الخميس - 24 جمادى الآخر 1446 هـ - 26 ديسمبر 2024 م

قراءة نقديّة في كتاب (الصواعق والرعود) لابن داود الحنبلي (الجزء الثالث)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مناقشة ما نقله ابن داود من النقول عن الشيخين:

أورد ابن داود في كتابه هذا عشرات النقول عن الشيخين ابن تيمية وابن القيم ليدلِّل بها على تبايُن دعوتهما عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكلُّها خارج محلِّ النزاع، وبعضها مبتور، وبعضها كذب على الشيخين، وبعضها أساء فهمه، وكل ما نقله لا يخرج عمّا ذكرنا.

فمن ذلك: النقولُ الكثيرةُ والطويلة عن شيخ الإسلام ابن تيمية التي يسوقها للرد على أهل البدع من الفرق الضالة الذين يكفّرون من خالفهم، كما هو شأن المعتزلة مع الأشاعرة، والعكس، بل وشأن المعتزلة مع بعضهم البعض؛ فإنهم طوائف كثيرة، وكل طائفة تكفر أختها، فضلا عن تكفيرهم لأهل السنة.

وأولى النّاس بهذا الوصف هو ابن داود وإخوانه الذين يكفّرون الشيخ الإمام وأتباعَه، ويستحلّون دمَه وعرضَه وماله، واستعْدَوا عليه جميعَ الأعداء، كما أوردتُ بعض ذلك في الجزء الأول من هذ الرد.

فالنقول عن ابن تيمية في ذلك هي خارجة عن محلّ النزاع أصلا؛ فإنّ مسألتنا ليست في تكفير أهل البدع، وإنما في التكفير بنواقض الإسلام، وفعل الكفر والشرك، فهذا هو محلّ النزاع الذي كان يجب أن يقصدَ إليه، لا أن يسوِّد الصفحات الطويلة بنقول يسلِّم بها المخالف، بل ويقول بها ويلتزمها أكثر ممن يستشهد بها.

1- فمن ذلك ما نقله عن شيخ الإسلام أنه قال: “من قال: إن الثنتين والسبعين فرقة كل واحدة منها تكفر كفرًا يخرج من الملة فقد أخطأ، وخالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وإجماع الأئمة الأربعة وإجماع الأمة، فليس فيهم من كفَّر واحدة من الثنتين والسبعين”([1]).

وهذا النقل مع كونه في عدم تكفير أهل البدع، وهو خارج محلّ النزاع، إلا أن ابن داود -كعادته- قد حرفه وعبث به، فإنّ أصله في (منهاج السنة) في سياق كلام شيخ الإسلام عن عدم تكفير الصحابة للخوارج، فقال: “ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفّروهم، ولا جعلوهم مرتدِّين، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتّقوا الله فيهم، وساروا فيهم السيرة العادلة. وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم، فمن كفّر الثنتين والسبعين فرقة كلهم، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان”([2]).

فانظر كيف حرّف ابن داود كلمة (كلهم) إلى كلمة (فليس فيهم من كفّر واحدة من الثنتين والسبعين فرقة)!

ولا شكّ في تفاوت العبارتين، ففي الأولى نفيٌّ لتكفير جميع أهل البدع بجميع طوائفهم بأعيانهم، وهذا هو الذي انعقد الإجماع على خلافه، بخلاف الثانية، وهي تكفير بعض الطوائف المنتسبة للثنتين والسبعين فرقة، فإنّ الخلاف في ذلك مشهور، وأورده شيخ الإسلام في مواطن كثيرة، فمن ذلك قوله: “والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير الجهمية المحضة الذين ينكرون الصفات، وحقيقة قولهم أن الله لا يتكلّم، ولا يرى، ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة، بل القرآن مخلوق، وأهل الجنة لا يرونه، كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات. وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردّد عن أحمد وغيره. وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفّروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلقَ الأفعال”([3]).

والنصوص عنه في ذلك كثيرة، يثبت خلاف السلف في تكفير بعض الطوائف من أهل البدع، كالخوارج والروافض والقدرية المتأخرون والمعتزلة، فكيف يُنْقل عنه إجماع المسلمين على عدم تكفير أي واحدة من هذه الطوائف؟!

ثم إنّ كلام شيخ الإسلام في عدم تكفير الطوائف لا يشمل الطوائف الغالية التي تقول بما يناقض صريح القرآن، كالجهمية المحضة الذين يقولون: لم يكلّم الله موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا، وكغلاة الشيعة الذين يؤلهون عليًّا رضي الله عنه أو يدَّعون له النبوة ونحوها من الأقوال الغالية، كطوائف النصيرية والعلويين والدروز والقرامطة وأمثالهم، وكالقدرية الأوائل نفاة العلم والكتابة، فإن شيخ الإسلام ينقل اتفاق السلف على تكفيرهم، وتكفيرُه للنصيرية مشهور، وكذلك تكفيره لزنادقة المتصوّفة المتفلسفة، كابن عربي وابن سبعين وغيرهما من رؤوس الاتحادية الزنادقة معلوم مشهور.

فكلام شيخ الإسلام في عدم تكفير أهل البدع هو في البدع المفسِّقة غير المكفِّرة، الملحقة بالذنوب والمعاصي، أما البدع المكفّرة فهي من أفعال الكفر والردّة التي يكفَّر بها صاحبها، وكلام شيخ الإسلام في التكفير بأفعال الردّة والتفريق بينها والذنوب والمعاصي كثير جدًّا، قال رحمه الله: “من قال بلسانه كلمة الكفر، من غير حاجة، عامدًا لها، عالما بأنها كلمة كفر؛ فإنه يكفر بذلك ظاهرًا وباطنًا، ولا يجوز أن يقال: إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنا، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام، قال سبحانه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}”([4]).

فالذنوب والمعاصي التي هي دون الشرك لا يكفَّر صاحبها ما لم يستحلّها، أما أفعال الكفر والردة -ومنها دعاء غير الله تعالى- فإن تكفير فاعلها يتوقّف على استيفاء شروط تكفير المعين وانتفاء الموانع، وكلام شيخ الإسلام في ذلك كثير ومشهور، خاصّة في كتابه (الصارم المسلول) فليراجَع.

وهذا هو عين قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد سئل عما يقاتل عليه، وعما يكفر الرجل به، فأجاب: “أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاونا، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها. والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلا من غير جحود، ولا نكفّر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو: الشهادتان. وأيضا: نكفّره بعد التعريف إذا عرف وأنكر”([5]).

والشيخ رحمه الله لم يكفّر طوائف أهل البدع، ولم يؤثَر عنه كلمة واحدة في تكفير المبتدعة وأصحاب الذنوب والمعاصي، بل العكس هو الثابت، وهو دوما ما يقول: إنه لا يكفِّر إلا ما أجمع المسلمون على التكفير به، وهو فعل الشرك الأكبر المناقض للتوحيد.

والعجيب أن ابن داود بعد أن نقل قطعة كبيرة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عدم تكفير أهل البدع، وأن الإمام أحمد كان يطلق القول بتكفير الجهمية، وأن تكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة دون تكفير أعيانهم؛ شبَّه الشيخ محمد بالجهمية، فقال: “وأما ابن عبد الوهاب فيوافق الجهمية في أشياء كثيرة، فمذهبه: الأخذ من كل فرقة ضالة بعضًا، وشبَهُه بالجهمية أقرب من شبَهِه بابن تيمية، فإن أهل نجد قالوا: أنت تستدلّ على تكفير المسلمين بالقباب وما يفعل عندها، وليس عندنا شيء من ذلك ولا نفعله ولا نرضاه، فلم يأتي أتباعك إلى المسجد آخر الليل ويؤذنون فيه، فإذا جاءهم أعمى أو شايب أو غائب يريد الصلاة قتلوه، وشهدت أنه أكفر من فرعون؟ قال: لأنكم توالون أهل القباب، قالوا: لا نواليهم ولا نحبّهم، قال: لا أقبل منكم أبدًا حتى تشهدوا لي بالصدق والعصمة، ولجميع العلماء بالكذب والفرية، وأني لا أنطق عن الهوى، وأن من عاداني فقد زاغ وفي الكفر هوى، وتجاهدوا معي بالسف والمال واللسان، وتشهدوا أن كلَّ من يتبعني يحسن تفسير القرآن”([6]).

فهل هناك عاقل يصدِّق مثل الهراء والكذب الصراح والافتراء على الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟! قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: “وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفِّر من لم يكفِّر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. وإذا كنا لا نكفّر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم وعدم من ينبّههم، فكيف نكفّر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل؟! سُبحانَكَ هَذا بُهتانٌ عَظيمٌ”([7]).

وقال أيضا: “ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبَلها وصدَّقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجلَ افترى عليَّ أمورا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: إني مبطل كتبَ المذاهب الأربعة، وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني أدَّعي الاجتهاد وأني خارج عن التقليد، وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفّر من توسل بالصالحين، وإني أكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق، وإني أقول: لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتُها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزابا من خشب، وإني أحرّم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفّر من حلف بغير الله، وإني أكفّر ابن الفارض وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين، وأسميه روض الشياطين. جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم”([8]).

وقال أيضا: “وأما ما يكذب علينا -سترا للحق وتلبيسا على الخلق- بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معوّل على شيخ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمّة في قبره، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله، حتى أنزل عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ} مع كون الآية مدنية، وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء، ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأنا مجسّمة، وأنا نكفر الناس على الإطلاق؛ أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه. ومن فروع ذلك: أنا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركًا، وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله، وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقا، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وأنا لا نرى حقا لأهل البيت -رضوان الله عليهم-، وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شابًّا إذا ترافعوا إلينا، فلا وجه لذلك، فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولا، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك: سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى”([9]).

وقال أيضا: “وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نُشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أيّ زمان وأي مكان. وإنما نكفّر من أشرك بالله في إلهيته، بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نكفِّر من حسَّنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرَك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها، والله المستعان”([10]).

2- قال ابن داود في كتابه: “وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى أيضا: ومن البدع المنكرة: تكفير الطائفة غيرها من طوائف المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم، وهذا عظيم لوجهين: أحدهما: أن تلك الطائفة الأخرى قد لا يكون فيها من البدع أعظم مما في الطائفة المكفِّرة لها، بل قد تكون بدعة الطائفة المكفِّرة أعظم من بدعة الطائفة المكفَّرة، وقد تكون نحوها، وقد تكون دونها، وهذا حال عامة أهل البدع والأهواء الذين يكفِّر بعضهم بعضا…” إلخ([11]).

والجواب: أن هذا كالذي قبله خارجٌ عن محل النزاع؛ فإنه في تكفير طوائف المبتدعة، كتكفير الأشاعرة للمعتزلة، والمعتزلة لبعضهم البعض، وهكذا، خلافًا لأهل السنة، فهم على الحق ويرحمون من خالفهم، وأهل البدع على الباطل ويكفّرون من خالفهم، وهذا الوصف ينطبق على ابن داود وشيخه ابن فيروز وابن عفالق وأمثالهم ممن كفّروا الشيخ وتلاميذه وأتباعه، واستحلّوا دماءَهم، بالكذب والبهتان، كافترائهم على الشيخ أنه يدّعي النبوة، وأنه معصوم، وأنه يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يدَّعي لنفسه أنه لا ينطق عن الهوى، إلى غير ذلك من التكفير والبهتان.

وأما الشيخ محمد رحمه الله فلم يكن يكفّر أهل البدع، فلم يكفّر الشيعة غير الغالية، ولا الأشاعرة ولا الصوفية، بل ولا تارك الصلاة، فلم يكفّر إلا من أتى نواقض كلمة التوحيد، وأتى الشرك الأكبر الذي اتفق العلماء عليه.

وقد سئل الشيخ رحمه الله عما يقاتِل عليه وعما يكفر الرجل به فأجاب: “أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاونا، فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره بتركها. والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلا من غير جحود، ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم”([12]).

ولا شكّ أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية موافق لذلك، بل وينقل الإجماع على ذلك كما سبق بيانه.

3- قال ابن داود في كتابه: “وقال الشيخ أيضا: والخوارج لهم خصلتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم: إحداهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيّئة سيئة، وما ليس بحسنة حسنة. والثانية: أنهم يكفّرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على ذلك استحلال دماء المسلمين…”([13]).

ثم قال بعدها معقّبًا بالكذب والبهتان كعادته: “فانظر قوله: (وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة) فإن أكبر الذنوب عندهم: لبس الخاتم، والسبحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان يوم الجمعة وليلة الجمعة، وعدم حلق الرأس، والدعاء بعد الصلاة المفروضة.. وهم يعدّون ذلك من جملة المكفّرات. وأجزل الحسنات عندهم: لعن الأحياء والأموات، وتكفير العلماء وأهل الطاعات، وتضليل الأمة المحمدية”.

فانظر -رحمك الله- إلى هذا الكذب والافتراء المحض! فبعض ما ذكره لا ينهَى عنه أحد، ولم يوجبوه على الناس، وبعضه من البدع التي يُنهى عنها، ولكنّهم لا يعدونها من كبائر الذنوب فضلا عن التكفير بها.

قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “وأما البحث عن حلق شعر الرأس، وأن بعض البوادي الذين دخلوا في ديننا قاتلوا من لم يحلق رأسه، وقتلوا بسبب ‌الحلق خاصة، وأن من لم يحلق رأسه صار مرتدا، فالجواب: أن هذا كذب وافتراء علينا، ولا يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فإن الكفر والردّة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين الإسلام، وأنواع الكفر والردة من الأقوال والأفعال معلومة عند أهل العلم، وليس عدم ‌الحلق منها، بل ولم نقل أن ‌الحلق مسنون، فضلا عن أن يكون واجبًا، فضلا عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام”([14]).

وقال أيضا: “وأما تعزير من لم يحلق وأخذ ماله فلا يجوز، وينهى فاعله عن ذلك؛ لأن ترك ‌الحلق ليس منهيًّا عنه، وإنما نهى عنه وليّ الأمر؛ لأنّ ‌الحلق هو العادة عندنا، ولا يتركه عندنا إلا السفهاء، فنهي عن ذلك نهي تنْزيه، لا نهي تحريم، سدًّا للذريعة”([15]).

وأما ما ذكره من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة والتكفير بذلك، فانظر ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله حتى تعرفَ افتراء ابن داود وكذبَه الصراح، قال رحمه الله: “وأما الناس الذين يجتمعون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس مشروعًا، وإنما المشروع: الصلاة وقراءة القرآن قبل دخول الإمام، فإذا دخل الإمام وأخذ في الخطبة وجب الإنصات للخطبة”([16]).

فهذا غاية الأمر عندهم أنه (ليس مشروعا). ولا شكّ في صحة ذلك، فلا دليل على مثل هذه الصورة، ولكن لا أحد وصفها بالشرك ولا كبائر الذنوب ولا قريبًا من ذلك.

وقال رحمه الله: “فمن البدع المذمومة التي ننهى عنها: رفع الصوت في مواضع الأذان بغير الأذان، سواء كان آيات، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكرا غير ذلك، بعد أذان، أو في ليلة الجمعة، أو رمضان، أو العيدين، فكل ذلك بدعة مذمومة. وقد أبطلنا ما كان مألوفا بمكة من التذكير والترحيم ونحوه، واعترف علماء المذاهب أنه بدعة، ومنها: قراءة الحديث عن أبي هريرة بين يدي خطبة الجمعة، فقد صرح شارح (الجامع الصغير) بأنه بدعة. ومنها: الاجتماع في وقت مخصوص على من يقرأ سيرة المولد الشريف اعتقادا أنه قربة مخصوصة مطلوبة دون علم السير، فإن ذلك لم يرد. ومنها: اتخاذ المسابح، فإنا ننهى عن التظاهر باتخاذها”([17]).

فلم يجعلها من المكفّرات، كما ذكر هذا الكذاب المفتري.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بعد أن ذكر جملة من مثل هذه الافتراءات: “ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا؛ علم قطعًا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين؛ تنفيرًا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة، وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. فإنا نعتقد أن من فعل أنواعا من الكبائر، كقتل المسلم بغير حق، والزنى، والربا، وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك؛ أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام، ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة”([18]).

4- قال ابن داود -باختصار يسير-: “وقال الشيخ في كتاب الإيمان: وقد دلت النصوص على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان… وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرّعت منه البدع في الإيمان؛ فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كلّه، ولم يبق منه شيء”([19]).

والجواب: أن هذا كالذي قبله خارج عن محلّ النزاع، وليس كلام شيخ الإسلام في أفعال الكفر والردة، فإنها تحبِط جميع الإيمان بالإجماع، وما زال الفقهاء يذكرون في أبواب الردة جملة من الأقوال والأفعال التي يُكفَّر بها المسلم، وكلام شيخ الإسلام رحمه الله في سابّ الرسول وكفره وردّته ووجوب قتله وعدم قبول توبته معروف مشهور.

ولكن كلامه في الأصل الفاسِد عند المتكلمين في أن الإيمان حقيقة واحدة إذا زال بعضه زال كله، ولما كان الإيمان متناولا لجميع الطاعات رأت الخوارج والمعتزلة زوال إيمان مرتكب الكبيرة بالكلية، وحكموا بخلوده في النار، وأما المرجئة فقالوا: بأن العمل ليس من الإيمان؛ لأنه لو كان من الإيمان لزال الإيمان بزواله، ومنشأ الفساد عند الفريقين هو المقدمة الفاسدة، من أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كلّه، فما علاقة هذا بمسألتنا؟! ولكن من تأمل كل كلام ابن داود علم أنه لا يحسن فهمَ كلام شيخ الإسلام كما سيتّضح أكثر.

5- قال ابن داود في الموضع السابق نفسه: “وقال فيه أيضا: ولما كان كلّ من أتى الشهادتين صار مسلمًا متميّزا عن اليهود والنصارى، يجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين؛ كان هذا مما يجزم به بلا استثناء فيه، فلهذا قال الزهري: إن الإسلام الواجب هو الكلمة”.

والجوا: أن هذا النص من كتاب الإيمان لشيخ الإسلام تكملته ما يلي: “فلهذا قال الزهري: الإسلام الكلمة، وعلى ذلك وافقه أحمد وغيره، وحين وافقه لم يُرد أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدَها، فإنّ الزهري أجلّ من أن يخفى عليه ذلك؛ ولهذا أحمد لم يُجب بهذا في جوابه الثاني خوفًا من أن يظنّ أن الإسلام ليس هو إلا الكلمة…” إلخ([20]). فباقي الكلام في الردّ على المرجئة الذين يستدلّون بهذه الكلمة على مذهبهم الفاسد.

ولا شكّ أن الإسلام يثبت بالشهادتين، ولكن فرق بين ثبوت العصمة واستمرار العصمة، فثبوتها يكون بالشهادتين، وأما استمرار العصمة فيكون بالتزام أحكام الإسلام وعدم نقض الشهادتين، ولهذا صنف العلماء والفقهاء أبواب الردة.

فليس معنى (الإسلام الكلمة) أنه يبقى مسلمًا مهما نقضها بقوله وفعله، فهذا لا يقصده شيخ الإسلام قطّ، ولو جمعنا ما قال فيه شيخ الإسلام: (إن فاعله يستتاب فإن تاب وإلا قتل) لطال الكلام جدّا، وهو معروف مشهور.

6- قال ابن داود: “وقال الشيخ أيضا: كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق، وهذا يدل عليه…” إلخ([21]).

وهذا أيضا خارج عن محلّ النزاع، ويدلّ على سوء فهم ابن داود لكلام شيخ الإسلام، فاجتماع الكفر والإيمان صحيح، ومن قواعد أهل السنة في هذا الباب، ولكن مقصدهم: أنه يوجد الكفر والشرك والنفاق الأصغر مع الإيمان فيُنقصه ويضعفه، ولكن يبقى أصله موجودًا، وأما إذا اجتمع معه الشرك الأكبر فإنه يُحبطه ولا يكون نافعًا، كما قال تعالى في المشركين ﴿‌وَمَا ‌يُؤمِنُ ‌أَكثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشرِكُونَ﴾ [يوسف: 106].

قال ابن جرير رحمه الله: “يقول تعالى ذكره: وما يقرّ أكثر هؤلاء الذين وصف عز وجل صفتهم بقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء، إلا وهم به مشركون في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أربابا، وزعمهم أن له ولدا، تعالى الله عما يقولون”([22]).

وهذا كحال عبّاد القبور، وأما الذي لا يحبط الإيمان بالكلية فهو الشرك الأصغر، كتعليق الخيوط والتمائم ونحو ذلك. روى ابن أبي حاتم في تفسيره قال: “دَخَلَ حُذَيْفَةُ عَلَى مَرِيضٍ فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سَيْرًا فَقَطَعَهُ أَوِ انْتَزَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}”([23]).

7- قال ابن داود نقلا عن شيخ الإسلام: “وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال: هي كفر مطلقًا كما يدلّ على ذلك الدليل الشرعي؛ فإن الإيمان والكفر من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، وليس ذلك مما يحكِّم الناس فيه ظنونهم وأهواءهم، فلا يجب أن يحكم في كلّ شخص قال ذلك أنه كافر، حتى يثبت في حقه شروط التكفير”.

ثم عقب بالكذب والافتراء كالعادة فقال: “قلت: من خالف ابن عبد الوهاب، ولو في قتل الذباب، فقد ثبت في حقه شروط التكفير، وانتفعت موانعه بلا شكّ ولا تقصير، وكثيرًا ما يقرّون كفر رجل ودخوله النار بذبح ذباب”([24]).

ونقول جوابًا عن ذلك:

أولا: لقد ساق ابن داود نقولات طويلة وكثيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلها تدور حول التفريق بين النوع والعين في التكفير، وهذه قاعدة مقرَّرة عند شيخ الإسلام لا خلافَ فيها، ولكنها أيضا خارجَ محلّ النزاع، فإن النزاع أصلا هو في حكم دعاء غير الله تعالى، وتحقيق المناط في كون هذا الفعل من أفعال الشرك الأكبر من عدمه، فهذا هو محل الخصومة، وأما التفريق بين النوع والعين فلا ينكره الشيخ، بل له كلام صريح في عدم تكفير المعيَّن حتى تُقام عليه الحجة الرسالية ويبيّن له، والنقول عنه في ذلك كثيرة جدًّا.

قال رحمه الله: “وإذا كنا لا نكفر من ‌عبد ‌الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم وعدم من ينبّههم، فكيف نكفّر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل؟!”([25]).

وقال أيضا: “ونحن لا نكفّر إلا من عرف التوحيد وسبَّه، وسمّاه دين الخوارج، وعرف الشرك وأحبّه وأهله، ودعا إليه، وحضّ الناس عليه بعدما قامت عليه الحجة”([26]).

وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “سؤال الميت والاستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرّمه الله ورسوله، واتَّفقت الكتب الإلهية والدعوات النبوية على تحريمه وتكفير فاعله والبراءة منه ومعاداته. ولكن في أزمنة الفترات وغلبة الجهل لا يكفر الشخص المعيّن بذلك حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة، ويبين له، ويعرف أنّ هذا هو الشرك الأكبر الذي حرّمه الله ورسوله؛ فإذا بلغته الحجة، وتُليت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ثم أصرّ على شركه فهو كافر، بخلاف من فعل ذلك جهالة منه، ولم ينبَّه على ذلك؛ فالجاهل فعلُه كفر، ولكن لا يحكَم بكفره إلا بعد بلوغ الحجّة إليه، فإذا قامت عليه الحجّة ثم أصرّ على شركه فقد كفر”([27]).

وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين: “ومن قال: لا إله إلا الله، ومع ذلك يفعل الشرك الأكبر، كدعاء الموتى والغائبين، وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح، فهذا مشرك، شاء أم أبى، و{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، و{مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72]، ومع هذا فهو شرك، ومن فعله فهو كافر. ولكن كما قال الشيخ: لا يقال: فلان كافر، حتى يبين له ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن أصرّ بعد البيان حكم بكفره، وحل دمه وماله”([28]).

والنقول في ذلك كثيرة.

ثانيا: أن شيخ الإسلام لا يقصد امتناع تكفير المعين مطلقًا، وإنما جعل ذلك متوقّفًا على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، ومن أهمها: بلوغ الحجة الرسالية التي يكفَّر منكرها، وهذا يختلف باختلاف المسائل، فالمسائل الظاهرة المعلومة من الدين بالضرورة لا تحتاج لإقامة الحجة؛ لأن الحجة قائمة فيها على كلّ أحد، وهذا ما رآه أئمة الدّعوة بعد انتشار الدعوة في البلاد.

قال الشيخ عبد الله بن محمد: “وهذا الدين الذي ندعو إليه قد ظهر أمره وشاع وذاع، وملأ الأسماع من مدة طويلة، وأكثر الناس بدَّعونا، وخرجونا، وعادونا عنده، وقاتلونا، واستحلّوا دماءنا وأموالنا، ولم يكن لنا ذنب سوى تجريد التوحيد، والنهي عن دعوة غير الله والاستغاثة بغيره وما أحدث من البدع والمنكرات، حتى غُلِبوا وقُهِروا، فعند ذلك أَذْعنوا، وأقروا بعد الإنكار”([29]).

ثالثا: أن شيخ الإسلام كفّر بعض الطوائف المنتسبة للإسلام، وكفّر بعض المعيَّنين.

فمن الطوائف التي كفرها: النصيرية، وفتواه فيهم مشهورة، لما سئل عن أحوالهم وحكمهم، فأجاب: “هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى؛ بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفّار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم” إلخ([30]).

وقال فيهم: “والغالية يُقتلون باتفاق المسلمين، وهم الذين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي وغيره، مثل ‌النصيرية والإسماعيلية الذين يقال لهم: بيت صاد وبيت سين، ومن دخل فيهم من المعطلة الذين ينكرون وجود الصانع أو ينكرون القيامة أو ينكرون ظواهر الشريعة، مثل الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام، ويتأولون ذلك على معرفة أسرارهم وكتمان أسرارهم وزيارة شيوخهم، ويرون أن الخمر حلال لهم ونكاح ذوات المحارم حلال لهم. فإن جميع هؤلاء الكفار، أكفر من اليهود والنصارى”([31]).

وكذلك كفَّر طوائف الاتحادية فقال: “هؤلاء الاتحادية فرؤوسهم هم أئمّة كفر يجب قتلهم، ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أُخِذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون أعظم الكفر، وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين”([32]).

وفتواه في قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام معروفة ومشهورة، وقد طبّقها على التتار المنتسبين للإسلام، وأفتى بوجوب قتالهم، وشارك بنفسه في ذلك في موقعة (شقحب) الشهيرة.

ومن المعيَّنين الذين كفّرهم شيخ الإسلام: ابن عربي، فوصفه بـ(الملحد الزنديق)([33])، ووصفه وأتباعه بالملاحدة، وبيّن كفرهم وأن كلامهم شرّ من كلام اليهود والنصارى في مواطن كثيرة([34]).

وقال في العفيف التلمساني أحد رؤوس الاتحادية: “والتلمساني أعظمهم تحقيقًا لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا بها، وأكفرهم بالله وكتبه ورسله وشرائعه واليوم الآخر”([35]).

فليس كلام شيخ الإسلام إنكارًا لتكفير المعين المنتسب للإسلام بحال، كما ادعى ابن داود، حيث قال في آخر هذه النقولات: “وملخّص الكلام: أن الشيخ تقي الدين لم ينقل عنه أنه كفَّر واحدًا معيَّنا من أهل القبلة واستحلَّ دمه وماله”([36]).

مع أن هذا ليس محلَّ النزاع كما ذكرنا، فابن داود وأمثاله لا يُقِرّون أصلا بأن دعاء غير الله شرك، خلافًا لما ينقله شيخ الإسلام، ويذكر أنه إجماع المسلمين.

8- قال ابن داود نقلا عن شيخ الإسلام رحمه الله: “وكذلك الكفار من تبلغه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر، وعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتقى الله ما استطاع، كما فعل النجاشي وغيره، لم يمكنه الهجرة ولا التزام جميع شرائع الإسلام؛ لكونه ممنوعا من الهجرة، وليس عنده من يعلمه، فهو من أهل الجنة…” إلخ([37]).

ثم عقَّب ابن داود بقوله: “انظر كيف أثبتَ له الإيمان والجنة، مع أنه لم يهاجر ولم يلتزم جميع شرائع الإسلام، بل ظاهر كلامه أنه قد يكون لا يعرف ولا يفعل منها إلا لفظ الشهادتين! فأين هذا من قول ابن عبد الوهاب: من لم يهاجر إلى بلد مسيلمة الكذاب فهو كافر بلا شكّ ولا ارتياب، ولو عمل بجميع شرائع الإسلام…”.

والجواب: أن هذا النقل كسائر النقول، هو في غير محلّ النزاع أصلا، فإن النجاشي لم يرتكب الشرك، ولا دعَا غير الله، ولا بقي على دينه الباطل، ولكنه ترك بعض الواجبات عجزًا عن إقامتها، والله تعالى لا يكلِّف نفسا إلا وسعها، فأين هذا من مسألتنا؟!

وأما دعوى التكفير بعَدم الهجرة، فهذا من الكذب والافتراء الذي سبق الرد عليه من كلام الشيخ الإمام، فلا نعيده.

9- قال ابن داود: “وقال الشيخ أيضا: والاستغاثة لمعيّن -أن يطلب من الرسول ما هو اللائق به- لا ينازع فيه مسلم، ومن نازع في هذا المعنى، فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ”([38]).

ثم عقَّب ابن داود بما يدلّ على جهله وتدليسه، فقال: “وابن عبد الوهاب يقول: من طلب الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر”.

والجواب: أن هذا النقل مبتور، وفيه تدليس وكذب، وقد غيَّر المحقق لفظَة (لمعين) وجعلها (بمعنى) لتوافق ما في كتاب الشيخ، وكأنها تصحيف غير مقصود؛ لينفي عنه الكذب، ومع ذلك فإن كل من يرجع إلى الموضع الأصليّ سيجزم ببطلان الاستشهاد بهذا الموضع الذي هو صريح في عكس مقصود ابن داود وإخوانه.

وهذا حال كلّ ما أورده في كتابه التالف هذا من نقولات، فهي إما نقولات خارج محلّ النزاع أصلا كما سبق بيانه، وما هو في محل النزاع فلا يخلو من الكذب والبتر والتدليس.

والنص بتمامه أن شيخ الإسلام سئل: “ما تقول السادة العلماء أئمة الدين -وفقهم الله لطاعته- فيمن يقول: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يحرم عليه هذا القول؟ وهل هو كفر أم لا؟ وإن استدل بآيات من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم هل ينفعه دليله أم لا؟ وإذا قام الدليل من الكتاب والسنة فما يجب على من يخالف ذلك؟”([39]).

فأجاب جوابًا طويلا، بيَّن فيه ما يدخل تحت ما يسميه الناس استغاثة وإن كانت التسمية خطأ، فذكر الشفاعة العظمى يوم القيامة، وأنه لا ينكرها إلا الخوارج والمعتزلة، فمن قال هذه الجملة قاصدًا بها نفي الشفاعة فهو كافر؛ لتواترها.

فقال: “قد ثبت بالسنة المستفيضة -بل المتواترة- واتفاق الأمة أن نبينا صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأنه يشفع في الخلائق يوم القيامة، وأن الناس يستشفعون به يطلبون منه أن يشفع لهم إلى ربهم، وأنه يشفع لهم. ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد. وأما الخوارج والمعتزلة فأنكروا شفاعته لأهل الكبائر، ولم ينكروا شفاعته للمؤمنين؛ وهؤلاء مبتدعة ضلال، وفي تكفيرهم نزاع وتفصيل، وأما من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة، وسواء سمى هذا المعنى استغاثة أو لم يسمه”([40]).

ثم ذكر كذلك التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، كما كان الصحابة يفعلون، ويطلبون منه الدعاء، ثم قال بعدها: “فمن أنكر هذا فهو ضال مخطئ مبتدع؛ وفي تكفيره نزاع وتفصيل”. ثم تحدّث عن الاستغاثة الشركية -وهي محل النزاع- فقال: “وأما من أقرّ بما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من شفاعته والتوسل به ونحو ذلك، ولكن قال: لا يدعى إلا الله، وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله لا تطلب إلا منه، مثل غفران الذنوب وهداية القلوب وإنزال المطر وإنبات النبات ونحو ذلك، فهذا مصيب في ذلك، بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضا”([41]).

وبعد هذا التفصيل رجع لتقرير ذلك بقوله: “والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال. وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر، إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها. ومن هذا الباب قول أبي يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وقول الشيخ أبي عبد الله القرشي المشهور بالديار المصرية: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون. وفي دعاء موسى عليه السلام: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. ولما كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق وكان مختصا بالله صحّ إطلاق نفيه عما سواه؛ ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوّز مطلق الاستغاثة بغير الله، ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله”([42]).

فانظر كيف حرّف ابن داود مقصود شيخ الإسلام بالبتر والكذب، اعتمادًا -والله أعلم- على خفاء الكتب وعدم انتشارها حينئذ، وإلا فإنّ الكذب مفضوح وبيّن، خاصة في النقولات التي هي في مسألة الاستغاثة ودعاء غير الله.

10- قال ابن داود: “وقال الشيخ في كتاب الإيمان: وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تاركها، وفيه نزاع بين العلماء”([43]).

ثم عقّب بقولِه: “قلت: لو حضر مسيلمة الصغير لقطع النزاع، كما نقل عن عيسى بن قاسم -وكان من خواص أصحاب ابن عبد الوهاب حتى إنه جعله خليفة من بعده- قال: تذاكرنا في مسألة فقهية وقع فيها اختلاف بين الأئمة الأربعة، وكان إذ ذاك ابن عبد الوهاب لابسًا عباء تسمى المروية، فقال: لو كان صاحب المروية حاضرًا عندهم لفصل القضية”.

والجواب: أن القصة لا يشكّ عاقل يعرف سيرة الشيخ وكلامه في كذبها، والشيخ لم يدّع الاجتهاد قطّ، وإنما كان في الفروع على مذهب الإمام أحمد، من غير تعصّب ولا تقديم للمذهب على الدليل إن ظهر له أن الدليل في خلاف المذهب. وقد نقلنا من قَبل كلامه في نفي ما ادّعاه الخصوم عنه من دعوى الاجتهاد المطلق ونبذ المذاهب والتحقير منها، وأن هذا كله من الكذب والبهتان.

وأمّا العبارةُ المنقولَة عن شيخ الإسلام فهي بنفس معناها واردة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد سئل رحمه الله عما يقاتل عليه، وعما يكفر الرجل به، فأجاب: “أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان، ثم ‌الأركان ‌الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاونا فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره بتركها. والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلا من غير جحود، ولا نكفّر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان”([44]).

فالشيخ لا يكفّر تارك الصلاة تكاسلًا؛ خلافا لما يتصوّر البعض، بل كانت قضيته ومسألته التي يدعو الناس إليها هي التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، ونبذ الشرك الأكبر في العبادة.

11- قال ابن داود: “قال ابن القيم: ومن أنواع الشرك الأصغر: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم. وقال أيضا: ومن الشرك الأصغر: التوبة للشيخ؛ فإنه شرك عظيم؛ فإن التوبة لا تكون إلا لله، كالصيام والحج والنسك، فهذا حق خالص لله. وقال ابن القيم أيضا: من الشرك الأصغر: الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله. وأخذ يعدّد أشياء كثيرة إلى أن قال: وهذا باب واسع جدًّا”([45]).

ثمّ عقّب ابن داود بعدها بقوله: “هذا عمدتهم ابنُ القيم عدَّ الاستغاثة بغير الله والتوبة لغير الله والخوف من غير الله والتوكل على غير الله والتمسح بالقبور وطلب الحوائج من الموتى والعمل لغير الله تعالى، وعد أشياء كثيرة، وجعلها بمنزلة واحدة”([46]).

وهذا الموضع يكشف عن الكذب والتلبيس في كل ما ينقله ابن داود مما يتعلّق بمسألة الدعاء والاستغاثة؛ لأنه اقتحم طريقًا وعرًا لا مخرج له منه؛ فإنه أراد أن يثبت أن الشيخين -ابن تيمية وابن القيم- على طريقته وشيوخه ممن يجوّزون عبادة القبور، وهذان الشيخان من أعظم من عرف عنهما نبذ ذلك، وقاما في الله حقّ القيام، وأوذيا في ذلك الإيذاء الكثير، وكلامهما في ذلك مشهور وكثير ومتواتر؛ ولذلك لم يجد خصومهما سبيلا لدعوى المباينة بينهما وبين الشيخ إلا الكذب والتلبيس.

وهذا الموضع من كلام ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) يدلّ على ذلك دلالة واضحة، قال رحمه الله: “وأما الشرك فهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتخذ من دون الله ندًّا يحبّه كما يحب الله، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار: ﴿‌تَٱللَّهِ ‌إِن ‌كُنَّا لَفِي ضَلَٰل مُّبِينٍ * إِذ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء: 97، 98]، مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كل شيء وربه ومليكه، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق، ولا تحيي ولا تميت، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلهم يحبون معبوداتهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله، وكثير منهم -بل أكثرهم- يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله، ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم -من المشايخ- أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين، وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب الليث إذا حرد، وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه، ولم تتنكر له قلوبهم، وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد، وإن عثر وإن مرض وإن استوحش، فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه، وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنه باب حاجته إلى الله، وشفيعه عنده، ووسيلته إليه. وهكذا كان عباد الأصنام سواء، وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم، فأولئك كانت آلهتهم من الحجر وغيرهم اتخذوها من البشر… والذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشرك، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله، وأخبر أن الشفاعة كلها له”([47]).

فتأمَّل هذا الكلام العظيم الذي ينطبق على ابن داود وأمثاله ممن يحسِّنون الشرك للناس، وانظر كيف وصفه ابن القيم بالشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وذكر أنه شاهد أصحابَه وكثرة من يقع فيه، وهذا في زمنه، فكيف بما جرى بعد ذلك في زمن الشيخ محمد رحمه الله؟!

ثم قال بعدها: “فصل: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده”([48]).

ثم رجع لعدّ أنواع الشرك الأكبر فقال: “ومن أنواع الشرك: سجود المريد للشيخ، فإنه شرك من الساجد والمسجود له، والعجب أنهم يقولون: ليس هذا بسجود، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا، فيقال لهؤلاء: ولو سميتموه ما سميتموه، فحقيقة السجود وضع الرأس لمن يسجد له، وكذلك السجود للصنم وللشمس وللنجم وللحجر، كله وضع الرأس قدامه… ومن أنواعه: التوبة للشيخ، فإنها شرك عظيم، فإن التوبة لا تكون إلا لله، كالصلاة والصيام والحج والنسك، فهي خالص حق الله. وفي المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بأسير، فقال: اللهم إني أتوب إليك، ولا أتوب إلى محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرف الحق لأهله». فالتوبة عبادة لا تنبغي إلا لله كالسجود والصيام. ومن أنواعه: النذر لغير الله، فإنه شرك، وهو أعظم من الحلف بغير الله، فإذا كان من حلف بغير الله فقد أشرك، فكيف بمن نذر لغير الله؟! مع أن في السنن من حديث عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم: «النذر حلفة». ومن أنواعه: الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع، والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وحمد غيره على ما أعطى، والغنية بذلك عن حمده سبحانه، والذم والسخط على ما لم يقسمه، ولم يجر به القدر، وإضافة نعمه إلى غيره، واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه. ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم. وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده كما تقدم، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنَع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها، وهذه حالة كلّ مشرك، والميت محتاج إلى من يدعو له، ويترحم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحّم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة”([49]).

فانظر كيف لبّس الكلام ودلّسه؛ ليوهم أن ابن القيم عدّ طلب الحوائج من الموتى من الشرك الأصغر، والكلام صريح في كونه شركًا أكبر، وأصل شرك العالم، مع كون أتباعه يقرون بالربوبية، وأنهم ما حملهم على ذلك إلا طلب الشفاعة، كما هو حال ابن داود وأمثاله.

12- قال ابن داود بعد أن ساق كلام ابن القيم في (إغاثة اللهفان) في وجوب تسوية المقابر، وعدم بناء القباب عليها، وهو الذي أورده الأمير سعود صاحب الرسالة التي يرد عليها، فقال: “والمعتمد من كتبه على (الهدي النبوي) وذكر فيه أن جميع ذلك مكروه”([50]) وساق كلام ابن القيم في (زاد المعاد).

والجواب: أن قوله: “المعتمد في كلام ابن القيم على ما أورده في (الزاد) وليس في (الإغاثة)” تحكم بلا دليل، والواجب فهم أقوال العلماء من جميع كتبهم، إلا عند التعارض كما هو معلوم، ولا تعارض بين الموضعين، بل تحمل الكراهة على الكراهة التحريمية، كما هو مستعمل وشائع في كلام العلماء.

ومن راجع كلام ابن القيم في (الزاد) علم كذب ابن داود وسوء فهمه وغرضه، قال ابن القيم رحمه الله: “ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم، وقد بعث عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ألا يدع تمثالا إلا طمسه، ولا قبرا مشرفا إلا سواه، فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية هذه القبور المشرفة كلها، ونهى أن يجصّص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه. وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم، وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مسنّم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء، لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه”.

ثم قال بعدها: “كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنّها لأمته، وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية». وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتها من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت، من الدعاء والترحم والاستغفار. فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به، وسؤاله الحوائج والاستعانة به، والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمّل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين له الفرق بين الأمرين، وبالله التوفيق”([51]).

وقال رحمه الله في (الإغاثة): “ونهى عن ‌تعلية ‌القبور وتشريفها وأمر بتسويتها، ونهى عن البناء عليها وتجصيصها والكتابة عليها والصلاة إليها وعندها وإيقاد المصابيح عليها. كل ذلك سدّا لذريعة اتخاذها أوثانًا. وهذا كله حرام على من قصده ومن لم يقصده، بل على من قصد خلافه، سدّا للذريعة”([52]).

فكلامه في الموضعين متطابق، وهو النهي عن تعليه القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد؛ سدًّا لذريعة الشرك بسؤال أصحابها ودعائهم، ولكنه في الزاد اكتفي بالقول بالكراهة، ومقصده بلا شكّ الكراهة التحريمية، كما صرح بذلك في الموضع الآخر، وكلامه في (الزاد) صريح جدًّا في جعل سؤال الميت شركًا، خلافا لما يقوله هؤلاء الضلال.

13- قال ابن داود: “وأما قول الشيخ تقي الدين: وكذا من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم إجماعا -أي: فإنه يكفر إجماعا- فهذا محمول على من جعل بينه وبين الله وسائط على أنهم آلهة من دون الله، يتوكل عليهم، أي: يفوض أمره إليهم، ويجعل معتمده عليهم، ويدعوهم كدعاء عابدي الأصنام أصنامهم، ويسألهم على أنهم هم المعطون الفاعلون من دون الله. هذا معنى من تعقّب الشيخ من الشراح وغيرهم من علمائنا”([53]).

ثم نقل عن ابن فيروز تحريفه لمعنى عبارة شيخ الإسلام، بقوله: “فانظر إلى قوله: (يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم) كيف جاء بواو العطف، وقرن بين الدعاء والتوكل والسؤال؛ فإن الدعاء في لغة العرب هي العبادة المطلقة، والتوكّل عمل القلب، والسؤال الطلب الذي يسمّونه الآن الدعاء، فأين أنتم ومفهومكم من هذه العبارة؟!”([54]).

ولا شكَّ أنَّ عبارة شيخ الإسلام في نقل الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم من أقوى العبارات المحكمة في بيان حكم هذه المسألة، وقد نقلناها بنصّها من قبل، وتتابع علماء الحنابلة عليها وإقرارهم بها؛ ولذلك لم يجدوا سبيلا للتخلُّص منها إلا بتحريفها ولَيِّ معانيها بالباطل والكذب الواضح البين.

ومعنى ما ذكره هؤلاء أن شيخ الإسلام قصد تكفير من دعا غير الله إذا كان يعتقد فيه الاستقلال بالعطاء والتأثير، أي: إذا كان يعتقد فيه الربوبية، هذا مرادهم.

ولا يحتاج المنصف لكثرة تأمّل في كلام شيخ الإسلام ليعلم أنه من أكثر من أبطل هذه الشبهة، وأن مشركي الجاهلية لم يكونوا مشركين في الربوبية، وأنهم ما كانوا يسألون أصنامهم إلا على وجه الشفاعة والتقرب، لا على وجه الاستقلال والتأثير.

ولو كان هذا الذي ذكره ابن داود وابن فيروز هو اعتقاد شيخ الإسلام؛ فلماذا ثار الخلاف بينه وبين البكري وقبورية زمانه لما أفتى بفتواه الشهيرة في التوسل، والمعروفة بـ(قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) وكفَّره بسببها البكري؛ بحجة أنه ينتقص من مقام الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ينكر الاستغاثة به، ورد عليه شيخ الإسلام في كتابه المشهور المعروف بـ(الاستغاثة)؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به كان هذا شركًا محرمًا بإجماع المسلمين”([55]).

وقال أيضا: “وكذلك الغلو في بعض المشايخ: إما في الشيخ عدي ويونس القتي أو الحلاج وغيرهم، بل الغلو في علي بن أبى طالب رضي الله عنه ونحوه، بل الغلو في المسيح عليه السلام ونحوه، فكل من غلا في حي أو في رجل صالح كمثل علي رضي الله عنه أو عدي أو نحوه أو فيمن يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر أو يونس القتي ونحوهم، وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده، أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له أو لغيره أو يدعوه من دون الله تعالى، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني، أو توكلت عليك أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل”([56]).

فانظر كيف فسّر كلامه ومقصوده بدعاء غير الله؛ حتى تعرف مناقضته التامّة لكلام ابن فيروز وابن داود، وتتيقّن كذبهما وافتراءهما على شيخ الإسلام.

وقال أيضا: “والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى -مثل: الشمس والقمر والكواكب والعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ويغوث ويعوق ونسر أو غير ذلك- لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق؛ أو أنها تنزل المطر أو أنها تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء، أو يعبدون قبورهم ويقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويقولون: هم شفعاؤنا عند الله، فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة”([57]).

فانظر كيف بيّن شرك الجاهلية، وأنهم لم يكونوا يعتقدون في معبوداتهم اعتقاد الربوبية، كما ادعى هؤلاء الأفاكون.

وانظر كذلك إلى قوله: (لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة) فإنه ردّ صريح على ابن فيروز الذي حرّف كلامه؛ ليخرج منه دعاء الاستغاثة.

والنقول عن شيخ الإسلام في ذلك لا تعدّ ولا تحصى.

والمقصود: أن كلّ ما نقله عن الشيخين ابن تيمية وابن القيم لا يخرج عن كونه كلاما في غير محلّ النزاع، وما كان منه في مسألة الاستغاثة فإنه حرّفه ودلسه وبتر منه ونقص. ولو تتبعنا كلامه كلمة كلمة لظهر جهله المفضوح، وكذبه المقبوح، وحقده الشديد على دعوة التوحيد، وفيما ذكرنا كفاية للباحث المنصف البصير.

والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) الصواعق والرعود (ص: 108).

([2]) منهاج السنة (5/ 249).

([3]) مجموع الفتاوى (3/ 352).

([4]) الصارم المسلول (ص: 524).

([5]) الدرر السنية (1/ 102).

([6]) الصواعق والرعود (ص: 111).

([7]) الدرر السنية (1/ 104).

([8]) الدرر السنية (1/ 34).

([9]) الدرر السنية (1/ 230).

([10]) الدرر السنية (10/ 128).

([11]) الصواعق والرعود (ص: 111).

([12]) الدرر السنية (1/ 102).

([13]) الصواعق والرعود (ص: 112).

([14]) الدرر السنية (10/ 277).

([15]) المرجع نفسه (4/ 152).

([16]) المرجع نفسه (5/ 40).

([17]) المرجع نفسه (1/ 238).

([18]) المرجع نفسه (1/ 230).

([19]) الصواعق والرعود (ص: 113).

([20]) الإيمان (ص: 325).

([21]) الصواعق والرعود (ص: 114).

([22]) تفسير ابن جرير (13/ 327).

([23]) تفسير ابن أبي حاتم (7/ 2208).

([24]) الصواعق والرعود (ص: 114).

([25]) الدرر السنية (1/ 104).

([26]) المرجع نفسه (1/ 246).

([27]) المرجع نفسه (10/ 274).

([28]) المرجع نفسه (2/ 314).

([29]) المرجع نفسه (10/ 274).

([30]) مجموع الفتاوى (35/ 149).

([31]) المرجع نفسه (28/ 474).

([32]) المرجع نفسه (2/ 132).

([33]) نقض المنطق (ص: 141).

([34]) ينظر: درء التعارض (1/ 11)، منهاج السنة (7/ 291)، الفرقان (ص: 212)، مجموع الفتاوى (2/ 121-133).

([35]) مجموع الفتاوى (2/ 175).

([36]) الصواعق والرعود (ص: 137).

([37]) الصواعق والرعود (ص: 117).

([38]) الصواعق والرعود (ص: 127).

([39]) مجموع الفتاوى (1/ 108).

([40]) المرجع نفسه، الموضع نفسه.

([41]) المرجع نفسه (1/ 109).

([42]) المرجع نفسه (1/ 113).

([43]) الصواعق والرعود (ص: 129).

([44]) الدرر السنية (1/ 102).

([45]) الصواعق والرعود (ص: 415).

([46]) الصواعق والرعود (ص: 416).

([47]) مدارج السالكين (1/ 352) باختصار يسير.

([48]) المرجع نفسه، والموضع نفسه.

([49]) المرجع نفسه، والموضع نفسه.

([50]) الصواعق والرعود (ص: 542).

([51]) زاد المعاد (1/ 508).

([52]) إغاثة اللهفان (1/ 362).

([53]) الصواعق والرعود (ص: 428).

([54]) الصواعق والرعود (ص: 429).

([55]) مجموع الفتاوى (27/ 379).

([56]) المرجع نفسه (3/ 395).

([57]) المرجع نفسه، والموضع نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017