الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

رفع الحرج في الشريعة: الحدود والجنايات نموذجًا

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

إن اعتبار المكلف في الشريعة الإسلامية والسعي لإسعاده في الدنيا والآخرة أمرٌ مقطوع به؛ ولهذا الاعتبار مظاهرُ كثيرة؛ منها سعي الشريعة لوضع القواعد المنظمة لحياة الإنسان، التي تضمن أن يسير في الحياة سيرًا لا يشق عليه، كما شرعت له شرائع تراعي حاله وترفق به، وتضع حدًّا للمشقة التي قد تعرض له في حياته طبقًا للسنن الكونية القاضية أن الإنسان خُلق في كبد، فلا بد أن يسعى ويجدَّ ليُحَصِّلَ مصالحه الدنيوية والأخروية؛ ولهذا راعت الشريعةُ المشقّةَ التي تطرأ على المكلف في عبادته ومعاملته، فشرعت له ما يدفعها به ويحقق له المقصود، ومع هذا كله فإن الشريعة لم تُلغِ كذلك العوارضَ التي تكون سببًا في حجب الإنسان عن الحق، وإبعاده عن المصلحة من اتباع للهوى والجهل والظلم، فهي عوارض إذا اتصف بها الإنسان رَدَّ الحق، واستبدل الشهوات والشبهات بالأمور الواضحات، ورأى الأشياء على غير حقيقتها، وهنا جاءت الشريعة بالحدود وجعلتها أدواتٍ ردعيةً وإجراءاتٍ وقائيةً، تعالج بها الظواهر السلبية للجريمة التي يصدرها الإنسان في حق نفسه، أو حق غيره، وهذ الإجراءات تختلف عن الإجراءات البشرية في كونها تخدم المقصد العام للشرع، وليس للنفس البشرية فيها أي تأثر، كما أنها ليست ردة فعل، ولا انتقامًا من مجتمع معين؛ لذلك لم تخلُ هذه الحدود من رفق بالناس، مع أنها عقوبات، لكنْ لأنها لم تشرع انتقامًا وليست مقصودة لذاتها، فإنها لم تطغَ على حساب الشرع ومقصده، فقُيِّدَتْ بقيود تضمن تفادي الخلل الذي قد ينتج من تطبيق حدٍّ أو قصاص، وهذا ما سوف نفصله إن شاء الله في هذه الورقة العلمية، وقبل الخوض فيه نبين مكانة رفع الحرج في الشريعة:

مكانة رفع الحرج في الشريعة: ويحسن بنا أن نبين معناه لغة وشرعًا ليتبين حكمه بعد ذلك.

رفع الحرج لغة واصطلاحًا:

تدل مادة (رفع) في اللغة على معان عدة، ترجع في أغلبها إلى معنى العلو والإزالة، وهي نقيض الوضع والخفض، قال الله U في صفة القيامة: {خافضة رافعة} [الواقعة:3]، قال الزجاج: المعنى: أنها تخفض أهل المعاصي وترفع أهل الطاعة. والرفع: ضد الخفض، وفي الحديث: (إن الله يرفع القسط ويخفضه)([1]). كما تدل مادة (رفع) في الاستعمال على الإكرام والفوقية، فمثال الإكرام قولهم: “نساء مرفوعات”؛ أي مُكْرَمَاتٌ، ومثال الفوقية قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [سورة الواقعة:34]؛ أي مصفوفة بعضها فوق بعض([2]). تأتي مادة (رفع) أيضًا بمعنى التعظيم ومنه قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال} [سورة النور:36]؛ أي تعظَّم. وأقربها للمعنى الشرعي هو الإزالة.

أما الحرج فإن معناه الضيق، وهو الذي يدل عليه الاستعمال عند أهل اللسان، ويستخدم في معانٍ أُخَرَ مجازية كالإثم والحرام، قال بن الأثير: “الحرج في الأصل: الضيق، ويقع على الإثم والحرام. وقيل: الحرج أضيق الضيق. وقد تكرر في الحديث كثيرًا”([3]). ومثال مجيئه بمعنى الضيق في قوله الله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [الأنعام: 125]. ويقال حرِجت العين تحرَج؛ أي تحار. وتقول: حَرُج علي ظلمُك؛ أي حَرُم. ويقال: أحرجها بتطليقة، أي حرمها. ويقولون: أكسعها بالمحرِجات، يريدون: بثلاث تطليقات. والحرج: السرير الذي تحمل عليه الموتى([4]).

وقد نص صاحب تاج العروس أن الحرمة والإثم مجازيّان في معنى الحرج([5]).

أما في الاصطلاح: فإن لفظ الحرج ورد في سياقات متعددة؛ بعضها ينص على رفعه، والبعض الآخر يطلب عدم وجوده من المكلف تجاه القضايا العقدية، ويذم عليه، فهذا التنوع في الأسلوب جعل لمدلول الكلمة معانيَ واسعةً وشاملة، وقد دلت نصوص شرعية على نفي الحرج عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمته جميعًا وعن بعض أفرادها خصوصًا لأعذار قامت بهم.

فمن أمثلة رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه: {ما كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} [سورة الأحزاب:38]. “فهذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة، أعلمهم أنه لا حرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نيل ما فرض الله له وأباحه من تزويج زينب بعد زيد، ثم أعلمَ أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء من أن ينالوا ما أحل الله لهم”([6])، وكذلك قوله تعالى: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة الأحزاب:50].

 ومن أمثلة نفيه عن الأمة قوله سبحانه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [سورة الحج:78]، “مَعْنَاهُ: أَنَّ المؤمِنَ لا يُبْتَلَى بِشَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ إِلا جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا؛ بَعْضُهَا بِالتَّوْبَةِ، وَبَعْضُهَا بِرَدِّ المظالِمِ والقِصَاصِ، وَبَعْضُهَا بِأَنْوَاعِ الْكَفّاراتِ، فَلَيْسَ فِي دِينِ الإسلامِ ذَنْبٌ لَا يَجِدُ الْعَبْدُ سَبِيلًا إِلَى الْخَلَاصِ مِنَ الْعِقَابِ فِيهِ”([7]).

ومن أمثلة نفيه عن نوع مخصوص من الأمة قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الفتح:17]، “فلآيَةَ. أَصْلٌ فِي سُقُوطُ التّكلِيفِ عن العاجز، فكل من عجز عن شي سقطَ عَنْهُ، فتارَةً إِلَى بَدَلٍ هُوَ فِعْلٌ، وَتَارَةً إِلَى بَدَلٍ هُوَ غُرْمٌ، ولا فرقَ بَيْنَ العَجْزِ مِن جِهةِ القُوَّةِ أَوِ الْعَجْزِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِ”([8]).

وهذه الاستعمالات تُرجع معنى رفع الحرج إلى رفع الضيق والشدة، وبه فسرت الآيات القرآنية التي مرت معنا.

والحرج المنفي شرعًا يرجع إلى معنيين؛ أحدهما: أن الحرج هو ما لا يطاق، والآخر: هو ما ليس في الوسع مما لا يقدر عليه المكلف، وإذا قَدَرَ عليه؛ فإن ذلك يكون بمشقة تخرج بالمكلف عن المعتاد([9]).

ولذا كان من شرط التكليف العلم والقدرة قال في المراقي:

والعلمُ والوُسع على المعروفِ شرطٌ يعمّ كلَّ ذي تكليفِ([10])

ولذلك ورد تفسير رفع الحرج عن السلف؛ بأنه ما كان على بني إسرائيل كقرض موضع النجاسة، وأداء الربع في الزكاة، وكون التوبة قتلًا، وتحريم السَّلَبِ، وعدم جواز الصلاة إلا في المسجد، وعدم حل الغنائم([11]).

فيتبين من هذا أن الحرج المرفوع شرعًا هو ما كان غير مطاق للمكلف، أو كانت فيه مشقة خارجة عن المعتاد يلحق المكلف بها العنت، إما بسببها أو بسبب الدوام عليها، فأما المشقة المعتادة -وهي المقارنة للفعل، التي إذا ترك الفعل لأجلها عُدَّ التارك له متكاسلًا ومتهاونًا- فإنها لا تعتبر، وشرط المشقة ألا تُعَارَضَ بما هو أشد منها، فلا تعتبر حرجًا كالحدود والجهاد والعقوبات، فإنها وإن كانت المشقة بها حاصلة على النفس والمال، لكن لا يمكن تعطيلها، وذلك للمصلحة الراجحة المرجوة منها، ونفصّل ذلك في القسم الموالي، وهو أقسام رفع الحرج.

أقسام رفع الحرج:

باب الرخصة كله مبني على رفع الحرج، وذلك ظاهر، ومنه قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [سورة المائدة:3]، وقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} [سورة النساء:101]. فإذا تبين هذا علم أن الترخّص في الشريعة على قسمين:

الأول: أن يكون في مقابلة مشقة لا صبر عليها طبعًا؛ كالمرض الذي يعجز معه عن استيفاء أركان الصلاة على وجهها مثلًا، أو عن الصوم لفوت النفس.

أو شرعًا؛ كالصوم المؤدي إلى عدم القدرة على الحضور في الصلاة، أو على إتمام أركانها، وما أشبه ذلك.

الآخر: أن يكون في مقابلة مشقة بالمكلف قدرة على الصبر عليها، وأمثلته ظاهرة.

فأما الأول؛ فهو راجع إلى حق الله؛ فالترخص فيه مطلوب، ومن هنا جاء حديث: “ليس من البر الصيام في السفر”([12])، وإلى هذا المعنى يشير النهي عن الصلاة بحضرة الطعام أو: “وهو يدافعه الأخبثان”، فالترخص في هذا الموضع ملحق بهذا الأصل، ولا شك أن الرخصة ههنا جارية مجرى العزائم، ولأجله قال العلماء بوجوب أكل الميتة خوف التلف، وأن من لم يفعل ذلك فمات؛ دخل النار.

وأما الثاني؛ فراجع إلى حظوظ العباد، لينالوا من رفق الله وتيسيره بحظ؛ إلا أنه على ضربين:

أحدهما: أن يختص بالطلب حتى لا يعتبر فيه حال المشقة أو عدمها؛ كالجمع بعرفة والمزدلفة؛ فهذا أيضًا لا كلام فيه أنه لاحق بالعزائم، من حيث صار مطلوبًا مطلقًا طلبَ العزائم، حتى عده الناس سنة لا مباحًا، لكنه مع ذلك لا يخرج عن كونه رخصة؛ إذ الطلب الشرعي في الرخصة لا ينافي كونها رخصة؛ كما يقوله العلماء في أكل الميتة للمضطر، فإذًا هي رخصة من حيث وقع عليها حد الرخصة، وفي حكم العزيمة من حيث كانت مطلوبة طلب العزائم.

والثاني: ألا يختص بالطلب، بل يبقى على أصل التخفيف ورفع الحرج؛ فهو على أصل الإباحة، فللمكلف الأخذ بأصل العزيمة وإن تحمل في ذلك مشقة، وله الأخذ بالرخصة.

والأدلة على صحة الحكم على هذه الأقسام ظاهرة؛ فلا حاجة إلى إيرادها، فإن تشوف أحد إلى التنبيه على ذلك فيقال:

أما الأول، فلأن المشقة إذا أدت إلى الإخلال بأصل كلي؛ لزم ألا يعتبر فيه أصل العزيمة، إذ قد صار إكمال العبادة هنا والإتيان بها على وجهها يؤدي إلى رفعها من أصلها، فالإتيان بما قدر عليه منها -وهو مقتضى الرخصة- هو المطلوب([13]). وقبل الخروج عن هذا الباب يجدر التنبيه إلى أن اعتبار الرخصة من قبيل رفع الحرج دليل على أنها ليست مبنية على التخيير مطلقًا، بل هو عارض لها؛ لأن رفع الحرج موجود مع الواجب كما هو الحال في الصوم وقصر الصلاة، فإن الصوم شرع أيامًا معدودات رفعًا للحرج وهو واجب، والصلاة شرع قصرها مع وجوبها، وهكذا فالأصل أنها ليست مبنية على التخيير لما يعرض لها من الوجوب.

فإذا تبينت الأقسام التي ينحصر فيها رفع الحرج شرعًا بقي لنا أن نبين للقارئ أسباب رفع الحرج شرعًا.

أسباب رفع الحرج شرعًا:

وهي ترجع إلى سببين كما يقول الشاطبي رحمه الله:

الأول: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله.

والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلًا عنها، وقاطعًا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما([14]).

ومراعاة للمعنى الأول أمرت الشريعة بما يطاق ونهت الإنسان عما لا يطيقه أو إلزام نفسه بما لم يلزمه شرعًا، كالنذر وغيره، ففي الحديث: “عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه، وإن قل”([15])، ونهت عن النذر فقال عليه الصلاة والسلام “إنه لا يرد شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل”([16]).

وأما الثاني، “فإن المكلف مطالب بأعمال ووظائف شرعية لا بد له منها، ولا محيص له عنها، يقوم فيها بحق ربه تعالى، فإذا أوغل في عمل شاق، فربما قطعه عن غيره، ولا سيما حقوق الغير التي تتعلق به، فيكون عبادته أو عمله الداخل فيه قاطعًا عما كلفه الله به، فيقصر فيه، فيكون بذلك ملومًا غير معذور؛ إذ المراد منه القيام بجميعها على وجه لا يخل بواحدة منها، ولا بحال من أحواله فيه”([17]).

وهذا العرض لهذه المسألة خاصةً المقصودُ منه ربطها بغيرها، فقد ظن كثير من الباحثين المعاصرين أن سعي الشريعة لرفع الحرج والسماحة مناقضة لتشريع الحدود والجنايات، مما قد تستكرهه النفوس ولا ترضاه، ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الشريعة، فهي سلطة فوقية متعالية على الجميع، بل حسبنا أن نبين أن توهم التعارض بين رفع الحرج والحدود غير وارد، بل الحدود نفسها لم تخرج عن النسق العام للشريعة، وذلك ما سوف نبين في العنوان الموالي:

رفع الحرج في الحدود:

مع أن الحدود زواجر لدفع المفسدة عن المكلف وعن المجتمع، إلا أن هذه الزواجر والعقوبات لم تخل من مراعاة المعنى العام الملحوظ في جميع الأحكام الشرعية، وهو رفع الحرج، فلذلك كانت الحدود الشرعية مع إلزاميّتها ومطلوبيّتها قد احتيط فيها لأجل ألا تطبق تطبيقًا خاطئًا، كما حصل الاستثناء فيها من أجل تفادي الأخطاء الإجرائية التي قد يرتكبها منفذو الأحكام الشرعية من قضاة وغيرهم، ويمكن تقسيم رفع الحرج في الحدود إلى قسمين:

  • أ‌- قسم عام في كل الحدود.
  • ب‌- وقسم في كل حدّ على حده.

فأما القسم الأول: فهو ظاهر في طلبِ الشريعة التوبةَ، وفي بيانِها أن التوبةَ رافعةٌ للحد قبل القدرة على صاحبه، كما في الحدود التي هي خالصة لله تعالى، فإن التوبة فيها له تعالى كحد الردة، وما كان من العقوبات خالصًا للعبد فإن الترافع إلى القاضي ليس موجبًا للحد دون النظر إلى الإجراءات الاستثنائية التي توجب الرفق، فقبلت سحب الشكاية مطلقًا حتى مع ثبوت الحد. وقد يكون رفع الحرج بتخفيف العقوبة كما هو الحال في القتل، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة البقرة:178]. فقوله: “{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}؛ أي: من دم أخيه؛ أي: ترك له القتل، ورضي منه بالدية. ودل قوله: {مِنْ أَخِيهِ} على أن القاتل لم يخرج عن الإسلام، {فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: مطالبته بالمعروف، يأمر آخذ الدية بالمطالبة الجميلة التي لا يرهقه فيها. وَ{أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ}: يأمر المطالب بأن لا يبخس ولا يماطل. {ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، قال سعيد بن جبير: كان حكم الله على أهل التوراة أن يقتل قاتل العمد، ولا يعفى عنه، ولا يؤخذ منه دية، فرخَّص الله لأمة محمد، فإن شاء وليّ المقتول عمداً قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية”([18]). وللتخفيف في الحدود مظاهر؛ منها:

أولًا: مراعاة الأهلية: فلا يطبق الحد على فاقد الأهلية أيا كان، والأهلية تعني عندهم: “صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه”([19]). ولذا لا يقع الحد على فاقد الأهلية كليًّا، كالمجنون والصبي والمكرَه، أو فاقدها فقدانًا ناقصًا يصل معه أن يكلَّف، لكنه رُفع عنه التكليف بسبب العارض من نوم أو نسيان أو خطأ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر»([20])، وكان من فقه أبي داود -رحمه الله- أنه بوّب لهذا الحديث في سننه بقوله: “باب في المجنون يسرق أو يصيب حدَّا”([21])، وبوّب له الترمذي في سننه بقوله: “باب من لا يجب عليهم الحد”. ففقدان الأهلية مسقط للحد عمومًا.

ثانيًا: دفع الحدود بالشبهات: فأيُّ حدٍّ عَرضت له شبهة فإنه يُدفع بها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ادْرؤوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يخطئ فِي الْعُقُوبَةِ»([22]). وقال عمر بن الخطاب: «لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلى من أن أقيمها بالشبهات»([23]).

ثالثًا الدعوة إلى الستر: وهي تشمل أمرين: ستر الإنسان نفسَه ومسارعته بالتوبة وعدم رفع أمره إلى القاضي، وستر المسلمين إياه كذلك، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه»([24])، وقال عليه الصلاة والسلام: «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة»([25])، وكل أهل الحديث يُخرِّجُ هذه الأحاديث في باب الحدود، وقد علق صاحب عمد القاري على حديث ماعز قائلًا وفيه: “أَن السّتْر مَنْدُوب لقَوْل النَّبِي r لهزّال لما أرسل ماعزًا إِلَى النَّبِي r، قَالَ لَهُ: «لَو سترته بثوبك لكانَ خيرًا لَك»، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن يزِيد بن نعيم عَن أَبِيه، وروى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله r: «من ستر مُسلمًا ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة»([26]).

فهذه جملة المسائل التي راعتها الشريعة في الحدود عمومًا، وهي تدل على أن الحدود ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود ردع المجرم عن الجريمة، وقبل أن ننتقل عن هذه الموضوع نسجل ملحوظة، وهي أن ما جعلت الشريعة فيه حدًّا؛ فإنه لا يمكن العدول عن الحد واستبدال غيره به مطلقًا، إلا إذا وُجِدَ نصٌّ شرعي يدل على ذلك، فلا يمكن أن يُنظر إلى المعنى الشرعي بعيدًا عن الحكم، بمعنى أن الحدود جعلت الشريعة لها بدائل، وهذه البدائل إما أن تكون إسقاطًا للحد بالكلية لوجود السبب، كالتوبة بالنسبة للمحارب والزاني والمرتد، وإما أن تكون بدلًا ماليًّا مثل الدية في القتل الخطأ أو العمد الذي اختار الأولياء فيه الدية على القتل والعفو.

القسم الثاني: مراعاة الشريعة رفعَ الحرج في كل حد على حدة:

والمعاني التي يرجع إليها رفع الحرج في الحدود -وتسمى بالعوارض- ثلاثةٌ:

المعنى الأول: معنًى في المحدود يختص به، كالمرض الذي يُخاف معه إن حُدَّ أن تزهق نفسه، أو يتلف منه عضو آخر، سواء كان الحد في الزنى أو السرقة أو القذف.

المعنى الثاني: معنًى في المحدود يتعلق بغيره، كالحامل يُخاف على جنينها إن حُدّت في قتل أو سرقة أو زنى أن يموت جنينها.

المعنى الثالث: معنىً في غيره، كالزمن الذي يُعلم الخطر فيه فيؤدي إلى التلف إن حُدّ، وكمن وطئ أمة له فيها شِرك، أو قتل قاتلًا، أو غير معصوم الدم، أو قذف مشتهرًا بمعصية([27]).

ولو طبقنا هذه المعاني على الحدود والجنايات لوجدناها واضحة؛ ولذلك أمثلة:

أولًا: القود (القصاص) سواء كان في دم أو جرح: فإنه يشترط فيه ثلاثة شروط:

الأول: تكافؤ الدماء، فلا يقتل مسلم بكافر.

الثاني: أن يكون الجرح مما لا يعظم الخطر فيه على النفس، فإن كان كذلك فإنه لا قصاص فيه، بل فيه الدية كالجائفة([28])، والمأمومة([29]).

الثالث: أن يكون مما تتأتى فيه المماثلة، فإن تعذرت لم يكن في ذلك قود، كالشلل وفقد بعض البصر وبعض السمع([30]).

حد الحرابة: فهذا الحد مع خطورته شرعًا وشدته، إلا أن الشريعة لم تجعله مفهومًا عائمًا يمكن أن يطال كل أحد، بل خصصته بنوع من الناس، فالحرابة شرعًا: “هي الخروج لإخافة سبيل؛ لأخذ مال محترم بمكابرة قتال أو خوفه أو إذهاب عقل أو قتل خفية، ولمجرد قطع الطريق لا لإمارة ولا نائرة ولا عداوة”([31])، فقوله: (الخروج لإخافة سبيل لأخذ مال) أخرج ما كان من الخروج لغير إخافة السبيل وأخذ المال، كإخافة العدو الكافر المحارب، وتقييده المال بالمحترم، أخرج به ما كان غير محترم، كالخنزير والخمر، فإن أخذه وإتلافه ليس بشيء، و(لا لإمرة الخ) أخرج به هذه المسائل من الحرابة([32]).

فهذا التضييق لمعنى هذا الحد كاف في رفع الحرج، مع أنه من أشد الحدود، وأود تنبيه القارئ الكريم إلى إخراج الشريعة البغاةَ من المحاربين، وهذا فارق كبير بين النظرة الشرعية التي تنظر إلى الجرائم بحسب خطرها لا بحسب تكييفها السياسي، وبين القوانين الوضعية، ففعل الجريمة بدافع ديني هو الذي يسمى في أغلب القوانين بالإرهاب، ويخصون الدافع الديني بالإسلام عمليًّا، فلا يسمون الإرهابي البوذي إرهابيًّا ولا المسيحي الإفريقي إرهابيًّا، على ما هم عليه من التشدد، لكن للشريعة نظرة مختلفة، وهي أن الخارج على السلطان بتأويل شرعي، وإن قوتل، فإن له أحكامًا تخصه؛ منها أنه لا يُقتل إن أُسر، ولا يُتبع إن فر، إلى غير ذلك من الأحكام المفصلة في كتب الفقه، وحد الحرابة الذي بين أيدينا أيضًا مع تضييق الشريعة لمعناه وحصره في طائفة معينة من الناس، إلا أن الشريعة جعلت منه مخرجًا، وهو التوبة قبل المقدرة على صاحبه فيما يتعلق بحق الله، قال تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [سورة المائدة:34]. وأما حقوق الآدميين فالمخارج منها معروفة، وهي إسقاط أصحابها لها، أما التوبة فلا تكفي([33]).

حد السرقة والخمر والزنى: وهذه الحدود بابها واحد، وهي أن التوبة منها قبل الرفع للقاضي مسقطة لها، قال القرطبي رحمه الله: “فَأَمَّا الشُّرَّابُ وَالزُّنَاةُ وَالسُّرَّاقُ إِذَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رُفِعُوا إِلَى الْإِمَامِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحُدَّهُمْ”([34])، ومراجعة شرطها وضوابطها تكفي في معرفة مدى الاحتراز في تطبيقها، وهذا الاحتراز راجع إلى نظر الشريعة للإنسان، وهو أنه مكرَّم مصون عن كل نقيصة، والأصل فيه هو الخير والسلامة من العيوب والأوصاف الأخرى طارئة عليه بسبب الشهوات أو الشبهات، وعليه فإنه لا يقبل أن يوصف وصفًا يوجب حكمًا قضائيًّا إلا ببينة معتبرة شرعًا؛ ولذلك سمّت الشريعة كلَّ نقص في البينة كذبًا على المتهم، فحين طلبت الشهود في الزنى جعلت نقصانهم عن العدد المعتبر شرعًا علامة على الكذب في الشرع، قال تعالى:{لَوْلاَ جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُون} [سورة النور:13]، “{لَوْلا}؛ أَيْ: هَلَّا، {جَاءُوا عَلَيْهِ}؛ أَيْ: عَلَى مَا قَالُوهُ، {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} يَشْهَدُونَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءُوا بِهِ، {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}؛ أَيْ: فِي حُكْمِ الله كَذَبَةٌ فاجرون”([35]). وقال عليه الصلاة والسلام: «من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله؛ فقد ضادَّ الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال»([36]).

ويضاف إلى ما سبق أن الشريعة قصرت هذه الحدود على أصحابها، فلا يؤخذ بها أبناؤهم ولا أصدقاؤهم ولا بنو عمومتهم؛ إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، والناظر في نصوص الشرع نظر المؤمن بكمال الشريعة وتصديق بعضها بعضًا يجد أنها جاريةٌ في أحكامها على نسق واحد، وهو جلب المصالح ودرء المفاسد والرفق بالمكلف، وهي في كل ما شرعت من الأحكام والحدود مريدة لليسر دون العسر، وللخير دون الشر، كما أنها مهيمنة على الشرائع جامعة للأحكام، جاءت بالنذارة والبشارة وبالوعد والوعيد، فلم تغلب أحدهما على الآخر حتى لا ينقلب إلى ضده.

وقد قام كثير من أبناء الإسلام تحت وطأة الثقافة الغربية المتغلبة وبنفسية منهزمة = بتأويل الشريعة وتقديم سماحتها على حساب أحكامها، فجعلوا من السماحة والرحمة سبيلًا لنفي العقوبة، وذلك أمر لا يتناسب إلا مع النفوس البشرية القائمة على الانفعال والعاطفة، أما الشريعة فإنها شرعت ووضعت الضوابط، وهي عالمة بما تريد قاصدة له، ولو كان في ذلك مناقضة للمقصد الأصلي لما شرعته؛ لما في ذلك من تضارب وتناقض، لكن السبب في هذا التصور هو حصر الشريعة في جانب الشعائر وإبعادها عن النظام العام، مما يسهل على المتكلم افتراض أن هذا المجال ليس من الشريعة، وإلا فلو استقر أمر هؤلاء على أن الشريعة نظام لعلموا أن من أولويات النُّظُمِ الجادة وضع تصور للجريمة، ومن ثم تكييفها حسب نظر النظام ومبادئه للقضايا محلِّ النقاش، فالشريعة حين شرعت الأحكام نظرت إلى جانب قوة الدوافع عند الانسان، فكان أقسى الحدود هو الرجم في حال ثبوت موجبِه على صاحبه؛ لما في الإنسان من قوة الدافع الجنسي، ثم نظرت إلى الجانب المالي والنفسي فشرعت حد الحرابة؛ لأن المحارب يجمع بين مجموعة من الجرائم كالاغتصاب والقتل وأخذ الأموال وإخافة الطرق، فشرعت له حد الحرابة بناء على خطر جرمه، وحجم ضرره على المجتمع، وهكذا دواليك في جميع الحدود، في حين أنها أسقطت كل الحدود الناتجة عن عدم القصد، سواء بالتأويل كما هو حال البغاة، أو بالخطأ والنسيان وفقدان العقل، كما هو الحال في القتل الخطأ وغيره

ـــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر تهذيب اللغة (2/216). والحديث رواه مسلم (179) بلفظ: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار».

([2]) ينظر: لسان العرب (8/129).

([3]) النهاية في غريب الحديث (1/361).

([4]) مقاييس اللغة (2/50).

([5]) تاج العروس (5/476).

([6]) تفسير ابن عطية(4/387).

([7]) تفسير البغوي(5/403).

([8]) تفسير القرطبي(8/226).

([9]) ينظر: الموافقات (2/116).

([10]) مراقي السعود سيد عبد الله الحاج إبراهيم العلوي (ص2).

([11]) ينظر فواتح الرحموت (1/118)، أحكام القرآن لابن عربي (3/293).

([12]) البخاري (1946).

([13]) الموافقات للشاطبي(2/493_494_495) بتصرف.

([14]) المصدر السابق(2/234).

([15]) مسلم (782).

([16]) صحيح البخاري (6608).

([17]) الموافقات (2/247).

([18]) زاد المسير أبو الفرج بن الجوزي (1/137).

([19]) أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (ص80).

([20]) سنن أبي داود (4398).

([21]) سنن أبي داود(4/134).

([22]) السنن الكبرى للبيهقي(17057).

([23]) مصنف ابن أبي شيبة(28493).

([24]) البخاري (6784) ومسلم (1709).

([25]) سنن ابن ماجه(2544).

([26]) عمدة القاري بدر الدين العيني (20/285) بتصرف يسير.

([27]) ينظر: التلقين للقاضي عبد الوهاب المالكي (ص242)، والمبسوط للسرخسي (9/86)، والأم للشافعي (6/83).

([28]) هي التي تصل إلى الجوف.

([29]) وهي التي تخرق إلى أم الدماغ.

([30]) ينظر المقدمات الممهدات لابن رشد (2/408)، والتلقين للقاضي عبد الوهاب المالكي (ص239).

([31]) الحدود لابن عرفة (ص 140)

([32]) ينظر: شرح حدود بن عرفة (ص667).

([33]) ينظر: تفسير البغوي (2/140) والقرطبي (6/158).

([34]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(6/158).

([35]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير(3/140).

([36]) سنن أبي داود (3597).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017