البُهرة .. شذوذ في العقائد، وشذوذ في المواقف
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
لقد كانت الباطِنيَّةُ -وما زالت- مصدرَ خطَرٍ على الإسلامِ والمسلمين مذ وُجِدت، بعد أن أيقَن أعداءُ الإسلامِ أنَّ حَسْمَ المواجهة مع المسلمين وجهًا لوجهٍ لن يُجدِيَ شيئًا في تحقيق أهدافِهم والوصولِ لمآربهم؛ ولذلك كانت الحركاتُ الباطِنيَّةُ بعقائِدِها وفِتَنِها نتيجةً لاتجاهٍ جديدٍ للكيد للمسلمين عن طريق التدثُّرِ باسمِه والتستُّرِ بحبِّ آل البيت، وهي فكرة خبيثة ماكرة، حاكها ودبَّرها عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام، وعمل من خلال ذلك على نفث سمومه وبث مؤامراته بين المسلمين([1]).
وهذا الخطر تنبه له علماء الإسلام منذ زمن بعيد، فهذا عبد القاهر بن طاهر البغدادي التميمي الأسفراييني (ت: 429هـ) يقول: “اعلموا -أسعدكم الله- أن ضَرَر الباطنية على فرق الْمُسلمين أعظم من ضَرَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى والمجوس عَلَيْهِم، بل أعظم من مضرَّة الدهرية وَسَائِر أَصْنَاف الْكَفَرَة عَلَيْهِم، بل أعظم من ضَرَر الدَّجَّال الذي يظْهر فِي آخر الزَّمَان؛ لِأَن الَّذين ضلوا عَن الدّين بدعوة الباطنية من وَقت ظُهُور دعوتهم إلى يَوْمنَا أكثر من الَّذين يضلون بالدجال في وَقت ظُهُوره؛ لَأن فتْنَة الدَّجَّال لَا تزيد مدَّتهَا على أربعين يَوْمًا، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر”([2]).
على أن الباحث في نشأة الباطنية في العالم الإسلامي لا بد أن يلمّ بنشأة الشيعة؛ لأن التشيع كان ثوبًا يتستر وراءه كل من يريد بذر الفتن في الإسلام والمسلمين، ومأوى يلجأ إليه كل من يريد هدم الإسلام بإدخال تعاليم آبائه وأجداده من يهودية ونصرانية وهندوسية وأفلاطونية.
كما أن المتتبع لتطور عقائد الشيعة، والتي بدأت بفكرة الدفاع عن حق آل البيت في الخلافة، إلى اتخاذ هذا البيت الكريم وسيلة لنشر مذاهب دينية خاصة تهدف إلى أغراض سياسية، يجزم أن وراء هذه التطورات يدًا خبيثة تحيك في الظلام مؤامرة ضد عقائد الإسلام([3]).
ومن هذه الطوائف الباطنية التي تُنسب للإسلام: طائفة الإسماعيلية التي خرجت منها الكثير من الفرق الباطنية.
تعريف الإسماعيلية:
الإسماعيلية فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعّبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر، وحقيقتها تخالف العقائد الإسلامية الصحيحة، وقد مالت إلى الغلوِّ الشديد لدرجة أن الشيعة الاثني عشرية يكفِّرون أعضاءَهَا([4]).
انقسام الإسماعيلية وأهم فرقها:
بعد وفاة جعفر الصادق انقسمت الشيعة على نفسها، إذ تبعت جماعة موسى الكاظم بن جعفر وسميت بالإمامية الاثنى عشرية، وصدقت أخرى ادعاءات أتباع إسماعيل بن جعفر وابنه محمد بحقهما في وراثة الإمامة عن جعفر، مع أن إسماعيل كان قد توفي قبل وفاة أبيه بخمس سنين سنة 143هــ، وأراد جعفر أن يوكد وفاة ابنه بأقوال شهود كثيرين، فكتب محضرًا وأشهد عليه والى المدينة.
وسبب إشهاد جعفر على موته أن بعضهم زعموا “أنه لم يمت، ولكنه أظهر موته تقية عليه حتى لا يقصد بالقتل، ولهذا القول دلالات، منها أن محمدا كان صغيرا، وهو أخوه لأمه؛ مضى إلى السرير الذي كان إسماعيل نائما عليه ورفع الملاءة فأبصره وقد فتح عينيه، فعاد إلى أبيه مفزعا وقال: عاش أخي، عاش أخي. قال والده: إن أولاد الرسول عليه السلام كذا تكون حالهم في الآخرة. قالوا: ومنها السبب في الإشهاد على موته وكتب المحضر عنه ولم نعهد ميتا سجل على موته. وعن هذا لما رفع إلى المنصور أن إسماعيل بن جعفر رئي بالبصرة، وقد مر على مُقعد فدعا له فبرئ بإذن الله تعالى، بعث المنصور إلى الصادق أن إسماعيل بن جعفر في الأحياء، وأنه رئي بالبصرة، أنفذ السجل إليه، وعليه شهادة عامله بالمدينة”([5]).
وعلى هذا انقسمت فرقة الإسماعيلية إلى عدة فرق، منها:
1- الإسماعيلية الخالصة: وهم الذين قالوا: إن الإمام بعد جعفر ابنُه إسماعيل بن جعفر، وأنكروا موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: إن ذلك على جهة التلبيس؛ لأنه خاف عليه فغيَّبه عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض ويقوم بأمور الناس، وأنه هو القائم؛ لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده، وقلدهم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبهم. وهذه الفرقة تنتظر إسماعيل بن جعفر، وجزم كل من الأشعري القمي والنوبختي أن هذه الفرقة هي الخطابية أتباع أبي الخطاب قبل موته، ولما توفى أبو الخطاب انضم أتباعه إلى الإسماعيلية وقالوا بإمامة إسماعيل في حياة أبيه مع إنكارهم لموته في تلك الفترة.
2- الإسماعيلية المباركية أو الإسماعيلية الثانية: وهم القائلون بأن الإمام بعد جعفر هو محمد بن إسماعيل بن جعفر وأمه أم ولد، وقالوا: إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه، فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل، وكان الحق له ولا يجوز غير ذلك؛ لأنها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ولا يكون الإمام إلا في العقاب، ولم يكن لإخوة إسماعيل -عبد الله وموسى- في الإمامة حق كما لم يكن لمحمد ابن الحنفية فيها حق مع علي بن الحسن. وأصحاب هذه المقالة يسمون المباركية نسبة إلى رئيس لهم يسمى المبارك كان مولى لإسماعيل بن جعفر([6]).
ومن الإسماعيلية انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون والدروز وغيرهم، وللإسماعيلية فرق متعددة ووجوه مختلفة وألقاب كثيرة، ذكر منها الشهرستاني ستة هي: الباطنية، والإسماعيلية، والقرامطة، والتعليمية، والملحدة، والمزدكية، وذكر منها الغزالي عشرة ألقاب هي: الباطنية، والقرامطة، والقرمطية، والخرمية، والخرمدينية، والإسماعيلية، والسبعية، والبابكية، والمحمرة، والتعليمية([7])، يقول الشهرستاني: “وأشهر ألقابهم: الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهرًا باطنًا”([8]).
أما الفقيه المؤرخ محمد بن الحسن الديلمي([9]) فقد ذكر لهم خمسة عشر لقبًا، هي ما ذكره الغزالي مع زيادة هذه الألقاب: المباركية، والإباحية، والملاحدة، والزنادقة، والمزدكية([10]).
ويلاحظ هنا أن هذه الألقاب للإسماعيلية جعلت مفهوم الإسماعيلية يشمل كل الفرق الشيعية الغالية، بل إن بعض هذه الألقاب لا تندرج تحت وصف التشيع مثل: البابكية نسبة إلى بابك الخرمي، كما أن بعض هذه الألقاب عبارة عن لقب واحد اختلفت ألفاظه، كالقرامطة والقرمطية، كلاهما نسبة إلى حمدان قرمط. كما أن البعض من هذه الألقاب عبارة عن أسماء لفرقهم المختلفة والتي تشترك فيما بينها في المسلك الباطني وفي الهدف والغاية، وهي تقويض دعائم الإسلام وأُسسه على ما بينها من اختلاف، كما أن بعض الفرق الإسماعيلية إنما هي عبارة عن مراتب للدعوة الإسماعيلية، ذلك أن المدعو لا يعرف إلا المرتبة التي وصل إليها، فيصور الفرقة على أساس أنها تلك المرتبة التي وصل إليها، وهكذا قد تفسر المراتب على أساس أنها فرق، ذلك أن سبيل دعوتهم ليس بمتعين في فن واحد، بل يخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منهم بالانقياد لهم والموالاة لإمامهم، فيوافقون اليهود والنصارى والمجوس على جملة معتقداتهم ويقرونهم عليها([11]).
ويذكر الشهرستاني أن ألقابهم تختلف أيضًا باختلاف البلدان: فبالعراق يسمون: الباطنية، والقرامطة، والمزدكية. وبخراسان: التعليمية، والملحدة. ثم إن لهم دعوة في كل زمان ومقالة جديدة بكل لسان([12]).
ومن طوائف الإسماعلية هذه االطائفة التي هي محل الدراسة وهي: طائفة البهرة. والذي يهمنا في هذه الورقة من الإسماعيلية من يطلق عليهم اليوم اسم البهرة إذ هي محل الدراسة.
نشأة البهرة:
تشير المصادر التي بحثت عن أصل كلمة البهرة أنها مأخوذة من فيوهار التي تعني التجارة في اللغة الكجراتية الهندية، فالبهرة هم التجار، وسموا بذلك لأن السواد الأعظم من تلك الأمة تعمل بالتجارة منذ ارتباطهم بمهد الإسلام.
ومركزهم الحالي هو مدينة سورت في الهند، وتشير رواية البهرة أن أحمد المصري أول إسماعيلي وطئت قدماه أرض كهينبابت في الهند، بأمر من المستنصر بالله الفاطمي لنشر الدعوة الإسماعيلية في تلك الأرجاء.
ويعتبر البهرة بوضعهم الحالي ورثة الفاطميين المصريين وأمناء دعوتهم عقيدة وتشريعًا، ومؤلفات العهد الفاطمي هي المصادر المعتمدة لباطنيتهم دون ريب، وإن كنت ترى أن عامتهم قد تأثر بالهندوسية والفكر الغربي في الآونة المعاصرة، وأخذ يتخلص من قيود التكتم والانزواء، وأسرار الدعوة وفلسفة اليونان، غير أن زعيمهم -الداعي المطلق- ما زال محور الحركة والتكتل؛ لذا لا يسهل النفوذ إليهم، والوصول إلى ما عندهم، وما يحتفظون به من وفاق أو خلاف مع شرع الله، ويعود ذلك إلى سببين:
السبب الأول: أن قوام الدعوة الإسماعيلية هو الإخفاء وعدم العمل في وضح النهار، فإن كان أعداؤهم الأمويون والعباسيون في الأزمنة الغابرة أجبروهم على ذلك السير فقد تمت لهم السيطرة على جزء غير يسير من العالم الإسلامي إبان عهد الفاطميين في مصر والصليحيين في اليمن، غير أن دعوتهم لم تظهر من وراء القضبان الحديدية، وما تزال كذلك رغم انتشار العلمانية والإلحاد في الدول التي يسكنونها الآن، وإنهم اليوم في مأمن على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم إن أرادوا الكشف عما يبيّتون في ظلم الليل.
فالبهرة كاليهود، لا يسمحون لأحد باعتناق مذهبهم ما لم يولد من أصل بهري، لذا يقول المرزا محمد سعيد -أحد المعتمدين في وزارة التعليم في الهند-: “إن البهرة على العموم أمة محصورة، لا يصح لفرد غير إسماعيلي الآن اعتناق مذهبهم البتة، كما أن أواصر النكاح تدور فيما بينهم كالحلقة المفرغة، وفي زنجبار التي قطعت حبل الاتصال بين زعيم البهرة وأتباعه حاولتُ كسر هذا الطوق بجر العديد من البهرة إلى التكلم عما يدينون فلم أُفلح، وكادوا أن يتفقوا على قولتهم العامة: المذهب كالذهب يجب إخفاؤه”([13]).
السبب الثاني: الداعي المطلق هو الحاكم الفعلي لجميع أفراد البهرة الشيعة، له الأمر والنهي، والأسود والأبيض بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، فلا يصح من بهري أن يؤم المصلين إلا بإذنه، ولا يحق له أن يعمل خيرًا إلا بأمره، ولا ينعقد نكاح البهرة إلا إذا عقده الداعي أو من أذن له من عماله، كما لا يصح من متبع الداعي أن يدعو إلى المشاركة في مراسم النكاح والزواج من ليس ببهري إلا بإذنه أو إذن عامله([14]).
لذا يقول الدكتور زاهد على البهري -الخبير بما في البيت، وما يعاني أهله من أزمات- في أهم مؤلف نشر عن البهرة المعاصرة حتى الآن: “ومما يجدر ذكره أن المذهب الإسماعيلي منذ وجود الدولة الفاطمية حتى طوي فراشها لم يظهر على الملأ قط؛ لأن منظمة الإسماعيلية المسماة بالدعوة أمرٌ مستور، فالستر والأسرار مما جبل عليه المذهب، ومن هنا لا تكشف أسراره لكل أحد، حتى إن الدارس الإسماعيلي لن يتلقى علم التأويل إلا بعد عهود ومواثيق، أما علم الحقيقة فلا يصل إليه إلا الشاذ من البهرة… وفي الأونة الحالية نستطيع أن نعد إخواننا العارفين بحقيقة المذهب الإسماعيلي على الأصابع، ولتلك الندرة والقلة سببان: أولهما أن لغة كتبنا الدعوية هي العربية([15])، وثانيهما صعوبة الحصول على الإذن لقراءة كتاب من تلك الكتب”([16]).
انقسام البهرة:
بعد نهاية الدولة الصليحية لم يكن للإسماعيلية المستعلية أو الشيعة الطيبية أي أثر في الحياة السياسية باليمن، بل التزموا بمبدأ “التقية”، وانصرفوا إلى التجارة التي أعطتهم الفرصة لنشر دعوتهم الإسماعلية في الهند حيث اعتنقها جماعة من الهندوس.
والبهرة اليوم متفرقون في بلاد الهند وباكستان وعدَن، وتوجد منهم طائفة بجبال حراز باليمن، ويطلق عليهم اسم القرامطة أو الباطنية([17])، ومن آثارها -كما يقول النشار- قبيلة يام، وهي إلى اليوم باطنية تنتمي إلى بهرة الهند([18]).
وفي القرن العاشر الهجري انقسم البهرة إلى طائفتين، تسمى إحداهما بالداودية، والأخرى بالسليمانية، ويرجع هذا الانقسام إلى الخلاف على من يتولى مرتبة الداعي المطلق للطائفة.
فالفرقة الداودية: تنتسب إلى الداعي السابع والعشرين من سلسلة دعاة الفرقة المستعلية الطيبية، ويسمى بقطب شاه داوود برهان الدين المتوفى سنة 1021هـ، وهم الأكثرية، وهم بهرة كجرات؛ ولذا أصبح مركز دعوتهم في الهند حيث يقيم داعيتهم الآن وهو طاهر سيف الدين في مدينة بومباي، ويعتبر الداعي الحادي والخمسين من سلسلة الدعاة حيث بينه وبين الداعي الذي تنتسب إليه الداودية اثنان وعشرون داعيا، ذكرهم العزاوي بالترتيب([19]).
ويقدَّر عددهم في الهند -وفقًا لإحصائية في أوائل التسعينات- بحوالي مليوني نسمة, ولهم في الهند أكثر من مائة مسجد، وقاموا بإنشاء أول جامعة لهم تسمى بالجامعة السيفية، أسَّسها الداعي الثالث والأربعون عبد اللطيف سيف الدين سنة 1220هـ, وعدد طلابها خمسمائة طالب, والتي جدَّدها الداعي الحالي برهان الدين محمد، وأنشأ فرعًا لها في كراتشي بباكستان.
أما الفرقة السليمانية: فتنتسب إلى الداعي سليمان بن الحسن الذي أبى أتباعه الاعتراف بداود؛ بدعوى أن عجب شاه اختار سليمان وأعطاه وثيقة بذلك، ويدعي جماعته أنه لا تزال عندهم تلك الوثيقة، وتبعه شرذمة قليلة نسبوا إليه، ويتواجدون في اليمن، ورئيسها الحالي علي بن الحسن، ومحل إقامته بنجران جنوبي السعودية. وهذه الطائفة منتشرة في قبائل بني يام باليمن، وبعض أفرادها مقيمون في الهند والباكستان، وكلا الداعيان برتبة (داع مطلق) وهي مرتبة وراثية تنتقل من أب إلى ابن، وصاحبها يتمتع بنفس الصفات التي كان يوصف بها الأئمة على أنها صفات مكتسبة وليست ذاتية([20]).
استعباد الإسماعلية لأتباعهم:
مما يدل على استعباد دعاة الإسماعيلية لأتباعهم وخضوعهم لهم كما يخضعون للأئمة المظاهر التالية:
1- تعظيم دعاتهم المطلقين وتحيتهم بانحناء الرؤوس وتقبيل الأرض بين يديهم حتى إنهم ليكادون أن يسجدوا لهم، كما يعتقدون أن الداعي المطلق كالمعصوم، لا يخطئ ولا يضل أبدًا، وطاعته واجبة.
2- التقديس له لدرجة أنه يصنع لهم الصكوك على قِطَع من الجنة. وهذا مما نقل عن علي بن الحسن زعيم المكارمة في نجران.
3- تأليه الداعي المطلق الذي يحلّ محلَّ الإمام، ومن دلائل ذلك ما نقله الدكتور محمد كامل حسين عن محاورة جرت بينه وبين أحد زعماء الأغاخانية في العصر الحاضر، ومنها قوله الأغاخان: “لقد أدهشتني بثقافتك وعقليتك، فكيف تسمح لأتباعك أن يدعوك إله؟! فضحك طويلًا جدًّا وعلت قهقهاته ودمعت عيناه من كثرة الضحك ثم قال: هل تريد الإجابة عن هذا السؤال؟ إن القوم في الهند يعبدون البقرة، ألستُ خيرًا من البقرة؟! وهذا وإن كان حديثًا لزعيم الأغاخانية، إلا أن زعيم البهرة كذلك حيث يعبده أتباعه ويؤلهونه”([21]).
والداعي أو إمام البهرة حرم على كل بهري قراءة أية صحيفة أو الدخول إلى الجامعات والترشيح وغيرها، يقول “نورمان آل كونتر أكنز” -وهو أحد أبناء البهرة الذين ثاروا في وجه الداعي والإمام للمطالبة بإصلاح شؤون طائفة البهرة-: “إن أي فرد من أفراد طائفته لا يملك أن يحيا حياته الخاصة به، أو أن يقرأ مجلة أو صحيفة أو كتابًا، أو أن يساهم في إصدارها إلا بإذن من الداعي… ولا يستطيع أن يدرس في مدرسة أو جامعة أو يرسل أبناءه إليها إلا بإذن خاص من الداعي… ولا يستطيع أي فرد أن يمارس أي نوع من أنواع التجارة أو المحاماة أو الطب أو الأعمال الحسابية أو غير ذلك من الأعمال الأخرى إلا بإذن من الداعي كذلك. والأدهى من ذلك أن أفراد الطائفة لا يستطيعون دفن موتاهم إلا بتصريح منه. ولا حرية لأي فرد من أفراد الطائفة في انتخاب أي مرشح -من أحزاب أو هيئات أو اتحادات- لا يرضى عنه الداعي.. ولا يستطيع أن يشكل نقابة أو ينسب إلى عضوية نقابة أو جمعية بغير إذن منه…”([22]).
وكانت نهاية هذا الرجل الذي ثار في وجه طواغيت أئمة البهرة هو الإعدام، فقد أعدم بأمر الداعي([23]).
عقيدة البهرة:
يعتبر البهرة أكثر الشيعة الباطنية تعصبًا لمذهبهم ومحافظة على عقيدتهم، ولا زالوا يتمسكون بزي خاص للنساء والرجال يميزهم عن غيرهم، ولهم أماكن خاصة للعبادة يطلقون عليها اسم: “جامع خانة” لا يدخلها غيرهم، كما أنهم يرفضون أن يقيموا الصلاة في المساجد التي لغيرهم من المسلمين.
ورغم اتفاق البهرة ظاهريًّا مع غيرهم من المسلمين في العبادات والشعائر، فإنهم يعتقدون عقائد باطنية بعيدة كل البعد عن معتقد أهل السنة والجماعة، وعن أصول الدين، ويمكن إجمال عقائدهم في النقاط التالية التي ننقلها مختصرة على لسان رجل منهم وهو الدكتور زاهد علي في كتابه (حقيقة مذهبنا الإسماعيلي ونظامه)، والتي بين فيها أن البهرة والقرامطة متفقون في العقائد الغالبة، حتى لا يرتاب أحد بعد ذلك في الحكم عليهم:
أولًا: التوحيد:
جميع أوصاف الله تعالى ونعوته كالخالق والعالم والقادر عندهم مجازية، وهي في الحقيقة واقعة على العقل الأول الذي هو الموجود الأول في عالم الإبداع، والموصوف بهذه الصفات والنعوت في العالم الجسماني هو الإمام؛ لكونه في هذا العالم مقابلا للعقل الأول في عالم الإبداع، حتى إن لفظ (الله) أيضًا يطلق على العقل الأول والإمام.
ووصفُه بأي صفة كانت هو عندهم إثباتٌ للكثرة في ذاته الذي هو مرادف للشرك، فهم ينزهون الباري تعالى عن جميع النعوت، ولا يطلقون عليه شيئًا منها؛ فإن إطلاقها عليه يوجب عليه الكثرة في ذاته عندهم.
لذلك نجد داعيهم إبراهيم بن الحسين الحامدي يقول: “فهو سبحانه لا يدخل تحت اسم ولا صفة، ولا يومَأ إليه بالإشارة مكيفة، ولا يقال عنه: حيٌّ ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا الحي القادر العالم العاقل التام الكامل الفاعل، ولا يقال: له ذات؛ لأن كل ذات حاملة للصفات، كالجسم وأعراضه التسعة والنفس وصفاتها, ولا يقال: إنه جوهر؛ لأن الجوهر ينقسم لجسم وإلى غير الجسم, ولا يقال: عرض؛ لأن العرض محمول مقبول، ملازم وزائل, ولا يقال: إنه علة؛ لأن في المعلول بعض آثار العلة, ولا يقال: إنه قديم؛ لأن القديم شاهد على هويته بالحدث”([24]).
ويؤكد الحامدي أن التوحيد هو صرف الأسماء والصفات للموجود الأول وهو العقل الأول أو المبدع الأول أو السابق كما يقولون، فيقول: “وأما معرفة التوحيد فإن حد الصفة والمعرفة هو لأول موجود عن المبدع الحق، وأن المبدع الحق يتعالى عن الصفات، ويتنزه عن الإشارات، والكل عاجز عن صفته وتوهمه والإشارة إليه… فهذه معرفة التوحيد والخروج من التعطيل والتشبيه، وكل قول في التوحيد غير هذا فهو خطأ يدخل في التشبيه أو في التعطيل، أعاذنا الله عن ذلك برحمته”([25]).
ونفي الأفعال والصفات والأسماء عن الله تعالى ثابت في جميع كتبهم، وهذا ما أجمع عليه دعاتهم، ولا يوجد مخالف في ذلك بينهم، ولذلك نجد الشهرستاني يخبر عنهم فيقول: “قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج. فقالوا في الباري تعالى: إنا لا نقول: هو موجود، ولا لا موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز… بل هو إله المتقابلين وخالق المتخاصمين، والحاكم بين المتضادين”([26]).
وهذا هو مذهب المعتزلة وفلاسفة اليونان الذين يطلقون على الله “العقل الأول، والموجود الأول” الذي يتعلق به سائر الموجودات، ولكل شيء في الموجودات علة، والموجود الأول هو علة العلل([27]).
ولذا هم يؤمنون إيمانًا جازمًا بنظرية الفيض كما عند الفلاسفة، وهم مع ذلك لهم عقائد شتى من مذاهب الثنوية والمجوسية، والوثنية بأنواعها، والحلولية، والفيثاغورية، والهندوكية، والفلسفة الإلحادية، والأفلاطونية القديمة، والأفلطونية الحديثة، يغلف ذلك كله عقيدة الحلول والتناسخ والتعطيل، ومحصلة هذا أن القوم لا دين لهم ولا عقيدة ثابتة لديهم؛ لأن هذه الجذور التي أخذوا عنها دينهم وهذه الأديان والفلسفات التي استقوا منها عقائدهم هي أديان وفلسفات متناقضة متعارضة، يرفض بعضها بعضًا، وتتناقض فيما بينها، ولا تجمعها وشيجة واحدة، فكيف استقام أن يؤلف منها دين، وأن تتألف منها عقيدة؟!([28]).
ثانيًا: عقيدتهم في الحدود الروحانية والجسمانية:
إن من واجبات التوحيد عند البهرة وكماله معرفة الحدود الروحانية والجسمانية؛ فبمعرفة هذه الحدود يتم التعرف على الله، وبالتالي يتم التوحيد الكامل للعبد، فهم يعتقدون أن الله أقام العالم العلوي الروحاني والعالم السفلي الجسماني بعشرة حدود، فأما الحدود الروحانية فهي: السابق والتالي والجد والفتح والخيال، وأن هذه الحدود الروحانية العلوية يقابلها في العالم السفلي الحدود الجسمانية وهي: الناطق (النبي) والأساس والحجة والإمام (الباب) والداعي.
وبمعرفة الحدود العشرة هذه يكتمل التوحيد عند البوهري, وبهم يتم التعرف على الله، ومَن لم يعرف هذه الحدود ولم يُطعهم فقد خرج من التوحيد ولا يعد موحِّدًا بالله عندهم، ويبين ذلك الداعي إبراهيم بن حسن الحامدي حيث يقول: “وأشهد أن لا إله إلا الذي مَن ألحد في حدوده سقط عن معالم توحيده، ومن عدل عن اتباع من شهد لهم كتابه بالتطهير… ومن خالف محدوده وحاد حدوده سلبه الله سُعوده”([29]).
ثالثًا: عقيدتهم في الأئمة المعصومين:
يعتقد البهرة بألوهية أئمتهم، فيصلّون كما يصلي المسلمون ولكنهم يقولون: إن صلاتهم للإمام الإسماعيلي الطيب بن الآمر الذي دخل الستر سنة 525هـ “حسب اعتقادهم”، وأن أئمتهم المستورون من نسله إلى يومنا الحاضر. وقد جاء في جريدة “من” الباكستانية بتاريخ 6/ 10/ 1977م ما نصه: “رجل بوهري يسجد لكبير علماء البهرة”([30]).
ثم ذهبت البهرة للاعتقاد بأن للأئمة درجات سبعة مختلفة في قوتها الروحانية وهي:
1- الإمام المقيم: وهذه الرتبة تعتبر أعلى درجات الإمامة عندهم؛ لأن صاحب هذه الرتبة يكون قبل الناطق أي: (الرسول)، وهو الذي يُعدّه ويعلمه رسالة النطق التي ينطق بها.
2- الإمام الأساس: وهو الإمام القائم بأعمال الرسالة، فهو يكون بجانب الناطق يعاونه في نشر الرسالة، ومن ذريته تتسلسل الإمامة وهو (الوصي).
3- الإمام المتم: وهو الذي يتم الرسالة التي جاء بها الناطق في نهاية دور هذا الناطق، ويكونون سبعة, وهذا المتم يكون هو السابع، وله نفس خصائص أئمة دوره وهو (القائم).
4- الإمام المستقر: هو صاحب الحق في الإمامة، والذي يكون له حق التوريث لولده الأكبر، وذلك بالنص عليه قبل وفاته، وهو إمام الزمان الذي يكون موجودًا فيه.
5- الإمام المستودع: وهو الذي يُستودَع الإمامة أمانة عنده، وذلك في الظروف الاستثنائية، فتكون وديعة عنده يردها لصاحبها بعد زوال هذا الاستثناء، ولا يجوز له أن يورث الإمامة المستودعة عنده لأحد من أبنائه؛ وذلك لأنه ليس له حق فيها، بل هي مجرد وديعة وأمانة عنده.
6- الإمام القائم بالقوة: وهذا الإمام يكون ناقصًا في ذاته؛ لأنه ليس لديه قوة الفعل، فهو يكون في حاجة لمن ينقله من حد القوة إلى حد الفعل.
7- الإمام القائم بالفعل: وهو الإمام التام في الذات والفعل؛ لأنه يكون لديه القوة والفعل مجتمعين فيه.
رابعًا: عقيدتهم في النبوة:
يعتقد البهرة أن النبوة أمر مكتسب وليس اصطفاء من الله تعالى كما هو ثابت عند أهل السنة والجماعة, بل جعلوا أمر النبوة مكتسبًا للعباد إذا توافرت في العبد خصال معينة حصروها في اثنتي عشرة خصلة ذكرها الشيخ إحسان إلهي ظهير نقلا من رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا المعتمدة عند هذه الطائفة([31]).
هذا، وتعتقد البهرة بأن الأنبياء والرسل سبعة فقط، مثل عدد الرؤساء السبعة العلوية السماوية, وهؤلاء الرسل السبعة هم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى, ومحمد صلى الله عليه وسلم, والقائم.
وذهبت البهرة للاعتقاد بأن الرسول لا يتلقى الوحي عن طريق السماع، ولكن عن طريق الإلقاء في القلب من الجد والفتح والخيال (وهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل) الذين يستمدون الوحي من السابق والتالي([32]).
خامسًا: عقائد البهرة في المبدأ والمعاد:
يعتقد البهرة أن بدء الخلق كان دفعة واحدة، وينكرون أن بداية خلق الإنسان كانت بخلق آدم من طين، ثم خُلقت حواء من ضلعه، وبالتزاوج بين أولاده -وذلك بتزاوج البطن الأول بالبطن الثاني- جاءت سلالة آدم وذريته، فإنهم يعدون ذلك سفاحًا، ويقولون بأن الأمر إذا كان كذلك فهذا طعن في الله؛ لأن ذلك معناه عدم مقدرته على خلق الخلق جملة واحدة.
يقول الإسماعيلي مصطفى غالب: “وأهل الحق يخالفون جميع الذي يذهبون إلى أن ابتداء الجنس البشري كان على التناسل بواسطة آدم وحواء، فهم يرون بأن الولادة كانت من الأرض عن طريق التفاعل تحت تأثير الأفلاك، وهم يفرقون بين المبدأ الروحاني عن طريق الإبداع والانبعاث، والمبدأ البشري في عالم الكون والفساد عن طريق التفاعل مع الأرض بتأثير الأفلاك”([33]).
أما المعاد فهم يعتقدون أن النفس بعد مفارقة الجسد تكون على صورتين: إما نفس صالحة مستجيبة، وإما نفس خبيثة مخالفة، فالنفس الصالحة المستجيبة هي التي اكتسبت المعارف الربانية والآراء الصحيحة المنجية المستفادة من العلوم من الحدود مع الاعتراف لكل حد بفضله في مرتبته الوحدانية مع الكثرة من الأعمال الخيرية والشرعية والمواظبة عليها، فكلما اكتسبت هذه النفس من تلك الخيرات أخذت ترتقي من حد إلى حد، وتصير هي وهذا الحد الذي وصلت لرتبته شيئا واحدًا, وتظل ترتقي في الحدود حتى تصل إلى جوار باب القائم، والذي ييسر لها هذا الرقي هو المدبر؛ لما علم من أنها تستحق ذلك على قدر ما اكتسبته في الدنيا.
أما النفس المخالفة الخبيثة فتتحول إلى صور ظلمانية، في عالم مظلم، فيحصل للنفس الرهبة والفزع والاستوحاش، فلا تستطيع الصعود إلى الحد الروحاني الذي انبثقت منه، ولا تستطيع أن ترجع إلى الجسد الذي فارقته، فتظل في العالم المظلم هذا حتى تصعد إلى ذنَب التنين في الفلك، ثم تذهب إلى برزخ العذاب الأدنى، والذي من بعده تصعد إلى العذاب الأكبر([34]).
سادسًا: عقائد البهرة في البعث والقيامة:
تنكر فرقة البهرة القيامة وما يترتب عليها من أهوال وفزع كما جاء في القرآن والسنة، وذهبوا يقولون بأن القيامة هي قيام القائم المنتظر لمحاسبة الناس من دون الله، فمن آمن به وانتظره كانت له السعادة, ومن جحده ولم ينتظره كانت له الشقاوة، وهذا القائم الذي سيحاسب البشر هو مِن ولد الطيب بن الآمر بأحكام الله.
وينكرون على من قال بفناء الدنيا في يوم القيامة بأنه لو صح ذلك فهذا يدل على ضعف الوجود الذي أبدعه الباري ونقصه, وهذا محال؛ لذلك ينكرون يوم القيامة على حد زعمهم([35]).
سابعًا: العقيدة في الصحابة:
لم تختلف عقائد البهرة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن غيرها من فرق الشيعة الأخرى؛ فهم يعتقدون أن جميع الصحابة قد كفروا وارتدوا بعد النبي صلى عليه وسلم إلا نفرًا يسيرًا منهم، ويعتقدون أن الأئمة الثلاثة -أبو بكر وعمر وعثمان- مغتصبون الخلافة من علي بن أبي طالب([36]).
يقول الداعي الإسماعيلي علي محمد بن الوليد في حق الصحابة ومن اتبعهم: “وقد اعترف المخالفون أن إمامة الثلاثة ليست بنص؛ لأنهم قد جحدوا النص والوصية، وفيما جرى في السقيفة من الأحوال ما يجب للعاقل أن يفكِّر فيه”([37]).
العبادات الظاهرة عند البهرة:
البهرة وإن كانوا يُظهرون الموافقة للمسلمين في العبادات الظاهرة إعمالًا لمبدأ التقية، إلا أنهم يختلفون في شرائعهم عن المسلمين اختلافًا تامًّا، والموافقة إنما تكون في الظاهر فقط.
فعمدة التقويم الإسماعيلي إتمام شهر المحرم بثلاثين يومًا، ونقصان صفر، وإكمال الربيع، ونقصان أخيه، وإتمام جمادى الأولى، ونقصان الآخر، وإتمام رجب، ونقصان شعبان، وإتمام رمضان، ونقصان شوال، وإتمام ذي القعدة، ونقصان ذي الحجة ما لم تكن السنة كبيسة.
وينبني على هذا التقويم تقديم صيامهم وصلاتهم وأعيادهم قبل يوم أو يومين، وهكذا الحج إلى بيت الله الحرام([38]).
وينقل الشيخ محمد نجم الغني عن أحد حجاج البهرة قوله في أداء مناسك الحج: “إنا وصلنا عرفات قبل الناس، كما وصل إليها إسماعيلية اليمن… وقد أدّى جميعنا مراسم الحج قبل الناس بيومين. وحين تجمهرنا في عرفات تحت قيادة عالم إسماعيلي يمني أحاط بنا جمع من أهل السنة، وسألونا عما نعمل قبل الوقفة، فأجبناهم بقراءة أدعية مأثورة، فانصرفوا بعد سماع هذا الجواب الساذج، ثم انصرفنا إلى مزدلفة، وقضينا فيها ليلتنا جوار طريق الطائف الذي يسلكه الحجاج القادمون من هذه المدينة، وكلما سألَنا الجمع السني القادم إلى عرفة عن سبب انصرافنا عنها أجبناهم بأنا قادمون من الطائف، سننزل مكة، ثم نقدم منها إلى عرفة، وهكذا قضينا تلك الليلة، ثم عدنا إلى عرفة، وسرنا شركاء لعامة الحجيج”([39]).
كذلك أباحوا الربا علانيةً عطاءً وأخذًا، ويرون أن الكعبة هي رمز على الإمام.
وفي صلاتهم يتوجهون إلى قبر الداعي الحادي والخمسين طاهر الدين المدفون في مدينة بومباي في الهند، ويطلقون عليه اسم “الروضة الطاهرة”.
وتجب عليهم الصلاة في العشرة أيام الأولى من شهر المحرم، وفي غيرها لا تجب عليهم الصلاة. ولا يصلون إلا في مكان خاص بهم يسمى: الجامع خانة، وإذا لم يذهب الشخص منهم إلى الجامع خانة في العشرة أيام الأولى من المحرم يطرد من الطائفة ويفرض عليه الحرمان.
والزكاة والصيام والحج عندهم معان غير التي يفهمها عامة المسلمين.
وكل فرد قبل أن يسافر يذهب إلى الروضة الطاهرة ويطوف بها عدة مرات. وهكذا إذا جاء من السفر يطوف عدة مرات قبل الذهاب إلى بيته وأهله([40]).
أطماع البهرة في العالم الإسلامي:
بعد سقوط الحكم الصليحي في اليمن لم يعد للبهرة دولة يحتمون بها، فلم يجدوا ملاذًا آمنًا إلا في الهند، وخاصة في ولاية جوجرات بمدينة بومباي؛ وذلك لدخول كثير من الهندوس إلى معتقد الإسماعيلية، والذي ساعدهم في ذلك التجارة التقليدية التي كانت قائمة بين اليمن والهند آنذاك، وظلت البهرة في سكون تام بعيدًا عن الحراك السياسي، ولم يُسمع عنهم شيء، ولكن القوم لم ينسوا أنه كانت لهم دولة، والتي طال الاشتياق إلى إقامتها وإعادة مجدها كما فعل أسلافهم.
وبعد أن استطاعوا جمع شملهم وشتاتهم في الهند بدأ يعاودهم حلم إقامة الدولة العبيدية الفاطمية من جديد، خاصة بعد أن أصبح لهم شأن ومكانة داخل الهند وخارجها؛ وذلك نتيجة للعلاقات السياسية والاقتصادية التي تميزوا بها، وهذا سيظهر من خلال النقاط التالية:
أولًا: البهرة والاستعمار:
من مظاهر تعاونهم مع الاستعمار ما يلي:
1- في عهد الداعي الرابع والأربعين محمد عز الدين وقعت سرقة ضخمة من مسكن اللورد ألفنستن المسئول عن شركة الهند الشرقية عام 1233هــ/ 1816م في بومباي، وكان من ضمن السرقات سجلات الشركة الرسمية، وبعض الأشياء الثمينة، حاولت الشركة القبض على المجرمين فلم تفلح، فاتصلت بنائب داعي الهند، والتمست منه العون في ذلك، فرحب بذلك، وتمكن خلال أيام من رد السجلات دون غيرها، ومنذ ذلك الحين وطدت العلاقات بين الطرفين، وأصبح فرض عين على كل رئيس للشركة الاتصال بالداعي طلبًا لمعونته في استتباب الأمن.
2- قتل العالم رمضان علي السني في حي البهرة بمندسهور في 25 ربيع الثاني 1239هـــ في عهد الداعي الخامس والأربعين على أيدي حرسه الخاص، وحاول السنيون الأخذ بثأره بمحاصرة مسكن الداعي، فاستنجد بالإنجليز، فأسعفوه بثلاث كتائب من جيشهم المسلح.
3- شرعوا له قانونًا يخوّله إقامة كتيبة مسلحة تحفظه وتحفظ أتباعه، وسمحت له بحمل السلاح في الوقت الذي سنَّت فيه قانونًا بمنع حمل السلاح في ذلك الوقت، وسمحت له بالحرية في اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة للمصلحة المشتركة في ذلك الوقت، وكانت هي الحامية له من المثول أمام القضاء إذا حدث أي نزاع بسبب هذه الصلاحيات التي أعطتها له سلطات الاحتلال البريطاني، واعتبره الإنجليز أعظم رؤساء منطقة دكن على الإطلاق.
4- أما في عهد الداعي الحادي والخمسين للبهرة طاهر سيف الدين فما إن تولى سُدَّة الدعوى -وكان ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى- حتى أعلن ولاءه لسلطات الاحتلال الإنجليزي، ولم يكتف بذلك، بل عمل بكل ما أُوتي من نفوذ على مساعدة قوات الاحتلال وإنقاذها بكل السبل، فوهب لها الأموال الطائلة والمساعدات بكافة أنواعها، وحث أتباعه على مساعدة الإنجليز بكل الطرق([41]).
موقفهم من أهل السنة تحت حكم الإنجليز:
بعد الحرب العالمية الأولى أظهر البهرة العداء الشديد لأهل السنة، وألف داعي البهرة طاهر سيف الدين كتابه “ضوء نور الحق المبين”، وحكم فيه بكفر جميع أمة التوحيد، وكل من ليس من أتباعه، واتهمهم بالضلال المبين والعذاب الوبيل([42]).
البهرة والأمريكان:
وصلت علاقة البهرة بالأمريكان ذروتها عندما تولى الحكم في أمريكا جورج دبليو بوش الابن، والذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري المحافظ المعروف بمرجعيته الصليبية، والتي أثَّرت على مرجعية اتخاذ القرار في أمريكا، وهذا يفسِّر لنا بلوغ هذه العلاقة إلى هذه القوة في ظل هذا الرئيس الصليبي المحافظ، وهو ما اعتدنا عليه من وجود التعاون المشترك الدائم على مر العصور بين الشيعة والنصارى واليهود في تحقيق مخططاتهم ومصالحهم المشتركة.
وهذا التعاون يظهر في الحفاوة والاهتمام البالغ بسلطان البهرة عند زيارته لأمريكا، وإقامة الاحتفالات له والولائم، وتوافد الوفود عليه من كل مكان.
فضلًا عن إقامة علاقات قوية مع إسرائيل، فمنذ مطلع الثمانينيات قامت البهرة بزيارات متعددة لإسرائيل حرصت فيها على توطيد العلاقات بينهما([43]).
البهرة في مصر:
يَعتبِر البهرة مصر ميراثًا لهم، فهم إلى الآن يعتبرون مصر دولة فاطمية، ويمنّون أنفسهم بالعودة إليها وإعادة الخلافة الفاطمية الباطنية المزعومة، والظاهر أن البهرة بدؤوا في مخطط العودة إلى مصر في أواخر السبعينات في عهد السادات الذي وافق على وجودهم، بل وافتتح ترميم مسجد الحاكم بأمر الله معهم عام 1980م.
ثم ازداد نشاطهم في فترة الثمانينات. وقد اتجه البهرة فور وصولهم إلى مصر إلى القاهرة الفاطمية، وأقاموا فيها، وبدؤوا رحلة البحث عن مراقد وآثار الفاطميين، والعمل على بعثها وتجديدها.
وكان من أشهر الآثار الفاطمية التي قام البهرة بتجديدها في مصر مسجد الحاكم بأمر الله المسمى بالجامع الأنور، الملاصق لسور القاهرة من الجهة الشمالية بجوار بوابة الفتوح، وهو من أضخم مساجد القاهرة، وقد استخدمه صلاح الدين ومن بعده ملوك الأيوبيين بعد أن تم إغلاق الجامع الأزهر.
ولم تقتصر مهمة البهرة في مصر على آثار الفاطميين وحدهم، بل امتدت لتشمل مراقد آل البيت في مصر، فقاموا بتجديد مرقد السيدة زينب بالقاهرة ومقصورتها، كما جددوا مقصورة رأس الحسين المزعومة، وجددوا قبر مالك الأشتر الذي دفن إلى جواره مؤخرًا شقيق شيخ البهرة.
ووهبوا لمشهد الحسين والسيدة زينب ضرائح الذهب والفضة، وأهدى الأزهر سلطانهم الدكتوراه الفخرية! ويقيم البهرة شعائرهم علنًا في مسجد الحاكم بأمر الله.
وهم لم يكتفوا بمجرد الإقامة في مصر وبجوار القاهرة القديمة، بل اتجهوا إلى إقامة المشروعات التجارية، وبعضهم اشتروا بيوتًا ومحلات تجارية في الشارع القديم الذي يشق قلب القاهرة القديمة والمسمى بشارع المعز لدين الله الفاطمي.
وبعد ترميم ضريح السيدة زينب وبعض المساجد الأثرية أصبحت مراكز لهم تقدم الخدمات للفقراء والأيتام في هذه الأحياء القديمة من القاهرة، وهي الأحياء الفقيرة، ومع هذه الخدمات تقدم الدعوة الشيعية([44]).
العلاقات السياسية للبهرة في مصر:
الملاحظ في تسلل البهرة إلى مصر توطيد علاقتهم بالزعماء السياسيين، ففي عهد جمال عبد الناصر جاء الداعي الحادي والخمسون طاهر سيف الدين إلى مصر، وجاء محملًا بالقبب الذهبية لقبور آل البيت المزعومة، فجاء بهذه القبب الذهبية يُهديها مصر لتوطيد العلاقات معها، مما دفع الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى أن يرد الهدية بهدية مثلها وذلك بإعطائه 39 قطعة أثرية فاطمية هدية لهذا الداعي، ثم قام طاهر سيف الدين بإرسال ابنه محمد برهان الدين الداعي الحالي لفرقة البهرة ليشرف بنفسه على تركيب هذه القبب الذهبية، فكرمته الحكومة المصرية بمنحه الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة وذلك عام 1966م.
وفي عهد السادات قاموا بترميم جامع الحاكم بأمر الله كما ذكرنا، بل والأدهى من ذلك أنهم طالبوا بإنشاء مؤسسة جامعية خاصة بهم على غرار الجامعة السيفية التي أنشؤوها في بومباي، والتي تدرِّس المعتقد الإسماعيلي الشيعي، فسمح لهم السادات بترميم الجامع، ولكن لم يوافق لهم على إنشاء المؤسسة الجامعية التي طالبوا بإنشائها.
وفي عهد مبارك نال البهرة امتيازات كثيرة لم تكن لهم قبل ذلك، وهذا ظهر جليًّا عندما طالعتنا الصحف بصورة مبارك مع سلطان البهرة محمد برهان الدين مرتديًا وشاحهم الذي لا يرتديه سوى زعيم الطائفة؛ لتكون إشارة واضحة لعمق العلاقة بين الجانبين والمدى الذي وصلت إليه.
وفي الوقت الحالي قاموا بالتبرع لصندوق “تحيا مصر” بمبلغ عشرة ملايين جنيه، وقد استقبلهم الرئيس بنفسه، وجاء في جريدة الأهرام الرسمية: “وقد رحب الرئيس بسلطان البهرة في زيارته الأولى مصر منذ توليه هذا المنصب في يناير 2014م خلفا لوالده، مشيدا بالجهود التى تبذلها طائفة البهرة لترميم المساجد الأثرية في مصر، منوِّهًا إلى الإجراءات الاقتصادية التى تتخذها الدولة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية، وتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات، وذلك في ضوء اشتغال طائفة البهرة بالتجارة واهتمامهم بالاستثمار في مصر، لا سيما في مجال المنتجات الغذائية وصناعات الورق والرخام”([45]).
وشارك سلطان البهرة مفضل سيف الدين في الاحتفال بافتتاح مسجد الحسين في القاهرة مع رئيس الجمهورية، وأصدر المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية بيانا قال فيه: إن سلطان البهرة له جهود مقدرة في ترميم وتجديد مقامات آل البيت وعدد من المساجد المصرية التاريخية، منها أضرحة السيدة نفيسة والسيدة زينب ومسجد الحسين، فضلا عن الأنشطة الخيرية الأخرى المتنوعة لطائفة البهرة في مصر، بالإضافة إلى دعم صندوق “تحيا مصر”([46]).
وأثار تزايد أعداد طائفة البهرة علامات استفهام في مصر، خاصة فيما يتعلق بأنشطتهم التي أصبحت ظاهرة بشكل كبير، حتى إن سلطان البهرة محمد برهان أصبح يأتي إلى مصر كل عام للاطمئنان على رعاياه وأبناء الطائفة، كما يحتفلون هم بمولده أمام مسجد الحاكم بأمر الله في قلب القاهرة.
وفى المهندسين وشارع سوريا تحديدًا يوجد للبهرة مكتب يدعى: «مكتب سلطان طائفة البهرة في مصر»، يقوم بعمل المنسق بين أبناء الطائفة، وهو ما يدعو للتساؤل حول حجم أعداد الطائفة في مصر ونشاطاتها غير الظاهرة([47]).
ثم اتجهت البهرة بعد ذلك إلى تنفيذ مخطط أكثر دهاءً، فذهبوا يستولون على الأراضي والمَحالِّ والشقق السكنية، وذلك عن طريق الشراء بأبهظ الأثمان حتى لا يتردد سكان هذه المناطق في البيع لهم، إلى أن وصل الأمر بأنهم استطاعوا شراء أغلب منطقة الجمالية وصل إلى حد 75% من مساحتها، فأصبح الأمر أشبه بالاحتلال([48]).
استغلال البهرة للنفوذ الصوفي في مصر:
نظرًا لما بين التصوف والتشيع من صلات فإن البهرة تعتمد في توغّلها داخل المجتمع المصري على الصوفية، وذلك من خلال الاجتماع على الأضرحة والقبور المنسوبة لآل البيت، وإظهار الغلو فيهم والانتساب لهم، هذا مع ما يظهرونه من الحرص على بناء المساجد والقيام بترميمها والإنفاق عليها.
وساعد البهرة في ذلك تحوّل الكثير من الطرق الصوفية إلى التشيع، كما حدث مع الطريقة العزمية التي تصدر مجلة “الإسلام وطن”، والتي صُنعت خِصيصًا للدفاع عن التشيع، بل وجعلت لها ملحقًا تحت اسم: “الشيعة والتشيع في فكر القادة ورؤية الأئمة شبهات حول الشيعة” للدفاع خصيصًا عن الفكر الشيعي وإثبات أفضلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه على سائر الصحابة.
البهرة في الخليج:
تسلّل البهرة إلى دول الخليج لدرجة أن أصبح لهم مكاتب رسمية في الإمارات السبع التي تشكل اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد اختاروا دبي لتكون رأس حربة لهم؛ لأسباب كثيرة، لعل أهمها طابع المدينة التجاري المنفتح -ومعظم البهرة من التجار-، كذلك لا يمكن إغفال سيطرة الصوفية على الأوقاف في دبي وهو أمر معلوم للجميع.
كما أن التركيبة السكانية في الإمارات وضعف اللغة العربية والمعلومات الدينية الصحيحة لدى معظم الوافدين -وخصوصًا من الجنسيات الآسيوية- يجعل من البلد نقطة انطلاق مثالية للترويج لمذهبهم بين هؤلاء([49]).
وبسبب هذا النشاط والانتشار الواسع في الدول العربية والإسلامية فوجئ الجميع بما هو أخطر من ذلك وأعظم، وذلك بخروج رئيس دولة عربية على العالم العربي يقوم بدعوتهم جميعًا إلى التكاتف لإقامة الدولة الفاطمية، مدعيًا أن بإقامتها تتوحَّد الأمة وتقوم الخلافة([50]).
فتاوى العلماء عن فرقة البهرة:
ورد اللجنةَ الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية هذا السؤالُ:
كبير علماء بوهرة يصر على أنه يجب على أتباعه أن يقدموا له سجدة كلما يزورونه، فهل وجد هذا العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين، وحديثًا نشرت صورة لرجل بوهري يسجد لكبير علماء بوهرة في جريدة “من” الباكستانية المعروفة الصادرة في 6/ 10/ 1977م، ولإطلاعكم عليها نرفق لكم تلك الصورة؟
فأجابوا:
السجود نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بها لنفسه خاصة، وقربة من القرب التي يجب أن يتوجه العبد بها إلى الله وحده؛ لعموم قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، ولقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]، فنهى سبحانه عباده عن السجود للشمس والقمر؛ لكونهما آيتين مخلوقتين لله، فلا يستحقان السجود ولا غيره من أنواع العبادات، وأمر تعالى بإفراده بالسجود لكونه خالقًا لهما ولغيرهما من سائر الموجودات، فلا يصح أن يُسجد لغيره تعالى من المخلوقات عامة، ولقوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 59-62]، فأَمر بالسجود له تعالى وحده، ثم عمَّ فأمر عباده أن يتوجهوا إليه وحده بسائر أنواع العبادة دون سواه من المخلوقات، فإذا كان حال البوهرة كما ذكر في السؤال فسجودهم لكبيرهم عبادة وتأليه له، واتخاذ له شريكًا مع الله، أو إلهًا من دون الله، وأمره إياهم بذلك أو رضاه به يجعله طاغوتًا يدعو إلى عبادة نفسه، فكلا الفريقين -التابع والمتبوع- كافر بالله خارج بذلك عن ملة الإسلام، والعياذ بالله.
الشيخ عبد العزيز بن باز – الشيخ عبد الرزاق عفيفي – الشيخ عبد الله بن غديان – الشيخ عبد الله بن قعود([51]). ببب
وجاء في فتوى مجمع البحوث الإسلامية بشأن شرعية تلك الطائفة:
“إن هذه الطائفة أساسها فكر شيعي،حيث يزعمون أن الله بعد الظهور في الأئمة الاثني عشر ظهر في أحمد الأحسائي ومن جاؤوا بعده، وما يدل على ذلك أن شعارهم العام هو اللافتات المعلقة في بيوتهم وعليها عبارة: (يا إلهى بهاء)،كما يزعمون عدم ختم النبوة بسيدنا محمد، وعدم الاعتراف بالقيامة وما بعدها، وتأويلهم الجنة بالحياة الروحية، والنار بالموت الروحي، وإنكارهم لمعجزات الأنبياء، والإسراف في تأويل القرآن”.
وذكر مجمع البحوث الإسلامية أن هناك فتوى للشيخ سليم البشري شيخ الأزهر الشريف وذلك عام 1910م بكفر زعيم البهائيين ميزر عباس، كما صدر حكم قضائي عام 1946م من محكمة المحلة الكبري الشرعية بطلاق امرأة اعتنق زوجها تلك النحلة على اعتباره مرتدًا.
كما أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر عام 1947م فتوى بردة من يعتنق تلك الطائفة.
وصدرت فتوى من دار الإفتاء تحت رقم 680732، بتاريخ 18/ 2/ 2014م، جاء فيها: “إن طائفة البهرة فرقة خارجة عن الإسلام، وحكمهم في التعاملات نفس حكم المشركين في عدم جواز أكل ذبائحهم، وعدم جواز الزواج من نسائهم”([52]).
وفي فتاوى دار الإفتاء المصرية، في مايو سنة 1997م، سُئل الشيخ عطية صقر:
نسمع عن طائفة مسلمة تعيش في الهند تسمى بالبهرة، فما أصل هذه الطائفة؟ وما صلتها بالأمة الإسلامية؟
الجواب:
1- البهرة: طائفة من الشيعة مركزها الآن “بومباي” بالهند، يقرب عددهم من مليون ونصف المليون، والبهرة هي الوسط من كل شيء، أو الوسط من الطريق، وهو في الأصل اسم لقبيلة من اليمن، يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين -أمير الجامعة السيفية-: الدعاة الفاطميون حين نزلوا على الساحل الغربي للهند “ساحل بحر العرب” سألهم أهل الهند: من أنتم؟ قالوا: جئنا للتجارة. والتجار في اللغة الهندية المحلية كانوا يسمون: “وهرة”، وبلغة الهند حيث الواو والباء مترادفتان سموا “البهرة”، فاسمهم مشتقّ من اللغة الكجراتية “الجوجاراتيه” السائدة في غربي الهند.
2- البهرة أصلهم فاطمي، خرجوا من مصر والدولة الفاطمية قائمة، وعند زوالها من مصر واغتيال الخليفة العشرين “العامر بالله” سنة 1130م ادعى قبل موته التنبؤ ببداية مرحلة من الفوضى، وأن استمرار دعوته لا بد أن يكون في الستر والخفاء، وقد ورث عنه ابنه الأوسط “الطيب” الإمامة وهاجر مع أتباعه إلى اليمن، وقد تسلسل الدعاة في اليمن أربعة قرون تقريبا، ثم نقلوا مركز الدعوة إلى الهند.
ويحاول البهرة أن يكون طراز حياتهم فاطميًّا، فقد كانوا أولا في المدينة إلى أيام جعفر الصادق، ثم انتقلوا إلى عدة مراكز في “سلمية” بسوريا، وأرادوا أن يقيموا دولة، فأقاموها أولا في “إيكجان” بالجزائر، ثم بنوا عاصمتهم “المهدية” في تونس، واختاروا “المنصورية” عاصمة لهم، ثم القاهرة، وقد تم ذلك في عهد أربعة أئمة: المهدي بالله، القائم بأمر الله، المنصور بالله، ثم المعز لدين الله الذي نقل العاصمة إلى القاهرة.
بعد المعز لدين الله جاء العزيز بالله، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر بأحكام الله، والأخير هو الإمام العشرون في عداد الأئمة الفاطميين بعد علي بن أبي طالب. وابنه الطيب هو الحادى والعشرون، والإمام الآمر هو الذي أمر بحمل ابنه الإمام وإبعاده عن القاهرة إلى بقعة أخفوها عن الناس، ثم أقاموا لهم في اليمن نائبا، فالفاطميون يعتقدون أن الأئمة من نسل الإمام الطيب، وأن النواب والدعاة تسلسلوا من نسله إلى وقتنا هذا، فوجود الداعي يدل على وجود الإمام.
وسوف يأتي يوم يظهر فيه الإمام. يقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: نحن نختلف مع الاثنى عشرية، فالذي اختفى عندهم هو الإمام الثاني عشر والذي سيظهر بشخصه يوما ما، أما نحن فنقول: إن الذى اختفى هو “يالطيب”ي، وحين انتهى عمره الطبيعي خلفه ابنه إماما، وهكذا فنحن لا نعتقد أن الإمام يعيش فوق عمره الطبيعي.
وسلاطين البهرة هم النواب، ورتبهم الدينية هي رتبة الداعي المطلق، واشتهروا بالسلاطين في اليمن والهند، وهم دون الأئمة رتبة. ويدعون لهم ولا يدعون لأنفسهم. والعصمة للإمام ومن ينوب عنه من الدعاة حتى لا يخرج عن المذهب.
3- جاء في الحديث عنهم: أن العامر بالله المتوفى سنة 1130م عيّن قبل وفاته مجلسا للوصاية من بعض الدعاة على ورثته وهو ابنه الطيب، كما عين أخاه عبد الماجد لرعاية شئون الجماعة الدنيوية نيابة عن الطيب، ولكن بعد موت العامر اغتصب عبد الماجد الإمامة من ابن أخيه بمساعدة قائد الجيش، فلما شعر أعضاء المجلس بتعرض الطيب للخطر أخفوه عن الأنظار، ولم يعرف عنه شيء بعد ذلك، واعتبروا هذا بداية عهد الستر، وقد نشطت الدعوة في اليمن منذ أواخر القرن الحادي عشر حيث كانت مقرا لداعيهم، وانتشرت عن طريق التجارة في شرقي أفريقيا وغربي الهند، وهم مشهورون بمزاولة التجارة والثراء العظيم.
ولا بد أن يدفع كل بالغ مبلغا من المال للجماعتين على دفعتين في العام، يتناسب مع ثروته وأهمية المناسبة، وغالبًا ما يكون من 1-5 شلن. يذهب جزء من المبالغ إلى خزينة السلطان، ويحتفظ مندوبوه المعروفون بالعمال في الأقاليم بالباقي، ويحصل كل منهم على مرتب ثابت ومقرّ لإقامته بالمجان، فضلا عن مكافأة من خزينة المجلس للطائفة، ولهذا يطمع الكثيرون في هذه المناصب.
4- أركان الإسلام عندهم سبعة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والولاية، والطهارة، وتتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام، ويقول الأمير الدكتور يوسف نجم الدين: قولنا بالطهارة احتياط، لأننا في وسط بيئة غير مسلمة -بالهند- وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهرا، ويصلون العيد بدون خطبة أربع ركعات، ويقدسون مأساة كربلاء لمدة عشرة أيام، ويحتفلون بيوم “غدير خم” في يوم 18 من ذي الحجة حيث تمت الوصية للإمام علي، يصومون فيه ويجددون العهد للداعي المطلق في بومباي أو الدعاة المبايعين وهم نوابه في الأقاليم. وأتباع الداعي يطيعونه طاعة عمياء، وهناك عهد قديم بالولاء للإمام الطيب والإمام المنتظر. والداعي المطلق عندهم معصوم في كل تصرفاته.
5- زعيمهم الراحل هو الدكتور ملا صاحب أبو محمد طاهر سيف الدين، كان شاعرًا، ورأس جامعة “عليكره،” واهتم بالعلوم الدينية وإحياء التراث الفاطمي، وهو الداعية رقم 51 في سلسلة الدعاة الفاطميين، وتولى هذه الدعوة من سنة 1915م إلى سنة 1965م، وطور الدراسة في الجامعة “السيفية” في مدينة “سورت” وهي حصن الثقافة الإسلامية والعربية، وكان يلقي محاضرات باللغة العربية في رمضان، وتطبع بعنوان: “الرسالة الرمضانية”. والزعيم الحالي هو الدكتور محمد برهان الدين الداعية رقم 52. وقد أقاموا للداعية الراحل مسجدا وضريحا في قلب الحي التجاري في بومباي في منطقة: “بهاندي بازار”، واحتفلوا بافتتاحه يوم السبت 8 من ربيع الآخر سنة 1395هـ (9/ 4/ 1975م) في شارع إبراهيم رحمة الله. ودعي إليه علماء كثيرون، منهم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، والشيخ محمد خاطر مفتي مصر، ومعهما الشيخان محمود خليل الحصري وعبد الباسط محمد عبد الصمد لقراءة القرآن، والشيخ محمد الطوخي للأناشيد.
ويوجد في مكتبة السلطان ومكتبة الجامعة السيفية مخطوطات فاطمية نقلت بعد ضعف الدولة الفاطمية من مصر إلى اليمن ثم الهند، وحافظوا عليها حتى منعوا تداولها، ثم أباح السلطان أو الزعيم الراحل نشر بعضها.
والضريح مبني على الطراز الفاطمي، حيث حضر إلى مصر مهندس منهم اسمه يحيى مرتد، وصور عدة مساجد من ذلك العهد، والمسجد يسمى: “روضة طاهرة”، مساحته ثلاثة آلاف متر مربع، عرض كل جدار إحدى وخمسون قدما، رمزا لرقم الداعية المتوفى، والارتفاع ثمانون قدمًا رمزا لعمره، وغطيت جدرانه بالمرمر المضاهي لمرمر “تاج محل” من منطقة “راجستان” بالهند، ومن مميزاته أنه يظل باردا على الرغم من حرارة الجو، ونقش القرآن كله على ألواح مرمرية عددها 772 كل لوح 2×3 من الأقدام، ورصعت البسملات بخمسة أنواع من الجواهر: الياقوت، المرجان، الدر، الزمرد، الماس.
وسورة الإخلاص كلها مرصعة بالياقوت الأحمر، واستغرق البناء ثماني سنوات، منها أربع لحفر القرآن وطلائه -سنتان للحفر، وسنتان للنقش،- والطلاء والترصيع-([53]).
وفي فتوى أيضًا لدار الإفتاء المصرية بتاريخ 14 يناير 2013م، رقم الفتوى 2390، كان السؤال عن حكم الإسماعلية والإباضية، فأجابت:
الإسماعيلية: فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعّبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر، وحقيقتها تخالف العقائد الإسلامية الصحيحة، وقد مالت إلى الغلو الشديد حتى إن الشيعة الاثني عشرية يكفرونها.
يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي -وهو واحد ممن سبروا أغوار هذه الطائفة عن قرب- عن دعوة الإسماعيلية في كتابه “فضائح الباطنية” (ص: 18، ط. مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت): “مما تطابق عليه نقلة المقالات قاطبة أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة، ولا معتقد لنحلة معتضد بنبوة، فإن مساقها ينقاد إلى الانسلال من الدين كانسلال الشعرة من العجين” اهـ.
ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه “اعتقادات فرق المسلمين والمشركين” (ص: 76، ط. دار الكتب العلمية): “الباب التاسع: في الذين يتظاهرون بالإسلام وإن لم يكونوا مسلمين. وفرق هؤلاء كثيرة جدًّا، إلا أننا نذكر الأشهر منهم: فالفرقة الأولى: الباطنية. اعلم أن الفساد اللازم من هؤلاء على الدين الحنيفي أكثر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار، وهم عدة فرق، ومقصودهم على الإطلاق إبطال الشريعة بأسرها ونفي الصانع، ولا يؤمنون بشيء من الملل، ولا يعترفون بالقيمة، إلا أنهم لا يتظاهرون بهذه الأشياء إلا بالآخرة” اهـ.
وقد تلوّنت هذه الطائفة وأحاطت نفسها بالغموض والكتمان، وتشعبت واشتهرت بعدة أسماء؛ كالباطنية والخرمية والقرامطة والمحمرة والسبعية والتعليمية والإسماعيلية وغير ذلك، ويشرح حجة الإسلام الغزالي سبب تلقيبهم ببعض هذه الأسماء فيقول في “فضائح الباطنية” (ص: 11-12): “أما الباطنية فإنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صورًا جليَّةً، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة، وأن من تقاعد عقله عن الغوص على الخفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها مسارعًا إلى الاغترار كان تحت الأواصر والأغلال مُعنّى بالأوزار والأثقال، وأرادوا بالأغلال التكليفات الشرعية، فإن من ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف، واستراح من أعبائه، وهم المرادون بقوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157]، وربما موهوا بالاستشهاد عليه بقولهم: إن الجهال المنكرين للباطن هم الذين أريدوا بقوله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: 13]. وغرضهم الأقصى إبطال الشرائع، فإنهم إذا انتزعوا عن العقائد موجب الظواهر قدروا على الحكم بدعوى الباطن على حسب ما يوجب الانسلاخ عن قواعد الدين إذا سقطت الثقة بموجب الألفاظ الصريحة، فلا يبقى للشرع عصام يرجع إليه ويعول عليه” اهـ.
ثم يقول حجة الإسلام في (ص: 14-17): “وأما الخرمية فلقبوا بها نسبة لهم إلى حاصل مذهبهم وزبدته، فإنه راجع إلى طي بساط التكليف، وحطِّ أعباء الشرع عن المتعبدين، وتسليط الناس على اتباع اللذات، وطلب الشهوات، وقضاء الوطر من المباحات والمحرمات.
وخرم: لفظ أعجميّ ينبئ عن الشيء المستلذّ المستطاب الذي يرتاح الإنسان إليه بمشاهدته ويهتزّ لرؤيته، وقد كان هذا لقبًا “للمزدكية” وهم: أهل الإباحة من المجوس الذين نبغوا في أيام قباذ، وأباحوا النساء وإن كنّ من المحارم، وأحلُّوا كل محظور، وكانوا يسمون “خرمدينية”. فهؤلاء أيضًا لقبوا بها لمشابهتهم إياهم في آخر المذهب وإن خالفوهم في المقدمات وسوابق الحيل في الاستدراج..
وأما التعليمية فإنهم لقبوا بها لأن مبدأ مذاهبهم إبطال الرأي، وإبطال تصرف العقول، ودعوة الخلق إلى التعليم من الإمام المعصوم، وأنه لا مدرك للعلوم إلا التعليم، ويقولون في مبتدأ مجادلتهم: الحق إما أن يعرف بالرأي وإما أن يعرف بالتعلم، وقد بطل التعويل على الرأي؛ لتعارض الآراء وتقابل الأهواء واختلاف ثمرات نظر العقلاء، فتعين الرجوع إلى التعليم والتعلم، وهذا اللقب هو الأليق بباطنية هذا العصر، فإن تعويلهم الأكثر على الدعوة إلى التعليم، وإبطال الرأي، وإيجاب اتباع الإمام المعصوم، وتنزيله في وجوب التصديق والاقتداء به منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم” اهـ.
ويقول الإمام سيف الدين الآمدي في “أبكار الأفكار” (5/ 63، ط. دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة): “وأصل دعوة هؤلاء مبني على إبطال الشرائع، ودحض النواميس الدينية؛ وذلك لأن ابتداء دعوتهم أن نفرًا من المجوس -يقال لهم: غيارية- اجتمعوا فتذاكروا ما كان أسلافهم عليه من الملك الذي غلب عليه المسلمون، فقالوا: لا سبيل لنا إلى دفعهم بالسيف؛ لكثرتهم وقوة شوكتهم، لكنَّا نحتال بتأويل شرائعهم، على وجوه تعود إلى قواعد الأسلاف من المجوس، ونستدرج به الضعفاء منهم، فإن ذلك مما يوجب الاختلاف بينهم، واضطراب كلمتهم” اهـ.
فهذه الطائفة خارجة بالفعل عن دائرة الإسلام الرحبة، وعن دائرة المذاهب الإسلامية المعتبرة، وقد تحقق لدى علماء الأمة الإسلامية بطلان ما تدعو إليه هذه الطائفة، وأنها تستدرج أتباعها إلى الإباحية، والانسلاخ من الدين بالكلية في نهاية الأمر، وإلى جحد الألوهية والنبوة والشرائع السماوية، ويمهدون لذلك بادعاء أن للنصوص الشرعية ظاهرًا وباطنًا، وأن الباطن هو المقصود دون الظاهر، وأن علم باطنها مقصور على إمام معصوم يحتكر التفسير الحقيقي لنصوص الشريعة، ويتواصل مع أتباعه من خلال نوابه، وهم رؤساء هذه الطائفة المنحرفة والداعين إليها.
ومن صور تأويلاتهم الباطنية الشاذة قولهم:
– إن الوضوء: عبارة عن موالاة إمامهم، وأن التيمم هو الأخذ من المأذون عند غيبة الإمام الذي هو الحجة، وأن الصلاة عبارة عن الناطق الذي هو الرسول بدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].
– وأن الاحتلام: عبارة عن إفشاء سر من أسرارهم إلى من ليس من أهله بغير قصد منه، وأن الغسل تجديد العهد.
– وأن الزكاة: تزكية النفس بمعرفة ما هم عليه من الدين. انظر: “المواقف وشرحه” للشريف الجرجاني (3/ 687، ط. دار الجيل)([54]).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د: محمد أحمد الخطيب، ط: دار عالم الكتب (ص: 7).
([2]) الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، ط: دار الأفاق الجديدة – بيروت (ص: 265).
([3]) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص: 20).
([4]) انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، د. مانع بن حماد الجهني، ط: دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، (1/ 383)، والحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص: 57)، ودراسات في الفرق المنتسبة للإسلام، د. محمود مزروعة، ط: دار اليسر (ص: 67).
([5]) الملل والنحل للشهرستاني، ط: مؤسسة الحلبي (1/ 191).
([6]) أصول الإسماعيلية، لسليمان بن عبد الله السلومي، رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى (2/ 435).
([7]) فضائح الباطنية، للغزالي (ص: 11).
([8]) الملل والنحل، ط: مؤسسة الحلبي (1/ 192).
([9]) محمد بن الحسن الديلمي الفقيه العلامة الحافظ، خرج من الديلم إلى اليمن وصنف فيها «قواعد أهل البيت» وهو من أصول الكتب الزيدية، اشتمل على فضل الآل، وذكر مذهب الإمامية وإبطاله، وتكفير الباطنية، وأن مذهب أهل البيت الترضي عن الصحابة. توفي رحمه الله سنة 711هـ. انظر: ملحق البدر الطالع (ص: 194).
([10]) بيان مذهب الباطنية وبطلانه، محمد بن الحسن الديلمي، ط: مطبعة الدولة، إسطنبول 1938م، (ص: 21).
([11]) فضائح الباطنية (ص: 37).
([12]) الملل والنحل (1/ 292). وانظر: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، د. ناصر بن عبد الله بن علي القفاري، دار طيبة (1/ 149).
([13]) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية، خادم حسين إلهي بخش (ص: 242).
([14]) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية، خادم حسين إلهي بخش (ص: 424).
([15]) فرقة البهرة ما زالت تحافظ على اللغة العربية وعلى نشر كتبهم باللغة العربية؛ وذلك يرجع إلى أن أغلب مصنفات دعاة الدولة الفاطمية كانت باللغة العربية، فهم يحافظون عليها إلى الآن، فنجدهم أكثر الهنود تكلمًا باللغة العربية. “وقد اعتاد طاهر سيف الدين (داعي البهرة الداودية) أن يُلقي بنفسه محاضرات على أتباعه في شهر رمضان من كل عام باللغة العربية، وتُطبع هذه المحاضرات في مجلدات باسم (الرسالة الرمضانية)، ومع ذلك فهم يتكلمون الجوجراتية أو اللغة الأوردية.
([16]) انظر: مذهبنا الإسماعيلي حقيقته ونظامة، د. زاهد علي، الطبعة الثانية (ص: 81، 121).
([17]) دراسة عن الفرق في تاريخ الخوارج والشيعة (ص: 228).
([18]) نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، على سامي النشار، ط: دار السلام (4/ 432).
([19]) في مقدمة سمط الحقائق (ص: 8-9).
([20]) طائفة الإسماعيلية، لمحمد كامل حسين (ص: 52). وانظر: أصول الإسماعيلية، لسليمان بن عبد الله السلومي (2/ 362).
([21]) أصول الإسماعيلية (1/ 456).
([22]) سلسلة ماذا تعرف عن، أحمد عبد العزيز الحصين، ط: دار عالم الكتب (2/ 615)، موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام الدرر السنية – المطلب الرابع زعماؤهم (ص: 116)- المكتبة الشاملة الحديثة.
([23]) سلسلة ماذا تعرف عن (2/ 615).
([24]) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية، للباحث ياسر حسين جمعة علي، جامعة المدينة العالمية، الفصل الأول، المبحث الأول: عقيدتهم في الإله (ص: 54).
([25]) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية، للباحث ياسر حسين جمعة علي، جامعة المدينة العالمية، الفصل الأول، المبحث الثالث (ص: 55).
([26]) الملل والنحل، للشهرستاني (1/ 193).
([27]) حقيقة مذهبنا الإسماعيلي من الداخل (ص: 103).
([28]) دراسات في الفرق المنتسبة إلى الإسلام (ص: 141).
([29]) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية، للباحث ياسر حسين جمعة علي، جامعة المدينة العالمية، الفصل الأول، المبحث الثالث (ص: 65).
([30]) انظر: موسوعة الفرق الدرر السنية، على الرابط:
https://www.dorar.net/firq/3096/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A:-%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%87%D9%85
([31]) انظر: الإسماعلية، إحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة لاهور بكستان (ص: 306) وما بعدها.
([32]) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية، للباحث ياسر حسين جمعة علي، جامعة المدينة العالمية (ص: 94).
([33]) مفاتيح المعرفة، مصطفى غالب الإسماعيلي (ص: 77).
([34]) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية، للباحث ياسر حسين جمعة علي، جامعة المدينة العالمية (ص: 97).
([35]) الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة في العالم، سامة شحادة؛ وهيثم الكسواني، ط: مكتبة مدبولي، 2007م القاهرة -فرقة الإسماعيلية- (ص: 122).
([36]) انظر: ماذا تعرف عن (2/ 650).
([37]) تاج العقائد ومعدن الفوائد، ط: مؤسسة عز الدين، بيروت (ص: 66).
([38]) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية (ص: 247).
https://dorar.net/firq/3096/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A:-%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%87%D9%85
([40]) انظر: سلسلة ماذا تعرف عن، لأحمد بن عبد العزيز الحصين (1/ 356).
([41]) أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في شبه القارة الهندية (ص: 244).
([42]) انظر: ماذا تعرف عن (2/ 666).
([43]) فرق الشيعة والإسماعيلية، أسامة شحاته، ط: مطبعة مدبولي، القاهرة (ص: 126).
([44]) https://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=8976#.YqstaHZBzIV
([45]) جريدة الأهرام المصرية، الأربعاء 22 يونيه 2022م، على الرابط:
https://gate.ahram.org.eg/News/2813233.aspx
([46]) https://www.bbc.com/arabic/world-61257956
([48]) جريدة صوت الأمة المصرية:
www.masress.com/soutelomma/4242
([49]) https://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=8976#.YqstaHZBzIV
([50]) فرقة البهرة نشأة وعقيدة ونشاطًا، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية، للباحث ياسر حسين جمعة علي، جامعة المدينة العالمية (ص: 136). وانظر: خميني العرب حسن نصر الله والرافضة الشيعة الشر الذي اقترب، د. سيد حسين عفاني، ط: دار العفاني، القاهرة (ص: 623).
([51]) فتاوى اللجنة الدائمة (2/ 382-383(.
([52]) https://www.elnabaa.net/583690
ولدار الإفتاء المصرية أكثر من فتوى تصرح بتكفير البهرة، لكن من المؤسف أن هذه الفتاوى تم حذفها من موقع دار الإفتاء المصرية.
([53]) فتاوى دار الإفتاء المصرية (8/ 394).
([54]) فتاوى دار الإفتاء المصرية، على الرابط:
https://www.dar-alifta.org/Home/ViewResearchFatwa?ID=2390&title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9