الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

سُنّة لَعْقِ الأصابع بعد الأكل.. والجواب على شبهات العقلانيين

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 كانتِ البشريةُ في انحطاط عقديّ وأخلاقي، إذ كانت التقاليد والأعراف مبنيةً على الهوى والجشَع والأطماع، والقويُّ في مجتمعاتها يتسلَّط على الضعفاء، حتى جاء الإسلام وانتشل العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأطلقهم من أغلال عادات الجاهلية وقيودها المخالفة للفطرة السليمة التي فطر الناس عليها؛ فقام سوق الخير، وكسد سوق الفساد الذي يقتات فيه أهل الغواية والإفساد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق» وفي روايةٍ: «صالحَ الأخلاقِ»([1]).

فلما نُزِع البساط من تحت أرجلهم، وقل أتباعهم، وظهرت سفاهة أحلامهم؛ بدؤوا يحيكون المؤامرات، ويضعون العقبات تلو العقبات، وتنوَّعت وسائل صدِّهم عن سبيل الله تعالى، ومنها الطعن في صلاحية التعاليم الإسلامية في مواكبة العصر، وأنها تعيق التقدم والرقي، ورمَوها بالرجعية والتخلف؛ محاولة منهم لإقصاء تعاليم الدين عن أن تكون حاضرة في المجتمعات في تعاملاتهم وسلوكيات أفرادهم، ومحاولة منهم لإظهار الهوية الإسلامية بصورة منفرة للناس، قال تعالى: }يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8[.

ومن المسائل التي يدندنون حولها ويثيرونها من وقت لآخر الطعن في أحاديث نبوية صحيحة والمطالبة بإهمال العمل بها؛ بدعوى أنها لا تتوافق مع “الذوق العام”، وأن الدين الإسلامي لا تتوافق تعاليمه مع الذوق العام للعصر الحديث، وفي كل مرة يثيرون الشبهات حول سنّة نبوية فعلية أو قولية، ويدلّلون بها على أنه ما كان صالحًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كله صالحًا في هذا الزمن، وهم هذه المرة يثيرون الشبهات والأغاليط في سنة لعق الأصابع بعد الأكل، وفيما يلي من سطور سنفنّد هذه الأباطيل، ونردّ على الشبهات بعون الله تعالى، إظهارًا للحق، وإبطالًا للباطل، والله من وراء القصد.

أولًا: نصّ الحديث ومكانته:

نصّ الحديث:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْها، فَلْيُمِطْ ما كانَ بها مِن أذًى ولْيَأْكُلْها، ولا يَدَعْها لِلشَّيْطانِ، ولا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيلِ حتَّى يَلْعَقَ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يَدْرِي في أيِّ طَعامِهِ البَرَكَةُ»، وفي رواية: «ولا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيلِ حتَّى يَلْعَقَها أوْ يُلْعِقَها…»([2]).

وعن ابن عباس أَنَّ النَّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا»([3]).

وعن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ: وَقَالَ: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ»، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ([4])، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ»([5]).

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كانَ يَأْكُلُ بثَلَاثِ أَصَابِعَ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا([6]).

والمقصود باللعق في هذه الأحاديث هو المصّ، أي: مصّ الأصبع أو الكفّ حتى لا يبقى به أثر الطعام، يبين ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَعِمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَمُصَّهَا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ»([7]).

قال النووي: “في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل، منها استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام وتنظيفا لها، واستحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر بأن يكون مرقا وغيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار، واستحباب لعق القصعة وغيرها، واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن وقعت على موضع نجس تنجّست ولا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانًا ولا يتركها للشيطان”([8]).

ثانيًا: عرض الشبهة ووجه الإشكال عندهم:

يطالب زاعمو التحضَّر والتقدم بإلغاء أدب من الآداب النبوية في الأكل وهو: لعق أصابع اليد بعد الأكل، وشبهتهم في هذا الطلب ما يلي:

1- أنه لا يتوافق في عصرنا مع الذوق العام، وهو مخالف لتقاليد بعض البلدان وأعرافهم.

2- أن هذا الفعل مما يستقذره الناس لعود إدخال اليد بعد لعقها في الطعام مرة أخرى وهي ملطخة بلعاب صاحبها، وسبب لتفشي الأمراض وانتقالها إلى من يأكل معه.

ثالثًا: الرد على الشبهة:

1- ادعاء عدم مناسبة لعق الأصابع في عصرنا للذوق العام ومخالفته لتقاليد بعض البلدان وأعرافهم:

إن تعاليم الشريعة الإسلامية جاءت مهيمنة وحاكمة على جميع الأعراف والتقاليد والأذواق، وهذا الدِّين هو خاتم الأديان وناسخ لما قبله، ورسوله هو خاتم المرسلين؛ ولازم هذا أن كل ما شرعه الله تعالى فهو صالح لكل زمان ومكان ولكل عصر إلى يوم القيامة؛ لأنه شرعٌ من لدن حكيم خبير، وهو عليم بما كان وما سيكون، وهو بكل شيء عليم.

ومما يدل على أن شريعة الله تعالى هي الأصل وأن ما سواها يكون تبعًا وشريعة الله تعالى هي مصدر التشريع وهي التي تحكم التقاليد والأعراف والأذواق فتبيح وتهذب وتحرم: قول الله تعالى: }وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ{ [البقرة: 213].

وبين الله تعالى أن مرجع الأمر عند الاختلاف إلى ما شرعه، وأن من تحاكم إلى غيره فقد تحاكم إلى الطاغوت، وقد أمرنا أن نكفر به، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النساء: 59-61].

فادعاء عدم مناسبة ما شرع الله تعالى للأعراف والتقاليد والذوق العام ادعاء باطل، وإنما هو في الحقيقة عدم مناسبة الشريعة لأهوائهم، والله تعالى يقول: }وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71[.

وخير دليل على أنهم يتبعون أهواءهم وأن “الذوق العام” آخر اهتماماتهم مسألة اللحية، وكيف أنهم رموها بالرجعية والتخلف، ورموها بالتشدد ومخالفة الذوق العام، وأنها منظر منفر ومقزز ومستقذر، وعائق للتقدم والتحضر؛ حتى صار الشباب المسلم يخجل من إعفاء لحيته، وكان سبب خجلهم أنه مظهر من مظاهر الإسلام الذي جعلوه علامة على التخلف والرجعية والتطرف؛ فحاربوها، وسخروا منها ومن أهلها، وأظهروهم في الإعلام حمقى ومغفلين… إلخ، ثم فجأة نجدهم اليوم يتسابقون لإعفاء اللحية وبشكل كثيف، فما الذي تغيَّر؟!

إنه اتباع الهوى، وانهزامية الروح، والشعور بالنقص، وتقليد الغرب، والاقتداء بنجوم الرياضة والغناء ومشاهير الفن، ولا علاقة لها بالذوق العام، لا من قريب ولا من بعيد.

ومن المغالطات في مسألة “الذوق” ادعاء أن مرجع تحديد الحسن والقبيح من “الذوق” هو الطبائع والأعراف فقط، وقالوا كذبًا وزورًا أن لا علاقة لها بالدِّين، والله تعالى يقول: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤْمِنُ أحَدُكم حتى يَكونَ اللهُ ورسولُه أَحَبَّ إليه ممَّا سِواهما، وحتى يُقذَفَ في النارِ أَحَبُّ إليه مِن أنْ يَعودَ في كُفرٍ بعْدَ إذْ نَجَّاهُ اللهُ منه، ولا يؤْمِنُ أحَدُكم حتى أَكونَ أحَبَّ إليه مِن ولَدِه ووالِدِه والناسِ أجمعينَ»([9]).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لما جئتُ بِهِ»([10]).

فمن آمن حق الإيمان فإن هواه في الذوق العام والأعراف والتقاليد سيخضع لشرع الله تعالى، لا أن الشرع سيخضع للأذواق والأعراف والتقاليد.

ونعلم أن سبب هلاك من سبقنا من الأمم السالفة أنهم أخضعوا الشرع المنزَّل من عند الله لتقاليدهم وأعرافهم؛ فلما لم تتوافق أعرضوا وكذَّبوا الرسل، فكانت العاقبة استئصالهم بالعذاب، قال تعالى: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ{ [البقرة: 170]، وقال تعالى: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ{ [المائدة: 104].

قال ابن القيم رحمه الله: “لما أعرض الناس عن تحكيم كتاب الله والسُنَّةِ والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ؛ عرضَ لهم من ذلك فسادُ فِطَرِهم، وظُلمةٌ في قلوبهم، وكَدرٌ في أفهامهم، ومحقٌ في عقولِهِم، وعَمَّتْهم هذه الأمورُ وغلبت عليهم؛ حتى رُبي فيها الصغير وهرم عليها الكبيرُ، فلم يَرَوْها منكرًا”([11]).

2- أن لعق الأصابع يستقذره الناس لعود إدخال اليد في الطعام مرة أخرى بعد لعقها وهي ملطخة بلعاب صاحبها، فيكون سببًا لتفشي الأمراض وانتقالها إلى من يأكل معه:

قد تبين لنا مما سبق أن سنة لعق الأصابع ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة، وحينما أخطأ بعض الحريصين على السنَّة في تطبيق السنَّة كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم عَرَّض سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم للنقد، ونفر النَّاس عن هذا الأدب العظيم من آداب الأكل.

فاستقذار اللعق سببه عدم التطبيق الصحيح لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلو علم المعترض حقيقة سُنَّة اللَّعق لما وجده مستقذَرًا، ولانتفَى سببَا الاعتراض: الاستقذار، والتلويث.

فإن الاستقذار والتلوُّث يمكن أن يحصل فيما لو لعق الآكل أصابعه أثناء أكله، وهذا هو التطبيق الخاطئ لسنة اللعق.

والتطبيق الصحيح لهذه السُّنَّة: أن يكون لعق الأصابع بعد الانتهاء من الأكل وقبل غسل اليد أو مسحها بمنديل ونحوه، كما جاءت صريحة بذلك في الأحاديث الواردة في اللعق، ففيها: «ولا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيلِ حتَّى يَلْعَقَ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يَدْرِي في أيِّ طَعامِهِ البَرَكَةُ»([12])، وأيضًا: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا»([13]). وقال كعب رضي الله عنه: كانَ يَأْكُلُ بثَلَاثِ أَصَابِعَ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا([14]). وفي حديث جابر رضي الله عنه جاءت اللفظة صريحة من قوله عليه الصلاة والسلام: «فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ»([15]).

فسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم إذًا أن يكون اللَّعقُ للأصابع بعد الانتهاء من الأكل وقبل الغسل أو المسح.

وينبغي تنبيه من يفعل ذلك قبل الانتهاء من الأكل؛ لئلا يستقذر من يأكل معه في صحن واحد؛ لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه.

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: “تنبيه: في الأحاديث المذكورة الرد على من كره لعق الأصابع استقذارًا، ومن ثم قال الخطابي: عاب قوم -أفسدَ عقولَهم التَّرَفُّهُ- لَعْقَ الأصابع، وزعموا أنه مستقبح، كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع والصحفة جزء مما أكلوه، فإذا لم يستقذر كله فلا يستقذر بعضه، وليس فيه أكثر من مصها ببطن الشِّفة، ولا يشك عاقل أنه لا بأس بذلك، وقد يُدْخِلُ الإنسان أصابعه في فيه فيدلكه ولم يستقذر من ذلك أحد. انتهى ملخّصًا -يعني كلام الخطابي- ويؤيّده أن الاستقذار إنما يتوهم في اللعق أثناء الأكل؛ لأنه يعيدها في الطعام وعليها آثار ريقه، وهذا غير سنة كما مر. واعلم أن الكلام فيمن استقذر ذلك من حيث هو لا مع نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا خُشِي عليه الكفرُ؛ إذ مَنِ استقذر شيئًا من أحواله صلى الله عليه وسلم مع علمه بنسبته إليه صلى الله عليه وسلم كفر”([16]).

ونشير أيضًا إلى أنَّ الاستقذار والتلوّث منتفٍ كذلك إذا لم يكن يشاركه في صحنه أحد آخر، فلا وجه للاستقذار أو خشية التلوث.

ومما أوردوه كذلك في أحاديث لعق الأصابع ما جاء في بعض الروايات في قوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «يَلْعَقهَا أَوْ يُلْعِقهَا» أنه من المستقذر أن يأمر الآكل غيره أن يَلعق يده.

وقد أجاب الإمام النووي رحمه الله عن ذلك فقال: “وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: «يَلْعَقهَا أَوْ يُلْعِقهَا» معناه -والله أعلم- لا يمسح يده حتى يَلعَقها، فإن لم يفعل فحتى يُلعِقها غيره ممن لا يتقذَّر ذلك؛ كزوجة وجارية وولد وخادم يحبّونه ويلتذّون بذلك ولا يتقذَّرون”([17]).

وأيضًا: سنة لعق الأصابع مقيّدة بما لم يكن في ذلك ضرر وأذى في اليد من جرح ونحوه، وإلا فلا يعرّض الإنسان نفسه للمرض والأذى، وهذا معلوم من قواعد الشرع في المحافظة على الصحة، كقاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، والشريعة جاءت بجلب المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها. وقد خلق الله الإنسان وأمره بأن يتصرف في بدنه وأعضائه بما يعود عليه بالنفع العاجل والآجل، وحرم عليه الإضرار بها أو الاعتداء عليها.

وقد ثبت بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة أن جميع بني آدم ملك لله حقيقة، وهو سبحانه أوجب عليهم المحافظة على أنفسهم وأعضائهم، وحرم عليهم الإضرار بها.

ومن التشريعات الوقائية في الهدي النبوي في هذا الباب غسل اليدين قبل الطعام، وهذا واضح الدلالة في العناية بالصحة، فعن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ، يَعْنِي وَهُوَ جُنُبٌ([18]). وفي رواية: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ -قَالَتْ:- غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ([19]).

رابعًا: مسائل متعلقة بسنة لعق الأصابع:

1- الحكمة من لعق الأصابع بعد الأكل:

ليس من الضروري أن يعرف المسلم الحكمة من أحكام الشريعة الإسلامية، ويكفي المسلم أنها من لدن حكيم خبير، وأن على المسلم التسليم لأمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن أحيانًا يذكر الله تعالى أو نبيه صلى الله عليه وسلم الحكمة في بعض الأحكام ترغيبًا لامتثال الأمر، ومن ذلك حكمة لعق الأصابع؛ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الأكل بركة فقال: «ولا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيلِ حتَّى يَلْعَقَ أصابِعَهُ؛ فإنَّه لا يَدْرِي في أيِّ طَعامِهِ البَرَكَةُ»([20]).

قال النووي: “وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدرون في أيه البركة» معناه -والله أعلم- أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو في ما بقي في أسفل القصعة، أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا -والله أعلم- ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى، ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك”([21]).

وقد جاءت رواية تبين أين تكون هذه البركة، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل أحدُكم الطَّعامَ فلا يمسَحْ يدَيْه حتَّى يلعقَها أو يُلعقها، ولا يرفعُ صحفةً حتَّى يلعقَها أو يلعقها، فإنَّ آخرَ الطَّعامِ فيه برَكةٌ»([22]).

ويمكن أن نلخص أهم فوائد لعق الأصابع فيما يلي:

1- الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

2- التواضع؛ إذ إن هذا الأمر لا يفعله من في قلبه كبر.

3- نيل البركة التي يجعلها الله تعالى في الطعام.

4- تقدير النعمة والمحافظة على الطعام مهما قلَّت أو دقَّت، وحرمان الشيطان من أكلها.

2- أسباب هجر السنن:

من أبرز أسباب هجر سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:

السبب الأول: الجهل بالسنة.

السبب الثاني: اتباع الهوى.

وقد ذكرهما الشاطبي رحمه الله فقال: “سَبَبُ الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ: الْجَهْلُ بِهَا، وَالْهَوَى الْمُتَّبَعُ الغَالِبُ على أهل الخلاف”([23]).

السبب ثالث: الهزيمة النفسية، فالإعلام المعادي للإسلام يهدف إلى زرع الهزيمة في نفوس أبناء الإسلام، حتى يظن البعض أن إظهار السُّنة وإحياءها تخلُّف ورجعية، فيخشون أن يوصموا بالتخلف والرجعية والتشدّد والإرهاب.

السبب الرابع: عدم تعظيم السُّنة في القلوب.

إن من أعظم أسباب هجر السنة والإعراض عنها عدم تعظيم السنة في القلب؛ وقد عظم الله تعالى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه فقال جل وعلا: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{ [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه: }مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ{ [النساء: 80]، وقال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{ [الأحزاب: 21].

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم على قدر كبير من التعظيم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ”([24]).

علَّق ابن بطة رحمه الله على هذا بقوله: “هذا -يا إخواني- الصدِّيق الأكبر، يتخوَّف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟!.. نسأل الله عصمة من الزلل، ونجاة من سوء العمل”([25]).

وعن أبي قلابة قال: “إذا حدَّثت الرجل بالسُّنة فقال: دعنا من هذا وهات كتاب الله فاعلم أنه ضال”([26]).

علَّق الذهبي على هذا بقوله: “وإذا رأيت المتكلِّم المبتدع يقول: (دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل) فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: (دعنا من النقل ومن العقل وهات الذوق والوجد) فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر، أو قد حلَّ فيه، فإن جبنت منه فاهرب، وإلا فاصرعه، وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه”([27]).

مقال مالك بن أنس رحمه الله: “السُّنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق”([28]).

وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: “من رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة”([29]).

وقد كان السلف الطيب يشتدُّ نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيٍ أو قياسٍ أو استحسانٍ أو قول أحدٍ من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يَضرب له الأمثال، ولا يسوّغون غير الانقياد له والتسليم والتلقِّي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله([30]).

ختامًا: من تعظيم سنة النبي e تطبيقها في حياة الناس، وقد جاءت الشريعة بما فيه صلاح البشرية في دينهم ودنياهم، فما من خير إلا ودلتنا عليه، وما من شر إلا وحذرتنا منه، وإن سنة لعق الأصابع من سنن آداب الطعام الواردة عن المصطفى e قولًا وعملًا، وحري بالمسلم أن يعتز بدينه ويفخر بتطبيقه، فهو دين النظافة والفطرة، والحمد لله الذي أتم لنا هذا الدين وأكمله، ورضي لنا الإسلام دينًا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) رواه البخاري في الأدب المفرد (207)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (45).     

([2]) رواه مسلم (2033).         

([3]) رواه البخاري (5456)، ومسلم (2031).     

([4]) نَسْلُت الْقَصْعَة: نَمْسَحهَا وَنَتَتَبَّع مَا بَقِيَ فِيهَا مِنْ الطَّعَام.   

([5]) رواه مسلم (2034).         

([6]) رواه مسلم (2032).         

([7]) رواه ابن أبي شية (24934).         

([8]) شرح صحيح مسلم (13/ 203-204).

([9]) رواه البخاري (16)، ومسلم (43)، وأحمد (13959) واللفظ له.

([10]) رواه ابن أبي عاصم في السنة (15)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 368)، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (209) باختلاف يسير، وصحح إسناده الذهبي في الكبائر (468)، وقال ابن حجر في فتح الباري (13/ 302): “رجاله ثقات”، وصححه النووي في الأربعين (41).

([11]) الفوائد (ص: 65).

([12]) رواه مسلم (2033).        

([13]) رواه البخاري (5456)، ومسلم (2031).   

([14]) رواه مسلم (2032).

([15]) رواه مسلم (2033).

([16]) أشرف الوسائل (ص: 205).

([17]) شرح صحيح مسلم (13/ 206).

([18]) رواه النسائي (256)، وابن أبي شيبة (658)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (390).

([19]) رواه النسائي (257)، وصححه الألباني أيضا.

([20]) رواه مسلم (2033).        

([21]) شرح صحيح مسلم (13/ 206).

([22]) رواه أحمد (2672)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج المسند (4/ 234)، والألباني في السلسلة الصحيحة (391).

([23]) الاعتصام (1/ 38).

([24]) رواه مسلم (1759).

([25]) الإبانة الكبرى (1/ 245).

([26]) ينظر: طبقات ابن سعد (7/ 184).

([27]) سير أعلام النبلاء (4/ 472).

([28]) ينظر: ذم الكلام وأهله (5/ 81).

([29]) ينظر: طبقات الحنابلة (2/ 15).

([30]) إعلام الموقعين لابن القيم (4/ 244).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017