الخميس - 13 رمضان 1446 هـ - 13 مارس 2025 م

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

A A

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال.

وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد.

ومن مواطن الاشتباه هنا أيضًا الظنُّ بأن كون أسماء الله مشتقةُ يقتضي وجودَ مادة سابقة عليها، وهو منتفٍ في حقّ الله تعالى، فهو سبحانه الأول فلا شيء قبله.

وهذا ما نبينه -إن شاء الله- في هذه المقالة، مع ذكر بعض ما يتعلّق بالاشتقاق في مباحث الصفات، والله المستعان.

تعلُّق مبحث الاشتقاق بالعِلْمين:

الكلام في الاشتقاق في الأسماء له تعلّق باللغة، وله تعلق بالاعتقاد وإثبات الأسماء والصفات.

أما من جهة اللغة:

فيقصد به: “أَنْ تَرَى لَفْظَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمَعْنَى، وَتُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهُمَا أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ”([2]).

وقد اختلف علماء اللغة في وقوعه في الكلام على ثلاثة مذاهب:

الأول: إثباته مطلقًا في جميع الكلام. والثاني: منعه مطلقًا. والثالث: إثباته في بعض الكلام دون بعض، وهو الذي عليه أكثر العلماء([3]).

وأما أسماء الله تعالى فإن القائلين بالاشتقاق في اللغة قائلون بأنها مشتقّة، بمعنى أنها ليست مرتجلة (جامِدة) لا يُشتقّ منها معنى، كأسماء الأعلام والبلدان، بل مشتقّة من معانيها ومصادرها اللغوية.

وقد كتب كثير من العلماء في بيان المعاني التي اشتقّ منها أسماء الله تعالى، فكتب أبو إسحق الزجاج (ت: 311هـ) كتاب (تفسير أسماء الله الحسنى)، وكذلك كتب تلميذه أبو القاسم الزجاجي (ت: 337هـ) كتاب (اشتقاق أسماء الله)، وكذلك كتب أبو حامد الغزالي كتابه (المقصد الأسنى) في شرح معاني الأسماء الحسنى. ويذكرون فيها المعاني التي اشتقَّت منها أسماء الله تعالى.

فمثلا اسم المالك يقول فيه الزجاجي: “اسم الفاعل من ملك يملك فهو مالك، فالله عز وجل مالك الأشياء كلّها، ومصرفها على إرادته، لا يمتنع عليه منها شيء؛ لأن المالك في كلام العرب للشيء هو المتصرف فيه، القادر عليه.

والمحيط في اللغة اسم الفاعل من قولهم: أحاط فلان بالشيء فهو محيط به إذا استولى عليه، وضم جميع أقطاره ونواحيه، حتى لا يمكن التخلص منه، ولا فوته… وهكذا في جميع أسماء الله تعالى”([4]).

الخلاف في اشتقاق لفظ الجلالة:

اختلف العلماء في اسم (الله)، هل هو مشتق أم مرتجل؟ وإذا كان مشتقًا، فمِن أي شيء اشتقّ؟

قال الشيخ محمد خليل هراس: “اسمُ الجلالةِ قيل: إنَّه اسمٌ جامِدٌ غيرُ مُشْتَقٍّ؛ لأنَّ الاشتِقاقَ يَستلزِمُ مادَّةً يُشْتَقُّ منها، واسمُه تعالى قديمٌ، والقديمُ لا مادَّةَ له، فهو كسائِرِ الأعلامِ المَحْضَةِ التي لا تتضمَّن صِفاتٍ تقومُ بمسمَّياتِها. والصَّحيحُ أنَّه مُشْتَقٌّ، واختُلِفَ في مبدأِ اشتِقاقِه، فقيل: من أَلَهَ يَألَهُ أُلوهَةً وإِلهَةً وأُلوهيَّةً، بمعنى: عبدَ عِبَادةً. وقيل: من أَلِهَ -بكَسرِ اللَّامِ- يَألَهُ -بفَتحِها- أَلَهًا: إذا تحيَّرَ. والصَّحيحُ الأوَّلُ، فهو إلهٌ بمعنى مألوهٍ، أي: معبود… وعلى القَولِ بالاشتِقاقِ يكونُ وَصفًا في الأصلِ، ولكِنْ غَلَبَتْ عليه العَلَمِيَّةُ، فتجري عليه بقيَّةُ الأسماءِ أخبارًا وأوصافًا؛ يُقالُ: اللهُ رحمنٌ رحيمٌ، سميعٌ عليمٌ، كما يُقالُ: اللهُ الرَّحمنُ الرَّحيمُ”([5]).

وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية بين القولين، فقال رحمه الله: “والصواب أنه فيه الاشتقاق وعدم الاشتقاق، ففيه الاشتقاق الأصليّ لا الوضعيّ، فليس في الاستعمال مشتقًّا كاشتقاق سائر الأسماء التي هي اشتقاقها اشتقاق الصفات. وأما في الأصل فإنه مشتقّ، وهذا يُسمَّى الاشتقاق الوضعيّ، وذاك يُسمَّى الاشتقاق الوصفي”([6]).

وقد ردّ ابن القيم على من ظنّ أن إثبات الاشتقاق في أسماء الله ولفظ الجلالة يستلزم وجود مادة سابقة على وجود الله تعالى، فقال رحمه الله: “زعم السهيلي وشيخه أبو بكر بن العربي أنّ اسم الله غير مشتق؛ لأنّ ‌الاشتقاق يستلزم مادةً يُشْتقَّ منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادّة له، فيستحيل ‌الاشتقاق. ولا ريب أنَّه إن أُريد بالاشتقاق هذا المعنى وأنه مستمدٌّ من أصل آخر فهو باطل. ولكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى، ولا أَلَمَّ بقلوبهم، وإنّما أرادوا: أنَّه دالّ على صفةٍ له تعالى، وهي الإلهية، كسائر أسمائه الحسنى، كالعليم والقدير والغفور والرحيم والسميع والبصير، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة، والقديم لا مادة له. فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسمه: (الله).

ثم الجواب عن الجميع: أنَّا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولّدة منها تولُّد الفرع من أصله. وتسمية النحاة للمصدر والمشتقّ منه: “أصلًا وفرعًا” ليس معناه أن أحدهما تولّد من الآخر، وإنّما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة.

وقول سيبويه: (إن الفعل أمثلة أُخِذَت من لفظ أحداث الأسماء) هو بهذا الاعتبار، لا أنّ العرب تكلّموا بالأسماء أولًا، ثم اشتقوا منها الأفعال، فإن التخاطب بالأفعال ضروري، كالتخاطب بالأسماء، لا فرق بينهما، فالاشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مادي، وإنّما هو اشتقاق تلازم، سُمِّي المتضمِّن -بالكسر-: مشتقًا، والمتضمَّن -بالفتح-: مشتقًّا منه، ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى”([7]).

فهذا ما يتعلّق باشتقاق أسماء الله من جهة اللغة، بمعنى اشتقاق الأسماء من معانيها ومصادرها.

وأما من جهة الاعتقاد وإثبات الصفات بالأسماء أو العكس:

فالكلام فيه في نوعين:

النوع الأول: اشتقاق الصفات من الأسماء:

فهذا مجمع عليه بين أهل السنة، أن الأسماء تتضمّن الأوصاف، فأسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، وليست أعلامًا محضَة، ولا ألقابًا جامدة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “كُلُّ اسمٍ مِن أسمائِه يَدُلُّ على الذَّاتِ المُسَمَّاةِ، وعلى الصِّفةِ التي تضَمَّنَها الاسمُ؛ كالعليمِ: يَدُلُّ على الذَّاتِ والعِلْمِ، والقديرِ: يَدُلُّ على الذَّاتِ والقُدرةِ، والرَّحيمِ: يَدُلُّ على الذَّاتِ والرَّحمةِ”([8]).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “الأسماءُ المذكورةُ فيها بلُغةِ العَرَبِ صِفاتٌ، ففي إثباتِ أسمائِه إثباتُ صِفاتِه؛ لأنَّه إذا ثَبَت أنَّه حَيٌّ مَثَلًا فقد وُصِفَ بصِفةٍ زائدةٍ على الذَّاتِ، وهي صِفةُ الحياةِ، ولولا ذلك لوَجَب الاقتصارُ على ما يُنْبِئُ عن وجودِ الذَّاتِ فقط”([9]).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “وإنَّما هي أعلامٌ وأوصافٌ؛ لدلالةِ القُرآنِ على ذلك، كما في قَولِه تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]، وقَولِه: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]؛ فإنَّ الآيةَ الثَّانيةَ دَلَّت على أنَّ الرَّحيمَ هو المتَّصِفُ بالرَّحمةِ، وأيضًا لإجماعِ أهلِ اللُّغةِ والعُرفِ على أنَّه لا يقالُ: عليمٌ إلَّا لِمن له عِلمٌ، ولا سميعٌ إلَّا لِمن له سمعٌ، ولا بصيرٌ إلَّا لِمن له بصرٌ، وهذا أمرٌ أبيَنُ مِن أن يحتاجَ إلى دليلٍ”([10]).

وخالفت المعتزلة في ذلك فادّعت أن أسماء الله تعالى لا تتضمّن أوصافًا، فقالوا: إن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ومريد بلا إرادة. وشبهتهم في ذلك أن إثبات الصفات يستلزم تعدّد القديم؛ لأن صفات الله غيره، فإن كانت محدثة فيلزم حلول الحوادث فيه تعالى، وإن كانت قديمة، فيلزم تعدّد القديم، وهذا ينافي التوحيد([11]).

وهذه شبهة باطلة؛ لأن التغاير بين الصفة والذات هو في الذهن لا في الخارج، أما في الخارج فالصفة قائمة بالموصوف.

قال الإمام أحمد في رده على هذه الشبهة: “لا نقولُ: إنَّ اللهَ لم يزَلْ وقُدرتَه، ولم يزَلْ ونورَه، ولكن نقولُ: لم يزَلْ بقُدرتِه ونورِه، لا متى قدَر ولا كيف قدَر.

فقالوا: لا تكونوا مُوحِّدينَ أبدًا حتَّى تقولوا: قد كان اللهُ ولا شيءَ.

فقُلْنا: نحن نقولُ قد كان اللهُ ولا شيءَ، ولكن إذا قُلْنا: إنَّ اللهَ لم يزَلْ بصفاتِه كُلِّها، أليس إنَّما نصِفُ إلهًا واحِدًا بجميعِ صفاتِه؟! وضرَبْنا لهم في ذلك مَثلًا فقُلْنا: أخبِرونا عن هذه النَّخلةِ، أليس لها جِذعٌ وكَرَبٌ وليفٌ وسَعَفٌ وخُوصٌ وجِمارٌ، واسمُها اسمُ شيءٍ واحِدٍ، وسُمِّيَت نَخلةً بجميعِ صفاتِها؟! فكذلك اللهُ -وله المَثلُ الأعلى- بجميعِ صفاتِه إلهٌ واحِدٌ”([12]).

النوع الثاني: اشتقاق الأسماء من الأفعال والصفات الواردة في الكتاب والسنة:

وهذا يمكن تقسيمه لنوعين:

الأول: اشتقاق أسماء من أفعال أو صفات مقيّدة بسياق هي فيما وردت فيه مدح وكمال، ولكن إذا جرِّدت من سياقها أوهمت نقصًا أو لم تفِد الكمال، كإطلاق اسم الماكر والمخادع والمستهزئ ونحو ذلك عليه سبحانه وتعالى.

وهذا النوع من الاشتقاق باطل، وغلّط العلماء من صنعه.

قال ابن القيم رحمه الله: “إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقًا، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى، ومن ظنَّ من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أنّ من أسمائه الماكر المخادع المستهزئ الكائد فقد فاه بأمرٍ عظيمٍ تقشعر منه الجلود، وتكاد الأسماع تُصمُّ عند سماعه، وغرّ هذا الجاهلَ أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال، فاشتَقَّ له منها أسماء، وأسماؤه كلها حسنى، فأدخلها في الأسماء الحسنى، وأدخلها وقرنها بالرحيم الودود الحكيم الكريم، وهذا جهلٌ عظيم، فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا، بل تمدَح في موضع وتذَمّ في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقًا، فلا يقال: إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد.

فكذلك بطريق الأولى لا يشتقّ له منها أسماء يسمَّى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد ولا المتكلّم ولا الفاعل ولا الصانع؛ لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر المخادع المستهزئ؟! ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى الداعي والآتي والجائي والذاهب والقادم والرائد والناسي والقاسم والساخط والغضبان واللاعن، إلى أضعاف ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه أفعالها في القرآن، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل”([13]).

الثاني: هو اشتقاق أسماء لله من صفات وأفعال تدلّ على الكمال من كل الوجوه، ولكنها لم ترد بصيغة الاسم الصريح.

فهذا محل خلاف بين العلماء، فأكثر العلماء المعاصرين على نفي الاشتقاق بهذا المعنى، ويشترطون لثبوت الاسم أن يرد صريحًا بصيغة الاسمية.

وممن ذهب لذلك أيضا ابن حزم رحمه الله، فجمع ثمانية وستين اسمًا، قال الحافظ ابن حجر: “اقْتَصَرَ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ بِصُورَةِ الِاسْمِ لَا مَا يُؤْخَذُ مِنَ الِاشْتِقَاقِ كَالْبَاقِي مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَيبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، وَلَا مَا وَرَدَ مُضَافًا كَالْبَدِيعِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}”([14]).

ومنهم من قال بجواز ذلك، شريطة أن يكون الاسم دالًّا على الكمال من كلّ وجه؛ كالمنعم والبديع والباقي والأعز الأكرم ونحوها.

واحتجّ بصنيع السلف الذين عدّوا في أسماء الله تعالى أسماء مشتقّة، ولم ينكر ذلك أحد من السلف([15]).

فمن ذلك: ذكرُ الوليد بن مسلم للتسعة والتسعين اسمًا مستنبطة من كتاب الله تعالى، وفيها الكثير من الأسماء المشتقة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين”([16]).

وقد جمع غير واحد من أئمة السلف الأسماء الحسنى، وذكروا فيها أسماء مشتقّة، كجعفر الصادق، وأبي زيد اللغوي -وأقره عليه سفيان بن عيينة-، وابن منده، والخطابي، والحليمي -وأقره عليه البيهقي-، وابن حجر، وغيرهم كثير([17]) ولم ينكر عليهم أحد؛ لكونهم ذكروا أسماء مشتقة.

ولا يصحّ القول بأن هذا من باب الإخبار، فإنهم ينصّون في جمعهم على أنها أسماء الله تعالى.

بل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه علّم رجلا أن يدعو بقوله: “يا دليل الحائرين، دُلَّني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين”([18]). وقد ذكر شيخ الإسلام هذا ردًّا على ابن حزم وغيره ممن قال: لا يجوز الدعاء بغير التسعة والتسعين اسمًا.

ومن ذلك قول ابن مسعود في سعيه: “ربِّ اغفِرْ وارْحَمْ وتَجَاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزُّ الأكرم”([19]).

وممن جوّز ذلك الشيخ عطية سالم رحمه الله، فقال بعد أن بيّن عدم جواز الاشتقاق من الصفات التي جاءت على سبيل المقابلة كالمكر والخداع ونحوها: “أما ما جاء في كتاب الله على سبيل المدح وعلى سبيل التذكير، فلا مانع من ذلك، والعلماء بحثوا في كتاب الله عما جاء من اسم صريح، أو صفة من الصفات توحِي بقداسة لله وإجلال لله، فأخذوا منها اسمًا من أسمائه سبحانه وتعالى”([20]).

ومن تأمل كلام ابن القيم في إنكار جمع ابن العربي يدرك أنه ليس متّجهًا لكونه اشتق الاسم من الفعل، وإنما لكونه لم يراعِ الكمال والحسن في أسماء الله تعالى، وإلا فالزارع والمخادع وردت بصيغة الاسم، ولكنها لما لم تفِد كمالا مطلقًا لم يصحّ أن تطلق على الله إلا في السياق الذي ذكرت فيه.

وأصحاب هذا القول لا ينفون التوقيف في الأسماء، ولكن معنى التوقيف على قولهم: أن يدلّ الدليل الشرعي على ثبوت الاسم، ولكن لا يلزم أن يكون بصيغة الاسمية، بل يكفي أن يثبت الفعل أو الصفة التي لا تحتمل إلا الكمال من كلّ الوجوه، كالمنعم والمعطي والأعز والأكرم، ونحو ذلك مما ذكره السلف، ويبعد أن نخطّئهم جميعًا في ذلك.

والله أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ذكر الأستاذ عبد السلام هارون في مقدمة تحقيقه لكتاب (الاشتقاق) لابن دريد ثمانية عشر كتابا مفردًا عن الاشتقاق، وجمع الدكتور رمضان عبد التواب في مقدمة تحقيقه لكتاب (الاشتقاق) للأصمعي سبعة وعشرين كتابًا عن الاشتقاق.

([2]) البحر المحيط، للزركشي (2/ 311).

([3]) انظر: اشتقاق أسماء الله للزجاجي (ص: 277).

([4]) اشتقاق أسماء الله (ص: 43-48).

([5]) شرح العقيدة الواسطية (ص: 46). وانظر في ذكر الخلاف في ذلك: الدر المصون، للسمين الحلبي (1/ 24-27)، وتفسير ابن كثير (1/ 123-124).

([6]) جامع المسائل (4/ 415).

([7]) بدائع الفوائد (1/ 40).

([8]) مجموع الفتاوى (13/ 333).

([9]) فتح الباري (13/ 357).

([10]) القواعد المثلى (ص: 8).

([11]) انظر: الانتصار في الرد على ابن الراوندي، لأبي الحسين الخياط المعتزلي (ص: 82)، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص: 277).

([12]) الرد على الجهمية (ص: 49).

([13]) مختصر الصواعق المرسلة (ص: 306-307).

([14]) فتح الباري (11/ 217).

([15]) راجع كتاب (معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى) للدكتور محمد بن خليفة التميمي، فقد عقد فيه فصلا في بيان مناهج العلماء في عد الأسماء الحسنى (ص: 75)، وأن منهم من يضيّق كابن حزم، ومنهم من يوسّع في الاشتقاق دون مراعاة الكمال كما فعل ابن العربي، وهو الذي توجّه له نكير ابن القيم، ومنهم المتوسّطون، وهم أكثر العلماء كما يدل على ذلك صنيع السلف.

([16]) مجموع الفتاوى (6/ 379).

([17]) انظر: معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى (ص: 118-119).

([18]) مجموع الفتاوى (22/ 483).

([19]) قال الشيخ الألباني رحمه الله: “وإن دعا في السَّعي بقولِه: ربِّ اغفِرْ وارحَمْ؛ إنَّك أنت الأعزُّ الأكرمُ، فلا بأس؛ لثبوته عن جمعٍ مِنَ السلف”. وذكر منهم ابن مسعود وابن عمر والمسيب بن رافع الكاهلي وعروة بن الزبير. مناسك الحج والعمرة (ص: 27).

([20]) كتاب دروس الشيخ عطية سالم (5/ 5).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

تصفيد الشياطين في رمضان (كشف المعنى، وبحثٌ في المعارضات)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  تمهيد يشكِّل النصُّ الشرعي في المنظومة الفكرية الإسلامية مرتكزًا أساسيًّا للتشريع وبناء التصورات العقدية، إلا أن بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة -ولا سيما تلك المتبنِّية للنزعة العقلانية- سعت إلى إخضاع النصوص الشرعية لمنطق النقد العقلي المجرد، محاولةً بذلك التوفيق بين النصوص الدينية وما تصفه بالواقع المادي أو مقتضيات المنطق الحديث، […]

رمضان مدرسة الأخلاق والسلوك

المقدمة: من أهم ما يختصّ به الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والملل والنحل أنه دين كامل بعقيدته وشريعته وما فرضه من أخلاق وأحكام، وإلى جانب هذا الكمال نجد أنه يمتاز أيضا بالشمول والتكامل والتضافر بين كلياته وجزئياته؛ فهو يشمل العقائد والشرائع والأخلاق؛ ويشمل حاجات الروح والنفس وحاجات الجسد والجوارح، وينظم علاقات الإنسان كلها، وهو […]

مَن هُم أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَة؟

الحمدُ للهِ وكفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ على النبيِّ المصطفَى، وعلى آلِه وأصحابِه ومَن لهَدْيِهم اقْتفَى. أمَّا بَعدُ، فإنَّ مِن المعلومِ أنَّ النَّجاةَ والسَّعادةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ مَنوطةٌ باتِّباعِ الحَقِّ وسُلوكِ طَريقةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَة؛ ولَمَّا أصْبحَ كلٌّ يَدَّعي أنَّه مِن أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَة، وقام أناسٌ يُطالِبون باستِردادِ هذا اللَّقبِ الشَّريفِ، زاعِمين أنَّه اختُطِفَ منهم منذُ قرون؛ […]

أثر ابن تيمية في مخالفيه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: شيخ الإسلام ابن تيمية هو البحرُ من أيِّ النواحِي جِئتَه والبدرُ من أيّ الضَّواحِي أتيتَه جَرَتْ آباؤُه لشأْو ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مريحًا من تَعَبِه، طلبًا لا يَرضَى بِغاية، ولا يُقضَى له بِنهايَة. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ وجهُ الصباحِ ليُحاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ الليلَ […]

عرض وتعريف بكتاب (نقض كتاب: مفهوم شرك العبادة لحاتم بن عارف العوني)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: إنَّ أعظمَ قضية جاءت بها الرسل جميعًا هي توحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حيث أُرسلت الرسل برسالة الإخلاص والتوحيد، وقد أكَّد الله عز وجل ذلك في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. […]

عبادة السلف في رمضان وأين نحن منها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: لا يخفى أن السلف الصالح -رضوان الله عليهم- كانوا يحرصون كل الحرص على كثرة التعبد لله سبحانه وتعالى بما ورد من فضائل الأعمال، وبما ثبت من الصالحات الباقيات التي تعبَّد بها النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنهم كانوا يتهيؤون للمواسم – ومنها شهر رمضان – بالدعاء والتضرع […]

النصيرية.. نشأتهم – عقائدهم – خطرهم على الأمة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: لقد كانت الباطِنيَّةُ -وما زالت- مصدرَ خطَرٍ على الإسلامِ والمسلمين مذ وُجِدت، وقد أيقَن أعداءُ الإسلامِ أنَّ حَسْمَ المواجهة مع المسلمين وجهًا لوجهٍ لن يُجدِيَ شيئًا في تحقيق أهدافِهم والوصولِ لمآربهم؛ ولذلك كانت الحركاتُ الباطِنيَّةُ بعقائِدِها وفِتَنِها نتيجةً لاتجاهٍ جديدٍ للكيد للمسلمين عن طريق التدثُّرِ باسمِه والتستُّرِ بحبِّ […]

موقف الإمامية الاثني عشرية من خالد بن الوليد -قراءة نقدية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن الله أعزّ الأمة، ووجّهها نحو الطريق المستقيم، وفتح لها أبواب الخير بدين الإسلام، هذا الدين العظيم اصطفى الله له محمدَ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، واصطفى له من بين أهل الأرض رجالًا عظماء صحبوه فأحسنوا الصحبة، وسخروا كل طاقاتهم في نشر دين الله مع نبي […]

التلازم بين العقيدة والشريعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من تأمل وتتبَّع أسفار العهدين القديم والحديث يدرك أنهما لا يتَّسمان بالشمول والكمال الذي يتَّسم به الوحي الإسلامي؛ ذلك أن الدين الإسلامي جاء كاملا شاملا للفكر والسلوك، وشاملا للعقيدة والشريعة والأخلاق، وإن شئت فقل: لأعمال القلوب وأعمال الجوارح واللسان، كما جاء شاملا لقول القلب واللسان، وهذا بخلاف غيره […]

إنكار ابن مسعود للمعوذتين لا طعن فيه في القرآن ولا في الصحابة

يعمد كثير من الملاحدة إلى إثارة التشكيك في الإسلام ومصادره، ليس تقويةً لإلحاده، ولكن محاولة لتضعيف الإسلام نفسه، ولا شك أن مثل هذا التشكيك فيه الكثير من النقاش حول قبوله من الملاحدة، أعني: أن الملحد لا يؤمن أساسًا بالنص القرآني ولا بالسنة النبوية، ومع ذلك فإنه في سبيل زرع التشكيك بالإسلام يستخدم هذه النصوص ضد […]

دعاوى المناوئين لفتاوى ابن باز وابن عثيمين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُثار بين الحين والآخر نقاشات حول فتاوى علماء العصر الحديث، ومن أبرز هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين. ويطغى على هذه النقاشات اتهام المخالف لهما بالتشدد والتطرف بل والتكفير، لا سيما فيما يتعلق بمواقفهما من المخالفين لهما في العقيدة […]

شبهات العقلانيين حول حديث “الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم” ومناقشتها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في […]

البهائية.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بعد أن أتم الله تعالى عليه النعمة وأكمل له الملة، وأنزل عليه وهو قائم بعرفة يوم عرفة: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهي الآية التي حسدتنا عليها اليهود كما في الصحيحين أنَّ […]

الصمت في التصوف: عبادة مبتدعة أم سلوك مشروع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: الصوفية: جماعةٌ دينية لهم طريقةٌ مُعيَّنة تُعرف بالتصوّف، وقد مَرَّ التصوّف بمراحل، فأوَّل ما نشأ كان زُهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم تطوَّر شيئًا فشيئًا حتى صار إلحادًا وضلالًا، وقال أصحابه بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات([1])، وبين هذا وذاك بدعٌ كثيرة في الاعتقاد والعمل والسلوك. وفي إطار تصدِّي […]

دفع مزاعم القبورية حول حديث: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

مقدمة: من الفِرى ردُّ الأحاديث الصحيحة المتلقّاة بالقبول انتصارًا للأهواء والضلالات البدعية، وما من نصّ صحيح يسُدُّ ضلالًا إلا رُمِي بسهام النكارة أو الشذوذ ودعوى البطلان والوضع، فإن سلم منها سلّطت عليه سهام التأويل أو التحريف، لتسلم المزاعم وتنتفي معارضة الآراء المزعومة والمعتقدات. وليس هذا ببعيد عن حديث «‌اتخذوا ‌قبور ‌أنبيائهم»، فقد أثار أحدهم إشكالًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017