التحقيق في عقيدة الموحدين من خلال رسائل ابن تومرت وآثاره
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بعد أن أنجزتُ الورقة البحثية المتعلّقة بالدّعاية الموحّدية ضدَّ دولة المرابطين السلفية ظهر لي إشكال متعلقٌ بحقيقة عقيدة ابن تومرت، حيث إننا نجد مؤرخين -أمثال عبد الواحد المراكشي- يقرّرون أنه مع أشعريته كان معتزليًّا في الصفات، وأنه كان مبطنًا للتشيع أيضًا، كما نجد من شبَّهه بالخوارج، وإذا رجعنا إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه نجدُه مختلفًا من مصدر لآخر، وفي آراء ابن تومرت ونصوصه ما ظاهرُه يدعَم هذه التصنيفات.
وإنّ هذا التضارب الذي لاح في آرائه ونصوصه والاختلافَ في تحديد مذهبه دفع ببعض المعاصرين إلى جعله صاحبَ مذهب مستقلٍّ، الأمر الذي وجد فيه بعض الأشعرية فرصةً للبراءة منه؛ سعيًا لإبعاد شناعة التكفير ونشر العقيدة الأشعرية بالسيف، وكنت أودّ طرح هذه القضية ضمن البحث المشار إليه، ولكني رأيتُ أنّ التحقيق في عقيدة ابن تومرت قد يطول، وسيجعل الدراسة تسير في اتجاهين متوازيين، وتحوي إشكالين متباينين، أحدهما: ركائز الدعاية الموحدية، والآخر: التحقيق في عقيدة الموحدين التي فُرِضت على الناس، فآثرت إفراد “التحقيق في عقيدة الموحدين من خلال رسائل ابن تومرت وآثاره” بورقة علميّة مفردَة.
فهو بحثٌ تحليلي توثيقي، يحوي دراسة تفصيلية لعقائده مقارنةً بالعقيدة الأشعرية، ويكون التركيز فيها على عقائد الجويني على وجه الخصوص، باعتبار أنّ ابن تومرت إنما تلقى الأشعرية عن تلاميذ الجوينيّ، وأتطرّق فيه لتهمة الخارجية بالبحث عن دواعيها، وتهمة التشيع وصلتها بدعواه العصمة والمهدويّة، وأُتبع كل ذلك بالنظر في موقف الأشعرية من ابن تومرت ومن أهمِّ آثاره وهي العقيدة المرشِدة، وإن من شأن هذا النظر التاريخي أن يخدم التحقيق المطلوب في عقيدة الموحدين. كلّ ذلك في المطالب الأربعة التالية، والله تعالى من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المطلب الأول: وجود الخالق والصفات الإلهية عند ابن تومرت:
اختلف الناس في عقيدة ابن تومرت في باب الصفات سواء القدماء أو المحدَثون، فمنهم من قال: إنه كان أشعريًّا صرفًا، وهذا قول أكثر الأشاعرة، ومنهم من قال: إنه كان أشعريًّا في أكثر المسائل، ووافق المعتزلة في نفي الصفات، وهذا ما قاله عبد الواحد المراكشي([1]). وأيده بعض المعاصرين فزعم أنه لا يُثبت إلا الأسماء([2])، وأيده آخرون في كون عقيدته انتقائية، وخالفه في كونه متبعًا للمعتزلة في كل باب الصفات([3])، واختلف فيه قول ابن تيمية، فقرر في موضع أن عقيدته تتضمن ما يشبه تقريرات المعتزلة، وذكر في مواضع موافقته للجهمية والفلاسفة، وذكر في موضع أنه من أتباع الجويني، وللتحقق من عقيدة ابن تومرت في الصفات وما ارتبط بها من مسائل نحاول قراءة نصوصه في هذا الباب قراءة متأنية، مقسِّمين إياها على وفق التقسيم المعهود في كتب الكلام:
الفرع أول: إثبات الخالق وحكم النظر وطرق المعرفة:
قبل الشروع في نقل كلام ابن تومرت في الصفات نبيّن منهجه في إثبات وجود الله تعالى وفي التدليل عليه، وموقفه من قضية أول واجب على المكلف.
أولا: طريق إثبات الخالق:
نصّ ابن تومرت على أن طريق معرفة التوحيد هو العقل لا غير، فلا يصحّ عنده أن يعلمَ التوحيد بالنقل ولو متواترًا([4]). وقد سلك في إثبات وجود الله تعالى ثلاثةَ مسالك كلها عنده عقلية.
المسلك الأول: دليل ضرورة العقل؛ حيث قال: “وهذه الضرورة مستقرة في نفوس العقلاء بأجمعهم، فقد استقر في نفوسهم أن الفعل لا بد له من فاعل، وأن الفاعل ليس في وجوده شكّ، ولذلك نبّه الله تبارك وتعالى في كتابه فقال: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] أخبر تعالى أن فاطر السماوات والأرض ليس في وجوده شكّ، وما انتفى عنه الشكّ وجب كونه معلومًا، فثبت بهذا أن الباري سبحانه يُعلم بضرورة العقل”([5]). وهذه الطريق يسميها أهل السنة: طريق الفطرة، وسماها بعضهم: طريق الضرورة الفطرية([6]).
وهذا الدليل لم يعتمده الأشعري ولا المتقدمون من أصحابه، وإنما اعتمده الجوينيّ الذي قال في الشامل: “أسدُّ الطرق عندي في المسألة ادِّعاء الضرورة، ومن لم يسلك هذا المسلك أولا اضطرته إليه الحاجة آخرا”. وكان قبل ذلك نسَب سلوكه لابن الجبائي وغيره من المعتزلة، وزعم أن الأشعري أشار إليه وأن الباقلاني “وإن يفصح به في شيء من كتبه إلا أنه ذكر ما يلجئ إليه ويدلّ عليه لا محالة “([7]).
والمسلك الثاني: دليل الحدوث، وعبر عنه بقوله: “وبحدوث نفسه يعلم الإنسان وجودَ خالقه؛ لعلمه أنه موجود بعد أن لم يكن”([8]). وهذا أشهر دليل يعتمده المتكلمون في إثبات وجود الله تعالى، وقد اعتمد هذا الدليل بهذه الصورة المختصَرة الأشعري في اللمع([9])، وهو دليل يمهِّد له المتكلمون بمقدمات فاسدة أعرض ابن تومرت عن ذكرها، وهذه المقدمات هي التي أوجبت على المعتزلة وغيرهم نفي الصفات الإلهية([10]).
والمسلك الثالث: دليل الإمكان، وعبر عنه بالفعل والحركة؛ حيث جعل كون العالم محلًّا للأفعال والحركات دليلًا على أن له خالقًا فقال: “وبالفعل الواحد يعلم وجود الباري سبحانه، وكذلك الثاني والثالث إلى ما لا ينحصر… كما يعلم بالحركة الواحدة لوجوب افتقارها إلى الفاعل واستحالة وجودها من غير فاعل، وما وجب للفعل الواحد من الافتقار للفاعل وجب لجميع الأفعال”([11])، ودليل الإمكان فحواه أنّ الممكن يحتاج إلى من يرجّح وجوده على انتفائه، وقد اعتمده الجويني في الرسالة النظامية([12])، وتبعه الغزالي في الاقتصاد([13]) لكن بطريقة أعقدَ من هذه التي سلك ابن تومرت، وهي طريقة في أصلها صحيحة، لكن اكتنف توظيفها عند المتكلمين مغالطاتٌ كثيرة ألزمتهم لوازم باطلة([14]).
ثانيا: أول واجب على المكلف:
إنّ من لوازم تقرير ابن تومرت أنّ معرفة الباري سبحانه تُعلم بالضرورة أن يخالف الأشعريةَ في مسألة أول واجب على المكلف، وقد اختلف الأشاعرة فيها على ثلاثة أقوال هي: المعرفة، أو النظر لحصول المعرفة، أو القصد إلى النظر([15])، كما يلزمه أن يخالفهم في وجوب النظر على عموم الأمة؛ لأن من حصلت له المعرفة ضرورة مستغن عن النظر، وهو ما قرره الجويني في بعض كتبه([16]) والغزالي في الاقتصاد والإحياء([17]).
وقد التزم ابن تومرت هذا اللازم في إحدى رسائله فقال: “فصلٌ في فضل التوحيد ووجوبه وأنه أول ما يجب تحصيله”، ثم استدل على ذلك بأحاديث نبوية منها قوله صلى الله عليه وسلم: «فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله»([18])، ثم قال: “ثبت أن العبادة لا تصحّ إلا بالإيمان والإخلاص، والإيمان والإخلاص بالعلم، والعلم بالطلب، والطلب بالإرادة، والإرادة بالرغبة والرهبة، والرغبة والرهبة بالوعد والوعيد، والوعد والوعيد بالشرع، والشرع بصدق الرسول، وصدق الرسول بظهور المعجزة، وظهور المعجزة بإذن الله تعالى”([19]). وأعاد الأمر نفسه في رسالة أخرى حيث جعل أول واجب على المسترشد([20]) عبادة الله تعالى، واستدل على ذلك بأدلة قرآنية منها قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وعاد فسلسل الواجبات بالطريقة نفسها وأطال في تقريرها([21])، وهذا التسلسل ربما أوهم رجوع قوله إلى مذاهب الأشاعرة إلا أنه سمى المعرفة علما، والنظر طلبا، والقصد إرادة، وليس ذلك صحيحًا؛ لأنه جعل ثبوت الشرع متقدّمًا عليها جميعًا، والمعجزة التي جعلها أخيرة لا تفتقر إلى نظر عنده، بل قال: إنه لا استطاعة للعبد في دفعها ولا اختيار له في ردها([22])، فدلالتها عنده ضرورية لا نظرية، كما أنه ردّ صراحة على من قال: أول الواجبات النظر أو الإقرار أو العلم أو الإرادة، ووصف أصحابها بأنه لا تحقيق لهم في هذا الباب، وسكت عن تسميتهم، ونصب الخلاف مع المعتزلة([23])، ولعله أصاب في تجاوز الأشعرية في النقاش؛ لأن هذه المسألة من بقايا الاعتزال في مذهبهم كما قال أبو جعفر السمناني([24]).
وأما قوله: “فأول ما يجب منها على المكلف العلم بالله سبحانه” الواردة في الرسالة الثانية فلا يفهم منه ضد ما قرره سابقا؛ لأن قوله: “أول ما يجب منها” يعني أول ما يجب من العبادات، فهو يقصد المعرفة التفصيلية لأسماء الله تعالى وصفاته التي توجب الرغبة والرهبة.
فإن قيل: ألم يستبح ابن تومرت دم العامة إلا من أعلن الإيمان بالعقائد التي فرضها؟([25]) ألم يقل اليسع بن حزم: إنه كفَّر العوام لجهلهم العرض والجوهر؟([26]).
قيل: هذا من تناقضاته التي أوجبها الهوى والتعصب، ولو كان اتبع الجويني والغزالي في ورعهما عن تكفير العامة وعن تكفير المخالفين لكان خيرًا له، ولعل وراء تخصيصه وجوب العبادة أولا على من سماه مسترشدا قصد إخراج العوام غير المنتمين لحزبه، والله أعلم.
ثالثا: إبطال دليل قياس الغائب على الشاهد:
من المعلوم أن الأشاعرة قد اعتمدوا في أصول الدين الأدلة عقلية، وهي أنواع كثيرة، أشهرها على الإطلاق: دليل قياس الغائب على الشاهد، الذي يقصدون به قياس صفات الله تعالى وأفعاله على الأمور المحسوسة، وقد وجدتُ في كلام ابن تومرت نصًّا يبطل فيه هذا الدليل فقال: “وبطل به قياس الغائب على الشاهد، إذ لا جامع بينهما؛ لأنّ كل واحد منهما مضادّ للآخر؛ لأن ذا يفعل وذا لا يفعل، وذا قديم وذا محدث، وذا مفتقر وذا غني، فإذا قيس أحدهما على الآخر بطَلت حقيقتهما جميعا، لأن القياس لا يصح إلا بين متماثلين”([27]). وهو في هذا تابع للجويني الذي باح بهذا المذهب في كتابه البرهان، وقال: “فأما بناء الغائب على الشاهد فلا أصل له، فإن التحكم به باطل وفاقا”. ثم أفاض في إبطاله، كما أبطل غيره من أدلة العقول المعتمدة عند الأشاعرة كإنتاج المقدمات النتائجَ والاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه([28]). ومذهب أهل السنة المحضة أن هذا القياس يجوز اعتماده، لكن من باب الأولى لا من باب المماثلة؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء([29]). وفي كلام ابن تومرت ما يدل على اعتماد هذا المعنى حيث قال في موضع: “فمثال الملك مثال الباري سبحانه، وله المثل الأعلى”([30]).
الفرع الثاني: موقف ابن تومرت الصفات الإلهية:
يقسّم الأشاعرة الصفات إلى صفات عقلية وخبرية، ثم يقسمون الصفات العقلية إلى ثبوتية وسلبية، والثبوتية تنقسم إلى نفسية ومعاني ومعنوية، ومما يتعلق بالصفات رؤية الله تعالى وطريق ثبوت الأسماء الحسنى، وبيان كل ذلك عند ابن تومرت فيما يأتي:
أولا: الصفة النفسية والصفات السلبية:
أثبت ابن تومرت وجود الخالق سبحانه وهو يتضمّن الصفة النفسية، وهي صفة الوجود الدالة على الذات دون معنى زائد عليها كما هو رأي متقدّمي الأشاعرة([31])، ثم انتقل للحديث عن الصفات السلبية، وهي: المخالَفة للحوادث، والقيام بالنفس، والقدم، والبقاء، والوحدانية.
فتحدث عن مخالَفة الحوادث في فصل ابتدأه بقوله: “فإذا علم أن الله خالق كلّ شيء علم أنه لا يشبه شيئا”([32]).
وتحدث عن القدم والبقاء والقيام بالنفس في فصل تالٍ للسابق حيث فرّع على نفي التشبيه أن وجود الخالق وجودٌ على الإطلاق، وصرح بإثبات الصفات الثلاث بقوله: “الأول من غير بداية، والآخر من غير نهاية، الظاهر من غير تحديد، والباطن من غير تخصيص”([33]). والمراد بنفي التحديد والتخصيص القيام بالنفس أو الغنى المقابل للافتقار.
وتحدّث عن الوحدانية في فصل رتّبه على السابق وقال: “فإذا علم وجوده على الإطلاق علم أنه ليس معه غيره في ملكه”([34]). وقد تعرّض لهذه الصفة في غير هذا الموضع وقال: “واستحالة كون غيره معه معلومة بضرورة العقل، ولما يؤدي إليه أيضا من التمانع”([35]).
وإنما جعل الأشاعرة هذه الصفات سلبية لأنها عندهم لا تتضمّن معاني في نفسها، ولكن الكمال يثبت بنفي ضدها، وهذا غير مسلَّم لهم؛ لأن هذه الصفات تدل عليها أسماء حسنى كالقدوس والغني والأول والآخر والأحد، وهي تدل على معان ثبوتية لله تعالى كاملة وبالغة في الحسن غايته، ومن لازم ثبوت معانيها نفي أضدادها، وهذا التصنيف لون من ألوان التعطيل عند الأشاعرة، كما أنهم أدخلوا في معنى مخالَفة الحوادث تنزيهَ الله تعالى عما توهَّموا فيه تشبيها من صفاته، وفسروا القيام بالنفس بعدم الافتقار إلى المحل والمخصّص([36])، فتذرعوا بنفي المحل إلى نفي علو الله تعالى على خلقه، وتذرعوا بنفي التخصيص إلى نفي الحكمة في أفعال الله تعالى.
ثانيا: صفات المعاني والصفات المعنوية:
من الصفات التي اتّفق الأشاعرة على إثباتها صفات المعاني وهي سبعُ صفات: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وهي صفات وجودية معناها واجب لله تعالى، واقتصر الأشعري عليها باعتبارها صفات دلَّ عليها العقل والنقل، هذا مع إثباته للصفات الخبرية التي دلَّ عليها النقل فقط، وقد تبعه الأشاعرة على ذلك، لكنّ المتأخرين منهم جعلوا هذه السبعة عقلية لا نقلية، ونفوا الصفات الخبرية.
وزاد الباقلاني على هذه الصفات صفات أخرى تُعتبر عللا لها، ولم يجزم بإثباتها، وهي الأحوال التي عُرِّفت بأنها صفة لموجود لا يتصف بوجود ولا عدم، وقد صرح الجويني في الشامل والإرشاد بإثباتها، ويُعبَّر عنها: بكونه سبحانه حيّا، وكونه عالما، وكونه قادرًا، وكونه مريدًا، وكونه سميعًا، وكونه بصيرًا، وكونه متكلمًا، وتبعه في إثباتها محمد بن يوسف السنوسي من المتأخرين؛ وبذلك تمَّ للأشعرية حصر الصفات الإلهية في عشرين صفة([37]). وخُصّت بعد ذلك الصفات السبع الأولى باسم صفات المعاني، وخُصّت عللها باسم الصفات المعنوية، وأما من لم يُثبت الأحوال فإنه لا يفرق بين المصطلحين. وقبل أن ننتقل إلى موقف ابن تومرت منها نذكِّر بأن ظاهر مذهب الجويني في لمع الأدلة والرسالة النظامية عدم إثبات الأحوال؛ إذ لم يتعرّض لها هناك.
وأما ابن تومرت فبعدما فرغ من ذكر الصفات السلبية انتقل إلى ذكر الصفات السبع فقال: “فإذا علم انفراده بوحدانيته على ما وجب له من عزته وجلاله علم استحالة النقائص عليه؛ لوجوب كون الخالق حيًّا عالما قادرًا مريدًا سميعًا بصيرًا متكلمًا”([38]).
وهذا التعبير يحتمل أحد أمرين:
الأول: أنه تساهل بالتعبير عن صفات المعاني بما يُعبَّر به عن الصفات المعنوية لكونه لا يثبت الأحوال الخارجة عن المعقول.
والثاني: أنه قصد الصفات المعنوية، وإثباتها يدلّ على إثبات صفات المعاني من باب أولى؛ لأنه إذا أثبت الصفات المعنوية المختلف فيها بين الأشاعرة، فمن باب أولى أن يثبت صفات المعاني المتفق عليها([39]).
وقد صرح بإثبات هذه الصفات في مواضع أخرى كقوله: “له العلم والاختيار، وله الملك والاقتدار، وله الحياة والبقاء”([40]). وقوله: “انفرد بالعلم والكمال والحكم والاختيار، وانفرد بالقهر والاقتدار”([41]). وقوله: “وتقرر وجوبها من قبل الله سبحانه على ما علمه وقدره وأراده”([42]).
ولا يجوز أن يتوهّم أنه لا يثبت إلا الأحوال -كما هو شأن أبي هاشم المعتزلي- بعد أن نقلنا عنه ما يفيد إثبات العلم والقدرة والحياة والإرادة، كما ينفي هذا التوهم أيضا موقفه من الصفات الخبرية ومن رؤية الله تعالى كما يأتي.
ثالثا: الصفات الخبرية:
مما هو مهمٌّ بيانه عقيدةُ ابن تومرت في الصفات الخبرية، وقد تعرّض لها في موضع واحد فقط في رسائله وهو يتحدث عن نفي التشبيه والتكييف؛ فقال: “للعقول حدّ تقف عنده لا تتعداه، وهو العجز عن التكييف، ليس لها وراءه مجال وملتمس إلا التجسيم والتعطيل”. وهذا كلام لا غبار عليه، لكنه فرع عليه حكما يظهر منه وكأنه جنح إلى مذهب التفويض حيث قال: “وما وردَ من المتشابهات التي توهم التشبيه والتكييف كآية الاستواء وحديث النزول وغير ذلك من المتشابهات في الشرع يجب الإيمان بها كما جاءت، مع نفي التشبيه والتكييف، لا يَتّبع المتشابه في الشرع إلا من في قبله زيغ”([43]).
لكنه ما كاد ينتهي من الفصل حتى عاد إلى ما يوهم نفي هذه الصفات؛ حيث أكد على ضرورة نفي الحدود العشرة وهي: قبل وبعد وفوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف وكل وبعض، مما يبيِّن أنّه يعتقد نفي معاني تلك الصفات، وقد علم أنه يعتبر من أثبتها مجسِّما مشبِّها. وقد كرر نفي الحدود العشرة في الرسالة التي جعلها قانونا للعقائد والمعروفة بالمرشدة، والتي نص فيها على نفي المكان([44])، والمراد به نفي الاستواء وعلو الله تعالى على خلقه. وقد ذكر ابن القطان المراكشي -من مؤرخي الموحدين- أنه سمى المرابطين مجسمين لأنه ألزمهم في المذاكرة بالتجسيم والمكان([45]).
ثم إنه لم يتعرض لتأويل الصفات الخبرية هنا ولا في أي موضع آخر من رسائله، وهذا الصنيع يمكن حمله على التردد بين التفويض والتأويل، وحمله ابن رشد الحفيد على معنى تجنيب العوام الخوض في هذه القضايا، وذلك في شرح له على هذه الرسالة حيث قال: “ولما علم الإمام المهدي أن في الطريقة الجمهوريّة الاحتياط والسلامة من كل عيب، والنجاة من كل تشويش وفتنة، وخاف من الترديدات النفسيّة والخواطر التشبيهيّة، وعلم أن المتشابه من علم الخواص أهل الاختصاص، وعلم أنَّه لا ينبغي أن يتعرّض لتأويل المتشابه إلا راسخ في العلم، سكت عن مرتبة الراسخين، وجاء بكلام مجمل بديع يشير به إلى الانكفاف عن تأويل المتشابه، وهو طريق السلامة، وكان ذلك منه رضي الله عنه -والله أعلم- خوفا على جمهور المؤمنين أن يسبق إلى أحدهم الخطأ في معتقده بتشبيه أو تعطيل، أو بما لا يليق بالباري سبحانه، أو بإبطال الآيات والأخبار”([46]).
رابعا: رؤية الله تعالى:
من الأمور ذات الصلة بالعقيدة في الصفات قضية رؤية الله تعالى، وقد صرّح بإثباتها على طريقة الأشعرية حيث قال: “وما ورد في الشرع من الرؤية يجب التصديق به، يُرى من غير تشبيه ولا تكييف، لا تدركه الأبصار بمعنى النهاية والإحاطة والاتصال والانفصال، لاستحالة اتصافه بحدود المحدثات”([47]).
والتصريح بإثبات الرؤية ينفي عن ابن تومرت تهمة الاعتزال في باب الصفات، وإن كان أتباع الجويني قد وقعوا في تناقض كبير؛ حيث جمعوا بين الإيمان برؤية الله تعالى وتصريحهم بنفي الصفات الذاتية وعلو الله تعالى، مما اضطرهم للقول بأن الله يُرى لا في جهة، ثم فسروا الرؤية بتفسيرات غريبة، وابن تومرت سائر على منوالهم متناقض نحو تناقضهم.
خامسا: طريق ثبوت الأسماء:
من المسائل التي تميّز بها الأشاعرة عن المعتزلة قولهم بأن أسماء الله تعالى توقيفية لا تثبت إلا بالشرع، حيث إن المعتزلة جوزوا إطلاق كل اسم حسن على الله تعالى وإن لم يرِد به الشرع، وأجاز الباقلاني إطلاق ما ثبت معناه ولو لم يرد لفظه توقيفًا، ووافق الجويني مذهب أكثر الأشاعرة إلا أنه قال: ما لم يرد به النص نتوقف فيه ولا ننفيه([48]).
وابن تومرت في هذه القضية موافق لمذهب جمهور الأشاعرة حيث قال: “وأسماء الباري موقوفة على إذنه، لا يسمى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه، ولا يجوز القياس والاشتقاق والاصطلاح في أسمائه”([49]).
الفرع الثالث: خلاصة معتقد ابن تومرت في وجود الله وصفاته:
بعد تتبّع موقف ابن تومرت من أنواع الصفات التي تطرق لها في رسائله يظهر لنا سيره على اعتقاد الأشعرية، وأنه ما خالفهم في قوله: “إن معرفة الإله ضرورية وفي عدم وجوب النظر” إلا موافقة للجويني، كما أنه تبعه في تفويض معاني الصفات الخبرية مع الجزم بنفي ظاهرها، حيث جمع بين ما يدل على التفويض وعلى النفي في آن واحد([50])، ومنه يظهر أن الصفات التي نفاها ابن تومرت وفاقا للمعتزلة هي الصفات الخبرية لا جميع الصفات كما يوهمه كلام المراكشي([51]).
وأما ابن تيمية فقد اختلف قوله في عقيدة ابن تومرت، فقال في مواضع من كتبه: إنه موافق للمعتزلة([52])، واستند إلى كونه لم يذكر في المرشدة إلا الصفات السلبية، ولم يذكر فيها شيئا من الصفات الثبوتية، وهذا متمسَّك وجيه؛ لولا أن ابن تومرت قد ذكر صفات المعاني والصفات الخبرية في رسائل أخرى، بل إن المتأمّل في عبارات المرشدة يجد فيها إثبات القدرة والعلم والحياة، وربما السمع والبصر أيضا؛ إذ من عباراتها: “جميع الخلائق مقهورون بقدرته… ليس كمثله شيء وهو السميع البصير… حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، عالم الغيب والشهادة… أحاط بكل شيء علما… قادر على ما يشاء…”([53]). وقوله: “قادر على ما يشاء” لا يراد به الحصر كما فسره ابن تيمية([54])، فإن ابن تومرت قد تحدّث عن صفة القدرة في مواضع أخرى وأطلق إثباتها، وقد سبق نقل بعض ذلك عند الحديث عن صفات المعاني، ونضيف إليها قوله في موضع: “سبحان من شهدت له الدلالات والآيات بأنه لا تتناهى له المقدورات”([55])، وهذا صريح في أنه لا يقول: إنه لا يقدر إلا على ما فعل، وأنه على كل شيء قدير.
والمؤكَّد أن ابن تومرت قد أفرط في النفي في المرشدة وغيرها، وقد أشار ابن رشد أن من دواعي هذا الإفراط حرصَ ابن تومرت على محو عقيدة التجسيم التي انتشرت في وقته -وذلك حسب عقيدتهما ووجهة نظرهما-([56]).
وقال ابن تيمية في مواضع أخرى: إنه كان موافقا للجهمية والفلاسفة([57])، وحجته في هذا قول ابن تومرت بأن وجود الإله سبحانه وجودٌ مطلق، وقد فسّر هذا الإطلاق بقوله: “والموجود المطلق هو القديم الأزلي الذي استحالت عليه القيود والخواصّ، المختص بمطلق الوجود من غير تقييد ولا تخصيص”([58])، فعلق ابن تيمية على هذا الكلام في موضع بقوله: “فإن نفي الاختصاص بخاصة من الخواص، ودعوى أنه وجود مطلق لا يختص بوجه من الوجوه؛ يمنع أن يختص بعلم أو قدرة أو مشيئة ونحو ذلك من الصفات”([59])، وهذا التفسير يجعله جهميًّا محضًا، لكن ابن تيمية رجع فوصف ابن تومرت بالتناقض؛ لأنه وجده يقول بعد ذلك مباشرة: “انفرد بالعلم والكمال والحكم والاختيار، وانفرد بالقهر والاقتدار، وانفرد بالخلق والاختراع”([60]). وهذا يقتضي أنه مثبت للصفات، والتناقض صفة ملازمة لكل من خرج عن منهاج السنة واتبع العقل في إثبات العقائد، ولا عجب أن يتناقض ابن تومرت فهو متابع في جل ما يقرره للجويني، واختيارات الجويني أكثرها ترْك لمذهب الأشعري وموافقةٌ للمعتزلة.
ولابن تيمية رأي ثالث لعله أوفقُها حيث شهد بما ذكرنا وقال: “ولهذا كان المغاربة الذين اتّبعوا ابن تومرت المتّبِع لأبي المعالي أمثلَ وأقرب”([61])، وإثبات هذا الاتباع يحلّ الإشكالية من أساسها، والعلم عند الله تعالى.
وقد قرر ابن تيمية أيضا أن تسميةَ ابن تومرت لأتباعه بالموحدين قد استلهمها من الجويني الذي كان كثيرا ما يقول: قال الموحِّدون، وهذا خلاف ما ظنه بعض المعاصرين من أنه أخذها من المعتزلة الذين يلقِّبون أنفسهم: أهل التوحيد([62]).
ومما يؤكد اتباع ابن تومرت للجويني في اختياراته العقدية موافقتُه له في بعض الآراء الأصولية، كقوله بإثبات صيغ العموم والقول بحجيته([63])، وإثبات صيغ الأمر والقول بأنه مفيد للوجوب([64])، حيث إن قول الأشاعرة بالكلام النفسي أداهم إلى نفي الصيغ التي هي من عوارض الألفاظ، ومن ثَمَّ التوقف في حجية العموم والتوقف في دلالة الأمر.
فقد صرح ابن تومرت بإثبات صيغة العموم، وأعلن الرد على المنكرين، وناقش قولهم من حيث لوازمه لا من حيث خلفيته العقدية، ثم قرر أن الخطاب إذا ثبت لم يرفع إلا بنسخ أو تخصيص([65]).
وصرح بإثبات صيغ الأمر والنهي وقال: “إذ التكليف إنما يكون بالأمر والنهي، فنقول في حقيقتهما ومقتضى كل واحد منهما: إن صيغة الأمر في اللغة: افعل، وصيغة النهي: لا تفعل، فصيغة (افعل) مخالفة لصيغة (لا تفعل) لاختلاف مقتضى كل واحد منهما”([66])، وبعد إثبات صيغة الأمر ذهب إلى إفادتها الوجوب، وأتى في تقرير ذلك بعبارات لا يُشكّ أنه أخذها من البرهان للجويني([67]).
المطلب الثاني: القدر والإيمان والنبوات عند ابن تومرت:
بعد أن بيّنّا عقيدة ابن تومرت في الصفات الإلهية ننتقل للنظر في موقفه من مسائل القدر والإيمان والنبوات من خلال تتبع نصوصه، وهذه المسائل من شأنها أن تزيد انتماءَه العقدي وضوحًا؛ لأن المعتزلة فارقوا الأشعرية فيها مفارقة بيّنة.
الفرع الأول: مسائل القدر:
صرّح ابن تومرت بإثبات القدر فقال: “وجميع مخلوقاته صادرة عن قضائه وقدره، أظهرها الباري كما قدرها في أزليته من غير زيادة ونقصان، ولا تبديل في المقدور، ولا تحول في المحتوم”([68])، وفصّل مسائل القدر بذكر أمور مستمدة من النصوص وعباراته متفقة مع عقيدة أهل السنة والأشعرية، ومعنى قوله: (كما قدّرها في أزليته): كما علمها في أزليته، فالعلم هو الأزلي([69])، وبعده جاءت كتابة المقادير التي كانت قبل خلق الكون بخمسين ألف سنة.
أولا: تفسيره للعدل الإلهي:
قد صرح ابن تومرت بأن الظلم هو التصرف في ملك الغير، الأمر الذي يجعل المتصرف في ملكه غير ظالم مهما فعل، حيث قال: “لا يتّصف بالظلم والعدوان إلا من عليه الحجر والحكم، إذا تعدى حدود المالك، وتصرف فيما لا يملك اتصف بالظلم والعدوان، لكونه محجورا عليه في ملكه محكومًا عليه في فعله”([70]). وصرّح بنحو ذلك في موضع آخر فقال: “إن الباري سبحانه لا تتصف أفعاله بالجور والظلم، وإنما يتصف بذلك من حُجرت عليه الأمور، وحُددت له الحدود، فمن تعداها سمي جائرًا وظالما، والباري سبحانه لا حاكم فوقه، ولا آمر وناهي غيره، فلو أدخل عبيده كلهم الجنة لكان ذلك منه فضلا، ولو أدخلهم كلهم النار لكان ذلك منه عدلا، يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء”([71])، وهذا الكلام هو عين كلام الأشعري وأتباعه([72]).
ولا يخفى ما تضمّنه من نفي الحكمة عن الله تعالى، والتهربِ من نفي الظلم الذي صرح المولى عز وجل بنفيه عن نفسه في كتابه بصريح العبارة، بل تضمن تجويزه على الله تعالى؛ إذ صرح ابن تومرت والأشعرية كلهم بأنه لو أدخل المطيعين النار كان ذلك منه عدلا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ووراء كل هذه التفسيرات ولوازمها التبرير لعقيدة الجبر التي يبطنها الأشعرية ولا يصرحون بها.
ثانيا: التحسين والتقبيح العقلي:
ومن الأمور التي يبنى عليها القول في تفسير الظلم والعدل مسألة التحسين والتقبيح، وهي مسألة اشتهر فيها الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة، فكانوا على طرفي نقيض، وكان بينهما مذهب السلف الذي لا يكاد يذكر في كتب المتكلّمين، وقد صرح ابن تومرت برد قول المعتزلة بالتحسين والتقبيح العقليين حيث قال: “فإن قلتم بالعقل، فالعقل لا يوجب شيئا… وذهبوا إلى أن العقل يقبّح ويحسّن، وهذه الشبهة التي ألقوها عسيرة المخرج صعبة المسلك إلا عند المحققين”([73]). وهو موافق في ذلك لجل الأشعرية الذين جعلوا التحسين والتقبيح حكمين شرعيين لا عقليين بإطلاق([74]).
ولأهل السنة في مسألة التحسين والتقبيح تفصيل لا بد أن يذكّر به، أوله عدم إطلاق القول بالإثبات والنفي؛ لأن من الأشياء والأفعال ما لا يدرك حسنه وقبحه إلا بالشرع، ومنها ما يدرك بالعقل قبل ورود الشرع، وثانيه الفصل التام بين قضية التحسين والتقبيح وبين الثواب والعقاب الذي لا يدرك إلا بالشرع.
ثالثا: تفسير الكسب:
لم نجد لابن تومرت فيما توفر من رسائله كلاما عن الكسب وتفسيره، سوى ما نقله عنه أحد شراح كتابه “أعز ما يطلب” من أنه قال: “الفعل المعلوم هو الإتيان به على وجه الكسب لا على جهة الاختراع، إذ الاختراع والإيجاد والإحداث… من فعل الواحد القهار”([75]). وهذا الكلام متفق غاية الاتفاق مع المعتقد الأشعري الذي يجعل الفاعل في الكون كله هو الخالق جل في علاه، وأن ما سواه لا فعل له حقيقي، وإنما هو كسب لا تأثير له في اختراع شيء أو إيجاده، وهذا ما يعبرون عنه بنفي التأثير، قال الجويني: “ومعنى كونه مكتسبا أنه قادر على فعله، وإن لم تكن له قدرة مؤثرة في إيقاع المقدور”([76]). وقال ابن تومرت في موضع آخر وهو ينفي قياس الخالق على المخلوق: “لأن ذا يفعل، وذا لا يفعل”([77])، أي: أن المخلوق لا فعل له إطلاقا، وفيما يأتي زيادة توضيح.
رابعا: الاستطاعة والتكليف بما لا يطاق:
من القضايا الكلامية ذات الصلة المباشرة بالقدر مسألة الاستطاعة؛ حيث إن الأشاعرة لا يثبتون إلا استطاعة واحدة تكون مع الفعل لا قبله، وبناء عليه أجازوا التكليف بما لا يطاق، بينما أثبت المعتزلة استطاعة واحدة تكون قبل الفعل، وتستمر إلى حين الفعل ومنه لم يجيزوا التكليف بما لا يطاق، وكلام ابن تومرت في الاستطاعة غير واضح من جهة تعيين وقتها، وقد جعلها مقابلة للاضطرار الذي يعني عدم القدرة على جلب النفع ودفع الضر، ومنه فإثبات الاستطاعة فيه نفي للجبر، وكذلك ربط الاستطاعة بالاختيار لإثبات الكسب، وجرى في كلامه هاتان العبارتان: “والمدركات كلها يصح اختيارها وإن امتنع اختراعها… والمفتقرات كلها لا تملك نفعها وإن صح اكتسابها”([78])، وهما عبارتان توحيان بنفي التأثير لهذه الاستطاعة المثبتة.
وأما المسألة اللازمة للاستطاعة وهي التكليف بما لا يطاق، فإن ابن تومرت صرح بمنعه مرارا في رسائله([79])، وهو خلاف مذهب الأشعري وأئمة أصحابه، ولكن هو في هذا الاختيار تابع لشيخ شيوخه الجويني في كتابه البرهان([80])، وهو اختيار الغزالي في المنخول([81])، وإلكيا الطبري([82])، وهما شيخا ابن تومرت في العقيدة والأصول، ومنه فإن موافقته الظاهرة لأهل الاعتزال في هذه القضية ليست إلا موافقة للجويني والشيوخ الذين تلقى عنهم الأشعرية.
الفرع الثاني: مسائل الإيمان وما تعلق به:
بعد مسائل القدر ننتقل لتوضيح مسائل الإيمان، وفي مقدمتها مفهوم الإيمان وحكم صاحب الكبيرة.
أولا: تفسير الإيمان بالتصديق:
مِن أظهر القضايا التي تميز بها الأشعرية وخالفوا فيها أهل السنة والجماعة حصر مفهوم الإيمان في التصديق([83])، وهو قريب من معناه اللغوي، لكنه مخالف لدلالات النصوص الشرعية مخالفةً صريحة، وقد دفعت هذه المسألة أكثرَ الأشعرية إلى إنكار نقل الألفاظ من معانيها اللغوية إلى معانيها الشرعية، الذي مآله إنكار وجود الحقيقة الشرعية، وحتى من أقر بالنقل منهم ووجود الحقيقة الشرعية لم يلتزم دلالة الشرع بكمالها وجعله إيمانا مخصوصا([84]).
هذا مع أن للأشعري قولين آخرين: أحدهما: أن الإيمان هو المعرفة([85])، وهو مذهب الجهمية، والثاني: ذكره في الإبانة موافقًا لمذهب أهل السنة والجماعة، صرح فيه أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص([86])، إلا أن أتباعه ربما حملوا ذلك على المجاز ومعنى الكمال([87]).
ومع أن ابن تومرت أكّد على وجوب العبادة في غير موضع، وعلى ما اشتهر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإني لم أقف في كلامه على ما يدل على إدخال العمل في مسمى الإيمان، بل إنه في تفسيره للإيمان لم يحِد عن تعريف الأشعرية حيث قال في موضع: “والإيمان هو التصديق”([88])، وكرر ذلك في موضع آخر فقال: “الإيمان هو التصديق بما آمن به”([89])، وهذا موافق لكلام الأشعري والباقلاني والجويني في كتبه العقدية، وقال في موضع مقرا بتخصيص الشرع دون أن يقر بدخول الأقوال والأعمال: “فأصل الإيمان في اللغة التصديق بالشيء، يقال: آمن فلان بكذا، أي: صدقه، وآمن بالوثن وبالسحر، أي: صدقهما، ثم إن الشرع خصصه وقصره على الذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وجاءت به رسله”([90])، وهذا مقتضى كلام الجويني في البرهان، وسيأتي مزيد بيان عند الحديث عن إثبات الحقائق الشرعية.
ثانيا: حكم صاحب الكبيرة:
من المسائل التي تتبع مسألة الإيمان مسألة حكم صاحب الكبيرة، فابن تومرت كان في هذه القضية على مذهب الأشعرية من غير ريب، حيث قال: “فكل من أصر على المعصية فهو فاسق”([91])، وليس الحكم بالفسق حكمًا بأنه في المنزلة بين المنزلتين كما توهمه بعضهم([92])، فإطلاق الفسق لا يتنافى عند الأشاعرة مع ثبوت الإيمان الذي هو التصديق عندهم، ولا يتنافى مع ثبوت أصل الإيمان عند السلف أيضا، وهذا الجويني يجمع الوصفين فيقول: “ثم الغرض من هذا الفصل أن من مذهب أهل الحق وصف الفاسق بكونه مؤمنا”([93]). ويقول: “ثم أجمعوا على أن الفاسق يصح صومه وصلاته وحجه، ثم أثبتوا للفسقة ما يثبت للمؤمنين، وأثبتوا عليهم ما أثبتوا عليهم من المغانم والمغارم، وأنفقوا عليهم من مال المسلمين، وصلوا عليهم، ودفنوهم في مقابر المسلمين، وترحموا عليهم، ولم يمتنعوا من الدعاء لهم وسؤال الله العفو عنهم”([94]). وهذا كله صحيح، فلا يلزم من ثبوت الفسق سلب وصف الإيمان بإطلاق ولا حبوط الأعمال، بل الفاسق في المشيئة، إن شاء الله عفا عنه بفضله، وإن شاء عذبه بعدله، وليس في كلام ابن تومرت حكم على الفاسق بالخلود في النار، ولا سلبٌ لاسم الإيمان عنه.
ولكن قد يعكِّر على ذلك موقفُ ابن تومرت من تارك الصلاة، حيث قال فيمن تركها عمدًا بلا جحود: “وأما التكفير فالأدلة فيه متعارضة، وتغليبه مأخوذ من الكتاب والسنة والإجماع”([95]). والواقع أن هذا الكلام يدل على ضدّ المدّعى، فإن تخصيصه لتارك الصلاة من بين كل العصاة دليل على عدم تكفيره بالكبيرة، وقد ناقش القضية في رسالته في الصلاة وليس في رسائله العقدية، والقول بالتكفير قول مأثور في مذهب مالك عن ابن حبيب، وهو مشهور عن السلف والمحدثين ومنهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه([96]). وقد قال في أثناء مناقشة القضية: “ثم أثبت الأخوَّة مع ارتكاب المعاصي والكبائر، فقال في قاتل النفس: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، فجعله أخا وإن كان قاتله”([97]).
ومما يؤكّد استقامة رأيه أنه في برنامج الحديث الذي أعده لأتباعه ذكر أحاديث القصاص والصراط والشفاعة([98])، وهي صريحة في عدم حبوط إيمان أصحاب الكبائر، وأنهم يستحقون الشفاعة ولا يخلدون في النار.
ثالثا: إثبات الحقائق الشرعية:
من المسائل الكلامية التي فُرِّعت على مسألة الإيمان، ثم جعلت أصلا من أصول الفقه: مسألة جواز نقل المعنى اللغوي للكلمة إلى معنى آخر شرعي، فالأشاعرة لما أصروا على حصر الإيمان في القلب مصرحين بأنه التصديق كان من حججهم أن التصديق هو المعنى اللغوي للإيمان، فلا يجوز العدول عنه، فلما حاجّهم المعتزلة وأهل السنة بوجود المعاني الشرعية التي نقلت من المعاني اللغوي -نحو الصلاة والزكاة- أنكروا ذلك وكابروا وجعلوا نفي النقل من أصولهم القطعية.
ونحن نجد في رسائل ابن تومرت إقرارا بقاعدة النقل خلافا للأشعري والباقلاني، لكن ذلك لم يجعله يصحّح مفهوم الإيمان كما سبق نقله([99])، وهو في ذلك سائر على الطريقة التي أحدثها الجويني([100]). وهذه القضية رغم كونها جزئية إلا أنها تفيد في بيان طريق ابن تومرت وسنده في الأشعرية.
رابعا: التخطئة في الاجتهاد في الفروع:
من المسائل التي يجدر الوقوف عندها في مقام تحقيق عقيدة ابن تومرت: مسألة التخطئة في الاجتهاد في الفروع، وهي مرتبطة بقضية مفهوم الإيمان وزيادته ونقصانه، حيث إن الأشاعرة بناء على عقيدتهم التزموا أن يجعلوا العلوم أو القطعيات كلها -ومنها الإيمان- في رتبة واحدة لا تتفاوت ولا تزيد ولا تنقص، وكذلك جعلوا الظنون كلها في رتبة واحدة، وكان من نتائج هذه القاعدة القول بتكافؤ الأدلة والقول بتخيير المجتهدين بدلا من العمل بالترجيح، وهذه حقيقة مذهب من يقول: كل مجتهد مصيب، وخلفيته العقدية، وربما أيدوا ذلك بعدم تعيّن المطلوب عند الله تعالى بناء على نفيهم للحكمة([101]).
وهنا يظهر ابن تومرت مخالفًا لهم منكرا قولهم حيث قال: “وهذه القاعدة كثيرة الالتباس، وعنها زلّ كثير من الناس، وبالجهل بها وعدم التحقيق لها قالوا: كل مجتهد مصيب، وجعلوا هذه المقالة سُلَّما إلى هدم الشريعة وإسناد الأحكام إلى غير مستنداتها، وعكْس الحقائق عن موضوعها، وصيروا الحلال حراما والحرام حلالا، وجعلوا الشرع متناقضا”([102]). ولا يخالف ابن تومرت الأشعري إلا وهو موافق للجويني، والتشنيع المذكور ينطبق على التوصيف الذي قدمه إلكيا الطبري للمصوِّبة حيث جعلهم قائلين بالتخيير المطلق دون اجتهاد([103]).
الفرع الثالث: مسائل النبوات:
نتطرق من مسائل النبوات إلى مسألتين مهمتين وردت في نصوص ابن تومرت:
المسألة الأولى: حكم بعثة الرسل:
مما اختلف فيه المعتزلة والأشاعرة حكم بعثة الرسل، فذهب المعتزلة إلى وجوب بعثتهم عقلا بناء على قولهم بالحسن العقلي ورعاية الأصلح، وذهب الأشعرية إلى أنها جائزة لا واجبة([104])، وابن تومرت موافق للأشاعرة في هذا مخالف للمعتزلة حيث قال: “مع جواز إرسال الرسل بالتكليف”([105])، وللعلم فإن بين المذهبين مذهبًا يجعل بعثة الأنبياء من مقتضيات حكمة الله وفضله وعدله من غير إيجاب من غيره عليه، ولكن بإيجاب ذلك على نفسه، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، قال ابن تيمية: “والكلام في النبوة فرعٌ على إثبات الحكمة التي توجب فعل ما تقتضيه الحكمة، ويمتنع فعل ما تنفيه، فنقول: هو سبحانه وتعالى حكيمٌ، يضع كلّ شيءٍ في موضعه المناسب له”([106]).
المسألة الثانية: مفهوم المعجزة:
قد عرَّف ابن تومرت المعجزة بأنها ظهور الآيات الخارقة للعادة على وفق دعواه([107]).
وهذا تعريف مختصر لم يذكر فيه قيد التحدّي رغم أهميته عند الأشاعرة، والظاهر أنه قد استغنى عنه بقيد: (ظهورها على وفق الدعوى)؛ لأن وجود الدعوى متضمن للتحدي. وتعريفه هذا يشبه تعريف الجويني في “لمع الأدلة” حيث قال: “هي أفعال الله تعالى الخارقة للعادة المستمرة، وظاهرها على حسب دعوى النبوة”، ثم فسر الدعوى بقوله: “هو تحديه، ويعجز عن الإتيان بأمثالها”([108]). والعلم عند الله تعالى.
الفرع الرابع: خلاصة عقيدة ابن تومرت في القدر والإيمان والنبوات:
بعد عرض التفاصيل السابقة المتعلّقة بالقدر والإيمان والنبوات يظهر أن ابن تومرت لم يحِد عن العقيدة الأشعرية في أصولها، ففي القدر هو قائل بالكسب على طريقة الأشاعرة وناف لتأثير أفعال العباد، وناف للحكمة، ومفسر للظلم بالتصرف في ملك الغير. وهذه الأمور هي التي تجعلنا نصنف الأشعرية في صفّ الجبرية. ثم لما خالفهم في جزئيات مثل منع التكليف بما لا يطاق موافقة للمعتزلة والسلف، فذلك لا يسلب عنه الأشعرية كما لم يسلبها عن الجويني قبله، وكذلك في باب الإيمان فقد أكد على حصره في معنى التصديق، ولم يسلب الإيمان عن مرتكب الكبيرة، كما هو قول الأشاعرة، ومخالفته لهم في فروع مبنية عليها -نحو إثبات الحقائق الشرعية والقول بالتخطئة في الاجتهاد- هو نوع من التحرر من لوازم الأقوال الباطلة التي تسوق المرء للمكابرة ومعاندة مقتضى الأدلة الشرعية، وهو دائما تابع للجويني في هذه المخالفات، وكذلك في النبوات فهو في المسألتين المذكورتين موافق للأشاعرة في آرائهم.
ومما لا بأس بإلحاقه هنا التذكير بأنه أيضا في باب السمعيات -كما يسميه الأشاعرة- هو على طريقة أهل السنة جميعا، وقد سبق توثيق موقفه من القصاص والصراط والشفاعة، وقد سرد أيضا جملة من أحاديث السؤال في القبر وعذابه أيضا؛ دون تعرض لتأويلها، ولو كان منكرا لها لتحاشاها في برنامجه الذي وضعه لأتباعه([109]).
المطلب الثالث: موقف ابن تومرت من الصحابة ومسألة المهدوية والعصمة:
ننتقل في هذا المطلب إلى النظر في إشكالات أخرى تثار في عقيدة ابن تومرت، وهي نسبته إلى تبني رأي الخوارج ورأي الشيعة، ما سنعالجه في ضوء موقفه من الصحابة والخلافة، كما نتطرق إلى مسألة ادعاء المهدوية والعصمة ودوافعها.
الفرع الأول: موقف ابن تومرت من الصحابة وتهمة الخارجية والتشيع:
أولا: موقفه من الصحابة رضي الله عنهم:
لقد قرر ابن تومرت عقيدة الأشاعرة والسلف وجمهور الأمة في الصحابة رضي الله عنهم وفي الخلافة الراشدة؛ حيث نجده أثنى على الصحابة رضي الله عنهم وأطال في مدحهم حين ذكرهم إلى أن قال: “ولزموه بحسن الصحبة حتى فارقوه بالأمر المحتوم، فتوفي وهو عنهم راض”([110])، وهذا نص صريح في الترضي عن جميع الصحابة، ويؤكد ذلك أنه كان مكثرا لذكر الأحاديث النبوية المروية عن الصحابة دون تمييز بينهم، بل صرح بالاحتجاج بإجماعهم([111])، ومما قاله في باب المسح على الخفين بعد ذكر أحاديثهم أنه: “قول عمر وغير ذلك من عمل الصحابة رضوان الله عليهم”([112]).
وبعدما عدّل كلّ الصحابة دون استثناء أثبت الخلافة للأربعة رضي الله عنهم بعبارات صريحة فقال: “ثم كان أبو بكر إماما بعده خليفة على عباد الله وأمينا على دينه… فاختاره لهم الرسول للصلاة ورضيهم لهم إماما في دينهم… فلما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم رضيه المسلمون لدينهم ودنياهم… ثم بعده عمر فقام بالحق أحسن قيام… ثم الأمر كذلك حتى انقضت مدة خلافة النبوة ثلاثين سنة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم”([113]). وهذا في الرسالة نفسها التي قرر فيها أن الإمامة ركن من أركان الدين.
ولم أجد له كلاما عن معاوية رضي الله عنه، لكنه أورد بعض أحاديثه معتمدا عليها([114]). كما أنه سرد أحاديث عدة من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها([115]).
ثانيا: تهمة الخارجية:
الظاهر أن تهمة الخارجية هي أقدم تهمة وجِّهت للموحدين حيث وصفهم المرابطون بذلك، وقد دوّنها البيذق صاحب ابن تومرت في أخباره، وذكر اليسع بن حزم (ت: 575هـ) المعاصرُ لهم أنه بسبب قول ابن تومرت في رسالة القواعد: “التمادي على ذرة من الباطل كالتمادي على الباطل كله” توسَّع أصحابه في التكفير بالذنوب([116]). ثم جرى على لسان ابن تيمية والذهبي والشاطبي رحمهم الله تشبيه ابن تومرت وطائفته بالخوارج، فقال ابن تيمية في موضع بأنه كان فيه: “نوع من رأي الخوارج الذين يرون السيف ويكفرون بالذنب”([117])، وقال الذهبي: “وأقدم على الدماء إقدامَ الخوارج”([118])، وبيّن الشاطبي أن شيعة ابن تومرت أقرب الناس إلى الخوارج، وعلَّل قائلا: “فإنه ظهر فيهم الأمران اللذان عرف النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الخوارج من أنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان”([119]).
وهذا الذي صدر منهم فيما يظهر مجرّد تشبيه في الأفعال، لا يقتضي نسبته إلى الخوارج في العقائد.
فأما قضية التكفير بالذنب فلو صحّت لكانت دليلا قاطعًا على تأثره بالخوارج، وقد ناقشتها في مقال: “الدعاية الموحدية”، وبينت أن التكفير الذي سلط على الفقهاء والمرابطين وكلّ من أعانهم لم يكن بسبب الذنوب، وإنما بسبب ما اعتقده ابن تومرت تجسيمًا، وما اعتبره منعًا لشعائر الإسلام، وأيضا بسبب الموالاة والنصرة لمن حكم عليه بالكفر والردة، أما مجرد التكفير بالذنب فهذا لم يوجد في كلام ابن تومرت. بل فيما نقلناه عنه في مفهوم الإيمان وحكم مرتكب الكبيرة ما ينفي هذه التهمة نفيًا قاطعًا. والعبارة التي نقل اليسع بن حزم ليست صريحة في التكفير، بل التكفير الصريح في تلك الرسالة هو بإنكار كونه المهدي أو الشك في ذلك، وفي عصمته، وقد ذكر اليسع نفسُه في سياق آخر أنه كفر العامة بجهلهم الجوهر والعرض وبعدم الهجرة إليه([120])، وهذا لا غبار عليه.
وأما قضية القتال فلا شك أن ابن تومرت شابهَ الخوارج في استباحة قتل المسلمين بتأويل خاطئ، ولكن ذلك ليس خاصّا بالخوارج، فقد فعل ذلك المعتزلة قبلهم والفاطميون الشيعة الباطنية، وكل منحرف عن السنة إذا تمكّن وكان له السلطان فعل ذلك([121])، وهذا الصنيع سيبقى وصمة عار في تاريخ الأشعرية، ودليلا على أن تكفير العوامّ والمخالفين الذي حشيت به كتبهم قد يتحوّل في أي لحظة إلى حملات تقتيل وإبادة للمسلمين وسفك لدمائهم بغير حقّ.
وأما قضية الخروج على السلطان فهي قضية يشترك فيها المعتزلة والخوارج، ولكن ابن تومرت لم يؤصّل للخروج بالسيف على الفاسق، ولا سوّغ خروجه على المرابطين بما اقترفوا من مخالفات مجردة، بل إنّه جعل أساس الخروج كفرهم، وأساسَ كفرهم هو التجسيم، وما ذكره من مخالفات فهو تابع للأصل وزيادة في التشنيع.
وأما قضية قراءة القرآن دون تفقّه فيه، فقد أخذها الشاطبي رحمه الله من فرض الموحّدين على الناس القراءة الجماعية للقرآن الكريم، ومن ميل ابن تومرت إلى الأخذ بالظاهر، فأما بدعة القراءة الجماعية للقرآن فقد استمرت إلى عصر الشاطبي وإلى عصرنا هذا رغم كونها من المخالفات الصريحة لنص مالك رحمه الله، ولا يلزم نسبة من فعلها إلى مذهب الخوارج؛ لأن قراءة القرآن مع عدم فهمه علامة من علامات الخوارج، مثلها مثل تحليق الشعر، وليست من عقائدهم التي تميزوا بها عن أهل السنة، وأما الأخذ بالظاهر فلم يثبت عن ابن تومرت، والأظهر أنه كان مالكيّا يدعو إلى الاجتهاد، ثم إنه ادعى العصمة، ولا يحتاج المعصوم أن يستند إلى آراء الفقهاء.
ومما ينفي صفة الخارجية عن ابن تومرت قطعًا موقفه من الصحابة رضي الله عنهم؛ إذ هو يترضى عنهم جميعا، وكذا موقفه من الخلفاء الراشدين، فهو يصحّح خلافتهم جميعا بما فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذا جعله الإمامة من أركان الدين كما سيأتي.
ثالثا: تهمة التشيع:
إن مما قاله عبد الواحد المراكشي في حق ابن تومرت أنه: “كان يبطن شيئًا من التشيع، غير أنه لم يظهر منه إلى العامة شيء”([122])، وهذه تهمة تحتاج إلى بحث فيما يسندها من فلتات القلم واللسان -إن وجدت- وخاصة أنه تحدث عن أمر باطن. والذي يظهر لي أن سببها المباشر هو جعل ابن تومرت للإمامة ركنا من أركان الدين، وادعاؤه العصمة والمهدوية، وهذه أمور قد يدّعيها غير الشيعي، وسنحاول الكشف عن خلفيتها في الفرع التالي لهذا.
وإن أقلّ درجات التشيع تفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنهما، والذي يخرجه من السنة أن يفضل عليا على أبي بكر ويدعي أحقيته بالخلافة؛ فإن زاد على ذلك التكفير للشيخين فهو دين الرفض، ولكن ابن تومرت كما سبق النقل عنه كان على الجادة في هذه القضايا، ويؤكد ذلك أنه خص الخلافة الراشدة بالخلفاء الأربعة، ولم يذكر أحدا ممن يقول الشيعة بإمامتهم، بل انتقل من الخلافة إلى المهدي المبشّر به مباشرة.
ومما يدلّ على نفي تشيعه: مفهوم أهل البيت عنده الذي يشمل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أورد في رسائله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي فيه: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ، أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟! قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ([123]). ويضاف إلى هذا روايته للحديث عن كل الصحابة بلا تمييز، بما فيهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ومعاوية رضي الله عنه.
وقد بحثت عن رأي ابن تيمية في هذه النقطة فوجدت له هذه العبارة الصريحة: “فإنه لم يكن رافضيا”([124])، وأما ابن خلدون فيقول: “ولم تحفظ عنه فلتة في البدعة، إلا ما كان من وفاقه الإمامية من الشيعة في القول بالإمام المعصوم”([125]). والأصوب أن تعتبر دعواه فلتة -إن أحسنّا الظن به- أو يقال: هي استغلال لقولهم لمصلحة سياسية.
الفرع الثاني: موقفه من الإمامة والعصمة والمهدوية:
من المعضلات الواردة في رسائل ابن تومرت -وهي مستند المؤرخين الذين قالوا: إنه كان يبطن التشيع- موقفه من الإمامة والعصمة ثم ادعاء المهدوية، حيث قال في رسالة الإمامة: “هذا باب في العلم وهو وجوب اعتقاد الإمامة على الكافة، وهي ركن من أركان الدين وعمدة من عمد الشريعة، ولا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة، ما من زمان إلا وفيه إمام قائم لله بالحق في أرضه”([126]).
وهذا الكلام لا شك في مشابهته لكلام الشيعة الذين جعلوا الإمامة ركنا من أركان الدين، لكن ننبه أن إدراج الأشعرية لباب الإمامة في العقيدة غايته تصحيح خلافة الراشدين، وهي المذكورة في كتب السلف، وعليها اقتصر الأشعري في الإبانة، وجعل عنوانها إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه([127]). ولما توسع أتباعه في مسائل الإمامة -نحو حكم نصب الإمام وطرق نصبه وشروطه- نصوا على دفع توهم كونها من مسائل العقيدة، فقال الجويني: “الكلام في هذا الباب ليس من أصول الاعتقاد”([128])، وقال الغزالي: “النظر في الإمامة أيضا ليس من المهمات”([129]). وأول هذه المسائل المدرجة مسألة وجوب نصب الإمام، وهل وجوبه بالشرع أم بالعقل أم بهما؟ وهذه النقطة هي التي طرحها ابن تومرت مصدِّرا لها بضد ما أخذه عن شيوخه، وزاد على ذلك أمرا لا شكّ أنه وقف على بطلانه في كتب الأشاعرة، وهو شرط العصمة في هذا الإمام، فقال: “ولا يكون الإمام إلا معصوما من الباطل… من الفتن… من الجور… من البدع… من الكذب… من العمل بالجهل”([130])، أي: معصوما في القول والعمل معا، وغاية ذلك تحصيل الطاعة المطلقة من الأتباع حيث قال: “ومتى ضيع أمر الإمام أو عصي أو نوزع… أو استغني عنه في دقيقة أو أعرض عنه في خردلة… فمتى كان شيء من ذلك عطل أمره وزال العمود وسقط السقف”([131]). وقد تحدث عن الإمام المهدي المبشّر به الذي جعله امتدادا لسلسلة الأنبياء والخلفاء، وجعل العلم به واجبا، وكذا التصديق به والتسليم له وطاعته والاقتداء به([132]). وحكم بالكفر أو النفاق على من كذبه وبالقتل على من خالفه([133])، وحكم في موضع آخر بالكفر على من شك في كونه المهدي أو في عصمته من الخطأ([134]).
وهذه الأقوال لا شك أنها تُدخل الريب في أمر هذا الرجل، وهي التي جعلت كثيرًا من المعاصرين يجعله صاحب مذهب مستقلّ، مزج فيه بين عقائد متناقضة، والذي ظهر لي من خلال قراءة رسائله والدراسات التاريخية والعقدية التي تعرضت للموضوع أن ابن تومرت لم يكن شيعيا، ولا هو متأثر بالفكر الشيعي في الباطن، وإنما هو عالم أشعريّ حاول استغلال كل العوامل المتاحة من أجل جمع البربر والعرب حول شخصه ومبايعته بالإمامة والتزام طاعته في أمور الدين والدنيا، وللخروج من السلطة السياسية والدينية التي كان قد فرضها المرابطون على مختلف مكونات المجتمع، وهذا ما مال إليه الدكتور عبد المجيد النجار حيث قال: “إنه ادعى المهدوية إيمانا بالمصلحة السياسية لا اقتناعا عقديا”([135])، وقريب منه قول الدكتور عمار طالبي: “إنه استعمل طريقة الإمامية في المجال السياسي والاجتماعي، ونادى بطاعة الإمام وعصمته”([136])، ووافقهما على ذلك محمد السليماني([137]).
فإذا كان المرابطون قبله قد تدثروا بالفقهاء، فجبروا بهم قصورهم في العلم لاستحقاق الولاية، وبايعوا بني العباس في المشرق لخلوهم عن شرط القرشية، وذلك أنهم من البربر، فإن ابن تومرت قد تخلص من العائقَين بتحصيله للعلم بنفسه أولا، ثم ادعائه النسب الحسني الشريف، ولما كانت الخلافة الراشدة لن تعود إلا مع ظهور المهدي حسب ظاهر النصوص ادعى ابن تومرت المهدوية، وهكذا جمع كل الخصال في نفسه ونزعها عن خصومه.
ولا شك أن هذه الدعاوى خارجة عن مذهب الأشعرية، ومن المعلوم أن تعظيم الإمامة والقول بالعصمة من معتقدات الإمامية، وهي من معتقدات الباطنية أيضا([138]). وقد تلقف ابن تومرت هذه الآراء ووظفها حسب ما سمح به الحال في وسط البربر الذي اجتمع فيهم الجهل والعجمة، وسبق لهم أن قبلوا دعوات مثل هذه؛ أشهرها دعوة الفاطميين ودعوة شيعية أخرى كانت بمنطقة أغمات([139]).
ومعنى هذا أن ابن تومرت لم يتورّع عن استغلال جهل البربر بدينهم ليجعلهم طوع أمره بتبني هذه الأفكار الشاذة، ولم يتورع عن ادعاء النسب الشريف رغم اشتهار كونه بربريا، بل للغاية نفسها لم يتورع عن اصطناع مخاريق تجعل الناس تذعن له وتعتقد أنه مهدي آخر الزمان؛ ومن ذلك أنه كان يدفن أناسا في المقابر ويواطئهم على أن يكلّموه إذا دعاهم ويشهدوا له بالمهدوية وبلزوم طاعته، وقد عظم اعتقاد البربر فيه لما شاهدوا ذلك، ثم إنه كان يترك هؤلاء المقبورين في تلك القبور ويهدمها عليهم حتى لا يظهر كذبه([140]).
ومنه فإنه لا غرابة أن نجد عددًا من خلفاء الموحدين يتراجعون عن القول بعصمة ابن تومرت؛ منهم من جهر بذلك ومنهم من أسرّ به([141])، وهؤلاء الخلفاء هم أنفسهم من بقي ناصرا للعقيدة الأشعرية كيعقوب المنصور الذي طلب من أبي الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي (ت: 626هـ) تأليف كتاب “لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول”([142])، وهو كتاب نصر فيه العقيدة الأشعرية ورد على الفلاسفة وغيرهم.
المطلب الرابع: موقف الأشاعرة من ابن تومرت ومرشدته:
بعد أن بينا أن ابن تومرت كان على عقيدة الأشاعرة وطريقة الجويني في تقريرها، وأن ما تبناه من أفكار شاذة من ادعاء المهدوية والعصمة وتعظيم أمر الإمامة لم يكن سوى مظهرا من مظاهر الاستغلال السياسي، نأتي في هذا المطلب إلى بيان الأثر الذي بقي من دعوة ابن تومرت بعده، وهو انتشار العقيدة الأشعرية، وذلك من خلال إبراز موقف علماء الأشاعرة منه وموقفهم من العقيدة المرشدة التي أمر بتعليمها للعامة([143]).
الفرع الأول: موقف الأشاعرة من ابن تومرت:
من الأشياء التي تفيد في التحقيق في عقيدة ابن تومرت النظر في موقف الأشاعرة منه أو من عقيدته على وجه الخصوص، والذي لا يُمترى فيه أن أكثر من تعرض لذكره من الأشعرية أثنى عليه وعلى معتقده، وأولهم عبد الواحد المراكشي (ت: 647هـ) الذي نسبه إلى الميل إلى المعتزلة في الصفات قد أقر في موضع آخر بأشعريته: “كان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريق الأشعرية”([144])، وممن أثنى عليه فأكثر ابن السبكي (ت: 771هـ) وقال: إنه كان “ينصر الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ”، وقال في موضع آخر: “والأغلب أَنه كَانَ أشعريا صَحِيح العقيدة أَمِيرا عادلا دَاعيا إِلَى طَرِيق الْحق”، وقال عن مرشدته: “وليس فيها ما ينكره سني”([145]). فلم يكتف بتصحيح عقيدته حتى زاد الثناء على سيرته في الحكم وهو السفّاك السفّاح.
وقال ابن خلدون (ت: 808هـ): “وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنّة، وأخذ عنهم، واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفيّة والذبّ عنها بالحجج العقليّة الدافعة في صدر أهل البدعة. وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل… وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم، وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة في التوحيد”([146]).
وقال ابن عرفة (ت: 803هـ) مثنيا على مذهبه: “وما أحسن قول الإمام المهدي في عقيدته حيث قال: (لا يقالُ: متى كانَ؟ ولا أينَ كانَ؟ ولا كيفَ، كان ولا مكان، دبَّر الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان)”([147]). وقال تلميذه البرزلي (ت: 844هـ) في نوازله: “وتواتر الخبر عن الإمام المهدي الشريف رئيس الموحدين وأولهم في ذلك عقيدته المشهورة بالمرشدة… وقد كثر حفظ هذه العقيدة لقلتها وبلاغتها، وأعظم منها القدسية للغزالي، أو الدهاقية لابن الدهاق، فمن أراد الاقتصار على واحدة من هذه أجزأه”([148]).
وقال محمد بن يوسف السنوسي (ت: 895هـ) في شرحه على العقيدة المرشدة: “اجتمعت الأئمة على صحة هذه العقيدة… وأنها مرشدة رشيدة”([149]).
ولعل الأشعري البارز الذي صدر منه نقد متواصل لابن تومرت هو الإمام الشاطبي (ت: 790هـ) رحمه الله في “الاعتصام” بما في ذلك وصفُه لمن كان يقتلهم بالمجسمين حيث قال: “وأخذوا في قتال أهل الإسلام بتأويل فاسد، زعموا عليهم أنهم مجسمون وأنهم غير موحدين”([150]).
الفرع الثاني: عناية الأشاعرة بالمرشدة:
ومما ينبغي أن يعلم أنه مهما تكن حقيقة معتقد ابن تومرت الباطن فإن المرشدة قد اعتمدت ودرّست وصارت من المقررات الدراسية عند الأشاعرة، فالأشاعرة بعد ابن تومرت قد ورثوها ورضوها وتبنوا النفي الذي فيها، ولم يقولوا: هذه عقيدة الجهمية أو المعتزلة؛ لأنهم كانوا في الواقع على عقيدة الجويني الذي توسط في الصفات بين الأشاعرة والمعتزلة، فلم يشعروا بأن في هذه العقيدة مخالفةً لنهج الأشاعرة. ومما يدل على رضاهم عنها كثرة شراحها في مختلف الأمصار والأعصار، بل إن ناشر الأشعرية في المشرق صلاح الدين الأيوبي قد فرض قراءتها على المآذن([151])، والصوفية من الأشعرية كثير منهم أدرج المرشدة في أوراده([152])، وفيما يأتي ذكر لأهم علماء الأشاعرة الذين شرحوا هذا الكتاب.
1- أبو منصور عبد الرحمن بن محمد فخر الدين بن عساكر (ت: 620هـ)، كان يدرِّسها في القدس كما نقله ابن السبكي، وبسبب تدريسه لها نسبت إليه([153]).
2- أبو عبد الله محمد بن خليل السكوني الإشبيلي (ق: 7هـ) له شرح صغير على المرشدة، قصد به التأكيد على كونها عقيدة أشعرية كما قال محقق الكتاب يوسف أحنانة([154]).
3- أبو محمد عبد الله بن يوسف الخراط، شرح المرشدة وضاع شرحه بعد أن دخل النصارى طرابلس عام 756هـ، ذكره الشيباني الطرابلسي الآتي ذكره([155]).
4- أبو عبد الله محمد بن يحيى الشيباني الطرابلسي، له شرح على المرشدة، منه نسخة مخطوطة في باريس، وذكر فيه أنها كانت من ضمن أوراد الصوفية([156]).
5- محمد بن إبراهيم بن عباد التلمساني (ت: 792هـ)، وعنوان شرحه: الدرة المشيدة في شرح عقيدة المرشدة، وقد ذكر في مقدمتها أنه سمعها من شيخين بفاس([157]).
6- أبو عبد الله محمد بن أبي العباس أحمد بن إسماعيل الأموي التلمساني المعروف بالنقاش، له شرح عنوانه: الدرة المفردة في شرح العقيدة المرشدة، وفي هذا الكتاب ما يدل على شيوعها بتلمسان، وأنها كانت متداولة يحفظها الصوفية والعلماء([158]).
7- أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي (ت 895هـ)، نسبه إليه تلميذه الملالي، وقال: رأيته كاملا، وزعم السنوسي في شرحه أن الأمة أجمعت على صحتها([159]).
8- أبو زكريا يحيى بن أبي حفص عمر التنسي الهنيني وعنوانه: “الأنوار المبينة المؤيدة لمعاني عقدة عقيدة المرشدة”، وذكر أَحنانة أن الشرح المخطوط الموجود هو نفسه الذي ينسب للسنوسي، وذكر النجار أن التنسي إنما أكمل شرح السنوسي([160])، لكن قول الملالي بأن السنوسي أكمل كتابه يرد هذه الفرضية.
9- أبو عثمان سعيد بن عبد المنعم الحاحي (ت: 953هـ)، شرح قطعة منها، وهو موجود في المغرب([161]).
10- محمد بن أبي بكر بن علي بن موسى الكابري من بلاد السودان، جعلها مقدمة لكتابه بستان الفوائد([162]).
11- بيورك بن عبد الله بن يعقوب السملالي، له شرح (فرغ منه عام 1051هـ)، استفاده من شرح الشيباني وابن النقاش المذكورين سابقًا، وقد صرح بذلك في مقدمته([163]).
12- عبد الغني النابلسي (ت: 1143هـ)، له عليه شرح عنوانه: “نور الأفئدة في شرح المرشدة”، ووهم فنسبها لأبي الليث السمرقندي([164]).
ولا شكّ أن استمرار العناية بالمرشدة عبر العصور يحمل في طياته دلالة أثر ابن تومرت في نشر الأشعرية، ودلالة رضا الأشعرية عنه وعن عقيدته، وهذا هو غاية المقصود.
الخاتمة:
بعد هذه الجولة في رسائل ابن تومرت وما حوته من عقائد في مسائل الصفات والقدر والإيمان والنبوات والصحابة والإمامة، ثم تتبّع مواقف العلماء والمؤرخين من عقيدة ابن تومرت والأوصاف التي أطلقت عليه، وموقف الأشاعرة منه ومن عقيدته المسماة المرشدة، وإن تقصي الأحداث التاريخية لحقبة الموحدين وتتبع البرامج الدراسية في عصرهم والمؤلفات التي ألفت والتي روّجت مما ينفع في هذا المضمار، ولكن هو أمر يطول ويحتاج إلى بحث مستقل، ولعلي أكتفي في هنا بهذه الشهادة من أحد علماء العصر الموحّدي وهو أبو الحجاج يوسف بن محمد بن طملوس (ت: 620هـ) الذي قال عن علم الكلام الذي كان محظورا في عهد المرابطين وانتشر في عهد الموحدين: “ثم أنِسوا أيضا بهذا المذهب -أعني علم الأصول- ودرَّجتهم الأيام إلى أن طالعوه وتمهروا فيه حتى كان فيه منهم أئمة وعلماء، ولكن بقي في نفوس أرباب المسائل -أعني أرباب الفروع- استنكار لذلك إلى قريب من زماننا هذا… لكن صار هذا الحامل لهذا العلم آمنا منهم في نفسه وماله، متكلّما بما شاء من علمه، يملي فيه غير مترقب ولا خائف، فصار هذا العلم وعلم الحديث ومذاهب الأئمة ومسائل الفروع كل ذلك دين الله تعالى يجب الإيمان به والعمل بمقتضاه بعد أن كان فيه ما كان”. ثم تحدث عن كتب أبي حامد الغزالي وما جرى لها فقال: “ثم لم تكن تمتد الأيام إلا قليلا، وجاء الله بالإمام المهدي رضي الله عنه، فبان للناس به ما كانوا تحيروا فيه، وندب الناس إلى قراءة كتب الغزالي رحمه الله، وعرف من مذهبه أنه يوافقه، فأخذ الناس في قراءتها وأعجبوا بها وبما رأوا فيها من جودة النظام والترتيب الذي لم يروا مثله قط في التأليف، ولم يبق في هذه الجهات من لم يغلب عليه حبّ كتب الغزالي إلا من غلب عليه إفراط الجمود من غلاة المقلدين، فصارت قراءتها دينا وشرعًا بعد أن كانت كفرا وزندقة”([165]).
إذن هذه شهادة معاصر على التحول العقدي والشيوع للمنهج الكلامي عموما ولمؤلفات الغزالي خصوصا، والتي ستصبح مع كتب الجويني الكتب الصانعة للعقيدة وللأصول والسلوك أيضا، وفي الأخير لا بد أن نذكّر بأهم نتائج المتوصّل إليها في هذه الدراسة فنقول:
– إن عقيدة ابن تومرت في الإلهيات عقيدة الأشاعرة، وقد سار في سياق الصفات على منهجهم، وما لوحظ من مخالفة للأشعري في بعضها فقد سبقه إليه الجويني، ولا غرابة أن يوصف من ترك إثبات الصفات الخبرية بالميل إلى المعتزلة، بل ظهر لنا مخالفته للأشعرية في مسألة إيجاب النظر، فصرح أن أول واجب هو التوحيد والعبادة؛ ولكنه تناقض في الجانب العملي إذ غلا في تكفير العوام والمخالفين.
– وعقيدة ابن تومرت في القدر والإيمان والنبوات أيضا عقيدة أشعرية محضة، تتضمن القول بالكسب، ونفي التأثير عن أفعال عن العباد، وحصر الإيمان في التصديق، وعدم تخليد صاحب الكبيرة، وتجويز النبوة واشتراط التحدي في المعجزة، وأما الأمور الجزئية الفرعية التي خالف فيها مشهور قول الأشعرية فلا تؤثر في انتمائه، وهو دائما تابع للجويني في اختياراته.
– وكذلك عقيدة ابن تومرت في الصحابة سليمة، فهو يترضى على جميعهم دون استثناء، ويقبل حديثهم جميعا، ويصحح خلافة الأربعة الراشدين جميعا بالترتيب الذي يذكره أهل السنة.
– ومنه فإن ابن تومرت أشعريّ صرف، ولا يؤثر في ذلك عدم تصريحه بمصادره في رسائله، وسبب ذلك هو الاختصار، ومحاولة جعل العقيدة في متناول عموم الناس، وسعيه لمحو آفة التقليد المنتشرة في زمانه، فضلا عن تأكيد العصمة التي نسب نفسه إليها.
– وأما إعلانه بأن الإمامة ركن من أركان الدين، وأن الإمام لا يكون إلا معصوما، وأنه المهدي، وتكفيره لمن أنكر ذلك أو شك فيه؛ فهي أمور ثابتة قطعًا عنه، والذي يظهر لي أنه لم يلجأ إلى هذه الادعاءات لشبهات قامت لديه، ولكن لهوى في نفسه وتطلعه للرياسة، وللتغرير بالبربر الذين غلب عليهم الجهل بأحكام الإسلام، فيحوّل وجوههم إليه، ويكونون له أنصارا ضد خصومه المرابطين، فهذه الادعاءات لا تختلف عن ادعاء النسب الحسني، والذي كان غرضه جلب تأييد العامة وإقناعهم بتحقق أوصاف المهدي فيه وبأحقيته بالخلافة دون غيره.
– ومنه فإن مشابهته للشيعة في القول بركنية الإمامة أو اشتراط العصمة في الإمام لا يؤثر في انتسابه للأشعرية، ويبقى ذلك شذوذا -أو فلتة منه على حد تعبير ابن خلدون الذي أحسن الظن به-، كما أن تكفيره للمخالفين واستباحته لدمائهم لا يجعله من الخوارج؛ وإن كان مشابها لهم في أفعالهم، وتكفير العوام والمخالفين ليس خاصية خارجية، بل هو جزء من العقيدة الأشعرية، وقد بينا تناقضه إذ كان من لوازم بعض قواعده التي تبع فيها الجويني التورع عن التكفير.
– ومهما تكن عقيدة ابن تومرت في الباطن فإن الأشعرية قد رضوا عن عقيدته في المغرب والمشرق، ثم إن القول بعصمته ومهدويته قد تلاشى شيئا فشيئا مع سقوط الموحدين، وقد وجدنا كثيرا من الأشاعرة يقرّ بمهدويته حتى بعد زوال الموحدين كابن عرفة والبرزلي، والأمر الثابت تاريخيّا بقاء الأشاعرة معتمدين على مرشدته معظِّمين لها إلى عصور متأخرة، بل إن بعض المشارقة ما زالوا يلقّنونها أطفالَهم لكنهم ينسبونها للفخر ابن عساكر خطأً.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (141) تحقيق: صلاح الدين الهواري، المكتبة العصرية، ط1، 1426هـ.
([2]) فوقية حسين، في مقدمة لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول للمكلاتي (42) دار الأنصار، ط1، 1977م.
([3]) انظر: أعز ما يطلب -مقدمة عمار طالبي- (ص: 7)، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، 1985م.
([5]) أعز ما يطلب (214). وقال في (211): “وبضرورة العقل يعلم وجود الباري سبحانه”.
([6]) ينظر: نهاية الإقدام للشهرستاني (122-123) تحقيق: ألفرد جيوم، مجموع الفتاوى لابن تيمية (2/ 12).
([7]) الشامل في أصول الدين (282-283)، تحقيق: علي سامي النشار، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1969م.
([8]) أعز ما يطلب (214). وانظر: (211).
([9]) اللمع (17-18)، تحقيق: حمود غرابة، مطبعة مصر، 1955م. وانظر أيضا: الشامل للجويني (263).
([10]) ينظر: الصفدية لابن تيمية (1/ 174)، تحقيق: محمد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية، مصر، ط2، 1406هـ.
([11]) أعز ما يطلب (215)، واقتصر عليه في موضع آخر (211)، وسماه عبد المجيد النجار: دليل حدوث الآفاق في مقابل حدوث النفس، حيث اعتبر الدليلين تطبيقين لدليل الحدوث. انظر: المهدي ابن تومرت (195).
([12]) العقيدة النظامية (16)، تحقيق: الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، 1412هـ.
([13]) الاقتصاد في الاعتقاد (25-26)، تحقيق: عبد الله الخليلي، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1424هـ.
([14]) انظر: درء تعارض العقل والنقل (9/ 112، 126، 164-165)، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام ابن سعود الإسلامية، ط2، 1411هـ-1991م.
([15]) ونُقل عن غيرهم غيرها، انظر: شرح الإرشاد للمقترح (102-104)، البحر المحيط للزركشي (1/ 71-72)، المنهج السديد للسنوسي (64-66). وقيل: أول واجب الإقرار، نقله الأشعري، ونقله الأشاعرة بعده مضعِّفين له دون نسبته لمعين.
([16]) نقل نصه في درء تعارض العقل والنقل (7/ 440). وفي البرهان (1/ 100، 2/ 742-743) وأجوبتِه لعبد الرحمن الصقلي ما يدلّ على ذلك.
([17]) الاقتصاد في الاعتقاد (14)، إحياء علوم الدين (1/ 14) دار المعرفة، بدون تاريخ.
([18]) رواه البخاري (1458) واللفظ له، ومسلم (19).
([20]) بين في أثناء مناقشته للمعتزلة أن المسترشد هو الموحد غير المكابر. أعز ما يطلب (208).
([24]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 71، 13/ 349)، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
([25]) أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين للبيذق (2)، تحقيق: لافي نرونسفال، طبعة باريس، 1928م.
([26]) ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (19/ 550)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط3، 1405هـ.
([28]) البرهان في أصول الفقه (1/ 106)، تحقيق: عبد العظيم ديب، مطابع الوفاء المنصورة مصر، 1991م.
([29]) ينظر: الرد على المنطقيين لابن تيمية (ص: 150-154) دار المعرفة، بيروت.
([31]) ينظر: شرح أم البراهين للسنوسي (29، 33)، تحقيق: مصطفى الغماري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1989م، وشرح جوهرة التوحيد للباجوري (85)، تحقيق: محمد أديب كيلاني، بدون دار النشر وتاريخ النشر.
([36]) قال السنوسي في أم البراهين: “وقيامه تعالى بنفسه أي: لا يفتقر إلى محل ولا مخصص”. شرح أم البراهين (31).
([37]) ينظر: الشامل في أصول الدين للجويني (296، 629-634)، وشرح الإرشاد للمقترح (1/ 308)، تحقيق: نزيهة معاريج، مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، تطوان، ط1، 1435هـ، والمنهج السديد شرح كفاية المريد للسنوسي (214)، تحقيق: مصطفى مرزوقي، دار الهدى عين مليلة الجزائر، ط1، 1994م.
([39]) تنسب لابن تومرت منظومة باللغة البربرية اسمها: عشرون صفة، فإن صحت عنه أو صحّ أن الناظم نظم كتابا ألفه ابن تومرت باللسان البربري، فإن ذلك يكون دليلا على إثباته الصفات المعنوية -الأحوال- إضافة إلى صفات المعاني. انظر: المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية لخالد زهري (1/ 133)، الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب، ط1، 1438هـ.
([42]) أعز ما يطلب (208). وانظر: (219).
([45]) نظم الجمان (134)، تحقيق: محمود علي مكي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1990م.
([46]) ابن رشد الحفيد سيرة وثائقية لمحمد بن شريفة (ص: 48)، نقلا عن ابن رشد وعقيدة المهدي ابن تومرت لمحمد أبلاغ (ص: 17-18)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات 2018م:
https://mominoun.com/pdf1/2018-08/toumert.pdf.
([47]) أعز ما يطلب (221). انظر: الإرشاد للجويني (182-183)، تحقيق: محمد يوسف موسى، مكتبة الخانجي، 1369هـ.
([48]) ينظر: المغني للقاضي عبد الجبار (5/ 179)، تحقيق: محمود قاسم، الدار المصرية للتأليف، والمجرد لابن فورك (42)، تحقيق: دانيال جيماريه، دار المشرق بيروت، 1987م، وشرح الإرشاد للمقترح (1/ 429-430)، والمنهج السديد للسنوسي (282-283).
([50]) انظر موقف الجويني في: الإرشاد (155-157)، والعقيدة النظامية (33)، وشرح الإرشاد للمقترح (1/ 481-484).
([51]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (141).
([52]) انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 465-466،470)، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1، 1426هـ، وشرح العقيدة الأصفهانية (41)، تحقيق: محمد بن رياض الأحمد، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 1425هـ.
([54]) مجموع الفتاوى (11/ 488).
([56]) ينظر: درء تعارض العقل والنقل (10/ 299)، وغالب الظن أن ابن تيمية نقل هذا من شرح ابن رشد لعقيدة ابن تومرت.
([57]) انظر: الفتاوى الكبرى (3/ 501)، ومنهاج السنة النبوية (3/ 297)، ومجموع الفتاوى (35/ 142)، ودرء تعارض العقل والنقل (5/ 20)، والنبوات (1/ 401-402) تحقيق: عبد العزيز الطويان، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1420هـ.
([59]) درء تعارض العقل والنقل (3/ 440).
([61]) الفتاوى الكبرى (6/ 622).
([62]) بيان تلبيس الجهمية (1/ 470). وينظر: تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف، دار المعارف، مصر، ط1، 1960م.
([63]) ينظر: البرهان للجويني (1/ 220-222). وإلكيا موافق له في الظاهر، فقد جعل العموم من عوارض الألفاظ، وأنكر قول الواقفية كشيخه. انظر: البحر المحيط للزركشي (4/ 15، 68) دار الكتبي، ط1، 1414هـ.
([64]) ينظر: البرهان للجويني (1/ 162-163).
([67]) أعز ما يطلب (63)، البرهان للجويني (1/ 162-163).
([72]) انظر: التصريح بذلك في: اللمع للأشعري (116) تحقيق: فوقية حسين، عالم الكتب، بيروت، ط2، 1407هـ، والمجرد لابن فورك (96)، والعقيدة النظامية للجويني (35-36)، ورسالة إلى أهل الثغر لابن مجاهد (المنسوبة للأشعري) (253)، تحقيق: عبد الله شاكر الجنيدي، مكتبة العلوم والحكم، ط2، 1422هـ.
([74]) ينظر: الإرشاد إلى قواطع الأدلة للجويني (258)، تحقيق: محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم، مكتبة الخانجي مصر، 1369هـ.
([75]) المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (270-271)، دار الغرب الإسلامي بيروت، ط1، 1403هـ-1983م.
([79]) أعز ما يطلب (53-54، 90، 114، 209).
([81]) المنخول للغزالي (81) تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر دمشق، ط3، 1419هـ.
([82]) ينظر: البحر المحيط للزركشي (2/ 134)، دار الكتبي، ط1، 1414هـ.
([83]) ينظر: اللمع للأشعري (123)، والإرشاد إلى قواطع الأدلة للجويني (397)، والعقيدة النظامية (84)، والكامل في أصول الدين لابن الأمير (2/ 827)، تحقيق: جمال عبد الناصر، دار السلام القاهرة، ط1، 1431هـ.
([84]) ينظر: نكت المحصول لابن العربي (192-193)، تحقيق: حاتم باي، دار ابن حزم.
([85]) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/ 505)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط3، 1424هـ-2003م.
([86]) الإبانة عن أصول الديانة (ص: 27)، تحقيق: فوقية حسين محمود، دار الأنصار، القاهرة، ط1، 1397هـ.
([87]) انظر: العقيدة النظامية للجويني (89)، والمنهج السديد للسنوسي (440).
([92]) انظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (260).
([93]) الإرشاد إلى قواطع الأدلة (397).
([94]) العقيدة النظامية (86-87).
([96]) ينظر: النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (1/ 151)، تحقيق: عبد الفتّاح محمد الحلو، دار الغرب الإسلامي، بيروت ط1، 1999م، والتمهيد لابن عبد البر (4/ 225-226)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387هـ.
([98]) أعز ما يطلب (315-317، 321).
([101]) انظر: سلاسل الذهب للزركشي (443-444)، تحقيق: محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي، ط2، 1423هـ، والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين لمحمد لَعروسي عبد القادر (44، 295، 323)، مكتبة الرشد.
([103]) ينظر: البرهان للجويني (2/ 865)، البحر المحيط للزركشي (8/ 290-291).
([104]) ينظر: الإرشاد (306)، والاقتصاد في الاعتقاد (104)، وشرح الأصول الخمسة (564)، تحقيق: عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة.
([106]) النبوات (2/ 917). وانظر: مجموع الفتاوى (8/ 72).
([109]) أعز ما يطلب (309-313).
([112]) أعز ما يطلب (147). وقضية المسح على الخفين في حد ذاتها تحمل في طياتها دلائل الانتماء كما هو معروف.
([113]) أعز ما يطلب (231-232).
([114]) أعز ما يطلب (251، 252، 289، 295).
([115]) أعز ما يطلب (111، 287، 293، 308، 312، 313، 314).
([116]) أخبار المهدي ابن تومرت (71)، تحقيق: عبد الحميد حاجيات، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1395هـ-1975م. وينظر: تاريخ الإسلام للذهبي (11/ 419)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1424هـ. والعبارة المنقولة في: أعز ما يطلب (238).
([117]) الفتاوى الكبرى (3/ 501).
([118]) سير أعلام النبلاء (19/ 552).
([119]) الاعتصام (3/ 159)، تحقيق: الشقير والحميد والصيني، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، ط1، 1429هـ.
([120]) ينظر: تاريخ الإسلام للذهبي (11/ 417).
([121]) انظر تقرير نحو ذلك على لسان ابن تيمية في: المجموع (11/ 478).
([122]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (141).
([123]) أعز ما يطلب (292). والحديث في صحيح مسلم (2408).
([124]) منهاج السنة النبوية (8/ 259). أما قول فوقية حسين: “إنه قريب من الزيدية” فهو قول ليس له ما يسنده. لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول للمكلاتي (40).
([125]) تاريخ ابن خلدون (6/ 305)، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1408هـ-1988م.
([129]) الاقتصاد في الاعتقاد (127).
([131]) أعز ما يطلب (230-231).
([134]) أعز ما يطلب (238-239).
([135]) المهدي ابن تومرت (245).
([136]) أعز ما يطلب -مقدمة عمار طالبي- (5).
([137]) المسالك شرح الموطأ لابن العربي -مقدمة السليماني- (1/ 49). أما ما زعمته فوقية حسين محمود من أنه تعمد خلط العقائد الأشعرية والخارجية والاعتزالية والشيعية من أجل إرضاء المنازع المذهبية التي وجدت قبله ويضمن سكوتها، فزعم بعيد عن الواقع؛ لأنه لم يجمع كل ذلك من جهة، ولأن إسكات المخالف كان بقوة السيف لا غير، بل إن دعواه العصمة هو موجب أن ينفر عنه الأغلبية الساحقة التي كانت في المغرب الإسلامي سلفيةً لا شيعية. تنظر مقدمتها للباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول لأبي الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي (ص32، 43).
([138]) ينظر: فضائح الباطنية للغزالي (42)، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة، القاهرة، 1382هـ-1964م، ومنهاج السنة النبوية (2/ 452).
([139]) ينظر: صورة الأرض لابن حوقل (90)، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1992م، ومعجم البلدان لياقوت (1/ 225) دار صادر، بيروت، ط2، 1995م.
([140]) ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 477). وانظر نحو هذا في الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى (2/ 96).
([141]) انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي (212)، والاستقصا لأخبار المغرب الأقصى (2/ 238)، والمغرب والأندلس في عهد المنصور الموحدي لليلى أحمد نجار (2/ 471-472) رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، 1409هـ، ومقدمة فوقية حسين للباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول لأبي الحجاج المكلاتي (45).
([142]) ينظر: المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية لخالد زهري (1/ 195).
([143]) وثمة مظهر آخر يمكن إضافته وإن كانت دلالته على المطلوب أضعف، وهو محتوى الكتب العقدية التي ألفت في العصر الموحدي، وهي كلها أشعرية بحتة، وهناك من اهتم بتتبعها، فلا حاجة لتطويل هذا البحث بإعادة ذكرها. المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية لخالد زهري (1/ 127-227).
([144]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (139).
([145]) طبقات الشافعية الكبرى (6/ 109، 8/ 185، 186)، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1413هـ.
([146]) تاريخ ابن خلدون (6/ 302).
([147]) تفسير ابن عرفة (4/ 127)، تحقيق: جلال الأسيوطي، دار الكتب العلمية بيروت، 2008م.
([148]) جامع مسائل الأحكام (6/ 366)، تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلامي ط1، 2002م.
([149]) ينظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (6/ 109، 8/ 185).
([150]) الاعتصام (3/ 159). ومع كثرة نقده لابن تومرت والتمثيل ببدعه لم يذكره باسمه أبدا، بل يقول: “المهدي المغربي” ولا يزيد. ويبقى باب التساؤل عن سبب ذلك مفتوحا، هل هو التحقير أم الخوف من سطوة المعظِّمين له ولعقيدته بالأندلس؟
([151]) ينظر: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي (4/ 51)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ.
([152]) انظر: المهدي ابن تومرت (456، 463-464).
([153]) طبقات الشافعية الكبرى (8/ 186).
([154]) صدر عن دار الغرب سنة 1993م، وانظر في تثبيت النسبة: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (456)، وتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ليوسف أحنانة (125)، منشورات وزارة الأوقاف بالمملكة المغربية، ط3، 1438هـ، والمصادر المغربية للعقيدة الأشعرية لخالد زهري (1/ 214-215).
([155]) ينظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (456)، وتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي (125).
([156]) ينظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (456)، زتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي (125-126).
([157]) ينظر: أعز ما يطلب -مقدمة عمار طالبي- (ص: 16)، والمهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (451)، وتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي (125). ووترجمة مؤلفها في: نيل الابتهاج (472)، ونفح الطيب (5/ 343).
([158]) ينظر: المهدي ابن تومرت (454)، وتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي (125), والمصادر المغربية للعقيدة الأشعرية لخالد زهري (1/ 163)، وجعله في فترة الموحدين (541هـ-668هـ).
([159]) المواهب القدوسية للملالي (365)، تحقيق: علال بوربيق، دار كردادة الجزائر، ط، 2011م.
([160]) تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ليوسف أحنانة (126)، والمهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (452). وذكر القلصادي في رحلته (111) ممن لقيه في وهران: الفقيه يحيى الهنيني.
([161]) تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ليوسف أحنانة (126)، وسنة وفاته في طبقات الحضيكي (577).
([162]) تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي (126).
([163]) ينظر: المهدي ابن تومرت، لعبد المجيد النجار (451).
([164]) ينظر: المهدي ابن تومرت (460).
([165]) المدخل لصناعة المنطق لابن طلموس (11، 12)، تحقيق: ميكائيل أسين بلاصيوس، المطبعة الأبريقية مجريط 1916م.