المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وهذه الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بها تارة من باب التبشير، وتارة من باب التحذير، فعن عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا)([2])، وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ)([3]).
وحذيفة نفسه كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المستقبل وما فيه من فتن، فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث عند البخاري عن أبي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»([4]).
ولما كان حذيفة من أعلم الناس بالفتن الواقعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم سأله عمر عنها فقال: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتْنَةِ، قال: قُلْتُ: أَنَا كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ -أَوْ: عَلَيْهَا- لَجَرِيءٌ، قُلْتُ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ»، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لا يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: البَابُ عُمَرُ([5]).
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بخروج الدجال، ونزول عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج، وعن القتال بين المسلمين، وكثرة الزلازل، وظهور مدعي النبوة، كما ثبت في الصحيح([6]).
ومما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ظهور رجل من أهل بيته يكون خليفة، يظهر في عهدِه الدجال، وينزل في أيامه المسيح ابن مريم عليه السلام، يملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جورًا وظلمًا، يُحيي السنة، ويُميت البدعة، ويبسط العدل، ويُعيد الخلافة الراشدة.
ولما كان المهدي بهذه الصفة ادَّعت كل طائفة أنه منها، حتى اليهود والنصارى أفاضوا في الحديث عنه، فهو عندهم المنقذ المنتظَر الذي تبشّر به كتبهم وأحبارهم، وادعى الكثير من المسلمين المهدوية قديمًا وحديثًا، وانقسم الناس فيه فرقًا، فمنهم القائل: هو عيسى عليه السلام، ومنهم المنكر له أصلًا، ومنهم المتردد بين الفريقين، ومنهم من علق الجمع والجماعات والجهاد وعطل العمل اكتفاء بالأمل على ظهوره، ووالى وعادى عليه.
بل منهم من حث على ترك العمل؛ ليزداد الفساد وينتشر الضلال، فتأتي الخوارق من ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام، وحينئذ يعود الإسلام وينتشر الدين وينتصر الحق([7]).
ومنهم من قال: الأحاديث فيه لا يعوَّل عليها، فالأحاديث الصحيحة غير صريحة، والصريحة آثار غير صحيحة، وكثر القيل والقال، بل أُريقت بسبب الجهل بصفاته وما ورد فيه دماء، وكل هذا وغيره بسبب اختلاط الأمر والتِباسه على المدّعين.
فمن المهدي؟ وما صفاته؟ وكيف نعرفه؟ وما المعتقد الصحيح فيه؟ وما الشبه التي تثار حوله وآراء الفرق فيه؟
مركز سلف للبحوث والدراسات
أولًا: كيفية التعامل مع أحاديث الفتن وطرق تنزيلها على الواقع:
وإنما قدمنا بهذا الأصل أولًا لأن منشأ الخلل عند الكثير ممن فارق السلف وخالف السنة هو في عدم ضبطهم للتعامل مع أحاديث الفتن، وطرق تنزيلها على الواقع؛ لذا نقول:
1- منشأ انحراف الأمم وفساد الأديان إنما هو في تقديم الرأي على الوحي، والهوى على الشرع، والعقل على النقل، وما استحكمت هذه الأمور في أمة إلا تم خرابها، وأصل ضلال الفرق أنهم يبتدعون أصولًا توافق أهواءهم، ثم يقدّمونها على النصوص الصريحة، فيتحكّمون بها في الأدلة النقلية، وقد أُمروا أن يتحاكموا إليها، أما الأحاديث فيكذِّبونها، وأما الآيات فيؤوّلونها ويحرفونها([8]).
2- لا يسلم للمرء دينه إلا على قدم التسليم والاستسلام، قال الطحاوي رحمه الله: “وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالْاسْتِسْلَامِ”، قال ابن أبي العز تعليقًا عليه: “أَيْ: لَا يَثْبُتُ إِسْلَامُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لِنُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ، وَيَنْقَادُ إِلَيْهَا، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا وَلَا يُعَارِضُهَا بِرَأْيِهِ وَمَعْقُولِهِ وَقِيَاسِهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَمِنَ الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ نَافِعٌ”([9]).
3- لتنزيل نصوص الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الواقع معالم وضوابط ينبغي مراعاتها عند تناول الواقعة أو دراسة ما يتعلق بها من نصوص شرعية، ومنها:
الضابط الأول: عدم التسرّع في التنزيل لأنّ التنزيل الخاطئ للنص تقوُّلٌ على الله بغير علم:
ويترتب عليه في الكثير من الأحيان عمل يُفعل أو فعل يترك، ومثال ذلك ما رواه مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: مَا زَالَ جَدِّي كَافًّا سِلَاحَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ حَتَّى قُتِلَ عَمَّارٌ بِصِفِّينَ، فَسَلَّ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»([10]).
وفسر معاوية رضي الله عنه ذات الحديث بتفسير وتنزيل مغاير، فترتب عليه موقف مغاير، لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ دَخَلَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَزِعًا يُرَجِّعُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ، فَمَاذَا؟! قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: دُحِضْتَ فِي بَوْلِكَ، أَوَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟! إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، جَاءُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا، أَوْ قَالَ: بَيْنَ سُيُوفِنَا([11]).
الضابط الثاني: عدم الاعتماد على المصادر الباطلة في باب الفتن والملاحم:
ومن ذلك مثلًا: الأحاديث والآثار التي يرويها نعيم بن حماد رحمه الله في كتابه (الفتن) عن السفياني الذي يخرج في الشام، والأبقع الذي يخرج من مصر، والأصهب، وعن قائد الروم الذي يأتي من المغرب وهو يعرج. فكل هذه الأحاديث التي أوردها نعيم شديدة الضَّعف، لا يجوز الاعتماد عليها([12]).
ومن ذلك أيضًا الإسرائيليات، فمن تأمل في كتب هؤلاء العابثين بأشراط الساعة يلحظ أن من القواسم المشتركة بين أكثرها اشتراكها في كثرة النقل عن أهل الكتاب، ومن ثم يبنون أحكامًا وتقريرات وتنزيلات([13]).
ومن ذلك أيضًا الاعتماد على كلام المنجِّمين والكهان والعرافين.
ومن ذلك الاستدلال بحروف أباجاد وحساب الجمل على المغيبات، وهو فرع من فروع الكهانة تعتمد على حساب الجمل وحروف أباجاد، وفق عمليات حسابية من جمع وطرح، ويربطون ما يحصلون عليه من نتائج بالأبراج الاثني عشر على طريقة أصّلوها ومذاهب قعّدوها([14]).
الضابط الثالث: التحقق من ثبوت النص ومن معناه:
فإن كان النص قرآنًا فهو مقطوع بثبوته، وإن كان سنة نظر فيه وفي إسناده، فإن كان صحيحًا فمقبول وإن كان ضعيفًا فمردود ولا تفسَّر الوقائع في ضوئه، والأمر يكون أشد عند الاحتجاج بالموضوعات، يقول شيخ الإسلام: “الاستدلال بما لا تُعلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم، وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع”([15]).
فإن تحققت من ثبوت النصّ يجب أن تتحقّق من معنى النص؛ إذ لا يتصوّر أن ينزل النص على واقعة معينة ما لم يتبين الباحث معنى النص أولًا، وضابط ذلك الرجوع على فهم السلف للنص، وفق المنهجية العلمية الصحيحة في الفهم والاستدلال([16])، يقول الشاطبي: “يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصواب وأقوم في العلم والعمل”([17]).
الضابط الرابع: عدم الجزم بتنزيل النصّ على واقع معين قبل حدوثه:
فلا يجزم بأن فلانا هو المهديّ قبل ظهوره وظهور علاماته التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أحسن ما جاء في هذا ما روِي عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثوري: مَا تَقُولُ فِي الْمَهْدِيِّ؟ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ، قَالَ: إِنْ مَرَّ عَلَى بَابِكَ فَلَا تَكُنْ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ([18]).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: “واعلم -أيها الأخ المؤمن- أن كثيرًا من الناس تطيش قلوبهم عن حدوث بعض الفتن، ولا بصيرة عندهم تجاهها، بحيث إنها توضّح لهم السبيل الوسط الذي يجب عليهم أن يسلكوه إبانها، فيضلون عنه ضلالا بعيدًا، فمنهم مثلا من يتبع من ادعى أنه المهدي أو عيسى، كالقاديانيين الذين اتبعوا ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى المهدوية أولا، ثم العيسوية، ثم النبوة، ومثل جماعة جهيمان السعودي الذي قام بفتنة الحرم المكي على رأس سنة 1400هـ، وزعم أن معه المهديّ المنتظر، وطلب من الحاضرين في الحرم أن يبايعوه، وكان قد اتَّبعه بعض البسطاء والمغفَّلين والأشرار من أتباعه، ثم قضى الله على فتنتهم بعد أن سفكوا كثيرًا من دماء المسلمين، وأراح الله تعالى العباد من شرهم”([19]).
بهذه الضوابط وغيرها، يستطيع الباحث البحث في النص وفي طرق تنزيله على الواقع، وبهذه الضوابط يمكن تحرير المقال في حال المهدي بين الحقيقة الشرعية الواردة في نصوص الشريعة والخيال الذي يدعيه من ينكر المهدي أو يزعم أنه شخص معين ظهر في مكانٍ أو زمنٍ معين.
ثانيًا: التعريف بالمهديّ:
اسم المهدي:
اسمه محمد بن عبد الله، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد فاطمة رضي الله عنها، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يُصلحه الله في ليلة، تُملأ الأرض قبل خلافته ظُلمًا وجورًا، فيملؤها بعد خلافته قسطًا وعدلًا، وذلك في أخر الزمان.
يملك سبع سنين، يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، وتنعم في عهده نعمة لم تنعمها قط، يعطي المال صَحاحًا، ويحثيه حثيًا، لا يعده عدًّا.
ينزل عيسى ابن مريم فيصلّي وراءه؛ مما يستلزم أن يكون المهدي معاصرًا خروجَ الدجال؛ لأن عيسى عليه السلام يقتله بعد نزوله من السماء([20]).
وهذا الذي ذكرناه من اسمه ونسبه وحال الأرض في عهده هو ما دلّت عليه الأحاديث الصحاح التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا»، قَالَ: «ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي -أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِي- مَنْ يَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا»([21]).
وحديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»([22]).
وعنه أيضا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي -أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِي- يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي» زَادَ فِي رواية: «يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا»([23]).
نسب المهدي:
المهدي من عترة النبي صلى الله عليه وسلم، وعترة الرجل أخصّ أقاربه، وعترة النبي صلى الله عليه وسلم: “بَنو عَبْد المُطَّلب. وَقِيلَ: أهلُ بيتِه الأقْرَبُون، وَهُمْ أوْلادُه وعليٌّ وأوْلادُه. وَقِيلَ: عِتْرَتُه: الأقْربُون والأبْعدُون مِنْهُمْ، والمشهورُ المعروفُ أَنَّ عِتْرَتَهُ أهلُ بيْته الَّذِينَ حُرِّمت عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ”([24]).
وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ»([25]).
وعن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ»([26]).
صفاته الخَلقية:
المهدي أجلى الجبهة أقنى الأنف، كما جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ»([27]).
وجلاء الجبهة هو انحسار مقدَّم الرأس من الشعر، أو نصف الرأس، أو هو دون الصلع، أي: واسع الجبهة لانحسار مقدَّم شعر الرأس عنها وبداية الصلع.
ففي القاموس المحيط: “الجلا مقصورة: انحسار مقدّم الرأس أو نصف الرأس، أو هو دون الصلع… وجبهة جلواء: واسعة”([28]).
وقوله: «أَقْنَى الْأَنْفِ»، قال في النهاية: “القَنا فِي الأنْف: طُوله ورِقَّة أرْنَبَتِه مَعَ حَدَبٍ فِي وَسَطِهِ”([29]).
مدة ملكه:
المهديّ يملك خمسًا أو سبعًا، فإن يكن أكثر من ذلك فتسع سنين، فعن شُعْبَة قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدًا العَمِّيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الصِّدِّيقِ النَّاجِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ، فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي المَهْدِيَّ، يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا» أَوْ: «سَبْعًا» أَوْ: «تِسْعًا» -زَيْدٌ الشَّاكُّ- قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «سِنِينَ»، قَالَ: «فَيَجِيءُ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِنِي أَعْطِنِي»، قَالَ: «فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ»([30]).
بداية ظهوره:
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ»([31]).
وقوله: «يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ» يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المراد بذلك أن الله يصلحه للخلافة؛ أي: يهيّئه لها.
والثاني: أن يكون متلبّسًا ببعض النقائص، فيصلحه الله، ويتوب عليه([32]).
وقال القاري: “«يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ»: يُصْلِحُ أَمْرَهُ وَيَرْفَعُ قَدْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ اللَّيْلِ؛ حَيْثُ يَتَّفِقُ عَلَى خِلَافَتِهِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِيهَا”([33]).
ويكون بداية ظهوره عند موت خليفة، وظهور اختلافٍ بين الناس، فيخرج من المدينة إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيُخرجونه وهو كاره، فيبايعونه وهو كاره بين الركن والمقام، وعلى هذا فإنّ المهدي لا يتقدّم بدعوى أنه المهديّ ويطلب من الناس أن يبايعوه على ذلك، وإنما يخرجه الناس وهو كاره فيبايعونه([34]).
وقد جاء من السنة ما يدلّ على ذلك، فَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا، فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ، فَيَقْسِمُ الْمَالَ، وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ»([35]).
وقد اختلف العلماء في هذا الحديث، فضعّفه الشيخ الألباني([36])، وقال: “ولقد كان الجهل بضعفه من أسباب ضلال جماعة جهيمان التي قامت بفتنة في الحرم المكّي، وادّعوا زورًا أن المهديَّ بين ظهرانيهم، وطلبوا له البيعة، فقضى الله على فتنتهم ومهديِّهم”([37]).
بينما صحَّحه الشيخ التويجري وقال: “إنَّ أبا داود قد سكت عليه، وقد قال في رسالة إلى أهل مكة: (وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض)، وسكت عليه المنذري في تهذيبه، ولو كان فيه علّة لذكرها، وقد رواه ابن حبان في صحيحه، والطبراني في الأوسط مختصرًا، قال الهيثمي: (ورجاله رجال الصحيح)، وقد أقره الحافظان زين الدين العراقي وابن حجر العسقلاني على هذا القول، وقال ابن القيم في كتابه المنار المنيف: (الحديث حسن، ومثله مما يجوز أن يقال فيه: صحيح)([38])”([39]).
ثم ردَّ التويجري على من ينكر كون المقصود بالرجل في الحديث أنه المهدي فقال: “فجوابه أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصرح باسم الشخص تارة، وتارة يذكره بصفاته، وتارة يذكره بأفعاله التي يتميّز بها عن غيره، وقد جاءت الأحاديث في المهديّ على نحو ما ذكرنا؛ فقد جاء التصريح باسمه في عدّة أحاديث تقدّم ذكرها في أول الكتاب، وجاء في بعضها أنه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، وأنه يعيش سبعَ سنين، وفي بعض الروايات سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، وهذا يوافق ما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها أن الرجل من قريش ومن بني هاشم، وأنه يعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام يلقي بجرانه إلى الأرض، وأنه يعيش سبع سنين، وهذه الصفات والعلامات التي جاءت في حديث أم سلمة رضي الله عنها تقوم مقام التصريح باسم المهديّ؛ لأن من عمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وألقى الإسلام بجرانه إلى الأرض في زمان ولايته فهو مهديّ بلا شك، سواء جاء التصريح باسمه في الحديث أو لم يجئ، ولهذا أورده غير واحد من أكابر العلماء مع الأحاديث الدالة على خروج المهدي في آخر الزمان، ومنهم عبد الرازق في مصنفه، وأبو داود في سننه، وابن حبان في صحيحه، وابن القيم في كتابه (المنار المنيف)، وابن كثير في كتابه (النهاية)، وغيرهم”([40]).
ثالثا: موقف أهل السنة من المهدي:
من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالمهديّ، وظهوره في آخر الزمان، بل نصّ بعضهم على تواتر الأحاديث فيه.
قال الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسن الآبري السجزيّ في كتابه (مناقب الشافعي): “قد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه”([41]).
وقد نقله عنه جماعة من أكابر العلماء وأقروه وارتضوه، ومنهم: القرطبي المفسر([42])، وأبو الحجاج المزّي([43])، وابن القيم([44])، والحافظ ابن حجر([45])، والسخاوي([46])، والسيوطي([47]).
وهذه بعض نقول عن أهل العلم تؤكّد ما ذكرناه آنفًا:
قال ابن القيم: “القول الثالث: المهديّ رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورًا وظلمًا، فيملؤها قسطًا وعدلًا، وأكثر الأحاديث على هذا تدلّ… وفي كونه من ولد الحسن سِرٌّ لطيف؛ وهو أن الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لله، فجعل الله مِن ولده مَن يقوم بالخلافة الحقّ، المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئًا أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه”([48]).
وقال الشيخ محمد البرزنجي: “الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة، وهي كثيرة، فمنها المهدي، وهو أولها، واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر”([49]).
وقال أيضًا: “قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلي الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حدَّ التواتر المعنويّ، فلا داعي لإنكارها”([50]).
وقال السفاريني رحمه الله: “منها أي: من أشراط الساعة التي وردت بها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار، أي: من العلامات العظمي وهي أولها أن يظهر (الإمام) المقتدى بأقواله وأفعاله (الخاتم) للأئمة فلا إمام بعده كما أن النبي صلي الله عليه وسلم هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده”([51]).
رابعًا: المنكرون لفكرة المهديّة أو المتردِّدون فيها:
لم يُعرف عن أحدٍ من المتقدّمين أنه أنكَر المهديَّ، إلا ما روي عن بعضهم أنهم رأوا أن المهديّ عيسى ابن مريم عليه السلام، وهذا وإن كان اعترافًا منهم بفكرة المهديّة، إلا أنه في الوقت نفسه عند التحقيق نجد أنها روايات لا تصحّ عنهم.
مثل ما روى ابن أبي شيبة عن مجاهد أنه قال: “المهديّ عيسى ابن مريم”([52])، لكنه لم يثبت عنه؛ ففيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف كثير الاضطراب، وقد اختلط ولم يميز فترك حديثه([53]).
ومن أشهر من أنكر فكرةَ المهدية ابنُ خلدون، وسنناقشه في ذلك قريبًا، ومحمد بن درويش الحوت البيروتي حيث قال: “وفي المهدي أحاديث أُفردت في التأليف وكلّها فيها مقال”([54]).
ومنهم السيد محمد رشيد رضا، حيث قال في تفسيره: “وَأَمَّا التَّعَارُضُ فِي أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ فَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ أَعْسَرُ، وَالْمُنْكِرُونَ لَهَا أَكْثَرُ، وَالشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرُ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَدَّ الشَّيْخَانِ بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِهَا فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقَدْ كَانَتْ أَكْبَرَ مَثَارَاتِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ فِي الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ إِذْ تَصَدَّى كَثِيرٌ مِنْ مُحِبِّي الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَمِنْ أَدْعِيَاءِ الْوِلَايَةِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ لِدَعْوَى الْمَهْدَوِيَّةِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَتَأْيِيدِ دَعْوَاهُمْ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ، وَبِالْبِدَعِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى خَرَجَ أُلُوفُ الْأُلُوفِ عَنْ هِدَايَةِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ”([55]).
إلى أن قال: “وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يَسْعَوْنَ لِجَعْلِ الْخِلَافَةِ فِي آلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَيَضَعُونَ الْأَحَادِيثَ تَمْهِيدًا لِذَلِكَ”([56]).
ومن هؤلاء أيضًا الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وقد ألّف رسالة في ذلك بعنوان: (لا مهديّ ينتظر بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر)، وغيرهم([57]).
خامسًا: اختلاف الفرق في تصوّر المهدي:
قضية المهديّ قضية جدلية شائكة في الفكر الإسلامي؛ من حيث الاختلاف الكبير في شخصيته وكنهه، وموعد ظهوره، فتشكّلت في ضوء هذا الخلاف تصوّرات ومذاهب وفرق، وشاعت كثير من الروايات والأساطير حوله، ومن أهم هذه الفرق:
1- الشيعة الإمامية الاثنا عشرية:
فكرة الإيمان بالإمام الخفيّ أو الغائب توجد لدى معظم فرق الشيعة، حيث تعتقد في إمامها بعد موته أنه لم يمت، وتقول بخلوده، واختفائه عن الناس، وعودته إلى الظهور في المستقبل مهديًّا، ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي قدَّرت له العودة، كما تختلف في تحديد الأئمة وأعيانهم والتي يعتبر الإمام الغائب واحدًا منهم.
ودعوى غيبة الإمام وانتظار رجعته دعوى نفعية تقوم على الرغبة في الاستئثار بالمال والتغرير بالسُّذَّج وأخذ أموالهم باسم أنّهم نوّاب الإمام، فإذا ما توفّي الإمام أنكروا موته لتبقى الأموال في أيديهم، ويستمرّ دفع الأموال إليهم باسم خمس الإمام الغائب([58]).
والمهدي عند الاثني عشرية هو محمد بن الحسن العسكري، الذي دخل السرداب منذ سنة 265هــ ولم يخرج إلى اليوم، قال السفاريني: “وَأَمَّا زَعْمُ الشِّيعَةِ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ فَهَذَيَانٌ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ هَذَا قَدْ مَاتَ وَأَخَذَ عَمُّهُ جَعْفَرٌ مِيرَاثَ أَبِيهِ الْحَسَنِ، هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الْهَادِي بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ بْنِ عَلِيِّ الرِّضَا بْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ هَذَا ثَانِي عَشَرَ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَي عَشَرَ عَلَى اعْتِقَادِ الْإِمَامِيَّةِ، وَيُعْرَفُ بِالْحُجَّةِ، وَهُوَ الَّذِي تَزْعُمُ الشِّيعَةُ أَنَّهُ الْمُنْتَظَرُ وَالْقَائِمُ وَالْمَهْدِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ السِّرْدَابِ عِنْدَهُمْ، وَأَقَاوِيلُهُمْ فِيهِ كَثِيرَةٌ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ ظُهُورَهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنَ السِّرْدَابِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، كَانَتْ وِلَادَتُهُ فِي مُنْتَصَفِ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَالشِّيعَةُ تَزْعُمُ أَنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ فِي دَارِ أَبِيهِ وَأُمُّهُ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَعُدْ يَخْرُجُ إِلَيْهَا وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ وَالْهَذَيَانِ، وَأَمَّا ذَاكَ فَقَدْ مَاتَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ”([59]).
والراجح في هذه المسألة أن عقيدة الاثني عشرية في المهدية والغيبة ترجع إلى أصول مجوسية، فالشّيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسيّة، والمجوس تدّعي أنّ لهم منتظرًا حيًّا باقيًا مهديًّا من ولد بشتاسف بن بهراسف يُقال له: أبشاوثن، وأنّه في حصن عظيم من خراسان والصّين، وهذا مطابق لجوهر المذهب الاثني عشري([60]).
2- السبئية:
وهم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي ادّعى الإسلام في زمان علي بن أبي طالب، وادَّعى رجعة علي بن أبي طالب؛ حيث ترى هذه الفرقة أن عليًّا هو المهدي المنتظر دون غيره، وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة، فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا([61]).
3- الصوفية:
قال ابن خلدون: “وأكثر من تكلَّم من هؤلاء المتصوّفة المتأخرين في شأن الفاطمي ابن العربي الحاتمي في كتاب (عنقاء مغرب)، وابن قسي في كتاب (خلع النعلين)، وعبد الحق بن سبعين وابن أبي واطيل تلميذه في شرحه لكتاب (خلع النعلين)، وأكثر كلماتهم في شأنه ألغاز وأمثال، فمنهم من يسمّيه بخاتم الأولياء وأنه لبنة الفضة، وقال ابن عربي: إن هذا الإمام المنتظر هو من أهل البيت من ولد فاطمة، وظهوره يكون بعد مضي (خ ف ح) أي: سنة 683هجرية، فلما انتهت تلك المدة قال مقلدوه: إن المراد منه مولده وأنه يخرج في 710 هجرية”([62]).
4- المحمدية:
وهؤلاء ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، المسمى بالنفس الزكية، ولا يصدّقون بقتله ولا بموته، ويزعمون أنه في جبل من ناحية نجد إلى أن يؤمر بالخروج.
ويزعمون أنه لم يقتَل، ويبايَع له بمكة بين الركن والمقام، ويحيِي الله له من الأموات سبعة عشر رجلًا، يعطي كلّ واحد منهم حرفًا من حروف الاسم الأعظم، فيهزمون الجيوش([63]).
5- الباطنية:
وهي حركة سرية إلحادية ظهرت بين المسلمين بأسماء مختلفة في بلاد مختلفة وأوقات مختلفة، وعاثت في الأرض فسادًا، وقد فصّل الكلام فيها عبد القاهر البغدادي([64]).
وهم ظهروا في بلاد المغرب على يد عبيد الله بن ميمون القداح -جد الخلفاء الفاطميين- فأظهر الإسلام وانتقل إلى أفريقيا([65]).
وانتسب هناك إلى أهل البيت كذبًا وزورًا، فزعم أنه عبيد الله بن الحسين بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، مع أن المقطوع به عند علماء الأنساب أن محمد بن إسماعيل مات ولم يعقب([66]).
وادعى أنه هو المهدي المنتظر، ونجح في إغواء الجهلة من القبائل، وأصبحت له قوة فاستولى على بلاد المغرب وأنشأ دولة، وكان ظهوره في سِجِلماسة سنة 296هــ، ودعي له على المنابر في المساجد، وبنى مدينة سمّاها “المهدية”، ومات فيها سنة 322هــ، وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة([67]).
وبعد موته خلفه ابنه القائم محمد، ثم ابنه المنصور إسماعيل، ثم ابنه المعز، وهو الذي استولى على مصر سنة 358هــ، وبنى مدينة القاهرة، وانتهت دولتهم في مصر سنة 568هــ([68]).
قال شيخ الإسلام: “إنَّ طَوَائِفَ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَ الْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ مِثْلُ مَهْدِيِّ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِي أَقَامَ دَعْوَتَهُمْ بِالْمَغْرِبِ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، وَادَّعَوْا أَنَّ مَيْمُونًا هَذَا هُوَ مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَإِلَى ذَلِكَ انْتَسَبَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَهُمْ مَلَاحِدَةٌ فِي الْبَاطِنِ، خَارِجُونَ عَنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ، أَكْفَرُ مِنَ الْغَالِيَةِ كَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَمَذْهَبُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ مَذْهَبِ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، مَعَ إِظْهَارِ التَّشَيُّعِ، وَجَدُّهُمْ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ كَانَ رَبِيبًا لِرَجُلٍ مَجُوسِيٍّ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَأَتْبَاعٌ. وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ كُتُبًا فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ، مِثْلَ كِتَابِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيِّ، وَكِتَابِ الْغَزَالِيِّ، وَنَحْوِهِمْ”([69]).
سادسًا: أبرز مدَّعي المهدية:
1- المهدي المغربي ابن تومرت:
هو محمد بن عبد الله البربري الهرغي، ولد فيما بين 471هــ إلى 491هــ، في إحدى القبائل البربرية، وكان والده يلقَّب بتومرت فاشتهر به([70]) ولكنه ادَّعى فيما بعد أنه علويّ من أهل البيت، فاخترع له نسبًا إلى علي بن أبي طالب([71]).
قال عنه الذهبي: “الخَارِجُ بِالمَغْرِبِ، المدَّعِي أَنَّهُ علوِيّ حَسَنِيّ، وَأَنَّهُ الإِمَامُ المَعْصُومُ المَهْدِيّ، رَحَلَ مِنَ السُّوسِ الأَقْصَى شَابًّا إِلَى المَشْرِق، فَحجَّ وَتَفَقَّهَ، وَحَصَّل أَطرَافًا مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ أَمَّارًا بِالمَعْرُوفِ، نَهَّاءً عَنِ المُنْكَر، قوِيَّ النَّفْس، زَعِرًا شُجَاعًا، مَهِيبًا قَوَّالًا بِالْحَقِّ… وَكَانَ لَهِجًا بِعِلْم الكَلاَمِ، خَائِضًا فِي مَزَالِّ الأَقدَامِ، أَلَّف عقيدَةً لقَّبهَا بِـ(المُرْشِدَة)، فِيْهَا تَوحيد وَخير بِانحرَاف، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَتْبَاعَه، وَسمَّاهُم الْمُوَحِّدين، وَنَبَزَ مَنْ خَالف (المُرْشِدَةَ) بِالتَّجسيم، وَأَبَاحَ دَمَهُ -نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الغَيِّ وَالهَوَى-، وَكَانَ خَشِنَ العيشِ، فَقيرًا، قَانِعًا بِاليسير، مُقتصرًا عَلَى زِيّ الفَقْرِ، لاَ لَذَّةَ لَهُ فِي مَأْكَلٍ وَلا مَنْكِح وَلا مَال، وَلا فِي شَيْءٍ غَيْر رِيَاسَة الأَمْر، حَتَّى لَقِي الله تَعَالَى”([72]).
وقال عنه ابن القيم: “أَمَّا مَهْدِيُّ المَغَارِبَةِ مُحَمَّدُ بْنُ تُومَرْتَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ كَذَّابٌ ظَالِمٌ مُتَغَلِّبٌ بِالْبَاطِلِ، مُلِّكَ بِالظُّلْمِ وَالتَّغَلُّبِ والتحيّل، فَقَتَلَ النُّفُوسَ وَأَبَاحَ حَرِيمَ الْمُسْلِمِينَ وَسَبَى ذَرَارِيهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ شَرًّا عَلَى الْمِلَّةِ مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ بِكَثِيرٍ. وَكَانَ يودِع بَطْنَ الأَرْضِ فِي الْقُبُورِ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ أَحْيَاءً يأمرهم أَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ: إِنَّهُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْدِمُ عَلَيْهِمْ لَيْلا لِئَلا يُكَذِّبُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَسُمِّيَ أَصْحَابُهُ الْجَهْمِيَّةُ الْمُوَّحِدِينَ نُفَاةُ صِفَاتِ الرَّبِّ وَكَلامِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَرُؤْيَةِ الْمُؤْمِنيِنَ لَهُ بِالأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاسْتَبَاحَ قَتْلَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ، وَتَسَمَّى بِالْمَهْدِيِّ الْمَعْصُومِ”([73]).
2- المهدي السوداني:
هو محمد أحمد بن عبد الله كانت أسرته تنتسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، كما كانت أمه تنتسب إلى العباس بن عبد المطلب، ولد عام 1259هـ وقيل: 1250هـ بجزيرة لبب بمدينة دنقلا في شمال السودان([74]).
وفي سنة 1277هـ ذهب إلى الشيخ محمد شريف نور الدايم نقيب الأشراف، والقطب البارز في الحركة الصوفية، وحفيد مؤسس الطريقة السمانية في السودان، فأخذ منه العهد، وبقي عنده منقطعًا للعبادة، كان كالطفل “بين يدي القابلة… والميت بين يدي غاسله”؛ كما يقول الصوفية، لكن سرعان ما دبّ خلاف بينه وبين شيخه محمد شريف، فرجع إلى جزيرة آبا فأقام بها مسجدًا، وشقّ لنفسه غارًا، وأنشأ بها خلوة لتعليم الناس([75]).
ومن بلايا التصوّف ادّعاء معرفة الغيب عن طريق الكشف والكرامات وغيرها، ويقال: إن لشيخه محمد الضكير ضلعًا كبيرًا في إثارة هذه النزعة فيه، كما أن من أسباب الخلاف بينه وبين شيخه السماني محمد شريف أنه كان يريد من شيخه أن يدّعي المهدوية فأبى ذلك.
فانتقل إلى شيخ آخر هو الشيخ القرشي، فمهّد له السبيل إلى المهدوية، وترك له وصية كتب له فيها: “إن زمن المهدي المنتظر قد حان، وإن الذي يشيّد على ضريحي قبّة ويختن أولادي هو المهدي المنتظر”([76]).
وبينما كان يشيّد القبة على ضريح شيخه ظهرت حادثة أخرى وهي: أن عبد الله التعايشي -أحد المشعوذين والمنجمين- دخل عليه، فلما رآه خرّ على الأرض مغشيًّا عليه، فلما أفاق سأله الحاضرون، فقال: “نظرت أنوار المهديّة على وجهه، فصعقت من شدّة تأثيرها على حواسي”([77]).
وفي سنة 1298هــ أعلن مهديته بقوله: “جاءني النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ومعه الخلفاء الراشدون والأقطاب والخضر عليه السلام، وأمسك بيدي صلى الله عليه وسلم، وأجلسني على كرسيه، وقال لي: أنت المهديّ المنتظر، ومن شكّ في مهديّتك فقد كفر”([78]).
وفي رمضان سنة 1302هـــ وافته المنية، وخلفه ذلك التعايشي الذي كان قد أغمِي عليه لما رأى أنوار المهدية في وجهه، وحاول أن يستمرّ في طريقه، ولكن لم يصمد أمام الجيوش المصرية، فقتل في 24 نوفمبر سنة 1899م، وانتهت هذه المهدوية بجميع خرافاتها([79]).
سابعًا: من نُسبت إليه المهدوية ولم يدَّعِها:
كما أن هناك من ادَّعى المهدوية هناك من نُسب إليه أنه المهديّ، وإن لم يدعِ ذلك، وذلك لصفة فيه تتوافق مع المهدي، أو حديث ينطبق عليه من بعض الوجوه، ومن أشهر هؤلاء:
1- المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام:
فهناك بعض من زعم أن المقصود بالمهديّ المسيح عليه السلام؛ واحتجوا في ذلك بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»([80]).
وهو حديث ضعيف بل منكر، قال فيه شيخ الإسلام بن تيمية: “وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَقَدِ اعْتَمَدَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ يُونُسَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَلَيْسَ هَذَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْجَنَدِيِّ، وَأَنَّ يُونُسَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ”([81]).
وقال الشيخ الألباني: “حديث منكر، وهذا الحديث تستغلّه الطائفة القاديانية في الدعوة لنبيهم المزعوم ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادّعى النبوة، ثم ادّعى أنه هو عيسى ابن مريم المبشَّر بنزوله في آخر الزمان، وأنه لا مهديّ إلا عيسى بناءً على هذا الحديث المنكر، وقد راجت دعواه على كثيرين من ذوي الأحلام الضعيفة، شأن كلّ دعوة باطلة لا تعدم من يتبناها ويدعو إليها، وقد أُلّفت كتب كثيرة في الردّ على هؤلاء الضُّلّال، ومن أحسنها رسالة الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودي رحمه الله في الردّ عليها، وكتابه الآخر الذي صدر أخيرا بعنوان (البيانات)، فقد بين فيهما حقيقة القاديانيين، وأنهم مرقوا من دين المسلمين بأدلة لا تقبل الشكّ، فليرجع إليهما من شاء”([82]).
2- عمر بن عبد العزيز:
وممن نُسبت إليه المهدوية أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، المعروف بفضله وعدله وعلمه، ولما رأى الناس ما في خلافته من العدل والجود والفضل مال بعضهم إلى أنه الخليفة الذي يأتي في آخر الزمان يحثو المال حثوًا ولا يعدّه عدًّا، مستدلين على ذلك بما رواه مسلم عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا»، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا([83]).
وكان وهب بن منبه يقول: “إن كان في هذه الأمة مهديّ فهو عمر بن عبد العزيز”([84]).
لكن عمر وإن صحّ إطلاق لقب المهديّ عليه، إلا أنه ليس هو المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان، قال ابن القيم: “لا ريب أنه كان راشدًا مهديًّا، ولكن ليس بالمهديّ الذي يخرج في آخر الزمان”([85]).
ثامنًا: بعض شبهات المنكرين لخروج المهدي:
احتجّ منكرو المهدي ببعض الشبه، منها:
1- تضعيفهم لأحاديث المهدي وزعمهم عدمَ صحة الأحاديث الواردة فيه:
وللردّ عليهم نقول: إن الأحاديث التي جاءت مبشّرة بالمهدي كثيرة جدًّا، وقد عدّها كثير من العلماء رحمهم الله من ضمن الأحاديث المتواترة؛ وممن نصّ على صحتها وتواترها: البيهقي([86])، وأبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي([87])، وابن تيمية([88])، وابن القيم([89])، وابن كثير([90])، والسيوطي([91])، وابن حجر المكي([92])، والسفاريني([93])، والشوكاني([94])، وصديق حسن خان([95])، والألباني([96])، وغيرهم كثير.
وربَّما أوَّلُ من ضعَّف أحاديث المهدي هو ابن خلدون، وذكر أنَّه قد ورد الطعن في بعض رواة أحاديث المهدي، والجرح مقدَّم على التعديل.
وقد ردَّ على ابن خلدون علماء عدّة، منهم شمس الحق العظيم آبادي([97])، والمباركفوري([98])، وصديق خان([99])، والشيخ أحمد شاكر([100])، والشيخ الألباني([101]).
وما أجمل ما قاله الشيخ التويجري رحمه الله حينما قال: “إنَّ مُنخُلَ ابن خلدون الذي نخل به أحاديث المهدي كان واسع الخروق جدًّا، ولم يكن مضبوطًا ومحكمًا، فلهذا نَخَلَ به كثيرًا من الصحاح، والحسان الواردة في المهدي، ولم يستثنِ منها من النقد إلَّا القليل أو الأقل منه”([102]).
2- قولهم: لنزول مرتبتها لم يروِها البخاري ومسلم:
قال السيد محمد رشيد رضا: “لم يعتدَّ الشيخان بشيء من رواياتها”([103])، وقال أحمد أمين: “ولم يروِ البخاري ومسلم شيئًا عن أحاديث المهديّ؛ ممَّا يدلُّ على عدم صحتها عندهما”([104])، وبنحو ذلك قال سعد محمد حسن([105]).
والجواب: أن عدم ذكر الشيخين لتلك الأحاديث لا يعدُّ دليلًا على إنكار خروج المهدي من أساسه؛ فإنَّ الشيخين لم يستوعبا كلَّ الصحيح في كتابيهما بشهادتهما([106])، فضلًا عن إجماع علماء الحديث والفقه على ذلك واستدلالهم بأحاديث السنن والمسانيد الأخرى([107])، فضلًا أنَّ بعض أهل العلم قد ذكر أنَّ في أحاديث الصحيحين أحاديث تتعلَّق بالمهدي، وإن لم تكن صريحة في ذلك، لكن الأحاديث الأخرى تبيّن المراد منها([108]).
ولم يقل أحد من العلماء: إنَّ عدم إيراد الحديث في الصحيحين يدلّ على ضعفه عندهما، فقاعدة: “لا يصحّ الاحتجاج بحديث في غير الصحيحين إلَّا إذا كان له أصل فيهما، أو في أحدهما” قاعدة مُحدثة مبتدعة([109])، لم يقل بها أحد.
3- قولهم: إن فكرة المهدية تخالف العقل السليم:
قال الأستاذ أحمد أمين: “حديث المهدي هذا حديث خرافة، وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين… -إلى أن قال:- وهي نظرية لا تتّفق وسنة الله في خلقه، ولا تتّفق والعقل الصحيح”([110]).
وللجواب عليه نقول: “ما صحّ عندنا نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه فليس فيه شيء واحد يستبعده العقل والقلب، ولا يحتاج التقدّم العلمي والاجتماعي والسياسيّ إلى إنكار ذلك. وليس المهدي إلا واحدًا ممن يتأسّى بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذن ليس عجيبة من عجائب الدهر، وأي غرابة في أن يقال: (سيتولى أمر المسلمين في أواخر الأيام رجل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه محمد بن عبد الله، فيحكم بالعدل؛ فيبارك له الله تعالى في حكمه، وتعيش الأمة الإسلامية في عصره في نعمة ورخاء)، وليس في ذلك شيء يخالف سنة الله في خلقة، أما ما ثبت من نزول عيسى وقتله الدجالَ فهو من الحوادث الزمنية المختصّة بذلك العصر، وقد ثبت نزول عيسى وقتل الدجال بأدلة متواترة قطعية بحيث لم يبق فيه مجال للشك أبدًا”([111]).
4- قولهم: إن المهدي لم يرد ذكره في القرآن ولا الإشارة إليه:
وللجواب عن ذلك نقول: هذه هي شبهة فرقة القرآنيين، وهي دعوى لا تصدر من مؤمن بالله ورسوله، وإنما هي من شغَب الملاحدة وكيد الزنادقة الذين يريدون الكيد للإسلام، والعبث بعقول الضعاف من المسلمين.
فالسنة وحي مثل القرآن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ»([112]).
وهي أيضًا بنص القرآن وحي من الله عز وجل كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]، والسنة موضّحة ومفسّرة لما جاء في القرآن كما قال تعالي: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
فحجية السنة مما يُعلم من دين الإسلام بالضرورة؛ فهي معلومة للعامّ والخاصّ، والعالم والجاهل، وقد ألّف السيوطي في ذلك رسالة سماها: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة)، قال فيها: “اعلموا -يَرْحَمكُمْ الله- أَن من الْعلم كَهَيئَةِ الدَّوَاء، وَمن الآراء كَهَيئَةِ الْخَلَاء، لَا تذكر إِلَّا عِنْد دَاعِيَة الضَّرُورَة، وَأَن مِمَّا فاح رِيحه فِي هَذَا الزَّمَان وَكَانَ دارسا -بِحَمْد الله تَعَالَى- مُنْذُ أزمان، وَهُوَ أَن قَائِلا رَافِضِيًّا زنديقا أَكثر فِي كَلَامه أَن السّنة النَّبَوِيَّة وَالْأَحَادِيث المروية -زَادهَا الله علوا وشرفا- لَا يحْتَج بهَا، وَأَن الْحجَّة فِي الْقُرْآن خَاصَّة… -إلى أن قال:- فاعلموا -رحمكم الله- أَن من أنكر كَون حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا كَانَ أَو فعلا بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوف فِي الْأُصُول حجَّة كفر وَخرج عَن دَائِرَة الْإِسْلَام، وَحشر مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَو مَعَ من شَاءَ الله من فرق الْكَفَرَة. روى الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَوْمًا حَدِيثا وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح، فَقَالَ لَهُ قَائِل: أَتَقول بِهِ يَا أَبَا عبد الله؟ فاضطرب وَقَالَ: يَا هَذَا، أرأيتني نَصْرَانِيّا؟! أرأيتني خَارِجا من كَنِيسَة؟! أَرَأَيْت فِي وسطي زنارًا؟! أروي حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَقُول بِهِ!”([113]).
وأما قولهم: لم يرد ذكر المهدي في القرآن ولا حتى بالإشارة، فيجاب عنه([114]): بأن بعض المفسرين حكى ما يفيد أن هناك إشارة إلى المهدي ضمن حكايتهم وجوه تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]، فقد روى إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله عن السدي في قوله: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ}: “أما خزيهم في الدنيا فإنهم إذا قام المهديّ وفتحت القسطنطينية قتلهم، فذلك الخزي، وأما العذاب العظيم فإنه عذاب جهنم الذي لا يخفّف عن أهله، ولا يقضى عليهم فيها فيموتوا”([115]).
وحكى القرطبي عن قتادة والسدي: “الْخِزْيُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا قِيَامُ الْمَهْدِيِّ، وَفَتْحُ عَمُّورِيَّةَ وَرُومِيَّةَ وَقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُدُنِهِمْ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ”([116]).
وقال ابن كثير: “وَفَسَّرَ هَؤُلَاءِ الْخِزْيَ مِنَ الدُّنْيَا بِخُرُوجِ الْمُهْدِيِّ عِنْدَ السُّدِّيِّ وَعِكْرِمَةَ وَوَائِلِ بْنِ دَاوُدَ. وَفَسَّرَهُ قَتَادَةُ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ”([117]).
والحمد الله رب العالمين، وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) رواه أحمد (17142)، وابن ماجه (43)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.
([5]) رواه البخاري (525)، ومسلم (144).
([7]) انظر مقدمة التصريح بما تواتر في نزول المسيح، لأبي غدة -بتصرف-.
([8]) انظر: المهدي المنتظر وفقه أشراط الساعة، د. محمد إسماعيل المقدم (ص: 18).
([9]) شرح العقيدة الطحاوية (1/ 231).
([12]) انظر: فقه النبوءات والتبشير عند الملمات، شريف طه، سلف للبحوث والدراسات.
([13]) انظر: معالم ومنارات، عبد الله العجيري، ط: الدرر السنية (ص: 59).
([14]) انظر: معالم ومنارات، عبد الله العجيري، ط: الدرر السنية (ص: 75).
([15]) منهاج السنة النبوية (7/ 168).
([16]) انظر: معالم ومنارات، عبد الله العجيري، ط: الدرر السنية (ص: 99).
([18]) أخرجه يعقوب الفسوي في تاريخه (ص: 726)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 31).
([19]) السلسلة الصحيحة (5/ 287)، وانظر: فقه النبوءات، شريف طه، سلف للبحوث والدراسات.
([20]) انظر: المهدي وفقه أشراط الساعة (ص: 28).
([21]) رواه أحمد (11313)، والحاكم (4/ 557) وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه”.
([22]) رواه أحمد (3573)، والترمذي (2230)، وقال: “وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.
([24]) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، ط: المكتبة العلمية – بيروت، 1399هـ-1979م (3/ 177).
([25]) رواه أبو داود (4284)، وابن ماجه (4086)، وصححه الألباني.
([26]) رواه أحمد (645)، وابن ماجه (4085).
([28]) القاموس المحيط للفيروز آبادي، ط: دار الجيل (4/ 315).
([29]) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (4/ 116).
([30]) رواه أحمد (11163)، والترمذي (2232) وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1820).
([32]) الاحتجَاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر، للتويجري، ط: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض – المملكة العربية السعودية (ص: 263).
([33]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3439).
([34]) انظر: الاحتجَاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر (ص: 54).
([35]) رواه أبو داود (4286)، وضعفه الألباني في ضعيف السنن.
([36]) السلسلة الضعيفة (1965).
([37]) السلسلة الصحيحة (4/ 558).
([38]) المنار المنيف (1/ 145).
([39]) الاحتجَاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر (ص: 253).
([40]) الاحتجَاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر (ص: 260).
([41]) انظر: العرف الوردي، للسيوطي (ص: 81).
([42]) التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة (2/ 723).
([44]) المنار المنيف (ص: 142).
([47]) الحاوي في الفتاوي (2/ 165).
([48]) المنار المنيف (ص: 151).
([49]) الإشاعة لأشراط الساعة (ص: 87).
([50]) الإشاعة لأشراط الساعة (ص: 112).
([51]) لوامع الأنوار البهية (2/ 85).
([52]) مصنف ابن أبي شيبة (37646)، وانظر: التعليقات الحسان على صحيح بن حبان، للألباني (9/ 456).
([53]) انظر: المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث الصحيحة، د: عبد العليم البستوي، ط: دار بن حزم (ص: 30).
([54]) أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (ص: 326).
([57]) مثل: الأستاذ محمد فريد وجدي، ينظر: دائرة معارف القرن العشرين (10/ 480). والأستاذ أحمد أمين، ينظر: ضحى الإسلام (3/ 238).
([58]) انظر: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية -عرض ونقد- د. ناصر القفاري (2/ 831).
([59]) لوامع الأنوار البهية (2/ 72).
([60]) انظر: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية -عرض ونقد- د: ناصر القفاري (2/ 833).
([61]) انظر: الفرق بين الفرق (ص: 234)، ومقالات الإسلاميين (1/ 86).
([62]) مقدمة ابن خلدون (1/ 578).
([63]) انظر: الفرق بين الفرق (ص: 75)، ومقالات الإسلاميين (1/ 99).
([64]) انظر: الفرق بين الفرق (ص: 281-312).
([65]) انظر: البداية والنهاية (11/ 161).
([66]) انظر: الفرق بين الفرق (ص: 282).
([68]) انظر: تاريخ الخلفاء (ص: 482).
([69]) منهاج السنة النبوية (8/ 258).
([70]) انظر: الكامل في التاريخ (10/ 569)، وتومرت أي الضياء الذي يوقد في المسجد، وقيل: إنه لما وُلد فرحت به أمه وسُرّت، فقالت بلسانه: “آتومرت آينو أيسك آيبوي” ومعناه: يا فرحتي بك يا بني، وكانت إذا سئلت عن ابنها وهو صغير، تقول: “يك تومرت”، معناه: صار فرحًا مسرورًا، فغلب عليه اسم تومرت. دولة الإسلام في الأندلس (4/ 158).
([71]) انظر: شذرات الذهب (4/ 70).
([72]) سير أعلام النبلاء (19/ 541).
([73]) المنار المنيف (ص: 153).
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%8A
([75]) المهدي وفقه أشراط الساعة (ص: 456).
([76]) انظر: المهدية في الإسلام منذ أقدم العصور حتى الآن، سعد محمد حسن (ص: 204).
([77]) انظر: المهدية في الإسلام منذ أقدم العصور حتى الآن، سعد محمد حسن (ص: 205).
([78]) المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة (ص: 96).
([79]) تاريخ السودان (ص: 935).
ومن المدّعين أيضًا للمهدية من المتأخرين: محمد بن عبد الله القحطاني، وقد قتل في الحرم مع نسيبه الجهيمان في 4 المحرم سنة 1400ه. ينظر: المهدي المنتظر وفقه أشراط الساعة (ص: 557). وناصر محمد اليماني، ادعى المهدية عام 2005م. ينظر الرابط: https://nasser-alyamani.org/singlepost.php?p=92870
([81]) منهاج السنة النبوية (8/ 256).
([82]) السلسلة الضعيفة (1/ 175-176).
([84]) انظر: تاريخ الخلفاء (ص: 216).
([85]) المنار المنيف (ص: 150).
([86]) ذكره المزي في تهذيب الكمال (6/ 597) وابن القيم في المنار المنيف (ص: 134).
([87]) نقل ذلك عنه كثير ينظر: المنار المنيف (ص: 142)
([88]) منهاج السنة (4/ 211)، والمنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي (ص: 533).
([89]) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/ 332).
([90]) تفسير القرآن الكريم (2/ 35).
([91]) الإعلام بحكم عيسى عليه السلام (2/ 289).
([92]) الصواعق المحرقة (ص: 99).
([93]) لوامع الأنوار البهية (2/ 84).
([94]) نقله عنه: صديق حسن خان في الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة (ص: 150).
([95]) الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة (ص: 149).
([96]) ينظر: موسوعة الألباني في العقيدة، لشادي آل نعمان (9/ 671).
([99]) الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، لصديق حسن خان (ص: 182).
([100]) مسند أحمد -بتحقيق أحمد شاكر- (5/ 197)، قال: “أما ابن خلدون فقد قضى ما ليس له به علم، واقتحم قحما لم يكن من رجالها”.
([101]) تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق، للربعي (ص: 45).
([102]) الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر (ص: 202). وينظر نقد الشيخ محمد إسماعيل المقدّم لابن خلدون في المهدي وفقه أشراط الساعة (ص: 423)
([103]) تفسير المنار (9/ 416).
([105]) المهدية في الإسلام (ص: 70).
([106]) ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص: 26).
([107]) ينظر: عقيدة أهل السنة والأثر للشيخ عبد المحسن العباد (ص: 156-157).
([108]) ينظر: المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة (ص: 363).
([109]) ينظر: المهدي وأشراط الساعة، لمحمد بن إسماعيل المقدم (ص: 137).
([111]) المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة (ص: 379).
([112]) رواه أحمد (17174)، وأبو داود (4604).
([113]) مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة -ط: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة- (ص: 5).
([114]) ينظر: المهدي المنتظر وفقه أشراط الساعة، للدكتور محمد إسماعيل المقدم (ص: 129).
([115]) تفسير الطبري (2/ 525).