مشـاهدات في أرض الكتاب .. لفضيلة الشيخ: أبي بكر الجزائري
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
المقدمة:
تحمل صحيفة أم القرى بين طياتها العديد من المقالات المتميزة، ما بين دينية وسياسية واجتماعية وغيرها، وبين يدينا هذه المقالة المختصرة جمعت طرفًا من كل ذلك، وهي تعد اليوم شهادة تاريخية لمن عايشوا حقبة التأسيس، أبرز فيها الكاتب جانبين مهمين لحياة الناس وسعادتهم، الجانب الأول: الحالة الدينية المتمثلة في الرجوع إلى الإسلام الصافي الذي أدركه الرعيل الأول جيل السلف الصالح ودور حكومة آل سعود في ذلك، والثاني: الجانب الدنيوي والإصلاحات العظيمة التي تقوم بها الحكومة السعودية في سبيل النمو والازدهار وتحقيق متطلبات العيش الرغيد؛ في الصحة والتعليم، والإنشاء والتعمير، والتجارة والاقتصاد، وما إلى ذلك ، وأنها تضاهي الكثير من دول العالم المتحضرة.
نبذة عن كاتب المقالة:
هو: أبو بكر الجزائري جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر، ولد بقرية (لِيوَه) عام 1342هـ، وتوفي والده في عامه الأول فنشأ في حجر أمه، انتقل إلى (بسكرة) فتعلم على مشايخ بها مثل: نعيم النعيمي، والطيب العقبي، وقد لازم الشيخ الطيب العقبي وتتلمذ عليه، وانتقل الشيخ إلى العاصمة (الجزائر) وعمل في جمعية العلماء المؤلفة آنذاك والتي كانت النواة الجيدة في غرس العقيدة السلفية ومحاربة البدع الشائبة.
وفي عام 1372هـ – وهو عام كتابة المقالة – قدم إلى مكة للحج والعمرة والزيارة وكان قصده بعد أداء فريضة الحج الرجوع إلى بلده إلا أن الإخوة الجزائريين المهاجرين المقيمين بالمدينة حببوا له البقاء للاستفادة منه ولا سيما عمه عيسى -رحمه الله- والذي كان محبًّا للمدينة النبوية، وتمنى الموت بها وقد استجاب الله دعاءه فتوفي بعد الحج مباشرة، فتأثر الشيخ بذلك في حبه للبقعة المباركة المدينة النبوية الطاهرة فأحب المدينة وأحبته فصار علمها.
عمل مدرسًا بدار الحديث المدنية، وبالجامعة الإسلامية، وبالمسجد النبوي الشريف.
من مؤلفاته:
1- منهاج المسلم ـ كتاب عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات.
2- عقيدة المؤمن ـ يشتمل على أصول عقيدة المؤمن جامع لفروعها.
3- أيسر التفاسير للقرآن الكريم 4 أجزاء.
توفي رحمه الله في المدينة المنورة فجر الأربعاء 4 ذو الحجة 1439هـ([1]).
تاريخ نشر المقالة في صحيفة أم القرى:
نُشرت هذه المقالة في صحيفة أم القرى في يوم الجمعة 25 ذي الحجة سنة 1372هـ/ الموافق 4 سبتمبر سنة 1953م، بعد أول رحلة حج للشيخ أبي بكر الجزائري.
نص المقالة:
كثيرًا ما نسمعُ من أفواه الحجيج عن البلاد الحجازية أو المملكة العربية السعودية أقوالًا مختلفة متباينة متضاربة، تختلف باختلاف المحدِّثين، وقد تكتب هذه الأقوالَ الصحفُ أحيانًا كما تلقَّتها من أفواه العامة، وقد تزيد فيها وتنقص أحيانًا أخرى حسب مبادئ الصحيفة وأغراضها، حتى كادت تكون بذلك هذه البلاد المقدَّسة بما عليها من حكومة قوية وما فيها من خيرات وبركات، كادت تكون أسطورةَ التاريخ القديم يحكيها كلٌّ بما لَه في نفسه من حاجة إلى محدَّثيه.
وقد أكرمني المولى سبحانه وتعالى في هذا العام بالوفود إلى بيته الحرام، فشاهدت عن كثب مهبطَ الوحي وأرض الكتاب، وها أنا ذا أسجل بعض ما شاهدته بكل أمانةٍ وإخلاصٍ في هذه البلادِ المقدَّسة من آثار للدين فيها وللدولة، ولا غرض لي في ذلك إلا إظهار الحق وبيان الواقع.
ففي الدين:
فإن الدّينَ الإسلاميَّ بما فيه من قواعد وشعائرَ وآداب ونظمٍ قد أقيم في هذه البلاد كما أمر الله سبحانه أن يقام؛ فالحرية الدينية متوفِّرة لكل فردٍ يزور هذه البلاد أو يقيم فيها، فليس هناك من خَنق أو تقييدٍ في الدين كما تُشيع العامَّة، اللَّهمَّ إلا بعض التقييدات تقع لبعض المبتَدعة والجهَّال عند ارتكابهم البدعَ الدينيةَ التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإنهم يجدون حماةَ الدين الصحيحِ وحفَّاظَ السنة يردعونهم ويعرِّفون إليهم غلَطَهم.
ومن بين ما تمتاز به الديانة الإسلامية في هذه البلاد: أنها خاليةٌ تمامًا من البدع والخرافات والأباطيل والترهات التي أدَّت بكثير من الأمة الإسلامية إلى ضعفِ العقيدة، وحتى إلى الإشراك بالله، فالبلاد الحجازيَّة أقوى دينًا، وأمتن عقيدةً، وأكبر إخلاصًا في الدين لله، ولا يوعزن([2]) لك إلى شيء سوى آل سعود أمراء هذه البلاد، فإنهم أعرف الناس بسلامة القلوب وصفاء العقيدة.
هذا، وإنَّ كلَّ ما في هذه البلاد الطاهرة يوحِي بالقداسة والصَّفاء، فالروح الدينية قد تشاهَد في كل فردٍ من أفراد هذه البلاد، سواء في ذلك أهلها أو الوافدون إليها.
وأكبر دليل على ذلك أن كراهية الموت -وهي طبيعة بشرية- قد تبدَّلت في هذا الحرم الطاهر والبلد الأمين، فلا تجد أحدًا يرهب الموت أو يخافه، فهو إن لم يتعجَّله فإنه راض به ومرحِّب بوفوده عليه؛ وهذا لما غلب على الشعور والإحساس من روح دينية صادقة، ولما تشبعَّت به النفوس من حبِّ الله ولقائه.
هذا في الدين.
وفي الدولة:
فبالرغم من حداثة الدولة السعودية ومن قلة خصب البلاد؛ فإنَّ الحكومة السعودية قد أصبحت ذاتَ نظم محكمة وقواعد ثابتة، تضاهي الكثير من دول العالم المتحضرة التي سبقت لها قرون وهي تبني وتُشيد وتوجد وتخترع؛ فالمرافق الحيوية لحياة البلاد والعباد قد توفَّرت تمامًا والحمد لله، وهي آخذة في النمو والازدياد، فما يمرُّ عام ويأتي آخر إلا ويجدُّ جديد، بل ما بين يوم وآخر يحدُث أمر إصلاحي عظيم، وليس إلى نكران هذا من سبيل.
حفظ الله آل سعود أمناءَ للدين وحماة للدولة.
هذا، وإن مِلنا إلى شيء من التفصيل فذكرنا بعض ما يمتاز به الجيش السعودي من بسالة، وما لديه من عتاد حربيٍّ حديث، وما يعرف به رجال الأمن والبوليس السعودي أيضًا من أمانة وأناة، وصبر وحزم ونشاط، وذكرنا إلى جانب ذلك أعمال كل وزارة من وزارات الحكومة المختلفة؛ كوزارة الصحة والتعليم، والإنشاء والتعمير والتجارة والاقتصاد وما إلى ذلك، وما يمتاز به الأمراء السعوديون من خبرة واسعة في كل شؤون الدولة ونظام الحياة، وما يعرَفون به من إباء وشمم، وسماحة وكرم، وتفان في حب البلاد وخدمتها، وفي نشر الأمن والرخاء فيها؛ لما اتسع لنا المقام لأن نذكر كل هذا.
وعليه، فبالإيجاز فإن حسنات هذه الدولة أكثر من أن تعدَّ، وإن نحن نظرنا إلى ظروف هذه البلاد، وموقعها الجغرافيّ تبيَّن لنا يقينًا أنها لم تكن لتكون دولةً متمدّنة قوية كما هي عليه الآن إلا على أيدي هذه الفئة المؤمنة الصالحة من آل سعود العظماء، حفظ الله ملكهم، وحرس عرشهم، وأبقاهم ذخيرة صالحة للعروبة والإسلام، وليقل كل صالح: آمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
- “معلمو المسجد النبوي الشريف”، جمع وترتيب: د.عمر حسن فلاتة، أ.عبدالوهاب محمد زمان، أ.د.عدنان درويش جلون.
- علماء ومفكرون عرفتهم، محمد المجذوب، (ص 27-47).