عرض وتعريف بكتاب «ابن تيمية» لجون هوفر
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، أما بعد:
لازال أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الحراني الشهير بابن تيمية والملقب بشيخ الإسلام يملأ الدنيا ويشغل الناس، ليس في العالم الإسلامي فحسب بل والعالم الغربي! وقد صدر قبل فترة ضمن سلسلة “صُنَّاع العالم الإسلامي” كتابٌ بعنوان: “ابن تيمية” للدكتور (جون هوفر) من جامعة نوتنغام.
ويعتبر جون هوفر أبرز الباحثين في الإسلاميات من غير المسلمين المهتمين بدراسة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. وقد حصل على البكلوريوس في الهندسة المدنية من جامعة فرجينيا الحكومية، ثم ماجستير في الدراسات اللاهوتية من معهد مينونايت الإنجيلي في إنديانا، وقد دَرَسَ اللغة العربية في القاهرة لعدَّة سنوات، وقام بتدريس الدراسات الإسلامية في كلية اللاهوت بالشرق الأدنى في بيروت، ثم حصل على الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة برمنغهام، ذلك قبل أن يلتحق بجامعة نوتنغام في عام 2010م، والتي يعمل حاليًّا فيها أستاذًا مشاركًا في قسم الدراسات الإسلامية.
ولأهمية ما قدمه جون هوفر في كتابه هذا، ولمعرفة ابن تيمية من خلال عيون غربية غير إسلامية نقدم للقارئ الكريم هذا التعريف العام بالكتاب.
عرض إجمالي للكتاب:
هذا الكتاب يعدُّ من الإضافات العلمية في الدراسات الغربية عن المسلمين عمومًا، وعن شخصية فكرية عظيمة كابن تيمية خصوصًا، ومما يبين أهمية هذا الكتاب: أن كاتبه من أكثر المستشرقين اهتمامًا بابن تيمية، وبدراسة فكره وتقديمه للغرب، كما أنه ترجم نصوصًا لابن تيمية لم تكن متاحة من قبل للقارئ الغربي باللغة الإنجليزية، وقد حاول جون هوفر في كتابه هذا أن يكون منصفًا قدر الإمكان، وأن يقدم صورة أدق لابن تيمية استنادًا إلى أحدث الدراسات عنه كما صرح بذلك في مقدمة كتابه، وقد قدم ابن تيمية للقارئ الغربي على أنه عالم ومفكر من علماء المسلمين، وبين مشروعات ابن تيمية العلمية والتربوية، ومشاركاته السياسية، فالكتاب يقدم صورة عن ابن تيمية، وبعض القضايا التي اشتغل بها ابن تيمية كالعبادة، ومحاربة البدع، والموقف من الحكام، كما تطرق للبحث العقدي عند ابن تيمية وأنه أخذ جزءًا لا بأس به من التأليف التيمي، فالكتاب يتمحور حول آراء ابن تيمية في القضايا الكبرى، وبعض المواقف بينه وبين مخالفيه.
عرض تفصيلي للكتاب:
كان ذلك العرض الإجمالي للكتاب وإليكم العرض التفصيلي:
في أعلى الغلاف نجد عنوانا صغيرا وهو”صُنَّاع العالم الإسلامي” وتحته في وسط الغلاف بالخط الكبير العنوان الرئيسي للكتاب: “ابن تيمية” وتحته بخط أصغر اسم المؤلف: جون هوفر – دون ألقاب – وفي ذيل الغلاف تحت شعار الناشر اسمه: وَنْوُرلد أكاديميك.
يحتوي الكتاب على المحتوى في ثلاث صفحات ثم مقدمة قصيرة في ثلاث صفحات ثم ثمانية فصول وتحت كل فصل عدد من المباحث، ثم خاتمة في أربع صفحات ثم قائمة المراجع في سبع صفحات ثم فهرس سبع عشرة صفحة.
محتوى الكتاب:
الفصل الأول وعنوانه : المرحلة المهنية المبكرة والغزو المغولي، وتحته مباحث هي: سنوات التكوين، الصفات الخلقية والخلقية والعلاقات الشخصية، الاشتغال المبكر بالفقه، الاشتغال المبكر بالعقيدة، الغزو المغولي 1299-1300، الغزو المغولي 1300-1301 و 1303 ، النصارى في أعقاب المغول.
الفصل الثاني وعنوانه: المرحلة المهنية اللاحقة والمحاكمات الرئيسية، وتحته مباحث هي: الصراع مع الصوفية، المحاكمات بسبب العقيدة 1306 في دمشق، السجن في مصر بسبب العقيدة والصوفية 1306-1310، السنوات الأخيرة في مصر 1310-1313، العودة إلى دمشق وتدريسه وكتاباته، تمرد النصيرية 1318، المحاكمات بسبب مسألة أيمان الطلاق، السجنة النهائية بسبب مسألة زيارة القبور.
الفصل الثالث وعنوانه: أولوية العبادة، وتحته مباحث هي: العبادة وفطرة الإنسان، روحانية الحب، الألوهية والربوبية، الأمر والخلق، الولاية.
الفصل الرابع وعنوانه: العبادة والفقه والبدعة، وتحته مباحث هي: العبادة والفقه، الشعائر التعبدية: المشروعة والمبتدعة، الماع الروحي والفناء، المصلحة والفقه، الاحتفالات المبتدعة ومولد النبي، زيارة القبورة والشفاعة، ابن تيمية والتصوف.
الفصل الخامس وعنوانه: السلطة الفقهية واستباط الأحكام، وتحته عدة مباحث هي: نظام مدارس الفقه السنية، العودة إلى القران والسنة، تحريم الشطرنج، ابطال الطلاق الثلاثي.
الفصل السادس وعنوانه: الأخلاق المصلحية والاجتماعية والسياسية، وتحته مباحث هي: الأخلاق الاجتماعية، الخلافة، الولاية والشريعة، السياسة الشرعية، وتحته مباحث فرعية هي: الولايات والأموال، العدل: حق الله وحق الإنسان، الجهاد.
الفصل السابع وعنوانه: الله والمخلوق، وتحته مباحث هي: عقيدة كلامية (تأويلية)، عقيدة روحانية (تخييلية)، عقيدة لا أدرية (تفويضية)، التفسير الدفاعي، استواء الله على العرش، إله الفلاسفة والمتكلمين الخالد الأبدي، الله يشاء لحكمة ويخلق منذ الأزل.
الفصل الثامن وعنوانه: الله والإنسانية، وتحته مباحث هي: العدل والشر وأفعال الإنسان، عصمة الله للأنبياء، آيات النبي الصادق، النصرانية: أنموذج الدين المبتدع، مصير الكفار النهائي.
المقدمة:
في مقدمة المقدمة ذكر جون هوفر أن ابن تيمية معروفٌ بأنَّه أحد أعلم أهل عصره وأكثرهم إثارةً للجدل! ففي الوقت الذي أعلن فيه الجهاد على الغزو المغولي القادم من خارج الدَّولة أعلن الجهاد على ما كان سائدًا في عصره من بدع الاعتقادات والعبادات؛ لأنَّه – كما يرى هوفر- كان يعتقد أنَّ ضعف الحالة الدينية في داخل الدولة عرَّضها للغزو الخارجي، فلا بد من الجهادين الخارجي والداخلي.
وفي الوقت الذي كان فيه المماليك سعداء بتدخل ابن تيمية في شئون الدولة للتصدي للمغول لم يكونوا بنفس الحال من السعادة لتدخله في الشئون الدينية الداخلية.
ويرى هوفر أن المعاصرين ورثوا هذا الانقسام الذي كان سائدًا في عصر ابن تيمية حوله؛ فالجهاديون يقتبسونه لتسويغ أفعالهم، والإسلاميون الحداثيون والمصلحون المعاصرون يرفضون قراءة الجهاديين له في الوقت الذي يعتمدون عليه لمواجهة تحديات الحداثة والعولمة، أما الوهابيون والسلفيون فيعتمدون عليه لبيان الخطوط العريضة للإسلام عقيدة وعبادة، وفي الطرف الآخر يتهمه الشيعة وجماعات من المنتسبين للسنة بالتعصب والخطأ في تفسير الدين.
وفي ختام المقدمة ذكر هوفر أن هدفه من كتابة هذا الكتاب هو: “تقديم صورة أدق عن ابن تيمية من خلال رصد تاريخي لحياته وفكره استنادًا إلى الأبحاث الحديثة”.
الفصل الأول: المرحلة المهنية المبكرة والغزو المغولي
تطرق هوفر في هذا الفصل إلى مولد ابن تيمية ونشأته وأسرته وما قيل في لقبه، معتمدًا في ذلك على كتاب “العقود الدرية” لتلميذه ابن عبدالهادي، واصفًا ابن تيمية بأنه “كان طالبًا مبكر النضج، مشهورًا بذكائه وذاكرته الممتازة”، وأنه أفتى دون العشرين، وتولى التدريس في دار الحديث السكرية في سنٍّ مبكرة، ودرس في الجامع الأموي كذلك، ثم بعد سنوات تولى رئاسة المدرسة الحنبلية.
ثم تحدث عن صفات ابن تيمية الخَلقية والخُلقية، وعلاقاته الشخصية، وعن عبادته، وحاله في ملبسه ومطعمه، ونقل عن الذهبي من نبذته في ترجمة أبي العباس نقلًا طويلًا متضمنًا وصفه له “بالعجلة”، ثم علق عليه واصفًا الذهبي بأنه يقدم “صورةً مختلطة” بخلاف “المترجمين المادحين كابن عبدالهادي” الذين يبرزون بصورة بطولية ما يعده الآخرون نقصًا في شخصية ابن تيمية.
ثم تحدث عن عزوبة ابن تيمية، وأن المترجمين له لم ينتقدوا عزوبته ولم يولوا هذا الموضوع اهتمامًا كافيًا، ثم قال هوفر: “ربما ضحى بالزواج ليتفرغ للعلم”.
ثم تطرق إلى صحبة ابن تيمية، وخلال حديثه ذكر أن الذهبي كان ضمن هذه المجموعة قبل أن يتركها بعد أن ضاق صدره من تصرفات ابن تيمية المحرجة!
وهوفر لم يذكر مرجعًا لهذه المعلومة –أي ترك الذهبي صحبة ابن تيمية- !
ثم تحدث هوفر عن اشتغال ابن تيمية بالفقه وتأليفه فيه، وأنَّه أفرغ طاقته في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من عمره في الفقه، مشيرًا إلى ثلاثة كتب، أولها: “منسك الحج” المنشور في الفتاوى، ورجح أنه ألفه عندما أدى الفريضة، وأنَّه ظهر فيه منهجه الذي سيسير عليه بقية عمره؛ وهو اتباع السلف، واجتناب البدع، وعبادة الله وحده لا شريك له بما شرع.
ثم تكلم عن “شرح العمدة”، وكيف أن ابن تيمية كان ملتزمًا فيه بالمذهب الحنبلي بخلاف آخر حياته؛ حيث كان يفتي بما ترجح له دون الالتزام بمذهب معين، وذكر مثالًا على ذلك بمسألة وجوب العمرة.
والكتاب الثالث الذي ذكره هوفر مثالا على تآليف ابن تيمية الفقهية هو: “الصارم المسلول على شاتم الرسول”، ووصفه بأنه: “أوسع كتاب في موضوعه في التراث الإسلامي” ولخص رأي ابن تيمية في أن ساب الرسول لا بد من قتله ولو تاب، وذكر مناسبة تأليفه فساق قصة الأمير عساف وكاتبه النصراني الذي سب النبي سياقًا جيدًا، وكيف أنها أظهرت تدخل ابن تيمية في الحياة العامة كعامل يحسب له حسابه في المشهد العلمي والسياسي في دمشق.
ثم تحدث عن اشتغال ابن تيمية بالعقيدة وتأليفه فيها، مشيرًا إلى أول موقف لمخالفيه منه عندما حاولوا منعه من التَّدريس في المسجد الأموي بعد أن تكلم في درسه عن صفات الله عز وجل، وانتهى الموقف سريعًا بدفاع القاضي الشافعي عنه. ثم ذكر هوفر قصة بعض تآليف ابن تيمية في العقيدة فذكر “الواسطية” وأن سبب تأليفها هو طلب أحد قضاة الشافعية بواسط من ابن تيمية كتابة أسس العقيدة للمسلمين في العراق؛ لمواجهة تردي المعرفة الدينية السنية بسبب حكم المغول، وأنها انتشرت في عصره وأصبحت في عصرنا المتن العقائدي المعتمد عند الوهابيين والسلفيين.
ثم ذكر قصة “الفتوى الحموية” وهي فتوى في الرد على كلام الأشعرية في صفات الله عزوجل، وكيف أنها تمثل المنهج الذي سار عليه ابن تيمية في العقيدة، وذكر هوفر ما حدث إثرها من حوادث مشيرًا إلى تنديد قاضي الحنفية بها، ووقوف قاضي الشافعية في صفِّ ابن تيمية.
ثم تحدَّث هوفر عن الغزو المغولي الأول بقيادة غازان الذي خالف أسلافه واعتنق الإسلام ممَّا سبب لغطًا بين الناس في مدى شرعية مواجهته والقتال ضدَّه، ودور ابن تيمية في التحريض على الجهاد ضد غازان، ويرى هوفر أنَّ هذا الحدث أظهر ولاء ابن تيمية للمماليك كداعية لهم ومنافحًا عنهم و”أعطاه فرصة لإظهار وطنيته وبسالته في حين صرف الانتباه عن وجهات نظره اللاهوتية غير المرغوب فيها”. وهنا أشار هوفر إلى الفتاوى الثلاث التي أصدرها ابن تيمية في هذه القضية وأثرها في وقتها وفي عصرنا الحاضر ووعد بمناقشتها في الفصل التالي؛ لكنَّه ما لبث أن تطرق إلى الفتوى الأولى بالتفصيل ربما لعلاقتها بالحديث عن الغزو المغولي الأول ، وفي هذا المبحث ذكر هوفر قصة ابن تيمية مع غازان، وأن المصادر التأريخية تقول أن ابن تيمية مُنِحَ وقتًا فقط للدعاء لغازان، بينما يذكر مترجموا ابن تيمية قصصًا لتلميع صورته، ومثَّل بما ذكره ابن فضل العمري في “مسالك الأبصار”، وهذا الاتهام الذي وجهه لابن فضل كرره المؤلف في حق ابن عبدالهادي وابن كثير.
ثم ذكر قصة ابن تيمية عندما مر بجنود المغول وهم سكارى وكيف أنه نهى من معه عن الإنكار عليهم لمصلحة المجتمع.
ثم ذكر هوفر الغزو المغولي الثاني بمعاونة الصليبين له، وخطبة ابن تيمية في جامع بني أمية لحث الناس على الجهاد ونقل عن ابن كثير أن ابن تيمية حذر السلطان من أنه إذا تخلى عن الشام فسوف يقيم أهل الشام سلطانا يجاهد المغول، ثم علق هوفر قائلا: “قد تكون هذه الحكاية محاولة من ابن كثير لتلميع شيخه” ثم تحدث عن فتوى ابن تيمية الثانية للدعوة إلى قتال المغول.
بعد ذلك تحدث هوفر عن ما آل إليه أمر النصارى في أعقاب الغزو المغولي بسبب معاونتهم للمغول ضد المسلمين، وأثر ذلك على علاقتهم بالمماليك، وتطبيق الشروط العمرية عليهم، ودور ابن تيمية في ذلك، وهنا أشار هوفر إلى فتوى ابن تيمية عن الكنائس وجواب الرسالة القبرصية، وكيف أنَّ هذا الجهد من ابن تيمية أكسبه احترامًا بين العلماء والساسة.
الفصل الثاني: المرحلة المهنية اللاحقة والمحاكمات الرئيسية
بدأ هوفر الفصل الثاني بالحديث عن رأي ابن تيمية في سبب الغزو المغولي بأنه نتج عن فساد المجتمع المسلم بسبب انتشار الطقوس المخترعة، والمعتقدات الزائفة، والتساهل في الالتزام بالشريعة، وكيف أن ابن تيمية قرر أن يعمل على القضاء على هذا كله وتطهير المجتمع منه، هذا القرار هو الذي سيشكل بقية حياته المهنية.
ثم تحدث هوفر عن صراع ابن تيمية مع شيوخ الطرق الصوفية ناقلًا قصص مواجهاته معهم علميًّا بالمناظرات والردود، وعمليَّا بإزالة الصخرة المقدسة التي كانوا يزورونها ويتمسحون بها وينذرون لها، وما جرَّه إليه ذلك من أذاهم واستعداء السلطة عليه.
ثم تحدَّث عن المناظرة والمحاكمة بسبب العقيدة الواسطية، وعن محاكماته وسجناته في القاهرة والإسكندرية، وما نتج عنها من تأليفه لمجموعة من الكتب المهمة، ونقل وصف ابن عبدالهادي لأثر ابن تيمية على السجناء، وكيف تحول السجن إلى مكان للعلم والعبادة، حتى أن بعض السجناء كان يختار البقاء على الخروج بعد إخلاء سبيلهم، وعلق هوفر بأن هذا: “صورة مصغرة للإصلاح الذي كان ابن تيمية يرغب في رؤيته في المجتمع”.
ثم تحدث هوفر عن سنوات ابن تيمية الأخيرة في مصر، وأنها اتسمت بالهدوء بعد عودة الناصر إلى الحكم والذي كان يؤيد ابن تيمية ممَّا أتاح المجال أمامه لكتابة كتبٍ مهمة، وذكر هوفر بعضها.
وفي نهاية تلك السنوات عاد المغول إلى غزو المماليك ممَّا جعل ابن تيمية يكتب فتواه الثالثة والأطول والأشد عن المغول.
بعد ذلك تحدث هوفر عن عودة ابن تيمية لدمشق والتدريس في السكرية، وانضمام تلميذه ابن القيم إلى دروسه. ويرى هوفر أنه في هذه الفترة كتب كتابه الرائع: “درء تعارض العقل والنقل”، وأكمل كتابه المهم الذي بدأه في سجن الإسكندرية: “الرد على المنطقيين”.
ثم تحدث هوفر عن موقف ابن تيمية من النصيرية والفتاوى التي كتبها في بيان كفرهم وردتهم وعلق: “كان ابن تيمية العالم الوحيد في عصره الذي كتب عن النصيرية“.
وتحدث عن قضية فتوى ابن تيمية في الطلاق الثلاث وما حدث بسببها من أحداث، ثم بالحديث عن سجنته الأخيرة بسبب فتواه في شدِّ الرحال إلى زيارة القبور.
وأنهى هوفر الفصل بوصف الأيام الأخيرة من حياة ابن تيمية، وكان مما قال: “ربما تكون الدولة المملوكية وسلطاتها الدينية قد منعت صوت ابن تيمية من أن يصل إلى العامة؛ لكنهم لم يسحقوا روح ابن تيمية“.
الفصل الثالث: أولوية العبادة
بدأ جون هوفر في عرض فهمه لأفكار ابن تيمية عرضًا موضوعيا ابتداء من هذا الفصل وافتتحه قائلا: “كان أكثر جهاد ابن تيمية بالقلم”، ثم أشار إلى التحدي الذي يواجهه القارئ لكتابات لابن تيمية؛ ألا وهو طريقته في الكتابة وما فيها من استطرادات طويلة، وأن كتاباته عبارة عن أجوبة على فتاوى أو ردودا على أقوال فهو يكتب لتلبية حاجة الوقت، ويكثر الاستشهاد بالآيات والأحاديث وأقوال العلماء السابقين، و”يمكن أن نقول على استحياء أنه لم يكن منظما في تفكيره” وأنه “ليس من السهل دائمًا الربط بين ما يقوله في مكان ما مع ما يكتبه في مكانٍ آخر”، ولا يمكن تحديد تأريخ تآليفه بدقة لرصد التغيرات والتطورات في فكره. ومع ذلك فإن الاهتمام المتواصل بكتابات ابن تيمية يظهر حقيقة أنه لديه رسالة متميزة، تظهر في موضوعات وأنماط تتكرر في كتاباته مع اتساقٍ في الأهداف والأغراض، يكسوها بالكثير من المصطلحات في درجات مختلفة من التعقيد والدقة. وعلى عكس ما اشتهر عنه فابن تيمية ليس ظاهريا، بل يبدو أنه مقتنع بأن الكلمات لا تحمل معاني حرفية ثابتة في نفسها بل تحدد معانيها في سياقاتها المختلفة التي تستعمل فيها فيمكن التعبير عن المعنى نفسه بألفاظ مختلفة. والاستطراد عند ابن تيمية ليس لمجرد الاستطراد ولكنه أسلوب للتعاطي مع سؤال البحث من اتجاهات مختلفة.
وبعد المقدمة تحدث هوفر عن مفهوم العبادة والفطرة، وبدأه بقول ابن تيمية: “جماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله، وألا نعبد الله إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع”. وبين أن ابن تيمية يجعل هذين الأصلين هما تفسير الشهادتين. ثم نقل عن رسالة ابن تيمية “قاعدة في المحبة” وعلق عليه بقوله: “هذا النص يؤكد على أن الحب والعبادة والدين والطاعة أساس هذه الحياة”.
بعد ذلك ذكر كلام ابن تيمية عن الفطرة، وأن المخلوق مفطور على معرفة خالقه ومحبته وعبادته، وفعل ما ينفعه وترك ما يضره، وإذا كان الأمر كذلك فإن دور الأنبياء هو تكميل الفطرة وتتميمها.
ثم تحدَّث هوفر عن روحانية المحبة في كتابات ابن تيمية، والتي تعني عنده العبادة، أي أنَّ الروحانية في محبة الله هي عبادته بما شرعه لعباده، وأن محبة غير الله محبة العبادة هي الشرك الذي هو أخطر خطيئة في الإسلام، وأن المحبة معها الخوف والرجاء، وأنها كلها ليست هدفًا بحد ذاتها بل هي وسيلة للوصول إلى الله.
ثم تحدث هوفر عن مفهومي الربوبية والألوهية عند ابن تيمية من خلال تفسيره لسورة الفاتحة، حيث توحيد الربوبية يعني الإيمان بأن الله هو الخالق، وتوحيد الألوهية يعني بأن الله وحده هو المستحق للعبادة، وبين أنَّ ابن تيمية يرى أن هذا التفريق كان معروفًا عند مشركي الجاهلية الذين يقرون بتوحيد الربوبية ولكن يشركون في توحيد الألوهية.
ثم تحدث هوفر عن مفهوم الخَلْق والأمر عند ابن تيمية من خلال تفريقه بين الأمر القدري والأمر الشرعي، والإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وموقف ابن تيمية يتضح من بيانه لثلاثة أخطاء تقع في فهم الخلق والأمر:
الأول: هو التأكيد على الأمر على حساب الخلق.
والثاني: هو تأكيد الخلق على حساب الأمر.
والثالث: تأكيد الخلق والأمر معا مع نفي حكمة الله فيهما.
ثم تحدث هوفر عن مفهوم ولاية الله عند ابن تيمية، وأنها لا تحصل إلا لمن آمن واتقى كائنًا من كان، وأنه لا يمكن أن يكون الولي أفضل من النبي، وأن أفضل الأولياء: أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ولخص رد ابن تيمية على ابن عربي.
الفصل الرابع: العبادة والفقه والبدعة
بدأ هوفر هذا الفصل بمبحث عن مفهوم العبادة مقتبسًا مقدمة رسالة العبودية لابن تيمية: “العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة”. وبين أن تعريف العبادة عند ابن تيمية أشمل من تعريفها عند علماء عصره.
ثم تحدث عن تقسيم ابن تيمية الشرع إلى ثلاثة أقسام: الشرع المنزل، والشرع المؤول، والشرع المبدل.
ثم تطرق إلى البدع وهي العبادات التي ليس عليها دليل شرعي.
ثم تحدث هوفر عن مفهوم ابن تيمية للفرق بين العبادات الشرعية والبدعية، وردِّه على الصوفية في تشريعهم السماع والرقص، وفي غضون حديثه هذا نقل عن ابن تيمية قصة وهي أنه صحب مجموعة من الصوفية في نزهة برية فدعوه لمجلس سماع فامتنع واعتزلهم في مكان منفرد يشاهدهم، وذكر إنكاره عليهم بعد ذلك.
ثم تحدث هوفر عن نقاش ابن تيمية لعلاقة مصطلح الفناء بالسماع الصوفي، وأثر هذا الأخير على الأول، وما ينتج عنه من شطح مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ثم ذكر هوفر تقسيم ابن تيمية الفناء إلى ثلاثة أنواع.
ثم تحدث هوفر عن مفهوم المصلحة في الشرع وعلاقة ذلك بالعبادة، وذكر نقاشه للغزالي في قصره المصالح على حفظ الضروريات الخمس: الدين والعقل والنفس والنسل والمال. وأن هذا القصر قاصر؛ لأن الشرع جاء بحفظ هذه المصالح وغيرها، ولأن هذه أهملت مصالح العبادات.
ثم تحدث هوفر عن نقاش ابن تيمية للاحتفالات البدعية في كتابه: “اقتضاء الصراط المستقيم” مثل احتفالات النصارى بأعيادهم التي يتشبه فيها المسلمون بغير المسلمين، وأثر ذلك على عقيدة المسلمين، ثم تحدث عن انتقاد ابن تيمية للاحتفال بالمولد النبوي مع أنه قد تكون فيه مصلحة دينية لمن يحتفل به محبة للنبي صلى الله عليه وسيلم فيثاب على نيته، ثم ذكر هوفر أن بعض الصوفيين فهم من هذا الكلام ان ابن تيمية يقر الاحتفال بالمولد.
ثم تحدث هوفر عن كلام ابن تيمية على زيارة القبور والشفاعة محيلًا على كتاب “اقتضاء الصراط المستقيم”، ناقلًا عن ابن تيمية أنه كان على مذهب آبائه؛ فلما تبين له ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبعه، وبين أن ابن تيمية لا يحرم زيارة القبور مطلقًا بل يحرم الزيارة البدعية حتى لا يؤدي ذلك إلى عبادة القبور.
ثم تحدث هوفر عن موقف ابن تيمية من الصوفية وأنَّها من الشرع المؤول، وبعضها من الشرع المبدل، ثم أشار إلى اختلاف المعاصرين عليه في ذلك، فبعضهم يجعله عدوًا للصوفية، وآخرون يعدونه مجددًا للصوفية من خلال العودة بها إلى معانيها الأصلية.
ثم ذكر ما زعمه جورج مقدسي من أن ابن تيمية كان قادريًّا وفنَّد زعمه.
الفصل الخامس: السلطة الفقهية واستباط الأحكام
في هذا الفصل ذكر هوفر رؤية ابن تيمية للمذاهب الفقهية السنية الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية) وأنها من الشرع المؤول؛ لكنها أصبحت في زمانه وكأنها من الشرع المنزل، وبين أن ابن تيمية حاول أن يعيدها إلى مكانها.
ثم تحدث عن دعوة ابن تيمية للعودة إلى الكتاب والسنة، وأنه لا يرفض التقليد مطلقًا ولكنه يحصره فيمن لا يملك القدرة على الاجتهاد، وهو مع ذلك يدعو إلى احترام العلماء ومذاهبهم، وأشار هوفر إلى كتاب “رفع الملام عن الأئمة الأعلام” ونقل منه نقولات.
ثم عرض هوفر طريقة ابن تيمية في مناقشة المسائل الفقهية من خلال مثالين: الأول: كلامه على حكم الشطرنج.
والثاني: كلامه على حكم الطلاق الثلاث.
وفي هذه الأخيرة ذكر تبني عدد من الدول الإسلامية رأي ابن تيمية المخالف للمذاهب السنية الأربعة! وكيف أن تناول ابن تيمية لهذه المسألة ألهم المصلحين المسلمين في العصر الحديث للعودة إلى الكتاب والسنة، وهو – كما يرى هوفر- ما يميز الحركة السلفية العالمية.
الفصل السادس: الأخلاق المصلحية والاجتماعية والسياسية:
بدأ هوفر هذا الفصل بذكر قصة اعتداء الصوفية على ابن تيمية وصبره عليهم وعفوه عنهم، مع تبرع أنصاره لمطاردتهم وقتلهم، وقارن بين موقفه هذا وموقفه من الذي مر عليه وهو يلعب بالشطرنج فقلب الرقعة وسط ذهول من معه، فلم ينكر الموقف الأول لمنع فتنة عامة، وأنكر الموقف الآخر لعدم وجود فتنة عامة.
وفات هوفر أن الموقف الأول تنازل فيه ابن تيمية عن حق نفسه بينما في الموقف الآخر أدى فيه واجب النهي عن المنكر.
ثم تحدث هوفر عن نظرة ابن تيمية للأخلاقيات المجتمعية وأنها مبنية على مبدأ “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ثم ذكر كلام ابن تيمية على هذا المبدأ المهم وشروطه، ومنها أن تكون مصلحته راجحة على مفسدته، وذكر أمثلة منها: ترك النبي قتل المنافقين، وترك الخروج على الحاكم الجائر، وترك الهجرة لمصلحة أعظم في البقاء في بلاد الكفر.
ثم تحدث هوفر عن مفهوم الخلافة عند ابن تيمية، وانتقد ما ينسب إلى ابن تيمية من أنه يرى أن إقامة الخليفة ليست بأمر واجب وفنَّد ذلك، وذكر أنه بين أن إقامة الخليفة فرض؛ ولكنه أيضًا أجاز عدم وجود خليفة إذا وجد من يسوس الناس كالملوك، وتطرق هوفر إلى موازنة ابن تيمية بين الحسنات والسيئات وكيف يكون الأمر عند تداخلها في تصرفات الملوك.
ثم تحدث هوفر عن رؤية ابن تيمية للولاية العامة وعلاقتها بالأحكام الشرعية، وأنها وضعت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن مفهوم أولي الأمر يتضمن العلماء والأمراء، وأن الأمر والنهي مقصوده المنافع الأخروية والدنيوية وليس الدنيوية فقط، وكل ذلك مرهون بإقامة العدل، وانتقد ابن تيمية حصر مفهوم السياسة الشرعية في تطبيق الحدود وبين أن السياسة الشرعية أعم من ذلك.
ثم تكلم عن مفهوم السياسة الشرعية عند ابن تيمية من خلال تلخيص مقاصد كتاب “السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية”، وبين أنها الحل لسياسة الظلم والاستبداد، وقارن بإيجاز شديد بين طريقة ابن تيمية في تناول الموضوع وطريقة غيره كالماوردي وابن جماعة. ففي الوقت الذي كانا فيه مهتمين ببيان شكل الحكومة كان ابن تيمية مهتما بالتركيز على بيان وظيفة الحكومة بغض النظر عن الشكل الذي تكون عليه.
ثم ذكر كلام ابن تيمية عن السياسة الشرعية في اختيار العمال (الموظفين) مستشهدًا بالآية (إن خير من استأجرت القوي الأمين) في تولية القوي الأمين بحسب الإمكان، بحيث يولى الأصلح لتحقيق المصلحة العامة. وتحدث عن تدبير الأموال بحيث يتحقق بها العدل.
ثم ذكر هوفر مفهوم ابن تيمية في السياسة الشرعية معتمدا على تفسيره للآية : ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء 58)، وأن العدل يتضمن إقامة حدود الله وأداء حقوق الله.
ثم ختم الفصل بحديث ابن تيمية عن الجهاد، والذي استمده هوفر من كتاب “الحسبة”، وكتاب “السياسة الشرعية” ومصادر أخرى، وبين أن مفهوم الجهاد عند ابن تيمية أوسع من مجرد قتال الكفار، وأنه يدخل فيه كل ما يمكن أن يكون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفصل السابع: الله والمخلوق
تحدث هوفر في هذا الفصل عن البحث العقدي عند ابن تيمية في ما يتعلق بالله جل جلاله، وأن كتاب درء التعارض على ضخامته ليس إلا جزءًا من كتاباته في العقيدة، ونقل قصة سؤال البزار لابن تيمية لماذا لم يؤلف متنا فقهيا وجواب ابن تيمية الذي يبين السبب في كثرة تآليفه في العقيدة.
ثم ذكر أن مسألة استواء الله على عرشه من المسائل المفصلية في البحث العقدي عند ابن تيمية.
وذكر أنه قسم مخالفيه إلى ثلاثة أقسام كما في بداية كتابه درء التعارض وهم: أهل التأويل، وأهل التخييل، وأهل التفويض. ثم بين هوفر ردود ابن تيمية على كل طائفة في مبحث مستقل، أتبعها ببيان طريقته في التعامل مع نصوص الصفات كنص الاستواء، ووجه الاتفاق والاختلاف بينه وبين أهل التفويض، فابن تيمية يعتقد أن معاني الصفات معلومة ولكن كيفية الصفة مجهولة. هوفر يعتقد أن الفرق بين المعنى المعلوم والكيف المجهول غير واضح!
ثم تحدث عن تفريق ابن تيمية بين القياس في الفقه والقياس في العقيدة وأثر ذلك على إثباته لصفات الله.
ثم تطرق إلى “الفتوى الحموية” والكلام على استواء الله على العرش، وفي خاتمة المبحث ذكر اتهام ابن تيمية بالتجسيم، وأشار إلى أنه لا يمكن أن نجد نصًّا لابن تيمية يصف الله بأنَّه جسم؛ ولكنه يرى أنَّ التهمة لها أساس في كلامه.
في المبحث التالي ناقش هوفر رأي ابن تيمية في مسألة أفعال الله وأنه يفعل لحكمة، وأن هذا من كماله، وأنه لم يزل فاعلًا منذ الأزل، ولخص مناقشة ابن تيمية للأشاعرة والمعتزلة والفلاسفة.
الفصل الثامن: الله والإنسانية
لخص هوفر في هذا الفصل رؤية ابن تيمية للعلاقة بين الله وبين عباده، وأن أفعال الله كلها عدل ليس فيها ظلم، والشر في أفعال الله شر جزئي إضافي؛ لأنَّ الله لا يخلق شرًّا محضًا؛ بل كل ما يخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير، أما بالنسبة لأفعال العباد الاختيارية فهم يفعلون بإرادة وقدرة خلقهما الله في البشر، وهي أفعالهم وإن كانت من خلق الله، كما الشعر الذي على رؤوسهم شعرهم وإن كان من خلق الله، والشر في أفعالهم هو غياب الخير.
ثم ناقش هوفر رأي ابن تيمية في عصمة الأنبياء ونسب إليه قول أقلية ترى أن الخطأ يمكن أن يقع من الأنبياء حتى فيما يتعلق بالوحي! مستدلًّا بإثبات ابن تيمية لقصة الغرانيق، ثم بين أن هذا القول خالفه فيه العلماء حتى من أتباع المدرسة السلفية.
وفي المبحث التالي تحدث هوفر عن طريقة ابن تيمية في إثبات معجزات الأنبياء، وكيف أن ابن تيمية يفضل تسميتها بالآيات؛ لأنه الوصف الوارد في الكتاب والسنة، ثم ذكر كلام ابن تيمية في معجزات الأنبياء والفروق بينها وبين ما يجري على أيدي الكهنة والعرَّافين والسحرة.
وفي المبحث التالي تحدث هوفر عن رد ابن تيمية على النصارى في كتابه “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح”، والذي ألفه ردًّا على رسالة لأحد القساوسة من جزيرة قبرص ينتصر فيها للنصرانية، وكان هدف ابن تيمية أن يبين للمسلمين كيف يمكن للبدع أن تصنع دينًا محرفًا كالنصرانية التي تعتبر أوضح مثال على ذلك.
في المبحث التالي تحدث هوفر عن رأي ابن تيمية في مسألة فناء النار معتمدًا على ماجاء في رسالة ابن تيمية “الرد على من قال بفناء الجنة والنار”، واعترف بأن ابن تيمية لا يقول بصراحة أن النار تفنى؛ ولكن طريقة نقاشه للمسألة تؤدي إلى هذه النتيجة.
الخاتمة:
ختم هوفر كتابه بمفارقة عصرية تتعلق بابن تيمية؛ ففي الوقت الذي كان فيه تنظيم القاعدة يستدل بكلام ابن تيمية في الموازنة بين المصالح والمفاسد لتسويغ دعواه للعنف، كانت الجماعة الإسلامية تستدل بكلامٍ له مشابه لتسويغ دعواها لوقف العنف!
ذكر هوفر أن أفكار ابن تيمية لم تلق قبولًا في عصره وبعده كما في عصرنا باستثناء قلة من العلماء عبر العصور الذين تأثروا به، وعلى رأسهم: ابن القيم الذي تبنى آراء ابن تيمية وشرحها ودافع عنها، وعلماء آخرون كانوا انتقائيين في تبني بعض أفكاره، كابن الوزير اليماني، وقاضي زاده، وبرغلي محمد أفندي وأحمد الأقحيصاري العثمانيين.
وفي العصر الحديث ألهمت كتابات ابن تيمية في العقيدة ومحاربة البدع الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه في الجزيرة العربية، والسلفيين في جميع أنحاء العالم، كما ألهمت كتابات ابن تيمية حول المصلحة مصلحي المسلمين الحداثيين كفضل الرحمن، ويوسف القرضاوي.
يقول هوفر في آخر كتابه: “في الختام: كان ابن تيمية في حياته خصبًا واستقطابيًّا على حد سواء ولا يزال، وتستمر حياته وكتاباته في إلهام المسلمين الذين يبحثون عن رؤية أخلاقية مميزة للإسلام ترتكز على القرآن والسنة النبوية، وما زالت انتقاداته للأشعرية، وابن عربي، والشيعة، والنصارى، ودين الأضرحة؛ تؤجج التوترات داخل المجتمع المسلم وما بعده. وسواء كان ابن تيمية نعمة أم نقمة فإنه يلعب دورًا رئيسيًا في النقاشات الدائرة حول معنى الإسلام“.
- ميزاته والملاحظات عليه:
كتاب جون هوفر كتاب مهم ومن أبرز مميزاته مايلي:
1/ أنه أول كتاب يقدم صورة شبه كاملة عن شيخ الإسلام ابن تيمية باللغة الانجليزية للقارئ الغربي غير المتخصص.
2/ بذل جون هوفر جهدًا عظيمًا في كتابته بأسلوب مفهوم في الغالب، ولغة سهلة ميسرة في الجملة.
3/ اجتهد جون هوفر في ترجمة ما لم يترجم من نصوص ابن تيمية ترجمة قابلة للنقاش، وهذا بحدِّ ذاته ميزةً جوهرية في الكتاب وإضافة مهمة؛ لأنه قدَّم للقارئ الغربي نصوصًا جديدة عن ابن تيمية.
4/ كان هوفر بشكل عام منصفًا فيما نقل، شجاعًا في بيان رأيه، متحليا بأدب البحث والكتابة الأكاديمية، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا.
5/ اهتمامه بجودة الإخراج العلمي والفني، فالأخطاء المطبعية نادرة.
أما ما يتعلق بالملاحظات العامة على الكتاب، فيمكن تلخيصها في الآتي:
1/ إن من المشاكل العامة في كل ما يكتبه المستشرقون والمهتمون بالإسلام في الغرب من المسلمين وغير المسلمين: اعتمادهم على مصطلحات دينية وفلسفية مستعارة من الثقافة الغربية الغالبة، ومستمدة من الثقافة اليهودية أو النصرانية، وفلاسفة التنوير. وتلك المصطلحات تحمل معان وتصورات خاصة بحاضنتها وقد لا تكون متوافقة مع المعاني والتصورات الإسلامية؛ بل ربما تؤدي إلى إفراغ النصوص الإسلامية من معانيها الشرعية وإحلال معاني غربية مكانها، ومن ذلك محاولات المؤلف ربط منهج ابن تيمية في الموازنة بين المصالح والمفاسد بنظرية أخلاقيات المنفعة التي نشأت على يدي “جيرمي بنثام” ومن بعده “جون ستيورات مل”.
2/ في الوقت الذي قبل فيه المؤلف كلام الذهبي دون تحفظ اتهم ابن عبدالهادي وابن كثير والعمري –كما تقدم في العرض- بالمبالغة فيما يحكونه عن ابن تيمية لتلميع صورته دون أن يقدم دليلا على اتهامه لهم! ولم أقف –حسب اطلاعي- على من اتهم هؤلاء الثلاثة بما اتهمهم به هوفر!
3/ رمي ابن تيمية في تصرفاته بالقصد الدنيوي، مثل إظهار الوطنية، والتقرب من المماليك، مع أنني أتفهم أن جل الباحثين الغربيين – إن لم يكن كلهم – عند مناقشتهم للمواضيع الإسلامية لا يقيمون قداسة للنصوص، ولا يعرفون مقامات العلماء فضلا عن أن يحسنوا الظن بهم، بل ربما لا يفهمون من تصرفاتهم إلا مجرد القصد النفعي الدنيوي.
4/ في الفصل الثاني عندما ذكر محاكمة الشيخ بسبب الطلاق الثلاث أراد أن يعرِّف القارئ بمصير المرأة، فذكر أنها إذا بانت من زوجها لا تستطيع العودة إليه حتى تنكح زوجًا غيره، ثم وضع بين قوسين كلمة (المحلِّل) وهو فهم خاطئ لقضية عدم جواز رجوع البائنة من زوجها إليه إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، فإن المؤلف قد ساق كلمة (المحلِّل) وكأنه هو المقصود من الآية: (حتى تنكح زوجًا غيره)، بينما في الفقه الإسلامي نجد أن الزواج بغرض تحليل المرأة لزوجها من المحرمات.
5/ ذكر من أمثلة العبادات البدعية: الخلوة والذكر هكذا بإطلاق، والخلوة قد تكون عبادة مشروعة حال الاعتكاف وغيره، والذِّكر بمعناه العام عبادة، وكذلك تفسيره للذكر بأنه ترديد أسماء الله الحسنى، وهذه طريقة من طرق الذكر وإلا فهو أوسع من ذلك.