الأصول الدينية للعنف والتطرف عند اليهود.. دراسة عقدية
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
تتردد على لسان قادة اليهود مقتطفات من التوراة: “عليكم بتذكّر ما فعله العماليق بالإسرائيليين، نحن نتذكر، ونحن نقاتل”([1]).
ومن نصوصهم: «فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلا تَعْفُ عَنْهُمْ، بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارً»([2])، والتحريم هنا بمعنى الإبادة.
كما يتردد في خطاباتهم تحقيق «نبوءة إشعياء»؛ وهي نبوءة دينية توراتية، وتتضمَّن نبوءة إشعياء المزعومة تدمير دول مثل مصر والسودان.
وتتحدَّث نبوءة إشعياء التي وردت في التوراة الحالية التي بين أيدي اليهود في سفر «حزقيال» عن أنه يجب أن تخرب مصر ويتشتَّت أهلها في العالم وجفاف النيل وانتصار اليهود وتكوين دولة (يهودية) من آشور (العراق) لمصر.
وفيها عبارة تقول: «وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خِرَبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ (عسقلان حاليًا) إِلَى أَسْوَانَ (جنوب مصر)، إِلَى تُخْمِ كُوشَ (السودان)»([3]).
وعلى هذا فالناظر في الشخصية اليهودية يدرك من الوهلة الأولى أن العنف والقتل من أهم المرتكزات التي تقوم عليها هذه الشخصية، والمتتبع لتاريخ اليهود يعلم أن القتل من أهم الأدوات التنفيذية للإستراتيجية الصهيونية، بل من أهم المرتكزات التي يقوم عليها المشروع الصهيوني، وهما ليسا مجرد وسيلة للعقاب أو الانتقام، أو رد فعل على أحداث استهدفت مصالح اليهود ووجودهم، وهما لا يشكلان ظاهرة عابرة في تاريخ المشروع الصهيوني بقدر ما هما فلسفة وأيديولوجيا تشكل أحد أهم المرتكزات الأساسية للشخصية اليهودية.
الجذور الدينية للتطرف والعنف عند اليهود:
إن جذور الروح العدوانية والنزعة الإرهابية والسلوك العنفي عند الصهاينة لا يعود إلى مثيرات خارجية يتعرض لها اليهودي مع أعدائه، بل إن التكوين الفكري والتاريخي والمعرفي للشخصية اليهودية على امتداد مراحل تكوينها منذ مرحلة الشتات إلى مرحلة الجيتو([4]) ثم إلى مرحلة الصهيونية، في كل هذه المراحل كانت أيديولوجيا العنف والعدوان تتأصل وتنضج وتتجه نحو التصلّب؛ لتصبح جزءًا من النسيج التكويني والمعرفي والعقدي للشخصية اليهودية والصهيونية([5]).
ويمكن أن نجمِل هذه الجذور في النقاط التالية:
أولًا: نصوص التوراة والتلمود:
تقوم الديانة اليهودية على مرجعَين أساسيين:
الأول: هو التوراة، والذي يعرف بــ”التاناخ”، ويُعرف أيضًا بالعهد القديم؛ لتميّزه عن العهد الجديد “الإنجيل”.
والعهد القديم مقدَّس عند غالب اليهود والنصارى على السواء، ويسمى كلا العهدين -القديم والجديد- بالكتاب المقدس.
الثاني: هو “التلمود” وهو: “الكتاب العقدي الذي يتضمّن معارف اليهود، ويشمل تعاليمهم، وهو جزء من القانون اليهودي المعترف به، والغير وارد في التوراة المكتوبة، وهو شؤون وتدابير خاصة باليهود واليهودية، طرحت وصيغت بحرفية، وهو قضية تمتدّ من العقيدة إلى اللاهوت، وانتهاء بمواصفات المسيح المنتظر”([6]).
فالتلمود -على هذا- عبارة عن تفسير الحاخامات “التوراة”، وهو عندهم موحى به من الله كاملًا، فكما أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام التوراة، فإنه أوحى إليه أيضًا الشريعة الشفوية وهي التلمود، والتي تعد تفسيرًا وشرحًا لما في التوراة، وهم بذلك يريدون أن يضفوا عليه صفة القداسة والإلزام لدى اليهود([7]).
وعند اليهود مخالفة شريعة موسى خطيئة قد تُغتفر، أما من يخالف التلمود فيعاقب بالقتل، جاء في التلمود: “احذر يا بني -يقول الحاخام رابا- واتبع التلمود لا التوراة؛ فالتوراة تتضمن أحكامًا لا تستوجب مخالفتها عقاب الموت، وأما من يخالف حرفًا جاء في التلمود فالقتل عقابه، ومن يهزأ بكلمة من كلمات التلمود يغمس في الغائط ويساق فيه حيًّا إلى أن يموت”([8]).
موقف التلمود من الآخر:
من الأصول العقدية عند اليهود والتي جذرت عندهم العنف والتطرف والإرهاب: اعتقادهم أنهم جنس مختلف عن بقية البشر، وأنهم لا تجمعهم بالبشر جامعة، حتى في أصل الخلقة.
فاليهودي -كما يسطر التلمود- جزء من الله، كما أن الابن جزء من أبيه، فإذا ضرب أُمّي يهوديًّا فكأنما ضرب العزة الإلهية([9]).
وقال الرابي مناحم: “أيها اليهود، إنكم من بني البشر؛ لأن أرواحكم مصدرها روح الله. وأما باقي الأمم فليست كذلك؛ لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة”([10]).
وجاء في التلمود أن: “قريب اليهودي هو اليهودي فقطـ، باقي الناس حيوانات في صورة إنسان هم حمير وكلاب وخنازير، يلزم بغضهم سرًّا”، والفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق الموجود بين اليهود وباقي الشعوب([11]).
وجاء في التلمود أن اليهوديَّ يتنجس إذا لمس القبور وفاقًا للتوراة، ما خلا قبور من عداهم من الأمم، إذ كانوا يعدونهم بهائم لا أبناء آدم([12]).
بل إن اليهوديَّ مطلوب منه بحسب الأحكام والقواعد التلمودية العنصرية إذا مر بالقرب من مقبرة للأغيار أن يبصق ويلعن آباء هؤلاء الموتى وأمهاتهم، ولكن الأخطر من هذا كله تلك الفتوى التي قدمها الحاخام شيمون وايزر حاخام القطاع الأوسط لأحد مريديه الجندي موشيه، الذي يستفتيه فيمن يقتل أيام الحرب، وقد جاء الجواب بالحرف في كتاب “إسرائيل شاحاك”: “اعلم يا بني بأنه حسب فتاوى موسى بن ميمون أن شر الأفاعي اسحق دماغها، وأن أفضل الأغيار يجب أن تسحق دماغه كالأفعى، وأما العربي فأفضل شيء تقدمه له هو أن تجعل حربتك تستقر في أمعائه”([13]).
فإذا كانت هذه منزلة غير اليهودي عندهم، فجائز أن تستخدم معه العنف الذي يصل إلى القتل والذبح وسفك الدماء والاغتصاب، كل هذا باسم الرب.
فاليهوديُّ يعتبر الوثني الذي لا يتهوَّد والمسيحي الذي يبقى على دين المسيح عدوَّ الله وعدوّهم. ويعتبر اليهود كل خارج عن مذهبهم غير إنسان، ولا يصح أن تستعمل معه الرأفة، ويعتقدون أن غضب الله موجَّه إليه، وأنه لا يلزم أن تأخذ اليهود شفقة عليه.
جاء في التلمود: “غير جائز أن تشفقوا على ذي جنة”([14]).
وقال الحاخام (إباربانيل): “ليس من العدل أن يشفق الإنسان على أعدائه ويرحمهم”([15]).
وعلى هذا فقتل غير اليهودي واجب عند التمكّن من إجرائه، فينتج من ذلك أن قتل غير اليهودي لا يعدّ جريمة عندهم، بل فعل يرضي الله!
وجاء في التلمود: “اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ومحرَّم على اليهودي أن ينجّي أحدًا من باقي الأمم من هلاك، أو يخرجه من حفرة يقع فيها؛ لأنه بذلك يكون حفظ حياة أحد الوثنيين”([16]).
وقال (ميمانود): “الشفقة ممنوعة بالنسبة للوثني، فإذا رأيته واقعًا في نهر أو مهددًا بخطر فيحرم عليك أن تنقذه منه؛ لأن السبعة شعوب الذين كانوا في أرض كنعان المراد قتلهم من غير اليهود لم يقتلوا عن آخرهم، بل هرب بعضهم واختلط بباقي أمم الأرض؛ ولذلك قال (ميمانود): إنه يلزم قتل الأجنبي؛ لأنه من المحتمل أن يكون من نسل السبعة شعوب. وعلى اليهودي أن يقتل من تمكَّن من قتله، فإذا لم يفعل ذلك يخالف الشرع”([17]).
وكما يتّضح من النصوص السابقة، فإن في التلمود تأكيدًا وتأصيلًا لنزعة العنف والتفوّق العنصري اليهودي على بقية شعوب الأرض، على اعتبار أنهم شعب الله المختار، وأن الله اصطفاهم دون سواهم من شعوب الأرض.
لذا كانوا حريصين ألا يطَّلع على التلمود غيرهم، إلا أن يأمنوا جانبه؛ خوفًا من ثورة العالم المسيحي ضدَّهم، وقد أخفوه أربعة عشر قرنًا منذ أن وضعه حاخاموهم([18]).
ويروي لنا الشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله قصَّة معروفة عن فطيرة الدم اليهودية المقدسة فيقول: “لما كنا أطفالًا في مدينة حلب -موطني الأول من بلاد الشام (سورية)- كنا نسمع الأمهات يمنعن أولادَهن الصغار من الخروج خارج البيوت وحدهم، ويحذِّرنهم بأن اليهود يخطفون الأطفال خُفية، ويأخذونهم إلى حيث يستنزفون دماءهم.
وفي يفوعتنا -شبابنا- كنا نتلقى التوصيات بأن لا يمرَّ أحد في حارة اليهود منفردًا -وهي حارة طويلة متعرجة-، وأنه إذا مرَّ فيها أحد منا فدعاه يهوديّ لدخول بيته لإيقاد النار لهم بحجة أنهم لا يَمَسّون النار يوم السبت، فيجب أن لا يدخل حذرًا من أن يغدروا به فيقتلوه باستنزاف دمه.
فلما كبرنا ووعينا وتثقّفنا كنت أتذكر هذه التخويفات التي كنا نتلقّاها في طفولتنا الأولى وفي يفوعتنا، وأَنتَقِدها وأَعدُّها من الجهالات في أساليب التربية التي درسنا قواعدها الحديثة وأصولها، ومن قبيل إساءة الظن بمواطنين من الأقلية الصغار المساكين.
ثم لما برزت المشكلة الفلسطينية وذرّ قرن الصهيونية اليهودية بدأنا نسمع عن اليهود وعقائدهم الخطيرة وأفاعيلهم المذهلة ومكرهم العالمي ومؤامراتهم الخبيثة وخطرهم على البشرية جمعاء؛ ما جعلنا نعيد النظر في الصورة المنطبعة في أذهاننا عن مسكنتهم المصطَنَعة، ولكن بقيت قضية خطف الأشخاص واستنزاف دمائهم في نظرنا خرافة لا تصدَّق!
حتى وقع إليّ منذ سنوات مجموعةُ الأستاذ أسد رستم -أستاذ التاريخ الشرقي في الجامعة الأمريكية في بيروت الذي توفي من بضع سنوات- التي جمع فيها بعض وثائق تاريخية تتعلق بتاريخ سورية في زمن إبراهيم باشا (ابن محمد علي) من سنة (1247-1255هـ)، ونقلها عن سجِلات المحكمة الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في سنة 1927م، فإذا به يفتح الجزء الخامس منها بقصة خطف اليهود في دمشق للقسِّيس الفرنسي الجنسية المسمى: الأب (البادري توما) وخادمه إبراهيم عمار، وذبحهم إياهما، وإرسال دمهما إلى كبير الحاخامين؛ ليدخلوه في خبز الفطير الذي يوزِّعه الحاخامون على الأُسَر اليهودية في عيد الفصح السنوي.
وينقل الأستاذ أسَد رستم من سِجِلات المحكمة التي حاكمت الفاعلين من الحاخامين وسواهم محاضر جلساتها ووقائعها، وينشرها في كتابه المذكور حرفيًّا وتصويرها بصورة زنكوغرافية لأول هذه المحاضر بالخط المدوَّن به في سجل المحكمة.
فقرأت القصَّة مذهولًا من التفاصيل التي فيها، وأنا أفرك عيني بين الحين والحين خشية أن أكون في منام وأحلام! حتى إذا لم أجد في اليقظة شكًّا رجعت إلى ذاكرتي عن أخبار الطفولة، ورأيتُ أن ما ظننته من تخويف الأمهات وتحذيرهن جهلًا بأصول التربية أو إساءة ظنّ بمواطنين ذوي مسكنة كان هو الحقيقة الواقعة، وأن ظني هو الغرارة والجهالة”.
ثم يستطرد العلامة مصطفى الزرقا رحمه الله قائلًا: “وكان عندي أغرب من هذه الحادثة التي تدمى لسماعها القلوب ولو كانت متحجرة، تلك القواعد التلمودية التي تم تنفيذ تلك الجريمة الفظيعة النكراء تطبيقًا لها، فقد نبشت محاكمة أولئك المجرمين من الحاخامين الآمرين ومن بقية اليهود الذين قاموا بالتنفيذ أنابيش من نصوص التلمود مذهلة، يقف القارئ أمامها مشدوهًا لا مدهوشًا فقط.
يكاد الإنسان لا يصدق -لولا الوثائق والنصوص والوقائع التابعة- أن تكون ديانة القوم بعدما تلاعب بأصولها وحرفتها أيدي أحبارهم تأمرهم أن يتعبّدوا بشرب دماء البشر من غير اليهود، ولا سيما المسيحيين والمسلمين، وباستباحة أرواحهم وأعراضهم، ووجوب خيانتهم والغدر بهم وغشهم، واجتناب إغاثة أحد منهم أو إنقاذه أو مداوته، إلا للتجربة أو للاضطرار أو سترًا للمقاصد والعقائد اليهودية السرية، إلى غير ذلك من العقائد المنكرة الخطيرة القائمة على الحقد العام والامتهان لبني البشر أجمعين، وتبرير ذلك نظريًّا بأن كل الناس سوى اليهود ليسوا في الحقيقة سوى بهائم من الحيوان في صورة بشر، فليس لهم حرمة ولا ذمَّة، ولا يلتزم أحد من اليهود تجاهه بأي التزام إنساني أكثر مما يلتزم تجاه بهيمة خلقت لمصلحته، يفعل بها ما يشاء ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ولا يخرج عن هذا السلوك المنكر إلا للتقية والتستر والخداع!”([19]).
ثانيًا: إله اليهود القاسي:
مِن أبرز ما يطبع على العقيدة اليهودية العدوانية والعنف والإرهاب هو ذلك الربط بين رب إسرائيل وحرب إسرائيل، فربّ إسرائيل هو إله الحروب يحارب فيها، بل هو من يقود الجيوش، ويحارب الأمم التي خالفت اليهود، “فَيَخْرُجُ الرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ الأُمَمَ كَمَا فِي يَوْمِ حَرْبِهِ، يَوْمَ الْقِتَالِ”([20]).
وهو إله قاسٍ يأمر شعبَه المختار بقتل الجميع، الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، نسب كاتب سفر حزقيال للرب قوله: “اعْبُرُوا فِي الْمَدِينَةِ خَلْفَهُ وَاقْتُلُوا. لا تَتَرَأّفْ عُيُونُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا. أَهْلِكُوا الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ. وَلَكِنْ لاَ تَقْرَبُوا مِنْ أَيِّ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ السِّمَةُ، وَابْتَدِئُوا مِنْ َقْدِسِي. فَابْتَدَئُوا يُهْلِكُونَ الرِّجَالَ وَالشُّيُوخَ الْمَوْجُودِينَ أَمَامَ الْهَيْكَلِ. وَقَالَ لَهُمْ: نَجِّسُوا الْهَيْكَلَ وَامْلَأُوا سَاحَاتِهِ بِالْقَتْلَى، ثُمَّ اخْرُجُوا. فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَرَعُوا يَقْتُلُون“([21]).
وفي سفر إشعيا يقول الرب: “وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم، وتفضح نساؤهم“([22]).
وفوق ذلك يدّعي التلمود أن روح الإله من روح الشعب كما أن الابن جزء من أمه؛ ولذا فمن يعتدي على يهودي فهو كمن يعتدي على العزَّة الإلهية، ومن يعادي جماعة “إسرائيل” أو يكرهها فإنه يعادي الإله ويكرهه([23]).
ومن قصص القسوة والعنف والإرهاب التي نسبها اليهود لله عز وجل قصته مع “شاول” أول ملوك بني إسرائيل، تقول الرواية: أمر شاول قائده قائلًا: “تَحَرَّكْ أنْتَ وَاقتُلِ الكَهَنَةَ وَاحِدًا وَاحِدًا. فَقَتَلَ دُواغُ الأدُومِيُّ الكَهَنَةَ وَاحِدًا وَاحِدًا. فَكَانَ مَجْمُوعُ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ كَاهنًا. وَقَتَلَ دُواغُ الأدُوميُّ جَمِيعَ أهْلِ نُوبٍ، مَدِينَةِ الكَهَنَة. قَتَلَ بِسَيفهِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأطْفَالَ وَالرُّضَّعَ. وَقَتَلَ حَتَّى أبْقَارَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَغَنَمَهُمْ“([24]).
فهل هناك إرهاب وعنف وتطرف أكثر من قتل رجال الدين وهم يزاولون نشاطهم الديني، ولم يشتركوا أو يشاركوا في أي قتال، ثم قتل الرجال والنساء والأطفال والرضع وهم مع ذلك من اليهود أنفسهم؟!
ولما أمر الله شاول أن يهاجم العماليق ويقتلهم جميعًا رجالًا ونساءً وأطفالًا ورضعًا، ولا يعفو عن أحد منهم([25]) قتلهم شاول فعلًا، لكنه لم ينفّذ أوامر الله كاملة؛ حيث ترك أجاج فقط ملك عماليق وخيار الغنائم، وقضى على جميع الشعب بحد السيف، فغضب الرب على شاول؛ لتركة رجلًا واحدًا حيًّا، لدرجة أن قال صموئيل: “لقد ندمت أني جعلت شاول ملكًا، فقد ارتدَّ عن اتباعي، ولم يُطع أمري”([26]).
فنسبوا لله الندم، والقسوة، وعدم الرحمة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
ثم زعموا أن الرب عاقب شاول فرفضه ومزّق ملكه، ووهبه لغيره، وسلّط عليه من قتل أبناءه، فأخذ شاول السيف ووقع عليه، ومات في ذلك اليوم([27]).
ولو أن هذه العقوبات الفظيعة كانت بسببٍ يتناسب مع ما اقترف شاول من جرائم ضد الإنسانية وحقوق الإنسان والحيوان لربما تقبّلها أيّ عقل، ولكنها بسبب عفوه ورحمته برجل واحد وبعض الغنائم التي ستقدَّم للرب على سبيل العبادة، فهل يقبل أيّ ذي عقل ذلك؟! وتزاد الدهشة من هذا الانتقام الإلهي من أول ملك اختاره الله ليحكم شعبه المختار، والذي غضب الله لعدم رضا اليهود عن مسحه ملكًا، واعتبر ذلك إهانة له([28]).
فلا غرابةَ إذًا في قتلهم الآلاف المؤلَّفة من رجال المسلمين ونسائهم وأطفالهم، إنها الجذور العقدية التي تربّت عليها هذه الأمة التي شبَّه الله عز وجل قلوبها بالحجارة، بل هي أشد قسوة، فقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74].
ثالثًا: أنبياء اليهود القساة:
فكما صوَّر اليهود إلهاهم بأنه إله قاسٍ، كذلك صوَّروا أنبياءَهم بأنهم قساة غلاظ، لا يرحمون رجلًا، ولا امرأة، ولا طفلًا، ولا شيخًا كبيرًا، تعالى ربُّنا وأنبياؤه عما يقول اليهود علوًّا كبيرًا. فمن ذلك ما يلي:
1- موسى يأمر بإحراق المُدن وقتل الأطفال:
ورد في سفر العدد أنَّ الربَّ أمر موسى عليه السلام أن ينتقم لبني إسرائيل حتى بقتل الأطفال، فأرسل موسى من كلِّ سبطٍ إلى الحرب ألفًا. جاء في التوراة: “فَتَجَنَّدُوا عَلَى مِدْيَانَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ!.. وَسَبَى بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ مِدْيَانَ وَأَطْفَالهُمْ، وَنَهَبُوا جَمِيعَ بَهَائِمِهِمْ، وَجَمِيعَ مَوَاشِيهِمْ وَكُلَّ أَمْلاَكِهِمْ. وَأَحْرَقُوا جَمِيعَ مُدُنِهِمْ بِمَسَاكِنِهِمْ، وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ بِالنَّارِ“([29]).
لكنَّهم زعموا افتراءً وكذبًا أنَّ موسى عليه السلام غضب على وكلاء الجيش لأنهم لم يقتلوا النِّساء والأطفال! فَسَخَطَ مُوسَى عَلَى وُكَلاَءِ الْجَيْشِ.. وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: “هَلْ أَبْقَيْتُمْ كُلَّ أُنْثَى حَيَّةً؟.. فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ، وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلًا بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا“([30]).
2- يشوع أمر بقتل الأطفال:
ورد في سفر يشوع -وهو وصيّ موسى- أنَّه قد أمر بقتل النساء والأطفال وإحراق مدينة أريحا، والإبقاء على امرأة واحدة فيها، وهي المرأة الزانية (راحَاب). ففي سفر يشوع: “وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي المَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ.. وَأَحْرَقُوا المَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا… وَاسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ الزَّانِيَةَ وَبَيْتَ أَبِيهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ“([31]).
3- أليشع يدعو على الصبيان:
“بينما هو سائر في طريقه إذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة، وسخروا منه وقالوا له: اصعد يا أقرع، اصعد يا أقرع، فالتفت إلى ورائه ونظر إليهم ولعنهم باسم الرب، فخرجت دبتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولدا”([32]).
فالساخرون من أليشع أطفال صغار، لم تكتمل عقولهم، ومع ذلك يزعم اليهود أنه دعا عليهم ولعنهم؛ فتفترس الوحوش منهم اثنين وأربعين طفلًا، فهل هذا قصاص عادل أم انتقام وإبادة -حسب زعمهم- لصبية لم يبلغوا سن الفهم والرشد والكمال؟!
4- داود ينشر الناس بالمناشير:
وهذا أيضًا من أعجب ما يُنسب في التوراة لأنبياء الله ورسله، حيث ينقل في التوراة أنَّ داود عليه السلام قد حارب (بني عَمُّون)، وهم قومٌ من نسل لوط عليه السلام كانوا يسكنون في الأردن، وكانت عاصمتهم (رَبَّة) أو (رَبَّة عَمُّون)، فأرسل داود جيشه لقتالهم، وكان قائد جيشه (يوآب). فخرَّبَ أرضهم، وضرب عاصمتهم وهدمها. ثمَّ جاء داود: “وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا، وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ“([33]).
رابعًا: العقيدة في المسيح -الماشيح- المنتظر، وسبت التاريخ:
من جذور العنف والإرهاب عند اليهود عقيدتهم في المسيح المنتظر، فالمسيح لا يأتي إلا بعد انقضاء حكم الأشرار الخارجين عن دين بيني إسرائيل، ويجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع استملاك باقي الأمم في الأرض، حتى تبقى السلطة لليهود وحدهم؛ لأنه يجب أن يكون لهم السلطة أينما حلّوا، وقبل أن يحكم اليهود نهائيًّا باقي الأمم، يلزم أن تقوم الحروب بضراوة، ويهلك ثلث العالم، ويبقى اليهود مدة سبع سنوات متوالية يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر، وحينئذ تنبت أسنان أعداء إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعًا خارج أفواههم، ويعيش اليهود في حروب مستمرة مع باقي الشعوب منتظرين ذلك اليوم([34]).
وهكذا يعتقد اليهود أن الماشيح لن يأتي إلا إذا قامت حرب يهلك فيها ثلث العالم.
إن هذه المفاهيم الخرافية حول المسيح المنتظر عند اليهود وسبت التاريخ من أهم العقائد الأسطورية عندهم، ففيها أن ملكًا من نسل داود سيأتي في نهاية التاريخ -سبت التاريخ-؛ ليجمع شتات اليهود المنفيّين، ويعود بهم إلى الأرض المقدسة، ويحطم أعداء إسرائيل، ويتخذ أورشاليم عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل([35]).
ولقد أضعفت هذه العقيدة من أي إمكانية لاندماج اليهود في الحضارات التي عاشوا فيها، وزادت من انفصالهم عن كل الأغيار، فانتظار الماشيح يلغي الإحساس بالانتماء الاجتماعي والتاريخي، والرغبة بالعودة تضعف إحساس اليهودي بالمكان والانتماء الجغرافي، وتعطّل إمكانية اندماجه([36]).
خامسًا: فتاوى الحاخامات:
إذا كانت مصادر الفكر الديني اليهودي تتمثل في نص العهد القديم باعتباره الكتاب الأساسي للديانة اليهودية، بالإضافة لمصادر أخرى تتمثل في نصوص المشنا والجمار والتلمود، فهناك مصدر أساسي إضافي يحرك جموع المتطرفين اليهود، ألا وهو فتاوى الحاخامات؛ حيث تتمتع فتاويهم بقوة تأثير داخل المجتمع الإسرائيلي تفوق قوانين الدولة، ويعد نهج الإبادة الجماعية للجماعة المعادية الذي اتبعه يشوع بن نون في قيادة بني إسرائيل عند دخوله أرض كنعان، هو النموذج الأمثل لليهودي المتطرف عند تعامله مع الآخر([37]).
وعلى أساس هذا النموذج -الإبادة الجماعية- تصدر الفتاوى عن كبار الحاخامات في إسرائيل، والتي تحض على ضرورة التخلص من العربي حتى لو كان طفلًا رضيعًا، إذ إن العربي الطيب -عندهم- هو العربي الميت([38]).
ولعل من أهم الفتاوى الكتاب الذي أصدره الحاخام “إسحاق شابيرا”، مدير المدرسة الدينية “يوسف حاي”، المسمى بـ”دين الملك”، والذي تضمن تأصيلًا فقهيًّا لتبرير قتل الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين، ففي كتابه شريعة الملك الذي أصدره في عام 2009م يعرض “شابيرا” عشرات الأدلة من التوراة والتلمود وإرث الحاخامات القدماء التي تبرّر قتل أطفال الأقوام التي توجد في حالة عداء مع اليهود، بل ويسوغ قتل الأطفال فقط لأنهم سيمثلون خطرًا على اليهود في المستقبل، فيقول: “وجدنا في الشريعة أن أطفال الأغيار يوجد ما يبرر قتلهم بسبب الخطر الذي سينشأ في المستقبل إذا نشؤوا ليصبحوا أشرارًا مثل آبائهم”([39])، ويقول أيضًا: “اقتلوا كل من يشكل خطرًا على إسرائيل، رجلًا كان أم طفلًا أم امرأةً، فالأطفال يشكلون عقبة في طريق إنقاذ الجنود، وهم أيضًا يعاونون الأعداء، مسموح بقتلهم إذا سببوا ضررًا لإسرائيل”([40]).
ويرى شابيرا أنه يتوجّب على اليهود أن يبادروا بقتل الأغيار حتى بدون أن يتلقّوا أوامر من قيادتهم، بل ويدعو أيضًا لقتل اليهود الذين ينتقدون السلوك العنيف ضد الأغيار.
وقد وقَّع العشرات من الحاخامات وأعضاء الكنيست المتدينين على وثيقة اعتبروا فيها أن من حق الحاخام “شابيرا” إصدار فتوى تبيح قتل غير اليهودي، واعتبر الحاخام “شلومو أفنير” -الحاخام الأكبر لمستوطنة تل أبيب- أن كتاب “دين الملك” يمثل إبداعًا فقهيًّا وأكاديميًّا([41]).
ومن الفتاوى التي تحثّ على القتل العشوائي تلك التي صدرت بتاريخ 6/ 3/ 2008م، ووقَّع عليها عدد من كبار الحاخامات الذين يشكِّلون ما يسمى بــ”رابطة حاخامات إسرائيل”، واستند إليها عدد من وزراء إسرائيل، والتي جاء فيها: “إن الشريعة اليهودية تبيح قصف التجمعات السكانية المدنية الفلسطينية، والتوراة تجيز إطلاق قذائف على مصدر النيران، حتى ولو كان يتواجد فيه سكان مدنيون”([42]).
صور من العنف والإرهاب في التوراة والتلمود:
إن تحريف الأسفار المقدَّسة وتزويرها والادِّعاء بأنها من عند الله عز وجل أمر خطير، ينتج عنه انحراف في العقيدة والشريعة والأخلاق؛ لأنّ تلك الأسفار هي المصدر لكلّ ذلك، وهذا ما حدث لليهود حينما تجرَّأ بعض أحبارهم وخبثائهم في ارتكاب جريمة تحريف التوراة وأسفار أنبياء بني إسرائيل، وتزوير التلمود والكتب، والادعاء بأنها من وحي الله عز وجل، فقد نتج عنه انحراف أتباع التوراة والديانة اليهودية في عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم، وتجلى ذلك في الكثير من مظاهر العنف والإرهاب والتطرف المستمدة من التوراة والتلمود، والتي يظهر منها أن مصادر التفكير الديني اليهودي تلعب دورًا مهمًّا في تحديد توجهات أتباع الصهيونية الدينية، ويمكن أن نستعرض ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: عقيدة الإبادة الجماعية:
يؤمن اليهود وفقًا لتعاليم التوراة بأسلوب الإبادة الجماعية للأعداء، الذي يشمل كل نسمة حية من إنسان وحيوان ونبات، وعدم تنفيذ هذه الوصايا يجلب غضب الرب، ويمنع نصرته ويحجب رحمته ورضاه عن شعبه، بل يوردهم موارد الهلاك ويبتليهم بالهزيمة والخسران.
فيزعمون أن موسى عليه السلام أوصاهم باستئصال جميع الشعوب، فقال قبل موته: “وتستأصلون جميع الشعوب الذين يسلمهم الرب إليكم، فلا تشفقوا عليهم ولا تعبدوا آلهتهم لأن ذلك شرك لكم”([43]).
وهذه العقيدة التوراتية العنصرية لا تجعل لأعدائهم خيارًا، فأما أصحاب المدن البعيدة فالصلح معهم، يعني أن يصبحوا لليهود عبيدًا وأرقاء، والحرب تعني الإبادة الجماعية للذكور والسبي للإناث، “حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيدًا لكم، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا“([44]).
أما مدن أرض الميعاد أو الوعد -كفلسطين- فيجب لها الفناء الكامل: “أما مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثًا فلا تستبقوا منها نسمة حية، بل دمروها عن بكرة أبيها… كما أمركم الرب إلهكم”([45]).
فقوله: “فلا تستبقوا منها نسمة حية” يعني رجالًا ونساءً وأطفالًا، لا صلح، ولا هدنة، ولا تعايش، فقط هي الإبادة الكاملة.
وهكذا تقول التوراة لليهود: فلا صلح ولا سلام مع الشعوب المجاورة لشعب الله المختار، جاء في توراتهم المحرفة: “احترز أن تقطع عهدًا من سكان الأرض التي أنت آت إليها؛ لئلا يصيروا فخًّا في وسطك“([46])، وفي سفر أشعيا: “لا سلام مع الأشرار.. يقول الرب“([47]).
ثانيًا: التحريض على شنّ الحروب:
اشتملت التوراة والتلمود على نصوص واضحة تحث على شنّ الحروب ضدَّ غير اليهود، وإعمال القتل وعدم الرحمة بهم، وهي نصوص تستند إليها مرجعيات التيار الديني الصهيوني ونخبُه في تبرير الحماسة لشن الحروب([48]).
جاء في سفر التثنية: “مَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا، وَطَرَدَ شُعُوبًا كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: الْحِثِّيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ، وَضَرَبْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْدًا، وَلاَ تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. وَلكِنْ هكَذَا تَفْعَلُونَ بِهِمْ: تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُقَطِّعُونَ سَوَارِيَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ تَمَاثِيلَهُمْ بِالنَّارِ“([49]).
وقد حرض التلمود أيضًا على شن الحروب، وتقديم الأغيار كقرابين لربهم العظيم حيث جاء: “أن من حكمة الدين وتوصياته قتل الأجانب الذين لا فرق بينهم وبين الحيوانات… والذين لا يؤمنون بتعاليم الدين اليهودي يجب تقديمهم قرابين إلى إلهنا العظيم“([50]).
وترى حركة “غوش إيمونيم” أن شن الحروب يشكِّل ضمانة للإبقاء على وحدة اليهود وتحقيق مبدأ العزلة القومية، وترى الحركة أن حل أي صراع مع العرب بشكل سياسيّ يمثل خطرًا داهمًا على اليهود([51]).
ثالثًا: التحريض على قتل النساء والأطفال والرضّع وشقّ بطون الحوامل:
لما كانت العقيدة الصهيونية تقوم على العنف والقتل والدم لم يكتفوا بقتل الرجال، ولم يشبعوا من دمائهم، حتى قاموا بقتل النساء والأطفال، وهذا ما تصوّره كتبهم المحرَّفة منذ قديم الأزل، فهذا سفر القضاة يصوِّر كيف حارب يهوذا الكنعانيين وسكان الأرض الأصليين، فانتصر عليهم هو ومن معه، وقتلوا منهم عشرة آلاف رجل، واستولوا على أورشليم، وضربوا من فيها بحد السيف، وأحرقوها بالنار: “فَصَعِدَ يَهُوذَا، وَدَفَعَ الرَّبُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ بِيَدِهِمْ، فَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُل… وَحَارَبَ بَنُو يَهُوذَا أُورُشَلِيمَ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَشْعَلُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ“([52]).
ثم جاء سفر أشعياء ليظهر صورة أخرى حول العنف والعدوانية في قتل الأطفال بعد قتل الرجال، فمن يوجد منهم يُطعن بالسيف، بعد الاعتداء على نسائهم، ونهب بيوتهم: “كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ“([53]).
وورد في سفر القضاة أنَّ بني إسرائيل هجموا على مدينة (يابيش جلعاد)، وهي مدينةٌ في شرق الأردن. وقد أرسلوا اثني عشر ألف رجلٍ من أصحاب البأس، وأوصوهم قائلين: “اذْهَبُوا وَاضْرِبُوا سُكَّانَ يَابِيشِ جِلْعَادَ بِحَدِّ السَّيْفِ مَعَ النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ“([54]).
ثم تجد تحريضًا واضحًا من إله بني إسرائيل بالقتل، وأنه ملعون من لم يفعل ذلك، “وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ“([55]).
وورد في سفر صموئيل الأول أنَّ الملك شاول الذي اختاره الله تعالى قد أمر بضرب مدينة (نوب) شمال القدس، وقتل من فيها بالسيف، رجالًا ونساءً، وأطفالًا ورِضعان، وأضاف إليهم الحيوانات. ففيه: “وَضَرَبَ نُوبَ مَدِينَةَ الْكَهَنَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ. الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَطْفَالَ وَالرِّضْعَانَ! وَالثِّيرَانَ وَالحَمِيرَ وَالْغَنَمَ، بِحَدِّ السَّيْفِ“([56]).
وجاء في المزامير الأمر بضرب الأطفال بالصخور، بل من يفعل ذلك يجازيه الله عز وجل بأفضل الجزاء، فقد جاء فيها: “يَا بِنْتَ بَابِلَ المُخْرَبَةَ، طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ الَّذِي جَازَيْتِنَا، طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ”([57]).
وأما عقوبة شق بطون الحوامل فلن تجدها إلا عند اليهود، فعقاب التمرد عندهم على الإله هو شَقُّ بطون الحوامل! ففي سفر هوشع: “تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ، وَالحَوَامِلُ تُشَقُّ“([58]).
وبعد هذه الدراسة لجذور العنف والتطرف والإرهاب عند اليهود من خلال مصادرهم الدينية وقصصهم التوراتية والتلمودية الإرهابية، ماذا يتوقع العالم من اليهود؟! وإذا كان الكتاب المقدس الإلهي أسود الفكر دموي الأسلوب، فكيف نطلب من أتباعه الرأفة والرحمة والبر والسلام؟!
إن ما يحدث اليوم على أرض فلسطين من إبادة جماعية هي عقيدة تربَّى عليها اليهود، وربَّوا عليها أطفالهم في مدارسهم ومحافلهم وجيوشهم، فقد كتبوا على رؤوس أطفالهم: “ولدتُ لكي أقتُل”، علَّموهم في الجامعات: “أنه يجب إطلاق الرصاص على رأس العرب، يجب قتلهم، يجب هدم مبنى كامل على سكانه، العربي لا يهمّه سوى الجنس والخمور، العرب حمقى، لم يسهموا بشيء للإنسانية”([59]).
الخاتمة:
ومن هذه النصوص والقصص الإرهابية الواردة في التوراة والتلمود يتبين لنا ما يلي:
1- أن العنف والإرهاب من أهم المرتكزات التي تقوم عليها الشخصية اليهودية، والمتتبع لتاريخ اليهود يعلم أن العنف والإرهاب من أهم الأدوات التنفيذية للإستراتيجية الصهيونية، بل من أهم المرتكزات التي يقوم عليها المشروع الصهيوني.
2- أن الجذور الدينية للعنف والإرهاب عند اليهود تستمد في المقام الأول من نصوص التوراة والتلمود، وتفسير وفتاوى الحاخامات.
3- أن الله عند اليهود إله قاس؛ يغفر الذنوب جميعًا ما عدا ذنب الإبقاء على أحياء من البشر أو الدواب أو الزروع من أعداء اليهود، فالوصية بالفناء لا يمكن تجاهلها حتى ولو قيد شعرة.
4- أنه مهما بلغ صلاح القائد، ومهما بلغت تقواه وطاعته لله، لا يغفر الله له ولا يقبل منه توبة ما لم يُبِد جميع أعداء اليهود إبادة جماعية.
5- أن أنبياء بني إسرائيل غِلاظ قساة، لا يعرفون الرحمة ولا يأمرون بها. هكذا صُورتهم في نصوص التوراة والتلمود.
6- أن من أسباب إبادة اليهود لكل من خالفهم اعتقادهم بمجيء المسيح -الماشيخ المنتظر- فالمسيح لا يأتي إلا بعد انقضاء حكم الأشرار الخارجين عن دين بيني إسرائيل.
7- أن من الأمور الخطيرة التي تحرك جموع المتطرفين اليهود فتاوى الحاخامات؛ حيث تتمتع فتاويهم بقوة تأثير داخل المجتمع الإسرائيلي تفوق قوانين الدولة.
8- أن صور التطرف والعنف والإرهاب تعددت في كتب اليهود، فمنها الإبادة الجماعية، وشن الحروب، وقتل النساء والأطفال، وشق بطون الحوامل، وكلها تقوم على أسس عقدية، ونصوص مختارة من التوراة والتلمود، وفتاوى الحاخامات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) سفر صموئيل الأول (3: 15).
([4]) الجيتو Ghetto: قطاع من مدينة أوروبية تسكنه أَقلية عرقية، أو دينية، أو مجموعة قومية. والمصطلح أصلًا يشير إلى قطاعات في المدن الأُوروبية استوطن فيها اليهود، أو أُجبروا على العيش فيها. ينظر الرابط:
https://www.marefa.org/ %DA%AF%D9%80%D9%90%D8%AA%D9%88
([5]) الأصول التوراتية للعنف اليهودي، د. عبد الغني عماد (ص: 2).
([6]) التلمود وأثره في الفكر اليهودي، فكري جواد، ط: مركز دراسات الكوفة، (ص: 22).
([7]) التشريعات المالية في التلمود، د: عبد الرحمن شلبي، رسالة دكتوراة بجامعة الأزهر، (ص: 19).
([8]) سفر رُوبين 21 حرف ب من التلمود.
([9]) سنهدرين من شروح التلمود (ص: 2).
([10]) الكنز المرصود في قواعد التلمود (1/ 47).
([11]) الكنز المرصود في قواعد التلمود (1/ 46).
https://www.drsregeb.com/index.php?action=detail&id=3
([14]) التلمود: سنهدرين ١، ٩٢.
([15]) انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود (1/ 48).
([16]) انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود (1/ 58).
([17]) انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود (1/ 58).
([18]) الأصول التوراتية للعنف اليهودي (ص: 17).
([19]) انظر: مقدمة الشيخ مصطفى الزرقا لكتاب الكنز المرصود في قواعد التلمود، الطبعة الثانية (ص: 1).
([23]) سنهدرين من شروح التلمود (ص: 2).
([24]) سفر صموئيل الأول (22: 18-19).
([27]) سفر صموئيل الأول (31: 2-6).
([28]) الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام والسياسات المعاصرة، زكي على السيد أبو غضة (ص: 74).
([29]) سفر العدد 31: (7، 9، 10).
([30]) سفر العدد 31: (14، 15، 17).
([33]) أخبار الأيام الأول (20: 3).
([34]) انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود (1/ 44).
([35]) الأصول التوراتية للعنف اليهودي (ص: 14).
([36]) الأيديولوجيا الصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري، سلسلة عالم المعرفة، العدد 60، (1/ 46).
([37]) فتاوى الحاخامات رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإسرائيلي، د. منصور عبد الوهاب، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، (ص: 16).
([38]) فتاوى الحاخامات رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإسرائيلي (ص: 16).
([39]) صحيفة هارتس، 17/ 11/ 2009م.
([40]) صحيفة هارتس، 17/ 11/ 2009م.
([41]) في قبضة الحاخامات (ص: 394).
([42]) الحاخامات يريدون ردًّا مناسبًا، كوهين يوغال، معاريف الإسرائيلية، 7/ 3/ 2008م.
([44]) سفر التثنية: الإصحاح العشرين، الفقرة: 10-14.
([45]) سفر التثنية: الإصحاح العشرين، الفقرة: 15-18.
([48]) انظر: في قبضة الحاخامات، د: صالح النعامي، ط: مركز البيان للبحوث والدراسات، (ص: 446).
([49]) سفر التثنية: الإصحاح الثالث عشر (12-14).
([50]) انظر: أثر عقيدة اليهود في موقفهم من الأمم الأخرى (ص: 163).
([51]) انظر: في قبضة الحاخامات (ص: 449).
([52]) سفر القضاة: الإصحاح الأول (8: 1).
([53]) سفر أشعياء: الإصحاح الثالث عشر (16: 15).