دَلالةُ السِّيَاقِ مفهومها، الاستدلال بها، أهميتها في الترجيح لمسائل الاعتقاد والفقه
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا يشك مهتم بعلم الشرع أن من أهم القضايا التي تأخذ اهتمام أهل العلوم الشرعية، كيفية ضبط التنازع التأويلي، الذي يقع في النصوص الشرعية عند محاولة تفسيرها من أكثر من طرف، خصوصا عند التَّعرُّض للعبارات ذات الدلالات المتعددة، والتي لا يَتَحَدَّدُ شيء منها إلا بإرجاعها إلى أكثر من أصل من أجل ضبطها ومعرفة المراد منها؛ ولذلك اهتم الأصوليون بكيفية معرفة المعنى المراد من خلال سياقه أولًا.
فهذا أوَّل كتاب أُلِّف في الأصول يأخذ صاحبه بالاهتمام بأهمية معرفة معنى النص بأيسر الطرق وأقواها في الحجاج؛ فيخص السياق بالتبويب في كتابه “الرسالة” تحت عنوان “باب الصنف الذي يبين سياقه معناه”، وقد أخذ الأصوليون بعده هذا الموضوع بالجد فاعتنوا به تقريرًا له وتأصيلًا وشرحًا.
وتُعدّ دلالة السياق من أهم المباحث المعيارية في فهم النصوص، ولذلك تناولها المفسرون والمحدِّثون والأصوليون ورجحوا بها، وكان تناولهم لها في شتى الحقول المعرفية، يمر بمراحل منها: السياق العام للشرع، ثم سياق الباب، ثم سياق النص، وهكذا تنتظم المسائل في سلك واحد، وتُجمع فلا يعارض نَصٌّ نَصًّا، ولا يُقْبَل تأويل إلا في إطاره، وسوف نتناول في هذه الورقة العلمية دلالة السياق وأهميتها، كما نعرض بإيجاز لاستخدامها التاريخي في جميع مراحل التشريع، وأهميتها في الترجيح، وتبيين محل النزاع، وسوف يتم ذلك في مباحث:
المبحث الأول: مفهوم دلالة السياق
لا شك أن تحديد مفهوم دلالة السياق يفيدنا كثيرًا في تعيين الطريق الأسلم لتداوله في نطاق الترجيح، ونبدأ بتعريف المفهوم باعتباره مركبًا، فنبدأ بتعريف مفرداته:
تعريف الدلالة: للدلالة عدة معان في لغة العرب منها:
الإبانة والظهور: قال ابن فارس:” (دَلَّ) الدال واللام أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارة تتعلمها، والآخر اضطراب في الشيء.
فالأول قولهم: دللت فلانًا على الطريق. والدليل: الأمارة في الشيء. وهو بين الدَّلالة والدِّلالة”([1]).
ومنها: الشكل والهيئة: ومنه دَلُّ المرأة ودَلَالُها تَدَلُّلُهَا لزوجها، والدَّلُّ السَّمْتُ والْهَدْيُ([2]).
ومنها: التسديد، ومنه دَلَّ الشيء عليه يَدُلُّهُ دَلَالَةً فانْدَلَّ سدده إليه([3]).
ويظهر من خلال تداول المعنى عند أهل اللغة أن أصله يدل على الإبانة والإرشاد والتسديد، وهو قريب من المعنى الاصطلاحي للدلالة الآتي ذكره.
مفهوم الدلالة اصطلاحًا: قد تنوعت عبارات الأصوليين في تعريف الدلالة اصطلاحًا ومن هذه التعريفات قولهم: “هي -أي الدلالة-: كون الشيء بحالة يلزم من العلم بها العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال، والثاني هو المدلول”([4]).
وهذا التعريف يشمل أنواع الدلالات:
فاللفظية: وهِيَ المستندة لوُجُود اللَّفْظ، إِذا ذكر وجدت، وتنقسم ثَلَاثَة أَقسَام: طبعية، وعقلية، ووضعية.
فالطبعية: كدلالة (أح أح) على وجع فِي الصَّدْر.
والعقلية: كدلالة الصَّوْت على حَيَاة صَاحبه.
والوضعية: وَهِي كَون اللَّفْظ إِذا أطلق فُهِمَ الْمَعْنى الَّذِي هُوَ لَهُ بِالْوَضْعِ، سَوَاءً كَانَ بِوَضْع اللُّغَة، أَو الشَّرْع، أَو الْعُرْف، لذَلِك اللَّفْظ، فَهِيَ غير الوضعية الَّتِي هِيَ قسيم اللفظية([5]).
بينما خصها بعضهم بالدلالة اللفظية كالفيومي، حيث يقول: “الدلالة بفتح الدال وكسرها: ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه”([6]).
ولأن بحثنا في الدلالة اللفظية وليس في كل الدلالات فإننا نختار ما قربها به القرافي للمعنى حيث قال: “دلالة اللفظ: فهم السامع من كلام المتكلم كمال المسمى، أو جُزْأَهَ، أو لازمه”([7]).
والمراد من هذه التعريفات تقريب المعنى لفهم القارئ، وإلا فهذه التعريفات لا تخلو من اعتراضات، ومن ذلك تسليم العقل بوجود المغايرة بين الدال والمدلول إما بالذات كما بين المؤذن والأذان، فإن المؤذن وإن كان دالًّا على الأذان فإنهما متغايران، وقد يكون التغاير بسبب الصفة، وهذا مبسوط في كتب الأصول والمنطق([8]).
ولأهل الأصول كلام طويل في تقسيم الدلالة باعتبار قصد المتكلم لها من عدمه إلى أقسام عِدَّة، وقد قَسَّمَهَا شيخ الإسلام تقسيمًا فريدًا جمع شتاتها وبين ما أُجْمِلَ فيها، فقد قسمها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الدلالة التي لم يشعر بها الدال ولا قصدها وهي دلالة الحال.
الثاني: الدلالة التي يعلم بها الدال لكنه لم يقصد أحد بها، مثل البكاء الدال على الحزن، والضحك الدال على الفرح، وغيرها من الصفات التي يمكن إدراكها بالطبع.
الثالث: الدلالة التي يقصدها الدال وهي قد تكون بخطاب وقد تكون بغير خطاب كالإشارة وغيرها([9]).
وهذه الأخيرة هي محل بحثنا وهي التي تفهم من السياق الحالي أو المقالي للمتكلم، وتبين مراده وتدرأ الاحتمالات الواردة عليه، وسوف نعرفها في المبحث الموالي:
المبحث الثاني: دلالة السياق
السياق في اللغة من سَوَق وأصله سِوَاقٌ فقلبت الواو ياء لكسرة السين، قال ابن فارس: “السين والواو والقاف أصل واحد، وهو حَدْوُ الشيء يقال ساقه يسوقه سَوْقًا”([10]).
أما في الاصطلاح فإن الأصوليين تناولوها تحت مسميات عدة منها: سياق الكلام، وسياق النظم، واللفظ الواضح فيما سيق له، وما أوجبه نفس الكلام. كما استعملوها في تحديد دلالة بعض الألفاظ، كما يقولون النكرة في سياق الشرط والنكرة في سياق النفي تعم.
ولدلالة السياق تعريفات عدة، ويمكن اعتماد تعريف البناني بأن السياق: “هو ما يدل على خصوص المقصود من سابق الكلام المسوق لذلك أو لاحقه”([11]). وهذا التعريف قد أفصح عن السياق وهو كونه متعلق بمجموع الكلام ويعتبر فيه سابقه ولاحقه بحيث إذا جُمِعَا تبين المراد منهما، وفُهِمَ الغرض وزال ما يَرِدُ على اللفظ من إشكال، ولتقرير هذه المسألة فسوف نذكر الاستدلال بالسياق وأمثلته، ونقوم بسرد تاريخي لنماذج من الاستدلال بالسياق من عهد النبوة إلى متأخري الأصوليين والمفسرين، وذلك دفعًا للشبهة التي روَّج لها بعضهم من أن هذه الأساليب ابتدعها الشافعي ومن جاء بعده، ليؤسسوا لفهم مؤدلج للنص يعطي أهمية للمصادر الثانوية على حساب المصادر الكلية ،كما يقرر نصر حامد أبوزيد في كتابه الشافعي وتأسيس أيديولوجيا النص، وسوف نتحدث عن الاستدلال بالسياق عند السلف في المبحث الآتي:
المبحث الثالث: الاستدلال بالسياق عند السلف
وهنا نذكر لك أيها القارئ الكريم، نماذج من اعتبار النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته للسياق في الفتيا وعند حل الإشكالات الواردة على النص وهذه أمثلته:
فتوى النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة السياق: القرآن نزل بلسان عربي مبين والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس بمقتضى اللغة ويحيلهم إلى أسلوبها، ومن أدلة اعتبار النبي صلى الله عليه وسلم للسياق في دفع الإشكال الوارد على ذهن السامع قوله لعائشة حين سألته عن قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون} [سورة المؤمنون:60]. قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: ” لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُم وقال: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون} [المؤمنون:61].”([12])
فالآية إذا نُظِرَ إليها مفردة، فهي تحتمل معنيين أحدهما: ما ذهبت إليه عائشة، وهو أن الآية في أهل المعاصي الذين يأتون ما آتوا من المعاصي وقلوبهم وجلة مما فعلوا، وإذا نُظِرَ إليها في سياقها فإنه يترجح المعنى الذي فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم، فاستدل النبي صلى الله عليه وسلم بلحاق الآية، وهو ما يليها على تحديد معناها الظاهر ودفع المعنى المتوهم.
ومنه كذلك ما روى ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون} [الأنعام:82]. شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:13]”([13]).
فإن النبي حين دفع الاشكال بآية أخرى، فإنه يحيل إلى السياق المتقارب، وهو أن الحديث كله عن الشرك، فلذلك خصص الظلم بنوع من أنواعه، فسياق الآيات كان عن قصة إبراهيم ومحاجته لقومه على شركهم ودعوتهم للتوحيد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه محيـــــلًا للسياق، وإن كان قد استشهد بسياق أوضح منه.
وقد التزم الصحابة نهج النبي صلى الله عليه في اعتبار السياق فاستدلوا به على أمور كثيرة، ورجحوا به بين المحتملات.
اعتبار السياق في فتاوى الصحابة: فالمتابع لسيرة الصحابة وفتاواهم يجد أنهم كانوا يحيلون إلى السياق ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا، فقد روي أن رجلًا قال لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله تعالى: {َولَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء:141]. وهم يقاتلونهم فيظهرون ويقتلون؟ فقال علي: ” ادنه ادنه، ثم قال: {فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء:141]”([14]).
فقد استدل بالسياق على دفع الإشكال فَقَيَّدَ إطلاق الآية بسياقها السابق لها وقد روى الطبري عن ابن عباس أيضا في قوله: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”، قال: ذاك يوم القيامة”([15]) وهو تنبه منه أيضا لدلالة السياق.
ومثله ما روي عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم} [المائدة:37]. فقال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: «يُخْرِجُ اللَّهُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ، وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: 37]، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّكُمْ تَجْعَلُونَ الْخَاصَّ عَامًّا، هَذِهِ لِلْكُفَّارِ اقْرَؤُوا مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ تَلَا:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم} [المائدة:37].هَذِهِ لِلْكُفَّارِ”([16]).
فاستدل بسياق الآية على خصوصها بالكفار وأن المسلم العاصي ليس مخلدًا في النار خلافًا للخوارج والمعتزلة.
ومن ذلك تصويب عائشة لفهم عبد الله بن الزبير لآية السعي فقد روى البخاري عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: قلت لعائشة رضي الله عنها -زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا يومئذ حديث السن-: أرأيت قول الله تبارك وتعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم} [البقرة:158]. فلا أرى على أحد شيئًا أن لا يطوف بهما، فقالت عائشة: ” كلا، لو كانت كما تقول: كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلّون لمناة، وكانت مناة حذو قُدَيد، وكانوا يَتَحَرَّجُونَ أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم} [البقرة:158]. زاد سفيان، وأبو معاوية، عن هشام: “ما أتم الله حج امرئ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة”([17]).
محل الشاهد منه قولها: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، فبينت له أن السياق لا يقبل ذلك ثم ذكرت القرائن المصاحبة للسياق والمرجحة له.
فإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الاستدلال بالسياق ليس وليد حاجة تأويلية طارئة للنصوص بقي لنا أن نُطْلِعَكَ على المجالات التي يتم استخدامه فيها بكثرة، ونكتفي بمثالين هما الأكثر تأثيرًا في التفكير الفقهي الإسلامي، وهما علما التفسير والأصول.
المبحث الرابع: الاستدلال بالسياق عند المفسرين والأصوليين:
بالرغم من الحاجة إلى الاستدلال بجميع أنواعه في كل الحقول المعرفية الإسلامية إلا أن لعلمي التفسير وأصول الفقه طبيعة خاصة بحكم تأثيرهما في جميع العلوم الشرعية ورجوعها إليهما في ضبط التأويل، ومعرفة صحيحه من سقيمه، وسوف نتناول في هذا المبحث استدلال أهل هذه الاختصاصات بالسياق، وكيف تم التوصل عن طريقه إلى كثير من الاستنباطات والترجيحات ونبدأ بالتفسير:
الاستدلال بالسياق عند المفسرين: لقد اعتبر المفسرون السياق القرآني عموما هو اللَّبِنَةَ الأساسية في قواعد التفسير؛ ولذلك نَصَّ الامام الطبري أن تفسيره للقرآن كان سائرًا على النهج المعتبر للسياق فقال: “فإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل طلب اتساق الكلام على نظام في المعنى”([18]).
وقد تناول المفسرون السياق من جوانب عدة سياق القرآن عمومًا، وسياق السورة، وسياق المقطع، كما رجَّحوا به بين الأوجه المحتملة في تعيين المعنى المراد من اللفظ المشترك، وترجيح القراءات به، ومن أمثلة ترجيح اللفظ المشترك لفظ الصلاة، فقد ورد بمعانٍ متعددة في القرآن كلها تتضح بالسياق، فقد ورد بمعنى الاستغفار كما في قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [التوبة:103]. فهي هنا بمعنى الاستغفار([19])، كما ورد بمعنى المغفرة في قوله تعالى: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون} [البقرة:157]. أي مغفرة([20]). والصلاة بمعناها الشرعي كما في قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه:14]. فالصلاة هنا بمعناها الشرعي وهي المفتتحة بالتكبير المنتهية بالتسليم([21]).
وفي قوله تعالى: {صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَات} [الحج:40]. فالصلوات هنا المراد بها أماكن الصلاة([22]).
كما استدلوا بالسياق على تقرير المعاني الكلية للقرآن وترجيح المعنى المناسب لها، ومن ذلك قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز} [المجادلة:21]. فقد قال بعض المفسرين أن الغلبة هنا غلبة حجة وبيان، وقد رجَّح الشيخ الشنقيطي أن الغلبة هي غلبة السيف؛ لأن هذا المغنى مطّرد في القرآن، وتشهد له سياقات متعددة، منها قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَاد} [آل عمران:12]. وقوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:74]. وقوله: {وإِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} [الأنفال:65]. وقوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّوم} [الروم:2]. إلى غير ذلك من الآيات([23]).
وهذه الإحالة للمعاني الكلية في السياقات المتعددة التي رجح بها الشنقيطي لم يكن بدعَّا فيها، فقد أُثِرَتْ عن السلف كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “كل شيء في القرآن زجر فهو عذاب”([24]). وقال مجاهد: “كل ظن في القرآن فهو علم”([25]).
أما الترجيح بالسياق في القراءات: فقد تعرض له المفسرون رغم ما فيه من خلاف، إلا أَنَّ المقصود به ترجيح القراءة الصحيحة على الشاذة بوجه السياق، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون} [سورة المؤمنون:60]. فقد وردت قراءة شاذة في هذه الآية تقول: (والذين يَأْتُونَ ما أَتَوْا) فعلَّق عليها ابن كثير بأنها شاذة، ومما يرجح دفعها، سياق الآية وهو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون} [سورة المؤمنون:61]. فقال: “فجعلهم من السابقين ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك ألا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين، والله أعلم”([26]).
كما ردّ ابن كثير بالسياق القراءة في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير} [البقرة: 126]. فقد قُرِئت بقراءة شاذة (فَأَمْتِعْهُ)، وقد رد ابن كثير هذه القراءة لأن السياق يأباها، فإن الضمير في {قال} راجع إلى الله تعالى في قراءة الجمهور، والسياق يقتضيه، وعلى هذه القراءة الشاذة يكون الضمير راجعًا إلى إبراهيم، وهذا خلاف نظم الكلام، ولأنها لو كانت من كلام إبراهيم لما احتيج لتكرار كلمة {قال}؛ لأن الكلام لم يَطُلْ([27]).
وهذا كثير في كلامهم وأسلوبهم، ومرادنا هنا التمثيل لا الحصر، والتأكيد على تداول المفهوم واستعماله في هذا الحقل المعرفي الهام لدى المسلمين.
الاستدلال بالسياق عند الأصوليين: قد قدمنا أن الاستدلال بالسياق واعتباره منهج نبوي اعتمده النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في التفسير والاستدلال وإزالة الإشكال، كما اعتمده المفسرون من بعدهم اقتداء بهم، وكل ذلك للتدليل على أن هذه المنهجية لم تكن من صنيع الشافعي، ولا وليدة لحظته، بل انبثقت من الهدي النبوي في التفسير، كما ساعدت عليها المعطيات اللغوية التي نزل بها القرآن، وحين نأتي إلى علم الآلة المعتبر في الاستدلال والعمدة في التعامل مع النصوص -ألا وهو علم أصول الفقه- نجد أن اعتبار السياق أصل من أصوله، وقاعدة من قواعده، فهذا الإمام الشافعي -أوّل من أفرد علم الأصول بالتفسير- يتعرض لدلالة السياق ويُبَيِّنُها ويعتبرها، ويؤكد على أهمية مراعاتها أثناء ممارسة العملية التأويلية أو الاجتهادية، فبعد أن تناول البيان وما يقع به وبين الدلالات وأنواعها وذكر منها العام والظاهر؛ عقد بابًا خاصًّا عنْوَن له بـ”باب الصنف الذي يبين سياقه معناه”([28]). ومثَّل له بأمثلة منها: دلالة الاقتضاء، ومثَّل لها بقوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا، وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]. “فابتدأ -جل ثناؤه -ذِكرَ الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر، فلما قال: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت} الآية؛ دلَّ على أنه إنما أراد أهلَ القرية؛ لأن القرية لا تكون عادِيَةً، ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بَلاَهم بما كانوا يفسقون.
وقال: {وكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً، وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ َلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} [الأنبياء11-12].
وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها، فذَكَر قَصْمَ القرية، فلما ذكر أنها ظالمة بَانَ للسامع أن الظالم إنما هم أهلها، دون منازلها التي لا تَظلم، ولما ذكر القوم المنشَئِين بعدها، وذكر إحساسَهم البأسَ عند القَصْم، أحاط العلمُ أنه إنما أحسَّ البأس من يعرف البأس من الآدميين”([29]).
ثم توالى الأصوليون من بعد الإمام الشافعي على التفصيل في دلالة السياقة ومجالات اعتبارها، وأعملوها من أجل التوصل إلى عدة أمور، منها:
أولًا: معرفة المراد من اللفظ: وذلك أن اللفظ المحتمل لا يُعْرَفُ معناه الراجح من المرجوح إلا إذا انضم إليه السياق والقرائن، فتجدهم يحكمون بعموم اللفظ نتيجة للسياق فيقولون النكرة في سياق النفي والنهي الشرط تفيد العموم([30]). كما في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُون} [العنكبوت:57]. وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت} [التكوير:14]. وكذلك النكرة في سياق الامتنان: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [الفرقان:48].
وقد يخرجون عن الظاهر نتيجة لدلالة السياق على خلافه، يقول السرخسي:” فصل فِي بَيَان جملَة مَا تتْرك بِهِ الْحَقِيقَة: وَهِي خَمْسَة أَنْوَاع: أَحدهَا: دلَالَة الِاسْتِعْمَال عرفًا، وَالثَّانِي: دلَالَة اللَّفْظ، وَالثَّالِث: سِيَاق النّظم، وَالرَّابِع: دلَالَة من وصف الْمُتَكَلّم، وَالْخَامِس: من مَحل الْكَلَام”([31]).
ثانيًا: تخصيص العام ومعرفة وجه العلة وتعميم الحكم بها أو تخصيصها: ومن أكثر الناس استخدامًا لها على هذا النحو من الأصوليين شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد تناول الألفاظ التي هي من قبيل المتواطئ، وبيَّن أنها قد تكون عامة وقد تكون خاصة، ومثَّل لذلك بلفظ الرسول في قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً} [سورة المزمل:15، 16]. وقال في موضع آخر: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور:63].
فلفظ الرسول في الموضعين لفظ واحد مقرون باللام لكن ينصرف في كل موضع إلى المعروف عند المخاطب في ذلك الموضع، فلما قال هنا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً} [سورة المزمل:15، 16]. كان اللام لتعريف رسول فرعون، وهو موسى بن عمران عليه السلام. ولما قال لأمة محمد: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور:63]. كان اللام لتعريف الرسول المعروف عند المخاطبين بالقرآن المأمورين بأمره المنتهين بنهيه، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم”([32]).
فقد بَيَّنَ ابن تيمية من خلال هذا المثال أن السياق محدِّدٌ أساسيٌّ لمعاني الألفاظ والنصوص، فالسياق -كما يقول عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام: -“يرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات. وكل ذلك بعرف الاستعمال. فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحًا، وإن كانت ذمًّا بالوضع. وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذمًّا وإن كانت مدحًا بالوضع”([33]). وعلى هذا النحو في تقرير معنى السياق سار ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد([34]).
ثالثًا: معرفة أنواع السياقات وربط بعضها ببعض: وهذا كثيراً ما يطرقونه في المقاصد، وهذه السياقات يهتمّون بها من أجل ترتيب الكليات بعضها مع بعض، ودرء تعارض الجزئيات معها، فلذلك يطلبون من صاحب العملية الاجتهادية مراعاة سياق القرآن عمومًا ثم مراعاة سياق السور والتي تختلف من المرحلة المكية إلى المدنية، ثم مراعاة سياق كل سورة على حِدَة، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: “إن المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني والبيان؛ فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم والالتفات إلى أول الكلام وآخره، بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها؛ لا ينظر في أوّلها دون آخرها، ولا في آخرها دون أوّلها، فإن القضية وإن اشتملت على جُمل؛ فبعضها متعلق بالبعض؛ لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوّله، وأوّله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فَرَّقَ النظر في أجزائه؛ فلا يُتوصَّل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض، إلا في موطن واحد، وهو النظر في فهم الظاهر بحسب اللسان العربي وما يقتضيه، لا بحسب مقصود المتكلم، فإذا صحَّ له الظاهر على العربية؛ رجع إلى نفس الكلام، فعمَّا قريب يبدو له منه المعنى المراد؛ فعليه بالتعبد به، وقد يُعينه على هذا المقصد النظر في أسباب التنزيل؛ فإنها تبيّن كثيرًا من المواضع التي يختلف مغزاها على الناظر.
غير أن الكلام المنظور فيه تارة يكون واحدًا بكل اعتبار، بمعنى أنه أنزل في قضية واحدة طالت أو قصُرت، وعليه أكثر سور المفصل، وتارة يكون متعددًا في الاعتبار، بمعنى أنه أُنزل في قضايا متعددة؛ كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، واقرأ باسم ربك، وأشباهها ولا علينا أنزلت السورة بكمالها دفعة واحدة أم نزلت شيئًا بعد شيء؛ ولكن هذا القسم له اعتباران:
اعتبار من جهة تعدد القضايا؛ فتكون كل قضية مختصة بنظرها، ومن هنالك يلتمس الفقه على وجه ظاهر لا كلام فيه، ويشترك مع هذا الاعتبار القسم الأول؛ فلا فرق بينهما في التماس العلم والفقه.
واعتبار من جهة النظم الذي وجدنا عليه السورة؛ إذ هو ترتيب بالوحي لا مدخل فيه لآراء الرجال، ويشترك معه أيضًا القسم الأول؛ لأنه نظم أُلقي بالوحي، وكلاهما لا يلتمس منه فقه على وجه ظاهر، وإنما يلتمس منه ظهور بعض أوجه الإعجاز، وبعض مسائل نبه عليها في المسائل السابقة قبل، وجميع ذلك لا بد فيه من النظر في أول الكلام وآخره، بحسب تلك الاعتبارات؛ فاعتبار جهة النظم مثلًا في السورة لا تتم به فائدة إلا بعد استيفاء جميعها بالنظر؛ فالاقتصار على بعضها فيه غير مفيد غاية المقصود، كما أن الاقتصار على بعض الآية في استفادة حكم ما لا يفيد إلا بعد كمال النظر في جميعها”([35]).
فهذه الجملة من كلام الشاطبي تكشف أهمية السياق في معرفة الدلالات والمراد من الألفاظ بالإضافة إلى معرفة مقاصد الشريعة، واكتمال النظرة الفقهية للقضايا المراد تبيين الحق فيها ومعرفة مراد الله منها.
رابعًا: معرفة العلة: فيجعلون السياق أحد المسالك التي تعرف بها العلة من جهتين: الجهة الأولى: الإيماء والتنبيه، والجهة الثانية: المناسبة، ويقصدون بالإيماء والتنبيه: “أن يقرن الحكم بوصف على وجه لو لم يكن علة لكان الكلام معيبًا عند العقلاء”([36]). مثاله قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [المائدة:38]. فذكر القطع بعد السرقة لا وجه له إلا أنه علة له. أما المناسبة فضابطها “أن يقترن وصف مناسب بحكم في نص من نصوص الشرع، ويكون ذلك الوصف سالمًا من القوادح، ويقوم دليل على استقلاله بالمناسبة دون غيره، فيعلم أنه علة ذلك الحكم، ومثاله: اقتران حكم التحريم بوصف الإسكار في قوله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مسكِرٍ حرام» فالإسكار مناسب للتحريم مقترن به في النص، سالم من القوادح، مستقل بالمناسبة”([37]).
فهذه أمثلة لمجالات السياق عند الأصوليين، ولعلنا نختم هذه الورقة بمبحث عن بعض التطبيقات للسياق في مجالي الاعتقاد والفقه.
المبحث الخامس: السياق وأهميته في الترجيح في مسائل الفقه والاعتقاد
فائدة السياق تظهر في كشف المعاني الملتبسة وتقريبها لذهن السامع وتعيين المعنى الصحيح منها؛ لذلك لا مناص من اعتباره في موارد الاشتباه ومظان التعارض ومجالات التأويل، ومن هنا كان لاعتباره في مجالي العقيدة والأحكام أهمية بالغة، فليس كل معنىً يُصار إليه في التفسير يكون مرادًا، وإن كان الاستعمال اللُّغوي يقبله؛ وذلك أن الاستعمال قد يقبل المعنى في سياق دون سياق، فقد يقبله في حالة الإفراد ولا يقبله في حالة التثنية، ولا في حالة الجمع، وسوف نأخذ أمثلة لذلك في العقائد والأحكام ونبدأ بالعقائد:
السياق والترجيح به في مسائل الاعتقاد: من المعلوم أن مسائل الصفات مما تنازع الناس فيها من مُدَّعٍ للتأويل مطلقًا فيها، ومن رافض، وقد وقفتُ على رد لأحد أساطين التأويل يدَّعي فيه أن التأويل هو المنهج المتبع عند النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ومثَّل لذلك بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعُدْني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أمَا علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعُدْه، أمَا علمت أنك لو عُدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين، قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي»([38]). فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوَّل في هذا الحديث، وقال إن التأويل هو الأصل في هذا الباب([39]).
وإذا حاكمنا هذا القول إلى الأصول المعتبرة في الاستدلال -ومنها السياق- وجدنا أنه غير مقبول علميًّا، وذلك أن ما ادعى أنه ظاهر موهم لا يُسلَّم له؛ لأن اللفظ إذا قُرِنَ بما يُبَيِّن معناه كان ذلك هو ظاهره، والذي أوقع هذا العالم في هذا الغلط هو بتر العبارة من سياقها، وهو أنها فُسِّرَتْ في نفس النص كما في الحديث، وهذا كثير في القرآن والسنة ومنه قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُون} [العنكبوت:14]. فهل يقال إن ظاهره أنه لبث فيهم ألف سنة ثم أُوِّلَ هذا الظاهر إلى تسعمائة وخمسين سنة؟!
وهل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون} [الماعون:5-4]. ظاهره العذاب للمصلين ثم صرف إلى الساهين؟!
إذًا فالكلام ينبغي أن يكون عن ظاهر سياق الحديث لا ظاهر اللفظة؛ لأن اللفظة يُعلم المراد منها بالسياق، والسياق يبين أن المرض واقع على العبد لا على الرب؛ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا([40]).
وقد مر معنا أن السياق المعتبر في الترجيح نوعان: السياق العام للشرع، والسياق الخاص، وهو النص نفسه المراد تبيين إشكاله. ومن الأصوليين الذين اعتنوا بالسياق بنوعيه السياق العام للشرع وسياق النص الإمام بن القيم رحمه الله، فهو في رده على الجهمية في تأويل اليد بالقدرة بيَّن أن أغلب السياقات لا تتحمل هذا التأويل وإن صحَّ لغةً، كما في قوله تعالى: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِين} [سورة ص:75]؛ فهي لا تحتمل القدرة لأنه لا فائدة من تثنية القدرة.
وكما في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة:64]. فحين وصفهما بالبسط والإنفاق وذكر ذلك في معرض الرد على من قال يد الله مغلولة؛ تبيَّن أن المعنى لا يمكن أن ينصرف إلى القدرة ولا إلى النعمة؛ لأنهم لم ينكروها وجوابهم بما لم ينكروا تعمية عليهم([41]).
ومن أمثلة الاستدلال بالسياق في هذا الباب الرد على الرافضة حين احتجُّوا بحديث «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»([42]).
وجعلوه نصًّا في أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب، فقد ناقش ابن تيمية هذا الاستدلال وردَّه عبر آلية السياق بنوعيه العام والخاص، وقد استفاض ابن تيمية في الترجيح بالسياق أثناء كلامه عن هذا الحديث، ونحن نورد كلامه لأهميته، فقد علق عليه قائلا: “وقول القائل: هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا؛ هو كتشبيه الشيء بالشيء، وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء، ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر، وأشار بالفداء، واستشار عمر فأشار بالقتل. قال: «سأخبركم عن صاحبيكم. مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم} [إبراهيم:36]. ومثل عيسى إذ قال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [المائدة:118]. ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26]. ومثل موسى إذ قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيم} [يونس:88].
فقوله لهذا: مثلك كمثل إبراهيم، وعيسى، ولهذا: مثل نوح، وموسى -أعظم من قوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ; فإن نوحًا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى أعظم من هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم يُرد أنهما مثلهم في كل شيء؛ لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله، واللين في الله”([43]).
فانظر كيف وظَّف السياق العام، وهو أن التشبيه له أوجه تتحد بالسياق، كما ذكر السوابق واللواحق للحدث التي تجعله مفهومًا في إطاره، وهذا الأسلوب مما تميز به شيخ الإسلام عن جميع خصومه وهو لمح السياق أوّلًا، وعدم التسليم بوجه الاستدلال للخصم؛ لأن الشريعة حق وصدق ولا يمكن أن يُكذِّب بعضها بعضا، فنفس الدليل إن كان وجه الاستدلال به باطلًا فإنه يمكن قلبه على الخصم من خلال السياق؛ لأنه -في الغالب-لا يسلَم له وجه الاستدلال، إمّا بسبب قطع الدليل من سياقه الخاص أو سياقه العام وإغفال المعارض له.
فإذا انتهينا من أصول الدين بقي لنا متعلق آخر من متعلقات السياق وهو الأحكام الشرعية العملية، وهو ما سوف نتناوله في العنوان الموالي:
الترجيح بالسياق في مسائل الأحكام: وليس مرادنا هنا تبيين الراجح المسلَّم من كل وجه، وإنما تبيين أن الترجيح بالسياق موجود في هذا الباب؛ بل هو كثير، ومن أمثلته استدلال الشافعي على وجوب الترتيب في الوضوء بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [المائدة:6]. فقال: إن ذكر الممسوح بين المغسولات ليس له معنى إلا إفادة الترتيب([44]).
أحدهما: أن يُصلَّى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك.
وثانيهما: ألَّا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما، لأن اللَّه تبارك وتعالى لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى، وغبطة لمن صلاها”([45]).
وكذلك القول في الذين أنكروا حد الردة واستدلوا بمثل قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]. فإن السياق يرد عليهم، فَإِنه بالرجوع إلى سياق النّظم يتَبَيَّن أَن المُرَاد هُوَ الزّجر والتوبيخ دون الْأَمر والتخيير، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} فَإِن بسياق النّظم يتَبَيَّن أَنه لَيْسَ المُرَاد مَا هُوَ مُوجب صِيغَة الْأَمر بِهَذِهِ الصّفة([46]).
ومن أمثلة الترجيح به قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون} [البقرة:232].
قال أبو جعفر الطبري: “وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: “لا نكاح إلا بولي من العصبة”. وذلك أن الله -تعالى ذكره-منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك. فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها = لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها. وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها، أو إنكاح من توكله إنكاحها فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها. وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه؛ صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقًّا لا يصح عقده إلا به. وهو المعنى الذي أمر الله به الولي = من تزويجها إذا خطبها خاطبها ورضيت به، وكان رضى عند أوليائها، جائزًا في حكم المسلمين لمثلها أن تنكح مثله= ونهاه عن خلافه: من عضلها، ومنعها عما أرادت من ذلك، وتراضت هي والخاطب به”([47]).
فقد رجَّحَ الإمام الطبري قول الجمهور استنادًا إلى سياق الآية وما ترشد إليه، وقل نفس الشيء في سائر الأحكام الشرعية، “فقد احتج بالسياق أحمد على الشافعي في أن الواهب ليس له الرجوع من حديث «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه»، حيث قال الشافعي: هذا يدل على جواز الرجوع. إذ قيء الكلب ليس محرمًا عليه، فقال أحمد: ألا تراه يقول فيه: ليس لنا مثل السوء، «العائد في هبته» الحديث. وهذا مثل سوء”([48]).
فالسياق معتبر في جميع الأبواب الشرعية انطلاقًا من كونه أسلوبًا عربيًّا نطق به القرآن، ولا يمكن إغفاله أثناء ممارسة التفسير أو التناول لأي موضوع من المواضيع، بل هو المعتبر أوّلًا، وإليه المرجع، وما يرشد إليه هو المعتبر، والظاهر الذي ينبغي التمسك به، ولا يُعدل عنه إلا بدليل شرعي، ونحن اليوم نحتاج إلى تفعيله أكثر من ذي قبل؛ لأن المتنازعين قديمًا لم يكونوا ينكرون الأدلة، وكان بإمكان أحدهم أن يستدل على الآخر بدليل خارج السياق؛ ليبين له الحق ويرجعه إليه، ثم يكون السياق من باب توارد الأدلة، أما اليوم ونحن نرد على العقلانيين والتنويريين ومن يحاولون التشغيب على النصوص الشرعية، وينكر كل السنة أو جلّها، فإن المدخل الأول لنقض عراهم وجواب اعتراضهم هو السياق، فلا يُسلَّم أن توجد آية في سياقها يُفْهَمُ منها غير الحق، أو يمكن الاستدلال بها على الباطل، بل المناسب لكون الكتاب محكمًا ومفصلًا وهاديًا، أنه لا يمكن أن يستدل به على الباطل استدلالًا سالمًا من المعارض مقبولًا في السياق، بل داعي الاستدلال به على الباطل هو سوء القصد وفساد الفهم، لا غير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([4]) التعريفات للجرجاني (ص 104).
([5]) التحبير شرح التحرير (1/317).
([8]) ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون (2/120)
([9]) ينظر: درء تعارض العقل والنقل (2/207).
([10]) ينظر: مقاييس اللغة (3/117). ولسان العرب (3/369).
([11]) حاشية البناني على جمع الجوامع (1/20). وقد عرفه العطار في حاشيته على جمع الجوامع (1/30) بقوله:” مَا يُوضح عَن المُرَاد لَا بِالْوَضْعِ تُؤْخَذ من لَاحق الْكَلَام الدَّال على خُصُوص الْمَقْصُود أَو سابقه”، وهذا تعريف للقرينة وليس تعريفا للسياق، فلذلك لم نذكره وإن كان بعضهم قد اختاره.
([12]) سنن الترمذي برقم (3175).
([14]) المستدرك على الصحيحين (3206).
([21]) أنوار التنزيل للبيضاوي (1/18).
([22]) تفسير الراغب الأصفهاني (3/1253).
([26]) تفسير ابن كثير (3/120).
([28]) الرسالة للشافعي (1/62).
([29]) المرجع السابق (1/62_63)
([30]) المذكرة في أصول الفقه (ص 247).
([31]) الأصول للسرخسي (1/190).
([32]) مجموع الفتاوى (20/427-28).
([34]) بدائع الفوائد (1/141- 146).
([35]) الموافقات للشاطبي (4/268).
([37]) مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي (ص 304).
([39]) ينظر: كتاب منصة الحسين لمؤلفه الشيخ أباه بن الحسين الجكني الشنقيطي. (ص 1وما بعدها).
([40]) ينظر: تفصيله في كتاب خلاصة الوحيين في نقض منصة الحسين لمؤلفه أبي العالية المحسي السوداني طبع مع كتاب تنبيه الخلف الحاضر لمؤلفه العلامة بدأه بن البصيري الشنقيطي مفتي موريتانيا سابقا (ص146).
([41]) ينظر: الصواعق المرسلة (1/277).
([42]) سنن الترمذي (3730) قال الشيخ الألباني: صحيح لغيره.
([43]) منهاج السنة النبوية (7/327-328-329).