إعادة قراءة النص الشرعي عند النسوية الإسلامية.. الأدوات والقضايا
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
تشكّل النسوية الإسلامية اتجاهًا فكريًّا معاصرًا يسعى إلى إعادة قراءة النصوص الدينية المتعلّقة بقضايا المرأة بهدف تقديم فهمٍ جديد يعزّز حقوقها التي يريدونها لا التي شرعها الله، والفكر النسوي الغربي حين استورده بعض المسلمين إلى بلاد الإسلام رأوا أنه لا يمكن أن يتلاءم بشكل تام مع الفكر الإسلامي، فأرادوا تقديم موضوعاته بثوب إسلامي أقرب إلى نفوس الشعوب المسلمة، فالنص الشرعي معظَّم عند عموم المسلمين، وهو ما حاول بعض النسوية استغلاله لجعل الموضوعات النسوية موضوعات إسلامية من المفترض أن نقبلها كما قدّموها. وتحقيقًا لما يرمي إليه مركز سلف للبحوث والدراسات من تتبّع هذه التوجُّهات وكشفها رأيتُ دراسة بعض هذه الموضوعات، واستخلاص بعض الأدوات التي يستخدمونها في إعادة قراءة النصوص الشرعية.
وتأتي هذه الدراسة ضمن رسالة مركز سلف في تتبّع الاتجاهات الفكرية المعاصرة وكشف ما فيها من انحرافات منهجية في فهم النصوص الشرعية.
مركز سلف للبحوث والدراسات
تمهيد:
في الحديث عن الحركات النسوية نجد أن التأريخ لها يتضمن عدة موجات متتالية، بدأت منذ القرن التاسع عشر واستمرت حتى يومنا هذا، ويعتبر ظهور مفهوم النسوية الإسلامية امتدادا لهذا الحراك، حيث استلهم مناخها من عدة عوامل واعتبارات سياسية وإيديولوجية وثقافية داخل المجتمعات العربية.
ولست أريد التأريخ للحراك النسوي، لكن أشير إلى أن الأمة العربية وبحكم بعض الضعف الحضاري من جهة، والانبهار بالحضارة الغربية من جهة؛ تبنت الكثير من الحركات أو الأفكار الغربية، ففي الآونة الأخيرة بدأت تظهر حركاتٌ فكريةٌ واجتماعيةٌ تسعى إلى تحريف ثوابت الدين الإسلامي، وتقديم هذا التحريف في ثوب إسلاميّ ليتقبَّلها العامةُ، هذه المحاولات تهدف إلى تغيير جذريّ في المبادئ والقيم الإسلاميّة الأساسية، وهي أفكارٌ حداثية أو علمانية تلبس ثوب الإسلام لتبدو وكأنها تجديدٌ أو تحديث للإسلام، ولكن في واقع الأمر هذا ليس إلا امتدادًا واضحًا للفكر العلمانيّ الشامل، ولا يقتصر الأمرُ على الإتيان بأفكار تهدم ثوابتَ الإسلام وتُلبَس لَبوس الإسلام، فالأداة الفكرية التي كانت تُصِمُّ الآذان بالعلمانية الصريحة -والتي كانت ندًّا للخطاب الإسلاميّ- أصبح أصحابها يغوصون في كتب التراث ليظفروا بنصٍّ أو خلاف فقهيّ أو حتى مسلك من مسالك العلماء في إعمال المقاصد؛ ليتشبّثوا به ويقدّموا فكرتهم العلمانية من خلاله، يقولُ أحمد أمين: “إِنَّ الأزهر لا يقبل الآراءَ العلميَّة الحرة، فخيرُ طريقة لبثِّ ما تراه مناسبًا من أقوال المستشرقين أن لا تنسبها إليهم بصراحَة، ولكن ادفعها إلى الأزهريِّين على أنها بحثٌ منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يُزعجهم مَسّها، كما فعلتُ أنا في فجر الإسلام وضُحَاهُ”([1])، وقريب من هذا ما قاله نصر أبو زيد: “اتجهت التيارات العلمانية إلى مواجهة الحاضر ومحاولة حلّ إشكالياته بآليات ذات طابع عصري في أغلب الأحيان، ولكنها أحسّت بضرورة طرح هذه الآليات طرحًا يسوّغ قبولها من الجماهير، فوجدت في بعض اتجاهات التراث سندًا لتوجهاتها. وعلى ذلك فلم يكن الخلاف بين جناحي الأمة -كما يتصوّر اليسار الإسلامي- خلافًا جذريًّا فيما يرتبط بعلاقة كل منهما بالتراث، بل تركز الخلاف في الطريقة التي استعمل بها كلّ منهما التراث، حيث تحوّل لدى السلفيين إلى إطار مرجعيّ، بينما تحوّل عند العلمانيين إلى غطاء وسند”([2]).
هذه الدعوات التي يظهر صداها بين الحين والآخر، ويرفع بها أقوام رؤوسهم، وتضجّ بها بعض القنوات، وتُكتب لأجل الترويج لها المقالات؛ مظهرٌ من مظاهر تغوُّل العلمانية وابتلاعها لكل القيم الدينية والأخلاقية، فهذه التحولات الفكرية التي نشهدها تشبه كرةَ الثلج التي تكبر مع مرور الزمن، حيث تزداد هذه الأفكار انتشارًا وتأثيرًا حتى تلتهمَ القيم والأخلاق الإسلامية الأساسية. ومع مرور الوقت، إذا لم يتمّ التصدي لها فإنها قد تؤدّي إلى تآكل الهوية الإسلامية برمتها، وهي بعضها مجرد دعوات أو صدى لبعض الأفكار، وأحيانا أخرى أفكار كاملة عابرة للبلدان لتأتي وتستقر في الفكر الإسلامي، خاصة تلك الأفكار التي قد لا يقبلها المجتمع المسلم المحافظ على هويته الدينية، ولذلك رأينا على مر التاريخ: “الاشتراكية من منظور إسلامي” و”حقوق الإنسان الإسلامي” و”الديمقراطية الإسلامية”، في محاولة للتقريب بين هذه المفاهيم وبين الإسلام، والتأكيد على عدم تعارضها مع تعاليمه، ومن ذلك: “النسوية الإسلامية”.
ولا أريد الإطالة هنا في بيان شرعنة الأفكار ومدى خطورتها، لكن من الجيد الإلمام ببعض الأمور فيما يتعلق بالنسوية الإسلامية، ولماذا نحتاج إلى نسوية إسلامية؟
بداية: النسوية الإسلامية عرّفتها أميمة أبو بكر([3]) بقولها: “الجهد الفكري والأكاديمي الذي يسعى إلى تمكين المرأة انطلاقًا من المرجعيات الإسلامية، وباستخدام المعايير والمفاهيم والمنهجيات الفكرية المستمدة من هذه المرجعيات”([4]).
أما عن الحاجة إلى شرعنة النسوية فقد كتب أحمد زكي ورقة بعنوان: (لماذا نحتاج إلى نسوية من منظور إسلامي؟) حررتها أميمة أبو بكر، قال فيها: “إن الدافع الرئيسي وراء توجهات البحث النسوي الإسلامي اليوم هو تفعيل المبادئ والمقاصد العليا لإنتاج معرفة نسوية في نطاق الإسلام وبه، معرفة تنقض الأبوية السلطوية والتحيز في خطابات وتفسيرات التراث ثم تعيد بناء رؤية إصلاحية جديدة تلبي احتياجات النساء داخل مجتمعاتهن وثقافاتهن”([5]). وكيف يتم فعل هذا؟ يجيب: “يتم هذا بداية عن طريق استخلاص معانٍ فاعلة محددة من مبادئ الحقوق الإنسانية المتضمنة في النص القرآني لبناء نظام من الإصلاحات القانونية/ الفقهية للتطبيق ولتعزيز دور النساء بوصفهن مستخلفات في الأرض أيضًا، أي: أن أساس ومنطق التغيير يأتي مباشرة من المصدر الرئيسي للإسلام الأكثر تعويلًا عليه وثقة فيه، ألا وهو القرآن ذاته”([6]).
وسنرى حين نمر على منهجهم في إعادة القراءة أنهم كثيرا ما يعولون على القرآن الكريم وحده ليقرؤوه ويعيدوا قراءته بعيدا عن النصوص المحيطة، سواء كانت نصوصا نبوية، أو تفسيرات للعلماء من الصحابة الكرام إلى علمائنا المعاصرين، فالنص الشرعي هو النص القرآني وحده، وفقه القرآن هو فقه كل نسوي ونسوية بما يتلاءم مع أفكارهم.
وهنا في هذه الورقة القصيرة أريد أن أقف مع إعادة قراءة النص عند النسوية، فالنسوية بأفكار النسوية الغربية قد تكون ممجوجة عند شريحة من الناس، بينما النص الشرعي الذي تغلَّف به بعض الأفكار النسوية قد يتقبلها بهذه الحمولات النسوية كثيرون، وهي فئة ليست بالقليلة([7]).
أولا: أدوات النسوية في إعادة قراءة النص حول القضايا النسوية:
تسعى النسوية الإسلامية إلى إعادة قراءة النصوص الدينية المتعلقة بقضايا المرأة باستخدام أدوات منهجية تعيد تفسير هذه النصوص بما يتماشى مع قيم الحرية والمساواة، تعتمد النسويات الإسلاميات على أدوات عدة، يمكن أن نجمل بعضها في الآتي:
تكاد أقلام النسوية تتفق على رد كل ما هو خارج عن النص القرآني، سواء كان حديثا نبويا أو رأيا من آراء علماء المسلمين، فهم في مشروعهم الذي يحاولون فيه شرعنة القضايا النسوية يدركون أن أكبر عائق أمامهم هو كمية الأحاديث النبوية التي تفرق بين الرجل والمرأة، وتضع المساواة التي ينادون بها في مهب الريح، فما من حل أمامهم إلا ردُّ الأحاديث كلِّها، وبالتالي إعادة قراءة الآيات القرآنية بمعزل عن أي تفسير للنص من النبي صلى الله عليه وسلم، تقول رفعت حسن: “ويقبع خلف رفض فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية ذلك الإيمان الراسخ بأن النساء -وهن الأدنى في الخلق (إذ أتَين من ضلع أعوج) وفي الاستقامة (إذ أعنَّ الشيطان على تقويض ما أعده الله لآدم)- قد خلقن أساسًا لفائدة الرجال الذين هم أرفع منهم مكانة. وتستمد تلك الفكرة حول المكانة الأرفع المزعومة للرجال فوق النساء التي تسود التراث الإسلامي (كما تسود التراثين اليهودية والمسيحية) جذورها من تراث الحديث وكذلك من التفاسير الرائجة لبعض الآيات القرآنية”([8]).
بيّنّا في السابق كيف أنهم يردون الأحاديث ولا يريدون الاعتماد عليها بالكلية؛ ومن باب أولى لن يعتمدوا على نصوص العلماء السابقين أو من خلفهم، تقول رفعت حسن: “بينت أهمية القرآن والحديث بوصفهما مصدرا لتراث الدين الإسلامي، يتعين الآن توضيح أن الذين قاموا بتفسير تلك المصادر على مدى التاريخ الإسلامي الممتد كانوا من الرجال الذين انتحلوا لأنفسهم مهمة تحديد مكانة النساء المسلمات الأنطولوجية واللاهوتية والاجتماعية والإيمانية… تبقى حقيقة أن تراث الدين الإسلامي قد كان ولا يزال تراثًا أبويًّا (patriarchal) في المقام الأول، أعاق ازدهار العلم والبحث بين النساء وبخاصة في مجال الفكر الديني. وعليه، فلا عجب أن بقيت الغالبية العظمى من المسلمات حتى الآن غافلات تمامًا أو جزئيًّا عن قدر الانتهاك الذي ألحقته مجتمعاتهن المتمركزة حول الرجال… ولا يهم كم الحقوق الاجتماعية السياسية الممنوحة للنساء طالما استمر تشكيل هؤلاء النساء بحيث يصدّقن الخرافات التي يستخدمها علماء الدين أو الزعماء الدينيون لتقييد أجسادهن وقلوبهن وعقولهن وأرواحهن، ومن ثم لن يحقق تطورهن الكامل أو يصبحن كائنات إنسانية مكتملة، لا يحملن خوفًا أو إحساسًا بالذنب، أو يقفن على قدم المساواة مع الرجال أمام الله. وفي رأيي أن إنتاج ما يسميه الغرب: الفقه النسوي (feminist thology) داخل تراث الدين الإسلامي لهو اليوم أمر في غاية الأهمية يهدف إلى تحرير المسلمات بل والمسلمين من البنى والقوانين الظالمة التي تجعل من علاقة الندية بين الرجال والنساء ضربًا من المستحيل”([9]). وقد شنّت آمنة ودود حملة شرسة ضد التراث التفسيري الإسلامي، فقفزت على أفهام علماء التفسير المعتبرين، بل إنّها تعزو لآرائهم سبب تأخر المرأة عن التقدم في العصر الحاضر: “فليس النصُّ هو ما أعاق تقدّم المرأة، وإنما أعاقتها تفاسير ذلك النص”([10]).
حينما قصرت النسوية أخذ الهدى على القرآن الكريم لم يستطيعوا الهرب من بعض الآيات الصريحة، وللخروج من هذا المأزق ذهبت آمنة ودود إلى أن اللغات المُجنّسة كالعربيّة قاصرة عن إدراك معاني القرآن ومقاصده، خاصّة تلك المتعلَّقة بالمساواة بين الذكر والأنثى، “فكيف يمكن التعبير بلغة مُجنسة عن الأفكار التي تتجاوز التجنيس؟! إنّ قيود اللغة تعمل على تعقيد عملية إرشاد القارئ إلى ميادين واقع غير مُجنَّس”([11]).
يقول الدكتور فرج الزبيدي: “فبحجّة تجنيس اللغة العربية تسعى الكاتبة لتحييدها من ميدان تفسير ألفاظ القرآن وآياته المتعلقة بالجندر، واستبدالها بلغات أجنبية غير مُجنّسة. فهي تسعى جاهدة لإقناع قُرائها بأنَّ اللغة العربيّة عائق أمام فهم بعض مُصطلحات القرآن”([12]).
4- القول بتاريخية النص القرآني:
القول بتاريخية النص القرآني معروف ومعلوم، وهو القول بأن القرآن الكريم مرهون بزمانه وتاريخه الذي نزل فيه، فأحكامه لا تلزمنا في الوقت الحاضر، تقول آمنة ودود: “سوف أحول بعض المفاهيم… على أساس أنَّه عُبِّر عنها بألفاظ خاصة بالجزيرة العربية في القرن السابع”([13])، وتقول: “ينبغي قصر خصوصيات القرن السابع الموجودة في القرآن على تلك البيئة”([14])، وتقول: “إنَّ المواقف تجاه المرأة في زمن ومكان الوحي ساعدت على صياغة تعبيرات خاصّة في القرآن، وكانت الاهتمامات التي تناولها خاصة بتلك الأوضاع”([15]).
ثانيا: الموضوعات التي شرعنتها النسوية:
حينما نريد أن نستعرض أبرز الموضوعات التي أرادت النسوية الإسلامية تقديمها بثوب إسلامي وأعادوا قراءة النصوص الإسلامية لأجلها نجد موضوع: المساواة المطلقة بالرجل، وإلغاء الفوارق بين الرجل والمرأة في كل شيء.
وهذه الفكرة أساس كل الأفكار النسوية الأخرى التي يعيدون قراءة النصوص لأجلها أيضا، مثل: الحرية الجسدية، وإلغاء القوامة أو التسلط الأبوي (الذكوري)، وحتى مساواتها بالرجل في الميراث، والشهادة، وغير ذلك.
وهذه الفكرة هي أولى الموضوعات التي نادت بها النسوية سواء في الشرق أو الغرب، وقد تحدث مؤلفو كتاب “الحركة النسوية” عن بدايات الحركة النسوية وبذورها، فذكروا أن من أقدم من سعى إلى ذلك (أوليمب) في القرن الثامن عشر، حيث نشرت (إعلان حقوق النساء) ردًا على إعلان الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وطالبت بالمساواة بين الرجل والمرأة في القانون والحكومة والتعليم([16]).
ونرى هنا أن المطالبات في البداية حول التعليم والقانون وحق التصويت، لكن لم يكن الأمر هكذا دائما، فالتطور الذي حصل في النسوية في طلب المساواة تجاوز هذه الموضوعات القديمة، وكان شعار المرحلة الجديدة: إلغاء سلطة الرجل (الأبوية)، تقول سارة جامبل: “النسوية بالنسبة للنساء اللاتي ولدن بعد عام ١٩٢٠م ليست إلا ماضيًا انتهى، فقد انتهت كحركة نشطة في أمريكا مع اكتساب المرأة ذلك الحق الأخير وهو الحق في التصويت… العلاقة بين هذه النسوية الجديدة لتحرير المرأة والنسوية القديمة الداعية للمساواة في الحقوق مسألة أكثر تعقيدا من ذلك. ففي أغلب الأحوال يميل الكثيرون إلى وضع حد فاصل بين الاتجاهين… تحرير المرأة ينطوي على بعض الخيوط التي تعود للحركة النسوية القديمة للمساواة في الحقوق، ولكنها أكثر من مجرد مسألة المساواة… إن الموجة الأولى في أهم ثورة في التاريخ هي الكتابات النسوية والدعوة المبكرة لحقوق المرأة. وبعد أن توقفت هذه الحركة لمدة خمسين عامًا بسبب الهجوم المضاد عليها، عادت للظهور من جديد في صورة هجمة نسوية، وقد تتمكن هذه الحركة كما تقول كيت ميليت من أن تحقق هدفها أخيرا وهو: تحرير نصف الجنس البشرى من التبعية التي يعيشها من قديم الزمان من السياسات القائمة على التحيز للرجل”([17]).
وإعادة قراءة النصوص القرآنية المتعلقة بالمساواة ضرورة لجأ إليها النسوية، والأصل أن النسوية قد مارست في الأصل نقدا حادًّا على الأديان، وظهرت محاولات لإلغاء جميع التفاسير للكتاب المقدس، وترى سارة جامبل أن نصوص القرآن الكريم يجب إعادة قراءتها لنلغي التحيز، أو أفضلية الرجل، فقصة خلق الخلق مثلا والتي جاءت في الكتاب المقدس والقرآن الكريم يعطي أفضلية للرجل في النصوص غير القرآنية فقط كما ترى سارة، فالنصوص القرآنية حول الخلق يمكن أن تفهم على أنها مساواة لكن يجب أن لا تتدخل أي نصوص أخرى، تقول: “تقدم فيها قصة الخلق في القرآن في إطار الآثار المكونة من المواد غير القرآنية في كتب الحديث التي ترى أنها تأثرت بالمرويات التي تنطوي على كراهية المرأة، خصوصًا المسيحية منها حسب فهمهم للإصحاحين الثاني والثالث في سفر التكوين. وتكشف عن روح العدل والمساواة في القرآن التي يطغى عليها تفسير أصحاب المصلحة الثابتة في الإبقاء على الموقف الأبوي الراهن”([18]).
ومن أشهر من حاول إعادة قراءة النصوص الشرعية لتتلاءم مع الأفكار النسوية: أمينة ودود([19])، فهي تنطلق في دراساتها وطروحاتها من القرآن تبريرًا وتدعيمًا لكل ما تتبناه من أفكار تتماشى ومناخ الحداثة التي تربّت في كنفها ولا تبتعد عن الدين في الوقت نفسه، وترى في كتبها أنها مؤمنة بأنّ حقوق المرأة مكفولة في الإسلام قبل ظهور حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها بالعالم الغربي.
فهم يرون أن المساواة المطلقة التي يريدونها قد أتى القرآن الكريم بها، بل الأمر أبعد منذ ذلك -ونحن لا زلنا نقرر أنهم يرون أن المساواة إسلامية شرعية-، فهي ترى أن القرآن لا يربط بين الجنس والجندر، ولا بين الجنس وتقسيم العمل، ولا بين خصائص ذكورية وأنثوية، وبين النساء والغريزة والعاطفة، بل على العكس؛ لا يُضفي القرآن على البشر طبيعة ثابتة، بل يُمثلون الكليَّة، فالقرآن أشار إلى -وهنا إشارة إلى الآيات التي يعيدون قراءتها- خلق البشر من نفس واحدة، ويؤكد المساواة بين الجنسين في السلوك الأخلاقي أمام الله، حيث إن المعيار الوحيد للتمييز في الإسلام هو معيار سلوكي وأخلاقي وليس جنسيًّا([20])، والإشارة هنا إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
ومن الأدلة التي يعتمدون عليها بشكل أساسي في إظهار مساواة المرأة بالرجل في الإسلام: أن الله سبحانه وتعالى قد وحد ذكرهما سواء في الخطاب أو الإشارة إليهما، تقول رفعت حسن: “ولو أننا قمنا بتحليل وصف خلق الإنسان كما يرد في القرآن فسنرى الله يستخدم كلمات وصورًا مذكرة ومؤنثة بشكل متساوٍ في وصف خلق البشر من مصدر واحد. وتشير كثير من آيات القرآن ضمنيًّا إلى أن خلق الله الأول كان خلقًا لبشر لا متمايزين (undifferentiated) وليس خلقًا لرجل أو امرأة”([21])، وهذه الآيات التي تريدها هنا هي مثل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فالإنس هنا يشمل الذكر والأنثى، ثم قالت: “ولو كان القرآن لا يميز بين خلق الرجل وخلق المرأة -وذلك واضح بجلاء- فلماذا إذن يعتقد المسلمون أن حواء قد خلقت من ضلع آدم؟! وبالرغم من أن كل المسلمين تقريبًا يقبلون قصة خلق المرأة التي ترد في سفر التكوين، فمن الصعب أن نقول بأن تلك القصة قد دخلت تراث الدين الإسلامي مباشرة، إذ إن عددًا قليلًا من المسلمين يقرؤون الكتاب المقدس. والاحتمال الأقرب أن ذلك الاعتقاد قد أصبح جزءًا من تراث الدين الإسلامي عن طريق استيعابه في تراث الحديث. وتقدم لنا عدة أحاديث أدلة واضحة على تضمين فكرة خلق المرأة من ضلع آدم التي ترد في سفر التكوين داخل تراث الحديث. تحمل ستة من بين تلك الأحاديث أهمية خاصة حين نری ما كان لها من تأثير فعال في تشكيل نظرة المسلمين لوجود المرأة وجنسانيتها (sexuality) في طبيعتها المتمايزة عن وجود الرجل وجنسانيته”([22]). فالخطاب القرآني إذن خطاب غير مميز، بل هو خطاب يساوي بين الرجل والمرأة، وهذا التفضيل أو التمايز بين الرجل والمرأة دخل على المسلمين من قبل الأحاديث التي نُقلت إلى المسلمين عبر الثقافة اليهودية والنصرانية! ثم تقول: “أما من الناحية الفقهية فقد بدأت قضية إخضاع النساء في تراث الدين الإسلامي (كما في التراثين اليهودي والمسيحي) بقصة خلق حواء. وفي رأيي أن المجتمعات الإسلامية المتمركزة حول الرجال -والتي يتحكم فيها الرجال- لن تقر بالمساواة الواضحة التي تظهر في مقولات القرآن عن خلق البشر ما لم ترجع المسلمات إلى تلك النقطة الأصلية وتثرن الجدل حول صحة الأحاديث التي تجعل كل بنات جنسهن أدنى شأنًا من الناحية الأنطولوجية، كما تجعلهن معيبات دون أدنى أمل في الإصلاح”([23]).
وقد ذكرت أنهم يستدلون بآيات المساواة في الخطاب أو الجزاء، منها:
قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195].
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124].
وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 71، 72].
تقول معلقة: “لا ينص القرآن على المساواة التامة بين الرجال والنساء أمام الله فحسب، بل على أنهم أولياء بعضهم من بعض. ويقول آخر: لا يخلق القرآن تسلسلًا تراتبيًا (hierarchy) يجعل فيه الرجال في مكانة أعلى من النساء (كما يفعل كثير من واضعي أسس الدين المسيحي). كما أن القرآن لا يضع الرجال في موضع التناحر مع النساء كما لو أنهم في علاقة عداء. لقد خلقهم معًا إله واسع عادل ورحيم بوصفهم مخلوقات متساوية، إله يغبطه أن يعيشوا سويًا في وئام وصلاح. وعلى الرغم من تأكيد القرآن المساواة بين الرجال والنساء نجد أن المجتمعات الإسلامية بصفة عامة لم تر الرجال والنساء متساوين، وبخاصة في سياق الزواج”([24]).
ومن الأدلة التي ذكرتها النسوية آمنة ودود في كتابها “القرآن والمرأة” أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى إلى أم موسى عليه السلام، وتعيد ما ذكرته رفعت وغيرها من أن الله لم يبدأ خلقه بآدم، تقول: “لم يبدأ الله خلق الإنسان بالذكر، كما أنه لم يشر إلى أصول الجنس البشري بآدم، حتى إن القرآن لم يذكر أيضا أن الله بدأ خلق الإنسان بنفس آدم وهو الرجل”([25])، والقضية لا تقف عند المساواة بل تذويب الفروق، وحتى هذا يجعلونه شرعيا، تقول: “وعلى الرغم من أن القرآن يثبت خلق الإنسان في شكل زوج ذكر وأنثى {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11]، ويميز بينهم {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36] إلا أنه لا يعزو خصائص صريحة لواحد منهما أو للآخر على وجه الخصوص… هذا فضلا عن أن الأنوثة والذكورة ليست خصائص خلقية مطبوعة في الفطرة الأساسية للذكور والإناث”([26]).
ولا أريد الإطالة أكثر، لكن أشير إلى أن كثيرا من القضايا إنما هي متفرعة عن هذه القضية الأساسية في كتابات من يريد شرعنة النسوية.
قوامة الرجل على المرأة ذكرها الله في كتابه في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، ويرى كثير من النسوية والعلمانيين أن القوامة هنا إما أنها مقيدة، أي: هي لمن يستطيع الإنفاق ونحن في عصر تنفق فيه المرأة على نفسها وبيتها، أو أن هذه القوامة كانت لظرف تاريخي انتهى، وهذا عند من يجعل القرآن تاريخيا كما مر بنا، تقول رفعت حسن: “حالما يثير بعض الليبراليين قضية المساواة بين الرجل والمرأة نجد التقليديين يردون على الفور: ولكن ألا تعلمون أن الله يقول في القرآن أن الرجال قوامون على النساء، وأن لهم الحق في السيادة عليهن وحتى في ضربهن؟! في الواقع، إن مجرد جملة: (الرجال قوامون على النساء) تمثل وأدًا لأيّة محاولة لتناول قضية المساواة بين الرجال والنساء في الأمة الإسلامية”([27]).
فالقوامة حسب تفسيرات المفسرين إلغاء للمساواة تماما، لكن كيف تحل رفعت هذا الأمر؟ تقول: “ويكاد كل من يقرأ الآية 34 من سورة النساء يفترض أن الخطاب موجه إلى الأزواج. وتجدر أولًا ملاحظة أن الآية موجهة إلى الرجال والنساء، أي: أنها موجهة إلى كافة الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي. يتضح ذلك أيضًا من أن الخطاب يأتي بصيغة الجمع لا المثنى فيما يتعلق بكل الأفعال التي توصي بها الآية. ويتضح لنا من ذلك أن الأوامر التي تشتمل عليها تلك الآية ليست موجهة إلى الزوج والزوجة ولكن إلى الأمة الإسلامية بصفة عامة… وينبغي هنا أن نوضح نقطة منطقية، ألا وهي أن الجملة الأولى ليست جملة وصفية تقول بأن كل الرجال يعيلون النساء بديهيًّا، لأنه هناك بالطبع بعض الرجال الذين لا يعيلون النساء. إن ما تقوله الجملة هو أنه ينبغي على الرجال أن تكون لهم المقدرة على إعالة النساء (طالما أن كلمة ينبغي تفترض القدرة). وبعبارة أخرى: فإن هذه المقولة التي اعتبرتها كل المجتمعات المسلمة تقريبًا وصفًا فعليًّا لكل الرجال هي في الحقيقة مقولة معيارية تتعلق بالمفهوم الإسلامي لتقسيم العمل داخل البنية المثالية للأسرة أو المجتمع. ولا تعنى حقيقة أن الرجال قوامون أن النساء لسن قادرات على إعالة أنفسهن، أو أن ذلك لا ينبغي عليهن، ولكنها تعني فقط أنه نظرًا للعبء الثقيل الملقى على عاتق النساء من حيث الحمل والولادة وتربية النسل فينبغي ألا يتحمل مع كل ذلك التزامات إضافية تتمثل في توفير سبل العيش. ولو استرسلنا في تحليل تلك الفقرة فسوف نصل إلى الفكرة الآتية التي تقول بأن الله قد أعطى فريقًا ما قوة أكبر من الفريق الآخر. وتجعل معظم الترجمات الأمر يبدو وكأن الرجل هو من يتمتع بقوة أكبر أو فضائل أكثر أو شأن أعلى. ولكن النص القرآني لا يمنح شأنًا أعلى للرجال. أما التعبير المستخدم في الآية فهو (بعضًا من بعض) مما يجعل من الممكن أن تعني المقولة إما أن بعض الرجال أعلى شأنًا من بعض (الرجال أو النساء أو كليهما) أو أن بعض النساء أعلى شأنًا من بعض (الرجال أو النساء أو كليهما). ويبدو لي أن التفسير الأكثر اتساقًا مع السياق هو القائل بأن بعض الرجال قد وهبوا السعة التي تجعل منهم عائلين أفضل من بعض الرجال الآخرين”([28]). فالرجل لا فضل له على المرأة حسب هذه الآية، وإنما الرجل يفضل رجلا آخر!
ثم تواجهها آية أخرى صريحة وهي قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، فتفسر هذه الدرجة أن المرأة إذا تطلقت اعتدّت ثلاثة أشهر مخافة كونها حاملا، والرجل لا يحتاج إلى مثل هذا، فالحقيقة هي أن الرجل لا يفضلها في شيء.
النسوية تدعو إلى الحرية الجسدية للمرأة دون أن يحدّها شيء، ومن مظاهر ذلك: دعوة بعضهن أو ترويج من يدعو إلى المساكنة، وحرصت على إظهار هذا الموضوع بالخصوص لأن من يحاول شرعنة بعض الأمور لا يكتفي بالقرآن الكريم، بل أينما وجد بغيته شد الرحال إليه، سواء كانت آية قرآنية، أو حديثا نبويا، أو حتى رأيا فقهيا.
المساكنة مصطلح يتحدّث عن وجود المرأة مع الرجل في مسكن واحدٍ كزوجين غير مرتبطين بعقد الزوجيّة، وذلك لتجربة الزواج وتحمّل المسؤوليات، فإن بدا لهم بعد عام أو عامين أو عشر أن يتزوّجوا فلهم ذلك وإلا انفصلوا.
فهي في الحقيقة خلوة كاملة الأركان، وطريق للزنا وما يلحقه، فمهما اختلفت العبارات تبقى هذه هي الحقيقة.
ويستندون في هذا على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله -كما قاله ابن حزم (ت: 456هـ) عنه-: “قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنا إلا ما كان مطارفة، وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا ولا حدَّ فيه”([29]). وقال الشاشي (ت: 507هـ): “فإن استأجر امرأةً ليزني بها، فزنى بها وجب عليه الحدّ، وكذلك إذا تزوّج ذات رحم محرم، ووطئها وهو يعتقد تحريمها، وجب عليه الحد. وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليه في الموضعين جميعًا”([30]).
فتمسَّكوا بهذا القول وتشبّثوا به وقالوا: إن أبا حنيفة رحمه الله قد أباح الزنا إن كان بأجر وعطاء، وهو صورة المساكنة التي نتكلّم عنها، وعلى هذا بنَوا استحلال الزنا ونشر الرذيلة بين المسلمين استنادًا إلى قول فقهيّ ظنوه في صفِّهم ومؤيِّدا لكلامهم، وإن كان الجميع يعلم أن منطلقَهم ليس شرعيّا، وإنما هو مجرد اتباعٍ للغرب واستجلاب كل ما هو ساقط ورديء منهم ومن أخلاقهم.
خاتمة:
بعد هذا العرض يتّضح أن ما يسمى بـ”النسوية الإسلامية” ليس إلا محاولةً لتمرير الأفكار النسوية الحداثية تحت مظلة الإسلام، عبر إعادة قراءة النصوص الشرعية بمنهجيات دخيلة، وقد وقف هذا البحث عند أبرز أدواتهم التي يعتمدونها في إعادة القراءة، مثل: ردّ الأحاديث النبوية، وإقصاء تفسيرات العلماء، واستبعاد دلالة اللغة العربية، والقول بتاريخية النص القرآني، وهو ما يكشف بجلاء طبيعة المنهج النسوي الذي يسعى لفصل الوحي عن سياقه العلمي والتفسيري، وإفراغه من معناه الشرعي المراد.
أما في القضايا التي أرادوا شرعنتها فقد تبين أن المساواة المطلقة هي الأساس الذي يسعون لترسيخه، ومنه تتفرع بقية المطالبات كإلغاء القوامة، والحرية الجسدية، وتذويب الفروق الفطرية بين الرجل والمرأة. ولئن سلّمنا أن القرآن قد سوّى بين الجنسين في أصل الخطاب، وأصل التكليف، وفي الثواب والعقاب؛ إلا أن تعميم ذلك على جميع المجالات يُعد خطأً منهجيًّا بيّنًا، إذ جاءت نصوص أخرى لتؤكد وجود الفروق والفواصل بين الرجل والمرأة في بعض التكاليف والأحكام.
إن إعادة قراءة النص الشرعي التي تتبناها النسوية الإسلامية تعكس صدى المشروع العلماني في ثوب جديد، وتكشف مسعى خطيرًا نحو إعادة تشكيل الهوية الإسلامية وفق قيم وافدة، وهو ما يجعل الوعي بهذه الأدوات والمقولات ضرورةً ملحّة أمام الباحثين والمهتمين، حتى يبقى النص الشرعي محفوظًا كما أنزله الله، بعيدًا عن التحريف والإسقاطات الأيديولوجية.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ينظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي (ص: 266).
([2]) نقد الخطاب الديني (ص: 154).
([3]) نسوية تدّعي أنها نسوية إسلامية.
([4]) ينظر: التوترات الفكرية بين النسوية والإسلام.. دراسة في النظرية والتطبيق. د. إكرام طلعت البدوي. ورقة منشورة في مركز تكوين في 13 أغسطس 2024م.
([5]) لماذا نحتاج إلى نسوية من منظور إسلامي؟ لأحمد زكي، مجلة النسوية والمنظور الإسلامي، 2013م.
([7]) ينظر: التوترات الفكرية بين النسوية والإسلام.. دراسة في النظرية والتطبيق، د. إكرام طلعت البدوي، ورقة منشورة في مركز تكوين في 13 أغسطس 2024م. وقد تناولت في هذه الورقة بداية نشأة النسوية الإسلامية في العالم الإسلامي مطلع القرن الحادي والعشرين.
([8]) النساء المسلمات وإسلام ما بعد الأبوية، لرفعت حسن.
([9]) النساء المسلمات وإسلام ما بعد الأبوية، لرفعت حسن.
([10]) القرآن والمرأة، أمينة ودود (ص: 12).
([11]) القرآن والمرأة (ص: 39).
([12]) منطلقات الانحراف الفكري لدى آمنة ودود في كتابها القرآن والمرأة (ص: 439)، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج: 18، ع: 4، 1444هـ.
([13]) القرآن والمرأة (ص: 20).
([14]) القرآن والمرأة (ص: 39).
([15]) القرآن والمرأة (ص: 154).
([16]) الحركة النسوية، لسوزان ألس واتكنز، ومريزا رويدا، ومارتا رودريجوز، (ص: 36)، ترجمة: جمال الجزيري، المشروع القومي للترجمة، المكتب الأعلى للثقافة – مصر، الطبعة الأولى 2005م.
([17]) النسوية وما بعد النسوية، لسارة جامبل (ص: 57-58)، ترجمة: أحمد الشامي، المشروع القومي للترجمة، المكتب الأعلى للثقافة – مصر، الطبعة الأولى 2002م.
([18]) النسوية وما بعد النسوية (ص: 236).
([19]) ناشطة نسوية أمريكية مسلمة، أول امرأة أمت المصلين في صلاة الجمعة، وكان وراءها رجال ونساء في صفوف مختلطة، وهذا تطبيق للمساواة التي تنادي بها والتي ترى أن القرآن أتى بها، كما أنها أول امرأة معاصرة قامت برفع الأذان في إحدى الكنائس بأمريكا!
([20]) القرآن والجنس/ الجندر والجنسانية.. التماثل، الاختلاف، المساواة، أسماء برلس (ص: 238)، ترجمة: رندة أبو بكر، مؤسسة المرأة والذاكرة، 2012م.
([21]) النساء المسلمات وإسلام ما بعد الأبوية، ورقة علمية نشرتها مؤسسة المرأة والذاكرة في عام 2012م.
([25]) القرآن والمرأة: إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي (ص: 55)، ترجمة: سامية عدنان، القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى: 2006م.
([26]) القرآن والمرأة (ص: 78).
([27]) النساء المسلمات وإسلام ما بعد الأبوية.














