تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل.
يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ لأنها غاية التذلّل، ولا يستحقُّها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى؛ ولهذا قال: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}”([1]).
ويقول ابن القيم: “والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلْق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه. والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، ولا يقبل لصاحبه عملًا”([2]).
ولقد احتدم السجال في الآونة الأخيرة في مسألة العبادة وتحديد ضابط الشرك، حتى استطال بعض المخالفين ببعض الدعاوى التي تقول بأنه لا ضابطَ عند السلفيين لتوحيدِ العبادة، وسمعنا من يقول بأنه لا فرقَ بين سؤال الطبيب الشفاء وبين سؤال البدويّ الشفاء، وسمعنا أيضا من يقول: الله تعالى قد نسَب إلى نفسه الرزق، ونسَب إلى المخلوقين الرزق، فقال: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [النساء: 5]، فما الفرق بين طلب الرزق من الله وطلبه من غيره؟! حتى صرنا نسمع كلامًا هو أشبه بكلام الباطنية والحلولية الذين لا يفرِّقون بين مقام الرب ومقام العبد.
وفي المقابل تجد بعضَ طلبة العلم من الموافقين لدَيهم نصيبٌ من عدم ضبط هذه المسائل أيضًا، فحكَم بعضهم بشركية بعض أنواع النداء المجازِيِّ الذي لا يتحقَّق فيه ضابط الشرك، وأشكلت عليهم بعضُ المسائل التي اشترط فيها العلماء النية والقصدَ كسجود التحيّة مثلًا، بل قد يطلق بعض الصغار السفهاء الشركَ والكفر على بعض العلماء كالنوويّ وابن قدامة وغيرهما لبعض الاختيارات الفقهية التي ظنوا أنها تخالف التوحيد.
ولكثرة الخَلط في هذه المسائل وسوء التصوّر وظهور من خرج مؤخَّرًا ليتحدّى السلفيين لإظهار ضابط العبادة والشرك في الألوهية سنعمل على تحريرِ محلّ النزاع، ونتكلم على المسائل بنوع من البسط، ومناقشة موارد الغلَط والإشكالات في كلّ مسألة، دون ذكر مُقدّمات وتمهيدات وتعاريف، وإلا طال المقام جدًّا؛ فالقصد هو ردُّ الشبهة ذاتها.
ومن أسباب الخلَل في هذه المسائل عدم إحكام هذين الأصلين اللذين إذا أحكمهما الإنسان سيسهل عليه تخريج كل الشبهات في الباب إن شاء الله، وهما:
- (التلازم بين الألوهية والربوبية)
- (التلازم بين الظاهر والباطن)
ثم تتفرع منهما مسائل تحتاج إلى ضبط لكثرة الخلط فيها، وهي مسائل مُخرَّجة على الأصلين السابقين، ولكن نشرحها بنوع بسط وتفصيل، وهي:
- (النداء للجمادات والموتى وضابط الشركِ فيه)
- (الأخذ بالأسباب والطلب من الحيّ القادر)
- (مسائل لا تدلّ على الكفر بمجرَّد العمل)
وضبط هذه المسائل السابقة هو ضبط الموضوع كله، ولكن يتبقى أمران:
- (عرض مذاهب العلماء في مسألة اشتراط الاستقلال بالتأثير)
- (الجواب عن استدلال المخالف باختلاف العلماء للتهوين من الشرك)
****
- الأصل الأول: التلازم بين الألوهية والربوبية:
من موارد الغلط في هذه الأبواب عدمُ التحقيق في وجود نوع تلازم بين الربوبية والألوهية، فعند أهل السنة: الربوبية تستلزم الألوهية، والألوهية تتضمَّن الربوبية.
ويوضِّح ابن تيمية هذا التلازم بين الألوهية والربوبية قائلًا: “الإلهية تتضمَّن الربوبية؛ والربوبية تستلزم الإلهية، فإنَّ أحدهما إذا تضمَّن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختصّ بمعناه عند الاقتران كما في قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}، وفي قوله: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فجمع بين الاسمين”([3]).
فإنَّ من عبد الله وحدَه لا بدَّ أن يكون قد اعتقدَ أنه هو ربه ومالكه الذي لا ربّ له غيره، ولا مالكَ له سواه، ومن أقرَّ بربوبيته وعدم الشريك معه لزمه أن يعبدَه وحدَه دون غيره.
وقد ذهب فريق من مجوِّزي بدَعِ القبور الشركية إلى أنَّ الشرك يكون في الربوبية فقط، ولا شرك في الألوهية أبدًا، فجوَّزوا دعاءَ غير الله. ويردّ عليهم بعض الباحثين بأن الشرك لا يحصل في الربوبية أبدًا؛ لأن الأمم مقِرّة بوجود الربّ.
وهذا صحيح من حيث إن الأمم أقرت بوجود الربّ وأنه خالقهم ورازقهم، إلا أن إقرارهم بذلك شيء، وسلامتهم في باب الربوبية شيء آخر.
والصواب: أنَّ الشرك يحصل في الألوهية ويحصل في الربوبية؛ فهناك نوع تلازم بينهما.
والمشركون وإن أقروا بالربوبية، إلا أنهم ليسوا سالمين من كل وجه في هذا الباب، بل إن اعتقادهم بالربوبية فيه خلل أيضًا، وإن أقروا بها إجمالًا.
والخلَل في الربوبية بالتلازم مع الألوهية يحصُل من وجهين:
1- أنه لا يُعقل أن أحدًا يتوجَّه بالدعاء والرجاء لميّت، ويبكي عند قبره، سائلًا إياه تفريج الكربات وقضاء الحاجات، وليس لديه اعتقاد فاسِد في قلبه تجاه هذا المخلوق، وإلا كان ذهابه إليه ابتداءً ضربًا من العبث.
فإنه لا انفكاك بين طلب ما لا يقدر عليه إلا الله وبين اعتقاد التأثير في الولي، فكلاهما متلازمان.
يقول السهسواني: “وأصل تقريرهم [أي: الوهابية] هكذا: إنا نرى كثيرًا من العامة وبعض الخواص يأتون بألفاظ دالة دلالة مطابقة على أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى، ويطلبون من الصالحين أحياءً وأمواتًا أشياء لا يقدر عليها إلا الله.. وبعد ملاحظة أصل تقريرهم وجه التكفير ظاهر، فإن اعتقاد تأثير غير الله كفر صريح، والدعاء والنذر والنحر عبادة، وعبادة غير الله شرك وكفر”([4]).
2- أن هذا الداعي لغير الله لا يعتقد كمال وحدانية الله في الخلق والرزق والتدبير؛ لأنه ظن أن المخلوق يقدر على الخلق، والرزق وإبراء المرضى وتفريج الكربات مشاركة مع الله في ربوبيته، فحصل خلل في الربوبية أيضًا من هذه الجهة.
يقول ابن تيمية أيضًا مؤكدًا هذا المعنى: “فالإله الذي هو مراد لنفسه إن لم يكن ربًّا امتنع أن يكون معبودًا لنفسه، ومن لا يكون ربًّا خالقًا لا يكون مدعوًّا مطلوبًا منه مرادًا لغيره؛ فلأن لا يكون معبودًا مرادًا لنفسه من باب الأولى، فإثبات الإلهية يوجب إثبات الربوبية، ونفي الإلهية يوجب نفي الربوبية؛ إذ الإلهية هي الغاية، وهي مستلزمة للبداية كاستلزام العلة الغائية للفاعلية”([5]).
هل إبطال التقسيم يبيح دعاء غير الله؟
مِن خلل التصوُّر عند المخالفين محاولةُ إبطال تقسيم التوحيد إلى ربوبية وألوهية؛ ظنًّا منهم أن ذلك يبيح له الاستغاثة بغير الله، وأن الحكم على دعاء الأولياء بالشرك سببه هذا التقسيم الذي ابتدعه ابن تيمية -بحسب دعواه-.
ووجه الغلط عندهم أن التقسيم (اصطلاحي) دالٌّ على ما هو عليه في الواقع، ولم يضفِ التقسيم حكمًا شرعيًّا زائدًا على ما ورد في الكتاب والسنة؛ بمعنى أن من أنكر مجردَ التقسيم وأقر بأن الله هو الخالق المدبّر الرازق، وأقر بعبادته وحده لا شريك له، فقد أقر بتوحيد الربوبية والألوهية.
والمتكلمون أنفسهم في تقريرهم توحيدَ الربوبية وإثبات الصانع دون الألوهية لم يلتزموا لوازم أقوالهم، ولم يهدروا الألوهية عمليًّا، فلم يجوِّزوا عبادة غير الله تعالى، وإنما نبَّه ابن تيمية على الغلط في التأصيل عندهم؛ لأنه يجرُّ إلى مذاهب قبيحة فيما بعد إذا التزمها أصحابها.
ومما يدل على أن المتكلمين لم يلتزموا ذلك قول إمام المتكلمين الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} [يونس: 18]: قال: “ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظَّموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله”([6]).
والحاصل أن المعاصرين من مجوِّزي شرك القبور وظَّفوا تقريرات المتكلِّمين في إباحة شرك القبور، وعاملوهم بلوازم أقوالهم، وهو الأمر الذي لم يسبقهم إليه أحد.
ويدخل في ذلك أيضًا: توظيفهم لمذهب المتكلمين في نفي تأثير الأسباب في إباحة دعاء غير الله؛ لأنه -بحسب زعمهم- المدعوّ لا تأثير له، والمؤثّر هو الله، وعليه فإن الداعي يدعو الولي في صورة الله.
ونحن ننزِّه المتكلمين -على بِدَعهم- من هذا المذهب القبيح الذي هو مذهب الباطنية الحلولية، ولا ينتظم هذا لا على مذهب المتكلمين ولا على مذهب أحدٍ من المسلمين، فإن المتكلمين وإن نفوا تأثير الأسباب، إلا أن العبد مؤاخذٌ عندهم بفعله بطريق الكسب، فإن السارق يبقى سارقًا، والزاني يبقى زانيًا، والمشرك يبقى مشركًا. ولم نر أحدًا من المتكلمين احتج بالجبر على تسويغ المنكرات.
الداعي لا يُسمّي المدعوَّ إلهًا أو ربًّا:
في هذا المقام لا يفوتنا الجواب عن اعتراض المخالفين: أن الداعي لغير الله بالرزق والشفاء لا يُسمِّي من يدعوه إلهًا ولا ربًّا، ولو وُضع السيف على رقبته على أن يسمِّيه إلهًا لما أقرَّ بذلك، فكيف يكون كافرًا؟!
والجواب: أن اللغة ودلالتها تتغير بتغير الأزمنة، وقد جرت العادة على أن هذا المصطلح (الإله) لا يُطلق إلا على الله فقط، ومن يدعو غير الله من الصالحين أو الملائكة أو غيرهم فقد اتخذه إلهًا، أي: مألوهًا محبوبًا ومقصودًا للدعاء، فهو وإن أنكر الإله اسمًا فقد وافقه رسمًا.
وقد كان مشركو قريش يفهمون معنى الإله -أي: الذي تألهه القلوب-، ففهموه على معناه الحقيقي؛ لأنهم يتكلَّمون بالسليقة العربية.
وحتى اسم (رب) فقد جرت العادة اليوم على إطلاقه على الله عز وجل، ولو قلت لعامي من العوام ما قاله يوسف لصاحبه: (اذكرني عند ربك)، لظنَّ أنك تقصد الله، وليس وليّ أمره ومالكه؛ وذلك لاختلاف اللغة.
ويقول الأصوليون: العبرة بالحقائق لا بالأسماء، لأن الأسماء قد تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، وقد تتسع المفاهيم وتضيق حسب اختلاف الزمان والمكان؛ ولذلك كانت التسمية عند الأصوليين غير معتبرة من غير مدلول حقيقي.
ولهذا من سمَّى الخمر بغير اسمها سيظلّ حكمها هو التحريم، وسيظلّ حدُّها هو الجلد، ولن يقول القاضي أو الفقيه: يجب أن يعترف الشارب أن هذه خمر وإلا ستصبح حلالًا.
بل يظل حكمها -من حيث الأصل- هو التحريم سواء سماها خمرًا أم لا. ولن ينتقل حكم التحريم إلى الإباحة أو الكراهة بمجرد تغيير التسمية.
ولذلك أبعد المخالفون النجعة لما قالوا: إن الداعين عند القبور لا يسمُّون الأولياء آلهة، ولا يسمُّون ذلك عبادة، فهذه حجة واهية، ولا ينبغي أن يشكَّ عالم أو طالب علم مُتجرِّد في ضعف هذا الاستدلال وبطلانه.
وأضعف منه قول من يقول: يجب تأويل أفعال من يقترف الشرك بقرينة الإسلام، فهذا قول مخترع، وبطلانه ظاهر جدًّا؛ لأنه يلزم منه إبطال أبواب الردّة في كتب الفقهاء، إذ يجب تأويل أفعال المسلمين بقرينة الإسلام أيضًا، ولا فرق.
- الأصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن:
من مثارات الغلط في هذه الأبواب عدم إحكام أن مذهب أهل السنة هو التلازم بين الظاهر والباطن، فالأصل أن الظاهر والباطن واحد، وأنه إذا فسد الباطن فسد الظاهر، وأن فساد الظاهر دليل على الفساد الباطن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “فالظَّاهر والباطِن متلازمانِ، لا يكون الظَّاهر مستقيمًا إلَّا مع استقامةِ الباطن، وإذا استقام الباطن فلا بدّ أن يستقيم الظّاهر؛ ولهذا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ألا إنَّ في الجَسَدِ مُضغةً، إذا صَلَحَت صَلَح لها سائِرُ الجسَدِ، وإذا فسَدَت فَسَد لها سائِرُ الجَسَدِ، ألَا وهي القَلْبُ»“([7]).
وأهل السنة في هذا الباب وسط بين الخوارج والمرجئة، فلا يهدرون اعتقاد القلب مطلقًا في كل الأعمال كما يفعل الخوارج، ولا يوقفون الكفر على اعتقاد القلب في كل الأعمال كما يفعل المرجئة.
لكن أهل السنة لا يشترطون اعتقاد القلب في المُكفِّرات الظاهرة؛ بمعنى أنهم لا يسألون عن اعتقاد القلب؛ لأنه لمَّا كانت تلك الأمور الظاهرة دالةً على اعتقاد فاعلها في نفسها؛ كان اشتراط الاعتقاد ضربًا من العبث.
ولذلك أهدر أهل السُّنة اعتقاد القلب في الأمور الظاهرة كالسجود للأصنام أو للشمس والقمر، ومن يسبّ الله ورسوله عاقلًا مُختارًا من غير إكراه؛ وذلك لأن الفعل في ذاته دالٌّ على عقيدة فاعله، فلا يُتصوَّر أن يكون مؤمنًا بالله ورسوله وهو يسبّهما، وحتى لو قُدِّر جدلًا أنه مُصدِّق بالله ورسوله ثم سبَّهما، فالسب هنا معناه أنه يرى العبَث والاستهزاء بالله، وهو موجب لكفر القلب أيضًا. أما أن يُقال: إن القلب لا دخل له بالمسألة مُطلقًا، فهذا غلطٌ من قائله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وما كان كفرًا من الأعمال الظاهرة كالسجود للأوثان وسبّ الرسول ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزمًا لكفر الباطن”([8]).
ويقول مُعلّلًا التكفير بالأفعال: “وذلك لأنّ الإيمان والنفاق أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ له ودليلٌ عليه؛ فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه”([9]).
ويقول الشيخ حافظ الحكمي: “إذا قيل لنا: هل السجود للصنم، والاستهانة بالكتاب، وسب الرسول، والهزل بالدين، ونحو ذلك، هذا كله من الكفر العملي فيما يظهر، فلِم كان مخرجًا من الدين وقد عرفتم الكفر الأصغر بالعملي؟!
فأجاب رحمه الله: اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلَها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس، ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده، لا يبقى معها شيء من ذلك، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق أو معاند مارد”([10]).
هل هذا من الإرجاء؟
هذا ليس إرجاءً فإن اعتقاد القلب في كلام ابن تيمية والشيخ حافظ الحكمي ليس شرطًا في التكفير بالعمل، بل هو تعليل للتكفير. بمعنى أوضح: أن الفاعل لا نسأله عن اعتقاده باعتباره شرطًا يتوقف عليه تكفيره، وإنما ما سبق هو تعليل وشرح للمسألة.
والفرق بين المرجئة وأهل السنة في هذه المسألة ظاهر، وهو: أن أهل السنة لا يشترطون الاعتقاد في المُكفرات الظاهرة؛ لأن الفعل في ذاته دالٌّ على فساد القلب، أما المرجئة فيشترطون البيان عن اعتقاد القلب.
وقد يخطئ بعض السلفيين في الجانب المقابل، فيجعل ذكر (الاعتقاد) مطلقًا من أقوال القبورية أو المرجئة الذين يرجعون الشرك إلى الاعتقاد، وهذا خطأ كما سنبينه -إن شاء الله-، وهو ما سبَّب لبسًا عند المخالفين.
وهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب يذكر تصريحًا قضيةَ (الاعتقاد) في الأموات، فيقول رحمه الله: “لا تظنوا أن الاعتقاد في الصالحين مثل الزنا والسرقة، بل هو عبادة للأصنام، من فعله كفر وتبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم”([11]).
ويقول أيضًا: “فانظروا في (الإقناع) في باب حكم المرتد، وما ذكر فيه من الأمور الهائلة التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها فقد ارتدَّ وحلَّ دمه، مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين وجعلهم وسائط بينه وبين الله، ومثل الطيران في الهوى، والمشي في الماء”([12]).
وقال رحمه الله: “فيا عباد الله، تفكَّروا في كلام ربِّكم تبارك وتعالى إذا كان ذكر عن الكفَّار الذين قاتلهم رسولُ الله ﷺ أنَّ دِينهم الذي كفرهم به هو الاعتقادُ في الصالحين، وإلا فالكفَّار يخافون الله ويرجونه، ويحجُّون ويتصدَّقون، ولكنَّهم كفروا بالاعتقاد في الصالحين، وهم يقولون: إنما اعتقدْنا فيهم ليُقرِّبونا إلى الله زُلْفى، ويشفعوا لنا كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]… -إلى أن قال:- فيا عباد الله، إذا كان الله ذَكَر في كتابه أنَّ دِين الكفَّار هو الاعتقاد في الصالحين، وذكر أنهم اعتقدوا فيهم، ودعوهم وندبوهم لأجْل أنَّهم يقرِّبوهم إلى الله زُلْفى…”([13]).
وقال رحمه الله: “وبالجملة، فالذي أُنكِره الاعتقاد في غير الله ممَّا لا يجوز لغيره، فإن كنتُ قلتُه من عندي فارمِ به، أو مِن كتاب لقيته ليس عليه عملٌ فارمِ به كذلك، أو نقلتُه عن أهل مذهبي فارمِ به، وإن كنتُ قلتُه عن أمر الله ورسوله، وعمَّا أجمع عليه العلماءُ في كل مذهب، فلا ينبغي لرجل يؤمِن بالله واليوم الآخر أن يُعرِض عنه لأجْل أهل زمانه، أو أهل بلده، وأنَّ أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه”([14]).
ويوجد نصوص أخرى للشيخ تركتها خشيةَ الإطالة، ولم يلزم ذلك أن الشيخ يشترط الاعتقاد فقط، بل كلامه يخرج مخرجَ التضمّن والالتزام، بمعنى أن أحوال هؤلاء تدل على الاعتقاد في الأولياء تضمنًا والتزامًا، وإن كُفِّروا بمجرد دعائهم إياهم.
قال الشوكاني في ترجمة الإمام سعود بن عبد العزيز: “وكان جدُّه محمد شيخًا أميرًا لقريته التي هو فيها، فوصل إليه الشيخ العلامة محمَّدُ بن عبد الوهاب الداعي إلى التوحيد، المنكِر على المعتقدين في الأموات، فأجابَه وقام بنصره”([15]).
ففي النقل السابق يصف الشوكاني الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه (المُنكر على المُعتقدين في الأموات).
ويقول السهسواني: “لا ريبَ في أن من ينادي أحدًا نداء حقيقيًّا ويقصد به من المنادى ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب النفع وكشف الضر، فهو يعتقد استحقاقه العبادة، وإلا لم يصدر منه هذا النداء الذي هو الدعاء، وهو من أفراد العبادة”([16]).
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله: “دعاء الغائب من غير الآلات الحسية معناه: اعتقاد أنه يعلم، وأنه يسمع دعاءك وإن بعدتّ، وهذا اعتقاد باطل، واعتقاد كفري”([17]).
ومن الأدلة أيضًا على تلازم الظاهر بالباطن: أن دعاء غير الله يندرج تحت الكفر الاعتقادي لا الكفر العمليّ، مما يدلّ على تأثير الجانب الاعتقاديّ، وأنه غير مُهمل في هذه الأبواب.
وهذا الملحظ الدقيق يحلّ كثيرًا من الإشكالات لدى طلبة العلم المعاصرين، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
ما فائدة اعتبار اعتقاد القلب والنيَّة في المسألة؟
قد يسأل سائلٌ: إذا كانت المكفِّرات الظاهرة لا يُسأل فيها عن النية واعتقاد القلب، فلماذا التأكيد على هذه المسألة؟
والجواب: أننا لا نحتاج إليها في الكفر الصريح، وإنما نحتاج إليها في حالات أخرى مثل:
- بعض المكفرات التي تحتمل وجهين، أو مُشبَّهات المسائل. (فيكون الاعتماد على نية الفاعل).
- تخريج ما لا يدل على الكفر بمجرده، مثل النداء المجازي، وتخريج الذبح للضيف، والسجود بين يدي الملوك تعظيمًا، فقد اشترط العلماء نية العبادة، وكذكر اسم محمد تبركًا على الذبيحة. وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
- أنواع النداء للجمادات والموتى وضابط الشرك فيه:
يقول العلامة السَّهسواني: “المانعون لنداء الميت والجماد وكذا الغائب إنما يمنعونه بشرطين: (الأول): أن يكون النداء حقيقيًّا، لا مجازيًّا. و(الثاني): أن يقصد ويطلب به من المنادى ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب النفع وكشف الضر”([18]).
ويغالط كثير من المُخالفين في هذه المسألة عندما يزعمون أن السلفيين يقولون بشركية كل نداء للجمادات أو النداء للأموات، وهذا الكلام غير صحيح، وإنما بنى نظرته على فهمه هو لمذهبهم، لا أن هذا هو حقيقة مذهبهم، وفي المقابل قد يخطئ بعض طلبة العلم من السلفيين ويعتبرون بعض النداءات التي لا تحتوي على استغاثة شركية شركًا، حتى أفتى بعضهم بأنَّ أنشودة (يا طيبة) من الشرك لأن فيها نداءً لغير الله.
والضابط: هو (القرائن والسياق): “فكل من نادى غير الله من الجمادات وغيرها، وظهر من حاله أو القرائن المحتفة بالكلام، أو واقعه بأنه لا يقصد الطلب، وإنما له مقصد بلاغي أو أدبي أو وجداني آخر، سوى الطلب والرغبة، على ما مر تفصيله، فهو في الحقيقة لم يقع في الاستغاثة بغير الله”([19]).
ويحسن بنا في هذا المقام ذكر بعض أنواع النداء لغير الله:
1- نداء التحسّر والتوجع:
كقول الشاعر يرثي معن بن زائدة:
فَيَا قَبْرَ مَعْنٍ كَيْفَ وَارَيْتَ جُودَهُ ** وَقَدْ كَانَ مِنْهُ الْبَرُّ والْبَحْرُ مُتْرَعًا([20])
2- نداء الندبة:
وهذا كقول الصحابة في معركة اليمامة: “وا محمداه”([21])، أو قول المسلمين في بعض الحروب: “وا إسلاماه”.
وقد يوجّه النداء إلى من لم يُقصد إسماعه، كأن تقول لميّت تندبه: يا زيد، ما أجلّ مصيبتنا بفقدك! وكقول السيدة فاطمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: “وا أَبَتاهُ، جنَّةُ الفِردَوْسِ مَأْواهُ، وَا أَبَتَاهُ، أجابَ ربًّا دَعاهُ”([22]).
يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب: “كما فرَّقوا بين دعاء الندبة وغيره، كقوله: يا حسرتا على ما فرطت، وقولهم: يا أبتاه، يا عمراه، ونحو ذلك مما يلحقون في آخره ألفًا لأجل مدّ الصوت، إذ النادب الحزين يمد صوته وهو يندب ما قد فات، فيمدّ الصوت في آخر دعائه كقوله: يا أسداه، يا ركناه، يا أبتاه، حتى قالوا: يا أمير المؤمنيناه، يا عبد الملكاه، إذ نداء الندبة يقوله الإنسان عند حدوث أمر عظيم، ويقوله للتوجّع، كقول سارة حين بشِّرت بإسحق: يا ويلتا. بخلاف المستغيث فإنه يدعو المستغاثَ به كما يدعو غيره”([23]).
3- نداء الاستحضار في القلب:
وهذا يحصل في الشعر كثيرًا، ومنه قول الخنساء ترثي أخاها:
يا صَخْرُ مَن لحَوَادِثِ الدّهرِ *** أمْ مَنْ يُسَهّلُ راكبَ الوَعْرِ([24])
ويقول الشاعر يرثي أهل الأندلس بعدما أصبحت أطلالًا:
فيا ساكني تلك الديار كريمة *** سقى عهدكم مزن يصوب نميرها([25])
هذه الأبيات السابقة وأمثالها يستفاد منها أنه قد ينادي الشاعر الموتى ويُحاورهم، بل وقد يطلب منهم أحيانا، وهذا كلّه من باب المجاز، وبما يحتمله الخيال الأدبي والشعري، ولا يُفهم منه الطلب الحقيقي. ومثله البيتان اللذان يتردّدان على ألسنة الوعّاظ في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
صلى عليك الله يا علَم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازَّيَّنت بحديثك الأقلامُ
مسألة نداء الرسول من باب الاستحضار في القلب:
يحسن في هذا المقام التنبيه على مسألة استحضار الرسول صلى الله عليه وسلم في القلب لارتباطها الوثيق بالمسألة، فما الحكم الشرعي فيها؟
الصواب: أنها إذا كانت بسياق مقبول، فهي تجوز بنص كلام ابن تيمية؛ وذلك قياسًا على نداء الاستحضار في التشهد: (السلام عليك أيها النبي)، وخرَّج عليها حديث الأعمى، الذي جاء في بعض رواياته: “يا محمدُ، إنِّي أتوجَّهُ بكَ إلى ربِّي في حاجَتي”([26]).
يقول ابن تيمية رحمه الله: “(يا محمد يا نبي الله) هذا وأمثاله نداء، يُطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب، كما يقول المصلي: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا، يخاطب من يتصوّره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب”([27]).
وقال السويدي الشافعي: “فكأنه استحضره وقت ندائه، ومثل ذلك كثير في المقامات الخطابية والقرائن الاعتبارية”([28]).
ومن هذا الباب: ما ذكره الفقهاء من أثر العتبي: (وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي، مستشفعا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة). وقد ذكره عدد من الفقهاء كابن قدامة([29]) والنووي([30]) في باب المناسك، وهو وإن كان لا يصحّ الاعتماد عليه إلا أنهم خرَّجوه من باب الاستحضار في القلب، قياسًا على حديث الأعمى، وقياسًا على نداء الرسول في التشهد: (السلام عليك أيها النبي) وهو ليس نداءً حقيقيًّا، بل هو نداء اعتباري.
قال المباركفوري: “إحضاره في القلب وتصوّره في أثناء الدعاء والخطاب معه فيه جائز، كإحضاره في أثناء التشهد في الصلاة والخطاب فيه”([31]).
ولذا لما ذكر ابن قدامة وغيره أثر العتبي في الزيارة جعل الدعاء إلى الله وليس إلى الرسول، قال ابن قدامة: “(فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة)”([32])، ولم يقل: (فأسألك يا رسول الله أن توجب لي المغفرة). وهذا ملحظ دقيق إذا تأملته.
وهنا ينبغي التنبيه على نكتة مهمة: وهي أن المسألة قد تكون باطلة في نفسها لضعف الحديث أو لضعف الاستدلال، لكن يكون لها معنًى مقبولًا عند المحتجّ بها؛ وهنا ينبغي حمل كلام العالم على ما أراده -حتى مع خطئه-.
أما الاكتفاء بتضعيف الرواية دون التنبيه على مراد العلماء، بما يوهم أنهم أرادوا الشرك الأكبر، فهذا المسلك غلَط، ويقع فيه كثير من الموافقين.
وفي هذا يقع طرفان في الغلو، طرف يجعل الفقهاء وقعوا في الشرك الأكبر، ولم يُميِّز هذا الطرف بين أنواع النداء المتعدِّدة، وطرف آخر يستدلّ بذلك على جواز الاستغاثة الشركية.
ومن فهم المسألة على وجهِها زالت عنه الشُّبه في هذه الأبواب إن شاء الله.
4- مخاطبة الأموات مع تقدير سماعهم:
بقِيت حالة أخيرة استثنائية، وهي حالة لا تحدث كثيرًا، ولكن ينبغي الإشارة إليها، وهي أن يأتي رجل إلى قبر لا بصفته وليًا من الأولياء، ولا يطلب منه شيئًا مما اختصت به القدرة الإلهية، ولكن يخاطبه ويظنه أنه يسمعه.
وقد ورد في السنة بعض ذلك، مثل قول الزائر: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين)([33])، ومثل حديث قليب بدر لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟!)([34]).
وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن ذلك فقال: “فخطاب الموتى بالسلام في قول الذي يدخل المقبرة: (السلام عليكم أهل القبور من المؤمنين) لا يستلزم أنهم يسمعون ذلك، بل هو بمعنى الدعاء، فالتقدير: اللهم اجعل السلام عليكم، كما نقدر في قولنا: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، فإن المعنى: اللهم اجعل الصلاة والسلام عليك يا رسول الله”([35]).
تنبيه: مسألة سماع الموتى أجنبية عن مسألة العبادة، ومع ذلك يتجادل المتجادلون حول سماع الموتى من عدمه -ومعلوم أن فيه خلافًا قديمًا- ويتم استدعاء هذا الخلاف لتوظيفه في هذه المسألة، وكأن ضابط العبادة هو سماع الميت من عدمه!
وهذا تسطيح للمسألة من قِبل المخالف، فإن سماع الموتى من عدمه لن يغير من الأمر شيئًا؛ لأن سماعه شيء، وجواز دعائه وصرف العبادة له شيء آخر.
بل وحتى مع تقدير سماع الميت فإنه لا يستجيب، قال تعالى: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر: 14].
ويدخل في خطاب الموتى أيضًا: قول عبد الله بن عمر لما مرَّ على ابن الزبير وهو مصلوب -لما صلبه الحجاج بن يوسف- في مكة: “السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا”([36]).
فهذه مخاطبة لميت، ولكنها تدخل في باب الإخبار، يعني أن ابن عمر يُخبره بخطئه، ويُقدِّر أنه يسمعه.
ومن الحالات أيضًا التي تدخل في خطاب الموتى: من يغلبه العاطفة والحزن أمام قبر أبيه حتى يكلِّمه ويُحادثه أو يشتكي له، وهذه الحالة ليست شركًا أيضًا، فإنه لم يأت إلى أبيه ليصرف إليه أنواعَ العبادة، وسؤاله إياه ليس دعاءً ولا رجاءً ولا خوفًا منه، وإنما يخاطبه مجازًا من باب الحنين والشوق كما لو كان حيًّا أمامه، وإن كان يظنّ أنه سيسمعه -في كل حال- فهو جهل منه؛ إلا أن مناط التكفير وهو الدعاء الذي يتضمن خصائص الألوهية ليس موجودًا في هذه الصورة.
وخلاصة ما سبق: أنه إذا عُلم بالقرائن أن النداءَ مجازيٌّ أو من باب الإخبار أو الاستحضار في القلب أو بلاغي، وله معنًى مقبول بحسب سياقه، فلا يدخل في باب الشرك المنهي عنه.
- الأخذ بالأسباب والطلب من الحيِّ القادر:
يقول المخالفون: لماذا تفرِّقون بين الحياة والموت في السؤال والطلب؟ فما الفرق بين من يسأل الطبيب الشفاء وبين من يسأل البدويّ الشفاء؟ والله قد نسب إلى نفسه الرزق، ونسب إلى المخلوقين الرزق، فقال: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [النساء: 5]، فما الفرق بين الطلب من الله الرزق والطلب من غيره؟ وما الفرق بين سؤال الله الشفاء وسؤال الطبيب الشفاء؟ وكيف نفرق بين حالة الخضوع والذل بين يدي الله والخضوع والذل بين يدي الملوك؟
والجواب على هذه المغالطات من وجوه:
الوجه الأول: أن الحيَّ قد أناط الله به نوعًا من الأسباب، ووضَع لها حدودًا، وأمر بتعاطي هذه الأسباب في حدودها، والأخذ بالأسباب هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يطلب من الطبيب الشفاء الذي لا يغادر سقمًا، وإنما يسألونه العلاج والتطبّب.
وسؤال الشفاء من الله هو سؤالٌ بالعاقبة والمـآل، وسؤال الطبيب العلاج هو سؤال بالسبب؛ فلا يُمكن التسوية بينهما، واتحاد المرتبتين هو من أقوال الباطنية والحلولية ممن يسوّون بين الخالق والمخلوق.
واتّخاذ الأسباب: يكون واجبًا تارة، ومستحبًّا تارة، ومكروهًا تارة، وحرامًا تارة، وشركًا تارة، بحسب حال الإنسان. فإذا تعلق الإنسان بالأسباب وترك الباري دخل في درجة من درجات الشرك، فالأسباب إذا عوملت في نطاقها وحدودها التي حددها الله لها كانت أسبابًا شرعية، وإذا عوملت بما ليس في نطاقها كانت أسبابًا محرمة.
يقول شارح العقيدة الطحاوية: “فإن الاكتساب منه فرض، ومنه مستحبّ، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكّلين، يلبس لأمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب”([37]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامٍ بليغ: “فالالتفاتُ إلى الأسبابِ شِركٌ في التوحيدِ، ومحوُ الأسبابِ أن تكونَ أسبابًا نَقْصٌ في العَقلِ، والإعراضُ عن الأسبابِ بالكُليَّةِ قَدحٌ في الشَّرعِ، بل العبدُ يجِبُ أن يكونَ توكُّلُه ودعاؤه وسؤالُه ورغبتُه إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى، واللهُ يُقَدِّرُ له من الأسبابِ مِن دُعاءِ الخَلْقِ وغيرِهم”([38]).
ومن هنا نعلم جوابَ الإشكال الذي يطرحه المخالف: كيف نفرق بين حالة طاعة الملوك وطاعة الله، والخضوع والذل بين يدي الله، وبين يدي الملوك؟
وجواب هذا الإشكال المُتوهَّم: أن الإنسانَ يطلب ما يقدر عليه الملوك في العادة، فقد يطلب من الملك زيادة الأجور، لكنه لا يطلب منه مطلق الرزق والبركة في المال، وإذا سأله المال، فإنه لا يسأله وهو في البحر مثلًا لأنه لن يسمَعه، بل يجب أن يكون في مجلسه ليسمعه.
ثم يُعرف ذلك بالمشاهدة والقرائن، بدليل أن الرجل يُطيع الملك لمصلحةٍ ما، فإذا انقضت تلك المصلحة تركه، وقد يخاف من الملك وهو أمامه، لكنه إذا كان في مجلس آخر قد يعيبه ويذمّه، وهو يعلم أنه في مأمنٍ منه، مما يدلّ أن تعظيمه إياه محدود، ويُعرف ذلك من قرائن تصرفاته وممارساته، فتأمل.
والعجيب أن يستشكل المخالف الفرقَ بين الأخذ بالأسباب الدنيوية من سؤال الطبيب العلاج ونحوه، وبين سؤال الله الشفاء والعافية، ويجعلهما في منزلة واحدة سواء بسواء، فانظر إلى هذه المسألة السهلة الفطرية التي يسهل حتى على العامي أن يُميزها بفطرته كيف ضلت فيها أفهام وزلت فيها أقدام كثير من المعاصرين، ووقعوا في مغالطات الباطنية والحلولية لمحض المناكفات والمجادلات؟!
الوجه الثاني: قرر أهل العلم أن الأصل هو عدم سؤال الناس، وإنما أُبيح لضرورة تيسير مصالح الناس ومعايشهم، وكل من أنزل حوائجه بمخلوق سواء كان حيًّا أو ميتًا وعلّق قلبه به من خوفٍ ورجاء وتوكل دخل في درجة من درجات الشرك بحسب حاله.
قال ابن تيمية رحمه الله: “سؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلًا على الله أفضل”([39]).
ويقول الحافظ ابن رجب: “واعلم أنّ سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين؛ لأنّ السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذلّ والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة”([40]).
ويقول أيضًا: “إنّ قول العبد: (لا إله إلا الله) يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يُطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا ومحبَّة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل. فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك”([41]).
ونفس الطاعة والانقياد وتعلّق القلب بغير الله حتى للأحياء شركٌ في أصله، ويختلف حاله بحسب درجة الرجل، بل متابعة الهوى شرك أيضًا كما قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43]، لكنه لا يصل إلى الشرك الأكبر لتعذُّر انفكاك النفس البشرية من هذه الأفعال في الغالب، وبسبب القرائن التي تدلّ على عدم إضفاء خصائص الألوهية عليه.
الوجه الثالث: ليس مناط التكفير هو الحياة أو الموت؛ فالحياة ليست مقصودة لذاتها، والموت ليس مقصودًا لذاته؛ فهذا فهم خاطئ من المخالف، وإنما فرَّق العلماء بين الحياة والموت في الطلب والسؤال؛ لأن الحي يقدر على المساعدة بما أعطاه الله من أسباب محدودة، بخلاف الميت فهو لا يقدر على مساعدة الحي.
فإذا يتعدَّى الإنسان الأسباب دخَل في درجة من درجات الشرك، كما وضحنا في الوجه الأول، وقد يدخل في الشرك الأكبر أيضًا إذا تعدى تلك الحدود.
ومما يدل على ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كفَّر من يذبح وينذر لبعض الأحياء مثل الشيخين تاج وشمسان، فقد كان الناس يعتقدون فيهم، ويسألونهما تفريج الكربات وإنزال المطر، ويصرفون لهم النذور وغير ذلك، فكفَّر الشيخ من يفعل ذلك، مع أن تاجًا وشمسان كانا من الأحياء لا من الأموات([42]).
والقصد أن الشيخ لم ير فرقًا بين الحي والميت في هذه الحالة؛ وذلك لأن الشيخ يعرف أن مناط التكفير الحقيقي هو صرف مظاهر العبادة لغير الله، وإضفاء بعض خصائص الألوهية على المخلوقين، وإنما فرّق أهل العلم بين الحياة والموت؛ لأن الغالب الأعم أن الميت لا يقدر على مساعدة الحي، بخلاف الحي الذي أناط الله به نوعًا من الأسباب في العادة، فلم يكن سؤاله شركًا في الغالب، لا لكون أن مجرد الحياة والموت هي مناط التكفير الحقيقي.
- مسائل لا تدلّ على كفر القلب بمجرد العمل:
وهذه المسائل سببت نوع اضطرابٍ في الأروقة المعاصرة، حيث يستشكل طالب العلم اعتبار النية في بعض الأفعال، وعدم قياسها على المكفرات الظاهرة.
واستشكال بعض طلبة العلم هذه المسائل سببه عدم ضبطه للقواعد الأولى التي ذكرناها من تلازم الأعمال الظاهرة والباطنة، وأن عمل القلب ليس مهدرًا دائمًا في جميع الحالات.
كلما كان الفعل يتضمن قرائن تدل على الكفر بالتضمن والالتزام كان التكفير بظاهر العمل مُتعينًا، فإذا نقصت القرائن نظرنا في مدى ظهورها وخفائها، فالمكفرات في باب العبادة ليست على درجة واحدة من الظهور كما يظن البعض.
بل المُكفرات درجات متعدِّدة كالدائرة الواسعة التي تحتوي على مركز به الكفر الصريح، وأطراف الدائرة بها الأمور الخفية، فكلما اقتربت من بؤرة الدائرة كان الكفر ظاهرًا، ولا ينظر فيه إلى القلب، وكلما ابتعدت عن البؤرة كان الأمر أقل ظهورًا شيئًا فشيئًا، وهكذا إلى أن تصل إلى الأمور الخفية، بل وسائغة الخلاف.
والمقصود أن الأعمال الدالة على الكفر بمجردها لا يُحتاج فيها إلى اشتراط النية أو اعتقاد القلب، فإذا لم تدل على الكفر بمجردها احتجنا فيها إلى النية واعتقاد القلب.
فإن قيل: ما الضابط في اعتبار النية أو عدم اعتبارها؟
الضابط في ذلك: القرائن الفعلية والقولية التي تدل على الكفر؛ فإن تعددت هذه القرائن من الأفعال والأقوال كان الكفر ظاهرًا، كما في الدعاء والتضرع عند القبور فإنها تتعدد فيها القرائن الفعلية المتعدية من دعاء وتضرع وإخبات وبكاء، بعكس مسائل أخرى تفتقر إلى كثرة القرائن أو تقل فيها القرائن كما سيأتي.
بل حتى المكفرات الواضحة ليست على درجة واحدة، فالذي يدعو وليًّا في البر والبحر ليس كالذي يدعوه وهو عند قبره، فهما وإن اشتركا في الكفر إلا أن الأول كفره أظهر؛ لكثرة القرائن الفعلية. والذي يطلب الدعاء من صاحب القبر ليس كمن يدعوه بشكلٍ مباشر، فالأول بدعة وليس كفرًا بمجرده، والثاني كفر بمجرده.
1- مسألة: السجود عند الملوك:
من مواضع الإشكال عند المخالفين -بل وعند بعض الموافقين أيضًا- التفرقة بين سجود العبادة وسجود التعظيم، فقد اشترط جمهور العلماء نية العبادة([43]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “السجود على ضربين: سجود عبادة محضة، وسجود تشريف، فأما الأول فلا يكون إلا لله”([44]).
يقول المخالف: أنتم أرجعتم ذلك إلى النية والقصد الذي محلّه القلب، وهذا خلاف مذهبكم في عدم اشتراط النية، فما المانع أن يرجع حكم التكفير إلى النية والقصد أيضًا في حالة الدعاء والاستغاثة؟
ومن الضابط الذي ذكرناه يستطيع القارئ استنتاج الجواب، والجواب باختصار: هو الانفكاك ما بين الحالتين، إذ الدعاء الذي كفَّر به العلماء هو الذي يتضمن ما لا يقدر عليه إلا الله، كالخلق والرزق ونحو ذلك، وليس مجرد النداء؛ لأن الأول يحتوي ضمنيًّا إضفاء بعض ما اختصت به القدرة الإلهية إلى العبد، وهذا ما لا يتضمنه السجود ولا يلزمه، فحصل بذلك أن الصورتين وإن كانتا من صور العبادة إلا أنهما يختلفان من حيث دلالة التضمن والمآل.
ووجه المُغالطة التي وقع فيها المخالف: أنه قاس الصورة بالصورة، وقال: ما دام الدعاء عبادة والسجود عبادة، فالصورتان متساويتان، وهنا مغالطة منطقية تتضمن خطأ المُقدمة، وبالتالي خطأ النتيجة.
ومثل هذه المغالطة كمن يقول ما دام 3 و4 من الأعداد، إذن 4 تساوي 3، ووجه الخطأ هو أنهما وإن تطابقا من حيث كونهما من الأعداد إلا أنهما لا يتطابقان من حيث القيمة، وإلا فهل يقبل المخالف أن نقول مثلًا: إن الصلاة عبادة والسجود عبادة، فما المانع أن يُصلي الرجل لصاحب القبر مع اعتقاده أن النافع الضار هو الله؟ فجواب المخالف على هذه من جنس جوابنا على تلك، وبهذا تنكشف وجه المغالطة بجلاء.
ويقال أيضًا: إن الأفعال المتعدية الدالة في الدعاء ليست موجودة في مجرد سجود التحية؛ فالذي يسجد بين يدي الملوك لا يدعو الملوك في البر والبحر، ولا يطلب منهم الخلق والرزق والأولاد والبنين، ويعلم قطعًا أن الملوك لن يسمعوه إذا طلب منهم من بعيد، بل حتى في مجلسهم لا يطلب منهم إلا ما يعلم أنهم يستطيعونه كالزيادة في الأجور مثلًا مما يقدرون عليه، لكن لا يسألهم العافية والرزق، ولا أن يهبوا له الأولاد ونحو ذلك.
وقد يوقّر هذا الملك ويمدحه وهو بين يديه، ويذمّه في مجلس آخر؛ لأنه في منأى عنه، وهذه كلها (قرائن) فعلية تدل على أن تعظيمه إياه محدود، ولم يصل إلى تعظيم الألوهية.
كما أنه قد يسجد بين أيديهم خوفًا منهم أو تعظيمًا لهم كنوع من التحية تعارف عليها أهل زمانه. وبهذا يُعلم الفرق بين الحالتين، وخطأ من سوَّى بينهما.
2- التسمية على الذبيحة باسم الله ومحمد:
يقول المخالف: ذكر بعض الشافعية أن التسمية على الذبيحة بأن يقول القائل: (باسم الله ومحمد) جائزة.
والجواب عن ذلك: أنه لم يقل الشافعية بهذا الإطلاق، بل ذكروا أن التسمية باسم الله ومحمد من الشرك، ولكن إن كانت التسمية لا تقع على قوله (ومحمد)، بل قيل اسم محمد تبركًا لم تدخل في الشرك.
ونص كلام النووي كما يلي: “ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد: (باسم محمد) ولا (باسم الله واسم محمد)، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه، واليمين باسمه، والسجود له، ولا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر في الوسيط: أنه لا يجوز أن يقول: (باسم الله ومحمد رسول الله)، لأنه تشريك. قال: ولو قال: (بسم الله ومحمدٌ رسولُ الله) بالرفع فلا بأس. ويناسب هذه المسائل ما حكاه في الشامل وغيره عن نص الشافعي رحمه الله: أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى كالمسيح لم تحل. وفي كتاب القاضي ابن كجّ: أن اليهودي لو ذبح لموسى، والنصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم، أو للصليب، حرمت ذبيحته، وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو للرسول، فيقوى أن يقال: يحرم؛ لأنه ذبح لغير الله تعالى”([45]).
فتأمل تعليل الشافعية للتحريم بقولهم: (لأنه تشريك).
أما جواز حالة الرفع فذلك لأن جملة (محمدٌ رسول الله) ستكون جملة مستقلة لا علاقة لها بما قبلها، وغير تابعة للتسمية. فكأن القائل سمَّى الله، ثم قال: (محمدٌ رسول الله) تبركًا. أما لو قيلت مُلحقة بالتسمية كانت شركًا عند النووي وغيره من الشافعية.
وقد نقل الشربيني عن الرافعي قوله عمن قال: (أذبح باسم الله ومحمد): “وقد تنازع جماعة من فقهاء قزوين فيه هل تحل ذبيحته؟ وهل يكفر أو لا؟ والصواب ما بيناه، وقد نص الشافعي على أنه لو قال: (أذبح للنبي صلى الله عليه وسلم أو تقربا له) لا يحل أكلها. أما لو قال: (باسم الله ومحمدٌ رسولُ الله) -برفع محمد- فإنه لا يحرم، بل ولا يكره كما بحثه شيخنا لعدم إيهامه التشريك. قال الزركشي: وهذا ظاهر في النحوي، أما غيره فلا يتجه فيه ذلك”([46]).
فتأمل قيّد الزركشي: (هذا ظاهر في النحوي، أما غيره فلا يتجه فيه ذلك)؛ وذلك لأن العامي لا يلتزم بقواعد الإعراب، ولو قُدِّر أنه نطقها بشكل صحيح فإنه لا يقصدها، بل جاءت معه مصادفة. فانظر إلى فقه الزركشي كيف استثنى النحوي من إيهام التشريك، وجعل إيهام التشريك في غيره، حتى ولو نطقها صحيحة.
ومن الفوائد أيضًا أن النقل السابق: فيه اختلاف فقهاء الشافعية في تكفير فاعل ذلك، فمنهم من كفَّر مطلقًا، ومنهم من ذهب إلى التفصيل السابق، وهو ما عليه المذهب. وفي هذا فائدة: أن من اختار التكفير في مسألة من مسائل العبادة اختلف فيها العلماء فليس من الخوارج، وسيأتي بيان ذلك من كلام العلامة المعلمي.
والحاصل: أن هذه من المسائل التي ترجع إلى نية القائل؛ لعدم دلالتها على الشرك مجردة، وليس هذا من الإرجاء في شيء؛ لأنها محتملة لوجهين.
- عرض مذاهب العلماء في مسألة اشتراط الاستقلال بالتأثير:
اختلف المتأخرون في ضابط الشرك في الدعاء على ثلاثة مذاهب رئيسة:
القول الأول: عدم اشتراط اعتقاد الاستقلال ولا مطلق التأثير:
فمن صرف لغير الله أنواع العبادة -كالدعاء فيما لا يقدر عليه إلا الله- كان كافرًا من غير نظر إلى اعتقاد استقلال أو تأثير. وبه قال ابن تيمية واعتمده الحنابلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين”([47]).
وهذا الإجماع انتزعه ابن مفلح من كلام ابن تيمية، ووضعه في باب المرتد مقرًّا له، ثم تتابع عليه الفقهاء المتأخرون مقرّين له([48]). قال في كشاف القناع بعد ذكر هذا الإجماع في باب حكم المرتد: “لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}”([49]).
وقد قال بهذا المذهب جماعة كبيرة من العلماء مثل البركوي([50]) والسرهندي([51]) والأقحصاري([52]) وولي الله الدهلوي([53]) وحفيده إسماعيل الدهلوي([54]) والشوكاني([55]) وغيرهم كثير.
القول الثاني: اشتراط اعتقاد مطلق التأثير ولو من غير استقلال:
يعني أنه لو اعتقد أن الولي يفعل بنفسه ويغيث بنفسه فهو كافر، أما لو أسند الدعاء إلى الولي من باب المجاز باعتبار التوسّل به أو باعتبار أنَّ الولي سوف يدعو الله له فليس بكافر، ولكن يبقى ظاهر الكلام عندهم منكرًا، ظاهرُه الإشراك.
وهذا المذهب ينتظم على قول المرجئة، وذهب إليه جماعة من فقهاء المتأخرين، وقال به من السلفية ابن بدران الدومي والسهسواني.
يقول ابن بدران جوابًا على سؤال في الاستغاثة بالأولياء: “إن كان ذلك القائل يعتقد أن سيده فلان هو الذي يغيثه، ويفرج كربه، ويشفي ولده، ويمدّه بالمدد من عنده؛ فقد كفر باتفاق المؤمنين العارفين بشرع سيد المرسلين، إلا عند من هو على شاكلة ذلك القائل، ممن يجعل ما سوّله له الشيطان دينًا، فاتخذ له أربابًا يعبدهم من دون الله، مقلدًا قول القائل: (اعل هبل).. وإن كان قصده مجردَ الدعاء؛ فذلك غير جائز. وتلك الفرقة [يعني القبورية] أصعب شيء إرجاعها إلى الحقّ، وإذا خاطبت أحدًا منهم تأوّل وتمحّل وأرغى وأزبد، ورمى الناصح بكلّ نقيصة زورا وبهتانا”([56]).
ويقول بنحوه العلامة السهسواني، ولكن يشترط أن يكون عند القبر لا بعيدًا عنه، يقول رحمه الله: “على أنا نقول: إذا قال أحد من عبدة الأنبياء والصالحين: (يا فلان اشف مريضي) فما مراده؟ إن كان المراد الإسناد الحقيقي فلا ارتياب في كونه كفرًا وشركًا، وإن كان المراد الإسناد المجازي بمعنى: (يا فلان كن سببًا لشفاء مريضي) أي: ادعُ الله تعالى أن يشفي مريضي، فإن كان ذلك المدعو حيًّا حاضرًا فليس هذا من الشرك في شيء، ولكنه لما كان موهمًا للإسناد الحقيقيّ الذي هو شرك صريح كان حقيقًا بالترك، فإن الله تعالى قد نهانا عن استعمال اللفظ الموهم كما تقدَّم، وإن كان ذلك المدعوّ حيًّا غير حاضر أو ميتًا وينادى من مكان بعيد من القبر، فهذا أيضًا شرك، فإنَّ فيه إثباتَ علم الغيب لغير الله تعالى، وهو من الصفات المختصّة به تعالى، وإن كان ذلك المدعوّ ميتًا وينادى عند قبره، فهذا ليس بشرك ولكنه بدعة. فعلى كل حال ينبغي للمؤمن أن يجتنبَ دعاء غير الله، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط”([57]).
القول الثالث: اشتراط استقلال المدعو بالتأثير:
اشترط بعض علماء المتأخرين أن الكفر يقع باشتراط استقلال المدعو بالتأثير، وهذا القول عندنا ينتظم على قول المرجئة أيضًا، وقد قال بهذا القول عدد من المتأخرين من المنتسبين إلى المذاهب الأربعة، وهم ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول:
يجعل دعاء غير الله -مع عدم اعتقاد استقلال المدعوّ- محرمًا وممنوعًا و”شركَ صورةٍ”، وهو ما ذهب إليه التهاوني الحنفي([58])، وبعضهم يصفه بأنه قبيح يتبادر منه الكفر، وهو ما ذهب إليه محمد سليمان الكردي مفتي الشافعية([59]).
وكل ما سبق هي ألفاظ متقاربة، والمستفاد أنهم يُحرِّمون دعاء الأولياء ويجعلونه قبيحًا ولو من غير اعتقاد استقلال. لكنه ليس كفرًا عندهم إلا مع اعتقاد استقلال المدعو.
ولعله يدخل في هذا القسم ابن قاسم الحنفي، فقد قال في عبارته الشهيرة التي تلقاها الأحناف بالقبول: “وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه، منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق، ومنها: أن المنذور له ميت والميت لا يملك، ومنها: أنه ظن أن الميت يتصرَّف في الأمور دون الله تعالى، واعتقاده ذلك كفر“([60]).
والشاهد هو قوله: (ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر)، ظاهره أنه يشترط اعتقاد تصرف الوليّ واستقلاله، مع أنه وصف أفعال العوام بأنها عبادة.
والحاصل: أن هذا القسم يُشاركون السلفية في إنكار التصرفات الشركية، ويرونها من المنكرات، ويُسمونها شركًا من حيث الظاهر، إلا أنهم لا يُكفِّرون إلا باعتقاد الاستقلال أو بنية القائل.
القسم الثاني:
يشترط في الكفر اعتقاد استقلال المدعو أيضًا، أما دعاء غير الله من غير اعتقاد ذلك فهو عندهم جائز ومباح، وهو قول النبهاني والزيني دحلان وابن جرجيس وكثير ممن خالفوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو القول الذي انتشر في كثير من المعاصرين وظنوه قسيمًا لقول الوهابية([61]).
يقول الزيني دحلان مبررًا شرك القبور: “وحاصل الرد عليهم -أي: على الوهابية- أن النداء قد يسمَّى دعاءً كما في قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، لكنه لا يسمَّى عبادة.. واعتقادكم أن الحي قادر على بعض الأشياء يستلزم اعتقادكم أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، وهو اعتقاد فاسد… -إلى قوله:- فيستوي الحي والميت والجماد في أن كلًّا منهم لا خلق له ولا تأثير، والمؤثر هو الله تعالى وحده”([62]).
وهذا القول السابق الذي يُسوّي بين الخالق والمخلوق ولا يُفرق بين ما يجوز لله وما يجوز للعبد لم يقله حتى غلاة الجبرية، بل هو قول الباطنية والحلولية والمشركين.
والحاصل: أن مذهب هذا القسم ظاهر البطلان، وهو من أقوال المشركين والمُلحدة، وأما القسم الأول والثاني -المُنكر لشرك القبور- فقد كان يستدل به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ كان يستدل بكلام أتباع المذاهب الأربعة كابن قاسم الحنفي وغيره في المسألة([63]).
ومن مظاهر اختلاف القسمين السابقين: أن النعمان الآلوسي وإن كان يخالف الوهابية في بعض مسائل التكفير، إلا أنه شاركهم في الرد على علماء القسم الثاني الذي يجيز شرك القبور، فقد رد على ابن جرجيس في كتابه (شقائق النعمان في الرد على داود بن سليمان).
مناقشة من اشترط التأثير بنوعيه:
لا شك في بطلان ما ذهب إليه من يشترط النية أو اعتقاد الاستقلال أو يجعل التأثير من الله ودعوة الولي من المجاز ونحو ذلك؛ لأن الكلمة إذا كان الغالب الذي ينقدح إلى الذهن منها الكفر ولها احتمال حُملت على الغالب منها ولم يُقبل التأويل.
قال الجويني: “اتفق الأصوليون على أن من نطق بكلمة الردّة وزعم أنه أضمر توريةً كفّر ظاهرا وباطنا”([64]).
وقال المعلمي اليماني: “وفي الشفاء عن صاحب سحنون في رجل ذُكِرَ له رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «فعل الله برسول الله كذا وكذا»، وذكر كلامًا قبيحًا، ثم قال: «أردتُ برسول الله العقرب» أنه لا يُقْبَلُ دعواه التأويلَ. ونقله الهيتمي في الإعلام، ثم قال: ومذهبنا لا يأبى ذلك.. ونقل إمام الحرمين عن الأصوليين أنَّ مَن نطق بكلمة الرِّدَّة وزعم أنه أضمر توريةً كَفَرَ ظاهرًا وباطنًا، وأَقَرَّهُم على ذلك»”.
وعلَّق المعلمي: “وهو الموافق لقواعد الشريعة، ولو قُبِلَ من الناس مثلُ هذا التأويل لأصبح الدين لعبةً، يقول مَن شاء ما شاء مِن سبِّ الله وسَبِّ رسوله، فإن سُئِلَ اعتذرَ بما يُشْبِه هذا التأويل… -إلى أن قال:- وإذا كان الأمر كما سمعتَ في عدم قبول عذر مَن ذُكِرَ مع أنه قد زعم أنه لم يُرِدِ المعنى الذي هو كفرٌ، وذكر معنى آخرَ زعم أنه أراده، فما بالك بمن يذكر مثل هذه الكلمة وأمثالها وأخبث منها ويؤلِّفُ فيها الكتبَ ويبنيها على شبهاتٍ عقليَّةٍ ويحتجُّ لها ويناضل عنها ويجهِّل مَن لم يقل بها”([65]).
إذن إنَّ القول الأول هو الصواب -إن شاء الله-، وهو الموافق لقواعد الشريعة، لأن الدعاء عبادة مثل الصلاة تمامًا؛ فمن صرف الصلاة إلى الأولياء كان كافرًا عند الجميع من غير نظر إلى اعتقاد استقلال الولي من عدمه.
والتفرقة بين (النوع والعين) يحُل إشكال من غلط في هذا الباب واشترط اعتقاد التأثير؛ لأنه إنما قال ذلك غالبا حتى لا يُكفِّر العامة من خرجت منه بعض الألفاظ الموهمة. وهذا غلط من قائله؛ لأن الفعل نفسه يبقى كفرًا، أما النظر إلى عذر القائل فإنما هو في باب الحكم على المُعيَّن.
وقد ذكر الله عن قوم إبراهيم أنهم أقروا بأن آلهتهم لا تضرهم ولا تنفعهم، فنفوا عنهم التأثير مطلقًا، فضلًا عن الاستقلال بالتأثير أو اعتقاد الربوبية.
قال ابن جرير الطبري: “يقول -تعالى ذكره-: قال إبراهيم لهم: هل يسمع دعاءَكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟!… فكان جوابهم إياه: لا، ما يسمعوننا إذا دعوناهم، ولا ينفعوننا، ولا يضرّون. يدل على أنهم بذلك أجابوه قولهم: ﴿بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، وذلك رجوعٌ عن مجحود، كقول القائل: ما كان كذا بل كذا وكذا، ومعنى قولهم: ﴿وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾: وجدنا من قبلنا من آبائنا يعبدونها ويعكفون عليها لخدمتها وعبادتها، فنحن نفعل ذلك اقتداء بهم، واتباعًا لمنهاجهم”([66]).
فابن جرير ذكر أن قوم إبراهيم اعترفوا أن أصنامهم لا تسمعهم، ولا تضر ولا تنفع، ومع ذلك كانوا كفّارًا بصرف الدعاء لهم.
فمن عبد غير الله بدعاء أو بخوفٍ ورجاء ونحو ذلك: فهو كافر، سواء اعتقد استقلال المعبود عن الله أو لم يعتقد، أو اعتقد التأثير استقلالًا أو بغير استقلال، فالتأثير الجزئي التابع لمشيئة الله لا يُخرج معتقِده عن الشرك أيضًا، بأن جعل لله شريكًا صغيرًا تابعًا له وتحت مشيئته. فإن جمهرة الأمم لا يعتقدون استقلال معبوداتهم عن الله أيضًا.
وقد علمت أنه حتى لو عبده وصرف إليه الدعاء دون أن يعتقد أنه يضر وينفع -كحال قوم إبراهيم- فهو كافر أيضًا؛ لأن الحجة عليه أبلغ، كما تقدم ذكره.
ثم نقول: إن اعتقاد استقلالهم عن الله بالتأثير لا يقول به أحد، ولا حتى عباد الأوثان من المجوس والهندوس وغيرهم، فجميع الديانات لديها فلسفة “الإله الأعظم” الذي له التأثير المطلق، وبقية الأصنام لها تأثير جزئي تابع للإله الأعظم.
ويُقرر هذه الحقيقة محيي الدين شيخ زاده حيث يقول: “مَن يعبد هذه الأحجار المنحوتة في هذه الساعة لا يعبدها على اعتقاد أنّ لها تأثيرًا وتدبيًرا في انتظام أحوال هذا العالم السفلي؛ فإن بطلان ذلك معلوم ببديهة العقل، وما عُلم بطلانه ببديهة العقل لا يذهب إلى صحته الجمّ الغفير والقوم الكثير، فلا بد أن يكون لهم في عبادتها منشأ غلط”([67]).
ويقصد محيي الدين زادة أن اعتقاد التأثير أو التدبير في هذه الأصنام معلوم بطلانه في بديهة العقل، ووفق علم المنطق: أن المعلوم بالبديهة لا يذهب إلى صحته الجم الغفير من الناس، لا سيما وأن في كلّ أمة من الأمم العقلاء والمُفكرين والعلماء وغيرهم، فلا بد وأن لهم تأويلًا لدعاء هذه الأصنام، وهي أنها غير مؤثرة بذاتها وتشفع لهم عند الله ونحو ذلك من التبريرات.
ويقرر تلك الحقيقة أيضا السعد التفتازاني، فإنه ذكر أن عباد الأصنام لا يعتقدون التأثير في أصنامهم، قال: “فلهم في ذلك تأويلات باطلة”. ذكر خمسة تأويلات، ثم قال: “الخامس أنه لما مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله تعالى اتخذوا تمثالا على صورته، وعظموه تشفُّعًا إلى الله وتوسلًا”([68]).
- الجواب عن استدلال المخالف باختلاف العلماء للتهوين من الشرك:
مع كون مسألة اشتراط الاستقلال بالتأثير ينتظم على قول المرجئة، إلا أن المخالف قد يتترس بمخالفة بعض العلماء للتهوين من شرك القبور، أو لاتهام ابن تيمية والوهابية بالتكفير بغير حق، ولا حجة له في ذلك.
وقد رد العلامة عبدالرحمن المعلمي على هذا الوَهم، وبيَّن أنه لا يُشترط أن تكون مسائل التكفير مُتفقًا عليها بين جميع العلماء، بل قد يختلف العلماء في جزئيات ويبقى الاتفاق على أصل الإنكار والذم، ولا تثريب على من اختار القول بالتكفير ما دام قال به جماعة من الثقات.
يقول المعلمي: “وقد جرى العلماء في الحكم بالردة على أمور، منها ما هو قطعي، ومنها ما هو ظني، ولذلك اختلفوا في بعضها، ولا وجه لما يتوهمه بعضهم أنه لا يُكفَّر إلا بأمرٍ مُجمع عليه”([69]).
وقد كفَّر بعض العلماء طائفة ابن عربي جريًا على أن العبرة بظواهر الكلام لا بمقصود المتكلّم، وبعض العلماء اكتفى بإنكار أقوالهم والتشنيع عليهم وأن ظاهر كلامهم كفر، ولم يكن الصنف الأول تكفيريًّا عند الصنف الثاني؛ لوجود مسوِّغات التكفير قائمة ومحتملة.
وقد قدَّمنا نقل الشربيني عن الرافعي خلاف متقدمي المذهب في إكفار من قال: (أذبح باسم الله ومحمد)([70]). فمنهم من رأى التكفير مطلقًا، ومنهم من رأى التفصيل، ولم يكن الفريق الأول تكفيريًّا عند الفريق الثاني.
ويفترض المعلمي خطأ الوهابية وابن تيمية -من باب التنزُّل والجدل- فيقول: “فإن هذه الأشياء التي يقول الوهّابيّون: (إنها كفر) ليس منها شيءٌ إلا وقد قام الدليل على المنع منه، فلو سُلّم أن الأدلة لا تدلّ أن ذلك كفر، فلا أقلَّ من أن تفيد أن ذلك فسوق وضلالة؛ لأن جميع ذلك من المحدثات، وقد ورد: «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» إلى غير ذلك من الأحاديث… بل قد دلّ على ذلك القرآن”([71]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) المفردات في غريب القرآن (ص: 319).
([3]) مجموع الفتاوى (10/ 284).
([4]) صيانة الإنسان من وسوسة دحلان (ص: 213).
([7]) مجموع الفتاوى (18/ 272).
([10]) أعلام السنة المنشورة (ص: 85).
([11]) الرسائل الشخصية -ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (3/ 32).
([12]) الرسائل الشخصية -ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/ 126).
([13]) الرسائل الشخصية -ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/ 53-54).
([14]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 76).
([16]) صيانة الإنسان (ص: 367).
([17]) من فتاوى نور على الدرب، للعلامة ابن باز، بعنوان: (حكم زيارة القبور للنساء وزيارتها المشروعة والممنوعة للرجال).
([18]) صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان (ص: 367).
([19]) من فتاوى الإسلام سؤال وجواب برقم (237968).
([20]) ينظر: تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي (4/ 298).
([21]) ينظر: البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير (6/ 357).
([23]) التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق (ص: 304).
([24]) ديوان الخنساء، حمدو طماس (1/ 62).
([25]) رثاء المدن في الشعر الاندلسي، عبد الله محمد الزيات (ص: 610).
([26]) المستدرك (1933). وانظر: صحيح الجامع (1279).
([27]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 319).
([28]) العقد الثمين في بيان مسائل الدين (ص: 113).
([30]) المجموع شرح المهذب (8/ 217).
([31]) مرعاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 263).
([35]) الأجوبة المهمة (ص: 24).
([38]) مجموع الفتاوى (8/ 528).
([39]) مجموع الفتاوى (1/ 181).
([40]) جامع العلوم والحكم (١/ ٤٨١).
([41]) تحقيق كلمة الإخلاص (ص: ٢٣-٢٤).
([42]) تاريخ ابن غنام (1/ 8، 217، 225). وانظر أيضًا: رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لعبد الله بن سحيم في تاريخ ابن غنام (1/ 210، 333).
([43]) انظر أقوال العلماء في هذا الرابط:
([44]) مجموع الفتاوى (4/ 361).
([45]) روضة الطالبين (2/ 475).
([47]) مجموع الفتاوى (1/ 124).
([48]) انظر في ذلك: الفروع لابن مفلح (6/ 165)، الإنصاف (10/ 327)، مطالب أولي النهى (6/ 279).
([50]) زيارة القبور الشرعية والشركية (ص: ٣٣).
([51]) المنتخبات من المكتوبات (3/ 45).
([52]) مجالس الأبرار ومسالك الأخيار ومحائق البدع ومقامع الأشرار الفجار (ص: 5-8).
([53]) التفهيمات الإلهية (2/ 45)، وتتمة البلاغ المبين (ص: 124).
([54]) رسالة تقوية الإيمان (ص: 35).
([56]) المواهب الربانية في الأسئلة القازانية (ص: 282).
([57]) صيانة الإنسان (ص: 238).
([58]) انظر: أشرف التهاوني حكيم الأمة وشيخ مشايخ العصر في الهند، للندوي (ص: 140).
([59]) قرة العين في فتاوى علماء الحرمين، (ص: ٢٥٩-٢٦٠). وانظر أيضًا: المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين، للدكتور محمد بن عبد الله المقشي (ص: 51).
([60]) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (6/ 396).
([61]) وهذا القول الفاسد ينسبه بعض المعاصرين إلى السبكي وهو غلط عليه، فتلاميذه -كأبي زرعة العراقي والأذرعي وغيرهم- ينكرون شرك القبور، وقد ناقشنا نسبة هذا القول إلى السبكي في ورقة مستقلة منشورة في موقع مركز سلف بعنوان: (مذهب الشافعية المتأخرين في شرك القبور).
([62]) نقله عنه السهسواني في صيانة الإنسان (ص: 368-369).
([63]) انظر: الرسائل الشخصية (6/ 69) -الرسالة الحادية عشره: رسالته إلى عبد الله بن سحيم-. وانظر: رسالة مفيد المستفيد، ضمن مؤلفات الشيخ (1/ 304).
([64]) ينظر: نهاية المحتاج (7/ 414).
([65]) رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله (ص: 942).
([66]) تفسير الطبري (17/ 589).
([67]) حاشية الشيخ محيي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي (٤/ ٧٨).
([69]) رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله (ص: 941).
([71]) تحقيق الكلام في المسائل الثلاث: الاجتهاد والتقليد، السنة والبدعة، العقيدة (ص: 153).