عرض وتعريف بكتاب:المدارس الأشعرية -دراسة مقارنة-
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
تمهيد:
مَن أراد الاطِّلاع على المذهب الأشعريِّ سيجد اختلافًا وتباينًا في منهج المذهب وأقوال أعلامه، بل في منهج العلَم الواحد وأقواله، مع كثرة أعلامهم ومصنفاتهم، مما قد يدفعه إلى الخلط والاضطراب في الأخذ والاتباع للمذهب أو النقل عنه والحكم عليه، فلا يكاد يجزم بالمعتَمَد عليه في منهج المذهب أو أقوال العلَم، والدارس للمذهب الأشعريِّ بحاجة إلى معرفة مدارِسه، وبيان مناهجها، وأسباب ما آلت إليه، والعلم بقربها وبعدها من المعتقد الحقِّ ومصادر تلقِّيه وطرق الاستدلال عليه.
وهذه المدارسُ تتفاوت في قربها من الحقِّ والبعد عنه، ونتيجةً للجهل بذَلك أفرطَ البعضُ في ذمِّ من لا يستحقُّ ذلك الذمَّ كلَّه، ومدَح من لا يستحقُّ المدح، وليس فيه ما يُمدَح عليه، بل عنده ما يخالفه ويناقِضه، فجاء هذا الكتابُ الذي نحن بصدد التعريف به يشرح المدارِس الأشعريَّة، ويبيِّن مناهجَها، وأبرزَ أعلامها، والاختلافاتِ بينها، ومعرفةُ ذلك مهمٌّ جدًّا في تصوُّر المذهب، أو الحكم عليه.
بطاقةُ الكتاب:
عنوان الكتاب: المدارس الأشعرية (دراسة مقارنة).
المؤلف: د. محمد بن محمد بن بالخير الشهري.
قدم له: د. عبد الرحمن بن صالح الحمود.
أصل الكتاب: رسالة دكتوراه.
الناشر: دار الهدي النبوي، ودار الفضيلة، الطبعة الأولى، 1436هـ.
العرض الإجمالي للكتاب:
لا شكَّ أنَّ المذهب الأشعريَّ يعدُّ واحدًا من أكبر المذاهبِ الإسلامية، وقد نشأَت وانتشرت في كثير من البلدان الإسلامية؛ ولهذا المذهب حضور واضح في تاريخ الفكر الإسلامي، وفي الواقع المعاصر، وقد تطوَّر تطوُّرات كبيرةً حتى إنَّه بعد استِقراره لم يعُد هو على المذَهب الذي نشأ عليه في كثير من القضايا المنهجيَّة، والقضايا العلمية التفصيلية، ويأتي هذا الكتابُ يبرز تطوُّرات المذهب الأشعري، وأعلام كلِّ مدرسةٍ، ومصنَّفاتهم التي يمكن الاعتمادُ عليها في معرفَةِ اعتقادِ المدرسة ومنهجها، فهو كتابٌ مهمٌّ لكلِّ دارسٍ للمذهب الأشعريّ؛ لأنه منَ الأمانة العلمية نسبةُ القول الصحيح إلى كلّ مذهب، ومَن لا يعرف المدارس داخلَ المذهب قد ينسب قولَ مدرسة واحدةٍ إلى المذهب كلِّه، وقد يكونُ هذا قولَ مدرسة بادَت وانتهت، فمِنَ العدل والإنصاف أن يتحرَّى الإنسانُ عند نسبةِ الأقوال والحكم عليها، وهذا الكتاب مساعِد في ذلك.
العرض التفصيلي للكتاب:
قسم المؤلف كتابه إلى: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
المقدمة:
بيَّن المؤلفُ في مقدمتهِ ضرورةَ التحاكم إلى الكتاب والسنة، وجعَل ذلك مِقياسًا يُعرف من خلاله كونُ الشخص أو الفِرقة على الحقِّ أو لا، فعلى ميزانِ التحاكُم إلى الكتاب والسنة تقاسُ الفرق والمذاهب من حيث قربها من الحقِّ ومجانبتُها له، وأحوجُ المذاهب إلى ذلك تلك المذاهب الكبيرة التي ضرَبَت بجذورها عبر التاريخ منذ نشأتها، ولا زالت قائمةً ومنتشرةً زاعمةً إصابَة الحقِّ، متسمِّية بأهل السنة والجماعة، ومدَّعية الوسطيةَ مع ما مرَّت به من مراحل وتطوُّرات كما هو حال المذهب الأشعريّ ومدارسه، فأراد المؤلِّف أن يبحثَ في المذهب الأشعريِّ بمدارسه ومناهجِه، وبيان ما فيها من اختلافٍ وتباين.
وقد بين المؤلف أن من أهم أهداف البحث:
1- إبراز منهج كلِّ مدرسة وأبرز أعلامها وآثارها.
2- دراسة مظاهر الخلَل والاختلاف في مصادر التلقِّي وطرق الاستدلال على المعتقد في المذهب الأشعري بمدارسة مناهِجها.
3- تقييم مناهج تلك المدارس في الردّ على المخالف ونقده.
4- بيان المنهج الأشعري في شتى مراحله وتمييزه عن منهج أهل السنة والجماعة.
5- توضيح الحكم على كلِّ مدرسة بما فيها من قربٍ أو بعد من أهل السنة.
التمهيد:
في التمهيد ذكر المؤلِّفُ أسباب تكوُّن المدارس الأشعرية، وقد بيَّن المؤلف أن الدَّارسين للمذهب الأشعريِّ مختلفون في ما طَرأ على المذهب من تغيُّرات:
فقومٌ ينكرون البونَ والتفاوت بين منهجِ المؤسِّس أبي الحسن الأشعريّ ومنهج تلاميذه ومَن بعدهم، ويعزون الاختلافات إلى مجرَّدِ كونه اجتهادًا داخِل المذهب، وليس فيه تأثرٌ أو تأثير، وأصحاب هذا الرأي هم أتباع المذهب والمعجَبون به.
وآخرون أدركوا أنَّ ثمَّةَ تغيراتٍ كبيرةً في المذهب الأشعريّ، فرصدوها وحلَّلوها، وسموها أطوارا أو مراحل أو مدارس.
وقد اختلفَ أصحاب هذا الرأي ممن جعل الأشاعرة أطوارا أو مراحل، فمنهم من جعَل المذهبَ قد مرَّ بثلاثة أطوار، بدءًا بالأشعرية الكلَّابية، ثم معتزلة الأشاعِرة، ثم متفلسفة الأشاعرة، وممَّن ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله.
ومنهم من ذكر أربعةَ أطوار، يبتدئ كلُّ طور بعَلَم من أعلامهم، فالطور الأول وهو طور النشأة يبدأ بأبي الحسن الأشعري، والطور الثاني يبدَأ بالقاضي أبي بكر الباقلاني، وفيه بدأت النزعة العقليَّة تغلُب على المذهب، والطور الثالثُ يبدأ من الرازي، وقد نحى معَه المذهبُ نحو الفلسفة، والطور الرابع هو طور الجمود، ويبدأ بنهاية عصر الإيجي.
ومنهم من جعلها خمس مراحل، والمؤلف جعل الأشاعرة ثلاث مدارس، وهي:
1- المدرسة الأشعرية الكلابية.
2- معتزلة الأشاعرة.
3- متفلسفة الأشاعرة.
وسيأتي تفصيل هذه المدارس، ولكنَّ المؤلفَ هنا أسهب في ذكر أسباب ظهور هذه المدارس، فذكر منها:
1- نشأة مؤسِّس المذهب في أحضان المعتزلة.
2- اختيار المؤسس واتباعه لطريقة ابن كلاب.
3- تسليم المؤسس لأصول كلامية اعتزالية، ثم الأخذ ببعض لوازمها دون بعض.
4- مبالغة أبي الحسن الأشعري في مخالفة المعتزلة.
5- ضعف علم المؤسّس والأتباع بالقرآن وتفسيره والسنة وعلومها.
6- جهل أعلام المذهب الأشعري بمذهب السلف وحقيقته ودلائله.
7- محاولة المؤسس الجمع بين مذهب السلف ومذهب المتكلمين.
8- الخلل في مصادر التلقي.
9- الخلل في منهج الاستدلال.
10- تفاوت مواقف أعلام المذهب الأشعري من العقل والنقل.
11- تأصّل الأخذ بالتأويل في المذهب منذ التأسيس، ثم توسع الأعلام فيه.
12- الرد على المخالفين دون التأصيل بمذهب السلف.
بدأ المؤلف بذكر مدارس الأشعرية، وجعل كلَّ مدرسة في باب، ودرسها بتوسّع، وقد تناول المؤلف كلَّ مدرسة بتعريفها، وبيان أسباب نشأتها، وذكر بعض أعلامها، ومصنفاتهم، ويذكر التطورات داخل المدرسة نفسها.
الباب الأول: المدرسة الأشعرية الكلابية ومنهجها:
بدأ المؤلف هذا الباب بالفصل الأول الذي جعله للتعريف بالمدرسة الأشعرية الكلابية، وقد بين أن أخذ أبي الحسن الأشعري عن أصحاب عبد الله بن سعيد بن كلاب ثابت من كلام الأشاعرة أنفسهم، ومن غيرهم.
من أسماء هذه المدرسة: قدماء الأشعرية، وأوائل الأشعرية، والأشعرية الكلابية.
- أبرز سمات هذه المدرسة:
1- أنها تبدأ من أبي الحسن الأشعري.
2- تأثرها بطريقة ابن كلاب الكلامية في المذهب والمنهج.
3- عدم بروز ذمِّها للسف الصالح عامَّة والحنابلة خاصة.
بعد ذلك عرج المؤلف إلى بيان أسبابِ نشأة هذه المدرسة، ومن أهمِّها:
1- تبيُّنُ ضَعفِ طريقة المعتزلة وتناقُضِها لأبي الحَسَن الأشعري.
2- تأثر أبي الحسن وأتباعه بعلم الكلام وعدم تخلُّصهم منه بالكليةِ.
3- قلة خبرة أبي الحسن الأشعري وأصحابه بعقيدة السلف.
بدأ المؤلف بعد ذلك بذكر أبرز أعلام هذه المدرسة، وقسمهم إلى طائفتين:
الطائفة الأولى: يصلها بالمدرسةِ الفترةُ الزمنية القريبة من تلاميذ ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري.
الطائفة الثانية: يصلها بهذه المدرسةِ الأصولُ والمنهجُ، مع بعدٍ في الزمان والمكان، وهم أغلب المحدثين المنتسبين إلى المذهب الأشعري.
ومن أبرز من ذكرهم في أعلام هذه المدرسة: المؤسِّس أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر الباقلاني، والأستاذ أبو بكر بن فورك، وأبو بكر البيهقي.
ومن أشهر كتب هذه المدرسة: “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” لأبي الحسن الأشعري، و”رسالة إلى أهل الثغر” له أيضا، و”الإبانة عن أصول الديانة” له كذلك، ومنها “تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل”، و”رسالة الحرة” كلاهما للقاضي أبي بكر الباقلاني.
الفصل الثاني: منهج المدرسة الأشعرية الكلابية في التقرير والرد ومواقفها:
ذكر المؤلف في هذا الفصل مصادر التلقي عند هذه المدرسة، وذكر من أبرزها:
- الأخذ بالكتاب والسنة.
- أخذهم بالإجماع وأقوال سلف الأمة.
- الأخذ بأصول عقلية بدعية متلقاة عن المعتزلة.
ثم بين منهجها في الاستدلال، ويتلخص في الآتي:
- الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة والتسليم لها في أصول ومسائل دون أخرى.
- عدم الاستدلال بخبر الآحاد.
- الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
- تغليب الاستدلال بالأدلة العقلية على النقلية.
- الاستدلال بدليل الفطرة.
- سلوك طريق التأويل لبعض نصوص الصفات.
- سلوك طريق التفويض لبعض نصوص الصفات.
- الميل بمعنى التوحيد إلى معاني المتكلمين.
ثم عرج المؤلف إلى ذكر منهج المدرسة الأشعرية الكلابية في الرد على المخالفين، فذكر أن هذه المدرسة ذات ردود كثيرة على المخالفين، ومن أبرز أسباب ذلك: تأثر أبي الحسن الأشعري بمدرسة ابن كلاب، وكانت ردودهم شاملة حتى للملل المخالفة للإسلام كاليهودية والنصرانية والمجوس وغيرها، إضافة إلى قوة حججهم على المعتزلة؛ لكون أبي الحسن الأشعري بصيرا بمذهبهم، ومن أبرز مظاهر هذه المدرسة في الرد على المخالفين:
- ظهور التلقي عن الكتاب والسنة في الرد على المخالفين.
- بروز الأخذ بالإجماع.
- كثرة الأخذ بالعقل.
ومن منهجهم في الرد أنهم يعتمدون على الكتاب والسنة والإجماع واللغة العربية، ويظهر إلمام كثير منهم بحجج المخالفين عند الرد عليهم، ومن أبرز المآخذ عليهم في هذا الجانب أنهم كانوا يسلِّمون ببعض الألفاظ المبتدعة عند الرد على غيرهم.
وقد ذكر المؤلف في هذا الفصل موقف المدرسة الأشعرية الكلابية من الفرق عموما وأهل السنة خصوصا، فبين أن هذه المدرسة على وجه العموم تظهر محبَّتَها للسنة وأهلها، وتنتسب إليها، ويظهر جليًّا عدمُ بروز ذمِّها للسلف الصالح عامة والحنابلة خاصة، ويشار إلى أن محبة أعلام هذه المدرسة وغيرها للسنة إنما هي بقدر العلم بالسنة والاتباع لها.
أما موقف الأشعرية الكلابية من الفرق الأخرى فإنها كانت تذم البدع عمومًا، وتذكر أسماء الفرق المبتدعة وتردّ عليها، ويشار إلى أنهم لكونهم تلبسوا ببعض البدع مما لم يكن عليه السلف اضطروا إلى تقسيم البدع إلى بدع حسنة وأخرى مذمومة.
وقد بين المؤلف بوضوح موقف أئمة السلف من علم الكلام الذي تلبست به الأشعرية المتقدمون، وأنهم مخالفون لهذا المنهج الذي انتهجوه، فلم يكن الخلاف في ذلك مخلافا متأخّرا، بل منذ المدرسة الأولى للأشاعرة.
ثم ختم الباب بمسألتين وهما:
تطور المدرسة الأشعرية الكلابية وآثارها، فذكر أن أول التطور في هذه المدرسة تمثل في أمرين:
- التطور الذي أحدثه أعلام هذه المدرسة عما كان عليه ابن كلاب وطريقته، وعلى رأسهم المؤسس أبو الحسن الأشعري.
- التطور الحادث بين أعلام هذه المدرسة من بعد المؤسس وما انتهى عليه حاله.
ثم ظهر التطور في المدرسة على يد أبي الحسن ألكيا الهراسي الطبري، ثم من بعده زاد التطور مع منهج القاضي أبي بكر الباقلاني، فقد بدأ عنده الميل واضحا أكثر ممن سبقه نحو العقل وضعف الاعتماد على النقل، ثم تطورت المدرسة مع ابن فورك فقد زاد ميله إلى التأويل.
أما عن آثار هذه المدرسة فقد بين أن هذه المدرسة انتشرت في الأقطار الإسلامية، وكان السبب الأبرز لذلك هو تسمّي أعلام هذه المدرسة بأهل السنة وانتسابهم إليها، ومن آثارها كذلك: إدخال عقيدة المذهب الأشعري ومنهجه في العلوم الشرعية الأخرى.
الباب الثاني: مدرسة معتزلة الأشاعرة ومنهجها:
ذكر المؤلف في هذا الباب ما ذكره في الباب الذي قبله، فجعل الفصل الأول في التعريف بالمدرسة، وبين أنها توسَّعت في البُعد عن أصولِ المؤسس أبي الحسن الأشعري وتلامذته ومنهجهم، وقد اقتربت هذه المدرسة وتأثرت كثيرا بالمعتزلة وأصولهم.
وقد بين المؤلف أن من أسماء هذه المدرسة: معتزلة الكلابية، ومعتزلة الأشعرية، ونفاة الصفات الخبرية، ومتأخرة الكلابية.
- أهم سمات هذه المدرسة:
- موافقة المدرسة الأشعرية الكلابية في سلوك المنهج الكلامي.
- تأويل الصفات الخبرية.
- إبراز القول بالتفويض لمعاني نصوص الصفات وإدخاله كقول آخر في موقف المذهب الأشعري من الصفات.
- ظهور تغليب التأصيل والاستدلال بالعقل أكثر من النقل.
- تأصّل الارتباط والصلة الوثيقة بين المدرسة والتصوف، وذلك على يد أبي القاسم القشيري.
بعد ذلك تطرق المؤلف لأسباب نشأة معتزلة الأشاعرة، فذكر منها:
1- التصاق المذهب بعلم الكلام.
2- تسليم المتأخرين بلوازم الأصول الكلامية الاعتزالية التي أقر بها المتقدمون.
3- ضعف معرفة أعلام هذه المدرسة بالسنة وآثارها.
تناول المؤلف بعد ذلك ذِكرَ أبرزِ أعلام هذه المدرسة، فذكر منهم: عبد القاهر البغدادي، وبيّن أنه أوَّلُ أعلامِ هذه المدرسة بروزًا في الاتجاه بالمذهب إلى العقيدة والمنهج المعتزلي، ومنهم أبو القاسم القشيري، وأبو المعالي الجويني.
ومِن أبرز مصنفات هذه المدرسة: “الفَرق بين الفِرَق” لعبد القاهر البغدادي، و”شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة”، و”الرسالة القشيرية” كلاهما لأبي القاسم القشيري، و”الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد”، و”العقيدة النظامية” كلاهما لأبي المعالي الجويني.
الفصل الثاني: منهج مدرسة معتزلة الأشعرية في التقرير والرد ومواقفها:
ذكر المؤلف في هذا الفصل منهج المدرسة في تلقي مسائل الاعتقاد، ويتمثل في الآتي:
- قلة التلقي والأخذ عن نصوص الكتاب والسنة.
- قلة الأخذ بالإجماع المعتبر وأقوال السلف.
- الأخذ والتسليم بأصول كلامية بدعية.
وعرج المؤلف بعد ذلك إلى بيان منهج هذه المدرسة في الاستدلال، والذي يتمثل في الآتي:
- قلة الاستدلال بالنصوص والتسليم لظاهرها في أصول ومسائل دون أخرى.
- عدم الاستدلال بخبر الآحاد وتضييق الاستدلال بالحديث المتواتر.
- قلة الاستدلال بالإجماع.
- تقديم العقل على النقل في الاستدلال.
ثم بين المؤلف بعد ذلك -كما فعل في الباب السابق – منهج هذه المدرسة في الرد على المخالفين، فبدأ بمصادرها في الرد على المخالفين، ومن أهمها:
- قلة التلقي والأخذ عن نصوص الكتاب والسنة.
- قلة الأخذ بالإجماع المعتبر.
- كثرة الأخذ بدلائل العقل الوهمية.
أما عن منهجهم في الرد على المخالفين فيتمثل في الآتي:
- قلة الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة.
- كثرة الاستدلال بالعقل وتقديمه على النقل.
- الاستدلال باللغة العربية.
- ذكر حكم المخالف.
- بروز مخالفة أقوال أعلام هذه المدرسة لشيوخ المذهب والرد عليهم.
- قلة ردهم على المعتزلة وكثرته على الفلاسفة والمثبتة.
بدأ المؤلف بعد ذلك بذكر موقف هذه المدرسة من الفرق الأخرى عموما، وأهل السنة خصوصا، فبين أن الأشاعرة عموما كانوا ينتسبون للسنة، وينسبون إليها ما ليس فيها، وقد ظهر ذلك بشكل أوضح مع عبد القاهر البغدادي، فقد كان ينسب كل ما يراه ويقول به من أصول ومسائل عقلية مبتدعة إلى أهل السنة، ويظهر ذلك مع أعلام هذه المدرسة كذلك. ثم عرج إلى موقف هذه المدرسة من الفرق الأخرى بالتفصيل كما فعل مع المدرسة السابقة.
وختم الباب ببيان تطور المدرسة وآثارها، ويمكن تلخيص التطور الذي حصل في المدرسة عن المدرسة السابقة في الآتي:
- زيادة البعد عن النصوص الشرعية ونصوص السنة خاصة تلقيا واستدلالا.
- ظهور الغلو في الأخذ بالعقل تأصيلا واستدلالا.
- ظهور مخالفة أعلام هذه المدرسة لشيوخ المذهب في أصول ومسائل.
- زيادة التأثر بالتصوف.
- غلظة الأحكام على المخالفين.
ولم يذكر المصنف إن كان ثمةَ تطورات داخل المدرسة نفسها.
أما آثار هذه المدرسة فمن أهمها: صياغة المذهب الأشعري على أنه مذهب أهل السنة والجماعة، وإدخال التصوف البدعي في المذهب الأشعري، وتقبل المذهب الأشعري للاعتزال ومنهجه وأقوال أئمته، والتطاول والانتقاص للسلف الصالح.
الباب الثالث: مدرسة متفلسفة الأشاعرة ومنهجها:
بدأ المؤلف هذا الباب بالفصل الأول الذي جعله للتعريف بهذه المدرسة، فبين أنها تأثرت بشكل كبير بالفلسفة والتصوف، ويعد هذا أبرز سماتها.
وقد أطلق على هذه المدرسة أسماء كثيرة، منها: متفلسفة الأشعرية، وفلاسفة الأشعرية، ومتأخرو أهل الكلام، والمتكلمون المتأخرون، ومتأخرو الفلاسفة.
- أبرز سمات هذه المدرسة:
- عدم الأخذ والاعتناء بنصوص الكتاب والسنة، بل وضعت القوانين لرد نصوصهما.
- الجهل الواضح بمتون الأحاديث.
- هجر أقوال السلف.
- استقرار تخطئة السلف وتضليل منهجهم ولمزهم بالألقاب الشنيعة.
- جهل أئمة هذه المدرسة بكتب القدماء من الكلابية وأئمة الأشعرية!
- كثرة الاضطراب والتناقض.
- أصبح القول في الصفات من الأصول العقلية بعدما كان يحتج عليه بالعقل والنقل.
- اختلاط الفلسفة بعلم الكلام في مصنفات أعلامها حتى لا يكادان ينفصلان.
عرج المؤلف بعد ذلك إلى ذكر أسباب نشأة هذه المدرسة، ومن أهمها:
- تغلظ البعد عن نصوص الوحيين.
- زيادة الجهل بعقيدة السلف.
- هجر ما كان عليه أوائل المذهب كأبي الحسن الأشعري.
- زيادة الاعتداد والاعتبار بالعقل.
- زيادة الإقدام على علم التصوف والتغلغل فيه.
- التغلغل في دراسة كتب الفلسفة.
ثم بدأ المؤلف بعد ذلك بذكر أبرز أعلام هذه المدرسة، وأبرز مصنفاتها، فمن أبرز أعلامها: أبو حامد الغزالي، ويعد من أقدم الخائضين في الفلسفة وأشهرهم، والناقل لها إلى المذهب الأشعري، فهو أول أعلام هذه المدرسة، ومنهم أيضا: أبو عبد الله الرازي، وابن حجر الهيتمي.
ومن أبرز مصنفات هذه المدرسة: “الاقتصاد في الاعتقاد”، و”تهافت الفلاسفة”، و”إحياء علوم الدين” كلها لأبي حامد الغزالي، و”أساس التقديس” و”لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات”، و”المطالب العالية من العلم الإلهي”، وكلها لأبي عبد الله الرازي، ومنها: “تحفة الزوار إلى قبر النبي المختار”، و”التعرف في الأصلين والتصوف”، وهما لابن حجر الهيتمي.
الفصل الثاني: منهج مدرسة متفلسفة الأشاعرة في التقرير والرد ومواقفها:
عرض المؤلف في هذا الفصل منهج هذه المدرسة في تقرير عقيدتها، وفي الرد على المخالفين، وبدأ ذلك بذكر مصادر التلقي عند هذه المدرسة، فمنها:
1- البعد عن الأخذ بنصوص الوحيين.
2- ندرة الأخذ بالإجماع على وجهه الصحيح المعتبر، وهجر أقوال السلف.
3- الأخذ والتسليم لدلائل العقل الظنية.
4- الأخذ بالذوق والكشف والإلهام وكلام أعلام الفلاسفة وشيوخ المتصوفة.
أما منهجها في الاستدلال على مسائل الاعتقاد فيتمثل في الآتي:
1- ندرة الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة الصحيحة، وجعلها من المتشابهات والمجاز في باب الصفات.
2- الإفراط في الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
3- ندرة الاستدلال بالإجماع.
4- تقديم ظنيات العقل على النقل.
5- التأويل للنصوص.
وقد ذكر المؤلف أن أحد سمات هذه المدرسة التي تعتبر من مثالبها أنها صارت تخفي بعض ما تراه وتقول به! ذلك أنه قد ظهر عند بعض أعلام هذه المدرسة تقسيم الناس إلى عوام وخواص، فهناك بعض العقائد لا يفصحون عنها. ومن سماتهم أيضا: التكلف بطرح إشكالات وشبهات ثم العجز عن جوابها! وقد برز هذا كثيرا عند الرازي والآمدي.
بعد ذلك بدأ المؤلف بعرض منهج هذه المدرسة في الرد على المخالفين، فبين أن جهودها في الرد على المخالفين كانت أكثر من المدرستين السابقتين، وقد استهل المؤلف هذا المبحث ببيان مصادر التلقي في الرد، وتتمثل في الآتي:
- الأخذ بدلائل العقل الظنية والإعراض عن الكتاب والسنة.
- الأخذ بإجماعات جمهور العقلاء واتفاقاتهم المزعومة.
- الأخذ عن أهل الكلام والتصوف والفلسفة.
أما منهج هذه المدرسة في الرد على المخالفين فيتمثل في الآتي:
- الاستدلال بدلائل العقل الموهومة والإعراض عن الاستدلال بنصوص الوحيين.
- الاستدلال باللغة.
- المراء والجدال والإكثار من طرح أسئلة مظنونة للمخالف ثم التكلف في الرد عليها.
- جهلهم ببعض أقوال الطوائف وعدم استيفاء الأقوال في المسألة.
- بروز الردود على المتقدمين في المذهب وردود بعضهم على بعض.
- التوجه في الرد إلى الفلاسفة والمجسمة، ويعنون بالمجسمة هنا مثبتة الصفات.
بعد ذلك بدأ المؤلف بذكر موقف هذه المدرسة من المخالفين عمومًا، ومن أهل السنة خصوصا، فبين أن موقفَها من أهل السنة والجماعة أسوَأ من موقف المدرسَتين السابقتين، ويتَّضح ذلك بالآتي:
- الجهل بأقوال أهل السنة، وعدم الفهم لها، فينسبون إليهم من الأقوال ما لم يقولوا به.
- كثرة الاشتغال بالرد على أهل السنة والجماعة.
- الافتراء عليهم واللمز لهم.
وقد ختم الباب بذكر تطورات المدرسة وآثارها، فذكر أنه قد حدث لها تطور ظاهر عن المدرستين السابقتين، ويتمثل في الآتي:
- ترك التلقي والاستدلال بالنصوص الشرعية، وزيادة الأخذ والاعتداد بالعقل، وتقديمه على النقل عند توهم التعارض، للقول بظنية دلالة النصوص.
- زيادة الجهل بمذهب السلف.
- الميل بعلم الكلام إلى جهة المناطقة والفلاسفة.
- استقرار القول بنفي الصفات.
- تعظيم الفلسفة وعلومها وأعلامها.
- نهاية التطور داخل المذهب الأشعري، واستقرار آخر هذه المدرسة على الجمود.
ويلاحظ كذلك أن المؤلف لم يتطرق لتطور المدرسة نفسها إن كان ثمة تطورات.
ومن أبرز آثار هذه المدرسة:
- الميل الكامل إلى العقل ودلائله وبراهينه المبني على الإعراض عن العناية بالنصوص وهجرها.
- تقريب الفجوة الكبيرة التي كانت بين الفقهاء وأهل التصوف.
- إقحام المقدمات المنطقية في علم أصول الفقه.
الخاتمة:
بعد عرض هذه المدارس وأبرز سماتها وأعلامها ختم المؤلف بأبرز النتائج التي توصل لها، ومنها:
1- أن المذهب الأشعري منذ نشأته لم يستطع التخلّص من بقايا المنهج الكلامي والاعتزالي.
2- كلما بعد أعلام المذهب عن القرون المفضلة وعن أبي الحسن الأشعري زاد البعد والمخالفة لمذهب السلف وأهل الحديث.
3- ظهر تأثر الأشاعرة بالملل والطوائف الأخرى كالكلابية والمعتزلة والصوفية والفلاسفة.
ميزات الكتاب:
كان هذا عرضًا سريعًا للكتاب، وقد تميَّز بعدة أمور، من أهمها:
1- أنه توسع نوعا ما في ترجمة أعلام كل مدرسة.
2- ذكر مصنفات كل مدرسة، وتوسع فيها، فذكر كل كتاب وما تميز به، والمآخذ التي عليه، فأعطى تصورا كاملا عن كل كتاب، فيعد الكتاب مرجعا لعرض أبرز كتب الأشاعرة وتعريفها.
3- بين حقيقة بعض ما يدعيه الأشاعرة، مثل انتسابهم لأهل السنة والجماعة، وعدم ذم علم الكلام الذي تلبس به الأشاعرة، وأن السلف وأئمة أهل السنة لم يذموا الأشاعرة؛ خاصة الأوائل منهم.
4- أنه فصل الكلام في موقف كل مدرسة من المدارس التي ذكرها من الفرق الأخرى عموما، ومن أهل السنة خصوصا، وقد فصل الكلام عن الفرق وموقف المدرسة من كل فرقة بمفردها.
5- ذكر تطورات كل مدرسة عن المدرسة السابقة، وهذا يعطينا تصورًا عن طريقة استقرار المذهب على الشكل الذي هو عليه الآن، وهل هو استمرار لمنهج الأوائل أم هو مخالف له.
6- كان المؤلف منصفًا، فهو يذكر مميزات كتب الأشاعرة، وحسن الترتيب والتبويب في بعضها، وبعض ما تميزوا به عند الرد على المخالفين.
وهنا بعض المقترحات تكمّل الكتاب وتجمّله:
1- التعريف بالمدرسة التي يذكرها، فإنه حين يعرفها ببيان سماتها، وأسمائها، وغير ذلك، ولو أعطى تعريفًا واضحًا في بداية الفصل لكان أفضل وأوضح.
2- لو أضاف المقارنة بين المدارس لكان أفضل للقارئ، وقد بذل المؤلف جهدا في تتبع التطورات، فذكر تطور كل مدرسة عن سابقتها، وهذا يعطيك تصورا عن الفروق، لكن المقارنة بين المدرسة والأخرى في التلقي والاستدلال وحتى الاعتقاد كان هو الأفضل.
3- كان من الجيد أن يعرّف بالواقع المعاصر للمدارس، وهل بقيت أو اضمحلت، كما أنه كان من الجيد أن يعطي تصورا عن الواقع المعاصر للأشعرية، وهل بقيت على المدرسة الثالثة أم تطورت عنها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.