الزيارة وشد الرحال .. بين أهل السنة والصوفية “الجزء الثاني”
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
القسم الثاني:
الأحاديث التي استدلوا بها على استحباب شد الرحال إلي قبر النبي ﷺ:
الحديث الأول:
ما رواه الدارقطني في سننه، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي»([1]).
استدل به السبكي في شفاء السقام، وعمر عبد الله كامل في الإنصاف، وقال: (وقد أُعل هذا الحديث بعلل لا يصح منها شيء) ([2]). والدكتور علي جمعة في البيان القويم ([3]).
وللجواب عن ذلك نقول:
هذا حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث منكر عند أئمة الحديث العارفين به، ولا تقوم بمثله الحجة البتة، بل حكم عليه الشيخ تقي الدين بأنه موضوع، ولا نعلم أحداً من الحفاظ المشهورين الذين عليهم المعول في هذا الفن أنه صححه، ولا اعتمد عليه أحد من الأئمة المحققين، وقد حكم عليه البيهقي بأنه منكر([4]).
قال ابن عبد الهادي: “وهذا الذي قاله البيهقي في هذا الحديث وحكم به عليه قول صحيح بَيِّنٌ، وحكم جلي واضح، ولا يشك فيه من له أدنى اشتغال بهذا الفن ولا يرده إلا جاهل بهذا العلم “([5]) ا.هـ.
وقد بين سبب اقتناعه بهذا الحكم بقول: ” وذلك أن تفرد مثل هذا العبدي أي موسى بن هلال العبدي المجهول الحال الذي لم يشتهر من أمره ما يوجب قبول أحاديثه وخبره عن عبدالله ابن عمر العمري المشهور بسوء الحفظ وشدة الغفلة عن نافع عن ابن عمر بهذا الخبر من بين سائر أصحاب نافع الحفاظ الثقات الأثبات مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وعبدالله بن عون وصالح بن كيسان وإسماعيل بن أمية القرشي وابن جريج والأوزاعي وموسى بن عقبة وابن أبي ذئب ومالك بن أنس والليث بن سعد وغيرهم من العالمين بحديثه الضابطين لرواياته المعتنين بأخباره، الملازمين له، من أقوى الحجج وأبين الأدلة وأوضح البراهين على ضعف ما تفرد به أي موسى بن هلال وإنكاره ورده وعدم قبوله، وهل يشك في هذا من شم رائحة الحديث أو كان عنده أدنى بصر به “([6]) ا.هـ. كلامه، فبان بذلك أن ابن عبد الهادي له موآخذات على هذا الحديث وكلها مقبولة:
الأولى: أنه من رواية موسى بن هلال وهو ضعيف لأنه مجهول.
الثانية: أنه من رواية عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف لسوء حفظه وشدة غفلته.
الثالثة: أن موسى بن هلال مع ضعفه وعبد الله بن عمر العمري مع ضعفه، فقد خالفا بذلك الثقات الأثبات الذين هم ألصق بنافع وأعلم برواياته عن ابن عمر رضي الله عنهما، وجميع الثقات العارفين بحديث نافع لم يرووا شيئاً من ذلك.
قال ابن عبد الهادي: ” هذا مع أن أعرف الناس بهذا الشأن في زمنه، وأثبتهم في نافع، وأعملهم بأخباره، وأضبطهم لحديثه، وأشدهم اعتناءً بما رواه مالك بن أنس إمام دار الهجرة قد نص على كراهية قول القائل – “زرت قبل النبي ﷺ”-، ولو كان هذا اللفظ معروفاً عنده أو مشروعاً أو مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه.
ولو كان هذا الحديث المذكور من أحاديث نافع التي رواها عن ابن عمر لم يخف على مالك الذي هو أعرف الناس بحديث نافع، ولرواه عن مالك بعض أصحابه الثقات، فلما لم يروه عنه ثقة يحتج به ويعتمد عليه، علم أنه ليس من حديثه، وأنه لا أصل له، بل هو مما أدخل بعض الضعفاء المغفلين في طريقه فرواه وحدث به”([7]).
الحديث الثاني:
“من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له شهيداً يوم القيامة”.
استدل به السبكي في شفاء السقام، وعمر عبد الله كامل، وعلي جمعة، ومحمد علوي المالكي في مفاهيم يجب أن تصحح ([8]).
وللجواب عن ذلك نقول:
هذا حديث ضعيف لا تقوم به حجة، قال عمر عبد الله كامل بعد ذكره لهذا الحديث: ” وأعل هذا الحديث بفضالة بن سعيد بن زميل المأربي، وبشيخة محمد يحيي بن قيس لمأربي.
قال: وخلاصة ما قيل في محمد بن يحي: هو قول الحافظ في التقريب “لين الحديث”
قال: فالحاصل مما تقدم: أن هذا الإسناد فيه راوٍ غاية ما فيه أنه مجهول، وتفرد بهذا الحديث، وآخر اختلف فيه”([9]).
فالحديث ضعيف بنص كلام من ساقه واستدل به فلا تقوم به حجة، بل وقال فيه الذهبي: “هذا موضوع على ابن جريج”([10]).
وقال ابن عبد الهادي: ” وهو حديث منكر جداً ليس بصحيح، ولا ثابت، بل هو حديث موضوع على ابن جريح، وقد وقع تصحيف في متنه وفي إسناده”([11]).
الحديث الثالث:
“من جاءني زائراً لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً على أن أكون له شفيعاً يوم القيامة”.
استدل به السبكي في شفاء السقام ([12]). ومحمد علوي المالكي في مفاهيم يجب أن تصحح ([13]).
وللجواب عن ذلك نقول:
هذا حديث ضعيف ضعفه أهل العلم قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى: “هذا الحديث ليس في ذكر زيارة القبر، ولا ذكر الزيارة بعد الموت، مع أنه حديث ضعيف الإسناد منكر المتن لا يصلح للاحتجاج به، ولا يجوز الاعتماد على مثله، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، ولا رواه الإمام أحمد في مسنده، ولا أحد من الأئمة المعتمد على ما أطلقوه في روايتهم، ولا صححه إمام يعتمد على تصحيحه.
وقد تفرد به هذا الشيخ الذي لم يعرف بنقل العلم ولم يشتهر بحمله ولم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبره وهو مسلمة بن سالم الجهني الذي لم يشتهر إلا برواية هذا الحديث المنكر، وحديث آخر موضوع، ذكره الطبراني بالإسناد المتقدم وإذا تفرد مثل هذا الشيخ المجهول الحال القليل الرواية بمثل هذين الحديثين المنكرين عن عبيد الله بن عمر أثبت آل عمر بن الخطاب في زمانه وأحفظهم من نافع عن سالم عن أبيه من بين سائر أصحاب عبيد الله الثقات المشهورين والأثبات المتقنين علم أنه شيخ لا يحل الاحتجاج بخبره ولا يجوز الاعتماد على روايته”([14]).
الحديث الرابع:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ([15]). رواه الدارقطني في سننه وغيرها ورواه غيره أيضاً، ثم ذكره من حديث أبي الربيع الزهراني عن حفص بن أبي داود، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي )) وفي لفظ (( من حج فزارني بعد وفاتي كان كمن زارني وصحبتي )) هكذا في هذه الرواية بزيادة صحبتي .هكذا قال السبكي في شفاء السقام في شفاء السقام في زيارة خير الأنام. واستدل به محمد علوي المالكي في مفاهيم يجب أن تصحح([16]).
وللجواب عن ذلك نقول:
هذا الحديث حديث منكر ساقط لا يحل ذكره إلا مع بيان ضعفه، بل وذكر بعض أهل العلم بالحديث بأنه من الأحاديث الموضوعة، وعلته حفص بن أبي داود، وهو حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي، وقد جرحه الأئمة وضعفوه وتركوه واتهمه بعضهم.
قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال مرة عنه: ليس بشيء، وقال عبد الله بن الإمام أحمد سمعت أبي يقول: حفص بن سليمان أبو عمر القاري متروك الحديث.
وقول الإمام أحمد عنه (القاري) هذه صفة؛ لأن حفص هذا كان مشهوراً بمعرفة القراءات ونقلها، وأما الحديث فإنه لم يكن من أهله ولا ممن يعتمد عليه في نقله.
وقال عنه البخاري:تركوه، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: قد فرغ منه من دهر، وقال عنه مسلم ابن الحجاج: متروك، وقال علي بن المديني: ضعيف الحديث وتركته على عمدٍ ، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال مرة: متروك الحديث، وقال صالح بن محمد البغدادي: لا يكتب حديثه وأحاديثه كلها مناكير، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا يكتب حديثه وهو ضعيف الحديث لا يصدق، متروك الحديث، وقال عبدالرحمن يوسف ابن خراش: كذاب متروك، يضع الحديث، وقال الحاكم: ذاهب الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وحيث كان مدار هذا الحديث فإنه حديث ضعيف شديد الضعف لا تقوم بمثله الحجة، قال البيهقي: تفرد به حفص وهو ضعيف([17]).
وقال الألباني في ضعيف الجامع: ” موضوع”([18]).
الحديث الخامس:
” مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي” رواه عدي في الكامل وغيره، هكذا قال السبكي في شفاء السقام في زيارة خير الأنام ([19]).
وللجواب عن ذلك نقول:
هذا حديث موضوع وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: ” قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: ” النُّعْمَان يَأْتِي عَن الثقاة بالطامات”([20]).
قال ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى: ” واعلم أن هذا الحديث المذكور منكر جداً لا أصل له، بل هو من المكذوبات والموضوعات، وهو كذب موضوع على مالكٍ مختلقٍ عليه، لم يحدث به قط ولم يروه إلا من جمع الغرائب والمناكير والموضوعات، ولقد أصاب الشيخ أبو الفرج الجوزي في ذكره في الموضوعات “([21]) ا.هـ.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية: ” قَوْلُهُ: {مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي} فَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ؛ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ جَفَاءَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَبَائِرِ؛ بَلْ هُوَ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ؛ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا”([22]).
الحديث السادس:
حديث: ” من زار قبري أو من زارني كنت له شفيعاً أو شهيداً “، استدل به السبكي في شفاء السقام ([23]).
وحديث: “من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة”، رواه أبو جعفر العقيلي وغيره من رواية سوار بن ميمون على وجه آخر غير ما سبق، استدل به السبكي في شفاء السقام ([24]).
وحديث: ” من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة “، استدل به السبكي في شفاء السقام، وعمر كامل في الإنصاف ص (432).
وللجواب عن ذلك نقول:
هذه الأحاديث ساقطة الإسناد كما ذكر ذلك ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى فقال: “هذا الحديث ليس بصحيح لانقطاعه وجهالة إسناده واضطرابه، ولأجل اختلاف الرواة في إسناده واضطرابهم جعله المعترض أي السبكي ثلاثة أحاديث، وهو حديث واحد ساقط الإسناد لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله، وقد أخرجه البيهقي في كتاب شعب الإيمان، وفي كتاب السنن الكبير وقال بعده: ” هذا إسناد مجهول “.
ومدار هذه الأحاديث على رجل يقال له هارون أبو قزعة وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث الضعيف، ولم يشتهر من حاله ما يوجب قبول خبره.
وكذلك في إسناده رجل مبهم لا يعرف وهو رجل من آل عمر، ولا ندري من هذا الرجل، إلى أن قال أي ابن عبد الهادي-: ومثل هذا لا يحتج به أحد ذاق طعم الحديث أو عقل شيئاً منه “.
وفي إسناده أيضاً سوار بن ميمون وهو شيخ مجهول الحال قليل الرواية، فهذه الأحاديث إسنادها ساقط لا يجوز الاحتجاج بمثلها ولا الاعتماد عليها للجهالة والاضطراب والانقطاع”([25]).
وقال عنه الذهبي: “هارون بن قزعة المدني عن رجل في زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال البخاري: لا يتابع عليه”([26]).
وذكر ابن عدي كلام البخاري عن هارون بن قزعة السابق ولم يعلق عليه، مما يفيد أنه ارتضى هذا الحكم([27]).
الحديث السابع:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «يَفْعَلُهُ»([28]).
قال عمر عبد الله كامل: ” وقد ثبت أن النبي شد الرحال لمسجد رابع هو مسجد قباء ([29]). قال: ولذا قال الحافظ:” وفيه أن النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التحريم”([30]).
وللجواب عن ذلك نقول:
قدِ احْتَجَّ أَبوْ مُحَمَّدٍ المقدِسِيُّ([31]) عَلى جَوَازِ السَّفرِ لِزِيارَةِ القبورِ، بأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَزُوْرُ مَسْجِدَ قباء، وَلا وَجْهَ لاسْتِدْلال ِأَبي محمَّدٍ بهِ، فإنَّ زِيَارَة َمَسْجِدِ قباءَ لأَهْل ِ المدِيْنةِ، خَالِيَة ٌ مِنْ شَدِّ الرِّحَال ِ لِقرْبه . وَهِيَ مُسْتَحَبَّة ٌ مَسْنُوْنة ٌ لهمْ، اقتِدَاءًا بفِعْل ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقدْ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيْهِ –لِقرْبهِ مَاشِيًا وَرَاكِبًا. بَلْ قالَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: “كنّا نصَلي العَصْرَ، ثمَّ يَذْهَبُ الذّاهِبُ مِنّا إلىَ قباءَ، فيَأْتِيْهمْ وَالشَّمْسُ مُرْتفِعَة ([32])“، وَمَحَلُّ النِّزَاعِ في شَدِّ الرَّحْل ِ لِزِيَارَةِ مَسْجِدٍ غيْرِ المسَاجِدِ الثلاثة ([33]).
قال شيخ الإسلام بن تيمية: ” وَأَمّا السَّفرُ إلىَ بُقعَةٍ غيْرَ المسَاجِدِ الثلاثةِ: فلمْ يُوْجِبْ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاءِ السَّفرَ إليْهِ إذا نذَرَهُ، حَتَّى نصَّ العُلمَاءُ عَلى أَنهُ لا يُسَافرُ إلىَ مَسْجِدِ قباءَ، لأَنهُ ليْسَ مِنَ المسَاجِدِ الثلاثةِ.
مَعَ أَنّ مَسْجِدَ قباءَ يُسْتحَبُّ زِيارَتهُ لِمَنْ كانَ فِي المدِيْنَةِ ; لأَنَّ ذلِك َ ليْسَ بشَدِّ رَحْل ٍ كمَا فِي الحدِيْثِ الصَّحِيْحِ: «مَنْ تطهَّرَ فِي بَيْتهِ، ثمَّ أَتى مَسْجِدَ قباءَ، لا يرِيدُ إلا َّ الصَّلاة َ فِيْهِ، كانَ كعُمْرَة» ([34]).
قالوْا: وَلأَنَّ السَّفرَ إلىَ زِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبياءِ وَالصّالِحِيْنَ بدْعَة ٌ، لمْ يَفعَلهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابةِ وَلا التّابعِيْنَ، وَلا أَمَرَ بهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا اسْتَحَبَّ ذلِك أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ المسْلِمِيْن.
فمَن اعْتَقدَ ذلِك َ عِبَادَة ً وَفعَلهُ: فهُوَ مُخالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلإجْمَاعِ الأَئِمَّة.
وَهَذَا مِمَّا ذكرَهُ أَبوْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ بَطة َ فِي «الإبانةِ الصُّغْرَى» (ص 89) مِنَ البدَعِ المخالِفةِ لِلسُّنَّةِ وَالإجْمَاع.
وَبهَذَا يَظهَرُ بُطلانُ حُجَّةِ أَبي مُحَمَّدٍ المقدِسِيِّ، لأَنَّ زِيَارَة َ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَسْجِدِ قباءَ، لمْ تَكنْ بشَدِّ رَحْل ٍ، وَهُوَ يُسَلمُ لهُمْ أَنَّ السَّفرَ إليْهِ لا يَجِبُ بالنذْر”([35]).
الحديث الثامن:
قصة الأعرابي، وقصة العتبي:
روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبدالله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي حدثنا محمد بن الهيثم الطائي حدثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ( قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى نفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثى على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}. وقد ظلمت نفسي وجئتك لتستغفر لي فنودي من القبر أنه غفر لك). وأنشد بيتين هما:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ فِي التُّرْبِ أَعْظُمُهُ … فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْأَبْقَاعُ، وَالْأَكَمُ
نَفْس الْفِدَاءُ بقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ … فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ ([36])
استدل بها تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام وأوردها الحافظ بن عبد الهادي في الصارم المنكي، واستدل به عمر عبد الله كامل في الإنصاف([37]).
والجواب عن هذا الدليل نقول: –
أولاً: هذا الأثر غير صحيح فلا تقوم به حجة، وقد ضعفه عدد كبير من أهل العلم، وفيه اضطراب بين فتارة يروون هذه القصة عن علي …. وتارة عن العتبي الذي كلفه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام أن يلحق بالأعرابي ويبشره بالمغفرة، وتارة أخرى يقولون إن محمد بن حرب الهلالي هو الذي رأى الأعرابي وهو الذي رأى الرسول في المنام وكلفه أن يبشر الأعرابي بالمغفرة. وطوراً يقولون بل الحسن الزعفراني هو الذي رأى الأعرابي ورأى المنام([38]) …” ثم اضطراب في اسم محمد بن حرب الهلالي فتارة يقولون هو محمد بن حرب الهلالي وتارة يذكره الزبيدى في كتابه شرح أحياء علوم الدين أنه محمد بن كعب الهلالي. ثم إن الهلالي تأخر والله أعلم في الوفاة عن شيخه الزعفراني الذي توفى سنة 249 فكيف يمكنه الرواية عن الأعرابي الذي يعزون زمن قصته إلى ثلاثة أيام خلت بعد دفن رسول الله -ﷺ-…!!!؟؟”([39]).
قال ابن عبد الهادي رحمه الله: “هذه الحكاية التي ذكرها السبكي، بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد!!! وبعضهم يرويها عن محمد حرب الهلالي عن الأعرابي، بعضهم يرويها عن محمد ابن حرب عن الحسن الزعفراني عن الأعرابي. وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي – ويرويها بنحو ما تقدم …. – وقد وضع لها بعض الذابين إسناداً إلى على بن أبي طالب رضي الله عنه … وفي الجملة ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي … مما تقوم به حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق”([40]).
وقال الشيخ محمد نسيب الرفاعي: “ليس لرواية حديث العتبي أي سند يستأنس به للحكم بصحة الرواية أو اعتلالها.. و لكن رأينا بصيصاً من الضوء على ذلك، وهو: إنه وإن كان العقد منفرطاً إلى العتبي ..و غير معروف من رواه عنه ، إنما نكتفي بالاستدلال على كذب الحديث .. أو على الأقل على علة الانقطاع فيه أن العتبي الذي يروى هذه الرواية عن الأعرابي كشاهد عيان!!! أن بينه وبين الأعرابي انقطاعاً يربو على مائتي سنة تقريباً “([41]).
وقال الألباني بعد أن ساق هذه القصة في السلسلة الصحيحة بسندها: وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد، أورده الذهبي في “المقتنى في سرد الكنى” (2 / 155) ولم يسمه، وأشار إلى ألا يعرف بقوله: “حكى شيئاً “، وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية. وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية! وقد ذكرها مع الأسف الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ…}، وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة، مثل الشيخ الصابوني، فذكرها برمتها في ” مختصره “! (1 / 410) وفيها زيادة في آخرها:” ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: يا عتبي! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له “، وهي في ” ابن كثير ” غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على ” العتبي “، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي.
وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل ([42])“.
ثانياً: وعلى فرض صحة الروايات … وأنها قصة واقعة فأي احتجاج ينهض من عمل هذا الأعرابي المجهول؟ ومتى كان الأعرابي يؤخذ عنهم العلم؟ اللهم إلا إذ كان الأعرابي صحابياً، فعلى الرأس فالأعرابي الصحابي نأخذ عنه ولو كان مجهول الاسم، فهذا لا يضر الصحابي في شيء … وأروني صحابياً واحداً ثبت أنه فعل فِعْل ذلك الأعرابي المزعوم ([43]).
ثالثاً: أما قولهم روها ابن كثير وابن قدامة وغيرهم فنقول: “ابن كثير هنا لم يروها ولم يستحسنها، بل نقلها كما نقل بعض الإسرائيليات في تفسيره، وهي حكاية باطلة، وقصة واهية كما بينا.
والعلماء الذين أوردوا هذه القصة، منهم من أتى بها مسندة غير محتجين بها، يرون أنهم بذلك قد برئت ذمتهم، بإسنادهم إياها، ومن هؤلاء البيهقي، وابن الجوزي.
ومنهم من أوردها لشهرتها بلا إسناد غير محتجين بها، وأحالوا على من أسندها، مثل ابن كثير.
ومنهم من أتى بها بلا إسناد ولم يحيلوا، ولكنهم وصفوها بــــ” يُروى” وهي للتضعيف مثل ابن قدامة ([44]).
رابعاً: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول حكاه حاك مستحسنا له، والله سبحانه يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}.
قال الإمام أحمد: عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. رواه عن أحمد الفضل بن زياد، وأبو طالب، ولعله في كتاب “طاعة الرسول ﷺ -” لأحمد رحمه الله.
فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر، كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبي الضعيفة المنكرة([45]).
الحديث التاسع:
عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: أَقْبَلَ مَرْوَانُ يَوْمًا فَوَجَدَ رَجُلًا وَاضِعًا وَجْهَهُ عَلَى الْقَبْرِ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا تَصْنَعُ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ: نَعَمْ، جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ آتِ الْحَجَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “لَا تَبْكُوا عَلَى الدِّينِ إِذَا وَلِيَهُ أَهْلُهُ، وَلَكِنْ ابْكُوا عَلَيْهِ إِذَا وَلِيَهُ غَيْرُ أَهْلِهِ”([46]). استدل به عمر كامل في الإنصاف([47]).
للجواب عن هذا الدليل نقول: –
أولًا: قصة منكرة ضعيفة جداً ([48])، ففي سندها داود بن أبي صالح وهو مجهول، أما قول الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه”، و وافقه الذهبي (المستدرك 4/515)، فهو من أوهامهما، فإن فيه داود بن أبي صالح وقد قال عنه الذهبي نفسه في الميزان “حجازي لا يعرف”، ووافقه الحافظ في التهذيب ([49])، فأنى له الصحة؟
زد على ذلك الاختلاف حول كثير بن زيد نفسه فقد قال الحافظ فيه: “صدوق يخطئ”، وضعفه النسائي، وقال ابن معين: ” ليس بذاك “([50]). وفيه حاتم بن اسماعيل. قال الطبراني في المعجم الأوسط «تفرد به حاتم»([51]).
ثانيًا: الحديث مع ضعفه فيه إشكال كبير يبطل الاستدلال به إذ: كيف يجعل أبو أيوب رأسه على القبر وقد كان القبر مسنمًا كما عند البخاري معلقا (1390) مسوى بالأرض غير مرتفع: إذ لو فعل أبو أيوب لاضطر أن يصير على هيئة الساجد.
وهل يقول عاقل أن الصحابة كانوا يسجدون لقبر النبي؟ وكيف يتوقع ارتفاع قبر النبي وقد نهى أن يبنى على القبر وبعث عليًا أن لا يدع قبرًا مرتفعًا إلا سواه بالأرض كما عند مسلم ([52]). فهذا دليل على بطلان هذه القصة من أصلها([53]).
الحديث العاشر:
عَنْ صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ، قَالَ: انْطَلَقْنَا حَاجِّينَ، فَإِذَا رَجُلٌ، فَقَالَ لَنَا: إِلَى جَنْبِكُمْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا الأُبُلَّة؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ يَضْمَنُ لِي مِنْكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ لِي فِي مَسْجِدِ الْعَشَّارِ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعًا، وَيَقُولَ: هَذِهِ لأَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ الْعَشَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَدَاءَ، لاَ يَقُومُ مَعَ شُهَدَاءِ بَدْرٍ غَيْرُهُمْ.”([54]).
استدل به محمد علوي المالكي على جواز التبرك والزيارة، فقال: “قال العلامة الشيخ أحمد السهارنفوري في كتابه بذل المجهود: وفي الحديث دلالة على أن الطاعات البدنية توصل إلى الغير أجرها، وأن مآثر الأولياء والمقربين تزار ويتقرب بها”.([55])
وللجواب عن ذلك نقول:
هذا حديث منكر لا تقوم به حجة عند أهل العلم، قال السيوطي في جامع الأحاديث: “إن الله يبعث من مسجد العشار شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم (أبو داود، والعقيلى، والدارقطنى فى الأفراد وضعفه، والبيهقى فى شعب الإيمان عن أبى هريرة. قال العقيلى: هذا الحديث غير محفوظ. وقال البخارى: لا يتابع إبراهيم بن صالح عليه)”([56]).
وقال ابن عدي، عن هذا الحديث: ” فيه خالد بن عمرو، وخالد بن عمرو هذا له غير ما ذكرت من الحديث عن من يحدث عنهم، وكلها أو عامتها موضوعة وهو بين الأمر في الضعفاء “([57]). فالحديث ضعيف عند أهل العلم، لا تقوم به حجة.
الحديث الحادي عشر:
قولهم: إن بلالاً رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال، فأنتبه حزناً وجلاً خائفاً فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمزغ وجه عليه، فأقبل الحسن والحسن فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ففعل، فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازداد رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله خرجن العوائق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله، فلما رؤي يوماً أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم، استدل به السبكي في شفاء السقام وقال: كذا ذكره ابن عساكر في ترجمة بلال([58]).
وللرد عليهم نقول:
أولًا: قال ابن عبد الهادي: “هذا الأثر غريب منكر، وإسناده مجهول وفيه انقطاع، وقد انفرد به محمد بن الفيض الغساني، عن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال عن أبيه، عن جده، وإبراهيم بن محمد هذا شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة، بل هو مجهول غير معروف بالنقل ولا مشهور بالرواية، ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض روى عنه هذا الأثر المنكر.
ولما ذكره الحاكم أبو أحمد في الكنى قال: ” كناه لنا أبو الحسن محمد بن الفيض الغسائي الدمشقي، وأخبرنا عنه بحديث ولم يذكره”، وأشار إلى هذا الخبر الذي رواه (بكماله) من طريقة في غير الكنى، وروى بعضه في الكنى في ترجمة أبي رويحة، وقد (رحل) أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومحمد بن مسلم بن وارة ويعقوب بن سفيان الفسوي وغيرهم من الحفاظ إلى دمشق، وكان هذا الشيخ موجودًا في ذلك الوقت ولم يرو عنه أحد منهم، وهو من ولد أبي الدرداء.
فلو كان من أهل الحديث أو كان عنده علم، أو له رواية لرووا عنه وسمعوا منه، وقد كان أبو حاتم الرازي من أحرص الناس على لقاء الشيوخ، كما ذكر ذلك عن نفسه.
ونحن نطالب هذا المعترض (السبكي) الذي يتكلم بلا علم، فنقول له: لم قلت أن هذا الأثر الذي تفرد به إبراهيم بن محمد إسناده جيد؟ ومن قال هذا قبلك؟ ومن وثق إبراهيم بن محمد هذا، أو احتج بروايته، أو أثنى عليه من أهل العلم والحديث؟
والمجتمع بالحديث عليه أن يبين صحة إسناده ودلالته على مطلوبة، وأنت لم تذكر في إبراهيم المتفرد بهذا الخبر شيئًا يقتضي الاحتجاج بروايته والرجوع إلى قبول خبره، فقولك فيما تفرد به ولم يتابع عليه “إن إسناده جيد” دعوى مجردة مقابلة بالمنع والرد وعدم القبول والله أعلم.
والحاصل أن مثل هذا الإسناد لا يصلح الاعتماد عليه ولا يرجع عند التنازع إليه عند أحد من أئمة هذا الشأن، مع أن المعترض لم يذكر شيئًا في محل النزاع أمثل منه ولا أعتمد على شيء في المسألة أقرب منه، ولهذا زعم أنه نص في الباب، وهو مع هذا ليس بثابت ولا صحيح، ولو كان ثابتًا لم يكن فيه حجة على محل النزاع فإن الذي فيه أن بلالا ركب راحلته وقصد المدينة، وقاصد المدينة قد يقصد المسجد وحده وقد يقصد القبر وحده، وقد يقصدهما جميعًا، وليس في الخبر أنه قصد مجرد القبر ([59]).
ثانيًا: قال الألباني: قلت: فهذه الرواية باطلة موضوعة ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة أهمها:
- قوله: “فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجهل يبكي عنده”، فإنه يصور لنا أن قبره صلى الله عليه وسلم كان ظاهرا كسائر القبور التي في المقابر يمكن لكل أحد أن يأتيه وهذا باطل بداهة عند كل من يعرف تاريخ دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها وبيتها الذي لا يجوز لأحد أن يدخله إلا بإذن منها…
- قوله: “ويمرغ وجهه عليه”، قلت -لألباني-: وهذا دليل آخر على وضع هذه القصة وجهل واضعها فإنه يصور لنا بلالاً رضي الله عنه من أولئك الجهلة الذين لا يقفون عند حدود الشرع إذا رأوا القبور فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات والوثنيات كتلمس القبر والتمسح به وتقبيله وغير ذلك مما هو مذكور في محله.
- قوله: “خرج العواتق من خدورهن…” الخ كلام شعري خيالي ظاهر الوضع وإلا فما علاقة خروجهن بسماعهن الشهادة الأخرى وقولهن: “أبعث رسول الله ﷺ”، من أجل ذلك جزم الحافظ ابن حجر بأن هذه القصة موضوعة ([60])“.
ثالثًا: ومما يدل على ضعف هذا الحديث أيضًا، ما ذكره أبو محمد بن حزم في المحلي حيث قال: ” وقد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل: أن بلال رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا مرة واحدة بالشام ولم يتم أذانه فيها “([61]).
الحديث الثاني عشر:
الطعن في دلالة حديث: “لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ ([62])” بالطعون الآتية:
أولاً: قالوا: يحمل المعنى في حديث شد الرحال على نفي الاستحباب أو الاعتكاف. قال ذلك عمر عبد الله كامل كما في الإنصاف ([63])، والدكتور علي جمعة كما في البيان القويم([64]).
ثانياً: أو قالوا: أن الحديث لا يتناول النهي عن السفر لزيارة المقابر.
ثالثاً: أو يحمل على الوفاء بالنذر في غير المساجد الثلاثة، وممن حمل الحديث على هذا المعني بن بطال رحمه الله، ونقله عنه الحافظ في فتح الباري ([65]).
وللرد عليهم نقول:
أولاً: حملهم قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ » بأن ذلك محمول على نفى الاستحباب.
الجواب: قولهم يجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن هذا تسليم منهم أن هذا السفر ليس بعمل صالح، ولا قربة، ولا طاعة، ولا هو من الحسنات فإنّ مَن اعتقد أن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع ، وإذا سافر لاعتقاد أن ذلك طاعة كان ذلك محرمًا بإجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة ، ومعلوم أن أحدًا لا يسافر إليها إلا لذلك([66]).
الوجه الثاني: أن هذا الحديث يقتضى النهى والنهى يقتضى التحريم وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة لم يرْوِ أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحتجّ أحد من الأئمة بشيء منها ([67]).
ثانياً: قولهم إن حديث ” لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ”، لم يتناول النهي عن السفر لزيارة المقابر، كما لم يتناول النهي عن السفر إلى الأمكنة التي فيها الوالدان، والعلماء والمشايخ، والإخوان، أو بعض المقاصد، من الأمور الدنيوية المباحة.
وللجواب عن ذلك نقول: المسافر إلى طلب العلم أو التجارة أو زيارة قريبه ليس مقصودة مكانًا معينًا إلا بالعرَض إذا عرف أن مقصودة فيه، -فهو لا يقصد المكان لذاته، بل يقصده لأن حاجته فيه-؛ فالسفر إلى مثل هذا لم يدخل في الحديث باتفاق العلماء وإنما دخل فيه من يسافر لمكان معين لفضيلة ذلك بعينه([68]).
ثالثاً: قولهم أن الحديث يحمل على الاعتكاف أو النذر.
نقول هذا تحكم لا دليل عليه وحمل لمعنى بدون قرينة تدل عليه ولذلك قال الحافظ على هذا القول: ” لم أرى دليلاً عليه” ([69]).
أما بالنسبة لتقيد الحديث بالنذر فالنص عام يشمل النذر وغيره والشخص ممنوع من شد الرحال لزيارة القبور سواء كان متطوعاً أو ناذراً.
ثالثاً: دعوى الإجماع:
من الأدلة التي استدلوا بها علة جواز شد الرحال إلى القبور والأضرحة، دعوى الإجماع، قال الدكتور علي جمعة :” وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفاً وخلفاً على مشروعية زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم” ([70]) واستدل بها أيضاً السبكي في شفاء السقام([71]).
وللرد على هذه الدعوى نقول:
دعوى الإجماع على جواز شد الرحال ليس لهم فيها نصيب؛ لأنّ الخلاف فيها مشهور معروف بين السّلف والخلف؛ فممّن لم يجوّز شدّ الرّحل والسّفر إلى غير المساجد الثّلاثة من الصّحابة: أبو هريرة وبصرة الغفاريّ، وممّن كره زيارة القبور من التّابعين ومَن بعدهم: محمد بن سيرين، وإبراهيم النّخعيّ، والشّعبيّ، ومالك بن أنس ـ إلَّا أنّه نُقِلَ عنه الرّخصة في زيارتها ـ .
فإن قلتَ: إنّ التّابعين الذين كرهوا زيارة القبور لم يكرهوا زيارة قبر النّبيّ ﷺ.
فالجواب: الذين نقلوا عنهم كراهة ذلك لم يذكروا استثناء؛ فعُلِمَ أن ترك الاستثناء يفيد كراهة العموم.
وأما الإمام مالك بن أنس؛ فقد نقل عنه صاحب «المبسوط» كراهة الزيارة مطلقًا ـ كما بيّنه الحافظ ابن عبد الهادي ـ
وممّن نُقل عنه كراهة شدّ الرّحل والسّفر إلى زيارة القبور من غير استثناء من المتأخّرين: ابن الجوينيّ، والقاضي حسين، وطائفة، كما ذكره الغزاليّ في «الإحياء»، والنّوويّ في «شرح مسلم»، وشيخ الإسلام ومَن وافقه من أهل زمانه ـ . فإذا تبيّن لك هذا؛ علمتَ أنّ المسألة ذات خلاف قديمًا وحديثًا، وأنّها ليست من الإجماع في شيء، ودعوى السّبكيّ والدكتور علي جمعة أنّها من المسائل المجمع عليها في غاية السّقوط والبعد بما بيّنّاه ([72]).
والذي يؤكد هذا أيضاً أن السبكي نفسه قد نقل الخلاف في زيارة القبور، وقبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم داخل بالعموم، وقد صرّح به مالك ـ كما تقدّم ـ، ولكن اتّباع الهوى يحمل الإنسان على إنكار الحقّ! فنعوذ بالله من اتّباع الهوى.
وقد نقل صاحب «المبسوط» عن مالك قال: «أكره أن يقول الرجل: زرنا قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم».
ومن المعلوم أنّ مالكًا من أجلَّاء علماء المدينة، وقبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ فلو كانت هذه التّسمية سائغة ذائعة عند السّلف؛ ما أنكرها مالك؛ فدلّ قول مالك أنّ أهل المدينة لم يعرفوا لفظة زيارة القبر الشّريف؛ وإلَّا لو كانوا يعرفونها لما جاز لمالك كراهتها.
فإن قلتَ: إنّما كره مالك لفظة: «زرنا قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم» لما فيها من التّحقير؛ فالأولى أن يقولوا: حججنا وقصدنا قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد أوَّل [ما قاله] مالك بهذا التأويل خلقٌ من أتباعه.
فالجواب: أنّ مالكًا أجلّ وأعظم قدرًا من أن يتنزّل إلى مثل هذا؛ لأنّ مثل هذا القول لا يصدر إلّا عن رجل جاهل بالكتاب والسُّنّة ولغة العرب، وحاشا أن يكون مالك جاهلًا بلغة قومه ([73]).
وأما قول السبكي وكذا علي جمعة: «فإنّ النّاس لم يزالوا في كلّ عام إذا قضوا الحجّ يتوجّهون إلى زيارته صلى الله عليه وسلم» ([74]).
أقول: هذا الذي ذكره مَن توجّه النّاس في كلّ عام بعد قضاء الحجّ صحيح، ولكن مِن أين لهم علم سرائرهم وأنّهم ما يتوجّهون إلَّا للزّيارة المُجرّدة عن كلّ قصد سواها ـ
كالصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم ـ؟! فإن قال: إنّ النّاس يقصدون بتوجّههم هذا الزيارة مع الصّلاة في مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد وافق القول الصحيح ولا نزاع حينئذ؛ فنحن أيضاً نقول بذلك.
وإن قال: لا يتوجّهون إلَّا لقصد الزّيارة ليس إلَّا؛ فقد خالف بقوله هذا ما عليه المسلمون، وجنى عليهم جنابة عظيمة بتحكّمه على مقاصدهم ونيّاتهم التي لا يعلمها إلَّا خالقهم، والحال أنّ أفعالهم في المدينة تبيّن لكلّ أحد مقاصدهم؛ فإنّهم إذا شدُّوا الرّحل وسافروا إلى المدينة المنوّرة أتوا مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصلُّوا فيه، ثم انثنوا بعد ذلك إلى زيارة القبر المعظم، وكذا قبر أبي بكر وعمر، وهذا الذي يقوله شيخ الإسلام وعامّة المسلمين، ومَن تأمّل حال النّاس اليوم وقبل اليوم؛ عَلِمَ يقينًا أنّهم لا يفعلون غير ما وصفنا،سواء في ذلك العالم منهم والجاهل من غير فرق([75]).
رابعاً: الأدلة العقلية – دعوى القياس-:
استدل الصوفية على جواز شد الرحال إلى القبور والأضرحة بأدلة عقلية، أو يكمن أن نسميه: “دعوى القياس”، ومنها:
الدليل الأول:
قياس شد الرحال إلى المشاهد والقبور على السفر لطلب العلم، وصلة الأرحام وزيارة الأخوة في الله، والتجارة ([76]).
وللرد على ذلك نقول:
أولاً: أن الفرق واضح بين الصورتين فمن يسافر لطلب العلم والتجارة وزيارة الإخوان لم يسافر لخصوصية في المكان الذي يسافر إليه بل لغرض وحاجة حيث لم يدع المسافر أن المكان مفضل، ولم يدع حصول بركة معينة أو غير ذلك بل المسافر للتجارة لو كان له ربح في مكان أخر لذهب إليه.
ثانياً: أن المسافر لقصد المشاهد والقبور يسافر لتعلقه بخصوص المكان لاعتقاد الفضيلة فيه أو التماس البركة في الحلول به أو اعتقاد أفضلية فيه على غيره واعتقاد أن الدعاء فيه أجوب من غيرة، أو نيل الأجر والثواب بوجوده في هذا المكان، فهو يتعبد لله بهذا السفر، والمسافر للتجارة وطلب العلم وزيارة الإخوان لا تعلق له بالمكان، وهذا هو الفرق بين من سافر هنا ومن سافر هنا ([77]).
ثالثاً: أن هذا القياس مع الفارق حيث أن الفارق([78]) واضح بين السفرين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” قوله صلي الله عليه وسلم: ” لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ” يَتَنَاوَلُ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ إلَى كُلِّ بُقْعَةٍ مَقْصُودَةٍ؛ بِخِلَافِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَإِنَّ السَّفَرَ لِطَلَبِ تِلْكَ الْحَاجَةِ حَيْثُ كَانَتْ وَكَذَلِكَ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ الْأَخِ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ حَيْثُ كَانَ”([79]).
الدليل الثاني:
قالوا: «وإذا ثبت مشروعيّة الانتقال إلى قبر غيره؛ فقبره صلى الله عليه وسلم أولى». قاله السبكي في شفاء السقام ([80]).
وللرد على ذلك نقول:
هذه مُغالطة بيّنة؛ لأنّا نقول: الذي ثبت مشروعيته إنَّما هو زيارة القبور لتذكّر الآخرة، والدُّعاء والتّرحّم والسّلام على أهلها والاستغفار، من غير سفر ولا شدّ رحل؛ فإن جعلنا هذا الأصل وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم مقاسة على هذا الأصل؛ فلا يُشرع لها السّفر ولا شدّ رحل، كما أنّه لا يشرع ذلك للأصل والفرع تبعًا للأصل؛ فلا يكون الفرع مختصًّا بأشياء على أصله؛ وإلا لاختلّ القياس، والزيارة المُجرّدة عن شدّ الرّحل والسّفر، سواء كان زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره لا ينكرها أحد من أهل العلم؛ بل يستحبّها ويندب إليها ـ كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في غير كتاب من كتبه، ولكن منع شدّ الرّحل والسّفر إليها إذا كانت مجرّدة من غير قصد شيء آخر؛ اتباعًا لظاهر الحديث الصحيح المتقدّم، وموافقته لأئمة السلف، فالذي ينبغي لمن شدّ رحله وسافر إلى المدينة المنوّرة، على ساكنها أفضل صلاة وأزكى تحيّة، أن يقصد بسفره وشدّ رحله الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم إذا أتى إلى المسجد الشّريف صلَّى فيه، ثم انثنى لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه وقبور أهل البقيع وغيرهم([81]).
الدليل الثالث:
قياس زيارة الميّت على الحيّ استدل بهذا الدليل السبكي في شفاء السقام ([82]).
وللرد على ذلك نقول:
هذا قياس فاسد الاعتبار، والفرق بينهما ظاهر ببادئ الرأي؛ فشتان بين مَن يزور الحيّ لأخذ العلم والإيمان منه، ويفوز برؤيته، ويحظى بصحبته وسماع كلامه والجلوس بين يديه، وغير ذلك من المنافع والمصالح التي كانت تحصل للوافدين إليه صلى الله عليه وسلم.
وبين مَن يزور الميّت فلا يرى شيئًا من هذا كلّه؛ فمن ادّعى غير ذلك؛ فعليه بيانه بالنّقل والعقل، ونحن نعلم أنّ زيارة القبور لم تُشرَع إلَّا لتذكّر الآخرة والدُّعاء لأهلها والتّرحّم والسّلام عليهم، ليس إلَّا، ومَن ادّعى مشروعيّتها لغير ذلك؛ فعليه أن يثبت ما ادّعاه بالكتاب والسُّنّة وإجماع الأُمّة، وهذه الزّيارة لا تحتاج إلى سفر وشدّ رحل، وليست هذه الزّيارة مشروعة باتّفاق العلماء؛ بل منهم مَن استحبّها ـ وهم الأكثرون ـ إذا خلت عن شدّ رحل وسفر، ومنهم مَن كرهها مطلقًا، ومنهم مَن أباحها إذا عريت عمّا تقدّم([83])
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
[1] ) رواه الدارقطني في سننه، (2695)، وقال الألباني في الإرواء: ” حديث منكر”، (4/336).
[2] ) الإنصاف (ص:431)
[3] ) البيان القويم، (ص :73).
[4] ) انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص:21)، وإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني، ط: المكتب الإسلامي – بيروت ، (4/336).
[5] ) انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص:22).
[6] ) انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص:22).
[7] ) انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص:23).
[8] ) انظر شفاء السقام، والإنصاف ص (432) والبيان القويم ص (73)، ومفاهيم يجب أن تصحح، (ص:184)
[9] ) انظر الإنصاف فيما أثير حوله الخلاف، (ص:432).
[10] ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، ط: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، (3/349).
[11] ) الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص: 179).
[12] ) انظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام، تقي الدين السبكي، ط: لجنة التراث العربي- بيروت، (ص: 16).
[13] ) انظر: مفاهيم يجب أن تصحح (ص:183).
[14] ) الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص: 49).
[15] ) رواه الدارقطني في سننه، رقم (2693)، وقال الألباني في الإرواء (4/336): منكر” .
[16] ) انظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، (ص: 20) ، ومفاهيم يجب أن تصحح (ص:184).
[17] ) الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص: 63).
[18] ) ضعيف الجامع الصغير وزيادته، للألباني، رقم (5553).
[19] ) انظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، (ص: 27).
[20] ) الموضوعات ، لابن الجوزي ، ط: محمد عبد المحسن صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ، (2/217).
[21] ) الصارم المنكي في الرد على السبكي ، (ص: 87).
[22] ) مجموع الفتاوى لابن تيمية، (27/25).
[23] ) شفاء السقام، (ص:29).
[24] ) شفاء السقام، (ص:31).
[25] ) انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي، (ص: 96-99).
[26] ) ميزان الاعتدال للذهبي (4/285).
[27] ) انظر: الكامل في ضعفاء الرجال (7/2588).
[28] ) رواه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، بَابُ مَنْ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، رقم (1193).
[29] ) الإنصاف (ص:439)
[30] ) فتح الباري، لابن حجر، ط: دار المعرفة – بيروت، (3/69).
[31] ) «المغني» لابْن ِ قدَامَة (3/117-118).
[32] ) رواه البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، بَابُ وَقْتِ العَصْرِ، رقم (551) ، ومسلم ، كتاب المساجد ، بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ، رقم (621).
[33] ) مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور ، عبد العزيز بن فيصل الراجحي ، ط: دار الصميعي (ص:64).
[34] ) رواه بن ماجة ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ ، رقم (1412).
[35] ) الرد على الإخنائي ، (ص:30).
[36] ) انظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، (ص:65) و الصارم المنكي ص (508)
[37] ) انظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام ، (ص:65) ، والإنصاف ، (ص: 424).
[38] ) انظر: الصارم المنكي، (ص: 253).
[39] ) التوصل إلى حقيقة التوسل، محمد نسيب الرفاعي، (ص:257).
[40] ) الصارم المنكي ، (ص: 253).
[41] ) التوصل إلى حقيقة التوسل، محمد نسيب الرفاعي، (ص:255).
[42] ) السلسلة الصحيحة (6/1035)
[43] ) انظر: التوصل إلي حقيقة التوسل الشيخ: محمد نسيب الرفاعي ، (ص:259).
[44] ) بطلان قصتي الأعرابي والعتبي ، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله العميسان ، ط: مكتبة الأصالة للتراث ، (ص: 207).
[45] ) هذه مفاهيمنا: صالح آل الشيخ ص (76) وانظر بطلان قصة الأعرابي والعتبي : عبد الرحمن العميسان مكتبة االأصالة وهو بحث جيد ، استوفى الرد على من يستدل بهذه القصة من جميع الجوانب.
[46] ) رواه أحمد ، رقم (23585) ، والطبراني في الكبير رقم (3999) ، والأوسط رقم (286) ، وفيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره.
[47] ) الإنصاف (ص:425).
[48] ) انظر: توضيح العبارة في الرد على صاحب كتاب (رفع المنارة في أحاديث الزيارة)، عبد الغفار حميدة، (ص:80).
[49] ) أنظر: ميزان الاعتدال (2617) ، وتهذيب التهذيب (3/188).
[50] ) انظر: تهذيب التهذيب (8/414) ، مجمع الزوائد (5/245).
[51] ) انظر: المعجم الأوسط (1/94).
[52] ) رواه مسلم، كتاب الجنائز ، بَابُ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ الْقَبْرِ، رقم (969).
[53] ) موسوعة أهل السنة في نقد أصول فرقة الأحباش ، عبد الرحمن دمشقية ، (1/290).
[54] ) أخرجه أبو داود (4308) قال: حدَّثنا محمد بن المثنى، حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم، قال: سمعت أبي يقول، فذكره ، قال أبو داود: هذا المسجدُ مِمَّا يلي النَّهْرَ ، وضعفه الألباني في ضعيف السنن.
[55] ) انظر مفاهيم يجب أن تصحح ، (176)
[56] ) جامع الأحاديث (ويشتمل على جمع الجوامع للسيوطى والجامع الأزهر وكنوز الحقائق للمناوى، والفتح الكبير للنبهانى)، للسيوطي ، (8/223).
[57] ) انظر: الكامل في الضعفاء لابن عدي (3/32).
[58] ) شفاء السقام، (ص: 53).
[59] ) الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص:238).
[60] ) دفاع عن السنة المطهرة الألباني (1 /102)
[61] ) انظر: المحلي، لابن حزم، (3/152) ¸وسير أعلام النبلاء ، للذهبي ، ط: مؤسسة الرسالة، ( 1/ 358) , وانظر رد الألباني على البوطي ، (ص :94).
[62] ) متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، بَابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ ، رقم (1189) ، ومسلم ، كتاب الحج ، بَابُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ رقم (1397).
[63] ) الإنصاف ، (ص:439).
[64] ) البيان القويم ، (ص:75)
[65] ) انظر: فتح الباري ، (3/65).
[66] ) مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى ، حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، ط: دار ثقيف – الطائف- ، (1/345).
[67] ) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، (15/116).
[68] ) كشف شبهات الصوفية، شحاته صقر ، ط: دار الخلفاء ، (ص:146).
[69] ) فتح الباري (3/79)
[70] ) انظر البيان القويم ص (73)
[71] ) شفاء السقام، (ص: 102).
[72] ) انظر: الكَشْف المُبْدِي لتمويه أبي الحسن السُّبكيّ (ص: 86-87).
[73] ) الكَشْف المُبْدِي لتمويه أبي الحسن السُّبكيّ (ص: 86-87).
[74] ) شفاء السقام، (ص: 102).
[75] ) انظر: الكَشْف المُبْدِي لتمويه أبي الحسن السُّبكيّ تكملة «الصّارم المنكي» تأليف الشيخ: محمد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقيه، (ص:91).
[76] ) انظر الإنصاف ص (427) , والبيان القويم ص (74)
[77] ) انظر: السعي المشكور للتحذير من بدعة شد الرحال للمقبور، السيد عبد المقصود، ط: أضواء السلف، (ص: 97).
[78] ) انظر: “في شروط القياس”، معالم أصول الفقه عند أهل السنة، محمد حسين الجيزاني ، ط: دار بن الجوزي ، (ص: 193).
[79] ) مجموع الفتاوي (27/21)
[80] ) انظر: شفاء السقام، (ص:107).
[81] ) الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي ، (ص:81).
[82] ) شفاء السقام، (ص: 81-82).
[83] ) الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي، (ص:115).