الأحد - 20 جمادى الآخر 1446 هـ - 22 ديسمبر 2024 م

هل الحج موروث وثنيّ؟!

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

المقدمة:

لقد زجَّ تجزِيءُ القضايا بعضَ الناس إلى دعاوى عريضة وشبهات باطلة؛ تأباها عقول الصغار قبل الكبار، فثمة من ينظر إلى شعائر جزئية من فريضة الحج العظيمة فيحكم عليها بأنها فريضة وثنية. وعلى الرغم من أن تلك الشعائر لا تمتّ للوثنية بصلة بل هي على النقيض من ذلك تمامًا، إلا أننا نجد من يزعم أنها شعائر وثنية. وفي هذه الورقة نبحث عن أصل الحج، هل نشأ على التوحيد؟ وعن شعائر الحج، هل فيها شيء من الوثنية والشرك؟!

أولا: التوحيد شعار الخليل ودثاره:

الحجّ مما فرض الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام، وقد عاش إبراهيم عليه السلام رمزًا من رموز الدعوة إلى التوحيد، ورافعًا لواءَه، ومقيمًا الحجَّةَ له، كما أنه ظل طوال حياته نابذًا للشرك وأهله ولو كان معهم أبوه!

نعم، هكذا كانت حياة الخليل إبراهيم عليه السلام، فكان شعاره: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 16، 17]، فكان ينادي بين قومه بالتوحيد ونبذ الشرك والبراءة منه ويقول: “{اعْبُدُوا اللَّهَ} -أيها القوم- دون غيره من الأوثان والأصنام، فإنه لا إله لكم غيره… فتأويل الكلام إذن: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا}، وتصنعون كذبا وباطلا… إن أوثانكم التي تعبدونها لا تقدر أن ترزقكم شيئا، {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} يقول: فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم، تدركوا ما تبتغون من ذلك”([1]).

وإبراهيم الذي قام على يديه معالم الحج ومناسكه هو الذي {قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 70-82]، فكان ديدنه وهجيراه أن “ربي هذا الذي بيده نفعي وضرّي، وله القدرة والسلطان، وله الدنيا والآخرة، لا الذي لا يسمع إذا دعي، ولا ينفع ولا يضرّ”([2])، يقول الإمام الطبري (310هـ) رحمه الله: “وإنما كان هذا الكلام من إبراهيم احتجاجًا على قومه في أنه لا تصلح الألوهة ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لمن يفعل هذه الأفعال، لا لمن لا يطيق نفعا ولا ضرّا”([3]).

لقد تبرَّأ إبراهيم علانية من قومه وجماعته؛ لأنهم أقاموا على الشرك، ولم تأخذه في ذلك لومة لائم، بل قام منافحًا عن دين الله تعالى مبيِّنًا فضل التوحيد وحال الموحدين قائلًا لقومه: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 78-82]، فهو عليه السلام: “شهد شهادةَ الحقّ، وأظهر خلاف قومِه أهلِ الباطل وأهلِ الشرك بالله، ولم يأخذه في الله لومة لائم، ولم يستوحش من قِيل الحقِّ والثبات عليه، مع خلاف جميع قومه لقوله، وإنكارهم إياه عليه، وقال لهم: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} مع الله الذي خلقني وخلقكم في عبادته من آلهتكم وأصنامكم، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} في عبادتي إلى الذي خلق السماوات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى، ويُحْيي ويميت، لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضر ولا ينفع. ثم أخبرهم تعالى ذكره: أن توجيهه وجهه لعبادته، بإخلاص العبادة له، والاستقامة في ذلك لربه على ما يحبُّ من التوحيد، لا على الوجه الذي يوجَّه له وَجْهه من ليس بحنيف، ولكنه به مشرك، إذ كان توجيه الوجه على غير التحنُّف غير نافع موجِّهه، بل ضارّه ومهلكه: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}”([4]).

ثانيا: قيام دعائم الحج على يد داعية التوحيد وأهل بيته:

داعية التوحيد هذا هو من أقام دعائم الحج وأركانه، ومعه قامت شعائره، فهو الذي بنى البيت الذي يحجّ إليه المسلمون، ورفع قواعده موحّدين مخلِصين خاشعين لله سبحانه وتعالى سائلين القبولَ والإخلاصَ، بل ورِزقَ التوحيد والإخلاص في ذريتهم، وأن يبعث فيهم من يحيي فيهم التوحيد عند اندثاره وخفوت ضوئه، وهو الذي {قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 131، 132]، فكان أن أسس بنيانه على التوحيد، وأسس بيته وأهله وولده على التوحيد، كما أسس قواعد البيت الحرام على التوحيد، فهو الذي أمره الله سبحانه وتعالى بأن يؤذّن في الناس بالحج، فقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، وعلى يد زوجته هاجر عليها السلام شُرع السعي بين الصفا والمروة حيث سعت باحثة عن الماء لابنها إسماعيل عليه السلام باذلة الأسباب راجية مولاها سبحانه وتعالى أن يسقيها وابنها، فبقيت تلك فريضة مذكرة بهذا العمل التوحيديّ إلى يومنا هذا، وكتب الله سبحانه وتعالى أن ينبع الماء المبارك من بين رجلي ابنهما إسماعيل عليه السلام الذي أقام دعائم البيت الحرام ورفع قواعده مع والده داعين: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (27) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128]، فكانا “قد بنياه ورفعا قواعده لكل من أراد أن يعبد الله تقرّبا منهما إلى الله بذلك… مستسلمين لأمر الله، خاضعين لطاعته، لا يشركون معه في الطاعة أحدًا سواه، ولا في العبادة غيره”([5]).

وبعد هذه الآيات أكّد المولى سبحانه وتعالى أن ملة إبراهيم هي التوحيد، وهو الدين الحق الذي لا يرغب عنه إلا من غيَّب عقله عن الحق، فقال: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، فقد “قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، فقال إبراهيم مجيبا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت العبادة، لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره”([6]).

وبعد أن أرسى أهل بيته في موضع المسجد الحرام تضرّع إلى ربه قائلًا: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 35، 36]. فإبراهيم عليه السلام هنا يضرب لنا مثلًا مهمّا في الإخلاص لله سبحانه وتعالى وحسن الظن به عز وجل، فهو يطلب من مولاه وكلّه ثقة ويقين أن تلك الصحراء القاحلة التي لا مأوى فيها ولا مسكن ولا أي شيء من مقومات الحياة البشرية، يطلب من مولاه أن يقلبها بلادًا عامرة بالتوحيد قائمة على أنين الخاضعين ودعوات المستغفرين وإنابات التائبين، وخاف عليهم من الشرك والوثنية وعبادة الأصنام فإنه قد “افتتن بالأصنام خلائق من الناس، وبين أنه بريء ممن عبدها، ورد أمرهم إلى الله”([7])؛ ذلك أن التوحيد هو المقوم الأول للسعادة والاستقرار البشري، وبعد ذلك طلب أن يرزقهم الأمن والأمان في بلادهم، والأمن في عباداتهم وشرائعهم المقامة على التوحيد من الصلاة والحج، فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، وهذا إخبار من الله “عن خليله إبراهيم أنه سأله في دعائه أن يجعل قلوب بعض خلقه تنزع إلى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم. وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حج بيته الحرام”([8])، فيجعل قلوب أمة من الناس تهوي إلى هذا البيت، فيأتونه ويحجونه تعظيمًا لله سبحانه وتوحيدًا لعبادته وحده دون ما سواه([9]).

ثم رجا خليل الله مولاه أن يغدق عليهم سبل الرزق من كل مكان، ويجعل من ذلك المكان محلًّا لعباد الله سبحانه وزواره الموحدين له؛ فقال: {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]، قال ابن كثير: “ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك وكما أنه واد غير ذي زرع فاجعل لهم ثمارا يأكلونها. وقد استجاب الله ذلك، كما قال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57] وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته وبركته: أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة، وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها، استجابة لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام”([10]).

وهكذا شرعت مراسم الحج على يد الخليل إبراهيم وآله؛ فهم من أرسوا قواعده ونصبوا معالمه، وهي من أعظم الأسر الموحّدة في تاريخ البشرية جمعاء، فالحج قام في أصله على هذا البيت التوحيدي، ولما غشيها ما غشيها من وثنيات الجاهلية أعاده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما كان عليه من قبل.

ثالثًا: تطهير الحج من أدران الشرك مع بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:

أقام إبراهيم عليه السلام قواعد البيت الحرام ودعا إلى حجّه بأمر الله سبحانه وتعالى، واقترن ذلك كلّه أشدّ الاقتران بالدعوة إلى التوحيد والنهي والتحذير الشديد من الشرك، “فجعل إبراهيم عليه السلام لا يمرّ بقوم إلا قال: أيها الناس، إنه قد بني لكم بيت فحجّوه، فجعل لا يسمعه أحد، صخرة ولا شجرة ولا شيء، إلا قال: لبيك اللهم لبيك”([11]). وتقاطر الناس من كل حدب وصوب إلى حج بيت الله الحرام مهلّلين موحّدين خاضعين خاشعين لربّ البيت العتيق، ومع تباعد الأزمان وتطاول العهود وفتور أهل العلم والإيمان دبَّ بينهم الشرك والوثنية في حجّهم، بل وصل الأمر إلى شعار حجهم وتلبيتهم حيث غدت شعارًا للشرك والوثنية بعد أن كانت شعار التوحيد، فكانوا يزعمون التوحيد ثم ينقضونه بما استحدثوه من الأنداد والشركاء لله سبحانه وتعالى، فيلبون: “لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك”([12])، فبعد أن قرّروا أنه سبحانه وتعالى أحدٌ فرد صمد ناقضوا هذا الإقرار وجعلوا له شريكًا! ثم راحوا يزعمون أنه تحت ملكه وتدبيره، فكيف يكون شريكًا له ثم هو تحت ملكه؟! فخلطوا أعمال الحج التوحيدية بأعمال ابتدعوها وثنية شركية، وجمعوا بين نقيضين لا يجتمعان، وحاولوا المزج بين مائعين لا يمتزجان، وتناقضوا في فعلهم ذلك أيما تناقض.

ومن تأمل في التلبيات التي اخترعوها في الجاهلية وحاولوا أن يصبغوها بالصبغة المشرّعة لآلهتهم يلاحظ التناقض الذي نتحدث عنه، فهم حاولوا إقحام آلهتهم مع الحفاظ على أصل التوحيد الذي شرع الحج لأجله، وكان لكل قبيلة تلبية تخصها([13]).

ولما جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم طهَّر الحج من هذه الأدران، وجعلها توحيدية خالصة كما أخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»([14]).

وبذلك أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في غير ما سورة، ففي سورة البقرة جاء الأمر بإتمام الحج والعمرة لله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وفسَّره مقاتل بأن “إتمامهما ألا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم، وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فقال: فأتموهما ولا تخلطوهما بشيء آخر”([15]).

وكذلك الأمر في سورة الحج، فبعد أن بيَّن أهمية تعظيم شعائره أمر باجتناب ما غشي شعائر الله من الوثنيات والشركيات والأنجاس فقال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 30، 31]، فقد نزلت هذه الآية محذّرة من تلك التلبيات، فقول الزور يعني الشرك بالكلام وهو ما رأيناه صريحًا في تلبيتهم([16])، ويبيّن لنا حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما السبب في نزول قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 31] قال: “حجاجا لله غير مشركين به، وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين، فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين: حجوا الآن غير مشركين بالله”([17])، وقال أبو بكر: “كان الناس يحجون وهم مشركون، فكانوا يسمونهم حنفاء الحجاج، فنزلت {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}”([18]).

ولم يكتف الإسلام بمجرد الإنكار على الشعائر والجزئيات الشركية التي دخلت شعيرة الحج العظيمة، بل منع كل ما يمت للشرك بصلة، وقطع كل وسيلة من وسائله، فبعد أن كان المشركون يحجون مع المسلمين ولا يمنعون من الحج أمر الله سبحانه وتعالى بمنعهم من الحجّ لئلا تختلط شعيرة الحج التوحيدية بما أدخلوه فيه من الشركيات والوثنيات، ووصى بعدم الخوف من الفقر لما في إعراض المشركين من خسارة؛ فإن الرزق والمال والسعة بيد الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 28]، أي: “فامنعوهم ولا تدعوهم يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرم… بعد العام الذي… حج بالناس أبو بكر، وهي سنة تسع من الهجرة”([19]).

ولم يكن هذا كل ما أدخل من الخرافات في فريضة الحج، بل إن الجاهليّين قد خلطوه بجملة كبيرة من الوثنيات والخرافات، وأبطل ذلك كله الإسلام، ومن أعجب ما ابتدعوه أنهم فرضوا على من كان من خارج الحرم أن يطوف في ثياب أحد أهل الحرم وإلا طاف عريانًا!([20]). وقد أبطل الإسلام ذلك كله، وأعاد فريضة الحج إلى الحنيفية السمحة التي شرعها الله على يد الخليل عليه السلام.

رابعًا: الطواف حول البيت شعيرة من شعائر التوحيد:

مِن أركان الحجّ الطواف بالبيت سبعًا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا البيت هو الذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل كما سبق أن بينا، وإنما قصدَا من بنائه خدمة من أراد عبادة الله سبحانه وتعالى، فكانا “قد بنياه ورفعا قواعده لكل من أراد أن يعبد الله تقربا منهما إلى الله بذلك… مستسلمين لأمر الله، خاضعين لطاعته، لا يشركون معه في الطاعة أحدا سواه، ولا في العبادة غيره”([21]).

فالكعبة المشرفة يتعبّد المسلمون عندها، ولكن لا يعبدونها ولا يقصدونها بالتضرع والخضوع، فهم لا يجعلون شيئًا مما لله سبحانه وتعالى لغيره من الأحجار والأشجار والأوثان والأصنام، وإنما يعبدون الله وحده لا شريك له، ويظهرون ذلك في الحجّ أيما إظهار، وهم أيضا لم يخصّصوا هذا المكان دون غيره من الأماكن بالعبادة اعتباطًا؛ وإنما لأن الله سبحانه وتعالى أمرهم باختصاصه بذلك، فهم لا يتجاوزون ما أمرهم الله ورسوله به طاعةً وتوحيدًا لله سبحانه وتعالى، فإن طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثابتة عندنا بالحجة والبرهان، وعلينا طاعته في كل ما أمر، وأما المغالاة والتعنّت في البحث في علة ذلك وحكمته وسببه فليس هو المقصود، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: “على المسلم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع الشرع وإن لم يعرف الحكمة، فالله أمرنا أن نتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن نتّبع كتابه، قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3]، وقال سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 155]… فإن عرفت الحكمة فالحمد لله، وإن لم تعرف فلا يضرّ ذلك، وكل ما شرعه الله هو لحكمة، وكل ما نهى عنه هو لحكمة، سواء علمناها أو جهلناها”([22]).

والحكمة من الطواف والسعي والرمي قد بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صريح حيث قال: «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»([23])، فالمقصد من الطواف ومن الحج ومن العبادات هو عبادة الله سبحانه وتعالى وإقامة ذكره عز وجل، وليس المقصد هو عبادة الكعبة أو التقرب إلى الأحجار والأشجار والجمادات، يقول ابن عثيمين: “فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكرًا الله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل، واستلام الحجر، والركن اليماني، والإشارة إلى الحجر ذكرًا لله تعالى؛ لأنها من عبادته، وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام؛ وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى… وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية فذاك من زندقتهم وإلحادهم؛ فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله، وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى، ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله تعالى الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى، وكان ترك السجود له كفرًا”([24]).

وهنا يتجلى للعاقل البون الشاسع بين ما في الأديان الوثنية من تعظيم للأحجار والأشجار والأوثان وبين ما في الإسلام من تخصيص بعض الأماكن للعبادة عندها لا عبادتها، فليس في الإسلام جعل شيء مما يختص الله به لغيره، سواء الأسماء أو الصفات أو العبادات، وإنما يفردون الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ولا يجعلون شيئًا من ذلك للأحجار والأوثان؛ فهم لا يعتقدون في الكعبة المشرفة أنها تنفع أو تضر أو ترفع أو تخفض، ولا يخلعون عليها شيئًا من صفات الألوهية، ولا يخضعون لها ولا يعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى، وإنما يطوفون حولها؛ لأن الله أمرهم بالتعبد بالطواف حولها.

وما أجلى وأبرز هذا المعنى في أدعية الحج، سواء في التلبية التي يرددها المسلم من أول إحرامه أو في الدعاء الذي يسن قوله في بداية الطواف؛ ولذا قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في وصف تلبيته صلى الله عليه وسلم: فأهلَّ بالتوحيد: «لبيك اللهم، لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك»([25]). وأما في بداية الطواف فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا استلم الركن كبر([26])، والتكبير فيه أجلى معاني التوحيد وإفراد الله سبحانه وتعالى بصفات الجلال ونعوت الكمال، وأنه أكبر من كل شيء، وأعلى من كل شيء، وألا شيء يدانيه، فهل كان في ذلك شيء من العبادة -ولو كنايةً- للكعبة وللحجارة؟! أفليس هذا هو التوحيد؟!

ومن تأمل في تاريخ البيت الحرام وبنائه عرف ما نقصده من أن الطواف حوله داعم للتوحيد لا ناقض له، ماحٍ للشرك لا محيٍ له، فإن إبراهيم عليه السلام أقام دعائم البيت الحرام ورفع قواعده داعيًا بالتوحيد له ولمن يأتي بعده: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (27) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128]، فقد كان يرجو من ربه أن يرزقه ذرية مسلمة مستسلمة لله سبحانه وتعالى موحدة له، تعبده عند هذا البيت المعظم، وهو الحاصل في الحج، وقد ذكر تضرعه بهذا في القرآن الكريم في غير ما موضع كما في قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 35، 36].

وقد خصَّ الله سبحانه وتعالى هذا البيت بأن جعله “أول بيت وضع للناس؛ ليعبد الله فيه مباركا وهدى للعالمين… ومآبا لنسك الناسكين وطواف الطائفين، تعظيما لله وإجلالا له”([27])، بل وأمر من بنياه وعهد إليهما بتطهيره من الشرك والوثنية؛ قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96، 97].

أضف إلى ذلك أن الله خص هذا البيت بأن جعله “مرجعا للناس ومعاذا، يأتونه كل عام ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرا”([28]). فهو ملاذ لأهل طاعته، يعظمونه ويعبدونه عنده، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، يقول الإمام الطبري رحمه الله: “وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهير الذي أمرهما الله به في البيت هو تطهيره من الأصنام، وعبادة الأوثان فيه، ومن الشرك بالله”([29]).

خامسًا: تقبيل الحجر الأسود امتثالًا لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:

كما بدأنا القول في الطواف نعيده، فإن تقبيل الحجر الأسود ما هو إلا جزء من أعمال الطواف، والمسلمون لا يعبدون الحجر ولا يقصدونه لذاته بشيء من التعظيم والتبجيل، ولا يخلعون عليه شيئًا من خصائص الربوبية والألوهية، ولا يسمونه بشيء من أسماء الله تعالى، ولا يصفونه بشيء من صفاته. وأيضا فإن المسلمين لا يخصون شيئًا من الأشياء والأعمال والأماكن هكذا اعتباطًا دون أن يكون لهم فيه من الله حجة وبرهان، فهم لم يخصصوا الحجر الأسود دون غيره من الأحجار بالتقبيل في ذلك الوقت اعتباطًا؛ وإنما لأن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمرهم باختصاصه بذلك، فهم لا يتجاوزون ما أمرهم الله ورسوله به طاعة وتوحيدًا لله سبحانه وتعالى، فالمقصد من تقبيل الحجر الأسود هو عبادة الله سبحانه وتعالى وإقامة ذكره عز وجل، وليس المقصد هو عبادة الحجر نفسه أو التقرب إليه.

وقد أظهر الفاروق عمر رضي الله عنه هذا المعنى جليًّا حتى لا يلتبس على المسلمين في تقبيلهم الحجر الأسود مع أنه حجر،! فقال بعد أن قبَّله في نسكه: “إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك”([30])، يقول ابن حجر: “وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها”([31]).

ففي تقبيل الحجر إقامة ذكر الله وعبادته؛ يقول ابن عثيمين: “وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يقبّل الإنسان حجرًا لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى بتعظيمه واتباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال حين قبل الحجر: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك)، وأما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له؛ فيكون باطلًا”([32]).

سادسًا: السعي بين الصفا والمروة شعيرة من شعائر التوحيد:

السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، وأصل السعي ما حصل لهاجر عليها السلام؛ حيث إن زوجها إبراهيم عليه السلام تركها في وادي مكة القاحل بلا ماء ولا طعام ولا مأوى ولا مؤنس؛ وذلك امتثالًا منه لأمر الله سبحانه وتعالى ويقينًا منه بحفظه لهما، فلم يتوان عن تنفيذ هذا الأمر ولم يتعلّل ولم يتأخّر، وهذا هو التوحيد والإخلاص لله سبحانه.

ولم تكن ردَّة فعل زوجته هاجر بعيدة عن هذا المقام التوحيدي الذي رباهم عليه إبراهيم حيث سألته: آلله أمرك بهذا؟ فقال: نعم. فقالت بنفس المؤمنة الموحدة الموقنة بحفظ ربها ومولاها: إذن لا يضيعنا اللّه([33]). رضيت بالبقاء في ذلك الوادي المجدب الذي لا زرع فيه ولا ماء؛ لأنها أيقنت أن الأمر من الله، وأن من أمرها بعبادته هو من تكفل بحفظها ورعايتها ورزقها ومحياها ومماتها.

وعلى إثر هذه الأعمال التوحيدية العظيمة شرع السعي بين الصفا والمروة، فلم يتكئ إبراهيم عليه السلام على شيء ولم يتوكّل على أحد سوى ربه سبحانه وتعالى، فكان يرجوه أن يقلب ذلك المكان المقفر بلدة آمنة مطمئنة موحدة لربها طائعة له يأتيها رزقها رغدا من كل مكان. وبعد أن غادر إبراهيم عليه السلام مكة حصل لهاجر ما قصه عبد الله بن عباس حيث قال: “وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فذلك سعي الناس بينهما»، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت صه -تريد نفسها-، ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم –أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينا معينا»، قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله، يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله”([34]). فهذه هي قصة مشروعية السعي بين الصفا والمروة، يقول ابن عباس في ذلك: “إنّ أوّل من سَعى بين الصَّفا والمروة لأمُّ إسماعيل”([35]).

فالسعي بين الصفا والمروة ليتذكر المرء حال هذه الأسرة المؤمنة الموحدة، حال إبراهيم عليه السلام الذي استسلم لأمر ربه ولم يكترث بالدنيا ولا بالخسائر المادية مقابل ذلك، وحال زوجته هاجر عليها السلام التي استسلمت لأمر ربها وأيقنت به أنه خير الحافظين ولن يضيعها ما دامت مسلمة لأمره مفتقرة إليه عابدة له سبحانه.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي معلقًا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فذلك سعي الناس بينهما»: “فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة ; لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور، وهي في أشد حاجة وأعظم فاقة إلى ربها، لأن ثمرة كبدها وهو ولدها إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلد لا ماء فيه ولا أنيس، وهي أيضا في جوع وعطش في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل فإذا لم تر شيئا جرت إلى الثاني فصعدت عليه لترى أحدا، فأمر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لا يضيعه ولا يخيب دعاءه، وهذه حكمة بالغة ظاهرة دل عليها حديث صحيح”([36]).

سابعا: رمي الجمرات شُرع لإقامة ذكر الله وتوحيده بالعبادة:

لا شك أن الأصل في كلّ فعل من أفعال المسلم في شعيرة الحج اتباع شرع الله تعالى وامتثال أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لا غير، ورمي الجمار يفعله المسلم لكونه أمرًا من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم طاعة له عليه الصلاة والسلام، وإذا كنا قد عرفنا أصل السعي بين الصفا والمروة وأنه شرع من سعي هاجر زوجة إبراهيم عليهما السلام، فكذلك الحال في الرمي وفي غالب شعائر الحج، فقد ورد أن إبراهيم عليه السلام حين جاء إلى الحج امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى عرَض له الشيطان عند مواضع تلك الجمرات التي يرميها المسلمون، فكان يرميه بسبع حصيات في كل مرة ويدحضه ويقهره ويرغمه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى به الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى به الجمرة القصوى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات فساخ»([37]).

وبهذا تظهر حكمة عظيمة من حكم رمي الجمار بالإضافة إلى كونها طاعة وامتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، وهي أن فيها إرشادًا للمسلم إلى القدوات الذين يقتدي بهم في حياته، واتباعًا لهدي إبراهيم عليه السلام وهو خليل الله، وتذكيرًا بضرورة إرغام الشيطان ودحضه بالأدعية والأذكار وامتثال أمر الله سبحانه وتعالى، ففيه إشارة إلى إخلاص العبودية لله وحده واحتقار كل معبود دونه.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: “فذِكر الله الذي يشرع الرمي لإقامته هو الاقتداء بإبراهيم في عداوة الشيطان، ورميه، وعدم الانقياد إليه، والله يقول: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}، فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمَرنا الله بها في قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، وقوله منكرًا على من والاه: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}، ومعلوم أن الرجم بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة”([38]).

ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز: “إن الله جلَّ وعلا له الحكمة البالغة والحجة الدامغة، شرع للمسلمين رمي الجمار في الحج تأسيًا بنبيهم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لما حج حجة الوداع رمى الجمار يوم العيد بسبع حصيات… وقد ذكر جمع من أهل العلم أن الحكمة في ذلك إهانة الشيطان وإذلاله وإرغامه وإظهار مخالفته؛ لأنه عرض لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين أراه الله ذبح ابنه إسماعيل، ولكن من المقرر عند أئمة العلم أن الحكمة لا بد أن تثبت بدليل واضح من كتاب أو سنة، فإن ثبتت فذلك نور على نور، وخير إلى خير وإلا فالمؤمن يتقبل شرع الله ويعمل به وإن لم يجد الحكمة والعلة في ذلك، مع إيمانه بأن الله سبحانه حكيم عليم… فلا يفعل شيئًا عبثًا أبدًا، ولا يشرع شيئًا عبثًا سبحانه وتعالى، بل كل ذلك لحكمة بالغة وعلّة عظيمة وغاية محمودة، وإن لم يعلمها البشر، هذا هو الواجب على كل مؤمن”([39]).

الخاتمة:

شرع الله الحج لمقاصد عظيمة من أبرزها إقامة التوحيد وإبطال الشرك، واقترن هذا الأمر مع تأسيس أعمال الحج من هجرة إبراهيم عليه السلام بهاجر إلى أرض مكة ثم سعيها ثم بناء الكعبة المشرفة والأذان في الناس بالحج، ولا أدلّ على ذلك من كون إبراهيم عليه السلام يقرن الدعاء لمكة بالدعاء بأن يجنبها الله الشرك ويعمرها بالتوحيد والإيمان فقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 35، 36].

ومن عجب أن يزعم زاعم بعد هذا أن هذا الحج مظهر وثني يدعو إلى الشرك! وما الطواف والسعي والرمي وغيرها من أعمال الحج إلا اتباع وانصياع لأمر الله وتحقيق لتوحيده وإقامة لذكره وإفراد له بالعبادة، واقتداء بأبي الموحدين عليه السلام، وتذكير بحاله ومآله مع توحيده، وإرغام للشيطان الذي يصدّ عن التوحيد.

وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) جامع البيان (20/ 18 وما بعدها).

([2]) جامع البيان (19/ 363).

([3]) جامع البيان (19/ 363).

([4]) جامع البيان (11/ 487).

([5]) جامع البيان (3/ 72 وما بعدها) بتصرف يسير.

([6]) جامع البيان (3/ 92).

([7]) تفسير ابن كثير (4/ 513).

([8]) جامع البيان (17/ 25).

([9]) ينظر: جامع البيان (17/ 25).

([10]) تفسير ابن كثير (4/ 514).

([11]) جامع البيان (17/ 21).

([12]) صحيح مسلم (1185).

([13]) ينظر: المحبر، أبو جعفر البغدادي (ص: 311).

([14]) أخرجه البخاري (1549)، ومسلم (1184).

([15]) تفسير القرطبي (2/ 366).

([16]) ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2491).

([17]) تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2491).

([18]) تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2491).

([19]) جامع البيان (14/ 191).

([20]) ينظر: أخبار مكة للأزرقي (1/ 181).

([21]) جامع البيان (3/ 72 وما بعدها) بتصرف يسير.

([22]) مجموع فتاوى ابن باز (17/ 381).

([23]) أخرجه أبو داود (1888)، والترمذي (902)، وأحمد (24351، 24468، 25080)، وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”.

([24]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 319).

([25]) أخرجه مسلم (1218).

([26]) صحيح البخاري (1613).

([27]) جامع البيان (6/ 19).

([28]) جامع البيان (2/ 26).

([29]) جامع البيان (2/ 38).

([30]) صحيح البخاري (1597).

([31]) فتح الباري (3/ 463).

([32]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 319).

([33]) صحيح البخاري (3364).

([34]) صحيح البخاري (3364)، وينظر: أخبار مكة للأزرقي (1/ 55).

([35]) جامع البيان (17/ 19).

([36]) أضواء البيان (4/ 481).

([37]) أخرجه أحمد (2794)، والطيالسي (2820)، والطبراني في الكبير (12292)، والبيهقي في الكبرى (9693)، وصححه الحاكم (1713)، ووافقه الذهبي؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1156).

([38]) أضواء البيان (4/ 479).

([39]) فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (18/ 36).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017