الغُلوُّ في حقوق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (مسألَةُ العصمَةِ نموذَجًا) الجزء الثاني
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
المسألة الثانية: عصمة الأنبياء بعد النبوَّة من الكبائر والصغائر:
أولًا: عصمة الأنبياء من الكبائر وصغائر الخِسَّة عند الأشعرية:
قال القاضي ابن الباقلاني في أحكام الأنبياء: «ومن صفته أن يكون منزّهًا عن الكفر بالله، وإصابة الفجور، وكل مُسقطٍ سخيفٍ من الذنوب بعد إرساله»([1]).
وقال: «ومن حَقّه أن يكون مُنزّهًا عن مواقعة الكفر بالله سبحانه بعد الإرسال، وعن كلِّ ما أجمع المسلمون على أنه لا يقع منه من القاذورات والذنوب الموبقات، نحو القتل والزنا والسرقة والشرب ونحوها من الصغائر المسقطة للقدر»([2]).
وقال الجويني (ت 478): «أما الفواحش المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة فتجب عصمةُ الأنبياء منها إجماعًا»([3]).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543): «ومن الناس من جوّز الكبائر على الأنبياء بعد الرسالة، وذلك يُبطل النبوة، ولا يؤمَن أن يكونَ ما يأتي منهم باطلًا على طريق الفِسق، والله يطهِّر عقائدنا عن هذه الأوضار المضِلَّة، ويجعلنا من الذابّين عن قواعد الملة برحمته»([4]).
وقال القاضي عياض: «أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات»([5]).
وقال السلالجي (ت 574) في عقيدته التي اختصرها من الإرشاد: «ومن أحكام الأنبياء عليهم السلام وجوبُ العصمة عمّا يناقض مدلول المعجزة عقلًا، وعما سوى ذلك من الكبائر إجماعًا»([6]).
وقال ابن خمير السبتي: «وأما عصمتهم من الكبائر المؤدية لسقوط العدالة وقلة الديانة فمرجع إثباتها إلى السمع، وهو الإجماع المتواتر الذي لا مدفع فيه إلا بخَرقِه»([7]).
وحكى ابن الحاجب الإجماع على عصمتهم من الكبائر، وصغائر الخسة، ولم يفرق بين حالَيِ العمد والسهو([8]).
وقد قصر أبو الحسن الآمدي الإجماعَ على امتناع الكبائر عمدًا، أما سهوًا فحكى الاتِّفاق على جوازه، قال: «أما ما كان من الكبائر فقد اتَّفق المحقِّقون والأئمّة على وجوب عصمتهم عن تعمُّده من غير نسيان ولا تأويل، ولم يخالف في ذلك غير الحشوية، ومن جوّز الكفر عليهم فإنه إذا جوّز عليهم الكفر فما دون الكفر أولى بالتجويز. وأما إن كان فعل الكبيرة على سبيل النسيان أو التأويل خطأ فقد اتُّفق على جوازه، خلافًا للروافض»([9]).
وتبع الشمس الأصفهانيُّ الآمديَّ في ذلك فقال: «وإن كان فعلُ الكبيرة عن نسيانٍ أو تأويل خطأ فقد اتَّفق الكلّ على جوازه إلا الشيعة، فإنهم منعوا وقوع الكبيرة نسيانًا أيضًا»([10]).
وأبطل ابن زكري حكاية الاتِّفاق في مسألة السهو بأنّ غيره حكى الاتِّفاق على ضدِّ ذلك([11])، وحكى السنوسيُّ بناءً على ذلك الاتفاقَ على امتناع الكبائر سهوًا([12]).
وذكر اليوسي (ت 1102) أن معتمدَ السنوسيّ هو الإجماع الذي قدّمناه عن القاضي عياض، قال: «ولم يقيِّد ذلك بالعمد ولا غيره، فظهر من كلامه أنَّ امتناع الكبائر وصغائر الخسة منهم مطلقًا إجماع، وبذلك ردّ المصنف على الآمدي، وقد أطلق غير عياض الإجماع كابن الحاجب وغيره»([13]).
وقال البكي التونسي (ت 916): «وما نقله الآمديّ في غاية البُعد والخطأ؛ لمعارضته لطريق غيره المقطوع بصحَّتها»([14]).
ولعلَّ مستندَ الآمدي قولُ جمهور الأشاعرة -خلافًا لأبي إسحاق الإسفراييني (ت 418)- بجواز السهو على الأنبياء، ولم يذكروا خروجَ إتيان الكبائر سهوًا عن ذلك.
وقال العضُد الإيجي: «أما الكبائر عمدًا فمَنَعَه الجمهور، والأكثر على امتناعه سمعًا، وقالتِ المعتزلة بناء على أصولهم: يمتنع ذلك عقلًا. وأما سهوًا فجوّزه الأكثرون»([15]). قال الجُرجانيّ (ت 816) في شرحه: «والمختار خلافُه»([16]).
وتبع السعدُ التفتازانيّ العضدَ في حكايته الأقوال في المسألة فقال: «وكذا معصومون عن تعمُّد الكبائر عند الجمهور خلافًا للحشوية، وإنما الخلاف في أنّ امتناعه بدليل السّمع أو العقل، وأما سهوًا فجوَّزَه الأكثرون»([17]).
وللفخر الرازي في «المحصول» اختيارٌ سيأتي ذكره في إتيان الأنبياء المعاصيَ كبائرَها وصغائرَها سهوًا.
والأشاعرةُ بعد أن حَكَوُا الإجمَاع في المسألة فإنهم لا يذكرون مخالفًا في تجويز الكبائر إلا من يُسمّونهم بالحشوية، وقد تقدّمت ألفاظهم في ذلك.
وسيأتي قول ابن تيمية: «وجمهور المسلمين على تنزيههم من الكبائر لا سيَّما الفواحش، وما ذكر الله تعالى عن نبيٍّ كبيرةً فضلًا عن الفاحشة، بل ذكر في قصة يوسف ما يُبيِّنُ أنه يصرف السوء والفحشاء عن عباده المخلصين»([18]).
وأَخطَأ ابن المطهر الحلّي الرافضي في نسبته تجويزَ الكبائر للأشعرية حيث قال: «وذهبتِ الأشعريّةُ والحشوية إلى أنّه يجوز عليهم الصغائر والكبائر، إلاّ الكفر والكذب»([19]).
ثانيًا: عصمة الأنبياء من الصغائر عند الأشعرية:
1- الطرق في حكاية الأقوال في عصمة الأنبياء من الصغائر عند الأشعرية:
الطريقة الأولى: طريقة من ينسب إلى أكثر الأشعرية تجويزَ الصغائر على الأنبياء عمدًا وسهوًا:
من أول من سار عليها القاضي أبو بكر ابن الباقلاني حيث قال: «فإن قالوا: أليس قد جوّزتم الصغائر منهم بعد التحريم وفي حال النبوّة؟ قلنا: سنذكر اختلاف أصحابنا فيه: قال الأكثرون منهم ومن غيرهم من الطوائف بالتجويز في حال النبوّة إلا الذنوب التي تفسد البلاغ عن الله تعالى، وتقدح في دلالة المعجزات، وكذلك الذنوب التي أجمعت الأمة على أنها لا تقع منهم، وهي التي تسمَّى كبائر»([20]).
وذهب أبو الحسن الآمدي -وتبعه تلميذه أبو عمرو ابن الحاجب في مختصره الأصولي([21])، وابن عرفة (ت 803) في مختصره الكلامي([22])– إلى نسبة القول بتجويز الصغائر على الأنبياء لأكثر الأشعرية، وتابع ابنُ تيمية الآمديَّ في تلك النسبة([23]).
قال أبو الحسن الآمدي في غير صغائر الخِسة كنظرةٍ أو كلمة سفةٍ نادرة في الخصام ونحو ذلك: «فهذا ممّا اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة على جوازه عمدًا أو سهوًا، خلافًا للشيعة»([24]).
وسار على هذه الطريقة الصفيّ الهندي (ت 715) فقال: «ومن الحشوية منْ فرَّق فلم يجوز عليهم الكبائر ولا الصغائر المنفّرة، كالتطفيف بحبّة عمدًا أو تأويلًا ونسيانًا، وجوّز غيرهما عمدًا وسهوًا، وعليه الأكثرُ مِنَّـا ومن المعتزلة»([25]).
وسار عليها الشمس الأصفهاني فقال بعد أن ذكر حكم صغائر الخسّة: «وما لا يكون من هذا القبيل كنظرة أو كلمة سفَه نادرة في حالة الغضب فالأكثرون على جوازه مطلقًا، أي: عمدًا وسهوًا»([26]).
وقال النووي (ت 676): «واختلفوا في الصغائر فجَوَّزَها الأكثرون، ومنعها المُحقِّقون، وقطعوا بالعصمة منها، وتأوّلوا الظواهر الواردة فيها»([27]).
وقال السنوسي في شرح الجزائرية وفي شرح كُبرَاه: «وأما الصغائر التي لا خسّة فيها فجوّزها عمدًا وسهوًا الأكثرون»([28]).
الطريقة الثانية: طريقة من ينسب إلى أكثر الأشعرية تجويزَ الصغائر على الأنبياء عمدًا، وإلى جميعهم تجويزَها سهوًا:
وهذه الطريقة قريبة من الطريقة الأولى، فتتَّفق معها في العمد، وتختلف معها في السهو، فتنسب القول بجواز وقوع الصغائر من الأنبياء سهوًا إلى جميع الأشاعرة، بينما تنسبه الطريقة الأولى إلى جمهورهم.
وهذه طريقة العضد الإيجي حيث قال: «وأما الصغائر عمدًا فجوّزه الجمهور([29]) إلا الجبائي، وأما سهوًا فهو جائز اتّفاقًا، إلا الصغائر الخسية، كسرقة حبّة أو لقمة، وقال الجاحظ: بشرط أن ينبَّهوا عليه فينتهوا عنه، وقد تبعه فيه كثير من المتأخرين، وبه نقول»([30]).
وتبعه على ذلك السعد التفتازاني فقال: «وأما الصغائر فيجوز عمدًا عند الجمهور، خلافًا للجبائي وأتباعه. ويجوز سهوًا بالاتفاق، إلا ما يدلّ على الخسة كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، لكنّ المحققين اشترطوا أن يُنبّهوا عليه فينتهُوا عنه»([31]).
وتبع العضدَ أيضًا ابنُ قاوان (ت 889)([32]).
وشرح الشريف الجرجاني قول العضد: «اتفاقًا» بما يجعل طريقته وطريقةَ الآمدي واحدةً حيث قال: «بين أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة»([33]).
واعترض الفرهاري حكاية التفتازاني الاتفاقَ على جواز الصغائر سهوًا بقوله: «وبعض المشايخ على المنع، فدعوى الاتفاق محلُّ نظر»([34]). وذكر من كلام القاضي عياض ما يدلّ على منع الصغائر سهوًا، ووجَّهَ الملا علي القاري (ت 1014) كلام التفتازاني «بأن المراد إجماع المتقدِّمين أو جمهورهم، فلا ينافيه المنقول عن الأستاذ أبي إسحاق وأبي الفتح الشهرستاني والقاضي عياض: أنهم معصومون عن الكبائر والصغائر عمدًا أو سهوًا، واختاره السبكي»([35]).
الطريقة الثالثة: طريقة من ينسب إلى أكثر الأشعرية منعَ الصغائر:
وهي عكس الطريقة الأولى، وممن سار عليها الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين الجويني.
قال أبو إسحاق الإسفراييني: «واختلفوا في الصغائر؛ فالصحيح والذي عليه الأكثرون أن ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة»([36]).
وقال أبو المعالي الجويني: «وأما الصغائر ففي إثباتها أولا كلامٌ كثير لسنا له الآن، ولكن الذي نعنيه بذكر الصغائر ما لا يتضمّن فسقَ من صدر منه وانسلاله عن نعت العدالة… والذي صار إليه أئمة الحق أنه لا يمتنع صدورها عن الرسل عقلًا، وتردَّدُوا في المتلقَّى من السمع في ذلك؛ فالذي ذهب إليه الأكثرون أنها لا تقع منهم»([37]).
الطريقة الرابعة: طريقة من يحكي الاتفاق على منع الصغائر عمدًا:
تقدّم أنّ ابن الحاجب تابَع شيخَه الآمديَّ في مختصره الأصولي في نسبة القول بتجويز الصغائر على الأنبياء لجمهور الأشاعرة، غير أنه في عقيدته ذكر كلامًا فهِم منه بعضُ الشراح حكايةَ اتفاق الأشاعرة على عدم تجويز الصغائر على الأنبياء عمدًا، فقال في ذكره ما عصم منهُ الأنبياء: «ومن الصغائر بعد النبوّة مطلقًا، خلافًا لمن جوزها عليهم سهوًا»([38]).
قال ابن زكري التلمساني: «وظاهر كلام المصنف هنا حصول الاتفاق على امتناع الصغائر عنهم عمدًا، وقد نقل في مختصره الأصلي الجواز عن الأكثر عمدًا أو سهوًا، وكذا الشيخ ابن عرفة.
وقال صاحب المواقف: وأما الصغائر عمدًا فجوّزه الجمهور، وأما سهوًا فجائزة اتفاقًا إلا الصغائر الخسيسة.
وظاهر كلام ناصر الدين البيضاوي في طوالعه موافق لظاهر كلام المصنف، فإنه قال: وأصحابنا منعوا الكبائر مطلقًا، وجوزوا الصغائر سهوًا([39]).
فأنت ترى هذا الجمع المضاف الذي يفيد بظاهره العموم، ويدلّ بدليل الخطاب على أنهم لم يجوّزوا الصغائر عمدًا، وهو ظاهر في الاتفاق، والله أعلم»([40]).
ولم يفهم البكي التونسي من كلام ابن الحاجب ما فهمه ابن زكري من حكاية الاتفاق في مسألة الصغائر عمدًا، فذكر أنَّ فيها خلافًا([41])، وعبارة ابن الحاجب محتملةٌ، والله أعلم.
وأما كلام البيضاوي (ت 685) الذي ذكره ابن زكري فهو قوله: «وأصحابنا منعوا الكبائر مطلقًا، وجوزوا الصغائر سهوًا»([42])، فقد فهم منه ابن عرفة ما فهمه ابن زكري فقال: «ومنع الجُبَّائي والنظام (صغائر الخسة وسقوط الهمة) عمدًا، ولم يَعزُ البيضاوي لأصحابنا غيرَه»([43]).
وفي كلامه في تفسيره ما يمكن أن يفهم منه أنه ينسب من يقول بجواز جنس الذنب على الأنبياء إلى الحشوية حيث قال عند قصة آدم عليه السلام: «وقد تمسَّكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام»([44])، وبعض ما استدلّ به هي أدلة مجوِّزي الصغائر على الأنبياء.
وهذه الطريقة سار عليها أبو الفضل العراقي (ت 806) في حكايته الأقوال في هذه المسألة حيث قال: «وإنما اختلفوا في جواز وقوع الصغيرة سهوًا؛ فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والقاضي عياض، واختاره تقي الدين السبكي، وهو الذي نَدين اللهَ به، وأجازه كثير من المتكلمين»([45])، فظاهره اتفاقهم على منعها عمدًا.
وليس هذا بأعجبَ ما يوجد عنهم في هذه المسألة، فسيأتي ما هو أعجبُ منه عند ذكر مآلات قول المتأخرين فيها، ويكفي في نقض هذا الإجماع قول القاضي عياض: «وأما الصغائر فجَوَّزَها جماعةٌ من السلف وغيرهم على الأنبياء، وهو مذهب أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين»([46]).
2- اختيارات بعض الأشعرية في حكم الصغائر على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
أ- جواز الصغائر مطلقًا، وهو قول أكثر علماء الإسلام:
قال ابن تيمية: «الجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها، وحينئذ فما وصفوهم إلا بما فيه كمالهم؛ فإنّ الأعمال بالخواتيم، مع أن القرآن والحديث وإجماع السلف معهم في تقرير هذا الأصل»([47]).
وقال: «القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول»([48]).
ومن أبرز الأشاعرة الذين قالوا بهذا القول: القاضي أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني، فإنه قرر ذلك في كتبه: الإرشاد والبرهان والغياثي([49]).
قال في الإرشاد: «وأما الذنوب المعدودة من الصغائر -على تفصيل سيأتي الشرح عليه- فلا تنفيها العقول، ولم يقم عندي دليلٌ قاطعٌ سمعيٌّ على نفيها، ولا على إثباتها، إذِ القواطعُ نصوصٌ أو إجماع، ولا إجماع إذِ العُلَماء مختلفون في تجويز الصغائر على الأنبياء، والنصوص التي تثبُتُ أصولها قطعًا ولا يقبَلُ فحواها التأويل غيرُ موجُودة.
فإن قيل: إذا كانت المسألة مظنونة، فما الأغلب على الظن عندكم؟
قلنا: الأغلب على الظن عندنا جوازُها، وقد شهِدَت أقاصيصُ الأنبياء في آي من كتاب الله تعالى على ذلك. فالله أعلم بالصواب»([50]).
وقال في البرهان: «ثم اضطربوا وتخبطوا في تأويل آيٍ مشهورة في قصص المرسلين، والذي ذهب إليه المحصِّلون أنه ليس في الشرع قاطع في ذلك نفيًا وإثباتًا، والظواهر مشعِرة بوقوعها منهم»([51]).
وقال في الغياثي: «مذهبُنَا الذي نَدينُ به أنه لا تجبُ عصمة الأنبياء عن صغائر الذنوب، وآيُ القرآن في أقاصيص النبيين مشحونةٌ بالتنصيص على هَناتٍ كانت منهُم، استوعبُوا أعمارهم في الاستغفار منها»([52]).
قال أبو القاسم الأنصاري بعد أن ساق كلام الجويني في الإرشاد: «وهذا ما اختاره القاضي في هذا الباب»([53]).
وتبع الجوينيَّ في ذلك أبو سعد المتولي (ت 478) فقال: «وأما الصغائر فاختلفوا في جوازها عليهم، فمنهم من نفاها تحقيقًا للعصمة، ومنهم من جوّزها، وعليه يدلّ قصص الأنبياء، وهو الظاهر في القرآن، مثل قصة داود وغيره»([54]).
قال ابن زكري: «وأما الصغائر التي لا خسَّة فيها فجائزة من غير إصرار عمدًا أو سهوًا، خلافًا للشيعة مطلقًا، والجبّائي والنظام في العمد، كذا نقل غير واحدٍ من الأئمة»([55]).
ب- منع الصغائر عمدًا وجوازها سهوًا، وهو مذهب الجُبَّائي:
ذهب إلى هذا القول الرازي ومن تبعه، وهو اختيار الجبائي (ت 303) من المعتزلة، قال الجبائي: «لا يجوز من النبي القصد إلى الذنب كبيرًا أو صغيرًا، وإنما يجوز القصد إلى الصغائر بالتأويل؛ فيكون بمنزلة ما يقع على جهة الخطأ والسهو»([56]).
قال الفخر الرازي في الأربعين: «والذي نقوله: إن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- معصومون في زمان النبوّة من الكبائر والصغائر بالعمد، أما على سبيل السهو فجائز»([57]). وتبعه الأرموي (ت 682)([58](، والبيضاوي([59])، والجاربردي (ت 746)([60]).
وقال الشمس الأصفهاني: «وأما بعد البعثة فيجوز أن تصدر عنهم الصغائر التي لا تدل على خسة النفس سهوًا، يعلم من أحوالهم المستفادة من الكتب الإلهية والأحاديث النبوية»([61]).
وقال السعد التفتازاني: «والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقًا، والصغائر عمدًا لا سهوًا، لكن لا يصِرّون ولا يُقرُّون، بل ينبَّهون فينتبِهون»([62]).
وقال الفرهاري: «وهذا القول مختار مذاهب الأشاعرة كما في شرح المواقف»([63]).
وعبارة شرح المواقف للجرجاني: «المختار عندنا هو أن الأنبياء في زمان نبوّتهم معصومون عن الكبائر مُطلقًا، وعن الصغائر عَمْدًا»([64]).
وقال الدوَّاني (ت 908) بعد أن نقل اختيار الجرجاني: «والمحققون من المحدّثين والسلف الصالح على عصمتهم عن الصغائر عمدًا والكبائر مطلقًا بعد البعثة، وما يشعر بصدور المعصية عنهم فمحمول على ترك الأولى، فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين»([65]).
وعلى هذا الاختيار حمل ابن قاوان قولَ العضد في عقائده: «والأنبياء معصمون من الكبائر والصغائر» قال: «أي: عمدًا»([66]).
وفي المسايرة لابن الهمام الحنفي (ت 861) ممزوجًا بشرحه للكمال ابن أبي الشريف (ت 916): «(والمختار) لجمهور أهل السنة (العصمة) أي: وجوب عصمتهم (عنهما) أي: عن الكبائر مطلقًا، وعن الصغائر (إلا الصغائر المنفرة) حال كون إتيان غير المنفرة (خطأ) في التأويل (أو سهوًا) مع التنبيه عليه، أما الصغائر المنفّرة كسرقة لقمة أو حبة -وتسمى صغائر الخسّة- فهم معصومون عنها مطلقًا، وكذا غير المنفّرة كنظرةٍ لأجنبية عمدًا»([67]).
وقدِ اختار الرازي جوازَ وقوع المعصية (صغيرة أو كبيرة) سهوًا من الأنبياء في المحصول أيضًا، غير أنه قيده بشرط أن يتذكّروه في الحال ويُنبهوا على كونه سهوًا، وتبعه الأرموي في التحصيل([68]).
وقد نسب عزّ الدين ابن جماعة هذا القول للماتريدية، ونصب الخلاف معهم([69])، وهو مُعتَرَض بجميع من تقدّم ذكره من الأشعرية، حتى لو لم تصحّ حكاية الاتفاق على منع السهو التي نقلها التفتازاني (ت 772)([70]).
ج. منع الصغائر مطلقًا، وهو المشهور عن الرافضة:
وهذا القول ذهب إليه جماعةٌ من علماء الأشاعرة سيما المتأخرون منهم، وهو قولٌ مشهور عن الرافضة.
يقول ابن تيمية: «وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقًا وأعظمُهم قولًا لذلك الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل، وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته، وقالوا بعصمة عليّ والاثني عشر ثم الإسماعيلية الذين كانوا ملوك القاهرة»([71]).
وقد صرح علماء الرافضة بذلك([72]):
يقول المرتضى: «قالت الشيعة الإمامية: لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب، كبيرًا كان أو صغيرًا، لا قبل النبوة ولا بعدها»([73]).
وقال ميثم البحراني (ت بعد 681): «عندنا أنّ النبي معصوم عن الكبائر والصغائر عمدًا وسهوًا من حين الطفولية إلى آخر العمر»([74]).
وقال ابن المطهر الحلِّي: «ذهبت الإمامية إلى أنّ الأنبياء معصومون قبل البعثة وبعدها عن الصغائر عمدًا وسهوًا، وعن الكبائر كذلك»([75]).
وقال في شرح قول النصير الطوسي (ت 672): «ويجب في النبي العصمةُ ليحصل الوثوقُ، فيحصل الغرضُ، ولوجوب متابعته وضدِّها، والإنكار عليه»: «قالت الإمامية: إنّه تجب عصمتهم عن الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها، والدليل عليه وجوه:
أحدها: أنّ الغرض من بعثة الأنبياء عليهم السَّلام إنّما يحصل بالعصمة، فتجب العصمة تحصيلًا للغرض. وبيان ذلك أنّ المبعوث إليهم لو جوّزوا الكذب على الأنبياء والمعصية جوزوا في أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك، وحينئذ لا ينقادون إلى امتثال أوامرهم، وذلك نقض للغرض من البعثة.
الثاني: أنّ النبيَّ تجب متابعته، فإذا فعل معصية فإمّا أن تجب متابعته أو لا، والثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة، والأوّل باطل لأنّ المعصية لا يجوز فعلها، وأشار بقوله: (لوجوب متابعته وضدّها) إلى هذا الدليل؛ لأنّه بالنظر إلى كونه نبيًّا تجب متابعته، وبالنظر إلى كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه.
الثالث: أنّه إذا فعل معصية وجب الإنكار عليه لعموم وجوب النهي عن المنكر، وذلك يستلزم إيذاءه، وهو منهيّ عنه، وكلّ ذلك محال»([76]).
يقول ابن تيمية في جواب هذه الشبهات: «ومعلوم أن العقوبة ونقص الدرجة إنما يكون مع عدم التوبة، وهم معصومون من الإصرار بلا ريب.
وأيضًا: فهذا إنما يتأتّى في بعض الكبائر دون الصغيرة، وجمهور المسلمين على تنزيههم من الكبائر لا سيّما الفواحش، وما ذكر الله تعالى عن نبيّ كبيرة فضلا عن الفاحشة، بل ذكر في قصة يوسف ما يبين أنه يصرف السوء والفحشاء عن عباده المخلصين.
وإنما يُقتَدى بهم فيما أُقِرُّوا عليهِ ولم يُنهَوا عنه.
وأيضًا: فالذنوب أجناس، ومعلوم أنه لا يجوز منهم كل جنس، بل الكذب لا يجوز منهم بحال أصلا، فإن ذلك ينافي مطلق الصدق»([77]).
ويقول: «ومن احتجّ على امتناع ذلك بأن الاقتداء بهم مشروع، والاقتداء بالذنب لا يجوز؛ قيل له: إنما يقتدَى بهم فيما أُقِرّوا عليه، لا فيما نهوا عنه، كما أنه إنما يقتدَى بهم فيما أُقرُّوا عليه ولم يُنسخ، ولم يُنسَه فيما نسخ، وحينئذ فيكون التأسّي بهم مشروعًا مأمورًا به، لا يمنع وقوع ما ينهون عنه ولا يقرّون عليه، لا من هذا ولا من هذا، وإن كان اتّباعهم في المنسوخ لا يجوز بالاتفاق.
ومما يبين أن النسخَ أشدُّ تنفيرًا أنَّ الإنسان إذا رجع عن شيء إلى آخر وقال: الأول الذي كنت عليه حقٌّ أمرني الله به، ورجوعي عنه حَقٌّ أمرني الله به، كان هذا أقرب إلى النفور عنه من أن يقول: رجعت عما لم يأمرني الله به، فإن الناس كلهم يحمدون من قال هذا، وأما من قال: أَمرِي بهذا حق ونهيِي عنه حق، فهذا مما نفَرَ عنه كثيرٌ من السفهاء، وأنكرَهُ من أنكره من اليهود وغيرِهم»([78]).
وقال: «والقائلون بعصمة الأنبياء من التوبة من الذنوب ليس لهم حجّة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا لهم إمام من سلف الأمة وأئمّتها، وإنما مبدأ قولهم من أهل الأهواء كالروافض والمعتزلة، وحجّتهم آراء ضعيفة من جنس قول الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، الذين قال الله فيهم: {لِيَجعَلَ مَا يُلقِي ٱلشَّيطَٰنُ فِتنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِ بَعِيد} [الحج: 53].
وعمدةُ من وافقهم من الفقهاء([79]) أنّ الاقتداءَ بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله مشروع، ولولا ذلك ما جاز الاقتداءُ به، وهذا ضعيف، فإنه قد تقدَّم أنهم لا يُقرُّون، بل لا بدّ من التوبة والبيان، والاقتداء إنما يكون بما استقرَّ عليه الأمر، فأما المنسوخ والمنهي عنه والمتوب منه فلا قدوةَ فيه بالاتفاق، فإذا كانت الأقوال المنسوخة لا قدوةَ فيها فالأفعال التي لم يقرّ عليها أولى بذلك»([80]).
وقال العضد بعد أن أورد هذه الاستدلالاتِ وزاد عليها تبعًا للفخر: «وأنت تعلم أن دلالتها في محلّ النزاع وهي عصمتهم عن الكبيرة سهوًا، وعن الصغيرة عمدًا ليست بالقوية».
قال الجُرجاني في شرحه: «فإن الاتّباع إنما يجب فيما يصدر عنهم قصدًا لا سهوًا، ويشترط في القصد أن لا ينهانا عنه. وردُّ الشهادة مبنيٌّ على الفِسق الذي لا ثبوت له في الصغيرة عمدًا، ومع الكبيرة سهوًا. وأما الزجر فإنما يجب في حقّ المتعمد للكبائر دون الساهي، والصغيرة النادرة عمدًا معفوَّةٌ عن مجتنب الكبائر. وعليك بالتأمل في سائر الدلائل»([81]).
وقال السعد التفتازاني بعد إيرادها: «وحصول المطلوب من هذه الوجوه محلُّ بحث؛ لأنَّ وجوب الاتباع إنما هو فيما يتعلَّق بالشريعة وتبليغ الأحكام، وبالجملة فيما ليس بزلة ولا طبع. واستحقاق العذاب وردُّ الشهادة إنما يكون بكبيرة، أو إصرار على صغيرة من غير إنابة ورجوع. ولزوم الزجر والمنع واستحقاق العذاب واللوم إنما هو على تقدير التعمُّد وعدم الإنابة، ومع ذلك فلا يتأذّى به النبي، بل يبتهج.
وبمجرد كبيرة سهوًا أو صغيرة ولو عمدًا لا يُعدُّ المرء من الظالمين على الإطلاق، ولا من الذين أغواهم الشيطان، ولا من حزب الشيطان، سيما مع الإنابة. وعلى تقدير كون الخيرات لعموم كلّ فعل وترك فمسارعة البعض إليها أو كون البعض من زمرة الأخيار لا ينافي صدور ذنب عن آخر، سيما سهوًا أو مع التوبة.
وبالجملة فدلالة الوجوه المذكورة على نفي الكبيرة سهوًا أو الصغيرة الغير المنفرة عمدًا على ما هو المتنازع محلُّ نظر»([82]).
وإذا فرغنا من ذكر استدلالات الرافضة لهذا القول والأجوبة عنها؛ فلنرجع إلى ما نحن بصدده من ذكر من وافق الرافضة على هذا القول من الأشاعرة.
فممن قال بهذا القول من الأشاعرة: أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو بكر ابن العربي، والقاضي عياض، وابن عطية المفَسِّر (ت 546)، والشهرستاني (ت 548)، وخطيب الريّ ضياء الدين عمر بن الحسين المكي (ت 559)، وابن خمير السبتي، وأبو عمرو ابن الحاجب، والتقي السبكي (ت 756)، وولده تاج الدين (ت 771)، والبلقيني (ت 805)، وأبو الفضل العراقي، وولده أبو زرعة (ت 826)، والسنوسي، وزكريا الأنصاري (ت 926)، وابن حجر الهيتمي (ت 974)، وبرهان الدين اللقاني.
أما كلام الإسفراييني فقد تقدّم لفظه، وقد عزاه له كثير من الأشاعرة كما سيأتي، غير أن أبا القاسم الأنصاري نقل عنه أنه كان يفرّق بين النبي والرسول بأن النبي يجوز أن يتعاطى من صغائر الذنوب ما لا ينعقد الإجماع على استحالة وقوعه منه، وأما الرسول وصاحب المعجزة فلا يجوز منه ذلك([83]).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: «واختلف علماؤنا في تجويز وقوع الصغائر منهم بعد النبوة، والذي يقتضيه الدليل أنها لا تقع منهم بحال»([84]).
وقال ابن عطية المفَسِّر: «وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ، ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة، واختلف في غير ذلك من الصغائر، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع»([85]).
وقال أبو الفتح الشهرستاني: «والأصح أنهم معصومون عن الصغائر عصمتهم عن الكبائر؛ فإن الصغائر إذا توالت صارت بالاتفاق كبائر، وما أسكر كثيرة فقليلُه حرام، لكن المجوّز عليهم عقلًا وشرعًا مثل ترك الأولى من الأمرين المتقابلين جوازًا وجوازًا وحظرًا وحظرًا، ولكن التشديد عليهم في ذلك القدر يوازي التشديد على غيرهم في كبائر الأمور، وحسنات الأبرار سيّئات المقربين، وتحت كل زلة يجري عليهم سرّ عظيم، فلا تلتفت إلى ظواهر الأحوال، وانظر إلى سرائر المآل»([86]).
وذكر الفخر الرازي مذهبَ والده خطيب الريّ ضياء الدين عمر بن الحسين المكي الشافعي: «وكان الإمام السعيد والدي رضي الله عنه من أشدّ الناس إنكارًا على ذلك (يعني قول من يجوّز الصغائر)، وقد صنّف فيه كتبًا مبسوطة»([87]).
وقال ابن خمير السبتي بعد أن تابع الجوينيَّ في تقريره أن المسألة ظنّية: «اختلف الناس في الغالب، فمنهم من نظر إلى ظاهر الكتاب والسنة فغلّب وقوعها، ومنهم من نظر إلى التنزيه في تأويل تلك الظواهر إذ فيها مساغ للتأويل فغلَّب نفيها، وهو الأولى، إلا أنه ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصٌّ على وقوع معصيةٍ منهم، إلا ما في الكتاب من قصة آدم عليه السلام، والخروج عنها -بحمد الله تعالى- سهل»([88]). وعلى هذا سار ابن خمير في كتابه الذي عقده في توجيه المشكل في قصص الأنبياء، وسماه: “تنزيه الأنبياء عما نسبه إليهم حثالة الأغبياء”.
وقال ابن الحاجب في عقيدته: «وأنّهم معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها، وفي تبليغ الوحي والفتاوى، ومن الصغائر بعد النبوّة مطلقًا، خلافًا لمن جوزها عليهم سهوًا»([89]).
وقال التاج السبكي: «والمختار عندنا امتناعُ الكلّ على كل وجهٍ من العمد والسهو، وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق والقاضي عياض وأبي الفتح الشهرستاني وأبي رضي الله عنه وغيرهم من أصحابنا ومن المخالفين»([90]).
وقال في شرح المنهاج: «والذي نختاره نحن ونَدين الله تعالى به أنه لا يصدُر عنهم ذنبٌ لا صغير ولا كبير، لا عمدًا ولا سهوًا، وأن الله تعالى نزَّه ذواتهم الشريفة عن صدور النقائص، وهذا هو اعتقاد والدي أحسن الله إليه، وعليه جماعةٌ منهم القاضي عياض بن محمد اليَحْصُبي، ونَصَّ على القول به الأستاذ أبو إسحاق في كتابه في أصول الفقه، وزاد أنه يمتنع عليهم النسيان أيضًا»([91]).
وقال في جمع الجوامع: «الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون، لا يصدر عنهم ذنب ولو سهوًا، وفاقًا للأستاذ والشهرستاني وعياض والشيخ الإمام»([92]).
وقال أبو الفضل العراقي: «وإنما اختلفوا في جواز وقوع الصغيرة سهوًا، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني والقاضي عياض، واختاره تقي الدين السبكي، وهو الذي نَدين الله به»([93]).
وقال أبو زرعة العراقي: «وهذا المذهب أَنْزَهُ المذاهب: أنه لا يصدر عن الأنبياء ذنبٌ، لا كبيرة ولا صغيرة، ولا عمدًا ولا سهوًا، بل طهَّرَ اللهُ ذواتهم عن جميع النقائص، وقد حكى ابن بَرهان هذا عن اتفاق المحققين»([94]).
وقال السنوسي: «ومنعته طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين، عمدًا أو سهوًا»([95]).
وقال زكريا الأنصاري في شرح الرسالة القشيرية: «(ويجب القول بعصمة الأنبياء) حتى لا يقع منهم كبيرة إجماعًا، ولا صغيرة على الأصح»([96]).
وقال ابن حجر الهيتمي في شرح خطبة المنهاج في الفقه الشافعي تعريف الرسول: «معصوم ولو من صغيرة سَهْوًا قبل النبوَّةِ على الأصحّ»([97]).
وقال برهان الدين اللقاني في شرحه الصغير على جوهرته: «ومنعها المحقِّقون من الفقهاء والمتكلمين، وبه جزم في النظم، وعليه فهُم معصومون من الصغائر عمدًا كعصمتهم من الكبائر، وهو الحقّ عندي، وإليه أذهب، فعليه أحيا وعليه أموت»([98]).
ولا نطوّل بذكر استدلالات الأشعرية، فهي عينها استدلالات الرافضة التي تقدّم الجواب عنها([99]).
تأثُّر بعض متأخري الحنفية بتشديد متأخري الأشاعرة في المسألة:
وقد تأثَّر بعض متأخري الحنفية بتشديد متأخري الأشاعرة في منع الصغائر على الأنبياء، حتى ردوا قول بعض المتقدمين منهم -الذي لا يخلو إطلاقه من نظر- حين قال: «إن من قال: إنَّ الأنبياء لم يعصوا حال النبوّة وقبلها كفَر؛ لأنه ردَّ النصوص»([100]). قالوا: هذا الفرع دخيل على أهل المذهب، وقالوا: إن أصل العبارة «يعصموا» وتحرَّفت إلى «يعصوا». وبهذين الجوابين أجاب الشيخ شهاب الدين الحموي (ت 1098) في رسالته «إتحاف الأذكياء في تحرير مسألة عصمة الأنبياء»([101])، وارتضى ابن عابدين (ت 1252) الجوابَ الأول دون الثاني في رسالته «رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه»([102]) التي تجد فيها تأثُّرَهُ بالأشاعرة ظاهرًا حتى إنه لخّص فيها كلام السنوسيّ في شرح الجزائرية وكلام اللقاني في شرح الجوهرة.
3- مآلات مذهب الأشعرية في حكم الصغائر على الأنبياء:
يعدُّ الشيخ صالح بن مهدي المقبلي اليمنيّ (ت 1108) من أبرز من نقد مذهب الأشعرية في حكم الصغائر على الأنبياء بذكر مآلاته ولوازمه الفاسِدة، حيث ذكر المسألة في عددٍ من كتبه.
قال في العلم الشامخ: «ولقد يقضي العجب مما استقرّ الآن في متكلمة الأشعرية أنه لا يجوز على الأنبياء الصغائر، قالوا: ولو سهوًا، حتى رأينا السؤالات: هل يكفُرُ من جوَّز ذلك؟ فلا يكاد أحدٌ في وطأتهم يقدر على خلافِ ذلك، حتى رَدّوا صرائح الكتاب والسنّة.
قال شارح (القواعد الطوسيّة) -وهو أشعريّ، لا إمامي كصاحب الأصل([103])-: “{وَعَصَى آدَمُ} أي: بنوه”([104]).
وتخبّط البيضاوي فنسب أولًا تجويز العصيان عليهم إلى الحشوية([105])، ثم قـال مـن جملة تأويله: إن ما وقع لآدم عليه الصلاة والسلام كمن يأكل السمّ مع الجهل فيقتله([106])، وغير ذلك.
وعلى زعمهم هذا: تكرمةُ نبيّنا صلى الله عليه وسلم بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر التي من مقدّمات المقام المحمود= شيءٌ هين، بل لا معنى له.
ولم يقل هذه المقالة أحدٌ من الأشاعرة الماضين ولا غيرهم، بل يُنسَب إلى الرافضة إن صحَّ.
ولا نُطِيل في نحو هذا؛ فإنَّهُ مخرقةٌ محضة، وإنما أردنا عساك أن تكون بحيث لا يدهمَنّك من دهماتهم عدَدٌ، فإن جلّهم -بل كلهم- رجل، لا -والله- ولا رجلٌ تام الرجولة، نسأل الله العافية، وهو حسبنا الله نعم الوكيل»([107]).
وفي «نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب» عند قول ابن الحاجب: «وأما غير الكذب من المعاصي فالإجماع على عصمتِهم من الكبائر، وصغائر الخسّة، والأكثر على جواز غيرهما». قال المقبلي: «هذا هو المعروف في جميع الكتب، وقد خالف متأخّرو الشافعية قدماءَهم، وهم الأقلّ المشار إليهم بقوله: الأكثر([108])، وقالوا بقول الرافضة، وهو غلوٌّ في الدين؛ ولذا أعجبوا بذلك، حتى إن البيضاوي سمّى مخالفهم في ذلك بالحشوية.
ولا أدري: أتستند الرافضة إلى العقل فيفترق المذهبان أم إلى السمع فيتَّحدَان؟ والمحققون لا يلتفتون لهذا الغلو»([109]).
وقال في بعض أجوبته: «ولا يقول بعصمة الأنبياء من الصغائر إلا حثالةٌ من متأخّري الشافعية، والناس قديمًا وحديثًا على الجواز([110])، إلا أن الإمامية اعتقَدوا ذلك لأئمَّتهم، والظاهر أنهم يقولون ذلك في الأنبياء، وإن كان النجري قد حكى عنهم أن ذلك للأئمة دون الأنبياء، ولا دليل على كبر ما صدر عن الأنبياء في شيء من القرآن»([111]).
وقد تضمّن كلام المقبلي أمرين رئيسين في بيان مآلات قول متأخري الأشاعرة:
الأمر الأول: تحريف دلالات القرآن والسنة:
قال ابن تيمية: «ولهذا كان السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وغيرهم من أئمة المسلمين متَّفقين على ما دلّ عليه الكتاب والسنة من أحوال الأنبياء، لا يُعرف عن أحدٍ منهم القولُ بما أحدثته المعتزلة والرافضة ومن تبعهم في هذا الباب، بل كتُب التفسير والحديث والآثار والزهد وأخبار السلف مشحونة عن الصحابة والتابعين بمثل ما دلَّ عليه القرآن، وليس فيهم من حرَّف الآيات كتحريف هؤلاء، ولا من كذب بما في الأحاديث كتكذيب هؤلاء، ولا من قال: هذا يمنع الوثوق أو يوجب التنفير ونحو ذلك كما قال هؤلاء، بل أقوال هؤلاء الذين غلوا بجهل من الأقوال المبتدَعة في الإسلام»([112]).
وفي كلام المقبلي التمثيل لذلك بما ذكر في تأويل قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
وقد ضرب ابن تيمية مثالًا لذلك أيضًا في تأويل قوله تعالى: {لِيَغفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]، قالوا: ذنوب أمته، قال: «فالمنكرون لذلك يقولون في تحريف القرآن ما هو من جنس قول أهل البهتان، ويحرفون الكلم عن مواضعه كقولهم في قوله تعالى: {لِّيَغفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} أي: ذنب آدم وما تأخر من ذنب أمته، فإن هذا ونحوه من تحريف الكلم عن مواضعه.
أما أولًا: فلأن آدم تاب وغفر له ذنبه قبل أن يولد نوح وإبراهيم، فكيف يقول له: إِنَّا فَتَحنَا لَك فتحًا مُبِينا ليغفر الله لك ذنب آدم؟!
وأما ثانيًا: فلأن الله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَىٰ} [الإسراء: 15]، فكيف يُضَاف ذنب أحد إلى غيره؟!
وأما ثالثًا: فلأن في حديث الشفاعة الذي في الصحاح أنهم يأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا إلى ربك، فيذكر خطيئته، ويأتون نوحًا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، فيقول لهم: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكان سبب قبول شفاعته كمال عبوديته وكمال مغفرة الله له، فلو كانت هذه لآدم لكان يشفع لأهل الموقف.
وأما رابعًا: فلأنّ هذه الآية لما نزلت قال أصحابه رضي الله عنهم: يا رسول الله، هذا لك، فما لنا؟ فأنزل الله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلمُؤمِنِينَ لِيَزدَادُواْ إِيمنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِم} [الفتح: 4]، فلو كان ما تأخّر ذنوبهم لقال: هذه الآية لكم.
وأما خامسًا: فكيف يقول عاقل: إن الله غفر ذنوب أمته كلّها وقد علم أن منهم من يدخل النار وإن خَرَج منها بالشفاعة؟!
فهذا وأمثاله من خيار تأويلات المانعين لما دلّ عليه القرآن من توبة الأنبياء من ذنوبهم واستغفارهم، وزعمهم أنه لم يكن هناك ما يُوجِبُ توبةً ولا استغفارًا، ولا تفضَّلَ الله عليه بمحبَّتِه، وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته لهم، فكيف بسائر تأويلاتهم التي فيها من تحريف القرآن وقول الباطل على الله ما ليس هذا موضع بسطه؟!»([113]).
الأمر الثاني: البغي على المخالف بالتكفير وغيره:
فبالرغم من أنَّ الجوينيَّ وغيره عدّ المسألة من الظنيات، حتى إن ذلك يقرره من يقول بامتناع الصغائر على الأنبياء كابن خمير السبتي، ويذكر أبو بكر ابن العربي أن المسألة خلافية، ويحكي القاضي عياض الخلاف عن السلف والمحدثين ومنهم الطبري، وقد تقدمت ألفاظهم في ذلك، إلا أننا نجد ذلك قد غاب عن كثير من الأشاعرة المتأخّرين، واشتدَّت وطأتهم على المخالفين في تلك المسألة بحسب تعبير المقبلي، حتى صرّح بعضهم بالتكفير.
ويُجلِّي ذلك قول البكي التونسي بعد أن رجَّح القول بامتناع المعاصي على الأنبياء عمدًا وسهوًا: «وهذه الطريق الذي عليه المصنّف يكاد أن يكون علماء الأمة في هذه الأعصار لم يختلفوا في ذلك، ولا تجد أحدًا منهم -والحمد لله- يقول بقول من تقدّم، حتى لو بدا شيء من ذلك على أحد، ولو كان منصوصًا لبعض أهل السنة، لحكموا بتأديبه إن لم يُكفِّروه، والله ولي التوفيق»([114]).
وممن صرح بالتكفير في المسألة: سراج الدين البُلقيني، فإنه لما سئل عن فتوى لابن أبي العزّ الحنفي (ت 792) في أبيات فيها غلوّ في النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإجماع قد قام على إنباء الله لهم اقتضى عصمتهم من أن يقع منهم كبيرة أو صغيرة البتة، فمن نسب سيدنا ونبينا صلى الله عليه وسلم إلى الزلة، وعدّد أنواعها، ولم يأت في كلامه بما يقتضي رفع هذا المحذور، كان مقتضى كلامه الوقوع في المجمع على عصمته منه، وذلك كفر لا يُتوقَّف فيه»([115]). فحاصل هذا: أن من نسب إلى الأنبياء الوقوع في الصغائر فكُفْرُه غير مُتوَقَف فيه؛ لأن الصغائرَ من الأمور المجمع على عصمة الأنبياء منها.
وما ذكره المقبلي من أن السؤالات كانت ترِد عن كفر من جوّز الصغائر على الأنبياء أمرٌ ثابت قبله بقرون، فقد سئل ابن تيمية عن رجل قال: «إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر، فكفَّره رجل بهذا، فهل قائل ذلك مخطئ أو مصيب؟»([116]).
ومما قاله ابن تيمية في جوابه: «فمن كَفَّر القائلين بتجويزِ الصغائر عليهم كان مُضاهيًا لهؤلاء الإسماعيلية والنصيرية والرافضة والاثني عشرية، ليس هو قول أحد من أصحاب أبي حنيفة ولا مالك ولا الشافعي، ولا المتكلمين المنتسبين إلى السنة المشهورين كأصحاب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، وأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وأبي عبد الله محمد بن كرام، وغير هؤلاء، ولا أئمة التفسير ولا الحديث ولا التصوف، ليس التكفير بهذه المسألة قول هؤلاء، فالمكفِّر بمثل ذلك يستتاب، فإن تاب وإلا عوقب على ذلك عقوبة تردعه وأمثاله عن مثل هذا، إلا أن يظهر منه ما يقتضي كفره وزندقته، فيكون حكمه حكم أمثاله. وكذلك المفسِّق بمثل هذا القول يجب أن يُعزَّر بعد إقامة الحجة عليه؛ فإن هذا تفسيق لجمهور أئمة الإسلام»([117]).
وهذا الغلوّ كان القاضي عياض قد حذّر منه في بيانه فوائد دراسة مسألة عصمة الأنبياء حيث قال: «وفائدة ثالثة: يحتاج إليها الحاكم والمفتي فيمن أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذه الأمور ووصفه بها. فمن لم يعرف ما يجوز وما يمتنع عليه وما وقع الإجماع فيه والخلاف كيف يصمّم في الفتيا في ذلك؟! ومن أين يدري هل ما قاله فيه نقص أو مدح؟! فإما أن يجترئ على سفك دم مسلم حرام، أو يسقط حَقًّا ويُضيِّعَ حُرمةً للنبي صلى الله عليه وسلم»([118]).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) «هداية المسترشدين» (4/ 463).
([2]) «شرح الإرشاد» لأبي القاسم الأنصاري (3/ 249-250).
([4]) «المتوسط في الاعتقاد» (ص: 370-371).
([5]) «الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى» (2/ 144).
([6]) «شرح العقيدة البرهانية» للمقترح (ص: 130).
([7]) «مقدمات المراشد في علم العقائد» (ص: 308).
([8]) «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» (2/ 102).
([9]) «أبكار الأفكار» (4/ 144-145)، ونحوه في «الإحكام في أصول الأحكام» (1/ 171).
([10]) «شرح المنهاج» (1/ 500).
([11]) «بغية الطالب شرح عقيدة ابن الحاجب» (ص: 372).
([12]) «المنهج السديد في شرح كفاية المريد» (ص: 324)، «شرح العقيدة الكبرى» (ص: 574).
([13]) «حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي» (3/ 351).
([14]) «تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب» (ص: 248).
([15]) «المواقف» (ص: 359). وانظر: «حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي» (3/ 349).
([16]) «شرح المواقف» (8/ 289).
([17]) «شرح العقائد النسفية» (ص: 359).
([18]) «منهاج السنة النبوية» (2/ 426).
([19]) «كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد» (ص: 155).
([20]) ينظر: «شرح الإرشاد» (3/ 262-263).
([21]) وتبعه الشمس الأصفهاني في ذلك. انظر: «بيان المختصر» (1/ 477).
([22]) «المختصر الكلامي» (ص: 956).
([23]) «مجموع الفتاوى» (4/ 319).
([24]) «أبكار الأفكار» (2/ 146)، ونحوه في «الإحكام في أصول الأحكام» (1/ 171).
([25]) «الرسالة التسعينية في الأصول الدينية» (ص: 230).
([26]) «شرح المنهاج» (1/ 500).
([27]) «روضة الطالبين وعمدة المفتين» (10/ 205).
([28]) «المنهج السديد في شرح كفاية المريد» (ص: 324)، «شرح العقيدة الكبرى» (ص: 574-575).
([29]) قال ابن قاسم العبادي: «وفيه تصريح بأن الأكثرين على جواز الكبيرة سهوًا، والصغيرة عمدًا أيضًا، خلاف ما دل عليه كلام الشارح (الجلال المحلي) فيهما، وذلك مما يعكِّر على قول الكمال: إنه ينبغي حمل ما ذكره العضد في شرح المختصر من إطلاق جواز الصغائر نقلًا عن الأكثرين على السهو، فإن تصريحه في المواقف نقل جواز الصغائر عمدًا عن الجمهور صريح في إرادته الإطلاق بما في شرح المختصر». «الآيات البينات» (3/ 227).
([30]) «المواقف» (ص: 359)، أما في «شرحه على مختصر ابن الحاجب» (2/ 290) فقد جرى على ما جرى عليه ابن الحاجب في المختصر، وهي الطريقة الأولى.
([31]) «شرح العقائد النسفية» (ص: 359).
([32]) «شرح العقائد العضدية» (ص: 98).
([33]) «شرح المواقف» (8/ 290).
([34]) «النبراس شرح شرح العقائد النسفية» (ص: 605).
([35]) «ضوء المعالي لبدء الأمالي» (ص: 53).
([36]) نقله أبو القاسم الأنصاري في «شرح الإرشاد» (3/ 252) عن كتاب «المختصر» للإسفراييني.
([37]) «البرهان في أصول الفقه» (ص: 182).
([38]) «محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين» (ص: 220).
([39]) كلام البيضاوي في «طوالع الأنوار» (ص: 209).
([40]) «بغية الطالب شرح عقيدة ابن الحاجب» (ص: 372).
([41]) «تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب» (ص: 248).
([42]) «بغية الطالب شرح عقيدة ابن الحاجب» (ص: 372).
([43]) «المختصر الكلامي» (ص: 956-957).
([44]) «تفسير البيضاوي» (1/ 71).
([45]) «الرد على ابن أبي العز الحنفي» ضمن «محنة ابن أبي العز الحنفي» (ص: 349)، ونقله السفاريني في «لوامع الأنوار البهية» (2/ 304-305).
([46]) «الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم» (2/ 328).
([47]) «منهاج السنة» (2/ 400-401).
([48]) «مجموع الفتاوى» (4/ 319).
([49]) ولم أجد أحدًا من الأشعرية يعزو له خلافَ هذا، غير أن العلامة المرداوي الحنبلي في «التحبير» (3/ 1451) وهم فذكره في المانعين مطلقًا، وعزا ذلك للإرشاد.
([50]) «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد» (ص: 356-357).
([52]) «الغياثي» (ص: 266-267).
([53]) «شرح الإرشاد» (2/ 264).
([54]) «الغنية» (ص: 161). قال ابن عرفة في «المختصر الكلامي» (ص: 961): «وقصة داود عليه السلام -وهي {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ}- قبل القصة وبعدها ما يدل على امتناع حملها على نسبة ذنب القتل وإرادة الزنا إليه كما ذكره الحشوية، وكذب روايتهم ذلك. وذكر الآمدي في تفسيرها ما اختصاره –مع حذف شنيع لفظه– أنه وقع بصره على امرأة تأمل حسنها فأعجبته، وكانت زوجة أوريا بن حيان، وكان غائبا، فأقدمه وأمَّره على قتال حصن رجاء قتله ليتزوجها، فقتل فتزوجها».
([55]) «بغية الطالب شرح عقيدة ابن الحاجب» (ص: 369).
([56]) «شرح الإرشاد» (3/ 261).
([57]) «الأربعين في أصول الدين» (ص: 320).
([58]) «لباب الأربعين» (ص: 313).
([59]) «مصباح الأرواح» (ص: 184). وينظر: «معراج المنهاج» لابن الجزري (2/ 5-6)، وفيه: «وما قاله المؤلف (البيضاوي) هو الذي اختاره الإمام (الرازي)».
([60]) «السراج الوهاج» (2/ 692).
([61]) «تسديد القواعد شرح تجريد العقائد» (3/ 452).
([62]) «شرح المقاصد» (5/ 51). وادَّعى الدواني في «شرح العقائد العضدية» (ص: 204) أن كلام التفتازاني في شرح النسفية -وقد قدمناه- ينافر هذا الكلام، وأجاب السيالكوتي في حاشيته بقوله: «لا تنافر، فإن ما قاله في شرح المقاصد من عصمتهم من الصغائر عمدًا بيان للمذهب المختار عند محققي الأشاعرة، كما في شرح المواقف، وما ذكره في شرح العقائد من جواز الصغائر عمدًا مذهب الجمهور». وأقره الشيخ المطيعي في «حاشيته على الدردير».
([64]) «شرح المواقف» (4/ 290).
([65]) «شرح العقائد العضدية مع حاشيتي السيالكوتي ومحمد عبده» (ص: 204).
([66]) «شرح العقائد العضدية» (ص: 98).
([67]) «المسامرة شرح المسايرة» (ص: 522).
([68]) «المحصول» (3/ 242)، و«التحصيل من المحصول» (1/ 434). وانظر: «نهاية السول» للإسنوي (ص: 250).
([69]) «درج المعالي شرح بدء الأمالي» (ص: 91).
([70]) انظر تعقب الملا علي القاري لابن جماعة باتفاق التفتازني في «ضوء المعالي لبدء الأمالي» (ص: 53)..
([71]) «مجموع الفتاوى» (4/ 320).
([72]) من الشيعة الأوائل من قال بخلاف هذا القول كما نقله أبو الحسن الأشعري في «مقالات الإسلاميين» (ص: 56). وبما حكاه الأشعري تعقَّب ابن تيمية حكايةَ ابنِ المطهر اتفاقَ الإمامية على العصمة. «منهاج السنة» (2/ 394).
([73]) «تنزيه الأنبياء» (ص: 2).
([74]) «قواعد المرام في علم الكلام» (ص: 125).
([75]) «أنوار الملكوت» (ص: 196). وانظر: «غاية الوصول» له (1/ 326-327)، وهو شرحه على مختصر ابن الحاجب.
([76]) «كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد» (ص: 155-156).
([77]) «منهاج السنة النبوية» (2/ 426-427).
([78]) «منهاج السنة النبوية» (2/ 413).
([79]) هذا عمدة القاضي عياض، وأخذه عنه السنوسي في «المنهج السديد في شرح كفاية المريد» (ص: 324)، وجعله اللقاني في «عمدة المريد» (2/ 840) أحسنَ الاستدلالات.
([80]) «رسالة في التوبة» ضمن «جامع الرسائل» (2/ 401).
([81]) «شرح المواقف» (8/ 267).
([82]) «شرح المقاصد» (5/ 51-52)، ونقله اللقاني في «عمدة المريد» (2/ 840).
([83]) «شرح الإرشاد» (3/ 268).
([84]) «المتوسط في الاعتقاد» (ص: 370). ونحوه في «أحكام القرآن» (4/ 51).
([85]) «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» (1/ 211).
([86]) «نهاية الإقدام في علم الكلام» (ص: 248).
([87]) «الإشارة في علم الكلام» (ص: 328).
([88]) «مقدمات المراشد في علم العقائد» (ص: 308).
([89]) «تحرير المطالب» (ص: 243-244).
([90]) «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» (2/ 101).
([91]) «الإبهاج في شرح المنهاج» (5/ 1752).
([92]) «الغيث الهامع» (ص: 385).
([93]) «الرد على ابن أبي العز الحنفي» ضمن «محنة ابن أبي العز الحنفي» (ص: 349)، ونقله السفاريني في «لوامع الأنوار البهية» (2/ 304-305).
([94]) «الغيث الهامع» (ص: 385).
([95]) «المنهج السديد في شرح كفاية المريد» (ص: 324).
([96]) «نتائج الأفكار القدسية» (1/ 292).
([97]) «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» (1/ 26).
([98]) «هداية المريد لجوهرة التوحيد» (1/ 703).
([99]) وانظر أيضًا في الأجوبة عن استدلالاتهم رسالة علمية بعنوان: «عصمة الأنبياء بين المسلمين وأهل الكتاب» للدكتور أحمد العبد اللطيف.
([100]) انظر: «غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر» (2/ 206).
([101]) حقَّقها عثمان الجبوري، ونشرت في «مجلة العلوم الاجتماعية» (ص: 210) وما بعدها.
([102]) مطبوعة ضمن «رسائل ابن عابدين» (1/ 306-314). وهو يعني بعبارة الأشباه: ما ورد في كتاب «الأشباه والنظائر» لابن نجيم، فإنه اعتمد هذا الفرع، وكذلك اعتمده في «البحر الرائق شرح كنز الدقائق».
([103]) هو ركن الدين الإستراباذي، له شروح في النحو والصرف والأصول، منها شرحه المطبوع على شافية ابن الحاجب في الصرف، أما شرحه الذي ذكره المقبلي فهو شرح لكتاب «قواعد العقائد» لشيخه نصير الدين الطوسي، واسمه: «الرسالة العزّية في شرح المقالة النصيرية» كما صرّح به في مقدّمته. وانظر: «الخواجة نصير الدين الطوسي حياته وآثاره» (ص: 317).
([104]) نص كلامه بعد أن ذكر احتجاج مجوِّزي الكبائر على الأنبياء بقصة آدم: «والجواب عن الأول: أنَّ تقديره: فعصى أولاد آدم، ويؤكّده قوله: {فَلَمَّا ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاءَ فِيمَا ءَاتَىٰهُمَا}، وبالاتفاق: لم يشرك آدم ولا حواء، وإنما أشرك أولادهما». «الرسالة العزية» اللوحة 98.
([105]) قال البيضاوي في «تفسيره» (1/ 71): «وقد تمسّكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وجوه». وفسر الخفاجي وغيره مراده بالحشوية بأنهم من يجوّز الكبائر على الأنبياء. انظر: «عناية القاضي وكفاية الراضي» (2/ 134). وقد تقدَّم رأي البيضاوي في المسألة، وهو تجويز الصغائر عليهم سهوًا لا عمدًا.
([106]) قال في الجواب عن الاحتجاج بقوله تعالى: {وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهۥ فَغَوَىٰ}: «أدى فعله إلى ما جرى عليه على طريق السببية المقدَّرة دون المؤاخذة على تناوله، كتناول السمّ على الجاهل بشأنه».
([107]) «العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ» (ص: 77).
([108]) الظاهر أنه يعني بالشافعية هنا الأشاعرة، لغلبة المذهب الأشعري على الشافعية أو كثير منهم. على أن القاضي حسينًا عزا القول بالعصمة من الصغائر لأكثر الشافعية. انظر: «البحر المحيط» للزركشي (6/ 16).
([109]) «نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب» (ص: 208).
([110]) ممن قال بالمنع: ابن حزم، ومن المفارقات أنه شنَّع على متقدمي الأشعرية لقولهم بالجواز. انظر: «الفصل» (4/ 2).
([111]) «سؤالات العبدي» ملحقة بـ«الأبحاث المسددة في فنون متعددة» (ص: 714). وقد قدَّمنا كلام كثير من متأخري الشيعة الإمامية في قولهم بعصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر سهوًا وعمدًا قبل البعثة وبعدها.
([112]) «منهاج السنة» (2/ 434-435).
([113]) «منهاج السنة النبوية» (4/ 401-403).
([114]) «تحرير المطالب» (ص: 249).
([115]) «التجرُّد والاهتمام لجمع فتاوى شيخ الإسلام» لعلم الدين البلقيني (3/ 238).
([116]) «مجموع الفتاوى» (4/ 319).