الاثنين - 10 جمادى الآخر 1447 هـ - 01 ديسمبر 2025 م

اختلاف أهل الحديث في إطلاق الحدوث والقدم على القرآن الكريم -قراءة تحليلية-

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

يُعَدّ مبحث الحدوث والقدم من القضايا المركزية في الخلاف العقدي، لما له من أثر مباشر في تقرير مسائل صفات الله تعالى، وبخاصة صفة الكلام. غير أنّ النظر في تراث الحنابلة يكشف عن تباينٍ ظاهر في عباراتهم ومواقفهم من هذه القضية، حيث منع جمهور السلف إطلاق لفظ المحدث على القرآن، بينما أجازه آخرون، وتجاوز بعض من جاء بعد القرن الرابع ووصفوا القرآن بالقدم، وهذا التباينُ لم يكن دائمًا ناشئًا عن خلاف حقيقي في المضمون، بل كثيرًا ما كان مردّه إلى اختلاف الألفاظ والاصطلاحات، أو إلى تنوع الأعراف العلمية التي انتهجها كلّ عالم في بيئته ومقامه.

وقد ترتب على هذا التفاوت أن صارت نصوص الحنابلة تُوهم -عند القراءة المتأخرة- مذاهب متعارضة، وربما نُسب إليهم ما لم يقصدوه، أو ما لم يُحرروه بدقة، الأمر الذي جعل تحرير مذهبهم المعاصر مسألة شائكة تتطلب جمعًا دقيقًا لمصطلحاتهم، وتمييزًا بين الخلاف اللفظي والخلاف الحقيقي. وقد حاول ابن تيمية أن يُعيد صياغة المذهب بعبارة أصولية جامعة، تُبرز وِحدة الاتجاه الحنبلي في أصوله، وإن تفرقت تعبيراته في مظانه المختلفة.

لذلك رأى مركز سلف للبحوث والدراسات الحاجة إلى بيان ملامح هذا التباين في تراث الحنابلة وأهل الحديث، والكشف عن أثره في إرباك التصورات المعاصرة، وتحقيق مقاصدهم بعدلٍ وإنصاف، ومحاولة لردّ عباراتهم المتناثرة إلى أصولها الكلية.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

 

 

المبحث الأول: اختلاف أهل الحديث في إطلاق لفظ الحدوث على آحاد أفعال الله:

شَكَّل مصطلح «الحدوث» واحدًا من المصطلحات الإشكالية التي أثارت جدلًا واسعًا بين علماء أهل السنة، خاصة فيما يتعلّق بجواز إطلاقه على القرآن الكريم، لما في هذا الإطلاق من تداخلات لغوية وعقائدية دقيقة قد توهم القول بخلق القرآن، وهو قول مرفوض عند السلف، ويُعَد مِن أصول عقيدة أهل السنة التي خالفوا فيها المعتزلة.

وقد تضافرت نصوص السلف على منع إطلاق لفظ «الحدوث» على القرآن الكريم، واعتُبر ذلك من العبارات الموهمة التي تؤول إلى القول بخلق القرآن، وهو ما أوجب عند جمهورهم تكفير القائل به.

ومما يدل على ذلك ما نُقل عن الحارث بن عمير -والذي أقره وصدقه عليه الفضيل بن عياض-:«من زعم أن القرآن محدث فقد كفر، ومن زعم أنه ليس من علم الله فهو زنديق»([1])، وقال الإمام وكيع بن الجراح -وهو أحد كبار أئمة السلف-: «من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث، ومن زعم أنه محدث فقد كفر»، فلما قيل له: إن فلانًا يقول: إن القرآن محدث؛ قال مستنكرًا: «سبحان الله! هذا كفر»([2]).

وهذا الموقف يتكرر لدى إمام آخر من أئمة السنة وهو الإمام أحمد بن حنبل، حيث نقل عنه الحافظ الذهبي -من طريق أبي إسماعيل السلمي الترمذي- أنه قال: «من قال القرآن محدث فهو كافر»([3]).

غير أن هذه النقول الظاهرة في تكفير القائل بحدوث القرآن تحتاج إلى تدقيق وفهم سياقي، وهو ما قام به عدد من العلماء الذين حاولوا تفسيرها وبيان حدودها، دفعًا لاحتمال التباس المعنى.

وفي هذا السياق يقول حرب الكرماني -وهو من أبرز رواة أقوال السلف في العقيدة- ما يوضح هذا الإشكال، فيروي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «من قال: إن القرآن (محدث) على معنى (مخلوق)؛ فهو كافر باللَّه الغني العظيم»([4]).

وهذا القيد الذي أورده إسحاق والذي أكّده آخرون من السلف يُعد مفتاحًا مهمًّا لفهم أقوال التكفير. فالتكفير لا يتوجّه بمجرد القول بـ«الحدوث» إلا إذا أُريد به (الخلق) والانفصال عن ذات الله. أما إذا لم يُرد هذا المعنى، بل أُريد به أن القرآن غير أزلي بقدم ذات الله، ولكنه غير مخلوق؛ فإن الأمر يخرج من حد التكفير إلى دائرة البدعة أو الخطأ في التعبير.

ويُعزّز هذا الفهم ما جرى من الإنكار على داود بن علي الظاهري حيث قال: «القرآن محدث غير مخلوق»([5]).

وعبارة داود الظاهري تجمع بين وصفين قد يبدوان متضادين بادي الرأي؛ مما استدعى الرد عليه مِن قِبَل الإمام أحمد بن حنبل كما ورد في كلام أبي بكر المروذي، قال: قال أبو عبد اللَّه: «من داود بن علي الأصبهاني؟! لا فرَّج اللَّه عنه، جاءني كتاب محمد بن يحيى النيسابوري أن داود الأصبهاني قال كذبا: إن القرآن محدث»([6]).

بل حتى لَمَّا قَدِمَ داود إلى بغداد، وجاء ليعتذر لأحمد بن حنبل عما بلغه عنه من سوء فهم لمقالته، وكانت بَيْنَهُ وبين صالح وعبد الله ابني أحمدَ بن حنبل مودة، فتوسطا لإدخاله على أبيهما؛ قال لهما أحمد: هذا قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محْدَث؛ فلا يقربني. قال صالح: يا أبت، إنه يَنْتَفِي مِن هذا ويُنْكِرُه، فقال أحمد: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له في المصير إليَّ. وفي رواية: لا تقبل قَوْلَ عدوِّ اللهِ، أو نحو ما قال([7]).

وقد بيّن ابن تيمية وجه إنكار أحمد على داود فقال: «طوائف الكلابية والأشعرية وطوائف من أهل الفقه والحديث والتصوف يقولون: (المحدث هو المخلوق في غيره) لا يسمون مُحْدَثا إلا ما كان كذلك، فهؤلاء كلهم يقولون: من قال: إنه محدث؛ كان معنى قوله: إنه مخلوق، ولزمه القول بأنه مخلوق. فهو أحد الوجهين للإنكار على داود الأصبهاني وغيره ممن قال: (إنه محدث)، وأطلق القول بذلك، وإن كان داود وأبو معاذ([8]) وغيرهما لم يريدوا بقولهم: (إنه محدث) أنه بائن عن الله كما يريد الذين يقولون: (إنه مخلوق)، بل ذهب داود وغيره ممن قال: (إنه محدث وليس بمخلوق) من أهل الإثبات أنه هو الذي تكلم به، وأنه قائم بذاته ليس بمخلوق منفصل عنه، ولعل هذا كان مستند داود في قوله لعبد الله: أحب أن تعذر بي عنده، وتقول له: ليس هذا مقالتي، أو ليس كما قيل لك، فإنه قد يكون قصد بذلك أني لا أقول: إنه محدث بالمعنى الذي فهموه وأفهموه وهو أنه مخلوق، وليس هذا مذهبي»([9]).

ثم تناول ابن تيمية المسألة بعمق اصطلاحي وسياقي، مُوضحًا الخلفية الاصطلاحية التي دفعت أهل الحديث إلى رفض إطلاق الحدوث، فقال: «وكانوا -يعني: أهل الحديث- لا يعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل، فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال: (القرآن محدث)، بل من قال: (إنه محدث) فقد قال: (إنه مخلوق). ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الإطلاق على داود لما كتب إليه أنه تكلم بذلك، فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا، فأنكره أئمة السنة، وداود نفسه لم يكن هذا قصده، بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام الله غير مخلوق، وإنما كان مقصوده أنه قائم بنفسه؛ وهو قول غير واحد من أئمة السلف، وهو قول البخاري وغيره. والنزاع في ذلك بين أهل السنة لفظي». ثم يقول ابن تيمية بشكل صريح: «فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل، ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته، وكان أئمة السنة -كأحمد وأمثاله والبخاري وأمثاله وداود وأمثاله وغيرهم- متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، فإن داود وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث»([10]).

وهنا يبيّن ابن تيمية أن سبب الخلاف هو اختلاف الاصطلاح لا اختلاف الاعتقاد، فلفظة «المحدث» قد تحمل عند البعض معنى (المخلوق)، بينما يقصد بها آخرون معنى لا يتضمن الخلق، بل يشير إلى قيام الكلام بالله تعالى، وأنه حادث بمعنى تعلقه بالمشيئة والإرادة دون أن يكون مخلوقًا.

المبحث الثاني: استجازة بعض أهل الحديث إطلاق لفظة الحدوث على أفعال الله:

رغم منع جمهور السلف وأهل الحديث من إطلاق لفظة «الحدوث» على أفعال الله، إلا أن بعض أهل الحديث تَجَوَّزوا في إطلاق هذه اللفظة، لا على جهة القول بخلق الصفات، بل على وجه يثبت الفعل الاختياري والتجديدي في صفات الفعل دون تشبيه ولا تمثيل، ومن أبرز هؤلاء الأئمة:

♦ محمد بن إسماعيل البخاري:

قال البخاري في كتاب التوحيد من «صحيحه»: (باب قول الله تعالى: ﴿كُلَّ يَومٍ هُوَ فِي شَأنٍ﴾ [الرحمن: 29]، وقوله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: 2]، وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطلاق: 1]، وأن حَدَثَه تعالى لا يُشبه حَدَث المخلوقين، قال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يُحدث مِن أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة»)([11]).

فقد أثبت البخاري أن لله حَدَثًا لا يُشْبِه حَدَثَ المخلوقين، وذكر أنَّ حَدَثَه تعالى لا يُشْبِه حَدَثَ المخلوقين، ومحاولة تأويل كلامه بأنه يقصد حَدَث الله -أي: خلقَ الله- هو تكلف ظاهر يأباه السياق؛ لأنه ضرب مثالًا على تجدد الأمر في قوله: (يحدث من أمره ما يشاء)، ومعلوم أن الأمر ليس شيئًا حسيًّا، فقطع بذلك الطريق على من يتكلف في تأويل كلامه، كما أن نفيه التشبيه بين حدث الله وحدث المخلوقين دليل على إثباته لله على وجه يليق به.

وهذا فهم ظاهر واضح لا يناله التأويل، وقد فهم هذا حتى من يقول بقول المتكلمين، واستعظموا كلام البخاري، لكن لم يُبدّعوه لمكانته في الإسلام.

قال بدر الدين العيني الحنفي: «فأثبت أنه محدث، وهو من صفاته ولم يزل بجميع صفاته، وقال ابن التين: هذا منه عظيم، واستدلاله يردّ عليه؛ لأنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها؟! إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق، كما يقوله البلخي ومن تبعه، وهو ظاهر كلام البخاري، حيث قال: (وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين)، فأثبت أنه محدث، ثم قال الداودي نحو ما ذكره في شرح قول عائشة: (ولشأني أحقر من أن يتكلم الله فِيَّ بأمر يُتلى)، قال الداودي: فيه أن الله تعالى تكلم ببراءة عائشة حين أنزل فيها، بخلاف قول بعض الناس: إنه لم يتكلم، وقال ابن التين أيضًا: هذا من الداودي عظيم؛ لأنه يلزم منه أن يكون الله متكلمًا بكلام حادث فتحل فيه الحوادث»([12]).

بل قبله ابن بطال قال في شرحه: «غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث اعتمادًا على الآية، وهذا قول بعض المعتزلة([13]) وأهل الظاهر، وهو خطأ»([14]).

ومعظم شراح البخاري تقريبًا نسبوا البخاري إلى هذا المذهب، ولم يوافقوه، وأما
ابن حجر رحمه الله فقد آثر توجيه كلام البخاري، ورد على شراح الصحيح.

قال ابن حجر: «وأما ما نقله ابن بطال عن المُهلب ففيه نظر؛ لأن البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نُسب إليه؛ إذ لا فرق بين مخلوق وحادث لا عقلًا ولا نقلًا ولا عرفًا»([15]).

وكلام ابن حجر فيه نوع تكلُّف، لذلك قد تعجَّب من صنيعه الكشميري الحنفي، لأن وضوح مراد البخاري يغني عن هذا التكلُّف.

قال محمد أنور شاه الكشميري الحنفي رادًّا على الحافظ ابن حجر: «وهذا إنما نشأ من عدم اطلاعه -أي: ابن حجر- على اصطلاح القدماء، فإن المخلوق عندهم هو المحدث المنفصل، أما إذا كان قائمًا لفاعله فلا يقال له: إنه مخلوق، وهذا عين اللغة، فإنك تقول: قام زيد، وقعد عمرو، ولا تقول: خلق زيد القيام وخلق عمرو القعود، وذلك لأن القيام والقعود، وإن كان حادثَين، إلا أنهما ليسا منفصلين عن زيد وعمرو، فالشيء إذا قام بفاعله فهو حادث غير مخلوق. والعجب من الحافظ حيث خفِيَ عليه هذا الاصطلاح الجلي، فإن بين اللفظين بونًا بعيدًا»([16]).

وقال في موضع آخر: «إن الله تعالى متصف بالنزول ولا يقال: إنه خالق له، وإليه جنح البخاري رضي الله عنه، وصرح أن الله تعالى متصف بصفات حادثة، غير أن الشارحين أوَّلوا كلامه»([17]).

♦ ابن قتيبة الدينوري:

وممن تابعوا البخاري وفرَّقوا بين (المخلوق) و(الحادث): ابن قتيبة رحمه الله، فقد قال: «المُحْدَث ليس هو في موضع بمعنى مخلوق، فإنْ أنكروا ذلك فليقولوا في قول الله: ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطلاق: 1]: إنه يخلق! وكذلك قوله: ﴿لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا﴾ [طه: 113] أي: يحدث لهم القرآنُ ذكرًا. والمعنى يجدد عندهم ما لم يكن»([18]).

وقول ابن قتيبة: (المُحدث ليس هو في موضع بمعنى مخلوق) فيه جواز أن يكون هناك أمرٌ حادثٌ غير مخلوق.

ولا يخفي أن ابن قتيبة تلميذ إسحاق بن راهويه، وكان ينتصر لأهل الحديث. وهو من أئمة اللغة المعتبر قولهم، فلو كان حقيقة مذهب السلف يخالف ما ذكره لحكى الخلاف ولكنه، حكى ما فهمه وتقرر من مذهبهم.

♦ ابن عقيل الحنبلي:

وممن صرح بلفظ (الحدوث) أيضًا: ابن عقيل الحنبلي، على كون ابن عقيل قد تأثر بالمعتزلة في أول أمره، إلا أنه قد رجع وتاب عن ذلك، وقد ذكر ذلك عنه الحافظ ابن رجب الحنبلي في ترجمته([19])، لكن لما رجع إلى السنة قرر تقريرات رائقة جليلة، تفوق تقريرات أقرانه في هذا الباب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فابن عقيل إنما وقع في كلامه المادة المعتزلية بسبب شيخه أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان المعتزليين؛ ولهذا له في كتابه “إثبات التنزيه” وفي غيره كلام يضاهي كلام المريسي ونحوه، لكن له في الإثبات كلام كثير حسن، وعليه استقر أمره في “كتاب الإرشاد” مع أنه قد يزيد في الإثبات»([20]).

وفي تقرير حدوث آحاد الأفعال يقول ابن عقيل ردًّا على السالمية في زعمهم قِدم الصفات الاختيارية: «وكذلك قولهم: مستوٍ على عرشه، معلوم أنه لا يجوز منه دعوى القِدم؛ لأنه سبحانه أخبر بحدث هذه الصفة.. فصفة الاستواء على العرش حدثت بعد خلق السماوات، لا يجوز غير ذلك بظاهر العقل ونص القرآن؛ لأنه لو كان لم يزل سبحانه مستويًا كان إخباره بأنه استوى بعد خلقها إخبارًا على سبيل المُحال تعالى عن ذلك، فكان يُفضي إلى قِدم المستوى عليه وهو العرش، وثبت بإجماع الأمة حدث العرش… -إلى أن قال:- قولنا: (ينزل إلى السماء الدنيا) وما أشبه ذلك كان بعد أن لم يكن، والدلالة على أنها صفة تجددت أنه قال: (في كل ليلة)، ولا يحسن أن يُقال: إنه في الأزل نازل»([21]).

ويقول محاججًا الأشاعرة في توالي وتعاقب الحروف: «ولا يخلو أن تكون حروفًا متوالية أو غير متوالية، فإن كانت متوالية بطل ما قالوه، وإن كانت غير متوالية فيعكسونها في القرآن، وذلك أن يقولوا: (صعيهك)، وهذا إن بلغوا إليه كفروا؛ لأنها إن كانت قرآنًا لم يجز تغييرها، وإن لم تكن قرآنًا عندهم كفروا»([22]).

يريد من ذلك أن تتابع الحروف لازم للقرآن، وهو ما يلزم منه الحدوث.

♦ الكرجي القصاب:

قال رحمه الله: «الاستيلاء إذا كان اسمًا واقعًا على الغلبة والقهر، فلا يجوز أن يكون في الله حادثًا، لأنه جل وتعالى قاهر غالب في الأول، والاستواء يجوز أن يحدثه بعد خلق العرش، فقوله: ﴿ثُمَّ ٱستَوَىٰ عَلَى ٱلعَرشِ﴾ [السجدة: 4] بيَّن أن الاستواء بعد خلق السموات والأرض»([23]).

ففي هذا النقل صرح الكرجي بحدوث الاستواء بعد خلق العرش، ووصف الاستواء بالحدث، ومراده الحديث أو الجديد، وليس مراده المخلوق المنفصل.

وهو ما يؤكد أن بعض أهل الحديث استخدموا لفظة «الحدوث» دون غضاضة، وجعلوه حدوثًا غير مخلوق. وكما يقال: العبرة بالمضامين والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فسواء سميناه حدثًا أو فِعلًا، فالعبرة بالمضامين.

♦ أبو النصر السجزي الوائلي:

يقول السجزي -فيما نقله ابن تيمية عنه-: «﴿إِنَّمَا أَمرُهُ إِذا أَرَادَ شَيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 2] فبيَّن رحمه الله أنه قال لآدم بعد أن خلقه من تراب: (كن)، وأنه إذا أراد شيئًا يقول له: (كن)؛ فيكون، ولم يقتضِ ذلك حدوثًا ولا خلقًا بعد حدوث نوع الكلام؛ لِما قام الدليل على انتفاء الخلق عن كلام الله تعالى»([24]).

ففي هذا النقل يؤكد السجزي تجدد نوع الكلام في أوقاتٍ مخصوصة، حيث صرح بقوله: (حدوث نوع الكلام)، والنوع هنا ليس المقصود به حدوث الصفة ذاتها كما تقول الكرامية، فإن هذا لا يُظن بالسجزي، وإنما يقصد تجدد الكلام في المرة الواحدة في وقتٍ مخصوص، ولا يستلزم ذلك حدوثًا مخلوقًا.

ومما يؤيد أنه أراد تجدد الفعل الاختياري قوله: «ولم يَقْتَضِ ذلك حدوثًا ولا خلقًا»، وهذا الاحتراز لا معنى له إن لم يكن يريد به التجدد، فإن القول بمشيئة الإسماع -كما هو مذهب القاضي- لا تقتضي هذا الاحتراز والتقييد.

وخلاصة ما سبق:

يتبيَّن أنه ليس كل أهل الحديث تجنبوا لفظة الحدوث، بل بعضهم صرح بها، وإن كان جمهورهم اجتنب هذه اللفظة، أو تناقض أحيانًا.

وأن الذين استعملوا هذا اللفظ هم مع ذلك على مذهب السلف من إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل، لكن بعضهم يُعبر عنها بالحدث، وبعضهم يُعبر عنها بالفعل.

ومن الخطأ البيِّن الزعم أن مذهب الإمام أحمد مختلف عن مذهب البخاري وابن قتيبة وابن عقيل والكرجي وغيرهم، والادعاء بوجود مذهبين لأهل الحديث، بل جميعهم على مذهب واحد، إنما بعضهم يُعبر بأسلوب والآخر يعبر بأسلوب آخر، وكُنه مذهبهم واحد.

المبحث الثالث: بيان اضطراب الحنابلة وأهل الحديث في مصطلح (القديم) و(المحدث):

من الملاحظ أنه بعد شيوع الجدل الكلامي في قضايا الصفات والكلام الإلهي أنه قد وقع الخلط من بعض أتباع المذهب الحنبلي وجماعات من أهل الحديث في استعمال بعض المصطلحات الكلامية؛ وذلك مثلما وقع في استعمالهم مصطلح «القديم»؛ حيث استعملوه في معرض نفي الخلق عن القرآن الكريم، فقالوا: «القرآن قديم غير مخلوق»، معتقدين أن هذه العبارة مجرد مرادف لقولهم: «غير مخلوق»، وبعضهم يُطلق القديم ويقصد أن الله تكلم به قبل الخلق، أي: القدم النسبي، وليس القدم الأزلي -كما سيأتي-.

غير أن هذا الاستعمال فيه قدر من المسايرة اللفظية لاصطلاح المتكلمين، دون استحضار خلفياته الفلسفية والكلامية الدقيقة.

فبينما كان نفي «الخلق» عن كلام الله تعالى عند السلف يعني نفي أن يكون حادثًا مخلوقًا ككلام البشر، تسرب إلى هذا الخطاب مصطلح «القديم» الذي شاع في البيئة الكلامية بوصفه مقابلًا للمحدث، وعرّف عند المتكلمين بأنه: (ما لا أول لوجوده) وهذا المعنى لم يكن مستقرًّا في الاستعمال الشرعي أو اللغوي المبكر، حيث ارتبطت لفظة «قديم» في استعمالات القرآن واللغة كثيرًا بما هو متقدّم زمنيًّا أو عتيق، دون اشتراط الأزلية المطلقة.

وقد نبه عدد من العلماء من مذاهب متعددة إلى هذا الخلط الحاصل في استعمال لفظ «قديم» عند بعض أهل الحديث والحنابلة:

♦ ابن عقيل الحنبلي:

لفت ابن عقيل إلى هذا الخلط المفاهيمي في استعمال مصطلح «قديم»، مبينًا أن استعماله لا يخلو من الجهل بدلالته الدقيقة.

يقول ابن عقيل: «وأرى الناس في زماننا هذا قد أُغرُوا بلفظة «قديم»، فمهما أرادوا إكرامه -يعني: القرآن- قالوا: قديم؛ فإما جهلًا منهم بمعنى القديم، وأنه ما لا أول لوجوده، أو يظن بمعنى عتيق»([25]).

وهذا النص يبرز إدراك ابن عقيل لانفصال مصطلح «القديم» عن معناه الفلسفي عند كثير من المنتسبين إلى المذهب الحنبلي، وتأكيده أن استعمالهم للفظ لا يصحّ دون فهم معناه الدقيق، وهو ما يعكس خللًا منهجيًّا في تبنّي مصطلحات الفرق الكلامية.

♦ ابن الملاحمي الخوارزمي المعتزلي:

ومن خارج المدرسة الحنبلية أشار الخوارزمي المعتزلي إلى هذه الظاهرة، منتقدًا ما رآه من استخدام غير دقيق لمصطلح «قديم» من قِبل أصحاب الحديث.

قال الخوارزمي: «ذهب أصحاب الحديث والحنابلة إلى أن هذا القرآن هو كلام الله تعالى، وأنه قديم غير مخلوق ولا محدث». ثم أضاف: «قال أصحابنا: إن أكثر أصحاب الحديث لا يُحصّلون معنى القديم، وأنه هو الذي لا أول لوجوده»([26]).

ومقصوده أن أصحاب الحديث لا يُدركون أن معنى القديم هو الذي لا أول لوجوده.

وهذا النص يُظهر بوضوح أن المعتزلة لاحظوا تبنّي أهل الحديث لمصطلحات عقدية دون الإحاطة الكاملة بمضامينها الكلامية الدقيقة، مما جعلهم عرضة لتناقضات مفهومية، خاصة وأن القول بقدم القرآن إذا أُخذ على إطلاقه يُفضي إلى القول بأزليته الذاتية، وهذا معناه أن الله لم يزل ينادي موسى في الأزل، وهو ما لا يقبله عقلٌ صريح ولا نقلٌ صحيح.

وعلى الرغم من أن كثيرًا من محققي أهل الحديث يثبتون لله تعالى صفة الفعل الاختياري المتجدد بمشيئته، فإن محاولة مواجهة المعتزلة بنفي خلق القرآن من خلال استعارة لفظ «القديم» لم تكن دومًا واعية لما تحمله هذه الكلمة من حمولة فلسفية قد تؤدي إلى إشكالات أكبر، كإثبات أزلية القرآن بعينه، وهو ما يستلزم قدم الحروف والأصوات حرفًا حرفًا، وهذا ما لا يقول به كثير من أهل الحديث أنفسهم.

♦ أبو عمر الجاحظ:

قد أشار الجاحظ في بعض رسائله إلى أن كثيرًا من أهل الحديث، وإن كانوا يرفضون إطلاق لفظ «الخلق» على القرآن، إلا أن مضمون قولهم يقتضي إثبات الحدوث بمعناه اللغوي، أي: التجدد والوقوع بعد أن لم يكن، لا الحدوث بمعنى الخلق المخلوق.

يقول الجاحظ في رسالته في النابتة: «ثم زعم أكثرهم أنَّ كلام الله حسن وبيِّن، وحُجَّةٌ وبرهان، وأنَّ التَّوراة غير الزَّبور، والزَّبور غير الإنجيل، والإنجيل غير القرآن، والبقرة غير آل عمْران، وأنَّ الله تولَّى تأليفه، وجعله برهانه على صدق رسوله، وأنَّه لو شاء أن يزيد فيه زاد، ولو شاء أن ينقص منه نقص، ولو شاء أن يبدِّله بدَّله، ولو شاء أن ينسخه كلَّه بغيره نسخه، وأنَّه أنزله تنزيلا، وأنَّه فصَّله تفصيلا، وأنَّه بالله كان دون غيره، ولا يقدر عليه إلا هو، غير أنَّ الله مع ذلك كلَّه لم يخلقْه. فأعطوه جميع صفات الخلْق ومنعوا اسم الخلق!…» ثم أضاف: «صنعه وجعله وقدّره وأنزله وفصّله وأحدثه، ومنعوا خلقه!»[27])).

إن تأمل هذه العبارات الأخيرة من الجاحظ يكشف عن إدراكه أنّ أهل الحديث وإن أنكروا لفظ «الخلق» إلا أنهم قد وصفوا القرآن بأوصاف الحدوث من حيث التفصيل والتقدير، مما يدل على أنهم يقرّون بحدوثه بمعنى التجدد، وإن تحفظوا على تسميته مخلوقًا.

ويقول الجاحظ أيضًا في نفس الرسالة متحدثًا عن أحمد بن حنبل: «والعجب أنَّ الذي منعه بزعمه أنْ يزعم أنَّه مخلوقٌ أنَّه لم يسمع ذلك من سلفه، وهو يعلم أنَّه لم يسمع أيضًا عن سلفه أنّه ليس بمخلوق. وليس ذلك بمهم، ولكن لما كان الكلام من الله يقال عندهم على مثل خروج الصَّوت من الجوف، وعلى جهة تقطيع الحروف وإعمال اللِّسان والشَّفتين، وما كان على غير هذه الصُّورة والصِّفة فليس بكلام»[28])).

ويُستفاد من هذا التحليل أن الجاحظ فهم من أقوالهم وتصرفاتهم أنهم قائلون بحدوث الكلام المُعين، وقد شرح مقصودهم تفصيليًّا، ولو فهم عنهم: أن الكلام هو مشيئة الإسماع أو أن الحروف مقترنة في الأزل والله يكشف الحجب عنها -كما هو مذهب القاضي- لما شرح الجاحظ مذهبهم على هذا النحو.

والجاحظ وإن كان معتزليًّا إلا أنه كان معروفًا برجاحة عقله، وحدة ذكائه، وسعة اطلاعه، ويُستبعد عن مثله أن يكذب على خصمه، وإن كان بالطبع -هو كغيره- لا يخلو كلامه من شوائب يظنها لازمة لمذهبهم.

والمقصود أن الجاحظ -رغم نقده لهم- يضع يديه على مفارقة لغوية ومنهجية دقيقة في الخطاب العقدي لأهل الحديث، وهي الجمع بين مفردات الحدوث ومعانيه، وإنكارهم للفظه.

♦ ابن برهان البغدادي:

يشير ابن برهان البغدادي الشافعي الأشعري إلى أن أهل الحديث -أو ما يُسميهم بالمشبهة- لم ينكروا حقيقة «الحدوث»، وإن تجنبوا إطلاق المصطلح نفسه، ظنًّا منهم أن في ذلك ما يوهم النقص في حق الله تعالى.

يقول في معرض حديثه عن المشبهة: «اعلم أن المشبهة ما اتفقوا على جحد الضرورة، فإنهم إذا سُئلوا عن الحروف: متى ابتدئ بها؟ ومتى ختمت؟ قالوا: في الوقت الفلاني، وهذا تصريح منهم بالحدوث، وإن استعفوا من إطلاق اسم الحدوث عليها، لأنهم ظنوا أن في ذلك نقصًا في حق الله، وهذا عذرهم في المنع سواء صح أو فسد»([29]).

وهذا النص يظهر كيف كان بعض الحنابلة وغيرهم يتحاشون استعمال لفظ «الحدوث» خشية ما يوهمه من معاني النقص، مع إقرارهم الضمني بوقوع المعنى نفسه عند توصيفهم للفظ القرآني بأنه ابتدئ في وقت معين وخُتم في وقت معين، وهو ما يُعدّ إقرارًا بوقوع «حادث» في الزمن.

♦ رأي ابن تيمية:

تعمدنا إرجاء عرض كلام ابن تيمية إلى هذا الموضع التزامًا بالمنهج الموضوعي، ولاعتبار أن بعض المعاصرين يشككون في اعتماده ممثلًا لمذهب أهل الحديث، على الرغم من أن ابن تيمية يقدم قراءة دقيقة لهذا الإشكال الاصطلاحي في تعامل كثير من الحنابلة المتأخرين مع مصطلحي «القِدَم» و«الحدوث»، حيث يشير إلى أن الخلط بينهم شائع لدى بعضهم، وأن كثيرًا منهم لم يميز بين كونه «غير مخلوق» وكونه «أزليًّا لم يزل».

يقول ابن تيمية: «وكثير من هؤلاء لا يفهم معنى القديم، بل إذا استفسرته عنه قال: يريد به أنه غير مخلوق، ولا ريب أن كلام الله غير مخلوق كما اتفق عليه السلف والأئمة، ولا ريب أن القرآنَ كلَّه كلامُ الله، ليس شيء منه كلامًا لغيره، لا جبريل ولا غيره، والقرآن العربي كلام الله، والله نادى موسى بصوت، وينادي عبادَه يوم القيامة، كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، لكن هؤلاء ظنوا أن السلف أرادوا بذلك أن ما ليس بمخلوق يكون قديم العين، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقُدرته، ولم يفرقوا بين قديم النوع وقديم العين»[30])).

ويُتمّم هذا المعنى بقوله في موضع آخر: «ومن هؤلاء من يقول: (هو قديم) ولا يفهم معنى (القديم)، فإذا سئل عن ذلك قال: (هي قديمة في العلم)، ولا يعلم أن المخلوقات كالسماء والأرض بهذه المثابة مع أنها مخلوقة، ومنهم من يقول: (قديم) بمعنى أنه (متقدم على غيره)، ولا يعرف أن الذين قالوا: (إنه مخلوق) لا ينازعون في أنه (قديم) بهذا المعنى، ومنهم من يقول: (إن مرادنا بأنه قديم أنه غير مخلوق)، ولا يفهم أنه مع ذلك يكون أزليًّا لم يزل، وهؤلاء سمعوا ممن يوافقهم على أنه (غير مخلوق) قالوا: هو (قديم)، فوافقوا على أنه (قديم) ولم يتصوروا ما يقولونه»[31])).

ومجمل كلام ابن تيمية يصبّ في أن الإشكال في المضمون أحيانًا، وفي الاصطلاح أحيانًا، إذ إن بعض المتأخرين حين قالوا: «إن كلام الله قديم» فهموا من «القدم» مجرد كونه «غير مخلوق» أو «متقدّم على غيره»، لا بالمعنى الفلسفي الذي يفيد «القدم الذاتي» و«اللازمنيّة». ومن ثم فإن هذا الفهم لا يخرجهم بالضرورة عن إقرارهم بأن الله تكلم بكلام حادث بمشيئته في وقت مخصوص، أي: أن الكلام «قديم النوع حادث الآحاد».

ويبدو هذا الخلط جليًّا في كلام الحسن بن حامد؛ حيث يقول: «ولا خلاف عن أبي عبد الله أن الله كان متكلما بالقرآن قبل أن يخلق الخلق»([32]). وبنحوه يقول الأصبهاني: «لأن الله تعالى تكلم به في القِدم، فلما بعث محمدًا أنزله عليه»([33]).

ومحل الخطأ في كلام ابن حامد والأصبهاني أن الكلام قبل الخلق مثل الكلام بعد الخلق؛ هو قِدم نسبي وليس في ذلك موضع نزاع مع المعتزلة والأشاعرة -كما أشار ابن تيمية-؛ لأن مشكلتهم الأساسية ليس في الكلام قبل الخلق أو بعده، وإنما النزاع في أن الكلام في وقت معين مما يوجب الحدوث عندهم.

ويبدو هذا الخلط أيضًا وبصورة أوضح في كلام أبي الفرج الشيرازي الحنبلي، حيث قال في معرض رده على الأشاعرة: «حدّ القديم موجود في الكلام مع كونه مُرتبًا، لأن حدّ القديم ما كان مُتقدمًا على غيره. والدليل على صحة هذا هو أنهم يقولون: جسرٌ قديم، وبئرٌ وبناءٌ قديم؛ لتقدمه على غيره»([34]).

وهذه الأمثلة التي ضربها الشيرازي: (جسرٌ قديم) و(بئرٌ قديم) هو قدم نسبي، وليس القدم الأزلي، وقد وقع في نفس الخلط الذي وقع فيه الحسن بن حامد والأصبهاني؛ فخصومه من الأشاعرة لا ينازعونه في أن القرآن متقدم على غيره، أو تكلم الله به قبل الخلق؛ فهذه المسألة غير مؤثرة في البحث لديهم، لأن النزاع الحقيقي هو في إمكان أن يتكلم الله بكلام بمشيئته، سواء تكلم به قبل الخلق أو بعد الخلق.

على أننا ننبه أنه ليس كل الحنابلة وأهل الحديث لم يفهموا لفظة (القديم)، بل بعضهم تابع أصول المتكلمين ونفى صفات الفعل الاختياري، وبالتالي قال بقدم الكلام المعين، ومن هؤلاء: مدرسة القاضي أبي يعلى الحنبلي رحمه الله.

إذن يُمكن إجمال مراد أهل الحديث والحنابلة بمصطلح القديم على معانٍ:

1- المعنى الأول:

هو القدم الأزلي للكلام المُعين، أي: أن القرآن أقنوم قديم لم يزل بحروفه، وهذه طريقة من ينفي الكلام بالمشيئة، وقالوا في كلام الله لموسى: لم يكلمه بمشيئته، بل كشف له عن كلامه القديم وأسمعه كلامه، وهذه طريقة القاضي أبي يعلى ومدرسته كابن الزاغوني وغيره، ووقعوا بسبب ذلك في لوازم فاسدة أنكرها عليهم المتكلمون.

2- المعنى الثاني:

هو أن يكون «القِدم» لديهم بمعنى «غير مخلوق»؛ لأن التقسيم الشائع في زمانهم -بعد القرن الرابع الهجري- كان (قديم ومخلوق)، إذ لم يعرفوا إلا تلك القسمة الثنائية، فيرون أن هذا قسيم ذاك، فيقولون: القرآن قديم، أي: غير مخلوق، ومرادهم مجانبة قول الأشعرية في المخلوق المنفصل، وهو معنًى صحيح.

يقول ابن تَيميَّة: «ومنهم -أي من أهل الحديث- من يقول: إن مرادنا بأنه قديم أنه غير مخلوق، ولا يفهم أنه مع ذلك يكون أزليًّا لم يزل، وهؤلاء سمعوا ممن يوافقهم على أنه غير مخلوق قالوا: هو قديم، فوافقوا على أنه قديم ولم يتصوروا ما يقولونه»([35]).

3- المعنى الثالث:

هو أن يكون المراد بـ(القديم) القدم الإضافي النسبي لا القدم الذاتي، فيقولون: هو قديم، أي: تكلم الله به قبل الخلق، كما تقول: بيتٌ قديم، عرجون قديم، بئرٌ قديم، وهذا صرح به بعضهم، وأقر بهذه الإشكالية ابن عقيل وابن الملاحمي وابن تيمية -كما سبق بيانه-.

4- المعنى الرابع:

أرادوا بالقديم نوع الكلام، وهو وجه آخر تأوله ابن تَيميَّة لهم؛ فقال -وهو يتكلم عن بعض القائلين بالأفعال الاختيارية-: «وأصحاب هذا القول قد يقولون‏:‏ إن كلامه قديم، وأنه ليس بحادث ولا مُحدَث، فيريدون نوع الكلام؛ إذ لم يزل يتكلم إذا شاء، وإن كان الكلام العيني يتكلم به إذا شاء، ومن قال‏:‏ ليست تحل ذاته الحوادث، فقد يريد به هذا المعنى، بناء على أنه لم يحدث نوع الكلام في كيفية ذاته‏.‏ وقال أبو عبد الله بن حامد في ‏‏أصوله:‏ ومما يجب الإيمان به والتصديق أن الله يتكلم، وأن كلامه قديم وأنه لم يزل متكلمًا في كل أوقاته بذلك موصوفًا، وكلامه قديم غير محدَث، كالعلم والقدرة»([36]).

فبيَّن ابن تَيميَّة أن من أهل الحديث من يصف الكلام بالقدم، بل وبعضهم يمنع حلول الحوادث، ومع ذلك لا ينفي الفعل الاختياري. وهذه طريقة جماعة كبيرة من أهل الحديث الصرفة كابن حامد والأصبهاني واللالكائي وغيرهم.

ويبدو من تصرفات أهل الحديث أن بعضهم كان يقصد المعنى الأول، وبعضهم يقصد المعنى الثاني، وبعضهم يقصد المعنى الثالث، وبعضهم يقصد الرابع، والبعض الآخر يحتار ويضطرب بين هذه المعاني، والله أعلم.

المبحث الرابع: هل أخطأ ابن تيمية في توصيف مذهب أهل الحديث؟

تأتي عبارات ابن تيمية في هذا الباب كتحقيق وتخريج أصولي لحقيقة مذهب أهل الحديث، لأنه إذا كان أكثرهم يقولون بالفعل الاختياري (الفعل الكائن بعد أن لم يكن)، فإن الخلاف حينئذٍ في التعبير عن هذا المذهب لا معنى له ولا مبرر.

فسواء سميت هذه الأفعال: (أفعالًا اختيارية) أو (تجددًا) أو (حدوثًا)، أو (فعلًا لم يكن من قبل)، فلا مشاحة في الاصطلاح. فإذا سلَّم المخالف بقولهم بهذا المعنى، فلا خلاف من الأساس، ويبقى النظر في هل أصاب ابن تيمية في التسمية أم لا.

أما إذا أنكر المخالف ثبوت هذا المعنى عن أهل الحديث، فإن الإنصاف يقتضي التنبيه إلى أن ابن تيمية لم ينفرد بهذا الفهم عنهم، بل نقله عدد من العلماء أيضًا مشربهم مختلف، ومنهم الحافظ ابن حجر.

يقول الحافظ ابن حجر في سياق عرضه لاختلاف أصحاب الإمام أحمد: «وافترق أصحاب أحمد فرقتين، فمنهم من قال: كلامه لازم لذاته، والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة، ويُسمع كلامه من شاء. وأكثرهم: أنه يتكلم بما شاء إذا شاء، وأنه نادى موسى حين كلمه، ولم يكن ناداه من قبل»([37]).

والقول الثاني الذي نقله ابن حجر عن أصحاب أحمد -والذي نسبه إلى الأكثرية- هو نفسه إثبات الفعل الاختياري الكائن بعد أن لم يكن (نادى موسى.. ولم يكن ناداه من قبل)، وترجمته الكلامية العقلية: أن الكلام المعين حادث غير مخلوق، أي: أن الكلام المعين ليس قديمًا أزليًّا بالعين، هذا هو مذهبهم عند كافة العقلاء، سواء أقروا بلفظ الحدوث أم أحجموا عنه.

وتحليل ابن حجر ونقله لمذهب الحنابلة لا ينبغي أن يمر عليه الباحث مرور الكرام، فهو نقلُ عالمٍ مُحايد، ومشربه مختلف عن مشرب ابن تيمية، وهو ثقةٌ مأمونٌ في نقله، وإذا كان ابن حجر قد نسب هذا القول إلى جمهور الحنبلية، فأي تثريبٍ على ابن تيمية أن فهم نفس الفهم عن جمهور الحنبلية ورجَّحه؟!

وممن فهم نفس الفهم أيضًا الحافظ ابن رجب الحنبلي، حيث نقل المذهبين عن الحنابلة أيضًا، ومعلوم أن ابن رجب لم يكن مُقلدًا لابن تيمية.

ففي ترجمة ابن رجب للحافظ عبد الغني المقدسي قال: «أخذوا عليه مواضع، منها قوله: (ولا أنزهه تنزيهًا ينفي حقيقة النزول)، ومنها قوله: (كان ولا مكان، وليس هو اليوم على ما كان). فقالوا له: إذا لم يكن على ما قد كان فقد أثبت له المكان، وإذا لم تنزهه تنزيهًا تنفي حقيقة النزول فقد أجزت عليه الانتقال». ثم عقّب ابن رجب بقوله: «هذا مبني على الأفعال الاختيارية، وقيامها بالذات، وفيها قولان لأهل الحديث المتأخرين من أصحابنا وغيرهم»([38]).

وقول الحافظ عبد الغني: «كان ولا مكان، وليس هو اليوم على ما كان» معناه أنه لم يكن مستويًا ثم استوى على العرش، والحافظ ابن رجب رأى أن قول عبد الغني مبني على أحد قولين معتبرين داخل المذهب وهو: (قيام الأفعال الاختيارية بالذات)، وهي تعني التجدد والحدوث، مما يعني ضمنًا أن القول بقيام الأفعال الاختيارية بذات الرب قولٌ له أصل في المذهب.

إذن، إن ما قرره ابن تيمية في قوله: “قدم النوع وحدوث الآحاد” لا ينبغي أن يُقرأ قراءة سطحية، ولا أن يُنظر إليه على أنه تأسيس لمذهب مبتدع أو إحداث قول جديد خارج عن دائرة أهل الحديث، بل هو في حقيقته بمثابة تحقيق عقلي واستقراء نصي لمسلكهم، ومحاولة لإعادة بناء مواقفهم المتفرقة في نسقٍ منطقي متماسك، بعد زمن استقرار العلوم.

فإن السلف -ومنهم الإمام أحمد- لم يكونوا في زمن التقعيد العلمي للعلوم، فلم يخوضوا في مثل هذه التفريعات، وأكثر العلوم الشرعية تمت صياغتها بعد القرن الرابع الهجري بصيغ عقلية لم يذكرها السلف بألفاظها، وإنما هي تخريج عقلي وشرعي لمضامين أقوالهم. فكما أن الأصوليين استنبطوا قواعد عامة من تصرفات الأئمة الفقهاء وشققوا العبارات ووضعوا التقاسيم والتقييدات والاحترازات، كذلك ابن تيمية حاول أن يستنبط قواعد جامعة وتقاسيم على منوال المتأخرين بعدما استقرت العلوم.

وهذا ليس مخصوصًا بابن تيمية، بل كافة مذاهب المسلمين لم يجمدوا على ألفاظ السلف في مباحث أصول الدين (العقيدة) فقد امتلأت مصنفات هذا الفن بالتقعيد والتقسيم والتشقيق الكلامي كما لا يخفى على أدنى مُطَّلع.

وكثيرٌ ممن ينتقد ابن تيمية من المعاصرين بدعوى مخالفته لأهل الحديث لم يدرك أن ابن تيمية كان مقصوده دفع الشبهة عن السلف وأهل الحديث الذين اتهمهم المتكلمون بالتناقض العقلي، إذ فهموا عنهم أن يكون الله قد نادى موسى في الأزل، وهو ما جعل الأشاعرة يسخرون من مذهب الحنابلة لأجل ذلك. فجاء تحرير ابن تيمية ليُظهر أن ما نسبه المتكلمون إلى أهل الحديث غير صحيح، وأن مذهبهم في حقيقته متسق مع صريح المعقول وسديد المنقول، وإنما نشأت الشبهة من غموض الاصطلاح وعدم تحريره، لا من خللٍ في أصل المذهب.

كما أن من ينكر على ابن تيمية حدوث آحاد الأفعال -على معنى التجدد غير المخلوق- يتعامى أو يتناسى أن مذهب الأشاعرة هو الحدوث أيضًا، فعندهم آحاد الأفعال مُحدثة، لكنها مخلوقة منفصلة عن الذات وفقًا لقاعدتهم: “الفعل هو المفعول”، فقولهم أبلغ في الإنكار، بل إنكار السلف يتوجه أصالةً إلى هذا القول.

على أنه يجدر التنبيه على:

أن ابن تيمية لم يصف القرآن بـ(المحدث)، بل رآه مصطلحًا مجملًا، وأجاز وصفه بالحادث والحديث.

يقول ابن تيمية عن القرآن: «كلامه هو حديث، وهو أحسن الحديث، وليس بمخلوق باتفاقهم، ويسمى حديثًا وحادثًا. وهل يسمى محدثًا؟ على قولين لهم. ومن كان من عادته أنه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل… فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال: القرآن محدث، بل من قال: إنه محدث فقد قال: إنه مخلوق»([39]).

وقد ذكر ابن تيمية إشكال ذم السلف لمن وصف القرآن بالمحدث وقال: «فيجيبون عنه بجوابين:

(أحدهما): ألا يسمى “محدثا”، وأن يسمى “حديثا”؛ إذ المُحدث هو المخلوق المنفصل، وأما الحديث فقد سماه الله حديثا. وهذا قول الكرامية وأكثر أهل الحديث والحنبلية.

و(الثاني): أنه يسمى “محدثا” كما في قوله: ﴿مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: 2] وليس بمخلوق. وهذا قول كثير من الفقهاء وأهل الحديث والكلام كداود بن علي الأصبهاني صاحب المذهب، لكن المنقول عن أحمد إنكار ذلك، وقد يحتج به لأحد قولي أصحابنا»([40]).

خاتمة:

يتبين من خلال استقراء نصوص أكثر الحنابلة في مسألة الحدوث والقدم أن التباين في أقوالهم لم يكن بالضرورة دليلًا على تباين المذاهب أو تعدد العقائد داخل البيت الحنبلي، بقدر ما كان انعكاسًا لاختلاف الألفاظ، وتباين طرائق التعبير، وتأثر كل عالم بمصطلحات عصره وبيئته العلمية. ومن ثم فإن ما نُسب إلى الحنابلة من مواقف متعارضة إنما نشأ في كثير من الأحيان من عدم تحرير المقصود بالقدم أو الحدوث، ومن إسقاط اصطلاحات لاحقة على نصوص سابقة.

وفي ضوء ذلك يظهر أن تحقيق ابن تيمية لم يكن ابتداعًا لمذهب جديد، وإنما كان تخريجًا عقليًّا ومنهجيًّا لمضامين مذهب الحنابلة، ومحاولة لرفع ما ظنه الخصوم تناقضًا في أقوال أهل الحديث، فعبارته “قديم النوع حادث الآحاد” جاءت لتستوعب نصوص الأئمة وتدفع عنها إيهام التناقض، وتؤكد تماسك الموقف الحنبلي في جوهره.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) انظر: العلو للعلي الغفار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها، الذهبي، مكتبة أضواء السلف (ص: 150).

)2) انظر: السنة، عبد الله بن أحمد، نشر دار ابن القيم (1/ 115)، والإبانة الكبرى، ابن بطة، نشر دار الراية (6/ 65).

([3]) سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة (11/ 288).

) 1) كتاب السنة من مسائل حرب الكرماني، نشر دار اللؤلؤة (ص: 204-205).

([5]) ذكره الأشعري، وعَلَّقَهُ ابن تيمية والذهبي وابن كثير والسبكي وجزموا به إلى أبي بكر الخلال؛ قال: أخبرنا الحسين بن عبد الله الخِرَقيُّ؛ قال: سألتُ المروذي عن قصة داود الأصبهاني وما أنكر عليه أبو عبد الله [يعني أحمد بن حنبل]؛ فذكره. انظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، نشر المكتبة العصرية (2/ 421)، والفتاوى الكبرى، دار الكتب العلمية (6/ 394)، وتاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، نشر دار الكتاب العربي (20/ 92)، وسير أعلام النبلاء (13/ 103).

([6]) انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (6/ 161).

([7]) انظر: أجوبة أبي زرعة الرازي لأسئلة البرذعي وأسامي الضعفاء، نشر عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، (2/ 551-555، 6/ 393)، وسير أعلام النبلاء (13/ 103).

([8]) ‌أبو ‌معاذ ‌التومنى: هو رأس الطائفة المعروفة بالتومنية، وهم فرقة من المرجئة. انظر: الأنساب، السمعاني، نشر مجلس دائرة المعارف العثمانية (3/ 111).

([9]) الفتاوى الكبرى (6/ 422).

([10]) مجموع الفتاوى (3/ 262، 5/ 532-533، 25/ 232-233)، وشرح العقيدة الأصفهانية، نشر المكتبة العصرية (ص: 126)، وشرح حديث النزول، نشر المكتب الإسلامي (ص: 155).

([11]) صحيح البخاري، نشر دار ابن كثير ودار اليمامة (6/ 2735).

)1) عمدة القاري، نشر دار إحياء التراث العربي ودار الفكر (32/ ٢١٦).

)2) لأن المعتزلة يصفون القرآن بالحدث أيضًا، وهو خطأ من ابن بطال؛ لأن مقصود المعتزلة هو الخلق المنفصل.

([14]) انظر: فتح الباري، ابن حجر، نشر المكتبة السلفية (13/ 497).

([15]) فتح الباري (13/ 415، 13/ 497-498).

([16]) فيض الباري، نشر دار الكتب العلمية (2/ 566، 6/ 589).

([17]) المرجع السابق (2/ 566).

([18]) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة، نشر دار الراية (ص: 39).

([19]) ذيل طبقات الحنابلة، نشر مطبعة السنة المحمدية (1/ 144-145).

([20]) مجموع الفتاوى (٦/ ٥٤(.

([21]) الإرشاد إلى معرفة الحق في مسائل الاعتقاد، نشر دار النفائس (ص: 161-162).

وكان قبل رجوعه يسميها أحوالًا؛ حيث يقول: «وصفات الله سبحانه ما لم تفارقه كالعلم والقدرة، فأما ما تجدد وزال فلا يجوز أن يكون، كالاستواء، ورؤيته لخلقه، وسماع كلام خلقه، وهذه أحوال، وليست صفاتٍ، فلم يزل بصيرًا سميعًا لكل مسموع ومرئي، فلما تجددت الأصوات سمع تلك الأصوات، ولما خلق المرئيات كان رائيًا لها، وعلى هذا فاعتقد تسلم من شبهة التشبيه». كتاب الفنون، دار المشرق (1/ 68). وهذا خطأ منه، والصواب هو ما استقر عليه أمره، والله أعلم.

([22]) الرد على الأشاعرة العزال وإثبات الحرف والصوت في كلام الكبير المتعال، بتحقيق المستشرق جورج مقدسي، نشر مجلة نشرة الدراسات الشرقية، سنة 1971م، دمشق – سوريا (ص: 76).

([23]) نُكَت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام، نشر دار ابن القيم ودار ابن عفان (1/ 428).

([24]) درء تعارض العقل والنقل، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (1/ 280).

([25]) الإرشاد إلى معرفة الحق في مسائل الاعتقاد (ص: 378).

 ([26]) الفائق في أصول الدين، نشر دار الكتب العلمية (ص: 179).

([27]) رسائل الجاحظ، نشر دار الهلال (2/ 18-19).

([28]) رسائل الجاحظ (2/ 15-16).

([29]) الوصول إلى الأصول، نشر مكتبة المعارف (ص: 60-61).

([30]) الرد على الشاذلي، نشر دار عالم الفوائد (1/ 222).

([31]) مجموع الفتاوى (12/ 323).

([32]) انظر: مجموع الفتاوى (3/ 438)، درء تعارض العقل والنقل (1/ 275).

([33]) الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، نشر دار الراية (ص: 201).

([34]) التبصرة في أصول الدين، نشر دار المأثور (ص: 94).

([35]) مجموع الفتاوى (7/ 165).

([36]) مجموع الفتاوى (7/ 165).

([37]) فتح الباري (13/ 468).

([38]) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 22، 24).

([39]) مجموع الفتاوى (5/ 532)، وشرح حديث النزول (ص: 154).

([40]) مجموع الفتاوى (6/ 160-161).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

اختلاف أهل الحديث في إطلاق الحدوث والقدم على القرآن الكريم -قراءة تحليلية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعَدّ مبحث الحدوث والقدم من القضايا المركزية في الخلاف العقدي، لما له من أثر مباشر في تقرير مسائل صفات الله تعالى، وبخاصة صفة الكلام. غير أنّ النظر في تراث الحنابلة يكشف عن تباينٍ ظاهر في عباراتهم ومواقفهم من هذه القضية، حيث منع جمهور السلف إطلاق لفظ المحدث على […]

وقفة تاريخية حول استدلال الأشاعرة بصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهما

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يتكرر في الخطاب العقدي المعاصر استدعاء الأعلام التاريخيين والحركات الجهادية لتثبيت الانتماءات المذهبية، فيُستدلّ بانتماء بعض القادة والعلماء إلى الأشعرية أو التصوف لإثبات صحة هذه الاتجاهات العقدية، أو لترسيخ التصور القائل بأن غالب أهل العلم والجهاد عبر التاريخ كانوا على هذا المذهب أو ذاك. غير أن هذا النمط […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الثاني)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة خامسًا: الاستدلال بإباحة التوسل وشدّ الرحل لقبور الصالحين: استدلّ المخالفون بما أجازه جمهور المتأخرين من التوسّل بالصالحين، أو إباحة تحرّي دعاء الله عند قبور الصالحين، ونحو ذلك، وهاتان المسألتان لا يعتبرهما السلفيون من الشّرك، وإنما يختارون أنها من البدع؛ لأنّ الداعي إنما يدعو الله تعالى متوسلًا بالصالح، أو عند […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الأول)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من المعلوم أن مسائل التوحيد والشرك من أخطر القضايا التي يجب ضبطها وفقَ الأدلة الشرعية والفهم الصحيح للكتاب والسنة، إلا أنه قد درج بعض المنتسبين إلى العلم على الاستدلال بأقوال بعض الفقهاء المتأخرين لتبرير ممارساتهم، ظنًّا منهم أن تلك الأقوال تؤيد ما هم عليه تحت ستار “الخلاف الفقهي”، […]

ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ

أحد عشر ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ. مما يتكرر كثيراً ذكرُ المستشرقين والعلمانيين ومن شايعهم أساميَ عدد ممن عُذِّب أو اضطهد أو قتل في التاريخ الإسلامي بأسباب فكرية وينسبون هذا النكال أو القتل إلى الدين ،مشنعين على من اضطهدهم أو قتلهم ؛واصفين كل أهل التدين بالغلظة وعدم التسامح في أمورٍ يؤكد كما يزعمون […]

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وَقَد تأخَّر تدوِينُها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ إثارةَ الشكوك حول حجّيّة السنة النبوية المشرَّفة بسبب تأخُّر تدوينها من الشبهات الشهيرة المثارة ضدَّ السنة النبوية، وهي شبهة قديمة حديثة؛ فإننا نجدها في كلام الجهمي الذي ردّ عليه الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ (ت 280هـ) رحمه الله -وهو من أئمَّة الحديث المتقدمين-، كما نجدها في كلام […]

نقد القراءة الدنيوية للبدع والانحرافات الفكرية

مقدمة: يناقش هذا المقال لونا جديدًا منَ الانحرافات المعاصرة في التعامل مع البدع بطريقةٍ مُحدثة يكون فيها تقييم البدعة على أساس دنيويّ سياسيّ، وليس على الأساس الدينيّ الفكري الذي عرفته الأمّة، وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى التشويش على مبدأ محاربة البدع والتقليل من شأنه واتهام القائمين عليه، والأهم من ذلك إعادة ترتيب البدَع على أساسٍ […]

كشف الالتباس عما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى في حق الرسل عليهم السلام: (وظنوا أنهم قد كُذبوا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن ابن عباس رضي الله عنهما هو حبر الأمة وترجمان القرآن، ولا تخفى مكانة أقواله في التفسير عند جميع الأمة. وقد جاء عنه في قول الله تعالى: (وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ) (يوسف: 110) ما يوهم مخالفة العصمة، واستدركت عليه عائشة رضي الله عنها لما بلغها تفسيره. والمفسرون منهم […]

تعريف بكتاب “نقض دعوى انتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة بدلالة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقَـدّمَـــة: في المشهد العقدي المعاصر ارتفع صوت الطائفة الأشعرية حتى غلب في بعض الميادين، وتوسعت دائرة دعواها الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وتواترُ هذه الدعوى وتكرارها أدّى إلى اضطراب في تحديد مدلول هذا اللقب لقب أهل السنة؛ حتى كاد يفقد حدَّه الفاصل بين منهج السلف ومنهج المتكلمين الذي ظلّ […]

علم الكلام السلفي الأصول والآليات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اختلف العلماء في الموقف من علم الكلام، فمنهم المادح الممارس، ومنهم الذامّ المحترس، ومنهم المتوسّط الذي يرى أن علم الكلام نوعان: نوع مذموم وآخر محمود، فما حقيقة علم الكلام؟ وما الذي يفصِل بين النوعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك علم كلام سلفيّ؟ وللجواب عن هذه الأسئلة وغيرها رأى […]

بين المعجزة والتكامل المعرفي.. الإيمان بالمعجزة وأثره على تكامل المعرفة الإنسانية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لقد جاء القرآن الكريم شاهدًا على صدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى صدق الأنبياء كلهم من قبله؛ مصدقًا لما معهم من الكتب، وشاهدا لما جاؤوا به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. وهذا وجه من أوجه التكامل المعرفي الإسلامي؛ فالقرآن مادّة غزيرة للمصدر الخبري، وهو […]

قواعد علمية للتعامل مع قضية الإمام أبي حنيفة رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من القضايا التي عملت على إثراء التراث الفقهي الإسلامي: قضية الخلاف بين مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث، وهذا وإن كان يُرى من جانبه الإيجابي، إلا أنه تمخَّض عن جوانب سلبية أيضًا، فاحتدام الصراع بين الفريقين مع ما كان يرجّحه أبو حنيفة من مذهب الإرجاء نتج عنه روايات كثيرة […]

كيف نُؤمِن بعذاب القبر مع عدم إدراكنا له بحواسِّنا؟

مقدمة: إن الإيمان بعذاب القبر من أصول أهل السنة والجماعة، وقد خالفهم في ذلك من خالفهم من الخوارج والقدرية، ومن ينكر الشرائع والمعاد من الفلاسفة والملاحدة. وجاءت في الدلالة على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: {ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} [غافر: 46]. وقد تواترت الأحاديث […]

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017