السلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية (9)
المعلومات الفنية للكتاب
عنوان الكتاب: السلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية
اسم المؤلف: د. مصطفى محمد حلمي
أستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وفي جامعتي الملك سعود وأم القرى
دار الطباعة: دار الدعوة بالإسكندرية.
الطبعة: طبع مرتين، الأولى عام: 1403 هـ -1983م، والثانية 1411هـ -1991م.
حجم الكتاب: (270 ص).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
· التعريف بالكتاب:
كتاب «السَّلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية» كتاب ذو مكانة خاصة، فهو أحد الكتب الثلاثة التي نال بها المؤلف جائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية (عام 1987م) تقديراً لأعماله العلمية في مجال «الدراسات التي تناولت العقيدة الإسلامية»، والكتابان الآخران هما: «منهج علماء الحديث والسُنَّة في أصول الدين»، و«قواعد المنهج السَّلفي والنسق الإسلامي في مسائل الألوهية والإنسان والعالم عند شيخ الإسلام ابن تيمية».
وقد نال هذه الجائزة بالاشتراك مع كل من الأستاذ الدكتور محمد رشاد سالم، والأستاذ الدكتور فاروق دسوقي.
وقد طبع هذا الكتاب -الذي يبلغ 270 صفحة- في دار الدعوة بالإسكندرية ونشر مرتين، الأولى عام: 1403 هـ -1983م، والثانية 1411هـ -1991م.
· التعريف بالمؤلف:
المؤلف هو الأستاذ الدكتور مصطفى محمد حلمي سليمان، الأستاذ غير المتفرغ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وُلد في الثاني عشر من شهر رجب عام 1351 هـ الموافق للعاشر من نوفمبر عام 1932 م، وحصل على ليسانس الآداب في الفلسفة وعلم النفس والاجتماع من كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1960م، ثم أكمل رحلته العلمية فحصل على درجة الماجستير من الكلية نفسها عام 1967م عن: «الإمامة عند أهل السنة والجماعة»، ثم حصل على درجة الدكتوراة من الكلية نفسها عام 1971م، وكانت عن «موقف المدرسة السَّلفية من التصوف منذ بدايته حتى العصر الحديث».
بعد ذلك أخذ طريق العمل الأكاديمي؛ فعُيِّن مدرِّساً للفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة 1972م، وظل فيها إلى أن أُحيل للتقاعد أستاذا غير متفرغ بعد بلوغه السبعين في عام 2002 م، وفي هذه الأثناء أعير لأكثر من جامعة إسلامية؛ فعمل بتدريس الفلسفة الإسلامية في جامعة الرياض (الملك سعود حالياً) من 1972م إلى 1980م. ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية العالمية في باكستان من 1986م – 1987م، ثم جامعة أم القرى بمكة المكرمة من 1987م إلى 1992م.
وللمؤلف أكثر من ثلاثين كتاباً ما بين بحث وتحقيق كلها في مجال الدفاع عن أهل السنة في مجال الفلسفة.
· أهمية الكتاب:
تكمن أهمية الكتاب في كونه يُقدم مفهوماً شاملاً عن السَّلفية ليصل من خلاله إلى أنها هي الفهم الصحيح للإسلام، وأن التقدم الحضاري لا يتعارض مع السَّلفية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، وهو التأكيد على أن التقدم الحضاري لن يكون إلا من خلال السَّلفية، فهي أملُ الأمة في التخلص من كَبوتها.
كل هذا كان في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، أي منذ ما يزيد على ثلاثين سنة، وهو الوقت الذي لم يكن أحد في العالم الإسلامي برمته يدرك عن السَّلفية شيئاً ذي بال -باستثناء المملكة السعودية- فضلاً عن أن يدعي أنه لا سبيل للتقدم بدونها، وهذا كافٍ في إدراك قيمة الكتاب الفكرية.
ففي ذلك الوقت «كانت السَّلفية كلمة سيئةُ السُّمعة على المستوى الفلسفي؛ حيث كانت مستبعدةً منه تماماً، وكانت مناهج دراسة الفلسفة الإسلامية في جامعات العالم الإسلامي -مثلها مثل الجامعات الأوربية- تقتصر على الفرق الكلامية المختلفة عن مذهب أهل السنة والحديث وعلى رأسها المعتزلة، أو تهتم بالبحث عن الصِّلات بين معتقدات هذه الفرق وبين المصادر الخارجية من عقائد وأديان وفلسفات يونانية وفارسية.. ولم يكن الدَّرس الفلسفي ومناهجه يُعنى بالسَّلفية أو أهل السنة والحديث، وكذلك لم يُر لديهم ما يستحق الدراسة باعتبار أن السَّلفية ضدَّ العقل بالأساس؛ ومن ثم فليس فيها جانب عقلي فلسفي يستحق الدراسة»([1]).
· منطلقات المؤلف في كتابه:
لقد كان منطلق المؤلف في كتابه هو أن السَّلفية هي الفهم الصحيح للإسلام، وهي السبيل الوحيد للارتقاء الحضاري بالأمة، فالإسلام في عصور الصحابة والتابعين كان سبباً في ارتقاء الأمة ومنَعتها وسيادتها، فلما ضعُفت صلتها به، أو انحرفت عن عقيدته الصحيحة التي اعتنقها السَّلف انحدرت إلى سفْح الحضارة وخضعت لغيرها من الأمم الطامعة في بلادها وثروتها.
ومن خلال هذا المنطلق الرئيس توجَّه المؤلِّف في كتابه نحو هدفين رئيسيين:
الأول: بيان حقيقة السَّلفية وتوضيحها، وأهميتها في الارتقاء بالحضارة الإنسانية، والتفرقة بينها وبين الطوائف التي تنتسب إلى الإسلام، والتي ظهرت في عهد السَّلف.
وقد بيَّن مَقصده من ذلك، وهو أنه يريد أن يوضح حقيقة السَّلفية حيث يَلحَظ تشويهًا متعمداً لصورة السَّلف في الأذهان.
الثاني: نقض معنى السَّلفية في المفهوم الغربي، إذ يجد المؤلف أن الكثير من الخلل في فهم السَّلفية كان بسبب التأثر بالمعنى الموجود عند الغرب، ولذا عمد إلى توضيح الفرق بين التصورين.
وفي سبيل تحقيق هذين الهدفين قسم المؤلف كتابه إلى فصول أربعة:
الفصل الأول: كان عن التعريف بالسَّلفية وفق التصور الغربي.
والفصل الثاني: كان عن علاقة السَّلفية بالحضارة.
الفصل الثالث: كان عن الفِرق التي ظهرت في عصر السَّلف، والتي تخالف السَّلفية في منهجها سواء تلك التي تنتسب إلى الإسلام أو التي مَرَقت من الدين.
الفصل الرابع: تعرض فيه لتحديد ماهية السَّلفية من خلال التعريف بهدف السَّلفية وضوابطها.
· مميزات الكتاب
قبل أن ندلف إلى عرض النقاط الرئيسية التي تناولها المؤلف في كتابه لابد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب قد تميز بعدة أمور منها:
- الأمانة العلمية في النقل.
- سعة الصدر في النقاش
- البعد عن الألفاظ الحادة والأحكام المسبقة
- التسلسل في ترتيب الوصول للفكرة
- التنوع الكبير لمصادر المعرفة
- حسن المراوحة بين النص والحواشي
- وضوح الرؤية لدى المؤلف
- التأثر الواضح بابن تيمية سواء في طريقة عرضه، أو عرض استدلالاته أو الإحالة إلى كتاباته
- تشبع المؤلف بقضيته التي ألَّف الكتاب من أجلها
كل هذا مع شخصية علميَّة واضحة تَظهر لكلِّ مُطَّلع على الكتاب.
· سلبيات الكتاب
لا شك أن الكتاب -شأنه شأن أيّ عمل بشري- لا يخلو من بعض السلبيات التي لا تُقلِّل من قيمته، ولا تنقُصُ من شأنه -فالكمال لله وحده- فمن ذلك:
–صعوبة العبارات في الفصل الخاص بالسَّلفية في التصور الغربي، وربما عدم وضوح بعضها، وتنقله السريع بين الأفكار المختلفة مما يرهق ذهن القارئ.
–الاختصار الشديد في مواطن قد يصل بها إلى الإخلال، والإطالة في مواطن أخرى بصورة ملفتة، وأمر كهذا دفعه للاعتذار بأهمية ما أطال فيه.
–استطراده في قضايا أخرى ربما لا تكون في صلب الموضوع.
ويبدو لي من المصاحبة لهذا الكتاب أن سبب كثرة الاستطرادات والتشعب الملاحظ في الكتاب ربَما هو كونها في الأصل محاضرات أعدَّها المؤلف ثم بعد ذلك قام بتبييضها وكتابتها.
وعلى أي حال: فهذه التراتيب المنهجية محل اجتهاد ونظر وليست هي بالتي تغض من قيمة الكتاب العلمية، وخاصة مع مؤلف عرف بالرصانة العلمية وعمق التصور والالتزام الصارم بمنهجية البحث العلمي الصحيح.
· عرض مجمل للنقاط الرئيسية التي تناولها المؤلف في كتابه:
- التمهيد
– عقد المؤلف تمهيداً في بداية الكتاب يوضح فيه المراد بالسَّلفية، وقد بين أن السَّلفية كمدلول خاص معناها الاقتداء بالنبي ﷺ. أما من حيث العَلَمية: فهي علمٌ على أصحاب منهج الاقتداء بالسَّلف من الصحابة والتابعين من أهل القرون الثلاثة، وكل من تبعهم من الأئمة.
ومن حيث المضمون فهي تعبير عن منهج المحافظين على مضمون الإسلام في ذِروته الشامخة وقمَّته الحضارية.
ثم ذكر أن هذا المصطلح ظَهر في مقابلِ الانحرافات التي حدَثت في التاريخ العَقدي والثَّقافي حتى أصبح علماً على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ويرى المؤلف أن أبعد الخطوات أثراً في الحرب الغربية على الثقافة الإسلامية هي التقليب في صفحات تاريخنا لاستخراج كل ما يسيء إلى الإسلام والعمل على الإعلاء من شأن الفرق المنحرفة؛ كالخوارج والشيعة أو المارقة؛ كالإسماعيلية والباطنية.
ولذا فهو يرى أن الرد على زيف هذه العقائد لا يكون إلا بطريقة السَّلف أنفسهم.
- الفصل الأول
أما الفصل الأول فقد عقده بعنوان: بيان معنى السَّلفية وفق التصور الغربي.
وقد تعرض في هذا الفصل إلى آراء ثلاثة بارزين من فلاسفة الغرب ومفكريهم البارزين.
أولهم: (أرنولد توينبي) والذي كان حديثه عن السَّلفية منصباً على التفسير الحضاري، فبيَّن أن معنى السَّلفية عنده ما خلاصته أنها ردَّة حضارية.
وقد بيَّن أن هذه الأفكار تسرَّبت بقوة إلى عالمنا الإسلامي، وينطلق المؤلف يُبين أنَّ محاكمة هذا المصطلح لا بد أن يكون من خلال قناعات ثابتة ثلاثة، ذكرها.
ثم يقدِّم الفكرة الرئيسية لـ(أرنولد) ويحاكمه وفق تصوره ليخلص من ذلك إلى الفارق الكبير بين حضارة الإسلام وغيره من الحضارات.
أما الثاني فهو (أوجست كونت) الذي قدم قانون الأحوال الثلاثة، وخلاصته أن البشرية تتطور من العقائد إلى العلم التجريبي!، وقد عرض المؤلف قانون «كونت» بأمانة ونقضه وبين ما اعترض به عليه، ويركز المؤلف على إبراز رأي «كونت» الذي انتهى إليه في نهاية حياته من ترشيح دين الإسلام على أنه الدين الوحيد الذي يتماشى مع العلم.
أما الثالث فهو: «ماركس»، ولأن ماركس قد تلقف منهج هيجل دون نظريته فقد بدأ المؤلف بعرض مذهب هيجل في التناقض، وخلاصته أن العصر ينقرض لما فيه من النقائص، وما فيه من الفضائل تنتقل للعصر الذي بعده، ثم بيّن خطورة هذا التفكير منتقلاً إلى شرح التفسير الماركسي القائم على الصراع بين الطبقات، وبين أن الإسلام يعارض التفسير الماركسي للنظام الاقتصادي.
وقد انتقل المؤلف بعد ذلك إلى بيان المذهب السَّلفي في أوربا كمذهب فلسفي، فبدأ بذكر المذاهب الفلسفية الثلاثة التي قامت في أوربا إبان الثورة الفرنسية، والتي كان أحدها المذهب السَّلفي والذي يعني في فحواه أن العلم الإنساني لا يمكن الوصول إليه بالعقل الفردي مهما بلغ، فلا بد للعلم الإنساني من إرجاعه إلى وحي أول نزلت به من عند الله ألفاظ اللغة، فتناقلها السَّلف.
وبين أن هذا المذهب لم يحتل في الثقافة الغربية مكاناً بارزاً، لما فيه من مصادمة العقل، فما هو إلا رد فعل للفوضى الدينية والأخلاقية التي أحدثتها الثورة الفرنسية.
ثم يطرح التساؤل الذي هو مقصود هذا الفصل وهو هل السَّلفية عند الغرب هي نفسها عند أصحاب الاتجاه السَّلفي في الإسلام أم لا.
ويجيب عن هذا التساؤل موضحاً الفرق بين الصورة الغربية لمعنى السَّلفية والصورة الإسلامية لها، ليجعل هذا مدخلاً للحديث عن محاولات تشويه الدين التي كانت تتخفى وراء مصطلحات تجديد الدين.
ويعتذر المؤلف للقارئ عن هذا العرض المجمل بأن الهدف الذي يَود توضيحه هو أن الإسلام ظل باقياً محفوظاً بحفظ الأصلين العظيمين: الكتاب والسنة.
وبحسب القرب والبعد من هذين الأصلين تنوع حال الأمة قوة وضعفاً، وهذا هو السبب في حرص الأئمة على مدى العصور على الحفاظ على هذين الأصلين مما يطرأ عليها من محاولات التحريف التي تمثلت قديما في الفرق المنحرفة والتي تصدى لها العلماء، أو بعدهم في الجمود على آراء علماء الكلام والفلاسفة ليكون ابن تيمية أحد معالم هذا الحرص.
وكذلك دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العصر الحديث التي وصفها بأنها الأثر الحاسم لهذه الجهود لأنها قامت على عقيدة التوحيد.
ويستطرد المؤلف ليذكر لنا أن هذا الصراع العقدي في مجال الفكر تمخض عن اتجاهات ثلاثة:
الأول: تحبيذ ثقافة الغرب والمطالبة بأخذ كل ما فيها، والثاني هو الاتجاه المقابل له: الرفض لكل ما عند الغرب، والاتجاه الثالث: هو اتجاه من يرى الالتزام بمنهج السَّلف والتشبث بعقيدة التوحيد والحفاظ على ذاتية العقيدة والمقومات، ثم لا ضير بعد ذلك من الحياة وفق أساليب العصر العلمية -التكنولوجية- بل يقرر أن المطلوب هو مزاحمة الأمم ومنافستها في مضمار السباق العلمي، ويتسائل عن المانع من أن تمضي أمتنا في طريق التقدم مع الحفاظ على الأصول العقدية المتلقاة عن السَّلف.
وهكذا يختم المؤلف هذا الفصل بأن التقدم الحضاري للأمة لابد معه من الانصياع إلى تعاليم الكتاب والسنة جنباً إلى جنب، ولذا فلابد من بيان طريقة تلقي السَّلف للإسلام علماً وتطبيقاً والتي قامت على أثرها الحضارة في ذروتها، وهو ما جعل محل بيانه الفصل الثاني من هذا الكتاب.
- الفصل الثاني
عقد المؤلف الفصل الثاني في كتابه بعنوان: السَّلفية والحضارة، واستهل الفصل بأن أفضل السبل لمعرفة فضائل الحضارة الإسلامية هو مقارنتها بغيرها من الحضارات، سواء من حيث النشأة والانتشار، أو من حيث ما تعرضت له من حملات.
ويقرر المؤلف أن السر في بقاء حضارة المسلمين رغم اتساع رقعتها وتاريخها المليء بالصعوبات والكوارث هو عنايتها بالروح والأخلاق والمثل العليا والفضائل.
ويبين أنه من المقرر بين المطلعين على آراء مؤرخ الحضارات توينبي أنه جعل الدين ركناً أساسياً في إنقاذ الحضارات، ومن ثم فهو (توينبي) يشفق أشد الإشفاق من سلخ الحضارة الغربية عن تراثها المسيحي.
وعليه فإن المدخل الصحيح لدراسة أعمدة الحضارة الإسلامية هو دراسة عقيدة التوحيد التي حافظ عليها السَّلف فارتفعت الحضارة.
ولذا يعرض المؤلف في مبحث خاص للعلاقة بين السَّلفية وبين الحضارة الإسلامية، ليبين أنه وفقا لتوينبي فإن الفضل في بقاء الحضارة الإسلامية يرجع إلى العقيدة، والمحافظة عليها في جوهرها النقي والذي هو معنى السَّلفية، ومن ثَمَّ: يعقد مبحثاً يصف فيه الحضارة الإسلامية التي كانت على عهد السَّلف الصالح ليجعل هذا كله مقدمة لبيان أهمية الحديث عن هذه العقيدة التي هي سبب بقاء الحضارة الإسلامية.
يقرر المؤلف أن دين الإسلام قائم على عقيدة التوحيد، فمعنى الإسلام هو الاستسلام لله تعالى، وهذا يقتضي أن يكون كلام الله وكلام رسوله ﷺ هو الأصل الذي يعتمد عليه، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه.
وقد بين المؤلف أنه هذا المنهج شُوِّه كثيراً من قبل مخالفيه بدعوى أنه منهج «نصي» لا دور للعقل فيه؛ ولذا يرى المؤلف أنه لابد من التفصيل في الكلام عن موقف السَّلف من علم الكلام والفلسفة، وذلك لتفنيد شبهتين رئيسيتي:
الأولى: ما يتهمون به من أنهم يفتقدون للأدلة العقلية، والثانية: أنه يعادون الفلسفة والتفكير الحر.
وفي سبيل ذلك عقد المؤلف في هذا الفصل خمسة مباحث:
كان أولها للحديث عن مكانة العقل في المذهب السَّلفي، فتناول شبهة أن السَّلف لا يستخدمون الأدلة العقلية من منظور تاريخي، ثم من منظور موضوعي ليثبت أنه لا تعارض بين الشرع الصحيح والعقل السليم مبيناً الأدلة على ذلك باختصار، وقد بين أن أسباب رمي السَّلف بهذه التهمة أنهم يرفضون طرق أهل الكلام، وقد عقد المبحث الثاني والثالث لتفصيل ذلك.
ففي الثاني: بيان أسباب رفض السَّلف للمتكلمين في الدين بغير طريقة المرسلين، وقد ذكر لذلك خمسة أسباب.
ثم انتقل للحديث عن موقف السَّلف من الفلسفة اليونانية في المبحث الثالث حيث أكَّد أن الموقف كان هو الرفض والمعارضة وأورد من نصوص العلماء ما يدل على ذلك، وللتدليل على هذه القضية كان المبحث الرابع عن منزلة العقل بين الفلسفة اليونانية والشرع الإسلامي، وخامسها وهو بيت القصيد: عن أثر عقيدة التوحيد عند السَّلف في النظر العلمي للمسلمين.
وقد أطال المؤلف في المبحث الذي خصصه للحديث عن العقل بين الفلسفة اليونانية والشرع الإسلامي، معتمداً في ذلك على ابن تيمية، وقد اعتذر هو عن ذلك بأن ابن تيمية كان دوره عظيماً في هذا المجال ثم يستطرد فيعطي لمحة عن دور ابن تيمية التجديدي.
والمبحث الأخير أشار المؤلف فيه إلى أن العلم التجريبي قد ازدهر على يد المسلمين.
ويقر المؤلف في ختام هذا الفصل [ص 99] أن «من كل ما تقدم يتبين لنا أن مقومات الحضارة الإسلامية تحققت بقيمها ومبادئها على أفضل صورة وأحسنها عندما تمكنت عقيدة التوحيد في النفوس».
- الفصل الثالث
عقد المؤلف الفصل الثالث بعنوان: المفارقون لطريقة السَّلف والسنة.
بدأ المؤلف هذا الفصل بالتذكير بالنتائج التي توصل إليها في الفصل الثاني، ثم استطرد قليلاً في ذكر نقد بعض المؤلفين للمنهج السَّلفي وهو الدكتور محمود إسماعيل صاحب كتاب «الحركات السرية في الإسلام»، ويجيب عنها، ثم يعود إلى مقصود الكتاب ليبين أن هذه العقيدة الحقة قد حصل الانحراف عنها، وأنه يعقد هذا الفصل لبيان بعض هذه العقائد التي انحرفت بأصحابها عن منهج السَّلف، وقد اختار أن يجعل الحديث عنهم في مبحثين: الأول: للخوارج والشيعة، والثاني للفرق المارقة عن الإسلام.
وقد تحدث المؤلف عن بعض عقائد الخوارج وبين الحق فيها ليقرر مذهب أهل السنة في الإمساك عما شجر بين الصحابة بصورة مختصرة.
ثم تحدث عن الشيعة فبيَّن أن أصل خلافهم كان في قضية الإمامة، وتحدَّث سريعاً عن نشأة التشيع ليخصَّ الحديث عن فرقتين من الفرق الشيعية المعاصرة وهي: الاثني عشرية والزيدية، فقام بالتعريف بعقائدهما سريعاً على سبيل الإجمال، وقد استطرد في أثناء ذلك ليبين الآراء في المهدي.
وقد عقد المؤلف عنواناً بعد ذلك للحديث عن موقف السَّلف من التشيع وقد آثر أن يعرض ذلك الموقف من خلال عرض موقف السَّلف فيما أثير من موضوعات، فعرض لموقفهم من الخلفاء الراشدين، وهل قضية الإمامة هي أهم أصل من أصول الدين، وكذلك قضية الإمامة كانت بالاختيار لا بالنص، ثم يُفصل قليلاً في بيان عقيدة أهل السنة في قضية الإمامة؛ وذلك لأنها محور الخلاف الرئيسي بينهم وبين الشيعة.
أما المبحث الثاني فقد كان بعنوان: المارقون عن الإسلام فقد تحدث فيه عن الباطنية بأنواعها: الإسماعيلية، والبابية والبهائية والقاديانية، والنصيرية.
واستهل المؤلف الحديث بأن ذكر عاملين أدّيَا إلى تعدد الفرق المخالفة لمنهج السَّلف.
ومن الملاحظ أن هذا المبحث قد طال بسبب الحديث الطويل عن الباطنية وخطورتها، وقد كفانا مؤنة البحث عن سبب ذلك، فقد بين أن هناك من يدافع عن الباطنية في العصر الحديث، فليس الحديث عنها حديث عن أمر مضى في التاريخ، ولذا فقد بين طريقة الدعوة الباطنية وحددها بسمات أربعة، ثم ذكر بعض دعاة الباطنية، فتحدث عن عبد الله بن سبأ، والمغيرة بن سعيد العجلي، وميمون بن ديصان، ثم يبين علاقة الباطنية بالحملات الصليبية لينتقل للحديث عن القرامطة ويعود مجدداً إلى أعلام الباطنية فيتحدث عن الحسن بن الصباح، وبعد ذلك يناقش المدافعين عن الباطنية ويستطرد للحديث قبل الإجابة عن بواعث الحركة وأهدافها ووسائلها، ويستطرد مرة أخرى ليحدثنا عن تفسير ابن تيمية للتاريخ ويبين الفرق بين التفسير الإسلامي والتفسير المادي للتاريخ.
بعد ذلك تناول المؤلف البابية والبهائية ثم القاديانية ثم النصيرية ليقدم عرضاً مجملاً عن نشأة هذه الفرق وكيف ساهمت في هدم الدين، وهي كلها من الفرق الباطنية ليكتب تعقيباً في نهاية هذا الفصل يقرر فيه أن السمة الجامعة لهذه الفرق هي العداء للدين، وأن أئمتهم ما هم إلا دجالين حذرنا النبي ﷺ منهم.
وهكذا يختم المؤلف فصله الثالث من الكتاب.
- الفصل الرابع
عقد المؤلف هذا الفصل بعنوان: هدف السَّلفية وضوابطها.
تساءل المؤلف في بداية هذا الفصل عما أسماه بالظاهرة المحيرة، وهو كيف ضمرت هذه العقيدة في نفوس أصحابها فتخلفوا عن قيادة الحضارة الإنسانية؟
وفي الإجابة عن هذا السؤال تظهر الشخصية العلمية الجريئة للمؤلف فقد رأى أنه للإجابة عن هذا السؤال لابد من بيان هدف السَّلفية وضوابطها، ثم بيان معنى التقدم في ضوء القيم الاقتصادية المعاصرة، ثم النظر في الواقع المعاصر لتقييم الحضارة المادية المعاصرة.
وقد مهد في بداية حديثه أنه لن يهاب أن يكون حديثه في هذا الفصل خروجاً عن المألوف والمعهود بين الدارسين مادام قد اتبع أسس البحث العلمي الصحيح.
بدأ المؤلف ببيان أن السَّلفية كفيلة بتخريج طلائع أفذاذ لقيادة الحضارة الإسلامية من جديد، وذلك بعد الالتزام بضوابطها التي انطلق يوضحها لنا من خلال توضيح ما هو الصراط المستقيم، وهو الالتزام بما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، ويبين لنا في عجالة أن الالتزام بهذه الضوابط تعدى حدود العصور والأزمة مما يدلل على موضوعية المنهج.
وفي هذا السياق يوضح لنا المؤلف وسائل أعداء الإسلام للنيل من المنهج السَّلفي في المجال الثقافي والتعليمي والاجتماعي والسياسي.
ويتوقف عند دعوى خصوم السَّلفية بمنافاتها للتقدم ليقدم لنا بحثاً مستفيضاً عن التقدم وموقف السَّلفية منه.
ويرتب المؤلف أفكاره منطلقاً من نقد فكرة ارتباط التقدم بالزمن، مبيناً أن هذا كان بسبب التأثر بالمفاهيم الغربية ليستشهد في هذا السياق بقول «هاري ألمر بانز» الذي يجعل التقدم أو مسيرة التاريخ نحو الأمام أو إلى الأحسن مجرد وهم، ويدلل على ذلك بأن غرائز الإنسان الغربي ازدادت حدة وضرواة، لينتقل منه لمناقشة مسألة انحدار التاريخ عند المسلمين، والتي خلاصتها أن العصر الذهبي هو الذي عاش فيه النبي ﷺ وأصحابه وما زال التاريخ منذ ذلك العهد يزداد سوءاً.
وفي هذا السياق يعرض المؤلف لأقوال النبي ﷺ التي تبين أنه ما من زمان إلا والذي بعده شر منه ويوضح شرح العلماء لهذا الحديث، ويخلص من هذا كله إلى الحديث عن نظرية المد والجزر ويسوق من أقوال «أرنولد توينبي» ما يؤيد هذا التفسير.
ولا يكتفي المؤلف بهذا بل يعود مرة أخرى على مصطلح التقدم ليفسره في ضوء القيم الاقتصادية المعاصرة لينتقد فكرة أن الغنى والفقر مترادفان للتقدم والتأخر، وهي الفكرة التي بنيت عليها الحضارة الغربية.
وحتى ينقض المؤلف التصور المنتشر من أنه «لكي نحقق التقدم الذي سبقونا إليه فما علينا إلا أن نحقق معدلات النمو التي حققوها» وذلك بطرح سؤال جوهري، وهو: هل تحققت السعادة في ظل التقدم؟
ويجيب المؤلف عن ذلك من خلال سرد تاريخي للضربات التي تعرضت لها القيم في تلك الفترة، وببيان الآثار السلبية النفسية للحضارة المادية؛ ليدلل بهذا كله على ضرورة استناد تصور «التقدم» إلى عقيدة أو «أيديولوجيا» يخضع لتصوراتها وأنماطها وأهدافها.
«ضرورة العقيدة أو الأيديولوجيا في السعي للتقدم» هكذا عقد المؤلف هذا العنوان لتنتظم تحته الفقرات الباقية من كتابه في هذا الفصل.
وفي هذا السياق تناول المؤلف النظرة الشمولية للإسلام، وذكر أن هذه النظرة تقتضي عدم الفصل بين عقيدة التوحيد وآثارها في العبادات والسلوك ونظم الحياة الإنسانية في كل مجالات دروبها، فالمال ليس هدفاً في حد ذاته، وهو يسوق الآيات والأحاديث الدالة على ذلك.
ويستطرد المؤلف هنا مرة أخرى ليوضح هل الخيرية التي خصت بها هذه الأمة كانت عند الأوائل دون الأواخر أم هي للجميع؟ ثم يوضح أنها للجميع.
ثم يعود مرة أخرى ليؤكد على خطورة الهزيمة النفسية في تدمير هوية الأمة، وأنه لا حل لمواجهة الهزيمة النفسية إلا بتمسك المسلم بعقيدته.
ويدلل على ذلك بأن الشعوب الأخرى في تنافسها على التقدم قد تنبهت إلى ضرورة المحافظة على مقوماتها الذاتية حتى لا تتميع وتفقد كيانها.
وفي لمحة رائعة يرى أن الإسلام قد سبق إلى هذا المعنى ووضع ضوابطه من خلال النهي عن التشبه بالمشركين، ويسوق الأدلة الدالة على ذلك.
ثم يعود المؤلف أدراجه مرة أخرى ليناقش نظرية اعتبار الزمن مقياساً للتقدم، ويدلل على نقض النظرية بالخواء الروحي المشاهد عند الغرب.
ثم ينهي المؤلف هذا الفصل ببيان أن التقدم في الإسلام هو اكتساب الفضائل ونبذ الرذائل لتمكين الإنسان من تحقيق مقام الخلافة في الأرض، ويسوق الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة ليختم بهذه الأدلة حديثه في هذا الفصل ويكون مسك الختام لهذا الكتاب.
([1]) نقلا عن: السيرة الذاتية للدكتور مصطفى حلمي بقلم حسام تمام. شبكة الألوكة.