الأحد - 20 جمادى الآخر 1446 هـ - 22 ديسمبر 2024 م

«حيَّرني الهمَذَاني» وفطرية الاستدلال على علوّ الله تعالى – قراءة تاريخية تحليلية للقصة والسِّجال السَّلفي الأشعري حولها-

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

المقدمة:

إن الفطرة المستقيمة إذا لامست شغافَ القلب الحي طاشت معها موازين الجدل والتقليد والمعارضات العقلانية؛ فإن نور الفطرة يدعم أنوار الوحي، ويمهد لقبوله في قلوب العباد على جناح التسليم والاستسلام، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

فإذا أشرقت شمس الفطرة وحججُها في قلب العالِـمِ فَعَلتْ به الأفاعيل، وأعملت فيه انتباهة لما كان عنه غافلًا، ومهّدت قلبه ليَقَرَّ فيه معين الوحي الروي وسلسبيل الفطرة النقي.

هكذا كانت عبارة الهمذاني، أو هكذا فهمتُ عبارته..

فخلاصة القصة أن إمام الحرمين ذكر في مجلسٍ نَفْيَ علو الله عز وجل على خلقه -علو الذات-، وأنَّ المراد بذلك علو القهر وعلو القدر، أو قال: “كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان”، على اختلاف في أداء عبارته، فقال له الشيخ أبو جعفر الهمذاني: يا أستاذ، أخبرني عن هذه الضرورة التي أجدها في نفسي، وهي أني أطلب العلو إذا احتجت إلى الله عز وجل.. فقال أبو المعالي: (حَيَّرَنِي الهمذاني، حيَّرَني الهمذاني).

فقد لاقت قصّة أبي جعفر الهمذاني مع أبي المعالي الجويني هذه حيّزًا من الذكر في كتب العقائد والتراجم والفرق والمذاهب وغيرها. وتدور فائدتها العظمى حول دلالة الفطرة على علو الله على خلقه؛ فالفطرة السليمة قد جُبلت على الاعتراف بعلو الله سبحانه وتعالى، ويظهر هذا الأمر حينما يجد الإنسان نفسَه مضطرًا إلى أن يقصد جهة العلو -ولو بقلبه- إذا دعا الله تعالى.

فمن الهمذاني؟ وما قصته؟ وما الموقف منها؟ وما علاقته بالفطرة؟ وهل المتكلمون في حيرة؟ وما محدّدات العلاقة بين الوحي والفطرة؟ وغيرها من الأسئلة التي تدور في ذهن المطالع إذا قرأ هذه القصة وتأملها.

نص القصة وتخريجها:

قال أبو جعفر ‌الهمذاني الحافظ: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سُئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5]، فقال: “كان الله ولا عرش”. وجعل يتخبّط في الكلام، فقلت: قد علمنا ما أشرت عليه، فهل عندك للضرورات من حيلة؟ فقال: ما تريد بهذا القول؟ وما تعني بهذه الإشارات؟ فقلت: ما قال عارف قط: يا ربّاه، إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد، لا يلتفت يَمْنَةً ولا يسرةً، يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلةٍ؟! فنبئِّنا نتخلص من الفوق والتحت. وبكيتُ، وبكى الخلق، فضرب بكمِّه على السرير، وصاح بالحيرة، وخرق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل ولم يُجِبني إلا بـ: يا حبيبي، الحيرة الحيرة، والدهشة الدّهشة الدّهشة. فسمعت بعد ذلك أصحابَه يقولون: سمعناه يقول: ‌حيَّرني ‌الهمذاني.

وقد رواها عنه الحافظ محمد بن طاهر المقدسي([1]) (ت: 507هـ) ، وذكرها ابن تيمية([2]) (ت: 628هـ)، والذهبي([3]) (ت: 748هـ)، وابن القيم([4]) (ت: 751هـ)، والسبكي([5]) (ت: 771هـ)، وابن أبي العز([6]) (ت: 792هـ).

التعريف بأبي جعفر الهمَذاني:

هو محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمذاني، الحافظ.

قال السمعاني: «هو شيخ ثقة ديِّن… ما أعرف أن في شيوخ عصره سمع أحدٌ أكثرَ مما سمع هو… وهو صحيح السماع»([7]).

وقال الذهبي: «الشيخ الإمام الحافظ الرَّحَّال الزاهد، بقية السلف والأثبات… وكان من أئمة أهل الأثر، ومن كبراء الصوفية»([8]).

توفي سنة 531هـ([9]).

التعريف بأبي المعالي الجويني:

هو إمام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك ابن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف الجويني، ثم النيسابوري، الشافعي، صاحب التصانيف، منها: “نهاية المطلب في دراية المذهب”، و”البرهان في أصول الفقه”، وغيرها من كتب الأصول والكلام([10]).

المبحث الأول: السجال السلفي الأشعري حول قصة الهمذاني مع أبي المعالي:

تباينت مواقف العلماء تجاه هذا الموقف وما يحمله من دليل، ويتضح ذلك فيما يلي:

أولًا: الموقف السلفي:

تكاد تتفق كلمة العلماء من بعد عصر الجويني والهمذاني على قبول هذه القصة مجملًا، ولم أجد نقدًا لها في كتب أهل السنة والجماعة، فهي استدلال بدليل الفطرة المغروس في الناس، وكان هذا الموقف تنبيهًا لأبي المعالي لمراجعة نفسه فيما يقرره من أمر علو الله تعالى.

فأبو جعفر الهمذاني قد تكلَّم بلسان جميع بني آدم، فأخبر أن العرش والعلم باستواء الله عليه إنما أخذ من جهة الشرع وخبر الكتاب والسنة، بخلاف الإقرار بعلوِّ الله على الخلق من غير تعيين عرش ولا استواء، فإن هذا أمرٌ فطريٌّ ضروريٌّ، نجده في قلوبنا، نحن وجميعُ من يدعو الله تعالى، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟!([11]).

ثانيًا: الموقف الأشعري:

من خلال البحث فيما توفر بين يدي من المصادر وجدت تاج الدين السبكي ونزرًا يسيرا ممن لهم نقد بارز لهذه القصة، وليس معهم دليل علمي مقنع.

وعند تتبع موقف تاج الدين ابن السبكي يلاحظ عليه -كعادته- غضبه الشديد عند ذكر ما ينال أحدَ علماء الأشعرية، فقد هوّل لإنكارها، ولم يأت بدليل يقنع القارئ.

– يقول تاج الدين السبكي: «قد تكلَّف لهذه الحكاية وأسندها بإجازة على إجازة مع ما في إسنادها ممن لا يخفى مخاطه على الأشعري وعدم معرفته بعلم الكلام»([12]).

فهل هي إجازة على إجازة؟ وإذا كانت إجازة صحيحة فما يضيرها؟! وهل كان الذهبي هو من تفرَّد بسردها ليظهرها ابن السبكي وكأنها من بنات فكر الإمام الذهبي وخيال؟! فالقصة مشهورة قبل الذهبي، بل ذكرها ابن تيمية رحمه الله قبله غيرَ مرة، وقال: «الحكاية المشهورة..»([13]).

– وقال السبكي أيضًا: «وأما قوله: صاح بالحيرة وكان يقول: ‌(حيرني ‌الهمذاني) فكذب ممن لا يستحيي، وليت شعري أي شبهة أوردها؟! وأي دليل اعترضه حتى يقول: ‌(حيرني ‌الهمذاني)؟! ثم أقول: إن كان الإمام متحيّرا لا يدري ما يعتقد فواهًا على أئمة المسلمين من سنة ثمان وسبعين وأربعمائة إلى اليوم، فإن الأرض لم تخرج من لدن عهده أعرفَ منه بالله، ولا أعرف منه، فيا لله! ماذا يكون حال الذهبي وأمثاله إذا كان مثل الإمام متحيّرًا؟! إن هذا لخزي عظيم»([14]).

وهذا تهويل عظيم وإنكار للقصّة لمجرد مخالفتها لما يؤمّل، وفيها رمي للأئمة والرواة بالكذب بلا بيّنة! وماذا سيقول في نصوص أئمة المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم الذين اعترفوا بالحيرة والشكوك عند الموت، وتمنّوا الموت على عقائد العجائز؟! وماذا يقول عن تراجعات أبي المعالي في كتبه، وفي أواخر عمره؟!

– يقول السبكي: «ثم ليت شعري من أبو جعفر ‌الهمذاني في أئمة النظر والكلام؟! ومن هو من ذوي التحقيق من علماء المسلمين؟!… لقد ابتلى المسلمون من هؤلاء الجهلة بمصيبة لا عزاء بها»([15]).

فلا أدري هل ينكر السبكيُّ على أبي جعفر الهمذاني سؤاله، أو نقله للقصة؟! وهل كان من شرط راوي الواقعة التي حدثت له أن يكون ذا محلٍّ من النظر والكلام والتحقيق فيهما؟! وهل يُرمى الشخص جزافًا بالجهل لكونه خالف معتقد الأشعري؟! وإن كان الواقع شاهدًا أنهم يكيلون التهمَ بالتجهيل وسوء الفهم جزافًا للحنابلة وأهل الحديث، وما زالت تلك سنَّتهم في كتب التراجم وغيرها، و”طبقات الشافعية” للتاج السبكي خير شاهد على ذلك.

– ويقول السبكي أيضًا: «ثم أعاد الذهبي الحكاية عن محمد بن طاهر عن أبي جعفر، وكلاهما لا يقبل نقله، وزاد فيها أن الإمام صار يقول: (يا حبيبي، ما ثم إلا الحيرة). فإنا لله وإنا إليه راجعون! لقد ابتلى المسلمون من هؤلاء الجهلة بمصيبة لا عزاء بها»([16]).

بل لا يقبل جرح السبكي فيهما؛ لأنه مجمل، يلوح منه جليًّا أن دافعه إليه المخالفة لمعتقده، وهذه سنته في تراجم المخالفين لمذهبه.

وممن وُجد له نقد على هذه القصة: نسَّاخُ الكتب محمد المظفري([17])؛ فقد كتب على هامش تاريخ الإسلام للذهبي بقرب هذا الخبر ما نصُّه: «من طالع كتاب الشامل لإمام الحرمين قطع بكذب هذه الحكاية. قاله محمد المظفري لطف الله به»([18]). ثم كرّرها ثانية عند ذكر القصة([19]).

المبحث الثاني: الدليل الفطري على علو الله تعالى في عقائد السلف:

المطالع لما دوَّنه السلف من العقائد، وما استدلّوا به على علوّ الله تعالى يجدهم ينصّون صراحة على أن الخلقَ مفطورون على التوجّه إلى الله تعالى جهة فوق، ويرفعون أيديهم عند الدعاء إلى السماء، ويتوجّهون عند التضرع إلى الله تعالى، وهذا شيء يجدونه في نفوسهم من غير أن يتلقَّوه من المرسلين، بل يجدون طلبًا ضروريًّا يتوجه إلى الله ويطلبه في العلو. فهو أمر لا يمكن المنازعةُ فيه ولا المكابرة، فكلّ إنسان مفطور على أن الله في السماء.

ومن عجيب ما جرى لشيخ الإسلام ابن تيمية مع نفاة علو الله تعالى أنه قال: «ولقد كان عندي من هؤلاء النافين لهذا من هو من مشايخهم، وهو يطلب مني حاجة، وأنا أخاطبه في هذا المذهب كأني منكِر له، وأخّرت قضاء حاجته حتى ضاق صدره، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: يا الله، فقلت له: أنت محقق، لمن ترفع طرفك؟ وهل فوق عندك أحد؟ فقال: أستغفرُ الله، ورجع عن ذلك لما تبين له أن اعتقاده يخالف فطرتَه، ثم بيَّنتُ له فساد هذا القول، فتاب من ذلك، ورجع إلى قول المسلمين المستقرّ في فطرهم»([20]).

وذكر بعض من صَنَّفَ في الرحلات أنَّ وَفْدًا من الخليفة العباسي ذَهَبَ إلى روسيا، وقالوا: وجدنا أناسًا لا يعبدون الله عز وجل، وليس عندهم رسالة، وهم يريدون أن يشرحوا لهم الإسلام، فقالوا: لكنّا وجدناهم أنهم إذا أصابتهم شدّة وعواتي -إما من المطر والقحط- ونحو ذلك خرجوا إلى الفلاة، ورفعوا أيديهم إلى السماء، ونظروا إلى السماء يهمهمون، كأنهم يطلبون الفرجَ مِمَّنْ هو في السماء، وهذا أمر مركوز في الفطرة([21]).

لذا فإن العلوَّ والمباينة معلوم بالفطرة والضرورة والأدلة العقلية النظرية… ومما يوضّح هذا أن النفاة إذا أثبتوا موجودًا لا داخل العالم ولا خارجه فإنهم لا يثبتونه بضرورة، لا وجوده ولا إمكان وجوده، بل كلاهما يثبتونه بالنظر؛ بخلاف المثبتة فإنهم يقولون: امتناع هذا معلوم بالضرورة. وقد يقولون: علوّ الخالق معلوم أيضا بالفطرة التي فُطر الناس عليها التي هي من أقوى العلوم الضرورية؛ فإن ما فُطِر الناس عليه من المعارف أقوى من كونهم مضطرّين إليه من المعارف التي لا يضطرون إليها إلا بعد تصوّر طرفيها، أو بعد نوع من التأمل. والضروري قد يفسَّر بما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يمكنه الانفكاكُ عنه، وقد يفسر بما يحصل للعبد دون كسبه واختياره.

والمقصود أن القول بوجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه لم يقل أحد من العقلاء: إنه معلوم بالضرورة، وكذلك سائر لوازم هذا القول؛ مثل كونه ليس بجسم ولا متحيز ونحو ذلك؛ لم يقل أحد من العقلاء: إن هذا النفي معلوم بالضرورة، بل عامة ما يُدَّعى في ذلك أنه من العلوم النظرية، والعلوم النظرية لا بد أن تنتهي إلى مقدمات ضرورية؛ وإلا لزم “الدور القبلي” و”التسلسل” فيما له مبدأ حادث، وكل هذين معلوم الفساد بالضرورة متّفق على فساده بين العقلاء([22]).

وهذه العقيدة السديدة الفطرية السمعية التي جاء بها الوحي ومهّدت لها الفطرة المغروسة في النفس هي التي تؤثّر في القلب، وتمدُّهُ بمادة الإيمان والتعظيم لله تعالى.

يقول أحمد بن إبراهيم الواسطي الشافعي المعروف ابن شيخ الحزاميّين رحمه الله: «العبد إذا أيقن أن الله تعالى فوق السماء، عالٍ على عرشه بلا حصر ولا كيفية، وأنه الآن في صفاته كما كان في قِدَمه؛ كان لقلبه قِبلةٌ في صلاته وتوجهه ودعائه، ومن لا يعرف ربه بأنه فوق السماء على عرشه فإنه يبقى ضائعًا لا يعرف وِجهة معبوده، لكن ربما عرفه بسمعه وبصره وقِدَمه، وتلك بلا هذا معرِفةٌ ناقصة، بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء، فإذا دخل في الصلاة وكبر توجه قلبه إلى جهة العرش، منزِّهًا له تعالى، مفردًا له كما أفرده في قِدَمه وأزليته، عالمًا أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا، ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قِدَمه وأزليته إلا بها، لأنا مُحدَثُون، والمـُحْدَث لا بد له في إشارته إلى جهة، فتقع تلك الإشارة إلى ربه كما يليق بعظمته، لا كما يتوهَّمه هو من نفسه«([23]).

الدليل على علو الله تعالى في القرآن الكريم والسنة النبوية:

دلت آيات كثيرة على علو الله تعالى، ومنها:

أولًا: الآيات الصريحة في استوائه سبحانه على عرشه: كقوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5]، وقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].

ثانيًا: التصريح بـكونه العلي والأعلى: كما قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ} [البقرة: 255]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ} [الحج: 62]، وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1].

ثالثًا: التصريح بلفظ (الفوقية): كقوله تعالى: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ} [الأنعام: 18]، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50].

رابعًا: التصريح بصعود الأشياء إليه سبحانه وتعالى: كقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55].

خامسًا: التصريح بنزول الأشياء من عنده سبحانه وتعالى: قال تعالى: {تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ} [الزمر: 1]، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193-195].

ومن الأدلة كذلك: قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].

قال ابن عبد البر المالكي رحمه الله تعالى: «علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: (هو على العرش وعلمُه في كلّ مكان)، وما خالفهم في ذلك أحد»([24]).

ومن السنة النبوية:

جاءت كثير من الأحاديث الدالة على علوّ الله تعالى، ومنها:

1- حديث الجارية وفيه: قال النبي r لها: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»([25]).

2- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله r بخمس كلمات، فقال: «إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ‌يرفع ‌إليه ‌عمل ‌الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -وفي روايةٍ: النارلو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»([26]).

الدليل الفطري من منصوص كلام العلماء:

تواترت عبارات السلف في الاستدلال بدليل الفطرة على علو الله تعالى، فممن نص على الاستدلال به صراحة -على سبيل التمثيل لا الحصر-:

1- يزيد بن هارون الواسطي (206هـ):

قال رحمه الله: «من زعم أن {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} على خلاف ما يقرّ في قلوب العامة فهو جهمي»([27]).

قال الذهبي: «وهذا الذي قاله هو الحق؛ لأنه لو كان معناه على خلاف ما يَقَرّ في القلوب السليمة من الأهواء والفطرة الصحيحة من الأدواء لوجب على الصحابة والتابعين أن يبيّنوا أن استواء الله على عرشه على خلاف ما فطر الله عليه خلقه وجبلهم على اعتقاده، اللهمّ إلا أن يكون في بعض الأغبياء من يفهم من أن الله في السماء أو على العرش أنه محيز، وأنهما حيّز له، وأن العرش محيط به، فكيَّف ذلك في ذهنه وبفهمه كما بدر في الشاهد من أيّ جسم كان على أي جسم، فهذا حال جاهل، وما أظنّ أنّ أحدًا اعتقد ذلك من العامة ولا قاله، وحاشا يزيد بن هارون أن يكون مرادُه هذا»([28]).

2- عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ):

قال بنان بن أحمد: كنا عند القعنبي رحمه الله، فسمع رجلا من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استولى، فقال القعنبي: «من لا يوقن أنَّ {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي»([29]).

3- عبد الله بن سعيد ابن كلاب (توفي بعد 240هـ):

يقول رحمه الله: «لو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا الفنّ خاصّة إلا ما ذكرت من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي، كيف وقد غرس في بنية الفطرة وتعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد؟! بل لا تسأل أحدا من الناس عنه، عربيا ولا عجميا ولا مؤمنا ولا كافرا، فتقول: أين ربك؟ إلا قال: في السماء، إن أفصح، أو أومأ بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح، لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل. ولا رأينا أحدا داعيا له إلا رافعا يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحدا غير الجهمية يسأل عن ربه فيقول: في كل مكان! كما يقولون، وهم يدّعون أنهم أفضل الناس كلّهم، فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى جهمٌ وحده وخمسون رجلا معه! نعوذ بالله من مضلات الفتن»([30]).

قال ابن تيمية رحمه الله: «وابن كلاب أحدث ما أحدثه لما اضطره إلى ذلك من دخول أصل كلام الجهمية في قلبه، وقد بين فساد قولهم بنفي علو الله ونفي صفاته، وصنف كتبًا كثيرة في أصل التوحيد والصفات، وبين أدلة كثيرة عقلية على فساد قول الجهمية، وبين فيها أن علو الله على خلقه ومباينته لهم من المعلوم بالفطرة والأدلة العقلية القياسية، كما دل على ذلك الكتاب والسنة»([31]).

4- ابن قتيبة (276هـ):

يقول رحمه الله: «والأمم كلها -عربيها وعجميها- تقول: إن الله تعالى في السماء؛ ما تُركت على فطرها ولم تُنقل عن ذلك بالتعليم»([32]).

5- ابن أبي شيبة (297هـ):

قال رحمه الله: «وأجمع الخلق جميعا أنهم إذا دعوا الله جميعا رفعوا أيديهم إلى السماء، فلو كان الله عز وجل في الأرض السفلى ما كانوا يرفعون أيديهم إلى السماء وهو معهم في الأرض»([33]).

6- أبو الحسن الأشعري (324هـ):

يقول: «ورأينا المسلمين جميعًا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السموات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش»([34]).

7- ابن عبد البر (463هـ):

يقول: «ومن الحجة أيضًا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربَهم أمر ونزلت بِهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربَّهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم»([35]).

8- ابن قدامة (620هـ):

قال: «إن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم، لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أو مفتون بتقليده واتباعه على ضلالته»([36]).

9- ابن القيم (751هـ):

يقول رحمه الله في النونية:

وإِلَيْهِ آمالُ العِبَادِ توجَّهَتْ … نَحْوَ العُلُوِّ بِلَا تَواصٍ ثانِ

بَلْ فِطْرَةُ اللهِ الَّتي لَمْ يُفْطَرُوا … إلا عَلَيْهَا الخَلْقُ وَالثَّقَلَانِ

ونظِيرُ هَذَا أنَّهُمْ فُطِرُوا عَلَى … إِقرَارِهِم لَا شَكَّ بالدَّيَّانِ

لَكِنْ أولُو التَّعْطِيلِ مِنهُمْ أصْبَحُوا … مَرْضَى بِدَاءِ الجَهْلِ وَالخِذْلَانِ([37])

10- ابن أبي العز الحنفي (792هـ):

يقول رحمه الله: «وأما ثبوته بالفطرة فإن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء، ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله تعالى»([38]).

المبحث الثالث: الاعتراض على الاستدلال بالفطرة على علو الله تعالى:

اعترض البعض على هذا الاستدلال بعدة اعتراضات، منها:

الاعتراض الأول: ادّعاء أن هذا المعتقد إنما هو من عقائد الجاهلية لا الفطرة:

فقالوا: إن اعتقاد علو الله تعالى على خلقه في السماء عقيدة العرب المشركين في الجاهلية! شاهدُ ذلك قصة إسلام حصين والد عمران، حيث سأله النبي r: «كم إلها تعبد؟» فقال: ستة في الأرض، وواحد في السماء… الحديث([39]). قالوا: فكيف يكون هذا الاعتقاد دليلا على الإيمان وهو اعتقاد الجاهلية؟!([40]).

والجواب عن ذلك أن يقال: إن إيمان المشركين العرب بأن الله تعالى فوق السماء هو من القضايا المركوزة في الفطرة، فليس للعرب الجاهليين اختصاص بذلك، ما هو إلا كإقرارهم بباقي مقتضيات ربوبيته سبحانه، كالخلق والإحياء والإماتة والتدبير، ونحو ذلك مما جاء في مثل قول الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [العنكبوت: 61]([41]). فهل قال عالم قط: إن الإيمان بالربوبية من بقايا الجاهلية؛ لأنهم كانوا ينصّون على ربوبية الله تعالى؟!

الاعتراض الثاني: الاعتراض بقبلة الدعاء:

فقالوا: إن رفع الأيدي إلى السماء وتوجه القلوب إلى جهة العلو إنما كان من أجل أن السماء قِبلةُ الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، لا لأن الله في السماء فوق عباده، ثم هو منقوض بشرع السجود، ووضع الجبهة على الأرض مع أن الله ليس في جهة الأرض.

ويجاب عنه بأمور:

أولًا: منع أن تكون السماء قبلةَ الدعاء، فإن كون الشيء قبلة لا يعرف إلا من طريق الشرع، ولم يثبت في جعل السماء قبلة للدعاء كتاب ولا سنة، ولا قال به أحد من سلف الأمة، وهم لا يخفى عليهم مثل هذا الأمر.

ثانيًا: ثبت أن الكعبة قبلة الدعاء كما أنها قبلة الصلاة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل الكعبة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن ادَّعى أن للدعاء قبلة سوى الكعبة أو ادعى أن السماء قبلته كما أن الكعبة قبلة فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين.

ثالثًا: أن القبلة ما يستقبله العابد بوجهه كما يستقبل الكعبة للصلاة والدعاء والذكر والذبح ودفن الميت ونحو ذلك مما يطلب فيه استقبال القبلة؛ ولذا سميت القبلة وِجهة لاستقبالها الوجه، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجِّه الداعي وجهه إليها، لكنه لم يشرع، بل نهي عنه، وإنما شرع رفع اليدين، ورفع اليدين إلى السماء حين الدعاء لا يسمى استقبالًا لها شرعًا ولا لغة، ولا حقيقة ولا مجازًا.

رابعًا: أن الأمر باستقبال القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كالأمر باستقبال بيت المقدس في الصلاة نسخ بالأمر باستقبال الكعبة، ورفع الأيدي إلى السماء في الدعاء والتوجه بالقلب إلى جهة العلو أمر فطري مركوز في طبائع الناس، لم يتغير في جاهلية ولا إسلام، يضطر إليه الداعي عند الشدة والكرب، مسلمًا كان أم كافرًا.

خامسًا: أن من استقبل الكعبة لا يقع في قلبه أن الله هناك جهة الكعبة، بخلاف الداعي فإنه يرفع يديه إلى ربه وخالقه وولي نعمته، يرجو أن تنزل عليه الرحمات من عنده.

وأجيب عن نقضهم الاستدلال بالفطرة على أن الله فوق خلقه بما ذكروه من السجود، ووضع الجبهة على الأرض: بأنه باطل؛ فإن واضع الجبهة على الأرض في السجود إنما قصده الخضوع لله، وإعلان كمال ذل العبودية من الساجد لربه ومالك أمره، لا لأنه يعتقد أنه تحته فيهوي إليه ساجدًا، فإن هذا لا يخطر للساجد ببال، بل تنزه ربه عن ذلك، ولهذا شرع له أن يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، تعالى الله عن الظنون الكاذبة علوًا كبيرا([42]).

المبحث الرابع: هل المتكلمون في حيرة؟

المتأمل في تعليق ابن السبكي يجد أنه قد غضب جدًّا من وصف أبي المعالي نفسَه بالحيرة، وكأنه قد غفل عن نصوص أبي المعالي نفسِه وكذلك منصوص أبناء مذهبه في تقرير هذه الحالة النفسية التي أوقعوا أنفسهم فيها بمخالفة السلف في بعض معتقدهم، ومنها إثبات علو الله تعالى.

والأمر كما يقول ابن شيخ الحزاميين الشافعي (711هـ) رحمه الله: «ومن لا يعرف ربه بأنه فوق السماء على عرشه فإنه يبقى ضائعًا، لا يعرف وجهة معبوده، لكن ربما عرفه بسمعه وبصره وقِدمه، وتلك بلا هذا معرفة ناقصة، بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء»([43]).

حيرة أبي المعالي ومراجعاته:

ذكرت كتب التراجم مواقف أخرى قريبة مما ذُكر في قصة أبي جعفر، فمن ذلك: ما حكاه أبو سعد السمعاني: «وقرأت بخط أبي جعفر أيضا: سمعت أبا المعالي يقول: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهر، وركبت البحر الخضم العظيم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام منها، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن رجعت من الكل إلى كلمة الحق: عليكم بدين العجائز. فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على برهة أهل الحق، وكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني» يريد نفسه.

قال السمعاني: «وسمعت أبا روح الفرج بن أبي بكر الأرموي مذاكرة يقول: سمعت أستاذي غانم الموشيلي يقول: سمعت الإمام أبا المعالي الجويني يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام»([44]).

حيرة المتكلمين:

تواترت الأخبار عن كثير من المتكلمين وهم في أواخر عمرهم وفي سياق الموت قد أعلنوا حيرتهم، وأنهم رجعوا عما كانوا عليه.

فقد ذكر عن كثير منهم -خاصّة من كان حاذقًا منصفًا غرضه الحق- في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك؛ إذ لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حقّ محض. وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب، كما قال أبو المعالي وقت السياق: “لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه. والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي”([45]).

وكذلك أبو حامد في آخر عمره، استقرَّ أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار: أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل بالحديث: بالبخاري ومسلم.

وكذلك الشهرستاني، مع أنه كان من أخبر هؤلاء المتكلمين بالمقالات والاختلاف، وصنف فيها كتابه المعروف بـ”نهاية الإقدام في علم الكلام”، وقال: ” قد أشار علي من إشارته غنم وطاعته حَتم أن أذكر له من مشكلات الأصول ما أشكل على ذوي العقول، ولعله استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، لعمري:

لقد طفت المعاهد كلها … وسيَّرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر … على ذقن أو قارعا سن نادم

فأخبر أنه لم يجد إلا حائرا شاكًّا ومرتابًا، أو من اعتقد ثم ندم لما تبين له خطؤه. فالأول في الجهل البسيط كظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، وهذا دخل في الجهل المركب، ثم تبين له أنه جهل فندم، ولهذا تجده في المسائل يذكر أقوال الفرق وحججهم، ولا يكاد يرجح شيئًا للحيرة.

وكذلك الآمدي، الغالب عليه الوقف والحيرة. وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد، بل في الموضع الواحد منه ينصر قولا، وفي موضع آخر منه أو من كتاب آخر ينصر نقيضه؛ ولهذا استقر أمره على الحيرة والشك. ولهذا لما ذكر أن أكمل العلوم العلم بالله وبصفاته وأفعاله، ذكر أن على كل منها إشكال([46]).

المبحث الخامس: ضوابط منهجية من رحم السجال:

يبرز من خلال هذا السجال وما تبعه من ردود أفعال حوله وحول دليل الفطرة أمور مهمة، ومنها:

الأول: أن الشرع يكمّل الفطرة، والدليل الشرعي يكمّل الدليل الفطري:

يقول ابن تيمية رحمه الله: «… وقال: حيّرني الهمذاني! حيّرني الهمذاني! ونزل؛ وذلك لأن نفس استوائه على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ عُلم بالسَّمع الذي جاءت به الرسل، كما أخبر به في القرآن والتوراة، وأما كونه عاليًا على مخلوقاته بائنًا منهم فهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرة الضرورية التي يشترك فيها بنو آدم، وكلّ من كان بالله أعرف وله أعبد ودعاؤه له أكثر وقلبه له أذكر كان علمه الضروريّ بذلك أقوى وأكمل؛ فالفطرة مكمَّلةٌ بالشِّرعة المنزَّلة؛ إذ الفطرة تعلم الأمر مجملًا، والشّرعة تفصِّله وتبيِّنُهُ وتتمِّمُهُ بما لا تستقلُّ الفطرة به»([47]).

فالفطرة التي فطر الله عليها عباده والعلوم الضرورية التي جعلها في قلوبهم توافق ما أخبر به الرسول من علو الله على خلقه ونحو ذلك، فالمعقول الضروري الذي هو أصل العلوم النظرية موافق للأدلة الشرعية، مصدّق لها، لا مناقض معارض لها([48]).

الثاني: إذا حصل النزاع حول ماهية الفطرة وادَّعاها كل فريق فإنه يتحاكم إلى النص:

ففي بعض حالات السجال العقدي ينبري كل فريق إلى تعضيد مذهبه بالفطرة، سواءً إثباتًا أو تعطيلًا، فكان المرجع حين التنازع أن يستند إلى أمر متَّفق عليه، وهو نصوص الوحي، فهي المرجع، وكما قررنا قبل ذلك أن الشرع يكمِّل الفطرة، وأن الدليل الشرعي يكمِّل الدليل الفطري، فعلى الجميع أن يسلّم بهذا.

يقول ابن تيمية: «إذا تنازع الناس وادَّعى كل فريق أن قولنا هو الذي تشهد به الفطر السليمة لم يفصل بينهم إلا ما يتفقون على صدق شهادته؛ إما كتاب منزل من السماء يحكم بينهم، وإما شهادة فِطَر تقرّ الطائفتان أنها صحيحة الإدراك صادقة الخبر، فلا يحكم بين المتنازعين إلا حاكم يسلمان لحكمه»([49]).

الثالث: أن التقليد المذموم قد يشوّه معالم الفطرة النقية:

وهذا يظهر جدًّا في موقف أبي المعالي، فلما رد إلى فطرته صرخ، ووجد نداء الفطر أعلى مما عنده من علم شبهات كلامية، وإن كان قد تراجع رحمه الله عن ذلك في آخر الأمر.

«وكلُّ هؤلاء تجد نفسَه مضطربة في هذا الاعتقاد؛ لتناقضه في نفسه، وإنما يُسَكّن بعض اضطرابه نوعُ تقليد لمعظَّم عنده، أو خوفه من مخالفة أصحابه، أو زعمه أن هذا من حكم الوهم والخيال دون العقل. وهذا التناقض في إثبات هذا الموجود الذي ليس بخارجٍ عن العالم ولا هو العالم الذي تردّه فطرهم وشهودهم وعقولهم غير ما في الفطرة من الإقرار بصانعٍ فوق العالم، فإن هذا إقرار الفطرة بالحقّ المعروف، وذاك إنكار الفطرة للباطل المنكر»([50]).

الرابع: دليل الفطرة يقدَّم على الدليل النظري الذي قد يُوهم نفي العلو:

وهذا ما يفهم من كلام أبي جعفر، فـ «مضمون كلامه: أن دليلك على النفي لو صح فهو نظري، ونحن نجد عندنا علما ضروريا بهذا، فنحن مضطرون إلى هذا العلم، وإلى هذا القصد، فهل عندك من حيلة في دفع هذا العلم الضروري والقصد الضروري الذي يلزمنا لزوما لا يمكننا دفعه عن أنفسنا، ثم بعد ذلك قرر نقيضه»([51]).

كما أن الأدلة النظرية قد تؤوَّل وتحمل على معان بعيدة لقرائن يراها نفاة علو الله تعالى، وهي في حقيقتها واهية، وليست قرينة صالحة لصرفِهِ عن المعنى الظاهر المستقر المتواتر في نصوص الوحي قرآنًا وسنة؛ بخلاف الفطرة الصريحة، فإنها لا يؤوّلها متأولٌ، وهي تحكي ضرورة يجدها العبد تجاه ربه وخالقه وفاطر السموات والأرض ومدبر شؤون العالم العلوي والسفلي.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: العرش للذهبي، 1/ 153.

([2]) الانتصار لأهل الأثر، ص: 66، ومنهاج السنة النبوية، 2/ 642، وبيان تلبيس الجهمية، 1/ 50-54، 4/ 518، والاستقامة 1/ 167، ومجموع الفتاوى 3/ 220.

([3]) سير أعلام النبلاء، 18/ 474-475، والعرش، 1/ 153، والعلو للعلي الغفار، ص: 259، وتاريخ الإسلام، 10/ 427. وقال في تاريخ الإسلام 32/ 238: “وقد أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه وغيره في كتابهم، عن الحافظ عبد القادر الرهاوي، أن الحافظ أبا العلاء ‌الهمذاني أخبره، قال: أخبرني أبو جعفر ‌الهمذاني الحافظ…”، وقال في العلو: “قال أبو منصور بن الوليد الحافظ في رسالة له إلى الزنجاني، أنبأنا عبد القادر الحافظ بحران، أنبأنا الحافظ أبو العلاء، أنبأنا أبو جعفر…”.

([4]) اجتماع الجيوش الإسلامية 275، وسير أعلام النبلاء، 18/ 474، 20/ 102.

([5]) طبقات الشافعية 5/ 190، واستنكرها وسيأتي نقاش ذلك.

([6]) شرح الطحاوية، 2/ 390.

([7]) ينظر: التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، 1/ 48.

([8]) سير أعلام النبلاء، 20/ 101.

([9]) ينظر: قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، 4/ 106.

([10]) ينظر: المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور، ص: 362، وسير أعلام النبلاء، 18/ 468- 475.

([11]) ينظر: الانتصار لأهل الأثر، ص: 86-88.

([12]) طبقات الشافعية الكبرى 5/ 190.

([13]) الانتصار لأهل الأثر، ص: 66.

([14]) طبقات الشافعية الكبرى 5/ 191.

([15]) طبقات الشافعية الكبرى 5/ 191.

([16]) طبقات الشافعية الكبرى 5/ 191.

([17]) يظهر توقيع محمد المظفري على العديد من الأجزاء الحديثية، والظاهر أنه كان نسَّاخًا، وكان له اهتمام بسماع الأجزاء الحديثية، ومن أبناء القرن العاشر؛ ففي مسند بلال بن رباح رضي الله عنه لأبي عليّ الزعفراني -وهو منشور بمجلة البحوث الإسلامية، 14/ 233-: قرأ محمد المظفري جميع هذا الجزء على سيدنا الشيخ بدر الدين محمد بن المحبّ، أنا شيخ الإسلام أحمد بن حجر بسنده فيه. سمعه الشيخ العلامة جلال الدين البلبيسي، وأجاز المسمع بتاريخ ثالث وعشرين ربيع الثاني من اثني عشر وتسع مئة. وينظر أيضًا: جزء لؤلؤ، ص: 17، وجزء حديث: «إن أولى الناس بي أكثرهم عليَّ صلاة»، لابن حجر، ص: 13.

([18]) ينظر: تاريخ الإسلام، 32/ 236.

([19]) ينظر: تاريخ الإسلام، 32/ 238.

([20]) درء تعارض العقل والنقل، 6/ 243-244.

([21]) ذكرها الشيخ صالح آل الشيخ في إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل، -النسخة الإلكترونية المفرغة-.

([22]) ينظر: مجموع الفتاوى 5/ 288-289.

([23]) النصيحة في صفات الرب جل وعلا: وتتضمن عقيدة الإمام عبد الله بن يوسف الجويني، ص: 48.

([24]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 7/ 138-139.

([25]) رواه مسلم (537).

([26]) رواه مسلم (179).

([27]) أخرجه أبو داود في المسائل ص: 268.

([28]) العرش 2/ 262.

([29]) ينظر: العلو، ص: 157.

([30]) ينظر: بيان تلبيس الجهمية، 1/ 91، نقله عن كتاب الصفات لابن فورك. وينظر: المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين، د. محمد زريوح، 2/ 793.

([31]) شرح حديث النزول، ص: 172.

([32]) تأويل مختلف الحديث، ص: 252.

([33]) كتاب العرش لابن أبي شيبة، ص: 291.

([34]) الإبانة عن أصول الديانة، ص: 107.

([35]) التمهيد، 7/ 134.

([36]) ينظر: درء تعارض العقل والنقل، 6/ 258.

([37]) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، 1/ 136-138.

([38]) شرح الطحاوية، 2/ 390.

([39]) أخرجه الترمذي (3483)، وقال: “هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه”.

([40]) انظر: فتح المعين بنقد الأربعين للغماري، ص: 28، وتعليقه على التمهيد، 7/ 135، والمعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين، 2/ 779.

([41]) المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين، 2/ 793.

([42]) ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، 2/ 392-394، ومجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، ص: 8-9، ومنهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين، رسالة الماجستير، أحمد عسيري، ص: 116-119.

([43]) النصيحة في صفات الرب جل وعلا: وتتضمن عقيدة الإمام عبد الله بن يوسف الجويني، ص: 48.

([44]) ينظر: تاريخ الإسلام، 10/ 426-427، وطبقات الشافعيين، لابن كثير ص: 468، ومناقب الإمام الشافعي، لابن قاضي شهبة، ص: 510.

([45]) ينظر: منهاج السنة النبوية، 5/ 269.

([46]) ينظر: منهاج السنة النبوية، 5/ 268-271، وفيات الأعيان، لابن خلكان 2/ 161، العقود الدرية في مناقب ابن تيمية، ص: 89، العلو للعلي الغفار، ص: 258، الوافي بالوفيات، للصفدي، 12/ 253، العواصم والقواصم، لابن الوزير، 1/ 15، جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، للألوسي، ص: 159.

([47]) الانتصار لأهل الأثر، ص: 67.

([48]) درء تعارض العقل والنقل 5/ 312.

([49]) درء تعارض العقل والنقل، 7/ 43.

([50]) الانتصار لأهل الأثر، ص: 87.

([51]) منهاج السنة النبوية، 2/ 642-642.

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017