الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها – وبعد وفاته إلى النَّيْلِ منه عبر استهداف تلامذته، ومن ذلك ما جرى لتلميذه شهاب الدين ابن مري بسبب مسألة الاستغاثة.

وقد جرى على ابن مري في هذه المحنة ما لا يجوز إيقاعه إلا بأكابر المجرمين، فما الذي فعله ابن مري ليستوجب العقوبة والنكال؟ ولماذا ضُرِب؟ ولماذا شُهِّر بِه؟ ولماذا أهين؟ ولماذا نفي من مصر؟

  • من هو شهاب الدين ابن مري؟

قال الصفدي في ترجمته: (‌‌أحمد بن محمد بن مري([1]): الشيخ الإمام الفاضل شهاب الدين البعلبكي.

كان في مبدأ حاله منحرفًا عن الشيخ تقي الدين بن ‌تيمية، وممن يحطّ عليه، فلم يزل من أصحابه إلى أن اجتمع به فمال إليه، وأحبّه، ولازمَه، وترك كل ما هو فيه، وتلمذ له ولازمه مدة)([2]).

وقال ابن حجر: (كان مُنحرفًا عن ابن تيمية، ثم اجتمع به فأحَبَّه، وتَلْمَذ له، وكتب مصنفاتِهِ، وبالغ في التَّعَصُّبِ له)([3]).

ووصفه العيني بأنه (أجل أصحاب ابن تيمية) حيث قال: (وكان هذا قد حضر إلى مصر صحبة الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكان أجلَّ أصحابه).

وقد حفظت لنا رسالة كتبها ابن مري بعد وفاة الشيخ يستحث فيها أصحابه على جمع كلامه وتصانيفه. وهي رسالةٌ دالةٌ على أن ابن مري كان من تلامذة الشيخ المقرَّبين.

يقول ابن مري رحمه الله في تلك الرسالة: (‌فلا تيأسوا من قبول القلوب القريبة والبعيدة لكلام شيخنا، فإنه ولله الحمد مقبول طوعًا وكرهًا، وأين غايات قبول القلوب السليمة لكلماته، وتتبع الهمم النافذة لمباحثه وترجيحاته؟ ووالله إن شاء الله ليقيمن الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه، واستخراج مقاصده واستحسان عجائبه وغرائبه، رجالا هم إلى الآن في أصلاب آبائهم)([4]).

ويقول: (وقد علم أن لكتُبِه من الخصوصية والنفع والصحة، والبسط والتحقيق، والإتقان والكمال، وتسهيل العبارات، وجمع أشتات المتفرقات، والنطق في مضايق الأبواب بحقائق فصل الخطاب، ما ليس لأكثر المصنفين، في أبواب مسائل أصول الدين، وغيرها من مسائل المحققين)([5]).

ثم يقول: (وكان رحمه الله ورضي عنه يذب عن الشريعة ويحمي حوزة الدين بكل ما يقدر عليه، وكان كما علم من حاله لا يخاف في هذا الباب لومة لائم، ولا ينثني عما يتحقق عنده، ولم يزل على ذلك إلى أن قضى نحبه، ولقي ربه، فقدس الله روحه، ونور ضريحه، ونصر مقاصده، وأيد قواعده، والله سبحانه يعلم حسن قصده، وصحة علومه ورجحان دليله، وهو ناصر الحق وأهله، ولو بعد حين)([6]).

وفي هذه الرسالة قلقٌ شديدٌ وخوفٌ على تراث ابن تيمية من الضياع، واستحثاث لهمم أصحابه على جمع كتبه ونسخها ونشرها([7]).

وتراجم ابن مري شحيحة، والمعلومات التي قدّمها من ترجم له لا تجاوز ذكرَ إقبالِه على شيخه ابن تيمية بعد أن كان منحرفًا عنه، وذكر محنته التي نحن بصددها، ولم يذكروا غير ذلك، سوى أن ابن حجر قال في ترجمته: (وكان له خَطٌّ حَسَنٌ مرغوبٌ فيه) ([8])، ولم يذكروا سنةَ وفاتِه.

  • سبب محنة ابن مري:

اتفق المؤرخون على أن ما جرى لابن مري كان بسبب كلامه في مسألة الاستغاثة، بما يوافق تأصيلات شيخ الإسلام رحمه الله.

قال الذهبي في حوادث سنة 725هـ: (وضُرب بمصر الشهاب بن مُري التَّيمِي المُذكِّر، وسُجِن، ثم نُفِي لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله، ومُقِت لذلك)([9]).

وقال: (وضرب بمصر شهاب الدين أحمد بن مري المذكّر نحوًا من خمسين سوطًا، ونفي إلى بيت المقدس بسبب مسألة الاستغاثة، قال: لا يجوز أن يُستغَاث بمخلوق ولا نبي)([10]).

وقال ابن الجزري: (وبلغنا أن في السادس والعشرين من ربيع الأول مُنِع الشهاب المري البعلبكي من الجلوس بالقاهرة والكلام على الناس بسبب مسألة الاستغاثة، والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم)([11]).

وقال الصفدي بعد أن ذكر إذن الأمير جنكلي لابن مري بالتدريس: (فجلس وتكلم مدة، إلى أن تكلم في مسألة الاستغاثة والوسيلة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه قاضي القضاة المالكي من الجلوس في سادس عشري شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وسبع مئة)([12]).

وقال ابن كثير في حوادث سنة 725هـ: (وفيها مُنع شهاب الدين بن مري البعلبكي ‌من ‌الكلام ‌على ‌الناس ‌بمصر ‌على ‌طريقة ‌الشيخ ‌تقي ‌الدين ‌ابن ‌تيمية، وعزره القاضي المالكي بسبب مسألة الاستغاثة)([13]).

وقال ابن حجر: (ثم إنَّه تكلم في مسألة الزَّيارة والتَّوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيرهما، على طريقة ابن تيمية، فوثب به جماعةٌ من العامَّة، ومَنْ يتعصب للصُّوفية وأرادوا قتله، فهرب)([14]).

وقال المقريزي: (وسلك طريق ابن تيميّة في الإنكار على الصوفيّة، والتشنيع على مذاهبهم، ثمَّ تعرَّض إلى ما لا ينبغي([15]) فذكر مسألة الزيارة والاستغاثة)([16]).

وقد أقر خصوم شيخ الإسلام في ما كتبوه بشأن هذه القضية أن ما جرى لابن مري كان بسبب مسألة الاستغاثة أيضًا، فقد تكلم بلسان حالهم الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي في كتابه (حسن التصرف بشرح التعرف).

بيَّن القونوي – على سبيل الاستطراد في أحد المواضع من كتابه المذكور –  أن سبب ما جرى على ابن مري – الذي لم يذكر اسمه ولا اسم شيخه – هو مسألة الاستغاثة، ولم يتردد في تأييد ما جرى على ابن مري من عقوبة ونكال. 

يقول القونوي: (هؤلاء المبتدعة الذين نبغوا في زماننا، ومنعوا من التوسُّل برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الوفاة، ونُقِل عن طائفة منهم التفرقة بين حال حياته وحال وفاته، فقال([17]): (والتفريق بين الحياة والوفاة كان ثابتًا عن الصحابة، فلهذا استسقى أمير المؤمنين عمر بالعبّاس). قال: (ولولا هذا التفريق الواضح عندهم لما عدل عمر مع جلالته وكونه كان خليفةً راشدًا، وكان يشاور أيضًا عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيره).

هذا لفظُ المبتدع الجاهل الذي قامت البينة عليه بأشياء من هذا القبيل، وعُزِّر على ذلك التعزير البالغ بالحبس والضرب والنفي وغير ذلك، في شهور سنة خمسٍ وعشرين وسبعمائة بالقاهرة المحروسة.

وهذا الكلام من التفرقة بين الحالتين، والاستناد فيه إلى استسقاء عمر بالعبّاس رضي الله عنه ليس له، وإنما هو لشيخه، فإنه لما أظهر القول بنفي التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم من سنين أورد عليه حديث الاستسقاء، ففزع إلى التفرقة المذكورة).

وما نقله القونوي عن شيخ الإسلام ثابتٌ عنه فإنه يقول: (وفي حياته صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون منه الدعاء ويتوجهون إلى الله، ويتوسلون إليه بدعائه وشفاعته لجاهه عند الله، ولما مات استسقوا بالعباس عمه، وقال عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، فيسقون. رواه البخاري في صحيحه.

ومعنى قوله: (كنا نتوسل إليك بنبينا) أي بدعائه وشفاعته، ولهذا توسَّلُوا بعد موته بدعاء العباس وشفاعته لما تعذَّر عليهم التوسل به بعد موته كما كانوا يتوسلون به في حياته، ولم يُرِد عمر بقوله: (كنا نتوسل إليك بنبينا) أن نسألك بحرمته أو نقسم عليك به من غير أن يكون هو داعيًا شافعًا لنا كما يفعله بعض الناس بعد موته، فإن هذا لم يكونوا يفعلونه في حياته، إنما كانوا يتوسلون بدعائه.

ولو كانوا يفعلونه في حياته لكان ذلك ممكنًا بعد موته كما كان في حياته، ولم يكونوا يحتاجون أن يتوسلوا بالعباس.

وكثير من الناس يغلط في معنى قول عمر، وإذا تدبره عرف الفرق.

ولو كان التوسل به بعد موته ممكنًا كالتوسل به في حياته لما عدلوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العباس)([18]).

وقال ابن القيم:

وَلَقَدْ أَتَوْا يَوْمًا إِلَى العَبَّاسِ يَسْـ … ـتَسقُونَ مِنْ قَحْطٍ وَجَدْبِ زَمَانِ

هَذَا وَبَيْنَهُمُ وَبَيْنَ نَبِيِّهِمْ … عَرْضُ الجِدَارِ وَحُجْرَةُ النِّسوانِ

‌فَنَبِيُّهُمْ ‌حَيٌّ وَيْتَسْقُونَ غَيْـ … ـرَ نَبِيِّهِمْ حَاشَا أولِي الإيمَانِ([19])

 غير أن القونوي أجاب عن هذا الاستدلال بقوله: (ولا متشبث له في الحديث المذكور، فإن عمر رضي الله عنه إنما قصد أن يتقدم العباس رضي الله عنه ويباشر الدعاء بنفسه، وهذا لا يتصور حصوله من غير الحي، وأما التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نسلم أن عمر تركه بعد موته صلى الله عليه وسلم، وتقديمه العباس ليدعو للناس لا ينفي جواز توسله به صلى الله عليه وسلم).

وقول القونوي: (وهذا لا يتصور حصوله من غير الحي) فيه اعترافٌ بأن حياة الأنبياء في القبور ليست كحياتهم في الدنيا، فهو يناقض قوله بعد هذا إنه صلى الله عليه وسلم بعد موته في حُكم الأحياء.

وأما قوله: (وأما التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نسلم أن عمر تركه بعد موته صلى الله عليه وسلم) فيُقال: لو أنه فعله لنُقِل، إذ ذلك مما تتوفر الدواعي على نقلِه.

وأما وجه منافاة ترك عمر للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لتقديمه للعباس: فإن الفعل إذا قام مقتضيه وانتفت موانعه ولم يفعل السلف رضي الله عنهم كان ذلك دليلًا على بدعيّته، وذلك متحقق في تركهم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.

والناظر في كلام القونوي في رده على ابن مري وشيخه يجد جملةً من المؤاخذات، منها استدلاله بالقصص الواردة عن غير المعصومين، وبالأحاديث الباطلة في مطلب الاستغاثة الذي يدعي فيه خرق ابن تيمية وأصحابه للإجماع وينسبهم للابتداع، فهل مستند ذلك الإجماع المدّعى البواطيل والمنكرات؟

قال القونوي مُعلِّقًا على قصَّةٍ ذكرها الكلاباذي في كتابه (التعرف) وهي ما نقله عن أبي عبد الله بن الجلاء يقول: دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبي شيء من الفاقة، فتقدمت إلى القبر، وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ضجيعيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم قلتُ: ‌يا ‌رسول ‌الله! بي فاقة، وأنا ضيفك الليلة.

ثم تنحيت ونمت بين القبر والمنبر، فإذا أنا بالنبي عليه السلام جاءني ودفع إلي رغيفًا، فأكلتُ نصفَه، فانتبهت فإذا في يدي نصف الرغيف!

قال القونوي عقب هذه القصة: (وفيها دليل على أن التوسل به صلى الله عليه وسلم في الحاجات بعد وفاته كالتوسل به في حال حياته، وأن علمه صلى الله عليه وسلم بعد موته، كعلمه في حياته.

وقد روى الحافظ أبو القاسم الأصبهاني صاحب (الترغيب والترهيب) بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي في يوم جمعة وليلة جمعة مائة من الصلاة؛ قضى الله له مائة حاجة، سبعين من ‌حوائج ‌الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا، ووكل الله بذلك ملكًا يُدخله علي قبري كما تدخل عليكم الهدايا، إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة)([20]).

والقصة التي أوردها لا يثبت بها حكم شرعي، فليس فيه نقل عن معصوم، ولا احتجاج بإجماع.

وأما الحديث الذي احتجّ به فهو في غاية الضعف، فيه عثمان بن دينار وابنته حكامة، قال العقيلي: (تروي عنه حكامة ابنته أحاديث بواطيل ليس لها أصل)([21]).

ومما يؤخذ على القونوي أيضًا: خلطه بين الأقوال والمذاهب وإلزامه ابن تيمية وتلميذه بما لا يلزمهم، فقد نقل القونوي كلامًا لابن حزم يردّ فيه على الأشاعرة في قولهم بأن الروح عرض، ونزّله على ابن تيمية وأصحابه! قال: (وهذا القول الشنيع والرأي السخيف الذي أحدثه هؤلاء المبتدعة من التحاقه صلى الله عليه وسلم بعد موته بالعدم – حاشاه من ذلك- يلزمه أن لا يقال: إنه رسول الله اليوم، وهو قول بعض الضلال).

وما نسبه القونوي لابن تيمية وتلميذه فيه تشويه لأقوالهما، وتنفير العوام عنها، فما عسى العوام يقولون في من قال في النبي صلى الله عليه وسلم إنه ملتحق بالعدم! ولهذا سيأتي أن القائمين على ابن مري في هذه المحنة قصدوا إغراء العوام بقتله.

وشيخ الإسلام وتلامذته لا يقولون بالتحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالعدم، وإنما يقول بذلك من قال بأن الأرواح أعراض، وهي تفنى بالموت، كما هو منسوب لبعض الأشاعرة.

قال الإمام ابن القيم: (وهذا القول في النبوة بناء على أصل الجهمية وأفراخهم: أن الروح عَرَضٌ من أعراض البدن كالحياة، وصفات الحي مشروطة بها، فإذا زالت بالموت تبعتها صفاته فزالت بزوالها. ونجا متأخروهم من هذا الإلزام وفروا إلى القول بحياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم، فجعلوا لهم معادًا يختص بهم قبل المعاد الأكبر، إذ لم يمكنهم التصريح بأنهم لم يذوقوا الموت. وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة واستيفاء الاحتجاج لهم وبيان ما في ذلك في كتاب «الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية»)([22]).

ومما احتج القونوي به على أن الأنبياء في قبورهم لهم حكم الأحياء: حياة الشهداء المنصوص عليها في كتاب الله تعالى، قال: (وهو صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء بلا خلاف، وقد قال الله فيهم: (‌وَلَا ‌تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ )١٦٩( فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ( [آل عمران: 169-170] فهو أولى بذلك).

يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى: (وأما قياسهم لحياة الأنبياء بحياة الشهداء: فهذا من أكبر الأدلة عليهم، فإن الشهيد نص الله في كتابه على حياته في البرزخ، فلم تثبت حياتهم بالقياس، بل بالنصِّ المثبت لحياتهم، الناهي عن تسميتهم أمواتًا.

ومع هذا: فالشهيد تحل نساؤه لمن بعده، ويقسّم ماله، ويحكم عليه بما يحكم على أموات المسلمين، إلا في الصلاة والتغسيل، وكذلك جسمه بلا شك يبلى، لكن المراد بحياته أنها حياة برزخية تبتهج الروح برضا الله وكرامته وفضله، والأنبياء أكمل حالة منهم في ذلك بلا ريب)([23]).

فابن تيمية وتلاميذه لا ينفون حياة الأنبياء في قبورهم بكلٍّ معنى، بل يثبتونها بمعنى صحيح، وإنما ينفون أن تكون كحياتهم في الدنيا. قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن تحدث عن تحريم ‌اتخاذ ‌قبور الأنبياء مساجد مستدلًا بكلام الرسول صلّى الله عليه وسلَّم: (فهذه نصوصه الصريحة توجب تحريم اتخاذ قبورهم مساجد، مع أنهم مدفونون فيها، وهم أحياء في قبورهم)([24]).

وشبهات المجوّزين للاستغاثة بغير الله تعالى كثيرة، وناسب ذكر ما احتجّ به القونوي في كلامه على محنة ابن مري، لأن الكلام متعلق بهذه المحنة، وهو قد ذكر ما ذكره في التعليق عليها، ولكون الغلاة من خصوم ابن تيمية بعد ذلك، كالحصني والكوثري احتفوا بكلامه([25])، وبعض ما ذكره القونوي ذكره غيره، فليس المقصود تخصيصه ولا العدوان عليه.

هذا، ويبدو أن كتابة علاء الدين القونوي كانت في وقتٍ قريب مما جرى لابن مري، وقد دل على ذلك قوله في ختام ما ذكره بشأنها: (وإنما أطلتُ النفس في هذه المسألة، وإن كانت في غاية الوضوح، لقرب العهد بهذيان من أظهر الخلاف فيها، وأفسد به عقائد خلق كثير من العوام([26])، فلذلك استطردت في هذا المقام مما يتعلق بهذه المسألة هذا المقدار اليسير من الكلام، وللمقال فيها مجال واسع، لكن إشباع القول في ذلك خارج عما نحن بصدده في هذا الكتاب)([27]).

وقد كان القونوي إذ ذاك مقيمًا في القاهرة، وكان شيخًا للشيوخ([28])، وسيذكره ابن مري أمام نائب السلطان الناصر في ضمن أعدائه، كما سيأتي، حيث قال لنائب السلطان: (لا يرجع الأمير إلى قول هذا القاعد – وأراد به القاضي فخر الدين – فإنه يصحب عبداللطيف العجمي، والقونوي)([29]).

  • أحداث محنة ابن مري:

ذكر مؤرخو العصر المملوكي من الشاميين والمصريين أحداث محنة ابن مري، فمنهم من ذكرها بشكلٍ مختصر، وهم الذهبي، وابن الجزري، والصفدي، وابن كثير، ومنهم من ذكرها بشكل مطوّل، وهم ابن حجر والعيني والمقريزي. وسيكون جميع ما كتبوه مصدرًا لنا في ذكر أحداث هذه المحنة([30]).

ومن نظر في أحداث هذه المحنة سيجد أن القائم على ابن مري فيها هو: قاضي قضاة المالكية: تقي الدين الإخنائي، الذي حكم على ابن تيمية بالحبس والمنع من الفتيا، وهو الذي ردّ على ابن تيمية في مسألة الزيارة ورد عليه ابن تيمية في كتابه المشهور (الإخنائية) الذي صنّفه في سجن القلعة قبيل وفاته.

وقد أعان الإخنائي على ما فعله بعض الأمراء، مثل عزِّ الدين أيدمر الخطيري، ووقف مع ابن مري بعضهم مثل الأمير جنكلي بن البابا، وقاضي قضاة الشافعية الإمام بدر الدين ابن جماعة كما سيأتي.

وتفصيل ما جرى لابن مري على النحو الآتي:

 (1) قدوم ابن مري إلى مصر واتِّصَالُه بالأمير جنكلي بن البابا: قدم إلى مصر، واجتمع بالأمير بدر الدين جنكلي بن البابا، وتردَّد إليه، فنوَّه باسمه، وأذن له في عمل الميعاد.

والأمير جنكلي بن البابا هو أحد أمراء المغول الذين التحقوا بالدولة المملوكية، وكان يميل لابن تيمية، ويتعصب له، ويرد على من يرد عليه([31]).

وذكر العيني أن قدوم ابن مري إلى مصر كان بصحبة ابن تيمية سنة 705هـ، ثم إنه بقي فيها بعد أن غادرها ابن تيمية سنة 712، ولم يكن قدومه في وقتٍ قريب من هذه الواقعة، قال العيني: (وكان هذا قد حضر إلى مصر صحبة الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكان أجلَّ أصحابه، واستقر بمصر بعد سفر الشيخ تقي الدين إلى الشام)([32]).

غير أن اسم ابن مري لم يرد في أسماء أصحاب ابن تيمية الذين ذكرهم النويري، والله أعلم بالصواب.

 (2) إقامة ابن مري دروسًا في الوعظ في بعض جوامع مصر: حيث عقدَ ابن مري بعد حصوله على الإذن بالتدريس من الأمير جنكلي مجلسَ الوعظ بجامع عمرو بن العاص بمصر، وبجامع أمير حسين بن جندر بك خارج القاهرة.

قال الصفدي: (واجتمع بالأمير بدر الدين ‌جنكلي بن البابا، فأذن له في الجلوس والكلام على الناس بجامع الأمير شرف الدين حسين بن جندر بحكر جوهر النوبي، لأن الأمير بدر الدين كان الناظر في أمر الجامع المذكور، فجلس وتكلَّمَ مُدَّة)([33]).

قال ابن حجر: (وكان قدم القاهرة فتكلم على النَّاس بجامع أمير حسين بن جندر بحكر جوهر النوبي، وبجامع عمرو بن العاص)([34]).

 (3) مصادمة ابن مري مع الصوفية: كانت بداية محنة ابن مري بمصادمة جرت بينه وبين شيخ بغدادي كان قد نزل عند الصوفية في مصر، حيث أنكر ابن مري وأصحابه على ذلك الشيخ إنكارًا شديدًا، حتى نسبوه إلى الزندقة، وأنزلوه عن المنبر.

قال العيني: (واتفق وصول الشيخ شمس الدين ابن الجوزي([35]) من بغداد في أوائل هذه السنة، ونزل في خانقاه سعيد السُّعداء، وشرع يتكلم في الجامع الأزهر وغيرِه، ويعظُ الناس، وأقبل عليه العالَم، وقاموا بأمر الصوفية، وسألوه أن يتكلم في جامع الأمير حُسين يوم الجمعة، فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة، وتكلَّم بكلام حسنٍ في تنزيه الباري عزَّ وجلَّ (!!)، وأُعجب به من حضره، وسألوه أن يحضُر إليهم في الجمعة الثانية، فحضر، وصَعَد المنبر عند فراغ الناس من الصلاة، وما لحق أن يتكلم حتى صاح عليه شهاب الدين ابن مِرا صياحًا منكرًا. ومشى هو وجماعة من الذين يحضرون ميعادَه، وقال له: انزل يا زنديق! وصاحت أصحابُه معه! وانقلب الجامع بمن فيه، ونسبُوه إلى الزندقة، وما صدَّق الرجل على خروجه سالمًا)([36]).

(4) كلام ابن مري في مسألة الاستغاثة في دروسه، وتشغيب الصوفية عليه: كان كلام ابن مري في مسألة الاستغاثة في أحد دروسه، وإنكاره على الصوفيّة، والتشنيع على مذاهبهم، سببًا في قيام الصوفية عليه، فإنه لما تكلم في ذلك صاح به من حضر من الصوفيّة، ووثبوا عليه ليقتُلُوه، ففرَّ منهم.

ولا عجب في هذا، فإنهم كانوا يعتقدون أن من قال: لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم قد تنقّصه وأساء الأدب معه، ولذا كانوا يرون ذلك سببًا يستحق به القتل.

وكان للواقعة التي جرَت بين ابن مري وبين ذلك الشيخ الصوفي البغدادي المسمى بشمس الدين ابن الجوزي تأثير كبير في تشغيبهم عليه، حيث إنهم أرادوا بما فعلوه في درسه الانتقام منه.

قال العيني بعد أن ذكر ما جرى بين ابن مري وذلك الشيخ الصوفي: (وعَلِمَت بأمره الصوفية والمتعصبون له، فشقَّ عليهم أمره، لكونه رجلًا كبيرًا من بيت كبير، وهو نَزيل الفقراء، ومن أهل العلم، فاستعدُّوا له استعدادَ المقاتل، ثم جعلُوا يترقَّبُون فلتاتِ لسانه.

فحضرت جماعة منهم ميعادَه، وقد أخذَ في ميعاده يتكلَّمُ في أهل البيت، ثم خرج من ذلك إلى فصل الاستغاثة والشفاعة باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلَّمَ بكلامٍ لا يُمكن أن يُقال! فقامَ من حضر هناك من الصوفية وغيرهم فصاحوا عليه، وأرادوا النَّكَال به، فهرب خشيةً على نفسه، وقامَت عليه العامّة)([37]).

وقد تقدّم في مناقشة ما أورده القونوي من كلام ابن مري أنه لم يأت في مسألة الاستغاثة بشيء لا يمكن أن يقال، لكنهم كانوا يتوهمون في أن قول من يقول: (لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم) فيه تنقُّصٌ له.

وأما الكلام في أهل البيت فهو مما انفرد العيني بنقله، ولعل ما ذكره شاهد على أن اتهام جهلة المتصوفة لابن تيمية ومدرسته بالنصب هو اتهام قديم!

(5) التجاء الصوفية إلى القضاء، ومنع ابن مري من الجلوس للوعظ: ثم إن أولئك الصوفية رَفعوا أمره إلى قاضي القضاة تقيّ الدين محمد بن أبي بكر الإخنائيِّ المالكيِّ، فمَنَعه من الجلوس للوعظ، وكان ذلك بتاريخ 26 / 3 / 725هـ([38]).

(6) هروب ابن مري، وتخفيه، ثم القبض عليه: طلب القاضي الإخنائي ابنَ مُري، لكنه كان قد تخفّى منه خوفًا على نفسه.

فحينئذٍ رفع الإخنائيّ أمره إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فتقدَّم إلى الأمير قدودار متولّي القاهرة بإحضاره، وبعد بحثٍ عنه تمكن من الوصول إليه، فقبض عليه، وسلَّمه إلى الإخنائيِّ([39]).

قال ابن حجر: (فرفعوا أمره إلى القاضي المالكي الإِخْنَائي، فطلبه، فتغَيَّبَ عنه فأرسل إليه، وأحضره، وسَجَنه، ومَنَعه من الجلوس)([40]).

وقال العيني: (ونُقل ذلك المجلس – يعني الذي تكلم فيه ابن مري في مسألة الاستغاثة – إلى قاضي القضاة تقي الدين المالكي، فطلبه، فغيب عنه، عنه وتحدَّث القاضي مع السلطان في أمره، وقال: إن رجلًا من أصحاب ابن تيمية وجب عليه أمرٌ شرعيّ، وإنه هرب وغيب.

فأمر السلطان المتولي المدينة بطلبه، فحصَّله، وأحضره إلى القاضي)([41]).

(7) محاكمة الإخنائي لابن مري واعتقالُه: قال العيني بعد أن ذكر إحضار ابن مري إلى القاضي الإخنائي: (وادُّعي عليه فأنكَر، فحُبس على إقامة البينة. وكُتب بذلك محضر شهدت فيه جماعة ممن حضره من الصوفية وغيرهم، وكتبُوا خطوطهم وأثبتوه على القاضي تقي الدين الأخنائي المالكي، وأحضروه إليه، وهو منكَّل بقيدٍ وطوق في رقبته.

فحضرت الشهود فشهدوا عليه في وجهه، فصار يستخصم كلَّ من يشهد بشيء، ويُفسِّق بعضَهم، وينسِبُ بعضَهم إلى شهادة الزور، ويذكرُ في حق بعضهم أنه يشرب الخمر، فنهرَه القاضي وأمر برجوعه إلى الحبس، إلى أن تجمَّع القُضَاة بدار العدل)([42]).

 (8) إحضار ابن مري إلى السلطان الناصر: تحدّث الإخنائي مع السلطان الناصر بدار العدل في أمر ابن مري، فأثنى عليه قاضي القضاة بدر الدين محمّد ابن جماعة، والأمير جنكليّ، وغيره من الأمراء بحضرة السلطان([43]).

وقام الأمير عزُّ الدين أيدمر الخطيري بالحطِّ عليه وعلى ابن تيميَّة، عصبيَّة للصوفيَّة، وكادت تكون فتنة بينه وبين جنكليّ، فسكَّنها السلطان.

كذا ذكر ابن حجر والمقريزي خبَر ما جرى، ولم يذكر الصفدي حطّ الخطيري عليه([44]).

قال ابن حجر: (عُقد له مجلس بين يدي السُّلطان، وذلك في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبع مئة، فأثنى عليه بدرُ الدين بن جنكلي، وبدرُ الدين بن جَمَاعة، وغيرهما من الأمراء، وعارضهم الأمير أيدمر الحظيري، فحطَّ عليه، وعلى شيخهِ، وتفاوض هو وجنكلي حتى كادت تكون فتنةٌ)([45]).

وقال العيني: (ولما حَضَر القُضَاة بدار العدل وتكلَّم القاضي المالكي مع السلطان في أمره، وقُرئ المحضر بحضور القضاة والأمراء، قامَ الأمير عز الدين الخطيري وحطَّ عليه، وعلى شيخه تقي الدين بن تيمية، فعارضه الأمير بدر الدين جنكلي ، وكان يعظّم جانب الشيخ تقي الدين ، فإنه استمالَه إلى أن صار حنبليًا، وكان الخطيري يميل إلى الصوفية، فوقع بينهما كلامٌ، وقطع السلطان الكلام، وأمر أن يتحدث في أمره الأمير سيف الدين أرغون النائب، ويفعل معه ما يجب عليه من حكم الشرع الشريف، وأخرجوه إلى باب القلعة)([46]).

أما ابن الجزري والصفدي وابن كثير فذكروا أن ابن مري أُحضِر بنفسه إلى السلطان الناصر.

قال ابن الجزري: (وأُحضر بعد ذلك إلى بين يدي السلطان، عزَّ نصره، ثم إلى نائب السلطنة)([47])، وقال الصفدي: (ثم إنه أُحضر بين يديّ السلطان، وأُحضر بعد ذلك عند النائب)([48])، وقال ابن كثير: (وحضر المذكور بين يدي السلطان، وأثنى عليه جماعة من الأمراء)([49]).

(9) إحضار ابن مري إلى نائب السلطان ودفاعه عن نفسه: فوّض السلطان الناصر الأمر في ابن مري إلى نائبه الأمير أرغون النائب، فأُحضر إليه، وعنده الفخر ناظر الجيش.

فذكر ابن مري تَعصُّب الصوفيّة عليه بغير الحقّ، وجافى الفخرَ بالكلام، وأغلظ عليه القول([50]).

قال العيني: (وشرع النائب يسألُه – يعني: ابنَ مري – عن كيفية أمره، فقال: إن الصوفية تكرَهُني، واتَّفَقوا وهم وطائفة من العجم عليّ، وأول ما قبّح في الكلام مع النائب أنه قال: لا يرجع الأمير إلى قول هذا القاعد – وأراد به القاضي فخر الدين – فإنه يصحب عبداللطيف العجمي، والقونوي)([51]).

وكان حضور ابن مري بين يدي نائب السلطان بتاريخ 5 / 4 / 725هـ([52]).

(10) اعتقال الإخنائي لابن مري مرة أخرى، وعزمه على قتله: ردَّ النائبُ أرغون أمرَ ابن مري إلى القاضي الإخنائي، وكان ذلك بتاريخ 15 / 4 / 725هـ([53]).

فأُعيد ابن مري إلى السجن، قال المقريزي: (ووقع العزم على ضَربِ عُنُقِه)([54]).

(11) ضرب ابن مري والتشهير به: بعد أن أُودِع ابن مري في السجن مرةً أخرى، جرت بعد ذلك أمور آلت إلى أن أُحضر مقيدًا في الحديد يوم 29/ 5 / 725هـ([55]).

ويظهر مما تقدّم أن خصوم ابن مري في المستويين السياسي والقضائي قد عملوا على مواجهة قوله في مسألة الاستغاثة باستعمال أدوات عديدة، بدءًا من منعه من التدريس، مرورًا بالتخويف الذي حمل ابن مري على التخفي والهرب، ثم الحبس والسجن الذي استمرّ بمجموعه زيادةً على شهرين، ولم يكتفوا بذلك حيث كان التاريخ المذكور موعدًا لضربه الضرب الشديد الذي وصل إلى حد التنكيل، ثم التشهير به وإهانته أمام العوام.

وقد ذكر ذلك الضرب والإهانة سائر المؤرخين الذين أرخوا لهذه الواقعة.

قال الذهبي في حوادث سنة 725: (وضرب بمصر شهاب الدين أحمد بن مري المذكّر نحوًا من خمسين سوطًا)([56]).

وقال ابن الجزري: (وحبسه القاضي المالكي، ثم غلَّظ عليه، وقيَّده.

ثم ضربَه يوم الاثنين، التاسع والعشرين من جمادى الأول نحو خمسين سوطًا، وسلمه إلى والي القاهرة)([57]).

وقال الصفدي: (وأُحضر بعد ذلك عند النائب في خامس شهر ربيع الآخر وحبسه القاضي المالكي، ثم غلَّظ عليه، وقيّده، ثم إنه ضربه نحو خمسين سَوطاً في تاسع عشري جمادى الأولى، وتسلّمه والي القاهرة)([58]).

وقال ابن حجر: (فآل الأمر إلى تمكين المالكي منه فضربه ضربًا مبرحًا، حتى أدماه، ثم شَهَرَهُ على حمارٍ أُركِبَه مقلوبًا، ثم نُودي عليه: هذا جزاءُ من يتكلم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكادت العامة تقتله)([59]).

وقال العيني: (وآخر الأمر بعد منازعاتٍ كثيرة أمر النائب أن يحكم فيه القاضي بمقتضى الشرع فضُرب بالسياط ضربًا مؤلمًا حتى خرج الدم من أجنابه، ثم أُشهر وهو راكب مقلوبًا، ونودي عليه: هذا جزاء من يضع من جانب النبي صلى الله عليه وسلم)([60]).

وقال المقريزي: (فجَرَت أمورٌ آلَت إلى أن أُحضر في الحديد يوم التاسع والعشرين من جمادى الأولى، وضُرِب نحوَ الخمسين سوطًا، ضربًا مبرحًا حتَّى أدماه، ثمّ شهر على حمار أُركِبَه مقلوبًا، ونودي عليه: هذا جزاء من يضع من جانب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ليُغرُوا به العامَّة حتَّى تقتُلَه)([61]).

(12) إبعاد ابن مري عن مصر: أعيد ابن مري بعد الإشهار بمصر والقاهرة إلى سجن الوالي، فأقام يومين([62])، فتحدث الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا – الذي كان يميل إلى ابن تيمية وأصحابه كما تقدّم – في أمره مع الدولة ليخرج من السجن([63]).

وبعد أن شُفع في ابن مري ليخرج من السجن، أُخرج بأهله إلى بلد الخليل عليه السلام، وأُلزم ألَّا يعمل مجلس وعظ، ولا يتكلَّم مع أحد في شيء من أمور الديانات([64]).

فأقام ابن مري بالخليل إلى شهر رمضان، وسار إلى دمشق([65]).

قال الذهبي: (ثم فرَّ إلى أرض الجزيرة، وأقام هناك سنين)([66]).

وقال ابن كثير: (ثم سُفِّر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل، ثم قدم دمشق، وانتزح إلى بلاد الشرق، وأقام بسنجار وماردين ومعاملتهما، يتكلم ويعظ الناس إلى أن مات رحمه الله)([67]).

وقد وقعت حادثة بعد طرد ابن مري من مصر دلّت على تحيّز الإخنائي وجوره في الحكم، وقد سجلها العيني والمقريزي.

قال المقريزي: (واتَّفق عقيب سفره أنَّ تقيَّ الدين ابن شاس من فقهاء المالكيّة حضر بعض الدروس، فوقع منه مقالة مثل مقالة ابن مرا([68]) التي فَعَل بِهِ من أَجلِهَا ما فَعَل.

فرُفِع إلى الإخنائيّ، وشهد عليه جمع كبير من أعيان المالكيّة، وأرادوه أن يفعل به ما فعل بابن مرا، فلم يفعل، وقام معه، بحيث إنه منع غير واحد ممّن شهد عليه أن يتحمّل الشهادة، وهدَّد بعضهم، فتبيّن للناس أنّ قيامه على ابن مرا لحظِّ نفسه، وشُنِّعت القالة عليه.

وقال البرهان إبراهيم الرشيدي خطيب جامع أمير حسين في ذلك:

يا مالكيّا شاد أحكامه … على تقى الله، وأقوى أساس

مقالة في ابن مرا أثرت … زعمتم بالنصّ أو بالقياس

وفي ابن شاس قطّ ما أَثَّرت … فهل ‌أباح ‌الشرع ‌كفر ‌ابن ‌شأس؟!)([69]).

ولم يذكر العيني البيت الأول، وإنما ذكر البيتين الأخيرين، ولفظه:

(فقال الشيخ برهان السيد المعروف بالرشيد الحكري خطيب جامع الأمير حسين:

مقالة في ابن مرا لفّقت .. تجاوزت في الحدّ حد القياس

وفي ابن شاس خففت ما وفت … فهل أباح الشرع كفر ابن شاس؟)([70]).

فهذا تفصيل ما جرى لابن مري في هذه المحنة، وقد كانت هذه المحنة بداية محن متلاحقة، استمرت عدة سنوات، طالت تلامذة ابن تيمية، كابن القيم وابن كثير وابن أردبين، كما طالت في نهاية المطاف ابن تيمية نفسه، حين حبس في سجن القلعة، ومنع من الفتيا، وقد كان جل ما نقموه على الشيخ وتلامذته في هذه المحن متعلقًا بتوحيد العبادة.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أشير هنا إلى اختلافٍ جاء في المصادر في كتابة كلمة (مري)، حيث جاء في «عقد الجمان» الجزء السابع عشر، مخطوط في مكتبة أحمد الثالث برقم (2911) (17أ-18أ) ومخطوط آخر في بشير آغا (424/أ-ب) و«المقفى الكبير» (140/ب) في مكتبة برتو باشا برقم (496) كتابة نسبته هكذا: أحمد بن محمد بن مرا، وسائر المصادر جاءت فيها: (مُري)، وهو المشهور. وقد جاءت بالكتابة الأولى في قول البرهان إبراهيم الرشيدي خطيب جامع أمير حسين:

مقالة في ابن مرا أثرت … زعمتم بالنصّ أو بالقياس

([2]) «أعيان العصر» (1/388).

([3]) «الدرر الكامنة» (1/358).

([4]) «الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص198).

([5]) «الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص199).

([6]) «الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص200).

([7]) نشر هذه الرسالة وعلق عليها الشيخ محمد عزير شمس رحمه الله والدكتور علي العمران في «الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص193-201)، ومن الدراسات في الأكاديمية الغربِيَّة حول هذه الرسالة: ما قامت به المستشرقة كاترين بوري، وذلك في مقالتها التي بعنوان: (جمع أعمال ابن تيمية ونشرها: مخاوف تلميذ)، وهي منشورة في مجلة الدراسات المملوكية الصادرة عن جامعة شيكاغو (13/2) (ص48-67) سنة 2009م، حيث قامت بدراسة الرسالة لتحليل أسباب خوف ابن مري من ضياع كتب شيخه.

([8]) «الدرر الكامنة» (1/359).

([9]) «ذيل العبر» (ص138).

([10]) «دول الإسلام» (2/266).

([11]) «تاريخ ابن الجزري» (2/61-62).

([12]) «أعيان العصر» (1/388).

([13]) «البداية والنهاية» (18/254).

([14]) «الدرر الكامنة» (1/359).

([15]) لعل المقريزي تابع في هذه الكلمة غيره من المؤرخين، فقد ذكر العيني نحوها، فلعل مصدرهما في ذلك واحد، وللمقريزي كتاب «تجريد التوحيد المفيد» في توحيد العبادة يبعد معه أن يكون في صفّ خصوم ابن مري، وقد صرح المقريزي في «السلوك» (3/81) بأن ابن مري (كان ‌مظلومًا).

([16]) «المقفى الكبير» (1/657).

([17]) يعني: ابن مري.

([18]) «الإخنائية» (ص463-464). وانظر «الرد على البكري» (ص351-352) و«الصارم المنكي» (ص265-266).

([19]) «نونية ابن القيم» الأبيات (2878-2880).

([20]) أخرجه ابن منده في «فوائده» (56) وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1674) والبيهقي في «حياة الأنبياء» (14) و«شعب الإيمان» (2773)، وانظر في تضعيفه: «القول البديع» للسخاوي (ص162)، وقد حكم عليه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بالوضع في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» رقم (5857).

([21]) «الضعفاء» (3/200).

([22]) «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص279-280). وانظر بحث المسألة مفصَّلًا: «توضيح المقاصد» لابن عيسى (3/159-207).

([23]) «توضيح الكافية الشافية» (ص162-163)، وانظر في شرح جواب ابن القيم على هذه الشبهة بشكل مفصل: «شرح الكافية الشافية» لابن عثيمين (2/681-686)، وقد اكتفى السبكي في التعليق على هذا الموضع بقوله في «السيف الصقيل» (ص155): (قلب الله قلبه)! فإنه كان يغتاظ ويتألم من انتشار أصحاب ابن تيمية وقوة حجاجهم.

([24]) «مجموع الفتاوى» (27/502)، ولذلك فلا وجه لقول السبكي في رده على ابن القيم (ص155): (وقد صنف البيهقي جزءاً في حياة الأنبياء، ولكن هذا المدبر بعيد عن التوفيق)، فإن جزء البيهقي (وهو مطبوع) ليس فيه إثبات حياة للأنبياء في البرزخ كحياتهم في الدنيا، كما صرح به السبكي في «شفاء السقام»، مع استثنائه ما يتعلق بالأكل والشرب، ونقله عنه السيوطي في «إنباء الأذكياء» المطبوع مع جزء البيهقي (ص88).

([25]) «دفع شبه من شَبَّه وتمرد» للحصني (ص387-388)، وحاشية الكوثري على «السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل» (ص155-156).

([26]) هذا ما يبرر به دائمًا خصوم الشيخ وأصحابه تشهيرَهُم به وتضييقَهُم عليه (إفساد عقائد العوام)، وله نظير في كلام السبكي.

([27])  جميع ما تقدم من كلام القونوي نقلته من كتابه «حسن التصرف بشرح التعرف» (4/165-168)، وقد صححت النص اعتمادًا على مخطوطة للكتاب في مكتبة فيض الله أفندي برقم (1249) اللوحة (230-232).

([28]) ثم إنه ولي قضاء الشام في نهاية حياته لمدة سنة تقريبًا، وما نقله المؤرخون كالصفدي وابن الجزري بشأن موقفه من ابن تيمية ومدرسته في ذلك الوقت أفضل مما كتبه في «شرح التعرف»، فإنه أم الناس في الصلاة على ابن تيمية، مع كونه أصر قبل ذلك على بقائه معتقلًا، واستقبل ابن القيم استقبالًا حسنًا بعد خروجه من السجن. قال ابن الوردي في تاريخه: لما بلغ السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفاة القاضي علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي تعجَّب وقال: (سبحان الله العظيم! كان القاضي بدر الدين ابن جماعة عمرَه قاضيًا ومات صوفيًّا، وكان القونوي عمرَه صوفيًّا ومات قاضيًا). «تاريخ ابن الوردي» (2/292).

([29]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([30]) انظر في أحداث هذه المحنة: «ذيل العبر» للذهبي (ص138) و«دول الإسلام» له (2/266) ، و«تاريخ ابن الجزري» (2/61-62)، و«أعيان العصر» للصفدي (1/388) ، و«البداية والنهاية» لابن كثير (18/254)، و«الدرر الكامنة» لابن حجر (1/358-359)، «عقد الجمان» للعيني (الجزء السابع عشر، مخطوط في مكتبة أحمد الثالث برقم (2911) (17أ-18أ)، «السلوك لمعرفة دول الملوك» للمقريزي (3/81)، و«المقفى الكبير» له (1/656-658).

([31]) «الدرر الكامنة» (2/89).

([32]) «عِقد الجمان» (17/أ).

([33]) «أعيان العصر» (1/388).

([34]) «الدرر الكامنة» (1/358-359).

([35]) لم أجد له ترجمة، ولم أجد من بيت ابن الجوزي من عاش في هذا العصر وكان ببغداد ثم قدم إلى مصر.

([36])  «عِقد الجمان» (17/أ – 17/ب).

([37]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([38]) «أعيان العصر» (1/388)، «تاريخ ابن الجزري» (2/61-62)، «المقفى الكبير» (1/657)

([39]) «المقفى الكبير» (1/657).

([40]) «الدرر الكامنة» (1/359).

([41]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([42]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([43]) ذكر الصفدي ثناء ابن جماعة وجنكلي على ابن مري، وتبعه على ذلك ابن حجر والصفدي. انظر: «أعيان العصر» (1/388)، «الدرر الكامنة» (1/359)، «المقفى الكبير» (1/657).

([44]) «الدرر الكامنة» (1/359)، «المقفى الكبير» (1/657).

([45]) «الدرر الكامنة» (1/359).

([46]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([47]) «تاريخ ابن الجزري» (2/61-62).

([48]) «أعيان العصر» (1/388).

([49]) «البداية والنهاية» (18/254).

([50]) «الدرر الكامنة» (1/359)، «المقفى الكبير» (1/657).

([51]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([52]) «أعيان العصر» (1/388).

([53]) «المقفى الكبير» (1/657).

([54]) «المقفى الكبير» (1/657).

([55]) «المقفى الكبير» (1/657).

([56]) «دول الإسلام» (2/266).

([57]) «تاريخ ابن الجزري» (2/61-62).

([58]) «أعيان العصر» (1/388).  

([59]) «الدرر الكامنة» (1/359).

([60]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([61]) «المقفى الكبير» (1/657). 

([62]) «أعيان العصر» (1/388)، «الدرر الكامنة» (1/359)، «المقفى الكبير» (1/657).

([63]) «عِقد الجمان» (17/ب).

([64]) «أعيان العصر» (1/388)، «الدرر الكامنة» (1/359)، «المقفى الكبير» (1/657).

([65]) «المقفى الكبير» (1/658).

([66]) «ذيل العبر» (ص138).

([67]) «البداية والنهاية» (18/254).

([68]) تقدم التنبيه إلى أن المقريزي يضبط اسم ابن مري هكذا: ابن مرا.

([69]) «المقفى الكبير» (1/658).

([70]) «عِقد الجمان» (18/أ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017