لماذا لا نقبل كرامات الصوفية؟ خروج يد النبي صلى الله عليه سلم للرفاعي أنموذجًا
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
تمهيد:
إذا كان أهل السنة يثبتون كرامات الأولياء ولا ينفونها -خلافا للمعتزلة وأفراخهم من العقلانيين المعاصرين- فإن الصوفية في المقابل ينطلقون من هذا لتمرير كل ما يروونه من حكايات منكرة عن شيوخهم؛ بحجة أنها من الكرامات الواجب تصديقها، بل ويتَّهمون منكري هذه الحكايات بالبدعة والاعتزال ومعاداة الأولياء والصالحين، أو ربما اتهموه بالتشكيك في قدرة الله تعالى.
فباسم الكرامات يتمّ إضفاء صفات الألوهية والربوبية وخصائص النبوة على شيوخ الطرق. ولا شك أن الصوفية قد تأثروا في هذا المسلك بالأمم الأخرى؛ مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: «فَمَنْ؟!»([1]).
وقد نقل الفيلسوف أبو الريحان البيروني (ت: 440هـ) عن فلاسفة الهند كثيرًا من اعتقادات الصوفية، فقال: “قال صاحب كتاب (باتنجل): إفراد الفكرة في وحدانية الله يشغل المرء بالشعور بشيء غير ما اشتغل به، ومن بلغ هذه الغاية غلبت قوته النفسية على قوته البدنية، فمنح الاقتدار على ثمانية أشياء بحصولها يقع الاستغناء.. أحدها: التمكن من تلطيف البدن حتى يخفى عن الأعين، والثاني: التمكن من تخفيفه حتى يستوي عنده وطء الشوك والوحل والتراب، والثالث: التمكن من تعظيمه حتى يريه في صورة هائلة عجيبة، والرابع: التمكن من الإرادات، والخامس: التمكن من علم ما يروم، والسادس: التمكن من الترؤس على أية فرقة طلب، والسابع: خضوع المرؤوسين وطاعتهم، والثامن: انطواء المسافات بينه وبين المقاصد الشاسعة. وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة أنه يحصل له روحان: قديمة لا يجري عليها تغير واختلاف، بها يعلم الغيب ويفعل المعجز، وأخرى بشرية للتغير والتكوين. ولا يبعد عن مثله أقاويل النصارى”([2]).
فما حكاه البيروني عن فلاسفة الهند وروحانييهم هو بعينه ما عليه الصوفية من دعوى الكرامات، وهي كذلك ما عليه النصارى.
فمن تأمَّل الخوارق التي يحكيها النصارى والبوذيون والهندوس وأمثالهم من الأمم التي يسيطر فيها الأحبار والرهبان على عقول العامة، ويوهمونهم أنهم يتحكمون في قوى الطبيعة، ومتجاوزون لنواميس الكون التي خلق الله تعالى هذا الكون على أسسها؛ وجد أنها تشبه تمامًا ما يحكيه الصوفية عن مشايخهم وأئمتهم، فالصوفية هم أكثر الناس اعتمادًا على الحكايات العجيبة والغريبة التي يروونها عن رجالهم ومتبوعيهم؛ استنادًا على الكرامات التي توسَّعوا فيها توسّعًا تأباه سنن الله في خلقه وشرعه.
ولا شكّ أن كثرة هذه الحكايات المنافية للعقول أسهم في تشكيل العقلية الخرافية التي كانت سببًا رئيسيّا في ما آلت إليه الأمة من تراجع وانحطاط، وتسلّط لأعدائها عليها.
يحكي الأستاذ رشيد رضا -رحمه الله- عن أهل بخارى أنهم لما “أُنْذِرُوا هجمة روسيا عليهم، فلم يعدّوا لها ما يستطيعون من قوة، بل هزِئوا بذلك وسخروا، وقالوا: إن بلادنا في حماية شاه نقشبند! (هو الولي الذي تعزى إليه الطريقة النقشبندية) فلما زحف عليهم جيش الروس لم يملكوا من نجدة هذا الولي لهم شيئًا، بل انقلبوا على أعقابهم خاسرين، وخسروا استقلالهم وما كانوا معتبرين”([3]).
ويحكي أيضا أنه لما أَنذر أهل المغرب الأقصى من احتلال فرنسا لبلادهم، وأن واجبهم تنظيم صفوفهم وإعداد القوة اللازمة لمواجهة الفرنسيين، صدهم أصحاب الطرق عن ذلك بحجة حماية (مولاي إدريس) لفاس، وأنه لا يستطيع الفرنسيون احتلالها، والنتيجة الطبيعية لذلك استيلاء فرنسا على بلادهم، بل “وظهر أن أكبر مشايخ الطريق نفوذا ودعوى للكرامات بالباطل كالتيجانية كانوا وما زالوا من خدمة فرنسة ومساعديها على فتح البلاد، واستعباد أهلها أو إخراجهم من دين الإسلام إلى الإلحاد أو النصرانية من حيث يدرون أو لا يدرون”([4]).
وكان لهذه الصورة الخرافية التي روجتها الصوفية أثر في غاية السوء، تمثل في تنفير قطاعات واسعة من المسلمين -خاصة من النخب المثقفة- عن التدين الذي ربطوا بينه وبين الخرافة، دون تمييز بين التدين الصحيح والتدين البدعي المنحرف، وهي نفس الآفة التي حدثت للغربيين الذين تمردوا على الدين الباطل المحرَّف الذي يتعارض مع العقل والعلم، ويكرس للكهنوت وعصمة الباباوات، فرأت الحل في نبذ الدين بالكلية والدعوة للعلمانية.
ولذلك قال من قال من السلف: “البدعة بريد الكفر”، فالانحراف عن منهج الأنبياء يبدأ صغيرًا، ومع مرور الزمن يزداد بعدًا عن الصراط المستقيم، حتى يخرج عن الدين الحنيف بالكلية -والعياذ بالله-.
والغرض المقصود في هذه الورقة العلمية: تفكيك هذا الربط بين إيمان المسلم بكرامات الأولياء -كما دل على ذلك الدليل الصحيح من المعقول والمنقول- وتصديقه بهذه لخرافات المنافية للعقل والنقل، مع كون أكثرها يروى بلا أسانيد صحيحة، وقد جعلتها في ثلاثة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: مقدمة تتضمن ملخص مذهب أهل السنة في الكرامات:
أولا: تعريف الكرامة:
الكرامة لغة: مشتقة من (الكَرَم) وهو ضد اللؤم، قال الزبيدي: “الكَرَمُ: مثل الحرية، إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة، والكَرَمُ لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة، كإنفاق مال في تجهيز غزاة، وتَحَمُّلِ حمالة يُوقَى بِهَا دَمُ قوم، وقيل: الكَرَمُ: إفادة ما ينبغي لا لغرض، فمن وهب المال لجلب نفع أو دفع ضر، أو خلاص من ذم فليس بكريم”([5]).
والكرامة اصطلاحا: هي “ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوة، فما لا يكون مقرونًا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجًا، وما يكون مقرونًا بدعوى النبوة يكون معجزة”([6]).
وعرفها القشيري بقوله: “فعل ناقض للعادة في أيام التكليف، ظاهر على موصوف بالولاية، في معنى تصديقه في حاله”([7]).
والكرامة في لسان الشرع لا تختص بخوارق العادات، بل أعظم ما يكرم الله تعالى به عبده أن يهديه لمعرفة الحق والعمل به، قال تعالى ﴿وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكرِمٍ﴾ [الحج: 18]. فالاستقامة أعظم كرامة، وأعظم الكشف أن يكشف للعبد عن الحق، وأن يلهم الصواب.
وأما الخوارق التي تظهر على يد الأوْلياء فإنها تسمى في القرآن بالآيات، كما قال تعالى في كرامة أصحاب الكهف: ﴿وَتَرَى ٱلشَّمسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهفِهِم ذَاتَ ٱليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقرِضُهُم ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُم فِي فَجوَة مِّنهُ ذَٰلِكَ مِن ءَايَٰتِ ٱللَّهِ﴾ [الكهف: 17].
ومقصدنا هنا بالكرامات: المعنى الاصطلاحي، وهي التي تتضمن خرق العادة.
ثانيًا: موقف أهل السنة من ثبوت الكرامات:
أهل السنة يثبتون الكرامات بمعنى الخوارق في الجملة، سواء في ذلك الخوارق التي هي من جنس القدرة والتأثير، أو من جنس العلوم والمكاشفات.
فمن أمثلة الأول وأدلته:
1- قصة أصحاب الكهف.
2- ما ذكره الله من مجيء الرزق لمريم لا من بشر، وكذا إنبات الرطب وإجراء النهر لها. وهذا على القول بأنها ليست نبية.
3- قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وسدت عليهم باب الغار([8]).
4- ما ثبت في صحيح مسلم في قصة الغلام والراهب ورمي الغلام الدابة بالحجر فقتلها([9]).
5- قصة جريج العابد، وتكلم الطفل في المهد تبرئة له([10]).
6- حديث أسر خبيب بن عدي -رضي الله عنه- وقول المرأة التي كان محبوسًا في بيتها: “واللَّهِ ما رَأَيْتُ أسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِن خُبَيْبٍ، واللَّهِ لقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ في يَدِهِ وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحَدِيدِ، وما بمَكَّةَ مِن ثَمَرٍ، وكَانَتْ تَقُولُ: إنَّه لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا”([11]).
ومن أمثلة الثاني وأدلته:
7- قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسيد بن حضير: «تِلكَ المَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ ما تَسْتَتِرُ منهمْ»([12]).
8- ما ثبت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه بعث سريَّة، فاستعمل عليهم رجلًا يقال له: سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة، فقال: “يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ”، فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة، وبينهما مسيرة شهر”([13]).
والأدلة على ذلك كثيرة متواترة.
قال الإمام الطحاوي -رحمه الله-: “ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم”([14]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة”([15]).
ثالثًا: أهل السنة وسط في باب الكرامات:
أهل السنة في هذا الباب -كسائر أبواب الاعتقاد- وسط بين أهل البدع، فهم في مسألة الكرامات وسط بين المعتزلة والعقلانيين المعاصرين من جانب، والأشاعرة والصوفية من جانب آخر.
فالمعتزلة نفوا حدوث خوارق العادات على أيدي الأولياء؛ بحجة عدم اشتباه النبي بالولي؛ فإن المعجزة هي الدليل على النبوة، واشتراك غير النبي فيها ينفي اختصاصها بالدلالة على النبوة([16]).
وممن قال بذلك للأسف: الأمير الصنعاني في رسالته (الإنصاف في حقيقة الاولياء وما لهم من الكرامات والألطاف).
وأما الأشاعرة والصوفية فجوزوا حدوث الخوارق على يد النبي والولي والسحرة والكهان والمشعوذين، ولكن فرقوا بينها بأن المعجزة يقترن بها ادعاء النبوة، خلافا للكرامة. وعلى هذا لا فرق بين ما يقع على يد النبي والولي من الخوارق سوى ادعاء النبوة؛ ولهذا قال أكثرهم: كل ما جاز وقوعه معجزة لنبي جاز وقوعه كرامة لولي، وإن أنكر ذلك بعضهم كالقشيري في الرسالة، وابن السبكي، والحافظ ابن حجر، وهو ظاهر قول الباقلاني كما سنذكر قريبا.
وسبب الاشتباه -والله أعلم- هو في عدم التفريق بين أنواع الخوارق؛ إذ لما جوزوا أن تقع جميع معجزات الأنبياء كراماتٍ للأولياء بل ومخاريق للمشعوذين والدجالين والسحرة؛ ترتب على ذلك اشتباه النبي بغيره، وهذا باطل بلا شك؛ فإنه يبطل النبوة رأسا، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول: “هذا القول فاسد، بل نفس تصوّره كاف في العلم بفساده، فإنه إذا تماثل هذا وهذا من كل وجه فمن أين يعلم وجود هذا أو وجوبه، وعدم هذا أو امتناعه؟!”([17]).
والمعتزلة رأوا أن الخروج من هذا الإشكال يكون بنفي الخوارق إلا للأنبياء. وأما الأشاعرة فقالوا بعدم الاشتباه؛ لأن المعجزة يقترن بها ادعاء النبوة، بخلاف الكرامة والسحر والشعوذة. وهذا عند التأمل ليس بشيء؛ فإنه استدلال بالشيء على نفسه.
وحل الإشكال في التفريق بين أنواع جنس الخوارق، فالخارق قد يقع على يد النبي والولي والساحر، ولكن نوع ما يحدث لكل واحد منهم مختلف عن الآخر؛ ولذا سمى الله تعالى معجزات الأنبياء (الآيات) كما في قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِن ءَايَٰتِنَا﴾ [الإسراء: 1]، وقوله تعالى: ﴿بِـَٔايَٰتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلغَٰلِبُونَ﴾ [القصص: 35].
قال الدكتور محمد سليمان الأشقر: “كرامات الأولياء بخرق العادات ثابتة، إلا أنها لا ترقى إلى مثل وجود ولد دون والد، وقلب جماد بهيمة. وممن قال بهذا القول القشيري وابن السبكي وابن حجر العسقلاني. ويظهر أن الباقلاني يقول به في كتابه في التفريق بين المعجزات والكرامات، حيث يرى أن السّحرة يقدرون على كل ما يقدر عليه الأنبياء، ما عدا ما أُجمع على أنهم لا يقدرون عليه، كإخراج ناقة من صخرة، وفلق البحر، وآيات موسى التسع. وإنما يقدرون على نحو الطيران في الهواء، وموت المسحور وحبّه أو بغضه. فيظهر أن قوله في خوارق الأولياء مثل ذلك”([18]).
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: “وما يأتي به السحرة والكهان يمتنع أن يكون آيةً لنبيّ، بل هو آية على الكفر، فكيف يكون آيةً للنبوّة وهو مقدور للشياطين؟! فما يكون للسحرة والكهان لا يكون من آيات الأنبياء، بل آيات الأنبياء مختصة بهم. وأما كرامات الأولياء فهي أيضًا من آيات الأنبياء؛ فإنّها إنّما تكون لمن يشهد لهم بالرسالة، فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوّة. وأيضًا فإنّ كرامات الأولياء معتادةٌ من الصالحين، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك؛ فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن وانقلاب العصا حيّة وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للأولياء، وكذلك خلق الطير من الطين، ولكنّ آياتِهم صغارٌ وكبارٌ؛ كما قال الله تعالى: ﴿فَأَرَىٰهُ ٱلآيَةَ ٱلكُبرَىٰ﴾ [النازعات: 20] فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة، وقال عن نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم: ﴿لَقَد رَأَىٰ مِن ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلكُبرَىٰ﴾ [النجم: 18]. فالآيات الكبرى مختصة بهم. وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين؛ مثل تكثير الطعام، فهذا قد وجد لغير واحدٍ من الصالحين، لكن لم يوجد كما وجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه أطعم الجيش من شيء يسير. فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم، لكن لا يماثلون في قدره؛ فهم مختصون إمّا بجنس الآيات فلا يكون لمثلهم؛ كالاتيان بالقرآن، وانشقاق القمر، وقلب العصا حية، وانفلاق البحر، وأن يخلق من الطين كهيئة الطير؛ وإمّا بقدرها وكيفيتها؛ كنار الخليل؛ فإنّ أبا مسلم الخولاني وغيره صارت النار عليهم بردًا وسلامًا، لكن لم تكن مثل نار إبراهيم في عظمتها كما وصفوها، فهو مشاركٌ للخليل في جنس الآية؛ كما هو مشارك في جنس الإيمان محبة الله وتوحيده. ومعلومٌ أنّ الذي امتاز به الخليل من هذا لا يماثله فيه أبو مسلم، وأمثاله”([19]).
رابعًا: الصوفية أعظم الناس غلوًّا في هذا الباب:
من أعظم الأبواب التي غلا فيها كثير من الصوفية هو (الكرامات) إذ أكثروا من دعواها، وحكايتها، والمبالغة فيها جدًّا حتى أخرجوها عن إطار المعقول وما يمكن تصديقه. ثم صار هذا الغلو مدخلا ومبررًا لكثير من العقائد الفاسدة، كدعاء الأموات، والاستغاثة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله، وطلب شفاعتهم، والتبرك بأضرحتهم وتراب قبورهم والطواف حولها، كما هو مشاهد معلوم إلى يومنا هذا، وكل هذا بحجة (كرامات الأولياء)!
وكل من ينكر هذه العقائد الفاسدة والبدع المحدثة يُتهم بأنه يعادي الأولياء وينكر كراماتهم، وقد عبر الشيخ محمد رشيد رضا عن معاناته مع أمثال هؤلاء فقال: “فإذا ذكر بدع القبوريين ومنكراتهم التي تعد بالعشرات والمئات صاحوا في وجهه: إنك تنكر زيارة القبور وكرامات الأولياء! وإذا أنكر خرافات مشايخ الطريق التي قلبوا بها الدين رأسًا على عقب هاجوا عليه العامة: هذا مبتدع، أو معتزلي، أو وهابي ينكر كرامات الأولياء. فبحماية كرامات الأولياء التي توسعوا فيها توسعًا تأباه سنن الله في خلقه وشرعه لهداية عباده يبيحون لأهل الطرق ولغيرهم من الدجالين والمعتوهين مئات من الخرافات المنفرة عن الدين، المشوهة لوجهه الجميل”([20]).
ولذا من المهم هنا بيان ضوابط قبول الكرامات، وما يقبل منها وما لا يقبل، وهذا ما سنبينه في المبحث الثاني من هذه الورقة.
المبحث الثاني: ضوابط قبول الكرامات وموجبات ردها:
تتلخَّص ضوابط الكرامات فيما يلي:
أولا: صلاح من وقعت منه أو له:
وذلك بأن تقع على يد ولي من الأولياء الصالحين، الملتزمين بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَولِيَاءَ ٱللَّهِ لَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ * ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 62، 63].
والمخاريق قد تقع لأولياء الرحمن، كما تقع لأولياء الشيطان من الكفرة والسحرة والدجاجلة، عونًا من الشيطان لهم، وفتنة واختبارًا من الله للعباد.
وكم نرى ونسمع عن أخبار الرهبان النصارى وما يقع لبعضهم من خوارق، وكذلك ما يقع لبعض الرهبان الهندوس والبوذيين الذين يعذبون أنفسهم بالنار وأنواع العذاب الشديدة والتي لا تؤثر فيهم.
وأعظم دليل على ذلك أحاديث الدجال، وهي أحاديث متواترة، وقد ذُكِر فيها أن الله تعالى يجري على يديه عددا من الخوارق الظاهرة، ومع ذلك هو من أكفر الخلق وأعظمهم فتنة.
وكذلك نجزم بوجود السحر، وكونه حقا وله تأثير بإذن الله تعالى، كما دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ومع ذلك فالساحر من أكفر الناس وأفسقهم.
قال الشاطبي -رحمه الله-: “ليس كل ما يظهر على يدي الإنسان من الخوارق بكرامة، بل منها ما يكون كذلك، ومنها ما لا يكون كذلك. وبيان ذلك بالمثال أن أرباب التصريف بالهمم والتقربات بالصناعة الفلكية والأحكام النجومية قد تصدر عنهم أفاعيل خارقة، وهي كلها ظلمات بعضها فوق بعض”([21]).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: “خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء، كما يقع للصديق بطريق الكرامة والإكرام، وإنما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة”([22]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “في أصناف المشركين من مشركي العرب ومشركي الهند والترك واليونان وغيرهم من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة؛ ولكن ليس بمتبع للرسل، ولا يؤمن بما جاءوا به ولا يصدقهم بما أخبروا به، ولا يطيعهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء لله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين، وتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين”([23]).
وقال أيضا: “وهذه الأمور الخارقة للعادة -وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله- فقد يكون عدوًا لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين. فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة”([24]).
فمن موجبات رد الكرامة: حكايتها عن المعروفين بالزندقة، والوقوع في المحرمات والفواحش وأمثالهم، فهؤلاء لو ثبت وقوع الخارق لهم ما اعتبرناها كرامة، بل تكون من الشيطان يغوي بها العباد.
ثانيا: عدم مخالفة الكرامة للشرع:
إذا كانت الكرامة المدَّعاة متضمنة لما يخالف الشرع فإن ذلك علامة على بطلانها وهو من موجبات ردها؛ فإن سبب الكرامة هو الولاية، وركنا الولاية: الإيمان والتقوى، وسبيلها: المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل، فكيف تكون الكرامة متضمنة لما يخالف الشرع؟!
فحكايات الزنا وبيع الحشيش وتعاطيه وإتيان البهائم التي يتم ذكرها على أنها كرامات لأصحابها يجب ردها والجزم بأنها -حال ثبوتها- لا يمكن أن تكون كرامة من الله تعالى. وكذلك الشطحات والطوام المحكية عن بعض الشيوخ، والمتضمنة للدعاوى العريضة، وتجاوز مقام العبودية، لا يمكن أن تكون من الكرامات التي يكرم الله بها عباده، بل غايتها أن تكون من جنس الكلام الذي يصدر عن السكران والذاهل عن كلامه، ومثل هذا يطوى ولا يروى.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “قد لبَّس إبليس على قوم من المتأخرين، فوضعوا حكايات في كرامات الأولياء ليشيدوا -بزعمهم- أمر القوم؛ والحق لا يحتاج لتشييد بباطل”. ثم ساق قصة تُروى عن سهل بن عبد الله فيها أن أحد الأولياء اشترط عليه أن يرمي ما معه من الزاد حتى يعطيه نور الولاية، فتكون له خوارق العادات، ففعل، إلى أن قال سهل: فغشيني نور الولاية! ثم علَّق ابن الجوزي بقوله: “ويدل على أنها حكاية موضوعة قولهم: اطَّرِحْ ما معك؛ لأن الأولياء لا يخالفون الشرع، والشرع نهى عن إضاعة المال”([25]).
ولذلك لم يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حمل الجن لبعض الناس لتطير بهم ويحجون في عرفة دون إحرام من الميقات ولا إتمام لمناسك الحج من الكرامات، وإنما هي من خوارق الشياطين لأوليائهم([26]).
وقال الشاطبي -رحمه الله-: “مخالفة الخوارق للشريعة دليل على بطلانها في نفسها، وذلك أنها قد تكون في ظواهرها كالكرامات، وليس كذلك؛ بل من أعمال الشيطان. كما يُحكى عن عبد القادر الجيلاني أنه عطش عطشًا شديدًا، فإذا سحابة قد أقبلت وأمطرت عليه شبه الرذاذ حتى شرب، ثم نودي من سحابة: يا فلان، أنا ربك، وقد أحللت لك المحرَّمات، فقال له: اذهب يا لعين. فاضمحلت السحابة. وقيل له: بِمَ عرفت أنه إبليس؟ قال: بقوله: قد أحللت لك المحرَّمات. هذا وأشباهه لو لم يكن الشرع حَكَمًا فيه لما عرف أنها شيطانية”([27]).
ثالثا: أن لا تكون ممتنعة شرعا أو عقلا:
فإذا كانت الكرامة ممتنعة شرعا أو عقلا وجب ردها، ومعنى الإمكان العقلي هنا لا ينحصر في الإمكان الذهني، وأعني به: عدم العلم بالامتناع، وإنما يشمل الإمكان الخارجي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “ومن استدل على إمكان الشيء بأنه لو قدر لم يلزم منه محال من غير بيان انتفاء لزوم كل محال، كما يفعله طائفة من أهل الكلام كالآمدي ونحوه لم يكن فيما ذكره إلا مجرد الدعوى. وأما العلم بإمكان الشيء في الخارج، فهذا يعلم بأن يعلم وجوده، أو وجود نظيره، أو وجود ما هو أقرب إلى الامتناع منه، فإذا كان حمل البعير للقنطار ممكنا كان حمله لتسعين رطلا أولى بالإمكان”([28]).
وقد اعترف بعض كبار الصوفية المعاصرين -وهو الشيخ عبد الله الصديق الغماري- بغلو الصوفية في هذا الباب، حتى أوصلوا الأولياء لمقام الألوهية، فقال في رسالته (النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم) التي صنفها لرد الحكاية المخترعة كتقبيل الرفاعي ليد النبي صلى الله عليه وسلم: “لكن تغالى كثير من الناس في الأولياء، فرفعوهم إلى رتبة النبوة حينًا، وإلى رتبة الألوهية حينًا أخرى”([29]). ثم ذكر جملة من الكرامات التي يدعيها الصوفية عن شيوخهم، متجاوزين بهم مقام النبوة، وإيصالا لهم لمقام الألوهية، مثل الحكاية عن جلال الدين الرومي لما جاءه ناس يناقشونه في أمر الكرامات، فمرت جنازة، فقال لهم: كيف كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى؟ قالوا: يقول له: قم بإذن الله، فالتفت الرومي للميت: وقال له: قم بإذني! فقام الميت حيًّا([30]). فمثل هذا نقطع ببطلانه.
ومن أمثلة ما يدّعيه الصوفية من كرامات: دعوى اللقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فإن هذا ممتنع شرعا وعقلا من وجوه كثيرة، سنورد بعضا منها بعد قليل([31]).
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “وكُلُّ مَن قَالَ: إِنَّهُ رَأَى نَبِيًّا بِعَيْنِ رَأسِهِ، فَمَا رَأَى إِلا خَيَالًا”([32]).
ومن ذلك أيضا: دعوى لقاء الخضر يقظة كما يدعي كثير من شيوخ المتصوفة، فإن هذا معارض بقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفسٍ مَنفُوسةٍ اليومَ يأتِي عليْها مِائةُ سنةٍ وهِيَ يومَئِذٍ حيَّةٌ»([33]).
ومنها دعاوى علم الغيب: فإن هذا مما اختص الله تعالى به، كما قال تعالى ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلغَيبِ لَا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 59]، فلا يعلم المستقبل على وجه الجزم والتفصيل إلا الله تعالى، وغاية الواحد من الناس أن يتوقع الشيء في المستقبل معلقًا على مشيئة الله تعالى، أو أن يعلمه مجملًا كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم بعلامات الساعة وملاحم آخر الزمان، ومع ذلك لا تخرج عن كونها من مفاتيح الغيب.
ومن أمثلة ذلك: ما يحكيه الصوفية عن وجود الولي ببدنه في مكانين، في وقت واحد، فإن هذا مما يستحيل عقلا.
وقريب منه ما يحكونه عن تطور الولي، كما يحكي الشعراني في طبقاته عن الشيخ حسين أبي علي، فقال عنه: “كان هذا الشيخ -رضي الله عنه- من كُمَّل العارفين وأصحاب الدوائر الكبرى، وكان كثير التطورات، تدخل عليه بعض الأوقات تجده جنديًّا، ثم تدخل فتجده سبعًا، ثم تدخل فتجده فيلًا، ثم تدخل فتجده صبيًّا”([34]).
بل إن عالمًا كالسيوطي صنف في هذه المسألة رسالة سماها: (المنجلي في تطور الولي) للتدليل على ثبوتها ككرامة من كرامات الأولياء، وإمكانيتها وجوازها شرعا وعقلا، وجعلها تفسيرًا لما يروى عن بعض الأولياء من رؤيتهم في الوقت الواحد في مواضع متعددة بنفس أبدانهم!
ولذلك شنع عليه أحد مشاهير التصوف المعاصرين، وهو الشيخ المغربي أحمد بن الصديق الغماري، حيث قال عنه: “مخرف كبير، وجاهل بالتصوف”([35]).
والحقيقة أن هذه الخرافات التي انتصر لها السيوطي هي من تأثره بالصوفية، وتقليده لهم، ومتابعته لهم، فقد نشأ نشأة صوفية كما حكى ذلك بنفسه([36])، بل إن السيوطي اعتبرها في من أمهات قواعد الصوفية؛ لما تتفرع عنها كثير من قضاياهم، وتحل بها إشكالات ترد عليهم من طائفة الفقهاء وأهل الظاهر([37]).
وقد ردّ عليه الأستاذ محمد رشيد رضا([38])، وكذلك الشيخ العلامة عبد الرحمن النتيفي المغربي (ت: 1385هـ) في رسالة سماها (الرد الجلي في الرد على من قال بتطور الجلي).
قال الصنعاني -رحمه الله-: “ولقد راجت هذه الدعاوى الفارغة على جماعة من علماء الإسلام، صاروا كالعامة في قبول المحالات، فقد ألف الحافظ السيوطي رسالة نقلها المحلي في (تطورات الولي)، وأتى فيها بحكايات باطلة، وأقوال عن الأدلة عاطلة، حتى كأنه ما عرف السنة والكتاب، ولا ملأ الدنيا بمؤلفاته التي أتى فيها بكل عجاب، فلا يغتر الناظر بنقل ما يخالف السنة والكتاب، وإن حكاه من العاماء بحرُ علمٍ عباب”([39]).
رابعا: ثبوت الكرامة من جهة النقل:
قال الطحاوي -رحمه الله-: “ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم”. قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في تعليقه على ذلك: “لقد أحسن المؤلف صنعا بتقييد ذلك بما صح من الروايات؛ ذلك لأن الناس -وبخاصة المتأخرين منهم- قد توسعوا في رواية الكرامات إلى درجة أنهم روّوا باسمها الأباطيل التي لا يشك في بطلانها من له أدنى ذرة من عقل، بل إن فيها أحيانا ما هو الشرك الأكبر وفي الربوبية، وكتاب (طبقات الأولياء) للشعراني من أوسع الكتب ذكرا لمثل تلك الأباطيل التي منها قول أحد أوليائه: تركت قولي للشيء: كن فيكون عشرين سنة أدبا مع الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا”([40]).
وذلك لأن خرق ناموس الطبيعة وسنة الله في الكون خلافُ الأصل، فلا يصار إلى تصديق ذلك إلا بنقل ثابت صحيح. وأما الحكايات التي تروى بلا أسانيد فلا يلتفت إليها ولا يعبأ بها، وإن هوّل أصحابها بدعوى التواتر، فهي دعوى كل المبطلين من أصحاب الخرافات من سائر الطوائف والأمم فيما ينقلونه في كتبهم من خوارق معظميهم من الرهبان والمشعوذين.
يقول الأستاذ رشيد رضا: “يعلم الناظرون في تاريخ الأممِ المختلفةِ الأديانِ والنِحَلِ أن كل أمة منها تدَّعِي وقوع خوارق العادات وأنواع الكرامات على أيدي رجال الدين ورؤسائها الروحيين، وتنقل من ذلك في كتبها ما يتوهم الناظر فيها أنه بلغ مبلغ التواتر المعنوي على الأقل”([41]).
وهذا يفيدنا في التفريق بين الممكن والواقع فعلا، وكثير من أهل البدعة يستدلّ بالإمكان العقلي والشرعي على ثبوت الكرامة، وإيجاب التصديق بها، وتبديع من ينكرها لعدم ثبوتها.
وقد يقول قائل: إن عادة العلماء التساهل في إيراد القصص، والتشديد في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقط.
والجواب: أن خرق ناموس الطبيعة الذي سنه الله تعالى في الكون وخرق العادة المطردة خلاف الأصل، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل صحيح يوجب ذلك.
ثم إن التساهل في إيراد هذه الحكايات والأساطير كان له آثار سيئة جدًّا على الدين والدنيا، كما أشرنا لذلك في مقدمة هذه الورقة، فقد جعلت العقول تقبل الخرافة بسهولة، مما جعل الخرافة تسيطر على العامة والخاصة، وهو ما كان سببا في ترك الأمة الأخذ بأسباب التقدم والنهضة وإعداد العدة الذي أمرنا به، فضلا عن إفساد دين الناس وتعلق قلوبهم بأصحاب الكرامات، وتقديسهم بل وعبادتهم من دون الله تعالى.
فإذا كان الحال كذلك وجب تمحيص ما ينقل في ذلك تمحيصًا مشددًا، ورد ما يروى بلا سند صحيح ثابت.
قال الدكتور محمد سليمان الأشقر: “ولما كان الخارق مخالفًا للعادات والسنن الكونية كانت العادات والسنن الكونية شاهدًا مكذبًا لما يُروَى منه؛ ولذلك ينبغي أن لا يصدّق ما ينقل من ذلك أو يروى من الحوادث، ما لم يكن له شهود أكثر قوة، بأن يكون النقل على درجة عالية من الثبوت، تحصل بها الطمأنينة، ويتم عندها الإذعان والتسليم، ويكون الرواة لذلك من أهل البصيرة الذين لا ينخدعون باللعب والمخرقة. وها نحن في زماننا نستمع إلى شيء كثير مما ينقل من مثل ذلك من حوادث معاصرة، فإذا حقق الأمر تبيّن زيف الدعوى، ولم يحصل عندنا اليقين، ولو بحادثة واحدة مخالفة للسنن. وهذا يؤكّد ما قلنا. ويؤكّده أيضًا ما عرف من طباع النقلة لهذا النوع من الأخبار، فإنهم يتزيدون فيها ويبالغون، فيظهرون بعض ما فيه غرابة مما هو عاديّ، بشكل الخارق للعادة، كل ذلك ليجلبوا استحسان السامعين واستغرابهم، وحتى يكون لكلامهم طلاوة، ويعود المستمعون إليه مرة بعد مرة. فإذا كان الرواة على درجة عالية من التقوى والبصر والثقة والتشدّد، وتعدّدت طرق الرواية، جبر ذلك النقص، وصحّ الوثوق بهذا النوع من الأخبار”([42]).
ومقارنة سريعة بين عصر الصحابة والتابعين المملوء بسادات الأولياء -تحققًا لا دعوى- وعصر المتأخرين، ومقارنة ما ثبت من كرامات صحيحة ثابتة عن الصحابة والتابعين وما يروى عن المتأخرين لَتَجعل المرء يتشكك جدًّا في صدق هذا الكمّ الهائل من ظهور الخوارق المدعاة على يد منسوبي الولاية.
فالناظر في كتب المتصوفة يجد أن خرق العادة للأولياء صار كالأصل الدائم الثابت لهم، وهذه الأمور لو شككنا فيها على سبيل وقوعها نادرًا مع تجويزنا لوقوعها شرعًا وعقلا؛ فإننا نجزم بتكذيبها على هذا الكم الهائل الذي يروونه عن أصحاب الكرامات.
قال الأستاذ رشيد رضا: “قال بعض المحققين: لو كان ما ينقله قومنا من الكرامات التي لا تُحصى واقعًا حقيقة لما احتاجوا في إقناع المعتزلة إلى الاستنباط من الآيات بالوجوه الخفية التي لا تفيد المطلوب، ولا تثبت المدعى، وهو أن الخوارق واقعة فعلًا على أيدي الصالحين، بل كانوا يفقؤون أعينهم بكرامة واحدة من تلك الكرامات التي لا تحصى”([43]).
المبحث الثالث: نقد الكرامة المنسوبة للشيخ أحمد الرفاعي (ت: 578هـ):
الشيخ أحمد الرفاعي هو شيخ الطريقة الرفاعية([44])، ومفاد الكرامة المنسوبة له هي ما حُكيَ عن الشيخ عمر الفاروثي أنه قال: كنت مع سيدنا ومفزعنا وشيخنا السيد أحمد الكبير الرفاعي الحسيني رضي الله عنه عام حجه الأول وذلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وقد دخل المدينة يوم دخوله إليها قوافل الزوار من الشام والعراق واليمن والمغرب والحجاز وبلاد العجم، وقد زادوا عن تسعين ألفا، فلما أشرف على المدينة المنورة ترجل عن مطيته ومشى حافيا إلى أن وصل الحرم الشريف المحمدي، ولا زال حتى وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية فقال: السلام عليك يا جدي، فقال له: وعليك السلام يا ولدي. سمع كلامه الشريف كل من في الحرم النبوي، فتواجد لهذه المنحة العظيمة والنعمة الكبري، وحنَّ وأنَّ وبكى، وجثا على ركبتيه مرتعدًا، ثم قام وقال:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة النورانية من قبره الأزهر الكريم، فقبلها والناس ينظرون، وقد كان في الحرم الشريف الألوف حين خروج اليد الطاهرة المحمدية، وكان من أكابر العصر فيمن حضر: الشيخ حياة بن قيس الحراني، والشيخ عدي بن مسافر، والشيخ عقيل المنبجي، وهؤلاء لبسوا خرقة السيد أحمد -رضي الله عنه وعنهم- بذلك اليوم، واندرجوا بسلك اتباعه، وكان فيمن حضر الشيخ أحمد الكبير الزعفراني، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الزاهد الأنصاري، والشيخ شرف الدين بن عبد السميع الهاشمي العباسي، وخلائق، وكلهم تبركوا وتشرفوا برؤيا اليد المحمّدية ببركته رضي الله عنه، وبايعوه هم ومن حضر على المشيخة عليهم وعلى أتباعهم رحمهم الله([45]).
وقد ادَّعى كثير من الصوفية تواتر القصة وتناقُلَها خلفا عن سلف([46])، بل قال أبو الهدى الصيادي (ت: 1328هـ): “فخروج يد النبي صلى الله عليه وسلم لسيدي أحمد بن الرفاعي ممكن، ولا يشك فيه إلا ذو زيغ وضلالة، أو منافق طبع الله على قلبه، وإنكارها يؤدي إلى سوء الخاتمة”([47]).
والكلام في هذه القصة من جهتين: من جهة ثبوتها، ومن جهة إمكانها.
أما الوجه الأول: فبيانه في النقاط التالية:
1- أن الرفاعية من أشهر طوائف الصوفية كذبًا وتوسّعًا فيه، حتى شابهوا الشيعة في ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: “فإن فيهم من الغلو والشرك والمروق عن الشريعة ما شاركوا فيه الرافضة في بعض صفاتهم، وفيهم من الكذب ما قد يقاربون به الرافضة في ذلك أو يساوونهم أو يزيدون عليهم، فإنهم من أكذب الطوائف حتى قيل فيهم: لا تقولوا: أكذب من اليهود على الله، ولكن قولوا: أكذب من الأحمدية على شيخهم”([48]).
وقال عنهم الذهبي بعد أن مدح الشيخ الرفاعي كثيرًا: “ولكن أصحابه فيهم الجيد والرديء، وقد كثر الزغل فيهم، وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق: من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات”([49]).
بل إن شيخهم الرفاعي نفسه حذّر من كثرة كذب الصوفية على شيوخهم، فقال: “واحذر الفرقة التي دأبُها تأويل كلمات الأكابر والتفكّه بحكايات وما نسب إليهم، فإن أكثر ذلك مكذوب عليهم”، وقال أيضا: “وسلط أيضًا أناسًا من أهل البدعة والضلالة، فكذبوا على القوم وأكابر الرجال، وأدخلوا في كلامهم ما ليس منه، فتبعهم البعض فألحقوا بالأخسرين أعمالا”([50]).
2- أن حادثة كهذه بهذا الكم الهائل من الشهود والانتشار لا بد أن يتم توثيقها في كتب التاريخ والتراجم، خاصة تلك التي اعتنت بتراجم الصالحين وسيرهم، وقد أورد الذهبي (ت: 748هـ) في كتبه ترجمة الشيخ الرفاعي، وكذلك أورد ترجمته ابن كثير (ت: 774هـ)([51])، ومن قبلهما ابن خَلِّكان (ت: 681هـ)([52])، ومع ذلك لم يذكروا هذه القصة، ولم يشيروا لها أدنى إشارة، فهل يعقل أن حادثة كهذه يغفلها هؤلاء المؤرّخون رغم قرب العهد بها وعدم الخصومة؟! بل العكس هو الصحيح، فقد عرف عنهم تدوين ما هو أقل من ذلك بكثير.
والشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ذكر أنه شاهدٌ على القصة لم يذكرها في شيء من كتبه، ولا ثبتت عنه بسند صحيح رغم توافر الدواعي لتوثيق مثل ذلك، وقد عاش بعد الواقعة ست سنوات، حيث ذكروا أن حج الرفاعي كان في سنة (555هـ)، ووفاة الشيخ عبد القادر كانت سنة (561هـ).
بل إن كتب الصوفية التي عنيت بنقل ما هو أقل من ذلك لم تذكرها، فلم يذكرها الشعراني في طبقاته، رغم أنه حشى كتابه بالغث والسمين، وأورد فيه كل ما سمعه دون تمحيص أو تدقيق، فكيف أغفل ذكر هذه الحادثة؟!
وكذلك كتب تواريخ المدينة وتوثيق حوادثها، كـ(وفاء الوفا في أخبار دار المصطفى) واختصاره وغيرهما، لم يشيرا إلى ذلك.
فهل يعقل أن يحدث مثل هذا في موسم الحج، وبحضور تسعين ألفا، وشاهدوا جميعًا ذلك، ثم لا ينقل هذا الخبر إلا عن طريق بعض الآحاد؟! هذا يدل بلا شك على كذب هذا الكلام وبطلانه.
3- أن رواة القصة لم يتفقوا على سياقها، بل اختلفوا فيها اختلافا يقضي ببطلانها، فبينما يقول عز الدين الفاروثي عن الشيخ أحمد الرفاعي: وقف تجاه حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال على رؤوس الأشهاد: السلام عليك يا جدي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام يا ولدي، سمع ذلك كل من في المسجد النبوي، إذا بالشيخ عدي بن مسافر وتلميذه علي بن موهوب يقولان: كان الشيخ أحمد الرفاعي واقفا تجاه الحجرة الطاهرة، وقد تكلم بكلمات، ضبطها عنه جماعة -يقصد بيتي الشعر- فما أتم كلامه إلا وقد مدت له يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها ونحن ننظر مع الحاضرين، فلم يذكرا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمعه كل من في المسجد النبوي([53]).
4- أن نسب الشيخ أحمد الرفاعي لا يرجع للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يصح قوله: يا جدي. وممن أقر بذلك الشعراني في الطبقات، قال في ترجمته: “أحمد بن أبي الحسين الرفاعي، منسوب إلى رفاعة قبيلة من العرب”([54]).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن عادته أن يمد يده للناس لكي يقبلوها، فهذا كله يدل على بطلان هذه الحكاية، وعدم ثبوتها وحدوثها أصلًا.
وأما الوجه الثاني: من جهة إمكانها، فذلك ممتنع أيضا من وجوه:
1- أنه لا يمكن ولا يصح لأحد لُقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؛ لأن الموتى لا يخرجون من قبورهم إلا يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ تُبعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 15، 16].
قال ابن حزم: “واتفقوا أن محمدًا عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس”([55]).
وقال الخادمي الحنفي: “رؤية شخصه صلى الله عليه وسلم يقظة بعين الرأس بعد موته، ورؤيته تعالى في الدنيا بعين الرأس غير ممكن، والأول عقلي؛ إذ الموتى ما داموا كذلك لا يتصور منهم ذلك”([56]).
2- أن العدد المذكور في القصة -وهو تسعون ألفا- يستحيل اجتماعه في هذه البقعة الصغيرة، ورؤيتهم جميعًا يد النبي صلى الله عليه وسلم وهي تخرج من القبر والرفاعي يقبلها.
3- أننا لو افترضنا صحة الواقعة فإن فيها من الإخلال بالأدب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم والأدب مع الكبار ما ينبغي أن ينزه عنه كبار الأولياء؛ فقوله: السلام عليك يا جدي، فيه من ترك السنة، والفخر بالنسب، وعدم خلع المقامات الذي يعتبره الصوفية من موانع الهبات.
ثم تقدُّم الشيخ الرفاعي في حضرة الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهو مقدم عليه في كل شيء كما لا يخفي، فيه سوء أدب مع الكبار.
4- أنهم رووا عن الرفاعي أيضا أنه في العام الثاني زار القبر مرة أخرى، وأنشد قائلا:
إن قيل: زرتم بما رجعتم يا أشرف الرسل ما نقول
فخرج صوت من القبر سمعه كل من حضر وهو يقول:
قولوا: رجعنا بكل خير واجتمع الفرع والأصول([57])
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبغض الشعر، ولا يأتيه، بل كان يبغضه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: “كان الشعر أبغض الحديث إليه”([58]). وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني والله ما أنا بشاعر، وما ينبغي لي»([59]).
وإنما كان يتمثل بشطر بيت فقط، مثل قوله: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»([60]).
ثم إن البيت الذي نسبته القصة إلى الشيخ الرفاعي يشتمل على لحن في الإعراب وشذوذ في التعبير، حيث أثبت ألفًا في (ما) الاستفهامية رغم دخول حرف الجر عليها، فلا يصح أن يخاطب به أفصح الخلق صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يؤلمه ويؤذيه، والظاهر أن الذي صنع القصة كان يجهل قواعد علم العربية.
ثم تأمل قوله: واجتمع الفروع والأصول تجده حريصا على إثبات الشرف للرفاعي، كما أثبت له الشرف أيضا في القصة السابقة بجملة: وعليك السلام يا ولدي، وهذا هو المقصود من القصتين، ولولا ذلك لما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قول الشعر([61]).
ولهذا رجح الشيخ عبد الرحمن دمشقية أن رسالة (الشرف المحتم) ليست ثابتة عن السيوطي، بل هي مقتبسة من كلام الصيادي في كتابيه (قلادة الجواهر) و(ضوء الشمس)([62]).
وممن ذهب لعدم تصحيح نسبتها للسيوطي كذلك الشيخ صديق الغماري في رسالته (النقد المبرم)، خاصة أن الصيادي لا يوثق بما ينقله باعتراف كثير من معاصريه، بل ومن بعض المتصوفة كالشيخ الغماري.
قال الشيخ الغماري في حاشيته على كتاب السخاوي (المقاصد الحسنة): “كتاب الأربعين المنسوب للقطب الكبير أحمد الرّفاعي، لكنّي غير واثق من صحّة ما يُنسب إليه من المؤلّفات؛ لأنها من صُنع أبي الهدى الصيّادي الذي كان يكتب مؤلّفات في مناقب الرّفاعي وينسبها إلى علماء في القرن الثّامن الهجري أو قبله أو بعده”([63]).
الخلاصة والخاتمة:
أن هذه الكرامة المنسوبة للشيخ الرفاعي نموذج تطبيقي للجواب عن سؤال هذه الورقة، وهو: لماذا لا نقبل جلّ كرمات الصوفية؟ ولماذا نعتبر أكثرها خرافات أو شعوذات أو أوهامًا وأساطير أو مخاريق شيطانية؟ وأن هذا لا علاقة له بثبوت أصل الكرمات كما هو مقرر عند أهل السنة، ولكن فرق بين الكرامة والخرافة.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) تحقيق ما للهند من مقوله مقبولة في العقل أو مرذولة (ص: 51-52).
([6]) التعريفات، للجرجاني (ص: 184).
([7]) الرسالة القشيرية (2/ 520).
([8]) رواه البخاري (5974)، ومسلم (2743).
([12]) رواه البخاري معلقا (5018)، ومسلم (796).
([13]) رواه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 269)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1110).
([14]) الطحاوية، ت: الألباني (ص: 84).
([15]) مجموع الفتاوى (3/ 156).
([16]) انظر: المغني، للقاضي عبد الجبار (15/ 205، 225، 241، 242).
([17]) الجواب الصحيح (6/ 401).
([19]) النبوات (2/ 804) باختصار وتصرف يسيرين.
([20]) مجلة المنار ( 23/ 495) باختصار يسير.
([23]) مجموع الفتاوى (11/ 172).
([24]) مجموع الفتاوى (11/ 213).
([26]) انظر: النبوات (2/ 998).
([27]) الموافقات (2/ 275-276).
([28]) الجواب الصحيح (6/ 405) بتصرف يسير.
([29]) النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم (ص: 9).
([31]) راجع في نقض هذه الشبهة كتاب: أصول بلا أصول للدكتور محمد إسماعيل المقدم (ص: 127) فما بعدها.
([34]) الطبقات الكبرى (2/ 78).
([36]) ينظر: حسن المحاضرة، للسيوطي (1/ 188).
([37]) انظر: المنجلي في تطور الولي (2/ 178).
([38]) وهو مطبوع بعنوان: رد السيد محمد رشيد رضا على كتاب المنجلي في تطور الولي، بتحقيق الدكتور صادق سليم صادق.
([39]) الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف، للأمير الصنعاني، تحقيق عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر. وقد مال الصنعاني في هذه الرسالة للقول بمنع خوارق العادات، وتعقبه المحقق في ذلك ورد عليه بمذهب أهل السنة في وقوعها كما قدمنا.
([40]) الطحاوية، ت: الألباني (ص: 84).
([44]) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء، للذهبي (21/ 78).
([45]) انظر: رسالة الشرف المحتم المنسوبة للسيوطي، ومقدمة كتاب البرهان المؤيد، للشيخ أحمد الرفاعي، تقديم الشيخ محمد الهاشمي.
([46]) انظر مقدمة البرهان المؤيد، فقد ذكر ذلك، وذكر عددا من الكتب التي ذكرت القصة، وانظر: الإكسير في نسب الرفاعي الكبير لأبي الحسن الواسطي الشافعي، وانظر: تهذيب سواد العينين للرافعي، والحاوي للسيوطي (2/ 248) وغيرهم كثير جدا.
([47]) قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر (ص: 15، 108).
([48]) مجموعة الرسائل والمسائل (1/ 145).
([49]) العبر في خبر من غبر (3/ 75).
([50]) ينظر: قلادة الجواهر لأبي الهدى الصيادي (ص: 147)، وانظر كذلك: طبقات الشعراني (1/ 142).
([51]) البداية والنهاية (16/ 559).
([52]) وفيات الأعيان (1/ 172).
([53]) الوجه الثالث مستفاد من رسالة: النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم، لعبد الله محمد بن الصديق الغماري (ص: 14).
([54]) طبقات الشعراني (1/ 140)، وراجع كتاب الطريقة الرفاعية لعبد الرحمن دمشقية (ص: 33-39).
([55]) مراتب الإجماع (ص: 176).
([56]) بريقة محمودية (1/ 103).
([57]) قلادة الجواهر (ص: 104).
([58]) رواه أحمد (25064)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3095).
([59]) رواه الطبري في تفسيره (20/ 549). ووصحح الألباني في السلسلة الصحيحة سنده إلى قتادة ولكنه مرسل منقطع.
([60]) أخرجه البخاري (3841)، ومسلم (2256).
([61]) هذا الأخير مستفاد من النقد المبرم للغماري (ص: 20).
([62]) انظر بيان ذلك في: الرفاعية للشيخ عبد الرحمن دمشقية (ص: 49، 50).