الاستغاثة بالرسول في قصيدته أمرٌ مباين ليست من قبيل قول القبورية، بل مُخرَّجة تخريجًا آخر عنده.

والواجب هنا الجمع بين كلامه، ولا شك أن كلامه الأول من المُحكم الذي فصَّل فيه الحكم الشرعي، وقوله الثاني من المُجمل أو من الخاصّ.

ومن طرق الجمع أن يُقال: إن السفاريني يُصور استغاثته بالرسول يوم القيامة بصورةٍ شعرية وبأسلوبٍ بياني، يوم يهرع إليه الناس ليشفع لهم عند رب العباد، ومعلوم أن الخيال الشعري يُترخَّص فيه، فقد يُنادي الشاعر غير المشهود كنداء الشاهد ويحاوره، كنوع من الجمال الأدبي، وهي أساليب معروفة عند أهل البيان، ومما يُقوي هذا الوجه أن السفاريني ذكر هذه القصيدة تحت باب أهوال يوم المحشر.

وأيًّا ما كان وجه تخريج القصيدة، فالمقصود تباين كلا القولين عند السفاريني.

الدليل السادس: أن الحافظ ابن حجر سُئل عن السيدة نفيسة وعن المكان الذي قُبرت فيه، فأجاب: “وأما كونها قُبِرَت إلى آخره فهو المشهورُ، لكن ذكَرَ بعضُ أهلِ المعرفة أن خُصوصَ هذا القبر الذي يُزارُ ليس هو قبرها، لكنها دُفِنَتْ في تلك البقعة بالاتفاق، وما زال قبرُها مقصودًا بالزيارة والتبرك به، حتى اشتهر عَنْ نقل بعض العلماء أن المصريين كانوا يُسَمونَ الدعاء عندها: الترياقَ المجرَّبَ! وقد غلا في ذلك بعضُ العوامِّ، بل كلهم، حتى إن بعضهم يقع في الكفر وهو لا يشعُرُ، واللَّه المستعان”([28]).

وفيه أن هؤلاء العوام يقعون في الكفر دون أن يشعروا، فلم يقل ابن حجر مثلًا: يجب استصحاب أصل الإسلام، ولا قال: مهما فعلوا فلا يمكن أن يقعوا في الكفر؛ لأنهم يشهدون الشهادتين. ومع ذلك: فالحافظ له استغاثات بالرسول في ديوانه، مما يدل أن كلا القولين متباينان عند ابن حجر.

الدليل السابع: أن ابن حجر الهيتمي الذي صنف (الجوهر المنظم) ووافق السبكي في كتابه (شفاء السقام) هو نفسه من وافق المرداوي نقلًا عن ابن تيمية في الإجماع الذي نقله: “من جعل بينه وبين الله وسائط”، قال الهيتمي: “وحاصل عبارة الفروع أن مما يكون كفرًا جحد صفة له تعالى اتفق على إثباتها… ومن ذلك أن يجعل بينه وبين الله تعالى وسائط يتوكّل عليهم ويدعوهم ويسألهم. قالوا: إجماعا”([29]).

كما نقل الهيتمي عن الأذرعي الشافعي: “وأما النذر للمشاهد الذي بُنيت على قبر ولي أو نحوه، فإن قصد به الإيقاد على القبر ولو مع قصد التنوير فلا، وإن قصد به -وهو الغالب من العامة- تعظيم البقعة أو القبر أو التقرب إلى من دُفن فيها أو نُسبت إليه، فهذا نذر باطل غير منعقد؛ فإنهم يعتقدون أن لهذه الأماكن خصوصيات لا تُفهم! ويرون أنّ النذر لها مما يدفع البلاء. قال: وحكم الوقف كالنذر فيما ذكرناه”. ووافقه ابن حجر الهيتمي، وقال: “لأن القُرَب إنما هي لله تعالى”([30]).

فتأمل موافقة الهيتمي لما قاله الأذرعي، وتفسيره لما يفعله العامة بأنه من القُرب التي هي لله تعالى؛ أي: من العبادات. وهو ما يُبطل قول القبورية أن التحريم فقهي لا عقائدي.

الدليل الثامن: من المعلوم أن السيوطي له استغاثات بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يرى السيوطي أن “الدعاء عند القبر ذريعة للشرك، ومحادّة لله ورسوله، ومخالَفة للشرع وابتداع، فكيف بدعاء صاحب القبر من دون الله؟!”([31]).

وقال أيضا: “وهذه العلة أي: التي من أجلها نهى الشارع التي أوقعت الناس في الشرك الأكبر؛ ولهذا تجد أقواما كثيرة من الضالين يتضرّعون عند قبور الصالحين”([32]).

الدليل التاسع: صنف العلامة الآلوسي (جلاء العينين) وناقش هذه المسألة موردًا كلام المانعين والموجوزين، وكذلك العلامة السويدي في (العقد الثمين) أورد أدلة المانعين والمجوزين، وترحم على الطرفين، ويكأنها من سائر مسائل العلم التي يورد فيها أقوال الفقهاء من الطرفين، وإن رجح الآلوسي أدلة المنع. والسويدي لم يُرجح، وإن كان حاله معروفًا من الإنكار على القبورية. فلو كان قول المجوزين عندهما هو نفسه قول القبورية لما أوردا كلام الطرفين في نظامٍ واحد.

والقصد من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إنما قصد تكفير المعتقدين في الأولياء العاكفين على قبورهم، الداعين لهم في البر والبحر، فهذا الصنف هو من قصده الشيخ، لا من أخطأ عَرَضًا في الاستغاثة بالرسول من المتأخرين.

الدليل العاشر: معلوم أن مذهب أكثر النجدية -إن لم يكن هو مذهب الشيخ أيضًا- هو التوقف في حال الجاهل المُشرك، ومع ذلك حكموا بإسلام علماء المتأخرين.

يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحَّت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمّة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتآليف فيها، وإن كان مخطئًا في هذه المسألة -أي: الاستغاثة بالرسول- أو غيرها؛ كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في (الدرّ المنظم)، ولا ننكر سعة علمه؛ ولهذا نعتني بكتبه، كـ(شرح الأربعين) و(الزواجر) وغيرها، ونعتمد على نقله إذا نقل؛ لأنه من جملة علماء المسلمين”([33]).

فتأمل قوله: “لأنه من جملة علماء المسلمين”، فبطل بذلك احتمالية التوقف في حاله، بل حكم الشيخ له بالإسلام، بل وأطراه مدحًا، ومعلوم أن رسالة أهل مكة للشيخ عبد الله إنما كتبها ليُبيِّن مذهب أبيه وما عليه مجموعهم، وقد وقع الإجماع عليها من أقرانه وأرسلوها إلى أهل مكة.

ولو كان ما قرره الهيتمي وغيره من الشرك الواضح البيِّن الذي لا تأويل فيه لكفَّره الشيخ عبد الله، أو لجعله من أهل الفترة -وفقًا لمذهبهم في العذر بالجهل-، وأما الاحتجاج بكون الهيتمي من العلماء فليس هذا عذرًا يمنعه من الكفر عندهم، وإلا كان الشيخ عبد الله متناقضًا، وهذا الاحتمال نستبعده.

ويستفاد مما سبق ثلاثة أمور رئيسة وهي:

  • بطلان ظنِّ القبورية أن بعض المتأخرين يوافقون قولهم، وخطأ كثير من السلفيّين أيضًا في ظنِّهم ذلك.
  • قول بعض المتأخرين بجواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وتخصيصه بذلك -على المعنى الذي شرحوه- ليس شركًا محضًا، وإن كان قولهم فيه شبهة شرك.
  • أن مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب يوافق مذهب ابن تيمية في عدم تكفير العلماء المتأخرين ممن أخطؤوا في الاستغاثة بالرسول، وإنما قصد تكفير المعتقدين في الأولياء العاكفين على قبورهم، الداعين لهم في البر والبحر، فهذا الصنف هو من قصده الشيخ رحمه الله بالتكفير بعد إقامة الحجة، وإن لم يُكفّر جهالهم أو توقّف في حالهم -على قولين له-.
  • عدم تحرير كثير من البحوث المعاصرة حول القبور والاستغاثة؛ لأنها تسوِّي بين قول المتأخرين وبين القبورية الصِّرفة. ولا شك أن هذه البحوث العلمية وقعت في خلل منهجي؛ لأن بعضهم يُناقش المسألة وكأنها مسألة علمية عويصة صعبة الفهم ولهذا قال بها الفحول -في ظنهم-. وفي الجانب الآخر يقع بعض الغلاة في تكفير هؤلاء المتأخرين، أو القول بأنهم وقعوا في الشرك الأكبر الواضح، فيدخلون في مزالق وصراعات فيما يخصّ العذر بالجهل.

هذا وصلِّ اللهمّ على نبينا محمّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) شعب الإيمان (3/ 495).

([2]) الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص: 253).

([3]) المغني (3/ 278).

([4]) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 319).

([5]) المجموع (8/ 217).

([6]) ينظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 310).

([7]) الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص: 252-253).

([8]) انظر: ذيل التذكرة (ص: 49)، وذيل العبر (ص: 132).

([9]) شفاء السقام (ص: 315).

([10]) نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد (٤/ ٤٠).

([11]) ينظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص: 345)، إغاثة اللهفان (1/ 195) لابن القيم.

([12]) مجموع الفتاوى (1/ 127).

([13]) المستدرك على مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 18).

([14]) مجموع الفتاوى (1/ 352).

([15]) الرسائل الشخصية (ص: 38).

([16]) قال في رسالته إلى أهل القصيم: “بلغني أنَّ رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبِلها وصدَّقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلمُ أنَّ الرجل افترى عليَّ أمورًا لم أقلْها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها: (قوله أني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق). جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! وقبله من بهت محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسبُّ عيسى ابن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور”. الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/ 12).

([17]) الاستغاثة والرد على البكري (ص: 284).

([18]) وقد سبق أن كتبت ورقة في تحقيق مذهب السبكي والهيتمي في الاستغاثة وبيان مفارقته لمذهب القبورية. منشورة على موقع مركز سلف.

([19]) الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية (ص: 480).

([20]) الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية (ص: 481).

([21]) فتاوى الفقيه ولي الدين أبي زرعة العراقي (ص: ١٦٦-١٦٨).

([22]) الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية (ص: ٩٦-٩٨).

([23]) طرح التثريب (٦/ ٤٣).

([24]) سيف الله على من كذب على أولياء الله (ص: 20).

([25]) سيف الله على من كذب على أولياء الله (ص: 49-50).

([26]) البحور الزاخرة في علوم الآخرة (ص:340). ولا يضر قوله بقبح الاستغاثة وتحريمها وعدم تصريحه بشركيتها؛ لأنه نقل ما يفيد شركيتها عن ابن تيمية مُقرًّا له، ومعلوم أن الشركيات من المحرمّات أيضًا.

([27]) المرجع السابق (ص: 662).

([28]) ينظر: الجواهر والدُرر للسخاوي (ص: ٩٤٤).

([29]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: ٢١٣).

([30]) الفتاوى الفقهية (٤/ ٢٨٠).

([31]) الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 118).

([32]) الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 124).

([33]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 222).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017