الخميس - 06 جمادى الآخر 1447 هـ - 27 نوفمبر 2025 م

وقفة تاريخية حول استدلال الأشاعرة بصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهما

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

يتكرر في الخطاب العقدي المعاصر استدعاء الأعلام التاريخيين والحركات الجهادية لتثبيت الانتماءات المذهبية، فيُستدلّ بانتماء بعض القادة والعلماء إلى الأشعرية أو التصوف لإثبات صحة هذه الاتجاهات العقدية، أو لترسيخ التصور القائل بأن غالب أهل العلم والجهاد عبر التاريخ كانوا على هذا المذهب أو ذاك.

غير أن هذا النمط من الاستدلال يُعدّ مشكلًا من جهة المنهج؛ إذ يخلط بين التوصيف التاريخي المحض والتقويم العقدي القائم على الدليل، كما أنه يُغفل السياقات الزمنية والاجتماعية التي أثّرت في تشكّل الانتماءات العقدية عبر العصور، ويقع في كثير من الأحيان في مغالطة الاحتكام إلى النتائج دون النظر في المقدمات. ولو كان هذا الاستدلال صحيحًا لكان دليلًا على صحة مذهب أهل الحديث؛ فإن الجهاد منذ عهد الصحابة حتى القرن الخامس كان سلفيًّا خالصًا، مثل جهاد السلطان محمود بن سبكتكين حيث فتح الهند وضواحيها، وجهاد الدولة العامرية في الأندلس في عهد الحاجب المنصور، ودولة المرابطين في عهد ابن تاشفين الذين أحرقوا كتب المتكلمين، وكل هؤلاء كانوا أسبق تاريخًا من صلاح الدين الأيوبي أو محمد الفاتح أو غيرهما.

لذا فإن العبرة في العقائد ليست بالأسماء ولا بالأحداث، بل بما ثبت من النصوص الشرعية، وبما عليه السلف من الاعتقاد، وهذا هو الميزان الذي يضبط النظر، ويفصل بين التقدير التاريخي، والتقييم الشرعي؛ ذلك أن الانتماء العقدي في التاريخ كثيرًا ما كان نسبيًّا أو عرفيًّا، وقد يحكمه السياق السياسي أو البيئي، أو مجرد الاصطلاح السائد في ذلك العصر، بل ربما انتسب بعضهم إلى مذهب معين من جهة التعليم أو المنشأ، لا من جهة الاعتقاد المحرَّر الذي يُحاكم عليه.

كما أن كثيرًا من العلماء والأمراء والمجاهدين وقع عندهم قدر من التأثر بالبيئة العقدية أو السياسية التي نشؤوا فيها، مع احتفاظهم بميلهم إلى أهل السنة وأصولهم، أو دعوتهم للإصلاح ضمن الواقع الذي عاشوه.

وهذا ما سيدور الحديث عنه في هذه الورقة العلمية.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

 

المطلب الأول: الاستدلال بصلاح الدين الأيوبي:

يستدل بعض المنتسبين إلى الأشعرية في زماننا بأن صلاح الدين الأيوبي كان أشعريًّا، ويعتبرون ذلك دليلًا على صحة اعتقاد الأشعري، وأن الأشاعرة هم أصحاب الجهاد عبر التاريخ؛ بناءً على مكانة صلاح الدين التاريخيىة وكونه محرر بيت المقدس.

ويستدلون على ذلك بما ذكره المقريزي في أسباب انتشار العقيدة الأشعرية في القرون المتأخرة قائلا: “فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعريّ في العراق من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة، وانتقل منه إلى الشام، فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس المارانيّ على هذا المذهب، قد نشآ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وصار يحفظها صغار أولاده، فلذلك عقدوا الخناصر وشدّوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام مواليهم كافة الناس على التزامه، فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك”([1]).

والجواب على ذلك من وجوه:

الوجه الأول:

المقريزي رحمه الله إنما تكلم عن مراحل انتشار مذهب الأشعري وأهم المحطات التي مر بها، وذلك من حيث الإجمال، لا من حيث التفصيل، ولا شك أن صلاح الدين كان سببًا في تمرير مذهب الأشعري في الجملة، لكون مذهب الأشعري ينتسب إليه جماعة العلماء المخالفين لمذهب الفاطميين العبيديين في مصر. فكلام المقريزي صحيح من هذا الوجه.

أما من حيث تفصيل الأمور، وميل صلاح الدين لمعتقد أهل الحديث، فهذه التفاصيل الدقيقة ذُكرت في كتب التواريخ التي سبقت المقريزي، وبيان ذلك فيما يلي:

أولًا: يعترف الشيخ محمد زاهد الكوثري أن صلاح الدين كان يوالي الحنابلة على حساب المتكلمين، يقول الشيخ الكوثري: “وكان جماعةٌ من المقادسة الحنابلة ممن وَرثوا بعض آراء ابن كرَّام الذي كان عشَّشَ بالقدس وباض، وترك أصحابًا له متقشفين يتوارثُها منهم مَنْ بعدهم، هاجروا منها لما احتلّها النصارى وحَمَلوا بِدَع التشبيه إلى الشام، وكان بها شيءٌ من تلك البدع من عهد عبد الواحد الشيرازي صاحب أبي يعلى. وكان السلطان صلاح الدين الأيوبي يَرعَى خاطرهم لكونهم مهاجرين زهادًا، وَيتَغاضى عن معتقدهم، ولم يكن يحمل الناس على المذهب الأشعري كما ظُنّ، بل كان الواعظ ابن نجية الحنبلي المشهور مقربًا عنده، ومجافاته القاسية مع الإمام الشهاب الطوسي القَائم بنصرة الأشعري بمصر تجري على مَنظَرٍ منه ومَسْمَع ويسكت عن ذلك، بل كاد آلهُ أن ينحازوا إليهم في المعتقد لولا وَقَفة الإمام عز الدين بن عبد السلام في هذه المسألة وَقفَةَ عالم يقوم بواجبه، فتضاءلت أصواتهم وانجَمَعوا في دورهم، واقتصروا على الروايات”([2]).

ومما يؤكّد كلام الكوثري ما نقله الحافظ الذهبي في ترجمة ابن نجيَّة: “قال أبو شامة: كان كبير القدر، معظّمًا عند صلاح الدين… وكان له جاه عظيم، وحرمة زائدة، وكان يجري بينه وبين الشهاب الطوسي العجائب لأنه كان حنبليًّا، وكان الشهاب أشعريًّا واعظًا. جلس ابن نجية يوما في جامع القرافة، فوقع عليه وعلى جماعة سقف، فعمل الطوسي فصلا ذكر فيه: فخرّ عليهم السقف من فوقهم. جاء يوما كلب يشقّ الصفوف في مجلس ابن نجية، فقال: هذا من هناك، وأشار إلى جهة الطوسي”([3]).

فوجود هذا الفقيه الحنبلي -المُنكر على الأشاعرة- من فقهاء البلاط عند صلاح الدين مع دراية صلاح الدين بالخلاف بينه وبين الأشاعرة؛ فيه دلالة أن صلاح الدين لم يكن أشعريًّا صرفًا، أو على الأقل: لم يكن يحمل الناس على عقيدة بعينها.

ولعل السبب في تغاضيه عن عقائد الحنابلة أن هناك علاقة قديمة بين أسرة صلاح الدين والحنابلة تعود إلى زمن المجاهد نور الدين محمود زنكي الذي توطّدت علاقته بالشيخ أحمد ابن قدامة وأسرته، وكان يقول: “هذا الشيخ أحمد رجل صالح، وأنا أزوره لأنتفع به”([4]).

ويقول الحافظ ابن كثير في ترجمة أبي عمر المقدسي:”وكان هو وأخوه وابن خالهم الحافظ عبد الغني وأخوه الشيخ العماد لا ينقطعون عن غَزاة يخرج فيها الملك صلاح الدين إلى بلاد الفرنج، وقد حضروا معه فتح القدس الشريف وغيرها”([5]).

الوجه الثاني:

أن ابن درباس الماراني -وهو قاضي القضاة الذي ولاه صلاح الدين الأيوبي القضاء كما ذكر البدر العيني([6]) وغيره- له رسالة بعنوان: (رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري)، صحح فيها نسبة كتاب (الإبانة) إلى أبي الحسن، وهاجم فيها متكلمي الأشعرية، وكان غرضه الرد على طائفتين: غلاة الحنابلة ممن يبدّعون الأشعري، ومتكلّمي الأشعرية ممن نفوا هذا الكتاب، وهو يسمّيهم بالجهمية.

فكان مما قاله ابن درباس ذامًّا متأخري الأشعرية: “ولقد عرضها بعض أصحابنا -يعني: الإبانة- على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس، فأنكرها وجحدها، وقال: ما سمعنا بها قط، ولا هي من تصنيفه، واجتهد آخِرًا في إعمال روايته ليزيل الشبهة بفطنته، فقال بعد تحريك لحيته: لعله ألّفها لما كان حشويًّا، فما دريت من أيّ أمريه أعجب: أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في التصانيف مع العلماء، أو من جهله بحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته بالاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها؟! وشبَّهتُ أمره في ذلك بحكاية أنبأناها الإمام أبو طاهر أحمد بن محمد السِّلفي الحافظ رحمه الله قال: فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة يكونون بحال السلف الماضي وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين، وهم لا يلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم، وهم والله بذلك أجهل وأجهل، كيف لا وقد قنع أحدهم بكتاب ألّفه الجهمية بعض من ينتمي إلى أبي الحسن بمجرد دعواه، وهو في الحقيقة مخالفة لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تديّنه عليها، قد ذهب صاحب ذلك التأليف إلى المقالة الأولى وكان خلال ذلك أحرى به وأولى، لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة”([7]).

فتأمّل ذمَّ ابن درباس لمتأخري الأشعرية ووصفه لهم بالجهمية مرارًا -مع كونه أشعريًّا مثلهم من حيث الانتساب المجمل- ولكنه معتدِل ويُرجّح مذهب أهل الحديث.

الوجه الثالث:

كان متقدمو الأيوبيين على اعتقاد (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري، ويميلون إلى أهل الحديث، وقد حدثت فتنة بين الحنابلة والأشاعرة في زمن الملك الأشرف في مسألة الحرف والصوت في زمن العز بن عبد السلام، فلما سمع من الطرفين وجد أن حجة الحنابلة أقوى، ووقف بجانبهم.

ويعترف السبكي بذلك قائلًا: “وقال -أي: العز بن عبدالسلام-: الذي نعتقد في السلطان أنه إذا ظهر له الحقُّ يرجِع إليه، وأنه يُعاقِب من موَّهَ الباطلَ عليه، وهو أَولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل -تغمَّده الله برحمته ورضوانه-“([8]).

وقد رد عليه السلطان الأشرف بجوابٍ شديد اللهجة، فقال: “ونحن فنتبع ما عليه الخلفاء الراشدون الذين قال في حقهم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، وعقائد الأئمة الأربعة فيها كفاية لكل مسلم يغلب هواه ويتبع الحق ويتخلص من البدع، اللهم إلا إن كنت تدّعي الاجتهاد فعليك أن تثبت ليكون الجواب على قدر الدعوى لتكون صاحب مذهب خامس، وأما ما ذكرته عن الذي جرى في أيام والدي -تغمده الله برحمته- فذلك الحال أنا أعلم به منك…”.

ثم نقل السبكي أمر السلطان بالإمساك عن الخوض في هذه المسائل، ثم قال: “ولم يزل الأمر مستمرًّا على ذلك إلى أن اتَّفق وصول السلطان الملك الكامل رحمه الله إلى دمشق من الديار المصرية، وكان اعتقاده صحيحًا، وهو من المتعصبين لأهل الحق، قائل بقول الأشعري رحمه الله في الاعتقاد… فعند ذلك ذلَّتْ رِقابُ المبتدعة، وانقلبوا خائبين، وعادوا خاسئين، ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: 25]، وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل رحمه الله”([9]).

ومن المفارقات أن الملك الكامل -الذي يمدحه السبكي لأنه فرض الأشعرية قسرًا- هو نفسه الذي قام بتسليم بيت المقدس إلى الصليبيين وفق معاهدة مخزية تُسمّى (معاهدة يافا) التي عُقدت ما بين الملك الكامل والإمبراطور الألماني فريدريك الثاني([10]).

ومن جميع الدلائل السابقة يمكن استخلاص أن أمر العقيدة الأشعرية لم يكن راسخًا عند صلاح الدين الأيوبي ومن جاء بعده من الأمراء، بل كانوا أشاعرة على مذهب أبي الحسن الأشعري نفسه، أو متعاطفين مع الحنابلة -بشهادة علماء الأشاعرة أنفسهم-، بل وبعض الأيوبيين اعتنق مذهب الحنابلة فعلًا مثل الملك الأشرف، حتى جاء الملك الكامل وتعصَّب للأشعرية بشكلٍ صريح، وهذا بصريح كلام السبكي ومنطوقه.

ثناء ابن تيمية وابن القيم على صلاح الدين ومجمل اعتقاده:

من أبرز ما يدلّ على صحة مُجمل اعتقاد صلاح الدين وولاة الأيوبيين الأوائل ثناء شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، لا سيما في سياق ذكرهم لجهود الإصلاح العقدي، ومقاومة الفرق الضالة ورفع راية الإسلام والسُنة، ويكتسب هذا الثناء أهمية خاصة لأن هذين الإمامين عاشا في عصرٍ قديم لا تحكمه العواطف، ولم يكن فتح بيت المقدس يُطرح في تلك الأزمنة كدعاية مذهبية كما هو في زماننا الآن.

وقد دلّت نصوص متعدّدة لابن تيمية وابن القيم على ثنائهما الواضح على صلاح الدين الأيوبي من جهة الدين والمعتقد، لا لمجرد بلائه في الجهاد.

يقول ابن تيمية: “فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة… وجرت فصول كثيرة إلى أن أخذت مصر من بني عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن شادي، وخطب بها لبني العباس، فمن حينئذ ظهر الإسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن دين الإسلام مائة سنة”([11]).

ويعقد ابن تيمية مقارنة بين ولاة بني أيوب وبين من والى النصارى، ويُرجع سبب تمكين الله لهم إلى قيامهم بأمر الدين قائلًا: “وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين وصلاح الدين ثم العادل كيف مكنهم الله وأيدهم، وفتح لهم البلاد، وأذل لهم الأعداء؛ لما قاموا من ذلكم بما قاموا به”([12]).

وهذا لا يُفهم إلا من جهة سلامة مجمل اعتقادهم، وميلهم إلى السنة، ومجافاتهم للبدع الصريحة.

كما يحكي ابن تيمية قتل السهروردي -وهو من غلاة الصوفية- في زمن صلاح الدين، ويجعل هذا من حسناته:”فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح الدين”([13]).

وهو دليل على موافقته لنهج الدولة في حماية العقيدة من الفلسفة الباطنية، وتطبيق أحكام الزندقة في حق من يستحقها.

أما ابن القيم فيقول في معرض كلامه عن القرامطة: “ولم يزل أمرهم ظاهرًا إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم”([14]).

ويقول أيضًا: “وكم ماتت بهم سنة وقامت بهم بدعة وضلالة، حتى استنقذ الله الأمة والملة من أيديهم في أيام نور الدين وابن أخيه صلاح الدين؛ فأبرأ الإسلام من علته بعدما وطن المسلمون أنفسهم على العراء، وانتعش بعد طول الخمول حتى استبشر أهل الأرض والسماء”([15]).

ومجموع هذا يثبت أن ابن تيمية وابن القيم اعتبرا صلاح الدين ومن معه من ولاة بني أيوب على الجادة -في الجملة- من جهة العقيدة، ولم يذكرا عنهم ما يُخالف السنة صراحة.

وقد بيّن ابن تيمية أن من قال بمضمون (الإبانة) ولم يُظهر ما يناقضه فهو من أهل السنة، فقال: “وأما من قال منهم بكتاب (الإبانة) ولم يظهر مقالةً تناقض ذلك، فهذا يُعد من أهل السنة”([16]).

وهو ما يُرجّح أن انتساب صلاح الدين إلى الأشعرية لم يكن مبنيًّا على تبني تأويلاتهم الكلامية المتأخّرة، بل على انتساب إجماليّ لما ظنّه مذهب أهل السنة، كما هو حال كثير من علماء ذلك العصر.

وبهذا القول الوسط ينحلّ الإشكال -إن شاء الله-، ونجمع بين ثناء ابن تيمية على عقيدة صلاح الدين وبين ما ذكره المؤرخون من اعتماده مذهبَ الأشاعرة، فلا تعارض في ذلك.

المطلب الثاني: الاستدلال بفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح:

يستدلّ بعض المعاصرين على صحة مذاهب المتكلمين -مثل الأشعرية والماتريدية- بفتح السلطان محمد الفاتح لمدينة القسطنطينية، مستندين إلى أن الدولة العثمانية التي فتحتها كانت تتبنى المذهب الماتريدي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشّر بفتح القسطنطينية، وقد تحقق هذا الفتح على يد محمد الفاتح. ولأجل ذلك يزعم هؤلاء أن مذاهب المتكلمين -خاصة الأشعرية والماتريدية- هي المذهب الحق.

غير أن هذا الاستدلال يتضمن عدة مغالطات علمية وتاريخية وعقدية، يمكن بيانها فيما يلي:

الوجه الأول: الفرق بين فتح القسطنطينية التاريخي وفتح آخر الزمان في النصوص النبوية:

الأحاديث الصحيحة التي تحدثت عن فتح القسطنطينية لا تشير إلى الفتح التاريخي الذي قام به السلطان محمد الفاتح، بل تشير إلى فتح يقع في آخر الزمان، وهو فتح له علامات وصفات خاصة تختلف جوهريًّا عن الفتح التاريخي، ويمكن تفصيل ذلك في النقاط التالية وذلك من خلال الأحاديث الصحيحة:

1- أن الفتح سيكون بغير قتال، بل بالتكبير والتهليل، ففي صحيح مسلم: «فإذا جاؤوها نزولوا، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم»([17])، بينما فتح محمد الفاتح كان عبر قتال عنيف واستخدام المدافع، وهذا تعارض واضح مع وصف الفتح النبوي.

2- أن خروج الدجال هو علامة بعد فتح القسطنطينية، فقد جاء في نفس الحديث: «فبينما يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون»([18])، وهذا لم يحدث حتى الآن رغم مرور أكثر من ستة قرون على الفتح العثماني.

3- أن نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال هو علامة بعد فتح القسطنطينية، جاء في الصحيح: «فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم… فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته»([19]).

4- في الحديث أن الجيش الفاتح سيكون من بني إسحاق: «لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزولوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم»([20]). بينما السلطان محمد الفاتح وجيشه من الترك (العثمانيين)، وآل عثمان وإن كانت اختلطت دماؤهم بالأجناس الأخرى في القرون المتأخرة بسبب الزواج من جواري الروم، إلا أنه لا خلاف في أنهم في بداياتهم -وحتى فتح القسطنطينية- كانوا من التُرك الأصليين، أي: من قبائل المغول. أما بنو إسحاق فقد اختلف أهل العلم في أماكن تواجد ذريته، وتعددت شروح العلماء فيها، فقيل: هم الروم الذين يُسلمون([21])، لأنه قد ثبت أن الروم من العيص بن إسحاق، وذهب بعض العلماء أنهم من العرب، لأن شمال الجزيرة العربية تضم قبائل يرجع نسبها إلى إسحاق، وذهب بعضهم إلى أنهم أكراد العراق، وغير ذلك من الأقوال([22]).

إذن، لا يصح إنزال البشارة النبوية على ما صنعه العثمانيون، وهنا ينبغي تصحيح معلومة غير دقيقة، وهو الظن أن الرسول كان يُبشِّر بأول فتح للقسطنطينية كما بشّر بفتح مصر والعراق وغير ذلك، وهذا غير دقيق، بل سياق حديثه كان عن أحداث آخر الزمان، وكأنه يقول: في آخر الزمان سيحدث كذا وكذا، ومن جملته فتح القسطنطينة. ولا يمنع من ذلك أن يتخلل التاريخ فتحٌ يسبقه.

وعليه فإن فتح القسطنطينية في عهد محمد الفاتح ليس هو الفتح المنشود في الأحاديث، بل هو فتحٌ أهمل ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لسببٍ لا يعلمه إلا الله، وهذا ينفي الاستدلال عليه في إثبات صحة مذهب معين.

أما حديث: «لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش» فهو حديث ضعيف لا يثبت([23]).

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: “فتح القسطنطينية المبشَّر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد، يعلمه الله عز وجل. وهو الفتح الصحيح لها، حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه”([24]).

الوجه الثاني: هل كان السلاطين العثمانيون من العدول؟

سلاطين العثمانيين رغم بعض حسناتهم التاريخية لم يكونوا مثالًا يُحتذى به، فجميع المؤرخين اتفقوا على أنهم أول من ابتدعوا جريمة قتل الأبناء والإخوة حفاظًا على الملك، وكان من قنن هذه الجريمة هو محمد الفاتح، وكتبها في قانون نامة!

وقد حاول بعض الإسلاميين المعاصرين نفي هذه القوانين، ولم يقدموا دلائل على قولهم سوى أنه لا يُعقل أن رجلًا في عدالة محمد الفاتح -الذي بشَّر به النبي في ظنهم- أن يسنّ هذه القوانين أو يقتل أخاه الصغير، ثم زعموا أن نسخة قانون نامة المحفوظة في فيينا قد كتبها الغربيون أعداء الإسلام، غير أن هذا الكلام العاطفي لا ينهض أمام الدلائل التاريخية، ولم يقبله المؤرخون العثمانيون أنفسهم.

فقد بيَّن المؤرخ د. آق كوندوز -رغم توجهه العثماني- وجود ثلاث نسخ محفوظة من القانون، ثم قال مُنتقدًا المنكرين: “ونحن نعتقد أن أساس هذا الرأي هو عدم قدرتهم على إيضاح وتفسير مادة قتل الإخوة تفسيرًا شرعيًّا”([25]).

ثم أورد رأي المؤرخ الكبير عبد القادر أوزجان بقوله: “إن المسألة لا يمكن حلها بإنكار هذه القوانين، والمهم هو القيام بالإيضاح الشرعي لها، وبيان مدى مناسبتها للأحكام الشرعية، وهنا نرى أن متون هذه القوانين لا تخالف الأحكام الشرعية، حسبما ادّعى بعض أعداء العثمانيين، وأيضا لا تخالف كذلك الدساتير العالمية”. ثم بدأ بعرض النسخ الخطية للقانون، والشواهد القديمة من كتب القضاة العثمانيين([26]).

ويقول المؤرخ محمد فريد بك -المعروف بانتمائه العثماني- متحدثًا عن محمد الفاتح: “وبعد أن أمر بنقل جثة والده إلى مدينة بورصة لدفنها بها، أمر بقتل أخ له رضيع اسمه أحمد…”([27]).

ويؤكد الدكتور راغب السرجاني -رغم تعاطفه مع الدولة العثمانية- قتل محمد الفاتح لأخيه الصغير، حيث جاء في موسوعته التي أشرف عليها: “تولى محمد الفاتح وعمره 22 عامًا، وأول ما قام به أن أعاد زوجة أبيه الصربية مارا إلى أبيها، ثم قتل أخاه أحمد الرضيع كما هو العرف السائد منذ زمن السلطان محمد الأول”([28]).

ويقول الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي -وهو معاصر للحقبة العثمانية- والعجيب أنه يجعل هذه الجريمة من فضائلهم، فيقول: «ومن فضائل آل عثمان قتل أولادهم الذكور خوفًا من الفتن وفساد ملكهم، واختلاف الكلمة وشقّ العصا بين المسلمين، وهذا الأمر لم يسبقهم إليه أحدٌ فيما أعلم، وإن كان أمرًا ينفر منه الطبع السليم بحسب الظاهر، لكنه في نفس الأمر خير كبير ونفع كثير»([29]).

الوجه الثالث: الخلاف العقدي بين الماتريدية والأشعرية وحقيقة العلاقة بينهما:

الاستدلال بفتح القسطنطينية على صحة المذهب الأشعري فيه تجاهل لواقع تاريخي وعقدي هام، وهو أن السلطان محمد الفاتح كان من الماتريدية، لا الأشعرية، وأن بين الماتريدية والأشعرية خلافات عقائدية شديدة عبر العصور، تصل في بعض المسائل إلى حدود التكفير المتبادل، ولم يحصل التقارب بينهما إلا في العصور المتأخرة، ولا شك أن السياسة كانت تلعب دورًا في تهدئة الأوضاع.

وقد أشار ابن نُجيم إلى هذا الخلاف، حيث ذكر أن الحنفية (الماتريدية) اختلفوا مع الشافعية (الأشعرية) إلى حد التكفير، وتنازعوا في جواز التزويج من بعضهم بعضًا، فقال: “اختلف فيها هكذا، قيل: يجوز، وقيل: لا يُزوجهم بنتهم، وعُلّل ذلك بتنزيلهم منزلة أهل الكتاب”([30]).

والتقي السبكي -رغم كونه من المتأخرين- قال: “قد علمت أن جماعة من الحنفية في هذا الزمان تكلموا في مسألة (أنا مؤمن إن شاء الله)، وقالوا: إن الشافعية -يعني: الأشعرية- يكفرون بذلك”([31]).

ونقل أبو المعين النسفي أن أكثر معتقدات المعتزلة والنجارية والأشعرية في مسائل خلق القرآن والتكوين صعبة على التوحيد، وهي من قبيل التكفير: “قول أكثر المعتزلة وجميع النجارية والأشعرية: أن التكوين والمكون واحد قول محال… ويكون في القول به إخراج الله تعالى من كونه خالقًا للعالم”([32]).

ورغم محاولة المتأخرين -مثل الإمام السبكي- تخفيف الخلاف، إلا أنه أكد وجود ثلاث عشرة مسألة خلافية بين الأشعرية والماتريدية، منها ست مسائل خلافها حقيقي، وسبع مسائل خلافها لفظي، وهو ما أكده الزبيدي والمقريزي، وخالفه البياضي وأوصلها إلى خمسين مسألة([33]).

وعليه، فإن القول بأن الماتريدية والأشعرية مذهب واحد أو لا فرق بينهما دعوى باطلة، لا تستند إلى الواقع العقدي أو التاريخي.

والمقصود: أن فتح القسطنطينية من السلطان محمد الفاتح لا يعد تحققًا لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم المتعلقة بفتح القسطنطينية في آخر الزمان، ولا دليلًا على صحة المذهب الأشعري أو الماتريدي، خاصة مع وجود اختلافات عقدية بينهما.

والاستدلال بانتصارات سياسية على صحة العقيدة من أساليب الجهل والعجز عن تقديم الدليل العلمي السليم، ويجب أن يقوم الاعتقاد على الأدلة الشرعية الصحيحة والمنهج العلمي السليم، لا على المواقف السياسية أو الانتصارات العسكرية.

المطلب الثالث: استدلالهم بالحركة السنوسية:

إن الحركة السنوسية التي ظهرت في القرن وقاومت الاستعمار الفرنسي والتي طالما تترس بها الخرافيون وافتخروا بها لم تكن على طريقة هؤلاء من الغلو والبدع، بل هي محسوبة من جملة الحركات الإصلاحية، حتى وإن انتسبت إلى التصوف إجمالًا متأثرة بواقع زمانها، فقد تأثر السنوسي بشيخه أحمد بن إدريس الفاسي وهو من المتصوفة المجددين دعا إلى تنقية التصوف من الشركيات والعودة إلى الكتاب والسنة -كما سيأتي-، وقد كانت السنوسية في ذلك مقتفيةً أثر دولة المرابطين الذين كانوا ينتسبون إلى أهل الأثر، ويُجانبون المتكلمين، مع انتسابهم للتصوف المعتدل.

يقول عباس محمود العقاد: “ولا تبيح السنوسية الغلو في تقديس المشايخ الأحياء أو الأموات، ولا تأذن لأتباعها أن يذكروا ميتًا عند قبره بغير الدعاء له، والترحم عليه، لكنها لا تمنع من اللياذ بالمقامات للعظة والتبرك، وشرعتها في ذلك أنها نشأت حيث كانت مقامات المرابطين من عهد الأندلس، فأرادت أن تجددها، ولا تُشعر أهل الصحراء بالتقحم عليها”([34]).

ويؤكّد المؤرخ المصري الكبير د. حسن إبراهيم حسن (1892-1968م) أن الحركة السنوسية “يُعلِّمون الناس أوامر القرآن والسنة الشريفة وأصول التوحيد، ويُحرمون التضرع للأولياء، ويُربون الناس على أن يكون التعبد لله وحده”([35]).

وذكر بعض المؤرخين اعتمادهم على عقيدة ابن أبي زيد القيرواني في الدرس العقدي([36]).

وتؤكد “الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب” أن السنوسية “حركة صوفية معتدلة تأثرت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وخلا تصوفها من الشركيات والخرافات”([37]).

والجدير بالذكر أن الشيخ السنوسي تعرض لهجوم الشيخ عليش المالكي، بسبب دعوته لفتح باب الاجتهاد، حيث خرج السنوسي عن المذهب المالكي في مسائل رآها توافق الكتاب والسنة، وقد ذكر الشيخ محمد عبده في كتابه “الإسلام والنصرانية” أن السنوسي تعرض للقتل بسبب دعوته تلك، وخرج من القاهرة متخفيًا بسبب ذلك([38]).

وزيادة على ذلك يذكر المؤرخون أن علماء مكة -التي كانت تحت السلطنة العثمانية- ضيقوا على شيخه أحمد بن إدريس لما رأوا منه ما لا يتفق على ما اعتادوا عليه، حتى عدوه مبتدعًا! فاضطر إلى السفر هو وتلميذه السنوسي إلى منطقة (صبيا العسير) التي كانت تحت سلطان ابن سعود آنذاك([39]).

وتأثرُ السنوسي وشيخه بالوهابية ليس أمرًا غريبًا، فقد ذكر مؤرخ الصوفية السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف أن صوفية في هذه المناطق آنذاك قد تأثروا بالدعوة الوهابية مع بقائهم على التصوف.

يقول المؤرخ السقاف: “ومن هذا أنه قد أخذ الجماعة كلهم -يعني الصوفية- عن السيد أبي بكر بن هندوان وهو وهابيٌّ قحّ، وتبيّنتُ أن عند مولانا شيخ الوادي الحسن بن صالح مِسحة من تلك الآراء بغاية الاعتدال؛ لموافقتها لِما هو فيه استغراقٌ في تجريد التوحيد وعدم التفاته إلى غير العزيز الحميد. ولا يُشكل ما في (بغية المسترشدين) عن فتاوى سيدي الحبيب علوي السقاف الجفري من جواز التوسل؛ لأنه إنما يُبيح منه ما لا يوهم القدح في التوحيد”([40]).

وليس المقصود هنا الاستقصاء التاريخي لبيان منهج السنوسي، فمن يُريد الاستزادة فعليه بمراجعة تاريخ الحركة من مظانها، ولكن المقصود إثبات أن الحركة السنوسية كانت حركة إصلاحية، برغم تأثرها بالتصوف الذي كان سِمةً عامة لأهل تلك الفترة.

بل حتى بعض السلفيين آنذاك تأثروا بالبيئة المحطية، فولي الله الدهلوي وآل الآلوسي قد انتسبوا إلى التصوف مع ما عُرف عنهم من نضال إصلاحي وإنكار شرك القبور، بل وترجيح مذهب ابن تيمية في القضايا الكلية، وكذلك العلامة الجمال القاسمي مع كونه من أهم رموز الحركة الإصلاحية آنذاك، فضلًا عن أكثر أهل القرون السابقة لهم ممن عرفوا بسلامة العقيدة كابن المبرد الحنبلي والسفاريني وغيرهما.

فينبغي التنبه لهذه النكتة، وهو أن التصوف كان طبيعة أهل تلك العصور المتأخرة، لكن التصوف درجات -كما لا يخفى-، فقد يقتصر المرء على الزهد في أمور الدنيا ويسمي ذلك تصوفًا، وقد يكتفي بالانتساب إلى طريقة تشرفًا بها وفق العوائد والتقاليد المتبعة آنذاك، ثم هو يتحرى العمل بالكتاب والسنة. وقد يقع في شيءٍ -قليل أو كثير- من البدع بنوع تأويل.

والمقصود: أن انتساب السنوسية للتصوف إجمالًا لا يلغي كلام زعماء الإصلاح -كابن باديس وغيره- أن الصوفية كانوا أعوانًا للفرنسيين، وذلك لأنهم اعتبروا السنوسية حركة معتدلة ومن جملة الحركات الإصلاحية.

وفي النهاية ليس الغرض من هذا البيان اجتذاب جميع القادة والمجاهدين إلى السلفية، ولا التكلّف في نفي الانتساب الأشعري والصوفية عن بعض الشخصيات -كما قد يظن البعض- وإنما المقصود هو البيان التاريخي المجرد والإنصاف العلمي وفقًا لقاعدة: «ثبّت العرش ثم انقش»؛ أي: اعرض الحقائق كما هي أولًا، ثم ابنِ عليها رؤيتك.

لكن ومع ذلك فربط صحة العقيدة بانتساب مجاهد أو عالم لمذهب معين هو من جنس الاستدلال العاطفي، لا الاستدلال العلمي. فالميزان في أبواب الاعتقاد هو ما دل عليه الكتاب والسنة، وما أجمع عليه السلف الصالح، لا ما يُشاع من دعاوى مثل: (فلان مجاهد إذًا مذهبه حق).

وهذا النمط من الاستدلال العاطفي الذي يتبناه بعض الأشاعرة المعاصرين لا يصح في ميزان التحقيق، بل هو مغالطة تُستخدم لتثبيت الانتماء، لا لتقرير الحقائق.

المطلب الرابع: ربط التمكين في الأرض بصحة العقيدة:

مما لا شك فيه أن صحة العقيدة من عوامل النصر والتمكين، قال تعالى: }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55[.

ففي الآية الكريمة علَّق الله تبارك وتعالى الاستخلاف والتمكين على الإيمان، ولا شك أن الإيمان لا بد وأن يكون موافقًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولذلك كانت عصور الصحابة والتابعين من أزهى عصور النصر والتمكين؛ لما حملوه من قوة الإيمان وصحة العقيدة، ثم ضعف المسلمون شيئًا فشيئًا وتسلطت عليهم الأعداء لما دخلت البدع والأهواء في ديار المسلمين.

وفي ذلك يقول ابن تيمية: “فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة وأخذوا الثغور الشامية شيئا بعد شيء إلى أن أخذوا بيت المقدس فى أواخر المائة الرابعة… وكان بعض الشيوخ يقول: هو -أي: هولاكو- للمسلمين بمنزلة بختنصر لبني إسرائيل، وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع حتى إنه صنف الرازى كتابا فى عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر سماه: (السر المكتوم فى السحر ومخاطبة النجوم)، ويقال: إنه صنفه لأم السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه”([41]).

إذن يُفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن ضعف المسلمين وتسلط الأعداء كان بسبب الفساد العقدي في المقام الأول.

لماذا ينتصر بعض من تلبّس ببدع في العقيدة؟

قد يُثار تساؤل: إذا كانت صحة العقيدة من أعظم أسباب النصر والتمكين، فكيف نفسر انتصار بعض الدول الإسلامية في ظل وجود انحرافات عقدية، كما في موقعة الأرك في عهد دولة الموحدين، أو بعض انتصارات الدولة الأيوبية؟ أليس هذا تناقضًا مع ما يُقال من أن التوحيد والعقيدة السليمة هما أساس النصر الرباني؟!

هذا الإشكال شائع عند بعض المعاصرين، لكنه مبنيّ على مغالطة في الفهم، ويمكن الجواب عنه من جهات ثلاث:

أولًا: المسلم المبتدع لا يخرج من الملة، والنصر قد يُمنح له بقدر إسلامه:

المبتدع -ما دام في دائرة الإسلام- يبقى معه أصل الإيمان، وقد يُجاهد ويُخلص في نصرة الدين، فيُؤتى من النصر بقدر ما معه من الإسلام، لا بقدر بدعته. والنصر في هذه الحالة لا يدل على صحة المعتقد، بل قد يكون نتيجة أخذ الأسباب الدنيوية، والتفوق العسكري، أو حتى تراخي العدو.

فقد ينتصر المسلم المبتدع كما ينتصر المسلم العاصي، لا لذاته، بل بما معه من الحق تارة، وبما بذله من الأسباب والتفوق العسكري على خصمه تارة أخرى.

وإذا كان الكافر قد ينتصر على كافر مثله إذا امتلك أدوات القوة، فكيف بالمسلم الموحِّد وإن كان عنده بدعة؟!

ثانيًا: هذه الانتصارات غالبًا ما تكون جزئية، لا انتصارات شاملة:

الانتصارات التي وقعت في عصور انتشار البدع لم تكن حاسمة، بل كانت محدودة الأثر والنتائج بقدر دينهم، سرعان ما أعقبها الانكسار.

ففي موقعة الأرك انتصر الموحدون على الإسبان انتصارًا ظاهريًّا، لكن لم تلبث الدولة أن تفككت وسقطت، وتلاشت بعدها مدن الأندلس مدينة تلو الأخرى، حتى لم يبق منها إلا غرناطة.

وكذلك انتصارات صلاح الدين الأيوبي -رغم ما بينَّاه من اعتداله في المعتقد-، فقد كان نصـرًا جزئيًّا، إذ ظلّت معاقل الصليبيين قائمة في الشام، ولم تُستأصل إلا بعد قرن تقريبًا في عهد السلطان السلفي الناصر محمد بن قلاوون، تحت راية شيخ الإسلام ابن تيمية.

بل إن بيت المقدس نفسه أُعيد تسليمه إلى الصليبيين في عهد الملك الكامل الأيوبي -ابن أخي صلاح الدين- ضمن اتفاقية مخزية تُعرف في التاريخ بـ(اتفاقية يافا) مع الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني([42])، ولم يُسترد إلا بتدخل جيش الخوارزميين لاحقًا.

وهذا يُظهر أن تلك الانتصارات كانت بقدر ما معهم من الإسلام، وليس كما في عصور صدر الإسلام أو العصور السلفية المحضة، بل كانت اجتهادات جزئية صادفت توفيقًا مرحليًّا، ولم تصمد طويلًا أمام تقلبات التاريخ.

ثالثًا: قد يقع الخطأ عن تأويل واجتهاد، لا عن عناد ومكابرة:

كثير من القادة والعلماء الذين نُسبوا إلى بعض البدع العقدية لم يتبنّوها عنادًا للحق، وإنما بسبب التأويل أو الجهل أو التقليد، بل كانوا يظنون أن ما هم عليه هو مذهب أهل السنة والجماعة، كما هو الحال مع صلاح الدين، وبعض قادة دولة الموحدين في المغرب.

وهذا التأويل يُرجى أن يكون سببًا في العذر والمغفرة، خاصة إذا اقترن بتحرّي الحق، وصدق النية، وبذل الجهد في نصرة الدين.

وخلاصة القول: أن الميزان العادل في فهم سنن النصر والتمكين أن يُقال:

من نصر الدين بصدق وإخلاص أعطي من النصر بقدر ما معه من الحق، وقد يُغفر له ما أخطأ فيه إن كان عن اجتهاد وتأويل. أما صحة العقيدة فهي أساس النصر الرباني والتمكين الدائم، وأيُّ نصرٍ يتحقق في غيابها يبقى نسبيًّا وعابرًا، لا يلبث أن يتبدد كما يشهد بذلك التاريخ.

ولذلك فإن من الخطأ الفادح أن تُجعل بعض انتصارات التاريخ دليلًا على صحة معتقدٍ بعينه وبطلان ما سواه، كما يفعل بعض المنتسبين للأشعرية أو التصوف اليوم، حين يزعمون أن “جميع المجاهدين أشاعرة”، أو “جميع العلماء كانوا متكلمين”، ثم يبنون على ذلك صحة المنهج أو بطلان السلفية.

فهذه استدلالات عاطفية وليست علمية، وإنصافُ التاريخ يقتضي التفريق بين البيان العقدي المبني على النصوص، والوصف التاريخي المبني على الواقع والوقائع.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه سلم.

ــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 192).

([2]) مقدمات الكوثري على تبيين كذب المفتري (ص: 65).

([3]) سير أعلام النبلاء (21/ 394).

([4]) ينظر: تاريخ الإسلام، الذهبي (11/ 863).

([5]) البداية والنهاية (17/ 21).

([6]) انظر: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان (1/ 62).

([7]) رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري (ص: 131).

([8]) طبقات الشافعية الكبرى (8/ 230).

([9]) طبقات الشافعية الكبرى (8/ 238).

([10]) انظر: النويري (29/ 150)، والمقريزي (1/ 354).

([11]) مجموع الفتاوى (28/ 530).

([12]) مجموع الفتاوى (28/ 643).

([13]) منهاج السنة (8/ 24).

([14]) المنار المنيف (ص: 154).

([15]) الصواعق المرسلة (3/ 1076).

([16]) مجموع الفتاوى (6/ 359).

([17]) صحيح مسلم (2920) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([18]) المصدر السابق.

([19]) صحيح مسلم (2897).

([20]) رواه مسلم (2920) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([21]) انظر: شرح النووي على مسلم (18/ 345).

([22]) انظر: شرح المشكاة، لملا علي القاري (8/ 3416).

([23]) ينظر: السلسلة الضعيفة، للألباني (878).

([24]) حاشية عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير (2/ 256).

([25]) الدولة العثمانية المجهولة (ص: 125).

([26]) الدولة العثمانية المجهولة (ص: 126-127).

([27]) تاريخ الدولة العلية (ص: 161)، دار النفائس.

([28]) انظر: الموسوعة الميسرة (2/ 146).

([29]) قلائد العقيان (ص: 32).

([30]) البحر الرائق (3/ 110).

([31]) فتاوى تقي الدين السبكي (1/ 53).

([32]) التمهيد (ص: 29).

([33]) طبقات الشافعية (3/ 378)، وإتحاف السادة المتقين (2/ 8)، الخطط (2/ 359)، إشارات المرام للبياضي (ص: 53-56)، نظم الفرائد، شيخ زاده.

([34]) الإسلام في القرن العشرين (ص: 75).

([35]) انتشار الإسلام في القارة الإفريقية (ص: 47).

([36]) ينظر: تاريخ الحركة السنوسية للصلابي (ص: 37).

([37]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/ 288).

([38]) نقله الأستاذ العقاد في كتابه: الإسلام في القرن العشرين (ص: 74)، وانظر أيضًا: تاريخ الحركة السنوسية في إفريقيا (ص: 40).

([39]) انظر: الحركة السنوسية، أحمد الدجاني (ص: 101)، والسنوسية دين ودولة، محمد فؤاد شكري (ص: 21)، تاريخ الحركة السنوسية للصلابي (ص: 37).

([40]) إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (ص: 656-657).

([41]) مجموع الفتاوى (13/ 97).

([42]) انظر: النويري (29/ 150)، والمقريزي (1/ 354).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

وقفة تاريخية حول استدلال الأشاعرة بصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهما

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يتكرر في الخطاب العقدي المعاصر استدعاء الأعلام التاريخيين والحركات الجهادية لتثبيت الانتماءات المذهبية، فيُستدلّ بانتماء بعض القادة والعلماء إلى الأشعرية أو التصوف لإثبات صحة هذه الاتجاهات العقدية، أو لترسيخ التصور القائل بأن غالب أهل العلم والجهاد عبر التاريخ كانوا على هذا المذهب أو ذاك. غير أن هذا النمط […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الثاني)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة خامسًا: الاستدلال بإباحة التوسل وشدّ الرحل لقبور الصالحين: استدلّ المخالفون بما أجازه جمهور المتأخرين من التوسّل بالصالحين، أو إباحة تحرّي دعاء الله عند قبور الصالحين، ونحو ذلك، وهاتان المسألتان لا يعتبرهما السلفيون من الشّرك، وإنما يختارون أنها من البدع؛ لأنّ الداعي إنما يدعو الله تعالى متوسلًا بالصالح، أو عند […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الأول)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من المعلوم أن مسائل التوحيد والشرك من أخطر القضايا التي يجب ضبطها وفقَ الأدلة الشرعية والفهم الصحيح للكتاب والسنة، إلا أنه قد درج بعض المنتسبين إلى العلم على الاستدلال بأقوال بعض الفقهاء المتأخرين لتبرير ممارساتهم، ظنًّا منهم أن تلك الأقوال تؤيد ما هم عليه تحت ستار “الخلاف الفقهي”، […]

ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ

أحد عشر ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ. مما يتكرر كثيراً ذكرُ المستشرقين والعلمانيين ومن شايعهم أساميَ عدد ممن عُذِّب أو اضطهد أو قتل في التاريخ الإسلامي بأسباب فكرية وينسبون هذا النكال أو القتل إلى الدين ،مشنعين على من اضطهدهم أو قتلهم ؛واصفين كل أهل التدين بالغلظة وعدم التسامح في أمورٍ يؤكد كما يزعمون […]

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وَقَد تأخَّر تدوِينُها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ إثارةَ الشكوك حول حجّيّة السنة النبوية المشرَّفة بسبب تأخُّر تدوينها من الشبهات الشهيرة المثارة ضدَّ السنة النبوية، وهي شبهة قديمة حديثة؛ فإننا نجدها في كلام الجهمي الذي ردّ عليه الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ (ت 280هـ) رحمه الله -وهو من أئمَّة الحديث المتقدمين-، كما نجدها في كلام […]

نقد القراءة الدنيوية للبدع والانحرافات الفكرية

مقدمة: يناقش هذا المقال لونا جديدًا منَ الانحرافات المعاصرة في التعامل مع البدع بطريقةٍ مُحدثة يكون فيها تقييم البدعة على أساس دنيويّ سياسيّ، وليس على الأساس الدينيّ الفكري الذي عرفته الأمّة، وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى التشويش على مبدأ محاربة البدع والتقليل من شأنه واتهام القائمين عليه، والأهم من ذلك إعادة ترتيب البدَع على أساسٍ […]

كشف الالتباس عما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى في حق الرسل عليهم السلام: (وظنوا أنهم قد كُذبوا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن ابن عباس رضي الله عنهما هو حبر الأمة وترجمان القرآن، ولا تخفى مكانة أقواله في التفسير عند جميع الأمة. وقد جاء عنه في قول الله تعالى: (وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ) (يوسف: 110) ما يوهم مخالفة العصمة، واستدركت عليه عائشة رضي الله عنها لما بلغها تفسيره. والمفسرون منهم […]

تعريف بكتاب “نقض دعوى انتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة بدلالة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقَـدّمَـــة: في المشهد العقدي المعاصر ارتفع صوت الطائفة الأشعرية حتى غلب في بعض الميادين، وتوسعت دائرة دعواها الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وتواترُ هذه الدعوى وتكرارها أدّى إلى اضطراب في تحديد مدلول هذا اللقب لقب أهل السنة؛ حتى كاد يفقد حدَّه الفاصل بين منهج السلف ومنهج المتكلمين الذي ظلّ […]

علم الكلام السلفي الأصول والآليات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اختلف العلماء في الموقف من علم الكلام، فمنهم المادح الممارس، ومنهم الذامّ المحترس، ومنهم المتوسّط الذي يرى أن علم الكلام نوعان: نوع مذموم وآخر محمود، فما حقيقة علم الكلام؟ وما الذي يفصِل بين النوعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك علم كلام سلفيّ؟ وللجواب عن هذه الأسئلة وغيرها رأى […]

بين المعجزة والتكامل المعرفي.. الإيمان بالمعجزة وأثره على تكامل المعرفة الإنسانية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لقد جاء القرآن الكريم شاهدًا على صدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى صدق الأنبياء كلهم من قبله؛ مصدقًا لما معهم من الكتب، وشاهدا لما جاؤوا به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. وهذا وجه من أوجه التكامل المعرفي الإسلامي؛ فالقرآن مادّة غزيرة للمصدر الخبري، وهو […]

قواعد علمية للتعامل مع قضية الإمام أبي حنيفة رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من القضايا التي عملت على إثراء التراث الفقهي الإسلامي: قضية الخلاف بين مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث، وهذا وإن كان يُرى من جانبه الإيجابي، إلا أنه تمخَّض عن جوانب سلبية أيضًا، فاحتدام الصراع بين الفريقين مع ما كان يرجّحه أبو حنيفة من مذهب الإرجاء نتج عنه روايات كثيرة […]

كيف نُؤمِن بعذاب القبر مع عدم إدراكنا له بحواسِّنا؟

مقدمة: إن الإيمان بعذاب القبر من أصول أهل السنة والجماعة، وقد خالفهم في ذلك من خالفهم من الخوارج والقدرية، ومن ينكر الشرائع والمعاد من الفلاسفة والملاحدة. وجاءت في الدلالة على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: {ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} [غافر: 46]. وقد تواترت الأحاديث […]

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثاني- (أخطاء المخالفين في محل النزاع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثاني: أخطاء المخالفين في محل النزاع: ابتكر الفخر الرازيُّ تحريرًا لمحل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسألة فقال في (المحصل): “مسألة: الحُسنُ والقبح‌ قد يُراد بهما ملاءمةُ الطبع ومنافرَتُه، وكون‌ُ الشي‌ء صفةَ كمال أو نقصان، وهما بهذين المعنيين عقليان. وقد يُراد بهما كونُ الفعل موجبًا للثوابِ والعقابِ والمدحِ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017