وقفاتٌ علميّة مع المجوِّزين لِلَعن يزيد بن معاوية
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
تعتبَر مسألةُ لعن يزيد بن معاوية من المسائل المشهورة التي بُحِثت في كتب العقائد والفقه والتفسير وشروح الحديث وكتب الآداب والسلوك، ومن أشهر من ذهب إلى جواز لعن يزيد بن معاوية أبو الفرج ابن الجوزي؛ إذ صنّف رسالةً خاصة في هذه المسألة سمّاها: (الرّدّ على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد)، ردّ بها على أحد الحنابلة المانِعين من لعنه، وهو عبد المغيث الحربيُّ، ونقل فيها تجويزَ لعنه عن ابن عقيل وابن أبي يعلى، مع أنه سلّم في تلك الرسالة أن ترك اللعن أولى([1]).
وممن أجاز لعن يزيدَ قوامُ الدين الصفاري الحنفي، لكن قال: (ينبغي أن لا يُفعَل)، وإلكيا الهراسي الشافعي، والسعد التفتازاني الذي اشتهر كلامه في المسألة اشتهارًا عظيمًا، وحافظ الدين الكردي الحنفي، وجلال الدين السيوطي، وابن محبّ الدين الحنفي، وعبد الرؤوف المناوي، والسفاريني الحنبلي، وعزاه لأكثر المتأخرين من الحفاظ والمتكلمين([2])، وشهاب الدين الألوسي صاحب (روح المعاني).
وفي هذه الورقة نقف وقفاتٍ علميةً مع المجوِّزين للَعن يزيد، وهي أربع وقفات:
الوقفة الأولى: إبطال القول بإكفار يزيد بن معاوية:
1- مناقشة الروايات التي استُنِدَ إليها في تكفيره:
عزا ابن حجر الهيتمي القول بتكفيره لطائفة؛ استنادًا لقول سبط ابن الجوزي -تبعًا لجدِّه- بشهرة إنشاد يزيد أبيات ابن الزِّبعرى:
ليت أشياخي ببدر شهدوا … جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا الكبش من أقرانهم … وعدلناه ببدر فاعتدل([3])
وهذا الذي ادُّعِي شهرته كذبٌ عليه.
وقال السفاريني: (ثمَّ وقفت على ترجمة يزيد -قَبَّحَهُ الملك المجيد- في كتاب “الوافي بالوفيات”، فرأيت فيه ما يشعر بكفر يزيد السفيه، فمن أعظم ما رأيت من قبائحه الفظيعة وفواضحه الشنيعة ما نقله في الكتاب المذكور عن ابن القفطي أن السبي لما ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرية عليّ والحسين، والرءوس على أسنة الرماح، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب، فلما رآهم أنشأ الخبيث يقول:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت … تلك الرءوس على شفا جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل … فقد اقتضيت من الرسول ديوني
يعني: أنَّه قتل بمن قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر مثل جدّه عتبة وخاله ولد عتبة ونحوهما، فجزمت حينئذ بكفر يزيد جزمًا ما عليه مزيد، وعلمتُ أن قائل هذا الكلام خارج عن ربقة الإِسلام من غير شكّ ولا ريب، والله تعالى أعلم)([4]).
وقال الرحيباني بعد أن أورد هذه الحكاية: (فإن صحّ عنه هذا الكلام فلا ريب في خروجه من ربقة الإسلام)([5]).
وهذه الحكاية كذب أيضًا؛ قال ابن تيمية: (ومن قال أيضًا: إنه كان كافرًا، أو إن أباه معاوية كان كافرًا، وإنه قتل الحسين تشفِّيًا، وأخذًا بثأر أقاربِه من الكفار، فهو أيضًا كاذِبٌ مفترٍ. ومن قال إنه تمثّل لما أتي برأس الحسين:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت … تلك الرؤوس على رُبَى جيرون
نعق الغراب فقلت نح أو لا تنح … فلقد قضيت من النبي ديوني
أو: من الحسين ديوني. والديوان الشعري الذي يُعزى إليه عامته كذِب، وأعداء الإسلام كاليهود وغيرهم يكتبونه للقدح في الإسلام، ويذكرون فيه ما هو كذب ظاهر، كقولهم: إنه أنشد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا … جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا الكبش من أقرانهم … وعدلناه ببدر فاعتدل
وأنه تمثل بهذا ليالي الحرة فهذا كذب.
وهذا الشعر لعبد الله بن الزبعرى أنشده عام أحد لما قتل المشركون حمزة، وكان كافرًا، ثم أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وقال أبياتًا يَذكُر فيها إسلامه وتوبته. فلا يجوز أن يُغلَى لا في يزيد ولا غيره، بل لا يجوز أن يُتَكَلَّمَ في أحدٍ إلا بعلم وعدل)([6]).
ثم قال الهيتمي في ذكره لحجّة المُكَفِّرين ليزيد: (وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه: ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين، وإنما العجب من خذلان يزيد، وضربه بالقضيب ثنايا الحسين، وحمله آل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا على أقتاب الجمال)([7]).
والثابت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه أن الذي فعل ذلك عبيد الله بن زياد، لا يزيد.
قال ابن تيمية: (وكان يزيد لو يجتمع بالحسين من أحرص الناس على إكرامه وتعظيمه ورعاية حقِّه، ولم يكن في المسلمين عنده أجلُّ من الحسين، فلما قتله أولئك الظلمة حملوا رأسه إلى قُدَّام عبيد الله بن زياد، فنكت بالقضيب على ثناياه، وكان في المجلس أنس بن مالك، فقال: إنك تنكت بالقضيب حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل، هكذا ثبت في الصحيح)([8]).
وقال: (وقد روي بإسناد مجهول أن هذا كان قدام يزيد، وأن الرأس حُمِلَ إليه، وأنه هو الذي نكت على ثناياه. وهذا مع أنه لم يثبت ففي الحديث ما يَدُلُّ على أنَّهُ كذب، فإن الذين حضروا نَكْتَهُ بالقضيب من الصحابة لم يكونوا بالشام، وإنما كانوا بالعراق، والذي نقله غير واحد أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا كان له غرض في ذلك، بل كان يختار أن يكرمه ويعظِّمه، كما أمره بذلك معاوية رضي الله عنه)([9]).
ثم قال الهيتمي: (وذكر -يعني ابن الجوزي- أشياء من قبيح ما اشتُهر عنه، ورده الرأس إلى المدينة وقد تغيَّرَت ريحُه، ثم قال: وما كان مقصوده إلا الفضيحة وإظهار الرأس، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أليس بإجماع المسلمين أن الخوارج والبغاة يُكفَّنُون ويُصَلَّى عليهم ويُدفَنُون؟! ولو لم يكن في قلبه أحقادٌ جاهلية وأضغانٌ بدرية لاحترم الرأسَ لما وصل إليه، وكَفَّنَه ودفَنَه وأحسن إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم)([10]).
قال ابن تيمية: (وأما حمل الرأس إلى الشام أو غيرِهَا والطواف به فهو كذب، والروايات التي تروى أنه حمل إلى قدام يزيد ونكت بالقضيب روايات ضعيفة لا يثبت شيء منها، بل الثابت أنه لما حمل عليّ بن الحسين وأهل بيته إلى يزيد وقع البكاء في بيت يزيد؛ لأجل القرابة التي كانت بينهم لأجل المصيبة. وروي أن يزيد قال: لعن الله ابن مرجانة -يعني ابن زياد- لو كان بينه وبين الحسين قرابة لما قتله. وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين. وأنه خَيَّر علي بن الحسين بين مقامه عنده وبين الرجوع إلى المدينة، فاختار الرجوع، فجهّزه أحسن جهاز)([11]).
فهذا يبيّن بطلان الاستناد إلى تلك الروايات في تكفير يزيد بن معاوية، ويبيّن أن يزيد لم يرض بقتل الحسين ولم يستبشر بذلك.
قال الهيتمي في ذكره حجّة المانعين من تكفيره: (فإن الأسبابَ المُوجِبَة للكفر لم يثبت عندنا منها شيء، والأصل بقاؤه على إسلامه حتى يعلم ما يخرجه عنه. وما سبق أنه المشهور يعارضه ما حكي أن يزيد لما وصل إليه رأس الحسين قال: رحمك الله يا حسين، لقد قتلك رجل لم يعرف حقَّ الأرحام، وتَنَكَّرَ لابن زياد، وقال: قد زرع لي العداوة في قلب البَر والفاجر، ورد نساء الحسين ومن بقي من بنيه مع رأسه إلى المدينة ليدفن الرأس بها. وأنت خبير بأنه لم يثبت موجب واحدة من المقالتين، والأصل أنه مسلم، فنأخذ بذلك الأصل حتى يثبت عندنا ما يوجب الإخراج عنه)([12]).
وقال: (ودعوى جمعٍ أنه كافرٌ لم يثبُت ما يدلُّ عليها، بل أمرُهُ بقتل الحسين لم يثبت أيضًا)([13]).
وأما قول المؤرّخ المصري ابن تغري بردي عندما ذكر إنكار يزيد على ابن زياد قتله للحسين: (هذا الذي كان يسع يزيد أن يقوله في الملأ من الناس؛ ليسكِّن ما بالناس من قتل الحسين وعتاريه، وقد مضى أمر الحسين وحصل مقصوده؛ فما باله وإظهار الفرح بقتله وقد كُفِي أمره؟!)([14])؛ فهذا حكمٌ على البواطن والسرائر، والقاعدة في مسائل الأسماء والأحكام: أن الحكم على الظواهر، والله يتولّى السرائر، على أن تلك الروايات التي استند إليها المكفرون ليزيد لو كانت صحيحة لذكرها ابن تغري بردي ولم يحتج إلى الخوض في الضمائر والسرائر، فتعليقه هذا دليل على بطلانها عنده.
ومن العجيب أن ابن تغري بردي قال: (ولا يشكّ من له ذوق وعقل صحيح أن يزيد رضي بقتل الحسين وسُرَّ بموته؛ فهو ملعون على كلّ حال وبكلّ طريق)([15])، فكيف يجزم كل من له ذوق وعقل صحيح بشيء باطن لم يظهره يزيد بإقرار ابن تغري بردي نفسه؟! وأما ما ذكره في مسألة اللعن فسيأتي بيان ما فيه.
وأعجَبُ منه حكمُ الألوسي على يزيد بالنّفاق بغلَبة الظنّ، مع أن القاعدة: أن من ثبت إيمانه بيقين لا يزول بالشكّ، يقول الألوسي: (وأنا أقول: الذي يغلب على ظنّي أن الخبيث لم يكن مصدِّقا برسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم)([16]).
قال ابن تيمية: (ولله الحمد: لم يكن من الخلفاء الذين لهم ولاية عامّة من خلفاء بني أمية وبني العباس أحد يُتَّهم بالزندقة والنفاق، وبنو أمية لم يُنسَب أحد منهم إلى الزندقة والنفاق، وإن كان قد يُنسَب الرجل منهم إلى نوع من البدعة، أو نوع من الظلم، لكن لم يُنسَب أحد منهم من أهل العلم إلى زندقة ونفاق، وإنما كان المعروفون بالزندقة والنفاق بني عبيد القداح الذين كانوا بمصر والمغرب، وكانوا يدَّعون أنهم علويّون، وإنما كانوا من ذرية الكفار، فهؤلاء قد اتَّفق أهل العلم على رميِهم بالزندقة والنفاق)([17]).
2- مناقشة نسبة تكفير يزيد للإمام أحمد:
عزا ابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية القول بتكفير يزيد للإمام أحمد، فقال: (بل قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعًا وعلمًا يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لقضايا وقعت منه صريحة في ذلك، ثبتت عنده، وإن لم تثبت عند غيره)([18]).
وقال السفاريني: (وقد جزم بكفر يزيد جماعة من العلماء، منهم الإمام الحافظ ناصر السنة ابن الجوزي، وسبقه القاضي أبو يعلى، ونُقِل عن الإمام أحمد مع شدة ورعه)([19]).
ونسبة تكفير يزيد للإمام أحمد مردودة بما قاله ابن مُفلح بعد أن نقل عن القاضي أبي يعلى قوله: (ومن أصحابنا من أخرج الحَجَّاج عن الإسلام لأنَّه أخافَ المدينة، وانتهك حرم الله وحرم رسوله)([20])، قال ابن مفلح: (فيتوجَّه عليه يزيد ونحوُه، ونَصُّ أحمدَ خلافُ ذلك، وعليه الأصحاب)([21]). وقد تعقب السفاريني -نفسُه- الهيتميَّ والبرزنجي في نسبتهما للإمام أحمد تجويزَ لعن يزيد بما ذكره ابن مفلح([22])، وردُّ نسبة التكفير للإمام أحمد بما نقله ابن مفلح أولى.
ولم أجد ابنَ مفلح قد نقل عن ابن الجوزي والقاضي سوى تجويز اللعن، ولا يلزم من تجويز اللعن التكفيرُ، وقد نقل السفاريني في “غذاء الألباب” كلامهما بواسطة ابن مفلح، ولم يذكر سوى اللعن([23]).
ووصف ابن تيمية قولَ من كفّر يزيد بأنه قول (ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسِيَر المتقدِّمين؛ ولهذا لا ينسَب إلى أحد من أهل العلم المعروفين بالسنة، ولا إلى ذي عقل من العقلاء الذين لهم رأي وخبرة)([24])، وقال: (وهذا القول سهل على الرافضة الذين يكفِّرون أبا بكر وعمر وعثمان؛ فتكفير يزيدَ أسهلُ بكثير)([25]).
على أنّ بعضَ تعليقات ابن الجوزي في الردّ على المتعصِّب العنيد التي فيها أن يزيد كان صاحب أضغانٍ جاهلية وأحقاد بدرية([26]) كالصريحة في تكفيره؛ ولذا ذكرها ابن تيمية والهيتمي في قول المُكفِّرين ليزيد، وإن لم يكونا قد صرَّحا بأن ابن الجوزي يكفّر يزيد([27]).
3- مناقشة ما جاء في شرح العقائد النسفية للسعد التفتازاني:
يعتبر كلام السَّعد التفتازاني في يزيد بن معاوية من أشهر ما تداوله المتأخِّرون في هذه المسألة نقلًا وشرحًا ونقدًا، فلا يسعنا أن نُضرِبَ عنه صفحًا.
وكلامُه في ذلك جاء في كتابه شرح العقائد النسفية([28])، يقول فيه: (وبعضهم أطلق اللعن عليه؛ لما أن كفر حين أمر بقتل الحسين رضي الله عنه، واتَّفَقُوا على جواز اللعن على من قتله، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به. والحقُّ أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشارَهُ بذلك وإهانَةَ أهل بيت النبي عليه السلام مما تَواتَرَ معناه، وإن كانت تفاصيلُه آحادًا، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنةُ الله عليه وأنصاره وأعوانه).
وقول السعد: (فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه) فَهِمَ منهُ كثيرٌ من المُحشّين على شرح العقائد تكفيرَ يزيد، قالوا: أي: لا يتوقف في عدم إيمانه، بقرينة ما قبله وما بعده([29]). بل فهم بعضهم من كلامه أن كفرَهُ ثابتٌ بالتواتر([30])، وذهب بعضهم إلى أن المراد: أننا لا نتوقّف في شأنه من حيث اللعنة، بل نتوقف في إيمانه فلا نجزِمُ به، كما قاله شارحه ابن الغرس([31]).
وقد نوزع التفتازاني في ادِّعائه التواتر على ما ذكره، كما نوزع في عدّ الأمر بقتل الحسين رضي الله عنه مكفِّرًا.
أما ادعاؤه تواتر ذلك فتعقبه فيه الكمال ابن أبي الشريف في حاشيته على شرح العقائد بقوله: (ولعل هذا بالنسبة إلى اطلاع الشارح، وأما نحن فلم يخرج عندنا إلى عن حدِّ الشهرة إلى التواتر، ولكن إن ثبت عنه ما نسب إليه من أنه قال:
ليت أشياخي ببدر شهدوا … جزع الخزرج من وقع الأسل
فذلك مؤذن بالكفر)([32]). وقد تقدّم أن إنشاده هذه الأبيات كذب.
وقال الملا علي القاري مُعقِّبًا على ادعاء التفتازاني التواتر: (وَرُدَّ بأنه لم يثبت بطريق الآحاد، فكيف يُدَّعى التواتر في مقام المراد؟! مع أنه نقل في التمهيد عن بعضهم أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، وإنما أمرهم بطلب البيعة، أو بأخذه وحمله إليه، فهم قتلوه من غير حكمه)([33]).
وقال ابن الغرس: (والصحيح أنه لم يأمر بذلك، وإنما عبيد الله بن زياد الدّعيّ جهّز إليه السرية، وأمرهم أن يخيّروه بين النزول على حكم الدّعيّ أو القتال، فأبى عليه السلام أن يموت إلا كريمًا)([34]).
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في حاشيته على شرح العقائد مُتعقِّبًا قول التفتازاني: (لما أن كفر حين أمر بقتل الحسين رضي الله عنه): (قال الإمام الغزالي: لم يثبُت أنّ يزيدَ أمر بقتل الحسين)([35]).
ونصُّ الغزالي: (فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلًا، فلا يجوز أن يُقالَ: إنه قتله، أو أمر به، ما لم يثبت، فضلًا عن اللعنة؛ لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق.
نعم يجوز أن يقال: قتل ابن ملجم عليًّا، وقتل أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنهما، فإن ذلك ثبت متواترًا، فلا يجوز أن يرمى مسلم بفسق أو كفر من غير تحقيق، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يرمي رجل رجلًا بالكفر ولا يرميه بالفسق إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك»([36]))([37]).
ونحو ما قاله الغزالي ما قاله ابن الصلاح في فتاويه: (لم يصحَّ عندنا أنه أمر بقتله رضي الله عنه، والمحفوظ أنّ الآمر بقتاله المفضي إلى قتله -كرمه الله- إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك)([38]).
وقال الشهاب الرملي: (وقد طعن الحسين سنان بن أبي أنس، فألقاه عن فرسه، وأجهز عليه خولي بن يزيد بن حمير، ونزل ليحزَّ رأسه فأرعدت يداه، فنزل أخوه شبل بن يزيد فاحتزّ رأسه ودفعه إلى أخيه خولي، ولما قدموا به على يزيد وذكروا له قتله دمعت عيناه، وقال: ويحكم! كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو كنت صاحبه لعفوتُ عنه. ثم قال: رحم الله أبا عبد الله، وغفر له.
ولما دخل عليه علي بن الحسين في السبي قال: حلّوا عنهم واضربوا عليه الباب، وأمال المطبخ وكساهم وأخرج لهم جوائز كثيرة، ثم قال: لو كان بينهم وبين ابن مرجانة نسب ما قتلهم، ثم ردهم إلى المدينة.
وقد علم مما ذكرته ردّ ما أقدَم السعدُ التفتازاني عليه من التصريح بلعن يزيد على التعيين، مستندًا إلى أن تفاصيل ما نقل عنه من رضاه بقتل الحسين واستبشاره به قد تواتر القدر المشترك بينهما)([39]).
ومن العجيب أنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشارَهُ بذلك وإهانَةَ أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي تواتر معناه عند التفتازاني لم يتواتر معناه لدى غيره من العلماء الذين هم أدرى منه بالنقل!
وأما عدّه الأمر بقتل الحسين من المكفِّرات فيردُّه قول ابن الصلاح: (وقاتل الحسين رضي الله عنه لا يكفُر بذلك، وإنما ارتكب إثمًا عظيمًا، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبيّ من الأنبياء)([40]).
قال الملا علي القاري معقّبًا على كلام السعد: (الأمر بقتل الحسين رضي الله عنه لا يوجب الكفر، فإنَّ قتلَ غيرِ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كبيرة عند أهل السنة والجماعة، إلا أن يكون مستحلًّا، وهو غير مختصّ بالحسين ونحوه، مع أن الاستحلال أمر لا يطّلع عليه إلا ذو الجلال، وإنما كان قتله نظير قتل عمار بن ياسر)([41]).
وقال ابن حجر الهيتمي: (أئمّتنا مصرِّحون بأنه لا يجوز لعن يزيد وإن كان فاسقًا خبيثًا، ولو سلَّمنا أنه أمر بقتل الحسين وسُرّ به؛ لأن ذلك حيث لم يكن عن استحلال، أو كان عنه لكن بتأويل ولو باطلًا، وهو فسق لا كفر، على أنَّ أمره بقتله وسرورَه به لم يثبت صدوره عنه من وجه صحيح)([42]).
وقال الفرهاري في حاشيته على شرح العقائد عند قول السعد: (لما أن كفر حين أمر بقتل الحسين رضي الله عنه): (فيه بحث؛ لأن الأمر بالقتل معصية لا كفر على قواعد أهل السنة، والأمر بالقتل ليس رضاء به، وإلا لكان كل آمر بالمعصية كافرًا)([43]).
وقد وجّه بعض متأخري الماتريدية تكفير المُكفِّرين يزيد بأنه فَعَل أمارة التكذيب، وهو الأمر بقتل الحسين، قال داود القارصي: (واعلم أن يزيد بن معاوية رضي الله عنه لما غلب على الحسين بن علي رضي الله عنه وأمر الناس بقتله فقتلوه بأمره مع أن الخلافة الحقَّة كانت لحسين رضي الله عنه، قال جمهور أهل السنة: إنه بذلك أهان أهل بيت النبوة، واستحقره، فارتكب أمارة التكذيب، فكفر هو ومن قتلوه، فعليهم لعنة الله والناس أجمعين، وعليه علامة التفتازاني حيث قال في شرح العقائد: لا نشك في إيمانه بل نشكَّ في كفره، فعليه لعنة الله وعلى أعوانه وأنصاره. وقال بعضهم: إن كان قتله وأمره بقتله للإهانة والاستحقار كَفَرَ هو ومن قتلوه للإهانة، فعليهم لعنة الله، وإن كان لحفظ الرياسة الدنيوية وكان في اعتقاده أنه عظيم غير مستحقّ القتل فلا يكفر، ولا يجوز اللعنة عليه؛ لأن قتل غير النبي بلا استهانة للدين لا يوجب التكفير)([44]).
وقد تقدّم أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، فضلًا عن أن يكون فعل ذلك استهانة واستحقارًا ببيت النبوة. وعزوه ذلك للجمهور فيه ما فيه، بل هو لم يسق قول أحد منهم إلا التفتازاني!
وقال ابن الهمام ممزوجًا بشرحه للكمال ابن أبي الشريف: “(و) قد (اختلف في إكفار يزيد ابنه، فقيل: نعم) لما وقع منه من الاجتراء على الذرية الطاهرة؛ كالأمر بقتل الحسين رضي الله عنه، وما جرى مما ينبو عن سماعه الطبع، ويصمُّ لذكره السمع، (وقيل: لا، إذ لم يثبت لنا عنه تلك الأسباب الموجبة) للكفر”([45]).
والتعليل الذي ذكره الكمال ابن أبي الشريف لم يرتضِه الملا علي القاري([46])، ووجه ذلك ما تقدّم من أن الأمر بقتل الحسين ليس كفرًا، والذي ارتضاه الملا علي القاري عِلَّةً لقول من قال بتكفير يزيد -ناسبًا القول بالتكفير للإمام أحمد- هو أنه قال بتحليل الخمر، وأنشد أبيات ابن الزّبعرى المتقدّمة، وقد تقدّم بيان عدم صحة نسبة تكفيره للإمام أحمد، وعدم صحة إنشاده لتلك الأبيات، وأما تحليله الخمر فالمقصود عنه أنه قال: (إن لم نشرب على دين محمد فلنشرب على دين عيسى ابن مريم)، وهذا لا شكّ أنه ردّ للشرع واستحلال للحرام، غير أنه مما لا يعلم ثبوته عن يزيد كما قال صاحب بريقة محمودية([47])، ومن ثمّ قال الملا علي القاري: (ولا يخفى أن إيمان يزيد محقّق، ولا يثبت كفره بدليل ظنيّ، فضلا عن دليل قطعيّ)([48]).
الوقفة الثانية: صدور المفسّقات مِن يزيد لا يلزم منه موته دون أن يتوب منها:
وتحقيق هذا يحتاج أن نذكر أولًا الأمور التي أنكرها العلماء والأئمّة من أهل السنة على يزيد بن معاوية، ثم نبين أن المجوّز للعن يزيد ليس معه دليل على عدم توبته منها.
قال أبو محمد ابن حزم: (وبويع يزيد بن معاوية إذ مات أبوه -يكنى أبا خالد-، وامتنع عن بَيْعَتِه الحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزُّبَيْر بن العَوَّام.
فأما الحسين -عليه السلام والرحمة- فنهض إلى الكوفة فقُتِل قبل دخولها. وهو ثالثة مصائب الإسلام بعد أمير المؤمنين عثمان -أو رابعها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه- وخرومِه، لأن المسلمين استضيموا في قتله ظلمًا علانيةً.
وأما عبد الله بن الزبير فاستجار بمكة، فبقي هنالك إلى أن أغزى يزيدُ الجيوش إلى المدينة حرمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مكة حرم الله تعالى، فَقَتَل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحَرَّة. وهي أيضًا أكبر مصائب الإسلام وخُرومه؛ لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار المسلمين من جِلَّة التابعين قُتِلوا جَهْرًا ظُلمًا في الحرب وصبرًا. وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الروضة بين القَبْر والمِنْبَر، ولم تُصَلَّ جماعةٌ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المُسَيِّب فإنه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان ومروان بن الحكم عند مُجْرِم بن عُقْبة المُرِّي بأنه مجنون لقتله. وأكره الناسَ على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيدٌ له، إن شاء باع، وإن شاء أعتق، وذكر له بعضهم البَيْعَةَ على حكم القرآن وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتله فضرب عنقه صبرًا. وهتك مُسْرِفٌ أو مُجْرِمٌ الإسلام هتكًا، وأنهب المدينة ثلاثًا، واستُخِفَّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومُدَّتِ الأيدي إليهم وانتُهِبَتْ دورُهم.
وانتقل هؤلاء إلى مكة -شرَّفها الله تعالى- فحوصرت، ورُميَ البيتُ بحجارة المنجنيق، تولَّى ذلك الحُصَيْنُ بن نُمَيْر السّكُونيّ في جيوش أهل الشام، وذلك لأن مجرم بن عقبة المُرِّيّ مات بعد وقعة الحَرَّة بثلاث ليال، ووَليَ مكانه الحُصَيْنُ بن نمير. وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر، فمات بعد الحرّة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين. وانصرفت الجيوش عن مكة. ومات يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين وله نَيِّف وثلاثون سنة)([49]).
قال ابن الوزير اليماني بعد نقله: (وفيه أعظم شهادة لأهل السّنّة على البراءة من تصويب يزيد والتّشيّع له، هذا على أنّ الذّهبي ذكر أنّ ابن حزم قد وُصم بالتّعصّب لبني أميّة، فإذا كان هذا كلامَ من رمي بالتّعصّب لهم فكيف بمن لم يرم بذلك؟! على أنّ كلام ابن حزم هذا يردّ على ما رماه بالعصبيّة، ويشهد له بالسّلوك من الإنصاف في طريقة سويّة)([50]).
وقال الذهبي في ترجمة يزيد: (كان قويًّا شُجاعًا، ذا رأي وحزم وفطنة وفصاحة، وله شعر جيد، وكان ناصبيًّا فظًّا غليظًا جلفًا، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره. وخرج عليه غير واحد بعد الحسين: كأهل المدينة قاموا لله، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري، ونافع بن الأزرق، وطواف بن معلى السدوسي، وابن الزبير بمكة)([51]).
فالحاصل أن ثمَّةَ ثلاث وقائع في زمان يزيد أُنكِرَت عليه:
الواقعة الأولى: أخطاؤه في مقتل الحسين:
قال ابن تيمية: (ويزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولكن أمر بدفعه عن منازعته في الملك، ولكن لم يقتل قتلة الحسين، ولم ينتقم منهم، فهذا مما أنكر على يزيد)([52]).
وقال ابن كثير: (وليس كل ذلك الجيش كان راضيًا بما وقع من قتله، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك -والله أعلم- ولا كرهه، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه، كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبرًا عن نفسه بذلك. وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو، ولكن لم يعزله على ذلك، ولا عاقبه، ولا أرسل يعيب عليه ذلك، والله أعلم)([53]).
الواقعة الثانية: استباحته المدينة ثلاثة أيام في وقعة الحرّة:
قال الإمام مالك رحمه الله كما في المستخرجة عن يزيد: (قتل يوم الحرة سبعمائة رجل، كلهم قد جمعوا القرآن)، قال ابن القاسم: (شككت أنه كان فيهم أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه)([54]).
وفي رواية المهنا عن الإمام أحمد قال: سألت أحمد عن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، قال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل. قلت: وما فعل؟ قال: قتل بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل. قلت: وما فعل؟ قال: نهبها. قلت: فيذكر عنه الحديث؟ قال: لا يذكر عنه الحديث، ولا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثًا. قلت لأحمد: ومن كان معه بالمدينة حين فعل ما فعل؟ قال: أهل الشام. قلت له: وأهل مصر؟ قال: لا، إنما كان أهل مصر معهم في أمر عثمان رحمه الله)([55]).
قال ابن تيمية: (هذا أكثرُ ما يَدُلُّ على الفسق، لا على لعنة المعيّن)([56]).
وقال الذهبي بعد أن ذكر هذه الرواية تبعًا لشيخ الإسلام: (لكن لم يقتل جميع الأشراف، ولا بلغ القتلى عشرة آلاف، ولا وصلت الدماء إلى المسجد، بل ولا كان القتل في المسجد، بل بظاهر المدينة. ولكن ديدنكم -معشر الرافضة- أنكم لا تنقلون صدقًا، وإن كان صدقًا طَرَّزتُمُوه بكذب)([57]).
على أن تفسيق يزيد بما ثبت عنه فعله بأهل المدينة لا يلزم منه تصويب ما فعله أهل المدينة -رحمهم الله تعالى- من الخروج عليه، وقد كان ذلك الخروج مما أنكره عليهم ابن عمر رضي الله عنهما؛ فعن نافعٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مات ميتةً جاهليّة»([58]).
وعن نافع قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ([59]).
الواقعة الثالثة: حصاره الكعبة في آخر حياته:
ذكر خليفة بن خياط أن يزيد أرسل النعمانَ بن بشير الأنصاري وهمامَ بن قبيصة النميري -أحد أبطال معاوية رضي الله عنه- يدعوان ابن الزبير إلى البيعة ليزيد على أن يجعل له ولاية الحجاز، وما شاء وما أحب لأهل بيته من الولاية، فقدما على ابن الزبير فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمراني ببيعة رجل يشربُ الخمر ويدع الصلاة ويتبع الصيد؟! فقال همام: أنت أولى بما قلت منه، فلكمه رجل من قريش فرجعا إلى يزيد فغضب، فحلف لا يقبل بيعته إلا وفي يده جامعة([60]).
وقال الذهبي: (جَهَّزَ يزيدُ جيشًا ستَّةَ آلاف، إذ بلَغَهُ أن أهل المدينة خلَعُوه، فجرت وقعة الحرة، وقُتل نحوُ ألف من أهل المدينة، ثم سار الجيش عليهم حصين بن نمير، فحاصروا الكعبة وبها ابن الزبير، وجرت أمور عظيمة، فقلع الله يزيد، وبايع حصين وعسكره ابن الزبير بالخلافة، ورجعوا إلى الشام)([61]).
وبعد أن ذكرنا الكبائر التي أنكرها العلماء والأئمة على يزيد بن معاوية ينبغي بيان أن لعنه بعينه يتوقّف على ثبوت موته دون أن يتوب إلى الله تعالى من تلك الذنوب؛ يقول ابن تيمية: (فالذي يجوِّز لعنة يزيد وأمثاله يحتاج إلى شيئين: إلى ثبوت أنه كان من الفساق الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنه مات مُصرًّا على ذلك. والثاني: أن لعنة المعين من هؤلاء جائزة. والمنازع يطعن في المقدمتين، لا سيما الأولى.
فأما قول الله تعالى: {أَلَا لَعنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ} [هود: 18] فهي آية عامة كآيات الوعيد، بمنزلة قوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأكُلُونَ أَموَٰلَ ٱليَتَٰمَىٰ ظُلمًا إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَارًا وَسَيَصلَونَ سَعِيرًا} [النساء: 10]، وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح؛ إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة. فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه، أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمه، ولم يبتل بمصائب تكفر عنه، وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِۦ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48])([62]).
وقد بالغ الآلوسي في نفي احتمال توبته حتى قال: (والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه)([63]). ومجرد استعمال أساليب المبالغة في نفي التوبة ليس دليلًا على عدمها.
قال ابن تيمية: (هؤلاء الخلفاء لم يكن فيهم من هو كافر، بل كلهم كانوا مسلمين، ولكن لهم حسنات وسيئات كما لأكثر المسلمين، وفيهم من هو خير وأحسن سيرة من غيره، كما كان سليمان بن عبد الملك الذي وَلَّى عمرَ بنَ عبد العزيز الخلافة من بني أمية، والمهدي والمهتدي وغيرهما من خلفاء بني العباس، وفيهم من كان أعظم تأييدًا وسُلطانًا، وأقهر لأعدائه من غيره كما كان عبد الملك والمنصور)([64]).
وفي صحيح البخاري عن أُمِّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا». قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: «أَنْتِ فِيهِمْ». ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ». فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لَا»([65]).
قال ابن تيمية: (وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد، والجيش عدد معين لا مطلق، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحدٍ واحدٍ من الظالمين، فإن هذا أخصّ، والجيشُ مُعيَّنُون. ويقال: إن يزيد إنما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث)([66]).
وقال: (ومع هذا فيزيد أحد ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات كما لغيره من الملوك، وقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له»([67])، وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد، غزاها في خلافة أبيه معاوية، ومعه أبو أيوب الأنصاري، ومات ودفن هناك)([68]).
ومنَع عددٌ من شراح البخاري دخول يزيد في هذا الحديث؛ كابن المنير، وابن التين، والعيني، وزكريا الأنصاري، والقسطلاني، والمناوي، وبعضهم يتابع بعضًا في ذلك([69]).
قال المهلب: (من هذا الحديث ثبتت خلافة يزيد بن معاوية، وفيه أنه من أهل الجنة).
قال ابن المنير معقّبًا: (تحامَلَ في تصحيح خلافة يزيد بن معاوية، ثم في جعله من المشهود لهم بالجنة، وما أراه إلا احتملته الحمية لبني أمية، ولا خفاء بأن المغفرة ونحوها من آثار الخير إنما تتنزل على أسبابها، وإنما تؤتى من أبوابها، وحالة يزيد عند أهل السنة والجماعة ليست بهذه المثابة، وتخصيص واحد من الأمة بقرائن تخرجه من العموم ليس ببِدعٍ، ولا خلاف في أن قوله -عليه السلام-: «مغفور لهم» مشروط بكونهم من أهل الجنة والمغفرة، والمراد: مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم)([70]).
وقال العيني معقبًا على قول المهلب: (في هذا الحديث منقبة لمعاوية؛ لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد؛ لأنه أول من غزا مدينة قيصر). قال: (أي منقبة كانت ليزيد وحالُه مشهور؟!)([71]).
وقد نفى العيني أن يكون أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه في جيش يزيد، وهذا مخالف لما ذكره ابن حجر وغيره من أهل العلم في شرحه، قال ابن حجر: (وكانت غزوة يزيد المذكورة في سنة اثنتين وخمسين من الهجرة، وفي تلك الغزاة مات أبو أيوب الأنصاري، فأوصى أن يدفن عند باب القسطنطينية، وأن يعفى قبره، ففعل به ذلك، فيُقال: إن الروم صاروا بعد ذلك يستسقون به)([72]).
وسواء كان يزيد مشمولًا بهذا الحديث أم لا فإن جهاد يزيد للبيزنطيين وغزوه القسطنطينية أميرًا على الجيش الذي فيه أبو أيوب الأنصاري مما يُمدح به، ولهذا قال الذهبي في ترجمته: (له على هناته حسنَة، وهي غزو القسطنطينية، وكان أميرَ ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري)([73]).
ومن المتقرر عند أهل السنة أن الحسنات من مكفّرات الذنوب، قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلحَسَنَٰتِ يُذهِبنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ} [هود: 114]([74]).
قال الأردبيلي من الشافعية: (ولا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره؛ فإنه من جملة المؤمنين، وأمره إلى مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه. قاله الغزالي والمتولي وغيرهما)([75]).
الوقفة الثالثة: المنع من لعنِ الفاسق المعيّن:
وبعد أن بينا أن المجوّزين للعن يزيد ليس معهم دليل على عدم توبته إلى الله مما فعل من كبائر الذنوب، فإننا نبين أنه على تقدير وفاته على ما صدر عنه من المفسّقات دون أن يتوب منها، فإن القول بلعنه مخالفٌ لقول جمهور أهل العلم بعدم جواز لعن الفاسق المعيّن، ولهذا قال صاحب بريقة محمودية: (وبالجملة: الأكثر والمختار على عدم لعن يزيد بن معاوية)([76]).
قال النووي: (اعلم أن لعن المسلم المصون حرامٌ بإجماع المسلمين، ويجوزُ لعنُ أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، ولعن الله الفاسقين، لعن الله المصوّرين، ونحو ذلك مما تقدَّم، وأما لعن الإِنسان بعينه ممّن اتَّصَفَ بشيء من المعاصي كيهودي، أو نصراني، أو ظالم، أو زانٍ، أو مصوّرٍ، أو سارقٍ، أو آكلِ ربا، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. وأشارَ الغزالي إلى تحريمه إلا في حقّ مَن عَلِمْنَا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل وفرعونَ وهامانَ وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الإِبعاد عن رحمة الله تعالى، وما ندري ما يُتم به لهذا الفاسق أو الكافر)([77]).
وقال البركوي عند ذكر آفات اللسان: (التاسع: اللعن، وهو الطرد والإبعاد من الله، فلا يجوز لشخص معين بطريق الجزم، إلا أن يثبت موته على الكفر، كأبي جهل، وفرعون، وإبليس، ولا لحيوان، ولا جماد، وقد ورد التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن لعن الريح والبرغوث. وإنما يجوز اللعن بالوصف العام المذموم)([78]).
ودليل الجمهور في ذلك ما جاء عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنُوهُ؛ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ»([79]).
قال أبو حامد الغزالي بعد أن ذكر هذا الحديث: (فهذا يدل على أن لعنة الفاسق بعينه غير جائزة)([80]).
وقال ابن تيمية: (فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعيَّن الذي كان يكثر شرب الخمر مُعَلِّلًا ذلك بأنه يحب الله ورسوله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مُطلقًا، فدلَّ ذلك على أنه يجوز أن يُلعَن المطلق، ولا تجوز لعنةُ المُعَيَّن الذي يحب الله ورسوله، ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله، ولكن في المظهرين للإسلام من هم منافقون، فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله، ومن علم حال الواحد من هؤلاء لم يصل عليه إذا مات، لقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84])([81]).
وقال ابن مفلح بعد أن ذكر هذا الحديث: (فهذا ظاهر الدلالة)([82]).
وقد حكى القاضي أبو بكر ابن العربي الاتفاقَ على عدم جواز لعن العاصي المعيّن استنادًا لهذا الحديث([83])، غير أنّ في المسألة نزاعًا كما ذكره ابن تيمية، ونسب القول بجواز لعن المُعيَّن إلى طائفة من أصحاب أحمد كابن الجوزي وغيره([84]). ونقل عنه ابن مفلح أنه ذكر للحنابلة في الفساق ثلاثة أقوال: (أحدها: المنع عمومًا وتعيينًا إلا برواية النص. والثاني: إجازتها. والثالث: التفريق، وهو المنصوص)([85]).
وممن قال بجواز لعن الفاسق المعيّن من الشافعية: سراج الدين البلقيني([86])، مستدلًّا لذلك بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح، وقال ولده جلال الدين البلقيني: (بحثت معه في ذلك باحتمال أن يكون لعن الملائكة لها ليس بالخصوص بل بالعموم بأن يقولوا: لعن الله من باتت هاجرة فراش زوجها)([87]).
قال أبو العبّاس القرطبي: (وقد ذهب بعض النَّاس إلى أنَّه يجوز لعن المعيَّن من أهل المعاصي ما لم يُحَدّ، فإذا حدّ لم يجز؛ لأن الحدود كفارة. وهذا فاسد؛ لأنَّ العاصي المؤمن لم يخرج بمعصيته عن اسم المؤمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لعن المؤمن كقتله»، وقد نهي عن اللَّعن، وهو كثير. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الملقب بـ(حمار) الذي كان يشرب الخمر كثيرًا، فلعنه بعضهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه، وهو صحيح نصٌّ في الباب، وفرق بين لعن الجنس والشخص؛ لأنَّ لعن الجنس تحقيق وتحذير، ولعن الشخص حسبان وتعيير)([88]).
وقوله: (ولعن الشخص حسبان وتعيير) يدل على خطور لعن المعين، لا سيما في الأموات، فالكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحيّ كما نبّه لذلك الغزالي وابن تيمية([89])، وذلك لما جاء عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»([90]).
وعلى القول بجواز لعن الفاسق المعين، فإن ذلك لا يقتضي أن يذمّ من كلّ وجه، بل يمدح بما فيه من الخير والبر، ويُدعَى له، وذلك على قاعدة أهل السنة في اجتماع الحسنات والسيئات في الشخص الواحد، خلافًا للخوارج وغيرهم.
قال ابن تيمية: (ومن جوّز من أهل السنة والجماعة لعنة الفاسق المعين فإنّه يقول: يجوز أن أصلّي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحقّ للثواب مستحقّ للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب، واللعنة له لاستحقاقه العقاب، واللعنة البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيرحم من وجه، ويبعد عنها من وجه.
وهذا كلّه على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة، ومن يدخل فيهم من الكرامية والمرجئة والشيعة، ومذهب كثير من الشيعة الإمامية وغيرهم الذين يقولون: إن الفاسق لا يخلّد في النار، وأما من يقول بتخليده في النار كالخوارج والمعتزلة وبعض الشيعة، فهؤلاء عندهم لا يجتمع في حقّ الشخص الواحد ثواب وعقاب)([91]).
الوقفة الرابعة: هل الذين منعوا من لعن يزيد بن معاوية نواصب؟
إنّ بعض المخالفين أوهموا أن المنع من لعن يزيد بن معاوية بدعةٌ من بدع السلفيّة المعاصرة، الدالة على تأثّرهم بأقوال النواصب، وادّعى هذا المخالف أن السلفيّين يعظّمون يزيد مع كونه فاسقًا ظالمًا عند العلماء؛ لذا يحسن بنا أن نختم هذه الورقة ببيان أمرين:
الأمر الأول: من الأشاعرة والماتريدية من قال بمنع لعن يزيد:
قد قدّمنا في هذه الورقة كلامَ كثير من علماء الأشاعرة في منع لعن يزيد، وفي الاستدلال لذلك، وعلى رأسهم: أبو حامد الغزالي، حتى وصفه ابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية بالمبالغ في تحريم سبّ يزيد ولعنه([92])، مع أن الهيتمي نفسه قال في الزواجر: (وأما ما وقع لبعضهم من لعن يزيد فهو تهوُّر، بناء على القول بإسلامه، وهو الظاهر)([93]).
وقال الأوشي في منظومته بدء الأمالي في عقائد الماتريدية:
ولم يَلعَن يزيدًا بعدَ مَوتٍ … سِوَى المكثارِ في الإغراء غالِ
قال الملا علي القاري في شرحه: (والمعنى: لم يلعن أحد من السلف يزيد بن معاوية سوى الذين أكثروا القول في التحريض على لعنه، وبالغوا في أمره، وتجاوزوا حده؛ كالرافضة، والخوارج، وبعض المعتزلة…)([94]).
وهذا الكلام يقوله ماتريدية حنفية، ولو قاله السلفية لقالوا عنهم: نواصب!
الأمر الثاني: ما جاء عن الإمام أحمد في حكم لعن يزيد:
لخَّص ابن عبد الهادي ما جاء عن الإمام أحمد في هذه المسألة بقوله: (وهل يجوز لعن يزيد؟ فيه روايتان: إحداهما: التوقّف عن لعنه([95])، نقلها أبو طالب. والثانية: يجوز، نقلها صالح)([96]). وثمة رواية ثالثة هي رواية المهنا، وقد تقدم الكلام عنها.
والرواية الأولى: أخرجها الخلال في السنة عن أبي طالب قال: سألت أبا عبد الله: من قال: لعن الله يزيد بن معاوية؟ قال: لا أتكلّم في هذا. قلت: ما تقول؟ فإنّ الذي تكلم به رجل لا بأس به، وأنا صائر إلى قولك. فقال أبو عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن المؤمن كقتله»، وقال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم»، وقد صار يزيد فيهم، وقال: «من لعنته –أو: سَبَبْتُه- فاجعلها له رحمة»، فأرى الإمساك أحبَّ لي([97]).
قال أبو بكر الخلال عقبها: (وبعد هذا الذي ذكر أبو عبد الله من التوقي للعنه، ففيه أحاديث كثيرة لا [تخفى] على أهل العلم ومن كتب الحديث إذا أنصف في القول. وقد ذُكر عن ابن سيرين وغيره أنهم كانوا يقولون: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] إذا ذكر لهم مثل الحجاج وضربه، ونحن نتّبع القوم ولا نخالف، ونتّبع ما قال الحسن وابن سيرين، فهما الإمامان العدلان في زمانهما الوَرِعان الفقيهان، ومن أفاضل التابعين، ومن أعلمهم بالحلال والحرام وأمر الدين، ولا نجهل، ونقول: لعن الله من قتل الحسين بن علي، ولعن الله من قتل عمر، ولعن الله من قتل عثمان، ولعن الله من قتل عليّا، ولعن الله من قتل معاوية بن أبي سفيان، فكلّ هؤلاء قتلوا قتلا، ويقال: لعنة الله على الظالمين، إذا ذكر لنا رجل من أهل الفتن، وعلى ما تقلّد أحمد بن حنبل من ذلك، وبالله التوفيق)([98]).
قال القاضي أبو يعلى: (فقد صرّح الخلال باللعنة)([99]).
قال ابن تيمية: (المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق العام لا المعين، كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة، وأن الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص، أو شهد له الاستفاضة على قول، فالشهادة في الخبر كاللعن في الطلب، والخبر والطلب نوعا الكلام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»([100])، فالشفاعة ضدّ اللعن كما أن الشهادة ضد اللعن)([101]).
أما الرواية الثانية عن الإمام أحمد التي استند إليها ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى في جواز لعن يزيد فهي رواية صالح، وهي ما نقله من خط أبي حفص العكبري أسنده إلى صالح بن أحمد: قلت لأبي: إنّ قومًا ينسبون إلى تولي يزيد، فقال: يا بنيّ، وهل يتولَّى يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟! فقلت: ولم لا تلعنُه؟! فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئا؟! لم لا يُلعن من لعنه الله عز وجل في كتابه؟! فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]. فهل يكون في قطع الرحم أعظم من القتل؟!)([102]).
وقد أعلّ ابن تيمية هذه الرواية عن أحمد بالانقطاع في ردّه على الرافضي حيث استند إليها، وناقش دلالة الآية على لعن المعين بقوله: (والآية لا تدلّ على لعن المعين، ولو كان كلّ ذنب لُعن فاعله يُلعن المعين الذي فَعَلَه للُعِن جمهور الناس، وهذا بمنزلة الوعيد المطلق، لا يستلزم ثبوته في حقّ المعين إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه، وهكذا اللّعن، وهذا بتقدير أن يكون يزيد فعل ما يقطع به الرحم)([103]).
وقد اختار مرعي الكرمي في كتابه “غاية المنتهى” -وهو من كتب الحنابلة المعتمدة- تحريم لعن يزيد، وعزاه لنصّ أحمد، قال: (قال أحمد: لا يُعوِّدُ لسانه الخنا والردى. ويتجه منه: تحريم لعن الحجاج ويزيد، وقواعد الشريعة تقتضيه. ثم رأيته نصّ أحمد، وعليه الأصحاب، خلافًا لابن الجوزي وجماعة)([104]).
وقال السفاريني -وهو ممن يقول بلعن يزيد بل بِكفره- عقِب هذه الرواية بعد أن ذكر نقل الهيتمي والبرزنجي لها: (والمحفوظ عن الإمام أحمد رضي الله عنه خلاف ما نقلا، ففي “الفروع” ما نصّه: ومن أصحابنا من أخرج الحجاج عن الإِسلام، فيتوجّه عليه يزيد ونحوه، ثمَّ قال: ونص أحمد خِلاف ذلك، وعليه الأصحاب، ولا يجوز التخصيص باللعنة، خلافًا لأبي الحسين، وابن الجوزي وغيرهما، قال شيخ الإِسلام: ظاهر كلام الإمام أحمد الكراهة)([105]).
فالرواية المحفوظة عن الإمام أحمد هي الإمساك عن لعن يزيد، فمن نسَب القائلَ بالمنع من لعن يزيد إلى النصب كان في كلامه اعتداءٌ على هذا الإمام الذي هو إمام أهل السنة والجماعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (1/ 286). والرسالة مطبوعة، ولها نسخة خطية قديمة محفوظة في مكتبة الدولة ببرلين لم تعتمد في المطبوع، لكنها غير تامة.
([2]) «غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب» (1/ 123).
([3]) «الصواعق المحرقة» (2/ 630).
([4]) «البحور الزاخرة في أمور الآخرة» (2/ 479)، ونحوه في «غذاء الألباب» (1/ 124).
([5]) «مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى» (5/ 659).
([6]) «جامع المسائل» (5/ 147-149). وانظر: «مجموع الفتاوى» (4/ 481-482).
([7]) «الصواعق المحرقة» (2/ 631)، وكلام ابن الجوزي في «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد» (ص: 63-64).
([8]) «جامع المسائل» (6/ 260).
([10]) «الصواعق المحرقة» (2/ 631)، وكلام ابن الجوزي في «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد» (ص: 64). وذكر ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (4/ 481) كلام ابن الجوزي -دون أن يُسمِّيَه- في قول المكفّرين ليزيد.
([11]) «جامع المسائل» (6/ 260-261).
([12]) «الصواعق المحرقة» (2/ 632). وانظر: «فتاوى الرملي» (4/ 335-336).
([13]) «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (2/ 96).
([14]) «مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة» (ص: 69).
([15]) «مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة» (ص: 67).
([16]) «روح المعاني» (13/ 228).
([17]) «مجموع الفتاوى» (4/ 478).
([18]) «شرح الهمزية» (ص: 519)، ونقل كلامه الخلوتي في «حاشيته على شرح العقائد النسفية»، وأتبعه بقوله: (والأسلم عندي الوقف، وهو أقل الدرجات، وإلا فقبائح يزيد ما عنها مزيد). ونقله بلا عزو المرجاني في حاشيته على شرح العقائد النسفية «الحكمة البالغة الجنية» (ص: 123).
([19]) «البحور الزاخرة في أمور الآخرة» (2/ 476-477).
([20]) نقله الحجاوي في «شرح منظومة الآداب» (ص: 107) عن ابن تيمية لا عن القاضي، وأن ابن تيمية قال عقبه: (والأكابر من أصحابنا يأبون ذلك، ويكلون أمره إلى الله).
([21]) «الفروع» (10/ 190)، ونقله المرداوي في «الإنصاف» (27/ 109).
([22]) «البحور الزاخرة في أمور الآخرة» (2/ 478).
([23]) «غذاء الألباب شرح منظومة الآداب» (1/ 122-123). وانظر: «الآداب الشرعية» (1/ 285-292).
([24]) «مجموع الفتاوى» (4/ 482).
([25]) «مجموع الفتاوى» (4/ 482).
([26]) «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد» (ص: 64).
([27]) انظر: «الصواعق المحرقة» (2/ 631). وكلام ابن الجوزي في «الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد» (ص: 64). وذكر ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (4/ 481) كلام ابن الجوزي -دون أن يُسمِّيَه- في شرح قول المكفّرين ليزيد.
([28]) له كلام في موضوع يزيد أقلّ تداولًا وشهرة في «شرح المقاصد» (2/ 307)، لم يلعَن فيه يزيد بعينه، وحاول فيه توجيه مذهب الغزالي في منع اللعن، حيث أومأ لذكره بأن سمى اثنين من كتبه قال: “فرأى المعتنون بأمر الدين (إلجام العوام) بالكلية طريقًا إلى (الاقتصاد في الاعتقاد)…”، ونقل كلامه في هذا الموضع اللقاني في شرحه الكبير على جوهرته «عمدة المريد» (3/ 1134).
([29]) نقله المناوي عن جدّه زين الدين العراقي في «فيض القدير» (3/ 84)، وقاله الشيخ زكريا في «فتح الإله الماجد» (ص: 454).
([30]) انظر: حاشية «جمع الفرائد» لصدر الورى القادري المصباحي (ص: 157).
([31]) في «حاشية ابن الغرس على شرح العقائد» (مخطوط).
([32]) «الفرائد في حل شرح العقائد» (ص: 509-510).
([33]) «ضوء المعالي لبدء الأمالي» (ص: 64-65).
([34]) «حاشية ابن الغرس على شرح العقائد» (مخطوط).
([35]) «فتح الإله الماجد» (ص: 453).
([36]) أخرجه البخاري (6045)، ومسلم (61).
([37]) «إحياء علوم الدين» (5/ 448). وله فتوى أخرى بشأن يزيد نقلها ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (3/ 288-289). وانظر: «الروض الباسم» لابن الوزير (2/ 400).
([38]) «فتاوى ابن الصلاح» (1/ 216). ونقله الهيتمي في «الصواعق المحرقة».
([39]) «فتاوى الرملي» (4/ 336).
([40]) «فتاوى ابن الصلاح» (1/ 218).
([41]) «منح الروض الأزهر شرح الفقه الأكبر» (ص: 216). وانظر أيضًا تعقب الملا علي القاري في «ضوء المعالي» (ص: 65) لبعض العراقيين في تعليله جواز لعن يزيد بأنه (كفر بما استحلّ من محارم الله بفعله في أهل بيت النبوة).
([42]) «الصواعق المحرقة» (2/ 637).
([43]) «النبراس شرح شرح العقائد النسفية» (ص: 711).
([44]) «شرح داود القارصي على بدء الأمالي» -رسالة علمية- (ص: 104).
([45]) «المسامرة شرح المسايرة» (ص: 225-226).
([46]) «منح الروض الأزهر شرح الفقه الأكبر» (ص: 218).
([47]) «بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية» للخادمي (1/ 213).
([48]) «منح الروض الأزهر شرح الفقه الأكبر» (ص: 218).
([49]) «رسائل ابن حزم» (2/ 141).
([50]) «الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم» (2/ 390).
([51]) «سير أعلام النبلاء» (4/ 37-38).
([52]) «جامع المسائل» (6/ 261).
([53]) «البداية والنهاية» (11/ 578).
([54]) «البيان والتحصيل» (17/ 269).
([55]) أخرجه الخلال في السنة (832)، وابن الجوزي في «الرد على المتعصّب العنيد» (ص: 40). وانظر: «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (1/ 347)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (6/ 114).
([56]) ينظر: «الآداب الشرعية» (1/ 285).
([57]) «المنتقى من منهاج الاعتدال» (ص: 295). وانظر: «منهاج السنة» (4/ 575-576).
([60]) «تاريخ خليفة بن خياط» (ص: 252).
([61]) «سير أعلام النبلاء» (4/ 38). وهذا الحصار غير الحصار الذي جرى في زمن عبد الملك، وكانت نهايته مقتل ابن الزبير رضي الله عنهما.
([62]) «منهاج السنة» (4/ 571).
([63]) «روح المعاني » (13/ 229).
([64]) «جامع المسائل» (5/ 146).
([66]) «منهاج السنة» (4/ 572)، ونقله ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 287).
([67]) ذكر ابن تيمية في ثلاثة مواضع من كتبه أن الحديث جاء عن ابن عمر: هذا الموضع، وفي «منهاج السنة» (4/ 572) -وتابعه فيه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 287)-، والموضع الثالث: «مجموع الفتاوى» (4/ 486). والحديث في البخاري (2924) من حديث أم حرام، لا ابن عمر، وقد تقدّم لفظه.
([68]) «جامع المسائل» (6/ 261-262). وانظر: «مجموع الفتاوى» (4/ 474-475).
([69]) انظر: «مصابيح الجامع» للدماميني (6/ 298)، «عمدة القاري» للعيني (14/ 198)، «إرشاد الساري» للقسطلاني (5/ 104) و«منحة الباري» لزكريا الأنصاري (6/ 59)، و«فيض القدير» للمناوي (3/ 84).
([70]) نقله الدماميني في «مصابيح الجامع» (6/ 298).
([71]) «عمدة القاري» (14/ 198).
([73]) «سير أعلام النبلاء» (4/ 36).
([74]) وانظر في تفصيل مكفرات الذنوب رسالة علمية بعنوان: «موانع لحوق الوعيد الأخروي» للدكتور عيسى السعدي.
([75]) «الأنوار لأعمال الأبرار» (3/ 270). ونقله الهيتمي في «الصواعق المحرقة» (2/ 639-640).
([76]) «بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية» (3/ 96).
([78]) «الطريقة المحمدية» (ص: 367).
([80]) «إحياء علوم الدين» (5/ 448).
([81]) «منهاج السنة» (4/ 569-570).
([82]) «الآداب الشرعية» (1/ 293).
([83]) «أحكام القرآن» (1/ 75).
([84]) «منهاج السنة» (4/ 569).
([85]) «الآداب الشرعية» (1/ 289).
([86]) «فتح الباري» (21/ 442-443).
([87]) نقله الهيتمي في «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (2/ 96). وانظر: «فيض القدير» للمناوي (1/ 53).
([88]) «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (5/ 74-75). وما نسبه لبعض الناس ذكره القرطبي المفسر في «الجامع لأحكام القرآن» (2/ 189) عن بعض العلماء وسكت عنه.
([89]) انظر: «إحياء علوم الدين» (5/ 449)، «منهاج السنة» (4/ 572-573).
([91]) «منهاج السنة» (4/ 570-571). وانظر: «مجموع الفتاوى» (4/ 486).
([92]) «شرح الهمزية» (ص: 519)، وهو في شرح الهمزية خالف ما قرره في «الصواعق المحرقة» من اعتماد كلام الغزالي.
([93]) «الزواجر عن اقتراف الكبائر» (2/ 96).
([94]) «ضوء المعالي لبدء الأمالي» (ص: 64).
([95]) المقصود بالتوقف في الرواية الأولى: الإمساك عن اللعن، لا التوقف الذي سببه تساوي دليلي القولين في القوة، وقد جاءت في النسخ المطبوعة من كتاب السنة: التوقّي بدل التوقف، وعليه فلا إشكال، وإن كان الذين نقلوا هذه الرواية كابن مفلح وابن عبد الهادي جاؤوا بلفظ التوقف.
([96]) «تحفة الوصول إلى علم الأصول» (ص: 177).
([97]) أخرجه الخلال في «السنة» (1/ 430).
([99]) نقله ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 288).
([101]) نقله ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 289).
([102]) نقلها من كتاب «المعتمد» للقاضي أبي يعلى: ابن الجوزي في «الرد على المتعصّب العنيد» (ص: 40)، وابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 290). وليست في مختصره المطبوع.
([103]) «منهاج السنة» (5/ 573)، ونقله مختصرًا ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/ 290). وانظر: «الصواعق المحرقة» (2/ 683).