تنبيهُ كِرامِ المَحْتِد إلى بِدعِيَّةِ قيامِ المولِد
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
وقفتُ على تسجيل لبعض الباعَلوية عقدوا فيه مجلسًا للمولد، يقرؤون فيه من مولد الميرغني (الختم) (ت 1268) رأس الطريقة الميرغنية، الذي زعم في أوله أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأمره أن يضع مولدًا، وبشره أنه يحضر في قراءته إذا قرئ! وأنه يستجاب الدعاء عند ذكر الولادة وعند الفراغ منه([1])، إلى غير ذلك من الخرافات اللاغية المذكورة في ذلك المولد.
وقد انتصب أولئك الباعلوية قيامًا لدى ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم! فكتبت هذه الورقة في مسألة قيام المولد، والردّ على من كَفَّرَ مُنكرَه بدعوى التنقُّص من النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الدعوى التي جعلها أهل البدع سيفًا يشهرونه في وجه مخالفيهم، ليرضخوا لمشايخِهم الدَّجَلَة.
وسيكون الكلام حول بدعة قيام المولد في ستة محاور:
الأول: حقيقة قيام المولد.
الثاني: أصل قيام المولد.
الثالث: إنكار جمع من الفقهاء لقِيَام المولد.
الرابع: بطلان اعتقاد حضور النبي صلى الله عليه وسلم للموالد.
الخامس: ردّ دعوى أن قيام المولد عند مُبتَدِعِيْه عادة لا عبادة.
السادس: بطلان القول بتكفير من منع قيام المولد.
وبالله التوفيق.
أولًا: حقيقة قيام المولد:
عند سَرد المولد الشريف والوصول لذكر وضع أمِّه له صلَّى الله عليه وسلم ينهض جميعُ من حضر وقوفًا على الأقدام، ويبقى الكلّ على تلك الحالةِ مدّة ليست بقصيرة؛ أكثر من مدة الصلاة على الجنازة بكثير، والقارئ يقرأ المولِد، وهم يصلّون على النبي صلى الله عليه وسلم([2]).
وفي مولد المدابغي (ت 1176): (تنبيه: جرت العادة بقيام الناس إذا انتهى المدَّاح إلى ذكر مولده صلى الله عليه وسلم، وهي بِدعة مستحبَّة لما فيها من إظهار الفرح والسرور والتعظيم). ثم ذكر أبياتَ الصرصري (ت 656) الآتي ذكرها([3]).
ثانيًا: أصل قيام المولد:
قال محمد نووي بن عمر الجاوي (ت 1316) في شرحه لمولد البرزنجي (ت 1177): (واستشهد لاستحباب القيام بقول يحيى الصرصري من بحر الطويل -نفعنا الله به-:
قليلٌ لمدحِ المصطفى الخَطُّ بالذَّهَبْ *** على وَرَقٍ مِن خطِّ أحسَنْ من كَتبْ
وأن تنهضَ الأشرافُ عند سماعه *** قيامًا صُفوفًا أو جثيًّا على الرُّكَبْ
أما الله تعظيمًا له كتب اسمه *** على عرشه، يا رتبة سَمَتِ الرُّتَب!
وقد قام الشيخ تقي الدين السبكي حالًا عند سماعه منشدًا لهذه الأبيات لما وصل المنشد للبيت الثاني، والقضاة والأعيان بين يديه، وذلك عند ختم درسه رضي الله عنه)([4]).
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي (ت 1332): (ما جرت به العادة من القيام لولادته صلى الله عليه وسلم: الظاهر أن أصله ما حكاه البرهان الحلبي في السيرة([5]) عن التقي السبكي أنه كان عنده مجمع من الأفاضل، فأنشدهم من منشد قول الصرصري في مدحه صلى الله عليه وسلم:
قليلٌ لمدحِ المُصطفى الخَطُّ بالذَّهَبْ *** على وَرَقٍ مِن خطِّ أحسَنْ من كَتبْ
وأن تنهضَ الأشرافُ عند سماعه *** قيامًا صُفوفًا أو جثيًّا على الرُّكَبْ
قال: فعند ذلك قام السبكي وجميع من في المجلس، وحصل أنس كبير، وتابعه على ذلك مشايخ عصره.
قال الشهاب ابن حجر في فتاواه الحديثية([6]): “ما يفعله كثير عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ووضع أمه له من القيام بدعة لم يرد فيها شيء”. قال: “على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، فالعوام معذورون بذلك، بخلاف الخواص، فلا ينبغي لهم فعله” انتهى كلامه بحروفه)([7]).
واعلم أنَّ الصرصري والسبكي (ت 756) بريئان من بدعة قيام المولد، ولا يصحّ أن ينسب إليهما ما ابتدعه مَن بَعدهما، وإن استندوا إلى أبيات الأول وفعل الثاني:
أما الصرصري فلم يذكر أن الواجب القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، بل لو كان قوله: (وأن ينهض الأشراف…) إلخ دالًّا على وجوب القيام عند سماع اسم النبي صلى الله عليه وسلم، لكان الواجب القيام عند ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم، وعند قراءَة حديثه صلى الله عليه وسلم، وعند سيرته صلى الله عليه وسلم، وهَلُمَّ جرًّا، فيلزم القيام في سائر هذه الأحوال، واللازم باطل.
وأما السبكي فلم يكن قيامه إلا عند سماعه لأبيات الصرصري، ولم يكن قيامًا متعلِّقًا بقصّة المولد، ولا بقراءتها، ولا بذكر ولادته صلى الله عليه وسلم. وقد جازف بعض من دافع عن هذه البدعة فنسب له ذلك. فمن ذلك قول محمود العطار (ت 1362): (وقد فعله العالم الشهير تقيّ الدين السبكي وغيره ممن لا يحصَى، واستمرَّ عليه العمل إلى يومنا هذا، ويستمر -إن شاء الله- إلى يوم القيامة)([8]).
وهذا خطأ على السبكي؛ فهو لم يفعله قط. وأوثق مصدر لنقل تلك القصة، -وهو التاج ابن السبكي (ت 771)- لم يذكر ذلك، قال: (حضر الوالد مرة ختمة بالجامع الأموي، وحضرَت القضاة وأعيان البلد بين يديه، وهو جالس في محراب الصحابة، فأنشد المنشد قصيدة الصرصري التي أولها:
قليلٌ لمدحِ المصطفى الخطَّ بالذهبِ
فلما قال: وأن ينهضَ الأشرافُ عند سماعه… البيت؛ حصلت للشيخ حالة وقام واقفًا للحال، فاحتاج الناس كلهم أن يقوموا، فقاموا أجمعون، وحصلت ساعة طيبة)([9]).
ولو فعل الصرصري والسبكي أو غيرهما من أهل العلم ذلك، فَفِعْلُهُما ليس تشريعًا ملزمًا، ولا سنة متّبعة، كيف وقد أُنْكِر قولهما في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟!
ثالثًا: إنكار جمع من الفقهاء لقِيَام المولد:
إن بدعة قيام المولد -كما رأيت- مستندة إلى فعل فقيهٍ عاش في القرن الثامن الهجري، وهو التقي السبكي، وقد كثر بعد ذلك الكلامُ في تلك المسألة، وسوّدت الأوراق في الدفاع عن هذه البدعة([10])، لا سيما في القرن الرابع عشر الهجري، كما وقعت سجالات فيها بين بعض المغاربة؛ وكأنَّ كثيرًا من الخائضين فيها من المتصوفة الجامدين عند قولهم بوجوب هذه البدعة أو استحبابها نسوا أنهم كانوا يقولون بإغلاق باب الاجتهاد.
وبلغ الحال ببعض المدافعين عن هذه البدعة أنِ ادَّعَى استقرار العمل عليها، وأنها صارت شعار السنة! قال محمد علي بن حسين المالكي (ت 1367): (لا شك أنه قد جرى على استحسان القيام الميلادي تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم عمل من يعتد بعمله في أغلب البلاد الإسلامية بلا نكير)([11])، وقال عبد الله سراج الدين (ت 1368) – مفتي الحرمين في زمن الشريف حسين (ت 1350)-: (وبالجملة: فالقيام عند ذكر مولد النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارًا لأهل السنة والجماعة، وتركُه من علامات الابتداع، فلا ينبغي تركه ولا المنع منه)([12]).
أما أبرز الفقهاء الذين أنكروا قيام المولد: فمنهم ابن حجر الهيتمي (ت 974)، فإنه سئل عن الوثوب عند قراءة قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] فقال بعد الحكم ببدعيّته: (ونظير ذلك فعل كثير عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ووضع أمه له من القيام، وهو أيضًا بدعة، لم يرد فيه شيء. على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، فالعوام مَعذُوُرون لذلك، بخلاف الخواص)([13]).
وهذا الكلام يدل أن ابن حجر لا يعدّ القيام تعظيمًا في نفس الأمر؛ لأنه جعل ذلك من فهم العوام، أما الخواص فلا يعدّونه كذلك.
وكان لكلام ابن حجر -لمرجعيته لدى متأخري الشافعية- أثرٌ جدليّ لدى من تبِعه، فمنهم من صرّح بانتقاد كلامه، وعدّه هفوة منه كمحمود العطار الدمشقي([14])، ومنهم من سعى لتوجيهه وحملِه على محامل لا تدلّ على إنكاره للقيام، وإن كانت تلك المحامل مستبعدة، كالقول بأنه عنى البدعة اللغوية لا الشرعية، وهذا ما ذهب إليه محمد القاسمي (ت 1337)([15]).
وقدِ احتجّ بكلامه رشيد رضا (ت 1354) على العلويّين الذين يدَّعون التمذهُب بمذهب الشافعية، فقال: (وأما القيام عند ذكر وضع أمه له صلى الله عليه وسلم، وإنشاد بعض الشعر أو الأغاني في ذلك، فهو من جملة هذه البدع، وقد صرَّح بذلك الفقيه ابن حجر المكي الشافعيّ الذي يعتمد هؤلاء العلويون على كتبه في دينهم)([16])، ثم أورد كلامه.
وإنّك لتعجَب من إعراضهم عن كلام ابن حجر الهيتمي، وكأنّ الشافعية منهم نسوا طريقتهم في التعويلِ على ابن حجر الهتيمي في معرفة معتمد المذهب.
وممن أنكره -قبل الهيتمي- الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942) حيث قال: (جرت عادة كثير من المحبّين إذا سمعوا بذكر وَضْعِه صلى الله عليه وسلم أن يقوموا تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها)([17]). ونحوه قاله الشبراملسي (ت 1087)([18]).
وأنكره أيضًا الشيخ أبو الحسنات محمد عبد الحيّ اللكنوي الحنفي (ت 1304)، وعصريّه الشيخ محمد صديق حسن خان (ت 1307) وسيأتي نصّ كلامِهِمَا.
وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي (ت 1352): (ولْيعلم أنَّ القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بدعة، وقد قال السيِّد المختار صلى الله عليه وسلم: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار» أي: فاعلها يعذَّب لأجلها في النار، وقد قال الله عز وجل في كتابه الحكيم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، ولا وجه لمن قال بتحسينها، فإنه ليس من أهل التَّحسين، وعن النَّص الصَّريح قد سها، وتعليله بأنَّ فيه تعظيمًا وإظهارَ السرور بسيِّد النبيين صلى الله عليه وسلم تعليلٌ مردود بالبداهة، وليس من المشرِّعين، بل من متأخِّري المقلِّدين، ومن المعلوم بالضَّرورة أنَّ الأحكام لا تثبت إلا بالشَّرع الوارد عن رب العالمين، ولو تأمَّل ذلك المعلِّل لعرف أنَّ تعظيمَ النبي صلى الله عليه وسلم والسُّرور به، ورضا القوي المتين إنما هو بالقلوب، والأعمال الظاهرة المشروعة علامة على ذلك)([19]).
ومن الرسائل التي كتبت في إبطال بدعة قيام المولد:
– (مسامرة الأعلام وتنبيه العوام بكراهة القيام لذكر مولد خير الأنام) و(الحجة الدامغة بالبرهان والدليل لكل من أحدث فرية القيام بالقياس والتأويل) كلاهما لمحمد العابد بن أحمد المري الفاسي المالكي (ت 1359) مفتي فاس وخطيب الحرم الإدريسي.
– (صفاء المورد في عدم القيام عند سماع المولد) لمحمد بن الحسن محمد الحَجْوي الثَّعالبي (ت 1376) مدرِّس التَّفسير والحديث بجامع القرويين بفاس.
قال الشيخ محمد بن يوسف بن محمد المعروف بالكافي المالكي (ت 1380) في وصفهما: (فإنَّهما سفَّها في كتابيهما أحلام مدَّعي طلب القيام عند ذِكر مولد إمام كل إمام عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام)([20]).
وقد أطال الكافي في إبطال هذه البدعة في تقريظه لكتاب (النقد والبيان) للشيخين محمد كامل القصاب (ت 1373) وعز الدين القسام (ت 1354) رحمهم الله تعالى.
رابعًا: بطلان اعتقاد حضور النبي صلى الله عليه وسلم للموالد:
إن القائلين ببدعة قيام المولد نصّوا على أنه مبنيّ على استحباب القيام لأهل الفضل والاحتشام؛ للاحترام والإكرام([21])، وهذا لا يكون إلا باعتقاد حضور النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لو لم يكن حاضرًا لما كان لاعتمادهم على قضية القيام لأهل الفضل والاحتشام معنى عند ذوي الأفهام.
وقد اختلف النقل عنهم في حقيقة حضوره، فمنهم من نقل عن القائلين بالقيام أنهم يقولون بحضوره بجسده، قال أبو الحسنات اللكنوي: (ولنذكر ههنا بعض القصص التي أكثر وعاظ زماننا ذكرها في مجالسهم الوعظية، وظنوها أمورًا ثابتة، مع كونها مختلقة موضوعة)([22]).
ثم قال: (ومنها ما يذكرونه من أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضُر بنفسه في مجالس وعظِ مولِدِه عند ذكر مولِدِه، وبنوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيمًا وإكرامًا، وهذا أيضًا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان)([23]).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز (ت 1420): (بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15، 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر» عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام. فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة)([24]).
ومنهم من حاول التخفيفَ من حدّة القول بحضور النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر قيام المولد، ورأوا ما في القول بحضوره بجسده من الشناعة ومخالفة الحسّ، مما يعسر قبوله عند كثير من الناس، قال محمد بن علوي المالكي (ت 1425): (وليس هو في الحقيقة للذات المحمديّة كما توهّمه قوم من البرية، فاعترضوا وأطنبوا، وإلى إنكار فعله ذهبوا)([25]).
ولذا قالوا: إن حضوره يكون بروحه لا بجسده، قال محمد علي بن حسين المالكي: (على أنه بلا شك يحضر بروحه في كل مقام يذكر فيه، فمن ثم قال البرزنجي في مولده:
بتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر ** بأي مقام فيه يذكر بل دان)([26]).
وفي إنكار ذلك وبيان فساده قال صديق حسن خان رحمه الله: (وقد سمعنا أن المحتفلين بمولده صلى الله عليه وسلم إذا بلغوا إلى ذكر ولادته عليه السلام قاموا قيامًا واسعًا لتعظيم روحه صلى الله عليه وسلم، زعمًا منهم أنه حاضر في هذا الوقت، نعوذ بالله من الجنون والخبط، وهذا القيام منهم -مع هذا القيام التعظيمي- يشبه الشرك عند من يعرف الأدلة، وهو عالم بكيفية الاستدلال بها. وأما من خَبَطَهم الشيطان بالمس فهذا عندهم غايةُ التبجيل وكمالُ العقيدةِ الحسنة به صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أنّ هؤلاء أعظمُ حمر الكون في خِفَّةِ العُقول والنّهى، وأشدّها جهلًا في تقليد الأهواء. أعاذنا اللهُ مِنَ الحمق والطيش، ورزقنا في نعيمه رغد العيش)([27]).
خامسًا: ردّ دعوى أن قيام المولد عند مُبتَدِعِيه عادة لا عبادة:
قال فضل بن عبد الرحمن بافضل (ت 1421) في جواب فتوى في مسألة قيام المولد: (القيام في أثناء قصة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو المعهود تعظيمًا لسماع مولده صلى الله عليه وسلم قد استحسنه الأئمة من أهل العلم والفضل وأهل السنة والجماعة ممن سبق قديمًا، وهو وإن كان قد يسمّى بدعة من حيث إنه لم يكن موجودًا في حياته صلى الله عليه وسلم، ولكن هو بدعة حسنة، وليس كل بدعةٍ مذمومة، على أن البدعة إنما تكون في العقائد والعبادات لا في العادات)([28]).
وأنت تجد فضل بن عبد الرحمن لم يذكر هنا كلام أحدٍ ممن تقدمه من أئمة الشافعية، مع أنه في فتاويه يحرص على ذلك، ولو فعل لاصطدم بنص ابن حجر الهيتمي المتقدّم، ولما سهل عليه تمرير تلك البدعة. والمقصود: أنه جعل هذه القضية من العادات لا من العبادات.
وأوضح وأصرح منه قول محمد بن علوي المالكي: (ويصح أن يكون هذا القيام الذي يقع عند ذكر ولادته؛ لتصور السامع في تلك اللحظة أن الكون كله في فرح وسرور بولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى الدنيا؛ فيقوم السامعون جميعا فرحًا وسرورًا وابتهاجًا بهذه النعمة، معبرين بذلك عن شعورهم وحبّهم، فهي مسألة عادية محضة، وليست عبادة ولا شريعة ولا سنّة)([29]).
ولا بد من بيان أن الترويج لهذه البدعة -بدعوى أنها عادةٌ محضة لا عبادة وليست سنة ولا شريعة- مخالفٌ لما نصّ عليه كثير ممن دعا إليها مِن استحبابها، بل افتراضها، بل تكفير منكرها.
قال جعفر بن حسن البرزنجي في المولد النبوي المنثور: (هذا، وقد استحسن القيام عند ذكر مولده الشريف أئمة ذوو رواية ورويّة، فطوبى لمن كان تعظيمه صلى الله عليه وسلم غاية مرامه ومرماه).
قال محمد عليش (ت 1299) في شرحه: (قوله: “استحسن” أي: عَدَّهُ حسنًا وحكم باستحبابه وندبه شرعًا)([30]).
وقال عبد الرحيم السيوطي المالكي (ت 1342): (استحسن القيام أي: عدّه حسنًا وحكم باستحبابه شرعًا، بل أفتى الولي أبو السعود العمادي الحنفي بكفر من يتركه حين يقوم الناس لإشعاره بضد ذلك، كما في مولد الإمام الحلواني والطنطاوي)([31]).
وقال محمد القاسمي: (وبه تعلم أن الاستحسان الواقع في كلام الشيخ البرزنجي في مولده الشهير “هذا وقد استحسن القيام” إلخ خاصّ بالوجوب لتعينه بالقرينة التي ذكرها فيه من التعظيم وهي العلة المتقدمة بعينها فليتأمل)([32]).
وقال البرزنجي في المولد النبوي المنظوم:
وقد سنّ أهل العلم والفضل والتّقى *** قيامًا على الأقدام مع حسن إمعان
بتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر *** بأي مقام فيه يذكر بل دان
قال شارح منظومة البرزنجي في المولد النبوي محمد نووي بن عمر الجاوي: (“قيامًا على الأقدام” أي: حكموا بسنيته شرعًا، قال محمد السمهودي في الدر الثمين: وقيام الناس عند ذكره صلى الله عليه وسلم بدعة حسنة)([33]).
وقال محمد بن محمد العزب:
ولذكر مولده يسن قيامنا *** أدبًا لدى أهل العلوم تأكدا([34])
وقال محمد علي بن حسين المالكي: (لا شك أنه قد جرى على استحسان القيام الميلادي تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم عمل من يعتدّ بعمله في أغلب البلاد الإسلامية بلا نكير، فلا ينبغي لأحد من الخواص والعوام تركه، ولا المنع منه، بل ربما استلزم تركه والمنع عنه اليوم الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم)([35]). ثم ذكر أن المستخف بالنبي صلى الله عليه وسلم كافر، ونقل فتوى أبي السعود في المسألة.
وقال محمد بن خليل الهجرسي المصري الشافعي (ت 1328): (والله، لولا سدّ باب الاجتهاد لحكمت بافتراض هذا القيام، خصوصًا في هذا الزمان الذي صار فيه الإيمان في عيون الناس لا في قلوبهم)([36]).
وقال محمود العطار: (يُندَب القيام ويتأكّد ويستحبّ عند ذكر ولادته الشريفة، تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، وإكرامًا وفرحًا بإيجاده الذي هو أجل نعمة على العالم، وقد استحسن ذلك المسلمون ورأوه حسنًا)([37]).
وخالفه محمد القاسمي فذهب لوجوبه، وقال في التدليل على ذلك: (إن القيام عند ذكر وضعه الشريف مُشعِر بتعظيمه ومحبته وحفظ الأدب معه، وكل ما كان كذلك فهو واجب، فالقيام حينئذ واجب، وهو المطلوب، لأنه يلزم من صحة الملزوم صحة اللازم… وأنت تعلم أنّ من جزم بأن القيام للتعظيم وأنه واجب لزمه القول بوجوب القيام من حيث لا يدري؛ لأنهم أجمعوا على أنه متى سلمت الصغرى والكبرى عند الخصم سلمت النتيجة لزومًا، شاء أو أبى، وحينئذ ينتج الوجوب لا غير، كما لا يخفى على من له أدنى تدرب في فني النظر والمناظرة)([38]).
قال: (وإذا ركب دليل مما تقدم من الشكل الأول ينتج المدعى، ونظمه أن يقال: إن القيام عند ذكر وضعه الشريف مشعر بتعظيمه ومحبته وحفظ الأدب معه، وكل ما كان كذلك فهو واجب، فالقيام حينئذ واجب، وهو المطلوب؛ لأنه يلزم من صحة الملزوم صحة اللازم)([39]). وسيأتي الكلام في بطلان هذا الدليل؛ لأنه بعينه الدليل الذي يحتج به على التكفير.
والقصد: أن هذه النصوص جميعها تدلّ أن مبتدعي قيام المولد يرون القيام شرعةً ودينًا، وحكمه لديهم يدور بين الوجوب والاستحباب، وليس هو عادةً محضة، كما يدّعي محمد بن علوي المالكي.
وقد تعامل محمد بن علوي المالكي مع قول البرزنجي بما يصرفه عن معناه المتبادر وهو الاستحسان الشرعي، مخالفًا ما فهمه شراحه، فقال: (ونعني بالاستحسان للشيء هنا كونه جائزًا من حيث ذاته وأصله ومحمودًا مطلوبًا من حيث بواعثه وعواقبه، لا بالمعنى المصطلح عليه في أصول الفقه، وأقل الطلاب علمًا يعرف أن كلمة “استحسن” يجري استعمالها في الأمور العادية المتعارف عليها بين الناس فيقولون: استحسنت هذا الكتاب وهذا الأمر مستحسن واستحسن الناس هذه الطريقة، ومرادهم بذلك كله هو الاستحسان العادي اللغوي، وإلا كانت أمور الناس أصولًا شرعية، ولا يقول بهذا عاقل، أو مَن عنده أدنى إلمام بالأصول).
ولو سلمنا -جدلًا- أنَّ قول البرزنجي في مولده المنثور يحتمل هذا، فما عساه يفعل بقول البرزنجي في نظمِه: (وقد سنّ أهل العلم والفضل والتّقى…) إلخ؟! هل هي السنة بمعناها اللغوي وهي السيرة والسلوك؟!
يقول الشيخ عماد الدين الواسطي (ت 711) مبينًا حال المبتدعة في نشر دعوتهم: (فإن الداعي إلى البدعة لا يُستجاب له إلا إذا كان ذا بصيرة بالدعوة، يرفق في دعوته، ويستدرج الخلق لها بلطيف الاستدراج، بحيث ينقلهم من مرتبة في عقولهم إلى مرتبة أخرى أعلى منها)([40]).
وهذا ما نجده في كلامهم في مسألة قيام المولد، فإننا لا نجدهم في حال ضعفهم يعلنون بحقيقة أقوالهم في بدعة قيام المولد، بل يصرّحون بأنها مجرّد عادة لا عبادة؛ استدراجًا ومكرًا بمن عساه يغتر بقولهم، حتى إذا نظر الناظر في ما كانوا يكتبونه في حال قوّتهم علم أن الحال بخلاف هذا، فهم يوجبون القيامَ، بل يكفّرون منكره.
ومن مزاعمهم الباطلة قولهم: (قضية كون القيام عنوان الاحترام قضية بديهية اجتماعية عند عموم الناس من الخواص والعوام)([41])، ومن المعلوم أنّ عموم الناس من الخواص والعوام لا يعدّون القيام عند ذكر ولادة الشخص باسمه من الاحترام، فهذا لا يصنعه أحد منهم، وإنما يقومون عند حضوره بشخصه وهو حيّ.
وقد ذكر العلّامة الحفار كما في (نوازل الأحباس) من “المعيار” للعلامة الونشريسي ما نصُّه: (إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القُرَب إلى الله تعالى، لكن يتقرَّب إلى الله سبحانه بما شرعه)([42]).
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ([43]).
سادسًا: بطلان القول بتكفير من منع قيام المولد:
نُقِلَ عن بعض الفقهاء -كما تقدّم ذكر بعض نصوصهم- القولُ بتكفير من منع هذا القيام، وهذا من الغلو الشديد، غير أنه جارٍ على المعهود من عادة أهل البدع، فقد علم من عاداتهم أنهم يبتدعون القول، ثم يُكفِّرُون مخالفيهم فيه.
ومن أبرز من صرّح بالتكفير: أبو السعود مفتي الدولة العثمانية (ت 982). قال: (قد اشتهر اليوم في تعظيمه صلى الله عليه وسلم، واعتيد في ذلك، فعدم فعله يوجب عدم الاكتراث بالنبي صلى الله عليه وسلم وامتهانه، فيكون كُفرًا مخالفًا لوجوب تعظيمه صلى الله عليه وسلم)([44]).
قال محمد بن خليل الهجرسي المصري الشافعي: (والله، إني لأرى من ترك القيام استنكافًا واستكبارًا فهو لا شك معلن بالكفر جهارًا، ويخيّل إليّ أني سمعت من أجلّاء المدينة المنورة أنه روى عن شيوخ شيوخه أن رجلًا من ذوي العلم ترك القيام عند ذكر مولد سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، فسألوه عند عدم قيامه فقال: لأنه منكر. فأفتوا بكفره، وأذاقوه وبال عاقبه أمره)([45]).
وقال محمود العطار: (فحينئذٍ لا يكون هذا القيام بدعة، بل منصوصًا عليه بدلالة النص، فمن يدعي إنكاره وتحريمه فهو مبتدع ضال، وعند قصد الإهانة والتنقيص لمنصبه الشريف يكون كفرًا وردة -كما سلف-، وقد أفتى العلامة مفتي الثقلين الإمام أبو السعود بكفر من يتركه حين يقوم الناس إهانة واستنكارًا كما نقله العلامة السمنودي)([46]).
وقال عبد الله سراج الدين: (وبالجملة: فالقيام عند ذكر مولد النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارًا لأهل السنة والجماعة، وتركه من علامات الابتداع، فلا ينبغي تركه ولا المنع منه، بل ربما استلزم ذلك الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن هنا أفتى المولى أبو السعود العمادي بخشية الكفر على من يتركه حين يقوم الناس لإشعاره بذلك)([47]).
وحجة القائلين بالتكفير مركَّبة من مقدمتين:
الأولى: القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم تعظيمٌ له.
الثانية: كلّ ما كان تعظيمًا له فهو واجب، يعدُّ تاركه مستخفًّا؛ فيكفر.
فتكون النتيجةُ بعد حذف الحدّ الوسط: القيامَ عند ذِكْر ولادته واجب، يكفر تاركُه للاستخفاف.
قال الشيخ الكافي المالكي في إبطال دعوى التكفير هذه: (إنَّ استنادهم باطل لمنع المقدِّمتين:
أما منع الكبرى فظاهر؛ لعدم لزوم الاستخفاف لعدم القيام، لاحتمال أنَّ من ترك القيامَ تركه كسلًا مع اعتقاد احترامه وتعظيمه صلى الله عليه وسلم، أو أنّه تركه جاهلًا بكونه تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، أو أنه تركه لاعتقاده التَّعظيم في عدم القيام امتثالًا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، واتِّباعًا للسلف الصالح الذين كانوا لا يقومون له مع محبَّتهم له صلى الله عليه وسلم؛ لكونهم يعلمون كراهيته لذلك؛ لأنه من شعار غير المسلمين.
وأمَّا منع الصغرى فهو أظهر من منع الكبرى؛ لأنَّ القيام لم يكن مشروعًا للتَّعظيم، ولم يشرع إلا في القيام للصَّلاة، ومن المعلوم عند العلماء أنَّ تعظيمَ النبي صلى الله عليه وسلم قربةٌ إلى الله تعالى، ولا يتقرَّب إليه تعالى إلا بما شرعه)([48]).
قال: (ويلزم أصحاب هذا القول على مقتضى نتيجتهم: تكفير جميع الصّحابة الذين في مقدمتهم أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهم، لأنهم كانوا لا يقومون له، فيُعَدّون مُستخفِّين بحقِّه صلى الله عليه وسلم، ولا مسلم يقول بذلك. بل إذا حقَّقنا النَّظرَ، واستعملنا الفكرَ، وأمعنا بعين البصيرة والبصر، وجدنا معارضة قياسهم بقياس نتيجته تنطبق عليهم تمام الانطباق، وصورته:
القيامُ للنبي صلى الله عليه وسلم ليس تعظيمًا له؛ لكونه يكرهه.
وكلُّ ما ليس تعظيمًا له يعدُّ فاعله مستخفًّا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيكفر.
النتيجة: القيام إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يعدُّ فاعلُه مستخفًا به؛ لكونه يكرهه صلى الله عليه وسلم)([49]).
والناظر في كلام مبتدعي قيام المولد لن يجدهم قد اقتصروا على التكفير ونسبة المانع إلى تنقص النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل استعملوا أسلحة أخرى، وكلها أسلحة مفلولة.
فمنها: التخويف بقصص وحكايات عمّن لم يقم قيام المولد فعاقبه الله وابتلاه! ذكر علوي المالكي أن والده عباس المالكي أخبره أنه حضر في بيت المقدس احتفالًا نبويًّا ليلة عيد الميلاد النبوي، تلا فيه مولد البرزنجي، فإذا رجل أشيب قام بغاية الأدب من أول المولد إلى نهايته، وأفاده لما سأله عن سبب وقوفه مع كبر سنه بأنه كان لا يقوم عند ذكر الميلاد النبوي، ويعتقد أنه بدعة سيئة، فرأى في نومه أنه مع جماعة متهيّئين لاستقباله صلى الله عليه وسلم، فلما طَلَع لهم بدرُ مُحيَّاه ونهض الجميع لاستقباله لم يستطع هو القيام لذلك، وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أنت لا تستطيع القيام. فما استيقظ إلا وهو مقعد، وبقي على هذا الحال عامًا، فنذر إن شفاه الله من مرضه هذا يقوم من أول قراءة المولد إلى غاية نهايته، فعافاه الله من ذلك، ولم يزل قائمًا بوفاء نذره تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم([50]).
ومن الأسلحة التي استعملوها: تنفير من يترك قيام المولد بأنه سوف ينسب إلى الوهابية! يقول محمود العطار: (هذا، وربما كان في ترك القيام إثارة فتنة عند عموم الناس ونسبة من لا يقوم عند قيام الناس تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم إلى مذهب الوهابية الذين تجاوزا الحد في الغلو بتكفير أهل التوحيد!)([51]).
ومنها ما جاء في سؤال وجّه لمحمد رشيد رضا، وهو أن العلويين في أندونيسيا كانوا يلقِّنون الناس في أثناء الحفلات أن من لم يحضر المولد ومن لم يقم عند سماعه (مرحبًا) إلخ فهو كافر، وإذا سأله سائل: هل هذا أمر من الله ورسوله؟ أجابوه بقولهم: أنت كافر، اسكت، لا تنازعنا في هذا؛ لأَنَّا أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم!([52]).
قال رشيد رضا: (وأما ادعاء هؤلاء العلويين الجاهلين بأنه يجب الأخذ بقولهم: “هذا كفر” و”هذا إيمان”، ومن فعل كذا فقد كفر، وتعليلهم ذلك بأنهم أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو أقبح الجهل بحقيقة هذا الدين، وصاحبُه أدنى إلى الكفر من تارك حضور بدعة المولد؛ لأنَّهُ ادعاء لحق التشريع في العقائد والعبادات لكل من هو علوي فاطمي، ولم يقل بهذا أحد من المسلمين، حتى غلاة الشيعة الذين يقولون بعصمة بعض أئمة آل البيت لا كلهم، فكيف بجهلة عوامهم، فإنهم إنما يقولون بعصمتهم من الكذب في نقل نصوص الدين ومن المعاصي إلخ، ولكن لم نر لأحد منهم دعوى مثل هذا للأئمة فضلًا عن هؤلاء العوام الجاهلين بضروريات الدين، ولو جعل لكل فاطمي أو لبعضهم هذا الحق في التشريع لزال هذا الدين من الوجود إن وجد من يقبله ويدين به)([53]).
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) يظر: مولد الميرغني (ص: 9).
([2]) صفا المورد، للحجوي الثعالبي (ص: 3).
([3]) القول المنجي على مولد البرزنجي (ص: 18).
([4]) مدارج الصعود إلى اكتساء البرود (ص: 14-15).
([5]) السيرة الحلبية (1/ 100). وينظر: السيرة النبوية والآثار المحمدية، لأحمد زيني دحلان (1/ 45).
([7]) شذرة من السيرة المحمدية (ص: 32-33).
([9]) طبقات الشافعية الكبرى (10/ 207-208).
([10]) من ذلك: (رسالة في بيان حكم القيام في وقت ذكر ولادة النبي عليه السلام) لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي (ت: 956)، و(الذكر الشريف في إثبات المولد المنيف، ورسالة في مسألة القيام) كلاهما لأحمد سعيد المجددي الدهلوي الحنفي (ت: 1277)، و(شرح إذاقة الآلام لمنكر عمل المولد والقيام) لأحمد رضا خان البريلوي الحنفي (ت: 1304)، و(المنظر البهي في طالع مولد النبي وما يتبعه من أعمال المولد وحكم القيام عند ذكر مولده عليه الصلاة والسلام) لمحمد بن خليل الهجرسي المصري الشافعي (ت: 1328)، و(تحقيق الكلام في وجوب القيام) و(دحض الفضول في الرد على من حظر القيام عند ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم) كلاهما لمحمد القاسمي (ت 1337)، و(حجة المنذرين على تنطع المنكرين) لأحمد بن عبد الواحد بن المواز الحسني الفاسي المالكي (ت: 1341)، و(استحباب القيام عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام) لمحمود العطار الدمشقي (ت: 1362)، و(الهدي التام في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام) لمحمد علي بن حسين بن إبراهيم المكي المالكي (ت: 1367)، وبعض هذه الرسائل مخطوط، وبعضها نادر.
([11]) الهدي التام في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام -ضمن الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام- (ص: 93-94).
([12]) الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام (ص: 176-177).
([13]) الفتاوى الحديثية (ص: 58).
([15]) الهدي التامّ في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام -ضمن الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام- (ص: 93-94). والشيخ محمد القاسمي هو عمّ الشيخ جمال الدين القاسمي ينظر: آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل (ص: 173-180).
([17]) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (1/ 344).
([18]) مدارج الصعود إلى اكتساء البرود (ص: 14-15).
([19]) المقامات العلية في النشأة الفخيمة النبوية (ص: 43).
([20]) النقد والبيان (ص: 216-218).
([21]) فتوى عبد الله عبد الرحمن سراج -ضمن الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام- (ص: 176).
([22]) الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص: 92).
([23]) الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص: 105).
([24]) حكم الاحتفال بالمولد النبوي.
([25]) البيان والتعريف بالمولد الشريف -ضمن مجموع لطيف أنسي- (ص: 345).
([26]) الهدي التام في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام -ضمن الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام- (ص: 92).
([27]) الدين الخالص (4/ 451-452).
([28]) مناهل العرفان من فتاوى فضل بن عبد الرحمن (ص: 380).
([29]) البيان والتعريف بالمولد الشريف -ضمن مجموع لطيف أنسي- (ص: 347).
([30]) القول المنجي على مولد البرزنجي (ص: 18).
([32]) مجلة الحقائق (22/ 10-11).
([33]) ترغيب المشتاقين لبيان منظومة السيد البرزنجي زين العابدين (ص: 17).
([35]) الهدي التام في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام -ضمن الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام- (ص: 93-94).
([36]) المنظر البهي في طالع مولد النبي (ص: 17-18).
([38]) تحقيق الكلام في وجوب القيام -ضمن مجلة الحقائق- (22/ 11).
([39]) تحقيق الكلام في وجوب القيام -ضمن مجلة الحقائق- (22/ 11).
([40]) أشعة النصوص لهتك أستار الفصوص -ضمن العماديات- (ص: 56-57).
([41]) المنظر البهي، للهجرسي (ص: 16).
([42]) المعيار المعرب (7/ 100).
([43]) أخرجه أحمد (3/ 132، 134، 151، 250-251)، وابن أبي شيبة (5/ 235)، والترمذي (2754)، وفي الشمائل (337)، والبخاري في الأدب المفرد (946). وإسناده صحيح على شرط مسلم، قاله ابن القيم في تهذيب السنن (8/ 82).
([44]) تهذيب الفروق (4/ 277). ولفتاوى أبي السعود أهمية في التعرف على مظاهر الحياة الدينية والاجتماعية في الفترة التي عاشها (898-982هـ)، كما يظهر من إفراد بعض الباحثين دراسة في هذا الموضوع.
([45]) المنظر البهي في طالع مولد النبي (ص: 18).
([46]) استحباب القيام عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام -ضمن مجلة الحقائق- (17/ 6).
([47]) فتوى عبد الله سراج الدين ضمن -فتاوى أئمة الإسلام- (ص: 176-177).
([48]) النقد والبيان (ص: 209).
([49]) النقد والبيان (ص: 213-214).