بيانُ شذوذِ القولِ بجواز التضحية بالطيور
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد: فالأضحية من شعائر الله تعالى، وقد قال تعالى ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32] ومن تعظيم هذه الشعيرة، الالتزام بالهدي الوارد فيها، ومتابعة النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به في هذا الباب، وعدم العبث بأحكام وشروط هذه الشعيرة العظيمة، والذي كثر في هذا الزمان، تارة باسم مقاصد الشريعة، وباسم التيسير تارة اخرى، وبذريعة الخلاف الفقهي تارة ثالثة.
وسبب هذا –والله أعلم- أن كثيرًا ممن تشبع بالثقافة المادية المعاصرة، لا يستسيغ فكرة التقرب إلى الله بنهر دم بهيمة الأنعام، ولا يفهم ما تضمنته هذه الشعيرة، من معاني العبودية والتعظيم والحب لله تبارك وتعالى.
والذبح من أجلّ العبادات المالية، كما أن الصلاة أجلّ العبادات البدنية، ولذلك قرن الله تعالى بينهما في آيتين من كتابه. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162] فالنسك –كما فسره السلف- هو: الذبح[1]. وقال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: “وأجل العبادات المالية النحر، وأجل العبادات البدنية الصلاة، وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها من سائر العبادات، كما عرفه أربابُ القلوب الحيَّة، وأصحابُ الهمم العالية.
وما يجتمع له في نحره من إيثار الله وحسن الظن به وقوة اليقين والوثوق بما في يد الله أمرٌ عجيبٌ، إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص. وقد امتثل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمرَ ربِّه، فكان كثيرَ الصلاة لربه، كثيرَ النحر، حتى نحر بيده في حجة الوداع ثلاثًا وستين بدنة، وكان ينحر في الأعياد وغيرها”[2].
وبيّن الشيخ عبد الرحمن بن قاسم –رحمه الله- سبب تفضيل عبادة النحر على غيرها من العبادات المالية فقال: “والذبح أفضل العبادات المالية، وإنما كان الذبح أفضلها؛ لأنه يجتمع فيه أمران: الأول: أنه طاعة لله، والثاني: أنه بَذَلَ ماله، وطابت به نفسه، والبذل مشترك في جنس المال، لكن زاد الذبح على غيره، من حيث إن الحيوانات محبوبة لأربابها، يوجد لذبحها ألمٌ في النفوس من شدة محبتها، فإذا بذله لله، وسمحت نفسه بإيذاق الحيوان الموتَ، صار أفضل من مطلق العبادات المالية”[3].
والمقصود: أن الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وليست مجرد صدقة باللحم، ولكن معنى القربان فيها أعظم، بل لو ذبح الأضحية ولم يتصدق بشيء منها صحت أضحيته عند جميع الفقهاء، إلا أن الشافعية والحنابلة أوجبا عليه أن يضمن للفقراء ما يقع عليه اسم اللحم[4]، والباقون لم يوجبوا عليه شيئًا من ذلك[5]، ولكن الجميع متفق على صحة الأضحية بإراقة الدم تقربًا إلى الله تعالى.
ولما كان هذا المعنى غريبًا على من تشبعوا بالثقافة الغربية المادية، صار أكثرهم لا يفهم معنى القربان والشعيرة، والامتثال لله تعالى في أداء النسك، وهذا هو سر كثرة العبث بأحكام الأضحية كما نراها في كل عام.
ومن ذلك ما أفتى به بعض من عُرف بتتبع شواذ المسائل، أنه يجوز التضحية بالطيور؛ محتجًا على ذلك بأثر بلال الوارد في ذلك، وأخْذِ الظاهرية بهذا القول.
والذي لا يُشك فيه: أن هذا القول شاذ، معارض للأدلة الصريحة، وللإجماع المنقول في ذلك، ولعمل الأمة المتصل عبر قرون بلا مخالف، وأنه لا يصح نسبة ذلك لصحابي أصلا. كما سنبين إن شاء الله تعالى.
أدلة اشتراط بهيمة الأنعام في الهدي والأضحية والعقيقة:
دلت النصوص الكثيرة، على أن الأضحية والهدي إنما يكونان في بهيمة الأنعام لا غير.
- قال تعالى : ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ﴾ [الحج: 28]
- وقال تعالى : ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ﴾ [الحج: 34]
وبهيمة الأنعام هي: الإبل والبقر والغنم، هذا هو المعروف عند العرب، ولهذا اتفق العلماء على ذلك، إلا ما جاء عن الحسن بن صالح أنه أجاز التضحية ببقر الوحش والظباء، ولعله بنى ذلك على كونها داخلة في بهيمة الأنعام. وهو قول ضعيف.
قال ابن جرير الطبري –رحمه الله-: ” وأما النعم فإنها عند العرب: اسم للإبل والبقر والغنم خاصة، كما قال جل ثناؤه {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] ثُمَّ قَالَ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] فَفَصَلَ جِنْسَ النَّعَمِ من غيرها من أجناس الحيوان … وقد قال قوم: بهيمة الأنعام: وحشيها كالظباء وبقر الوحش والحُمُر”[6].
وقال الفراء: “والعرب إذا أفردت النعم لم يريدوا بها إلا الإبل، فإذا قالوا: الأنعام، أرادوا بها الإبل والبقر والغنم”[7].
وقد قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1]، قال الشافعي-رحمه الله-: “فلا أعلم مخالفًا أنه عنى: الإبل والبقر والغنم والضأن، وهي الأزواج الثمانية”[8].
ومما يدل على أن المقصود بالنعم هي الإبل والبقر والغنم فقط، قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: 95] أي كفارة ذلك أن يذبح من بهيمة الأنعام ما يشبه ما صاده.
قال السدي: “أما جزاء مثل ما قتل من النعم، فإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة، وإن قتل بقرة أو أيلا أو أروى فعليه بقرة، أو قتل غزالا أو أرنبا فعليه شاة، وإن قتل ضبا أو حرباء أو يربوعا فعليه سخلة قد أكلت العشب وشربت اللبن”[9].
قال ابن القيم –رحمه الله-: ” وهي مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة (الأنعام)، ولم يعرف عنه –صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة هدي، ولا أضحية، ولا عقيقة من غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات.
إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] [الْمَائِدَةِ:1].
وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] [الْحَجِّ: 28].
وَالثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ – ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام: 142 – 143] ثُمَّ ذَكَرَهَا.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] [الْمَائِدَةِ 95] فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية، وهذا استنباط علي بن أبي طالب رضي الله عنه”[10].
- وقال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ﴾ [الحج: 36]
قال عطاء : “البقرة والبعير”[11].
وقوله: {لكم فيها خير} أي: “لكم في البُدن خير؛ وذلك الخير هو الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا: الركوب إذا احتاج إلى ركوبها…واللبن”[12]. وهذا كما هو معلوم مختص بالإبل والبقر.
- ومن أدلة اختصاص الأضحية ببهيمة الأنعام: قوله –صلى الله عليه وسلم- : «لا تذبَحوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعسُرَ عليكم فتذبَحوا جَذَعةً مِن الضَّأْنِ»[13].
قال النووي –رحمه الله-: ” قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شئ من الإبل والبقر والغنم فما فوقها”[14].
والثني في الحيوان كما جاء عند أهل اللغة والمحدثين: هو الذي أسقط ثنيتاه اللبنيتان، ونبتت له مكانهما الأسنان الدائمة [15].
فكيف يتحقق التزام هذا الشرط في التضحية بالطيور؟ وهل توصف الطيور بالجذعة والثني؟
- ومن أدلة بطلان التضحية بالطيور: أنه لم يشرعه النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله ولا فعله، ومعلوم أن الأضحية عبادة، فوجب الوقوف فيها على ما ورد به الشرع.
قال شمس الأئمة السرخسي: “الأضحية عرفت قربة بالشرع، وإنما ورد الشرع بها من الأنعام”[16].
وسبق كلام ابن القيم –رحمه الله- في أنه لم يعرف عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة التضحية بغير بهيمة الأنعام.
- ونقل الإجماعَ غيرُ واحد على عدم صحة التضحية بغير بهيمة الأنعام.
قال ابن عبد البر –رحمه الله-: “والذي يُضَحَّى به بإجماعٍ مِنَ المسلمينَ الأزواجُ الثمانيَّة: وهي الضَّأن والمَعْزُ، والإبِلُ والبَقَرُ”[17]
وقال النووي –رحمه الله-: “وأجمع العلماء على أنه لا تجزي الضحية بغير الإبل والبقر والغنم إلا ما حكاه بن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد وبه قال داود في بقرة الوحش”[18].
وقال ابنُ رشد-رحمه الله-: “أجمع العلماء على جوازِ الضحايا من جميع بهيمة الأنعام، واختلفوا في الأفضل من ذلك”[19].
وقال القرطبي –رحمه الله-: “والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية: وهي الضأن والمعز والإبل والبقر”[20].
وقال الرافعي: ” وتختصُّ التضحية بالأنعام إجماعًا، وقد قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28]. والأنعامُ: هي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ، ولم يُؤْثَرْ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه -رضي الله عنهم- التضحيةُ بغيرِها.
ووجهٌ أيضاً: أن التضحيَة عبادةٌ تتعلَّقُ بالحيوانِ، فتختصُّ بهذه الأنواعِ، كالزَّكَاةِ”[21]
ونقل هؤلاء الإجماع مع ثبوت الخلاف عن ابن حزم[22]، معناه أنهم لا يرون الخلاف في هذه المسألة معتبرًا، إما لكونه مسبوقًا بالإجماع، أو لكون مخالفة الواحد والاثنين لا تقدح في الإجماع عند من يقول بذلك، أو لكونه لا يعتبر خلاف ابن حزم في نقض الإجماع، أو لضعف مأخذه في المسألة، ولذا صرح بعض العلماء بشذوذ هذا القول.
قال ابن عبد البر-رحمه الله-: “وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد خلافا”[23]
الجواب عن أثر بلال في التضحية بالديك:
وقد اعتمد ابن حزم –رحمه الله- على أثر بلال الذي أورده عبد الرزاق في مصنفه عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالًا يَقُولُ: «مَا أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْتُ بِدِيكٍ، وَلَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَلَى يَتِيمٍ أَوْ مُغَبَّرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا»[24].
وهذا الأثر في ثبوته كلام، فإن الراوي عن سويد وهو (عمران بن مسلم) قال:” فَلَا أَدْرِي أَسُوَيْدٌ قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَوْ هُوَ مِنْ قَوْلِ بِلَالٍ”[25]. وقد أشار ابن عبد البر لضعفه بقوله: “وكذلك معنى الخبر عن بلال لو صح”[26].
ولو ثبت فليس فيه أنه ضحى بديك، بل قال ذلك على سبيل المبالغة في بيان عدم الوجوب، أو أنه كره التباهي الذي يحدث من بعض الناس.
قال ابن عبد البر: “وقد روى الشعبي عن أبي سريحة الغفاري واسمه حذيفة بن أسيد قال: رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان.
وقال عكرمة بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري له بهما لحمًا، وقال: من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس.
وهذا نحو فعل بلال فيما نُقل عنه أنه ضحى بديك.
ومعلوم أن ابن عباس إنما قصد بقوله أن الضحية ليست بواجبة وأن اللحم الذي ابتاعه بدرهمين أغناه عن الأضحى إعلامًا منه بأن الضحية غير واجبة ولا لازمة، وكذلك معنى الخبر عن بلال لو صح وبالله التوفيق”[27].
فكيف يعارَض العمل الثابت المستقر عبر الأمة بمثل هذا الأثر الذي قد تبيّن حاله؟! بل يظهر بهذا بطلان القول بأن بلالا ضحى بديك، فإن هذا لم يقع منه أصلا كما سبق بيانه.
الجواب عن استدلال آخر لابن حزم:
وقد استدل ابن حزم على قوله الشاذ بما في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أقْرَنَ، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً»[28].
وهو باطل من وجهين:
الأول: أنه يستلزم جواز الهدي بما ذُكِر، وهذا لا يقول به ابن حزم نفسه[29]. فإنه يفرق بين الهدي والأضحية، مع أنهما من باب واحد.
الثاني: أنه يستلزم جواز التضحية بالبيض، وإهداء البيض لبيت الله الحرام، وهذا باطل، فبطل استدلاله بهذا الحديث.
الجواب عن دعوى المصلحة والتيسير:
وأما قولهم: بأن المصلحة تقتضي هذا للتيسير على الناس، فهذا تعليل باطل من وجوه:
الأول: أنه لا يجوز الترجيح بمثل هذا وحده، ما لم يكن له دليل يستند إليه، وليس لأحد أن يرجح بالهوى والتشهّي. فمن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله.
الثاني: أن الأضحية ليست واجبة أصلا، فمن لم يجد سعة فلا يلزمه الأضحية، فلا يتصور الحرج بداية.
الثالث: أن ما ذكروه موجود منذ زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- وبعده، ومع ذلك لم يُلتفت له، فما زالت الطيور موجودة، وما زال الفقراء موجودين، فأي شيء جدّ في هذا الزمان حتى تتجدد معه مصلحة معتبرة؟
الرابع: أن المصلحة الحقيقة تقتضي حث الأغنياء على التضحية بما ينتفع به الفقراء، خاصة في أزمنة الجوع والفاقة.
والخلاصة: أن القول بجواز التضحية بالطيور قول شاذ، لا يصح الاعتماد عليه، ولا الافتاء به، ولا نسبته لأحد من الصحابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
[1] انظر: تفسير الطبري (10/46).
[2] مجموع الفتاوى (16/532).
[3] حاشية ثلاثة الأصول، لابن قاسم (ص:70).
[4] قال النووي رحمه الله: “يجب التصدق بقدرٍ ينطلق عليه الاسم؛ لأن المقصود إرفاق المساكين، فعلى هذا: إن أكل الجميع، لزمه ضمان ما ينطلق عليه الاسم” (روضة الطالبين) (3/223). وانظر (الإنصاف 6/491).
[5] انظر (بدائع الصنائع) للكاساني (5/80)، و(بداية المجتهد) لابن رشد (2/201).
[6] تفسير الطبري (8/15).
[7] تهذيب اللغة (3/ 6)، لسان العرب (12/ 185).
[8] الأم (2/213).
[9] تفسير الطبري (8/681).
[10] زاد المعاد (2/286).
[11] تفسير الطبري (16/553).
[12] تفسير الطبري (16/553).
[13] أخرجه مسلم (1963).
[14] شرح النووي على مسلم (13/117).
[15] انظر (العين) (8/243) و(النهاية) (1/98).
[16] المبسوط، للسرخسي (12/17).
[17] التمهيد (23/188).
[18] شرح النووي على مسلم (13/117-118).
[19] بداية المجتهد (1/430).
[20] تفسير القرطبي (15/109).
[21] الشرح الكبير للرافعي (12/62).
[22] قال ابن حزم: “والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع، أو طائر، كالفرس، والإبل، وبقر الوحش، والديك، وسائر الطير والحيوان الحلال أكله” (المحلى 6/29).
[23] الاستذكار (5/321).
[24] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8156).
[25] الموضع السابق.
[26] الاستذكار (5/230).
[27] الاستذكار (5/230).
[28] أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850).
[29] انظر: المحلى (5/151).