الأربعاء - 13 شعبان 1446 هـ - 12 فبراير 2025 م

دعاوى المناوئين لفتاوى ابن باز وابن عثيمين

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة 

مقدمة:

تُثار بين الحين والآخر نقاشات حول فتاوى علماء العصر الحديث، ومن أبرز هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين. ويطغى على هذه النقاشات اتهام المخالف لهما بالتشدد والتطرف بل والتكفير، لا سيما فيما يتعلق بمواقفهما من المخالفين لهما في العقيدة والفقه.

غير أن دراسة فتاواهما في سياقاتها التاريخية والعلمية تكشف عن توجه متوازن يعتمد على أصول أهل السنة والجماعة، ويُظهر احترامًا للخلاف والتسامح مع المخالفين. ولعل تشدُّد بعض الأتباع وتوظيف فتاوى الشيخين لخدمة أيديولوجيات متطرفة قد أسهم بطريق غير مباشر في زيادة الظن أن فتاوى علماء السلفية كانت تحض على التطرف.

ولذلك رأينا في مركز سلف للبحوث والدراسات أن نتناول أبرز القضايا المثارة حول فتاوى الشيخين ابن باز والعثيمين، وسنناقش كيف أن هذه الفتاوى قد أُسيء فهمها، مع إيضاح أوجه التشابه والاختلاف مع مواقف علماء آخرين في التاريخ الإسلامي.

 

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

 

المطلب الأول: موقف ابن باز والعثيمين من المخالفين:

بادئ ذي بدء، ما لا يعلمه أكثر المخالفين أنَّ علماء السلفية يخالفون المذهب الحنبلي في إكفار المبتدع الداعية لمذهبه، وكذلك رد شهادة المبتدع المقلّد، فهم يرون -تبعًا لابن تيمية- أن المتأوّل المتحرّي للحق لا يكفر ولا يفسق، سواء كان داعية أو مقلدًا، وقول ابن تيمية هو الموافق للمعقول؛ لأنه ما دام ثبت التأويل دون هوى فلا مجال لسقوط العدالة.

أما تقرير المذهب فهو كما يلي:

قال المجد رحمه الله: “الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيها، كمن يقول بخلق القرآن، أو علم الله سبحانه مخلوق، أو أسماءه مخلوقة، أو أنه لا يرى في الآخرة، أو يسبّ الصحابة، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد ونحو ذلك، فمن كان عالمًا في شيء من هذه البدع، يدعو إليه، ويناظر عليه، فهو محكوم بكفره، نص أحمد على ذلك في مواضع”[1].

ويقول ابن النجار الفتوحي: “ويكفر مجتهدهم الداعية؛ فالرافضة: هم الذين يعتقدون كفر الصحابة أو فسقهم بتقديم غير علي عليه في الخلافة. ‌والجهمية: ‌هم ‌الذين ‌يعتقدون ‌أن ‌الله ليس بمستو على عرشه، وأن القرآن المكتوب في المصاحف ليس بكلام الله سبحانه وتعالى، بل هو عبارة عنه[2].

ويقول المرداوي: “قوله: (ولا تقبل شهادة فاسق سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد)
وهذا المذهب وعليه الأصحاب.. قال في الفروع: اختاره الأكثر، قاله في الواضح وعنه: يكفر كمجتهد، وعنه: فيه لا يكفر، اختاره المصنف في رسالته إلى صاحب التلخيص.. واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله لا يفسق أحد[3].

إذن يُلاحظ أن مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية أوسع إعذارًا، فبينما اختار الحنابلة التكفير والتفسيق، فإنه اختار عدم التفسيق من الأساس؛ لأجل الاجتهاد والتأويل. ولا شك أن جمهرة السلفيين -كابن عثيمين وابن باز- هم أتباع لابن تيمية في ذلك، وهذا معناه أن قول السلفيين أكثر مرونة وسعة من شدّة المذهب في هذا، ولذلك يحسُن بيان موقف الشيخين ابن باز والعثيمين من الأشاعرة فيما يلي:

1- موقف ابن باز من الأشاعرة:

يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: “الأشاعرة من أهل السنة في غالب الأمور، ولكنهم ليسوا منهم في تأويل الصفات، وليسوا بكفار، بل فيهم الأئمة والعلماء والأخيار، ولكنهم غلطوا في تأويل بعض الصفات، فهم خالفوا أهل السنة في مسائل؛ منها تأويل غالب الصفات، وقد أخطؤوا في تأويلها”[4].

ويقول ردًّا على الشيخ الصابوني: “هذا الكلام فيه تفصيل، وفيه حق وباطل، فقوله -أي: الصابوني-: (إن التأويل لبعض الصفات لا يخرج المسلم عن جماعة أهل السنة) صحيحٌ في الجملة؛ فالمتأول لبعض الصفات كالأشاعرة لا يخرج بذلك عن جماعة المسلمين، ولا عن جماعة أهل السنة في غير الصفات، ولكنه لا يدخل في جماعة أهل السنة عند ذكر إثباتهم للصفات”[5].

وفي الجملة، كان الشيخ ابن باز رحمه الله يميل إلى التفصيل، ويتورع من إطلاق الحكم بالبدعة على العموم، بل يحكم على المخالفة ذاتها.

2- موقف ابن عثيمين من الأشاعرة:

معلوم عند كلِّ باحث أن موقف العلامة العثيمين أكثر مرونة من غيره، وأوسع بسطًا في الإعذار، يعلم هذا المخالف قبل الموافق.

يقول ابن عثيمين: “لا يخرج الأشاعرة والماتريدية من صف المسلمين إلا جاهل بحالهم، أو جاهل بأسباب الكفر والخروج عن الإسلام، أما أهل العلم بذلك فلم يخرجوهم من الإسلام، بل ولا من أهل السنة والجماعة في غير ما خالفوا به أهل السنة والجماعة، والإنسان قد يكون فيه شعبة من المخالفة للحق وشعبة من الموافقة له، ولا يخرجه ذلك عن أهل الحق إخراجا مطلقًا، بل يعطى ما يستحقه ويوصف بما هو أهله من هذا وهذا حتى يكون الوزن بالقسطاس المستقيم”[6].

بل قد يعجب القارئ أن ابن عثيمين يرى بأن الأشعري الذي توصّل إلى مذهبه بتأويل واجتهاد هو مأجور يدور بين الأجر والأجرين، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “من أصول أهل السنة والجماعة أن الإنسان قد يجتمع فيه سنة وبدعة إذا لم تكن البدعة مكفرة، ومن المعلوم أن بدعة الأشعرية ليست من البدع المخرجة عن الإسلام، ولا مانع من الثناء على من قام بما ينفع المسلمين من هذه الطائفة بما يستحق من الثناء، فهو محمودٌ على ما قام به من ذلك، وأمَّا ما حصل منه من بدعة، نعلم أو يغلب على ظننا أنه فيها مجتهد، فهو دائر بين الأجر والأجرين؛ لأن كل مجتهد من هذه الأمة في حكم يسوغ فيه الاجتهاد فلن يعدم الأجر والأجرين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصحاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»[7].

تأمل موقف علماء السلفية السابق، وقارنه بموقف كثير من مخالفيهم اليوم، ممن لا يجوّزون الصلاة خلف السلفيين لأنه يراهم مجسمة! فمن التكفيري إذن؟!

مواقف الشيخين من الخلاف مع المعاصرين:

أولًا: موقف ابن باز من بعض العلماء المعاصرين:

لقد كان الشيخ ابن باز تربطه أواصر صداقة مع العلماء المعاصرين له بشتى مشاربهم، وما كان يُفتش عن اعتقاداتهم، وقد كان الشيخ رحمه الله يحترم الخلاف مع أهل العلم، أو من هم مظنة العلم حتى ولو كان مشربهم مختلفًا، ومن ذلك:

1- تعقَّب كثيرًا من معاصريه ممن قالوا ببعض البدع وذرائع الشرك، ومع ذلك كان يُراعي أدب الخلاف، ومن ذلك مراسلاته مع الشيخ البوطي رحمه الله بشأن إباحته التبرك بالأولياء والأضرحة، وكانت مناقشة الشيخ غايةً في الاحترام المشفوعة بآداب البحث العلمي، فقال رحمه الله في رسالته: “إلى فضيلة الأخ المكرَّم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وفقه الله تعالى…”[8].

ثم أجاب على رسالته الثانية وقال: “اطلعت على الفصل الذي أشرتم إليه في رسالتكم، وقرأته بتدبر فوجدته فصلًا مفيدًا نافعًا، ضاعف الله مثوبتكم وزادني وإياكم من العلم والهدى وقد لاحظت عليه بالإضافة”، ثم استدرك عليه الشيخ رحمه الله[9].

فانظر إلى الأدب الجم واحترام المخالف، مع كونه خلافًا غير سائغ عند الشيخ.

2- الشيخ ابن باز لم يمانع طباعة كتاب (الحلال والحرام) للشيخ القرضاوي، مع كون الكتاب يتضمن مسائل يحكم عليها الشيخ ابن باز بالبدعة أو الحرمة. ومع هذا فالشيخ وافق على طبعه؛ لأن الخلاف العلمي يبقى داخل الرواق العلمي دون حجرٍ على الرأي الآخر[10].

ويقول القرضاوي أيضًا: “لم أرَ مثل الشيخ ابن باز في وُده وحفاوته بإخوانه من أهل العلم، ولا في بره وإكرامه لأبنائه من طلبة العلم، ولا في لطفه ورفقه بطالبي الحاجات من أبناء وطنه، أو أبناء المسلمين عمومًا، فقد كان من أحسن الناس أخلاقًا، الموطئين أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون. ولقد رأيته في المجمع الفقهي يستمع وينصت إلى الآراء كلها، ما يوافقه منها وما يخالفه، ويتلقاها جميعًا باهتمام، ويعلق عليها بأدب جم، ويعارض ما يعارض منها برفق وسماحة دون استعلاء ولا تطاول على أحد، شاديًا في العلم أو متناهيًا، متأدبًا بأدب النبوة، متخلقًا بأخلاق القرآن. ولا أعرف أحدًا يكره الشيخ ابن باز من أبناء الإسلام إلا أن يكون مدخولًا في دينه أو مطعونًا في عقيدته، أو ملبوسًا عليه، فقد كان الرجل من الصادقين الذين يعلمون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيصدقون، أحسبه كذلك والله حسيبه، ولا أزكيه على الله تعالى”[11].

3- موقف الشيخ ابن باز من الخلاف مع الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:

قال الشيخ الموسى رحمه الله -مدير مكتب الشيخ ابن باز رحمه الله-: “لما قدم الشيخ محمد الغزالي إلى الرياض لاستلام جائزته المقدمة من لجنة جائزة الملك فيصل العالمية زار سماحة الشيخ ابن باز في منزله، وكانت في ذلك الوقت ضجة حول كتاب الشيخ الغزالي: (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)، وقد قرئ ذلك الكتاب على سماحة الشيخ، فلما زاره الغزالي احتفى به، وأكرمه ولاطفه، وسأله عن الدعوة في الجزائر، وعن حاجتهم، وأخبر بأنه على أتم الاستعداد لدعمهم، وكان الشيخ الغزالي آنذاك رئيسًا لجامعة في الجزائر.

وكان مجلس سماحته كالعادة عامرًا بالزائرين، والسائلين، والمحتاجين، والضيوف وكان الهاتف لا يتوقف رنينه، وكان كُتَّاب سماحته حوله يقرؤون، وهكذا وكلما سنحت لسماحته فرصة التفت إلى الشيخ الغزالي وحياه ولاطفه. فَأُعْجِبَ الشيخ الغزالي بما رأى، وكان ذلك باديًا عليه.

وفي تلك الأثناء قال سماحته للشيخ الغزالي: لقد قرأت كتابكم المذكور، ولا يخفى عليكم أن البشر عرضة للخطأ، ونحن أيضًا وغيرنا عرضة لذلك، وقد قرأت شيئًا من كتابكم، وعليه بعض الملحوظات. فقال الشيخ الغزالي: أنا يسعدني أن تكملوا قراءته، وأن توافوني بما تلاحظونه، وأنا -إن شاء الله- أصلحه، وذكر كلامًا نحو هذا.

وبينما كان سماحة الشيخ يرد على مكالمة هاتفية دار حديث بين الشيخ الغزالي وبين أحد المشايخ الحاضرين وهو الشيخ خير الدين وانلي من سوريا، فقال الشيخ خير الدين: أنتم قلتم: كذا وكذا، فانقض الغزالي عليه واشتد النقاش. ولما سمع سماحته كلامهما التفت إلى الغزالي وقال: ماذا عندكم؟ قال: كذا وكذا.

فخاطبهما جميعًا بأن هذه المسائل ينبغي أن توضع في إطارها العلمي، وأن نحرص كل الحرص على جمع كلمتنا والبعد عن الخلاف، فنحن أمام أمور كبار تتعلق بأصول المسائل، وسكَّن من غضبهما، وانتهى الجدال. وكان الشيخ الغزالي مدعوًّا للغداء، ولكنه تأخر على من دعاه، وجلس عند سماحة الشيخ، وتناول معه الغداء. وعندما همَّ بالخروج ألقى نظرة على سماحة الشيخ وقال: نحن بخير ما دام فينا هذا الرجل”[12].

ويقول الأديب المصري الأستاذ وليد كسَّاب: “حدثني الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله أن الشيخ الغزالي كان في زيارة للشيخ ابن باز رحمه الله، فلما أحس الشيخ ابن باز بقدومه قام ليستقبله -ولم يكن ذلك من عادته إذ لم يكن يقوم لأي قادم ولو كان من الأمراء-. فانكبَّ الشيخ الغزالي على رأسه يُقبلها، وأراد الشيخ ابن باز أن يفعل ذلك، فمنعه الشيخ الغزالي. يقول الدكتور عبد الحليم: فخرج الشيخ الغزالي والدموع تترقرق في عينه ويقول: هذا رجل من أهل الجنة”[13].

ثانيًا: موقف ابن عثيمين من علماء الأزهر الشريف:

– جاء في لقاء الباب المفتوح: السؤال: أذن المؤذن لصلاة الصبح، ثم دخل الإمام بعد خمس دقائق فأقام الصلاة وصلى، فما حكم الصلاة؟ فسأله الشيخ: في أي بلد؟ فقال السائل: في مصر. أجاب الشيخ: اسأل عنها شيخ الأزهر. فلما أصرَّ السائل أن يُفتيه هو قاطعه الشيخ وقال: أنت تريد أن أفتيك؟ أنا أفتيك أن ترجع إلى شيخ الأزهر[14].

وهذه الإجابة جاءت حرصًا منه على اجتماع القلوب في البلد الواحد، رغم أن السائل كان يريد رأي الشيخ لأنه يثق فيه، إلا أن الشيخ لم يوافقه وأحاله إلى الأزهر الشريف.

وفي ذلك يقول ابن عثيمين: “أما عامة الناس فإنهم يُلزمون بما عليه علماء بلدهم لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمرُّ عليك لك أن تأخذ به لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: العوام على مذهب علمائهم”[15].

– ولما سئل ابن عثيمين أن رجلًا يعمل في البنوك الربوية استنادًا لفتوى الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله مفتي مصر آنذاك، فهل يُلبي دعوته؟ وهل راتبه من المال حرام؟

فأجاب الشيخ رحمه الله: “إذا كان هذا الرجل صادقًا في أنه اتبع فتوى هذا العالم، وليس قصده تتبع الرخص، فليس عليه إثم أصلًا؛ لأن الله يقول: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهذا قد اقتدى بعالم، فليس عليه شيء، كما لو أن إنسانًا أكل لحم جزور، وسأل عالمًا من العلماء فقال له: إن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، فصلى وهو آكل لحم الجزور. فهل تبطل صلاته؟ لا. إذن، هذا الذي أكل الربا محتجًا بقول عالم مقلَّدٍ للفتيا ليس قصده الهوى واتباع الرخص لا شيء عليه”[16]. ثم بدأ الشيخ ببيان خطأ الفتوى والقول الصحيح في المسألة.

بل قد يعجب القارئ إذا علم أن العلامة ابن عثيمين يرى أنه لا ينبغي الإنكار على العامي الذي أخذ بقول علماء بلده في جواز التدخين، فيقول رحمه الله: “أما ما كان لا يضرّ إلا صاحبه، مثل رجل يشرب الدخان، وقال: أنا أرى حلَّه، ولا أرى أنه حرام، وعلمائي يقولون: إنه حلال، فهذا ندعه إذا كان عاميًّا؛ لأن العامي قوله قول علمائه، فإذا قال: أنا أرى أنه ليس بحرام نتركه؛ لأن هذا لا يضرّ إلا نفسَه، إلا إذا ثبت صحيًّا أنه يضر الناس بخنقهم أو كان يؤذيهم برائحته، قد نمنعه من هذه الناحية”[17].

وهذه الفتوى رغم أنه قد يراها البعض شديدة التساهل، إلا أنها -من جانبٍ آخر- توضح مدى تسامح ابن عثيمين، واحترامه للخلاف.

وبناءً على ما سبق: فإن قول بعض المعاصرين: إن علماء السلفية لا يحترمون الخلاف ويُبدّعون المخالف، هو كلامٌ غير صحيح، وإنما حصل هذا الوَهم لسببين:

السبب الأول: عدم تفرقة المخالف بين المقام العلمي والمقام العمَلي، وحاصله: أن العلماء قد يرجحون مسألة وينقضون القول الآخر في أثناء البحث العلمي، فإذا سألهم سائل عن مسألة خلافية فقالوا بدعة أو حرام أو نحو ذلك؛ ظنَّ السامع أنهم يُبدعون أو يؤثِّمون فاعلها أو يُضللون مخالفيهم من العلماء، وهذا الظن غير صحيح؛ فالإنكار النظري لا يستلزم الإنكار العملي.

السبب الثاني: لعل منشأ هذا الظن صرفات غلاة الأتباع أو بعض طلاب العلم من الشدة في الإنكار ممن يستدلون بفتاوى ابن باز وابن عثيمين، تلك الفتاوى التي قد تكون صحيحة في إطارها العلمي، إلا أن السلفي المقلد لا يُحسن تنزيلها، ولا يُحسن الضوابط الشرعية، ولا يُراعي فقه الخلاف.

فإذا وجد المخالف بعض المتطرفين يستدلون بكلام ابن باز وابن عثيمين ظن أن هؤلاء الأتباع على طريقة شيوخهم، فيقوم بالحكم عليهم جميعًا بحكمٍ واحد، دون تفرقة بين العلماء والأتباع.

المطلب الثاني: هل انتقاد المذهب الأشعري دليل على التطرف؟

يستدل المخالفون على تطرف الشيخين ابن باز وابن عثيمين بأنهم ينتقدان المذهب الأشعري في شروحاتهما على كتب الاعتقاد، مثل وصفهم مذهب الأشاعرة بأنه من مذاهب المعطلة، أو أنَّ نفي العلو هو مذهب الجهمية، وأنَّ الأشاعرة وافقوا المعتزلة في مسألة القرآن، ونحو ذلك من العبارات التي قد توجد في شروحات شيوخ السلفية كابن باز وابن عثيمين وغيرهما. ثم يقول: هذا فيه سوء أدب ومشابهة للخوارج؛ لأن الأشاعرة هم أعلام الأمة.

ونحن نقول: ما ظنه المخالف تطرفًا هي كلمات نقدية لم ينفردوا بها، بل ما زال الحنابلة والأشاعرة ينتقد بعضهم بعضًا قديمًا وحديثًا في بطون الكتب والمُصنفات، ولم يدل ذلك على التطرف أو التشدد. وسوف نستعرض بعض الأمثلة من ذلك، وسوف نتجنب الاستدلال بالمتقدمين؛ حتى لا يُقال بأنه خلافٌ قديم وقد أحياه الوهابية، بل سوف نستدل بالعلماء المتأخرين ممن هم معتمدون عند المخالف:

أ- السفاريني:

معظم المعاصرين لا يعرفون عن السفاريني إلا أنه جعل أهل السنة ثلاث فرق، ولا يحفظون عنه إلا تلك العبارة، دون قراءة متأنية لكتابه.

يقول السفاريني في بيان موافقة متأخري الأشاعرة للمريسية الجهمية: “ولما كان بعد المائة الثانية انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية؛ بسبب بشر بن غياث المريسي وذويه.. وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب (التأويلات)، وأبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه (تأسيس التقديس).. هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه، كما يعلم ذلك من كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي، فإنه حكى هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي، ثم ردها بكلام إذا طالعه العاقل الذكي، يسلم حقيقة ما كان عليه السلف، ويتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم. وقد أجمع أئمة الهدى على ذم المريسية، بل أكثرهم كفرهم وضللهم، ويعلم بمطالعة كتاب ابن سعيد الدارمي أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين الذين تسموا بالخلف هو مذهب المريسية، فلا حول ولا قوة إلا بالله[18].

في النقل السابق يجعل السفاريني كلام ابن فورك والرازي ومتأخري الأشعرية هو نفسه كلام بشر المريسي والجهمية، ثم يتأسف على حال الخلف.

ونقول للقارئ المنصف: ما الفرق بين قول السلفية المعاصرة وبين قول السفاريني السابق؟ بل كلام السفاريني أشد؛ لأن ابن باز وابن عثيمين لا يجعلان الأشاعرة من الجهمية المحضة.

2- بوَّب السَّفاريني بابًا بعنوان: (موافقة الأشعرية للمعتزلة) ثم قال: “والحاصل أن المعتزلة موافقة الأشعرية والأشعرية موافقة المعتزلة في أن هذا القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق محدث، وإنما الخلاف بين الطائفتين أن المعتزلة لم تثبت لله كلاما سوى هذا، والأشعرية أثبتت الكلام النفسي القائم بذاته تعالى”[19].

وقال أيضًا: “وفيها دلالة أيضا على بطلان قول من يقول: إن القرآن العربي ليس منزلًا من الله بل مخلوق؛ إما في جبريل أو محمد أو في جسم آخر كالهواء، كما يقول ذلك الكلابية والأشعرية القائلون بأن القرآن العربي ليس هو كلام الله[20].

ويقول السفاريني أيضًا: “وهذا المقام من أعظم المقامات التي اضطرب فيها مبتدعة المتكلمين وملاحدة الفلاسفة، حتى إن الرجل الواحد يصنف الكتب المتعددة، فينصر قول هؤلاء في كتاب، كما يقع في كتب الرازي والآمدي وأبي حامد وغيرهم[21].

والشاهد: أن السفاريني قال بموافقة الأشاعرة للمعتزلة في مسألة خلق القرآن، ولو قالها ابن عثيمين لعلَّقوا له أعواد المشانق، ولقالوا: لا يفهم مذهب الأشاعرة، إلى آخر تلك الشنشنات المعروفة.

ب- ابن النجار الفتوحي:

يقول ابن النجار الفتوحي: “ويكفر مجتهدهم الداعية؛ فالرافضة: هم الذين يعتقدون كفر الصحابة أو فسقهم بتقديم غير علي عليه في الخلافة. ‌والجهمية: ‌هم ‌الذين ‌يعتقدون ‌أن ‌الله ليس بمستو على عرشه، وأن القرآن المكتوب في المصاحف ليس بكلام الله سبحانه وتعالى، بل هو عبارة عنه[22].

وهذا هو معتمد الحنابلة، فإن ابن النجار والمرداوي عليهما مدار المذهب عند المتأخرين، لكن لما طغى المذهب الأشعري في القرون المتأخرة جدًّا تحاشوا هذا المثال في الشروح، فهذا العلامة البهوتي رحمه الله في شرحه على (المنتهى) أتى بأمثلة أخرى لا تنطبق على الأشاعرة، أما الشيخ الخلوتي في حاشيته على (المنتهى) فقد تجاسر وخطَّأ ابن النجار، ونقل كلام السعد التفتازاني أن القرآن هو الكلام النفسي، أما المكتوب من السور والآيات فمخلوق! ثم قال: “ومنه تعلم ما في كلام الشارح -يعني: ابن النجار- فتفطّن لئلا تزل قدمك”[23].

وبغض النظر عن من هو أحق بالصواب ابن النجار أم الخلوتي، لكن المقصود أنّ ابن النجار عدَّ مقالة الأشاعرة في القرآن ونفي العلو مقالة كفرية، ويرى كفر الداعية المجتهد، وهذا القول أشد من قول علماء السلفية المعاصرة.

ومع ذلك لا يصح إلزام ابن النجار أنه يُكفِّر الأشاعرة، فلازم المذهب ليس بمذهب، وإنما أردنا بيان أنَّ نقد علماء السلفية للأشاعرة هم مسبوقون به، ومع ذلك لا يصح إلزامهم بالتكفير أو التطرف.

ج- الماتريدية ينتقدون المذهب الأشعري ويُلزمونهم بأمورٍ كفرية:

قال أبو المعين النسفي -أحد كبار أئمة الماتريدية-: “وقول أكثر المعتزلة وجميع النجارية والأشعرية: (إن التكوين والمكوَّن واحد) قول محال؛ وهذا لأن القول باتحاد التكوين والمكون، كالقول بأن الضرب هو المضروب، والكسر عين المكسور، والأكل عين المأكول؛ وفساد هذا ظاهر يعرف بالبديهة، فكذا هذا… فيكون في القول به إخراج الله تعالى من أن يكون خالقا للعالم، وإخراج العالم من أن يكون مخلوقا لله تعالى، والقولُ به كفر[24].

وفي النقل السابق ينتقد النسفي الأشاعرة في نفي صفة الخلق (التكوين)؛ لأنهم يقولون: الخلق هو المخلوق، ولا يثبتون لله خلقًا، ثم يقول بأن هذا القول كفر. فهل الماتريدية متطرفون ويسيئون الأدب مع علماء الأمة الإسلامية؟!

وقال ابن الهمام: “وقال الرُّستغفني: لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال، وقال الفضل: ولا من قال: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه كافر، ومقتضاه منع مناكحة الشافعية، واختلف فيها هكذا، قيل: يجوز، وقيل: يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته”[25].

وفي الفتاوى الهندية: “من شك في إيمانه وقال: (أنا مؤمن إن شاء الله) فهو كافر.. وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر”[26].

وقد اعترف التقي السبكي قائلا: “وبعدُ، فقد علمتُ ما ذكرتَه -وفقك الله- من أن جماعة من الحنفية في هذا الزمان تكلموا في مسألة (أنا مؤمن إن شاء الله)، وقالوا: إن الشافعية يكفُرون بذلك[27].

والحاصل: أن هؤلاء الماتريدية حكموا على بعض أقوال الأشاعرة بالكفر، ولم يلزم من ذلك أنهم يكفرونهم، يعلم ذلك أي طالب علم يفهم الفرق بين الإلزام النظري، والحكم العملي الذي يُراعى فيه تأويل المخالف والتماس العذر له.

ويُفهم مما سبق: أن الحياة لم تكن وردية قديمًا ثم جاء السلفيون وعكَّروا صفو الأمة الإسلامية، كما يحلو للبعض أن يصور ذلك؛ بل النقد العلمي كان ولا يزال موجودًا، والذي ينبغي هو أن يكون دائمًا مشفوعًا بآداب البحث.

الكيل بمكيالين عند المُخالف:

لو أنصف المخالف لما اعتبر انتقاد المذهب الأشعري من التطرف؛ فإنه يعلم أن مشايخ طائفته عندهم أبلغ مما ينتقده على السلفيين، مثل اتهام الحنابلة بالتشبيه والتجسيم، حتى وصل الأمر بالشيخ الكوثري إلى اتهام أئمة السلف كالدارمي وابن خزيمة وعبد الله بن أحمد وغيرهم، وتابع الكوثريَّ كثيرٌ من المعاصرين على قوله دون تأمل.

ومن ذلك أيضًا ما يقوله د. سعيد فودة عن أئمة الحنابلة: “لا تظن -أيها القارئ- أن الحنابلة كلهم مجسّمون، بل فيهم مجسمة كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وابن قدامة، وهؤلاء تجسيمهم أقل من ابن تيمية وابن القيم وغيرهم”[28].

وهؤلاء الذين ذكرهم د. سعيد فودة هم كبار أئمة المذهب الحنبلي الذين عليهم المعوَّل في الفقه والأصول، وهو يجعلهم في مصاف المجسمة، بل جعل منهم ابن قدامة أيضًا صاحب (المغني) الذي هو من أعمدة الفقه الإسلامي، وهو علم من أعلام التراث.

وفي المقابل: لم نرَ ابن عثيمين أو ابن باز ذكرا علماء أشاعرة بأسمائهم وقالا: إنهم من المعطلة، بل دائمًا ما ينهى المشايخ عن التعيين، ويُفرقون بين النوع والعين، ويذكرون أن أئمة الإسلام المخطئين متأولون، ويترحمون عليهم.

وكلامنا عن طريقة العلماء -كابن باز وابن عثيمين- لا عن المجاهيل والغلاة المنتسبين زورًا إلى السلفية، الذين أساؤوا الأدب مع علماء الأمة الإسلامية، وقد رد عليهم السلفيون قبل غيرهم.

بل نحن نقول بكل ثقة وبقلبٍ مطمئن: إن الإنصاف والرحمة في كلام علماء السلفية أكبر بكثير من غيرهم. لكن مدَّعُو الإنصاف ممن يتَّهمون علماء السلفية بالغلو إشكاليتهم الأساسية أنهم لا يقرؤون كتب الطرفين، بل يكتفون بما هو مُشتهر عن علماء السلفية فقط، دون موازنة حقيقية ومُنصفة للطرفين.

المطلب الثالث: دعوى التضييق على العوام حتى أصبح كل شيءٍ بدعة أو شركًا:

يقول المخالف: إن علماء السلفية -مثل الشيخ ابن باز والعثيمين وغيرهما- قد شدَّدوا على الناس أمورَ دينهم، وأكثروا من الإنكار على العوام، وحكموا على بعض ألفاظهم بالكفر والشرك، مثل إنكار (مدد يا رسول الله) و(شيء لله يا بدوي)، وهذا دليل على التكفير والتشدد.

وجواب ذلك من وجوه:

أولًا: أن يُقال: جنس إنكار بعض الألفاظ عند العامة لا خصوصية لهم فيه، بل الأشاعرة أيضًا أنكروا على العوام وشدّدوا عليهم، وذكروا أنهم يقترفون بعض المُكفرات.

يقول السنوسي رحمه الله: “أما العامة فأكثرهم ممن لا يعتني بحضور مجالس العلماء ومخالطة أهل الخير، يتحقق منهم اعتقاد التجسيم والجهة، وتأثير الطبيعة، وكون فعل الله لغرض، وكون كلامه جل وعلا حرفًا وصوتًا، ومرة يتكلم ومرة يسكت كسائر البشر، ونحو ذلك من اعتقادات أهل الباطل، وبعض اعتقاداتهم أجمع العلماء على كفر معتقديها، وبضعهم اختلفوا فيه”[29].

وهذا الذي أنكره الشيخ السنوسي على العوام أكثره من الاعتقاد الصحيح مثل اعتقاد الجهة (أي: جهة العلو) وتأثير الأسباب، والحكمة والتعليل، والحرف والصوت، وتعليق صفة الكلام بالمشيئة.

ثانيًا: أنَّ الحكم بالغلو أو التطرف لا يكون بالتهويل والاستعظام، بل يُعرض الكلام على القواعد العلمية، وننظر هل تتفق مع القواعد أم لا؟ وهل لها وجهٌ شرعي أم لا؟

ومعلوم أن الأحناف توسّعوا في المكفرات، حتى أوصل بعضهم المُكفرات عند الحنفية إلى أربعمائة مُكفِّر (وأكثرها تكفير باللوازم)، ومع ذلك لم يتهم أحد الحنفية بالغلو في التكفير.

يقول ابن نجيم في البحر الرائق: “وفي الخانية والخلاصة: لو تزوج بشهادة الله ورسوله، لا ينعقد ويكفر لاعتقاده أن النبي يعلم الغيب”[30].

مع أن قول القائل: (أُشهِد الله ورسوله على كذا) قد يكون له تأويل، وليس بالضرورة أن يكون القائل يقصد أن النبي يعلم الغيب. ومع ذلك اعتبرها الأحناف من الألفاظ المُكفِّرة التي يجب الابتعاد عنها.

وجاء في (البحر الرائق): “ويكفر بقوله: (الإيمان يزيد وينقص) وبقوله: (لا أدري الكافر في الجنة أو في النار”[31]. وقال: “وبقوله: (النصرانية خير من اليهودية)؛ لأنه أثبت الخيرية لما هو قبيح شرعا وعقلا”[32].

وفي (مجمع الأنهر): “وبتبجيل الكافر، حتى لو سلّم على الذمي تبجيلًا، وبقوله للمجوسي: يا أستاذ تبجيلا”[33].

وفي (رد المحتار) لابن عابدين: “لو سلم على الكافر تبجيلًا يكفر؛ لأن تبجيل الكافر كفر، ولو قال لمجوسي: يا أستاذ تبجيلًا كفر”[34].

ومعظم هذه المكفرات لم يقل بها علماء السلفية، فإن معظمها تكفير باللوازم، وبعضها ليس بكفرٍ أصلًا.

يقول الدمياطي الشافعي: “واعلم أنه يجري على ألسنة العامة جملة من أنواع الكفر من غير أن يعلموا أنها كذلك، فيجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ذلك؛ لعلهم يجتنبونه إذا علموه لئلا تحبط أعمالهم ويخلدون في أعظم العذاب وأشد العقاب[35].

ويقول القرافي المالكي في بعض الأدعية الكفرية التي تجري على ألسنة العامة: “فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرا شديدا؛ لما تؤدّي إليه من سخط الديان والخلود في النيران وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال، وهذا فساد كله يتحصّل بدعاء واحد من هذه الأدعية، ولا يرجع إلى الإسلام”[36].

والمقصود: أن التنبيه على الألفاظ التي تجري على ألسنة العامة لا يختص به السلفيون، وإنما ظنَّ المخالف ذلك لأن الأشاعرة المعاصرين دخلهم نوع انفتاح وتساهل؛ فتركوا إنكار المنكرات، وليس لكون هذا هو حقيقة مذهبهم.

نعم، قد يزيد السلفيون اختيارات ابن تيمية في التنبيه على الألفاظ الشركية، مثل: شيء لله أو مدد يا بدوي، ونحو ذلك، وقد يزيد الأشاعرة بعض الكفريات عندهم، فقد يختلف العلماء في آحاد المسائل، لكن اتفقوا على جنس وجود المنكرات. فيلزم المخالف أن يتهم علماء الأشاعرة بالتضييق على العامة أيضًا.

على أن هذه الأمور الخاصة بالشركيات لا خصوصية للسلفيين فيها، بل شاركهم غيرهم.

ودونك بعض الأمثلة من مدارس غير سلفية تُنكر نداء الأولياء:

– سُئل الإمام التهاوني الحنفي الماتريدي -المُلقب عند الحنفية بحكيم الأمة- عن النداء والورد بـ (يا شيخ عبد القادر شيء لله) ونحوها من النداءات، فأجاب: “إنَّ عدم الجواز وعدم نقله عن الأئمة ظاهر، والدليل ظاهرٌ أيضًا، ومنه قوله تعالى: {وَمَن أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَن لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}”[37].

وسُئل العلامة التهانوي عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بلفظ الخِطاب، أو تلقيب غير الله تعالى بـ (دافع القحط والوباء) أو (كاشف الكرب) أو (قاضي الحجات) ما حكمه؟

فأجاب رحمه الله: “قال تعالى: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104]، وقال رسول الله: «لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتى»، وقال: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان»، وفي رواية: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد».

إنَّ الألفاظ المذكورة في السؤال فوق الألفاظ المذكورة المنهيِّ عنها بدرجات في إيهام الشرك يقينًا، وسواء كان النهي بأي درجة، ولكنه مكروه وغير مُرضٍ في كل حال، فلما كان الأخف منهيًّا عنه عند الشارع عليه السلام كان الأشد ممنوعًا بقياس الأولى”[38].

– ويقول القاضي ثناء الله المظهري الصوفي النقشبندي -المُلقب عند الحنفية ببيهقي الوقت-: “بعض الجهال يقولون عند الكربات: (يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئا لله)، ويقول بعضهم: (يا خواجة شمس الدين شيئا لله)، فهذا لا يجوز، بل هو شرك وكُفر؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فالذين يدعونهم القبورية هم عباد مثلهم، لا قدرة لهم على النفع والضر وإنجاح الحوائج. فإن قال قائل من هؤلاء: إن هذه الآية نزلت في حق الكفار، وهم كانوا يدعون الأصنام، أما نحن فلا ندعو الأصنام بل ندعو أولياء الله تعالى، فالجواب: أن لفظ {مِنْ دُونِ اللَّهِ} -بمعنى غير الله- لفظ عام، فالعبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص النزول، فيدخل فيه: الأنبياء، والأولياء، وكل ما سوى الله تعالى، فلا يجوز نداء غير الله عند الكربات، سواء كان من الأصنام، أو الأحياء، أو الأموات”[39].

وسئل الشيخ الإمام عبد الحي اللكنوي الحنفي الماتريدي عن رجل ينادي الأولياء ويخاطبهم، فأجاب: “هذا رجل فاسد العقيدة، بل يخشى عليه الكفر، فإن سماع الأولياء للنداء من بعيد ليس بثابت، والعلم الكلي بجميع الجزئيات في جميع الأزمان مختص بالله جل جلاله، وقد قال في الفتاوى البزازية: من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر، انتهى. وذكر فيه أيضا أن من تزوج بشهادة الله ورسوله يكفر؛ لأنه ظنَّ أن الرسول يعلم الغيب، انتهى. والله أعلم”[40].

مع أن اللكنوي ليس سلفيًّا، وله ردود على ابن تيمية في مسائل تتعلق بالصفات وشدّ الرحل للزيارة.

نستفيد مما سبق: أن هذه الأمور التي يُنكرونها على علماء السلفية لا خصوصية لهم فيها، بل قد شاركهم في إنكارها كثير من أصحاب المذاهب أيضًا.

المطلب الرابع: استغلال الجماعات المتطرفة لكلام ابن باز والعثيمين:

يحتج المُخالف أن الجماعات المتطرفة تستدلّ ببعض كلام ابن باز وابن عثيمين، ثم يستنتج من ذلك أن هذه الفتاوى كرَّست للتكفير والقتال، أو أن ابن باز وابن عثيمين على نفس منهجهم.

وهذه الطريقة فيها ظلم وجورٌ على أهل العلم، وبيان ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن مجرد الاستدلال لا يعني أن المُستدل يفهم كلام أهل العلم، فهذه الجماعات يستدلون أيضًا بكتب ابن تيمية، فكان ماذا؟! فبنفس هذا المنطق يكون ابن تيمية مُدانًا أو تكفيريًّا، وهذا لا يقوله منصفٌ من المخالفين.

بل نحن نقول: إن هذه الجماعات تستدل ببعض الفقهاء كالنووي وزكريا الأنصاري في قتل غير المسلم، والتترس وقتل المدنيين، بكلامٍ لا يفهمون تخريجه ولا ضوابطه. ولا يعني ذلك أن الفقهاء متطرفون.

الوجه الثاني: من القواعد العلمية المقررة أن المجمل يُرد إلى المفصَّل، وقائل الكلام هو أولى الناس بشرح كلامه، لا أن يُرجع إلى فهم غيره.

ففي شرح كتاب التوحيد لابن عثيمين -وهو نفس الكتاب الذي يستدلون به- يقول الشيخ: “أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله، فهذا قد بدَّل الشريعة بهذه القوانين، فهو كافر؛ لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للعباد والبلاد من شريعة الله، وعندما نقول بأنه كافر، فنعني بذلك أن هذا الفعل يوصل إلى الكفر. ولكن قد يكون الواضع له معذورًا، مثل أن يغرر به كأن يقال: إن هذا لا يخالف الإسلام، أو هذا من المصالح المرسلة، فيوجد بعض العلماء وإن كانوا مخطئين يقولون: إن مسألة المعاملات لا تعلق لها بالشرع، بل ترجع إلى ما يصلح الاقتصاد في كل زمان بحسبه، فإذا اقتضي الحال أن نضع بنوكًا للربا أو ضرائب على الناس، فهذا لا شيء فيه! وهذا لا شك في خطئه، فإن كانوا مجتهدين غفر الله لهم[41].

فتأمل هذا التأصيل البديع لابن عثيمين الذي فيه العلم والرحمة، فإن الشيخ وإن قال بأن المسألة في أصلها كفر، إلا أنه التمس العذر للحاكمين بها، ولمن أفتاهم من أهل العلم؛ لأنه يراهم متأولين مخطئين.

فماذا فعلت الجماعات الإسلامية؟ أخذوا الجزء الأول من كلام الشيخ، وأهدروا بقية كلامه، وأهدروا ضوابطه واحترازاته. فهل هذا ذنب الشيخ أم ذنب القارئ الانتقائي؟!

وعلى نحو واضح يُسأل ابن عثيمين عن الجماعات المتطرفة في الجزائر وأنهم يستدلون بكلامه أن التشريع العام كفر، ثم يستنتجون من ذلك أن الحكومة كفار، وأنَّ الجزائر دار كفر.

فأجاب الشيخ رحمه الله: “عملهم هذا غير صحيح. أقول بارك الله فيكم: الحكم على المسألة بالحكم الذي ينطبق عليها غير الحكم على شخص معين، يجب على طلبة العلم أن يعرفوا الفرق بين الحكم على المسألة من حيث هي مسألة، وبين الحكم على الحاكم بها؛ لأن الحاكم المعين قد يكون عنده من علماء السوء من يلبس عليه الأمور وغالب حكام المسلمين ليس عندهم علم بالشرع، فيأتيهم فلان يموه عليهم، ألم تر أنَّ بعض علماء المسلمين قال: جميع مسائل الحياة ليس للشرع فيها تدخل! واشتبه عليهم الأمر بقوله صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بأمور دنياكم»… فلذلك لا نحكم على الحكام بالكفر إذا فعلوا ما يكفر به الإنسان حتى نقيم عليه الحجة”[42].

وقال: “أما أن يكفر الحاكم لأجل هذا مع أن الجزائر كم بقيت مستعمرة للفرنسيين؟ 130 سنة؟ طيب هل يمكن أن يغير هذا القانون الذي دوَّنه الفرنسيون بين عشية وضحاها؟ لا يمكن”[43].

من الجدير بالذكر: أن الدكتور سعيد فودة -وهو أحد مشاهير الأشاعرة المعاصرين- هو ممن يقول بكفر الحكم بغير الشريعة أيضًا، ولم نر أحدًا اتهمه بالتكفير.

يقول د. سعيد فودة: “الدول والحكومات المعاصرة بلا شك ولا ريب كلّها لا تحكم بما أنزل الله تعالى، بمعنى أنها لم تلتزم على نفسها الحكم بالشريعة الإسلامية، وإن أخذت منها أحكاما في عدة جوانب، كالأحكام الشخصية، والبيوع وغيرها، ولكنها خلطت بها أحكاما لم تؤخذ منها، بل أتت من قوانين غربية، أو من عند أنفسها، وإنما الخلاف السابق -يعني في الخروج على من جار- كان فيمن حكم بالإسلام والتزم به إلا أنه ظلم، وأما من غيَّر وبدَّل شرائع الدين فأمره بيِّن، وهذا هو المندرج قطعًا تحت قول الرسول عليه السلام: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا»[44].

ونحن نقول للمخالف: بنفس منطق المخالفين فإن كلام د. سعيد فودة هو مدخل للغلاة والتكفيريين، لكن -كما قلنا- إشكالية عوام المخالفين أنهم لا يقرؤون كتب شيوخهم، ويظنون أن هذه المؤاخذات مما يختص بها السلفيون دون غيرهم.

الوجه الثالث: لو طرد المخالف كلامه للزمه إدانة كثير من أهل العلم قديمًا وحديثًا -ممن يُعظمهم-، ممن لهم فتاوى قد تُفهم بطريقةٍ غالية أو تُستغل من قبل الجماعات المنحرفة، ودونك أمثلة:

المثال الأول: شيخ الجامع الأزهر محمد الدمنهوري رحمه الله شارح (السّلم المنورق)، له رسالة بعنوان: (الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة)، وهذه الرسالة تناقش مسألة عدم بناء الكنائس في البلاد التي فُتحت عنوة، والإبقاء على القديم منها فقط، والشيخ يذهب إلى أن مصر من البلاد التي فُتحت عنوة، ثم اختار القول القائل بوجوب هدم ما تم بناؤه من الكنائس منذ الفتح الإسلامي.

وبغض النظر عن مدى صحة اجتهاد الشيخ الدمنهوري من عدمه -فهذا له مقامٌ آخر- لكن هذه الرسالة لا شك أنه قد يُساء استخدامها من قِبل الجماعات الضالة الذين يستهدفون الكنائس، ونحن نجزم أن الشيخ لا يقصد ذلك، بل للمسألة ضوابط لم يذكرها الشيخ في نفس الرسالة اعتمادًا منه على أن القارئ من طلاب العلم الذين يفهمون أن التنفيذ بيد الحاكم أو من ينوب عنه من أهل القضاء الشرعي، لا بيد آحاد الناس، ثم اعتبار المصلحة والمفسدة، وغير ذلك مما يفهمه العالم، ولا يبلغه الجاهل.

ولو عمل بمقتضى تلك الرسالة الجماعات المنحرفة في زماننا، وقاموا بتفجير تلك الكنائس، فاللوم لا يعود على الشيخ الدمنهوري رحمه الله، بل يعود على الجاهل الذي أخذ كلامه دون أن يتعلَّم العلم الصحيح.

وقد قيل: عليَّ نحت القوافي من معادنها ** وما عليَّ إذ لم تفهم البقرُ

وكذلك نقول في بعض تقريرات ابن تيمية أو الشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم التي وظَّفها بعض الجماعات المنحرفة في غير محلها بأنَّ لها فقهًا وضوابط عند هؤلاء العلماء.

المثال الثاني: الشيخ محمد عليش -شيخ المالكية بالأزهر الشريف، ومن أعمدة الفقه المالكي، وهو من شيوخ محمد عبده- حرَّم السفر للتعليم في أوروبا، وقال بتكفير من لبس القبعة الإفرنجية (البرنيطة)، بل وأهدر دماءهم؛ لأنه عدَّ ذلك من التشبه بالكفار.

يقول الشيخ عليش الأزهري ردًّا على أحد معاصريه: “تقرر في شريعة الإسلام أن السفر لأرض العدو للتجارة جُرح في الشهادة، ومخل بالعدالة، فضلا عن توطنها وطول الإقامة بها. وهذا الرجل كان مجهولًا مستورًا، فعرّف لنفسه بأنه من علماء المسلمين، خرج عن حد الشريعة وتهتك ولم يُبال بالجرحة في شهادته ولا باختلال عدالته واختار مساكنة الكافرين في ديارهم، وزهد في مساكنة المسلمين وفسيح بلادهم، فيا لها من فضيحة! وما أفظعها من وقيحة!… قوله: (أتوا من بلادهم لأجل التعلم) فيه اعتراف بالجهل بما يُطلب تعلمه وما لا يطلب. وذلك أنه قد تقرر في شريعة المسلمين أن المطلوب تعلمه من أقسام العلوم الشرعية، وآلاتها وهي علوم العربية، وما زاد على ذلك لا يُطلب تعلمه بل يُنهى عنه. ومن المعلوم أن النصارى لا يعلمون شيئا من العلوم الشرعية ولا من آلاتها بالكلية، وأن غالب علومهم راجع إلى الحكاية[45] والقيانة والحجامة وهي من أخس الحرف بين المسلمين وقد تقرر في شريعتهم أنها تخل بالعدالة… وتقرر في شريعة المسلمين أن حكم الفريقين أمرهم بالتوبة والرجوع إلى دينهم والتزيي بزي المسلمين وإمهالهم لذلك ثلاثة أيام، فإن فعلوا ذلك قبلت توبتهم وخلي سبيلهم، وإن تمت الأيام الثلاثة ولم يتوبوا قطعت رقابهم بالسيف ولا يغسلون ولا يصلى عليهم لموتهم على الكفر، والسلام على من اتبع الهدى، حامدا لمن نور قلوب المؤمنين بالإيمان”[46].

ورأي الشيخ عليش رحمه الله فيه تشديد وعدم مراعاةٍ لمقاصد الشريعة، بينما يُبدي ابن تيمية رحمه الله رأيًا أكثر مرونة واعتدالًا، يقول شيخ الإسلام: “لو أن المسلم بدار حربٍ أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورًا بالمُخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يُستحب للرجل أو يجب عليه أحيانًا مشاركتهم في الهدي الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة”[47].

فتأمل هذا النظر المقاصدي التيمي، وقارنه بفتوى الشيخ عليش رحمه الله التي فيها التكفير وضرب الرقاب، كما أن تحريم الشيخ للتعليم في بلادهم وقصره العلم على العلم الشرعي فقط والنهي عن العلوم الصناعية مجازفة غير سديدة. بينما يرى الشيخ ابن عثيمين جواز التعلم في بلاد الغرب لكن بشروط معينة[48].

والمقصود: أنه لو استغل المتطرفون رسالة الشيخ عليش في تكفير لابس البرنيطة وإهدار دمه، فالخطأ لن يعود على الشيخ عليش رحمه الله؛ لأن الفتوى لها سياقات زمنية معينة، كما أن لها ضوابط، فإن التعزير ليس بيد آحاد الناس، وإنما بأيدي القضاء الشرعي أو الحاكم.

خاتمة:

تبين أن فتاوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله كانت تعتمد على قواعد علمية، مع مراعاة الاجتهاد والإعذار والتأول للمخالفين. ورغم محاولات البعض استغلال بعض آراء هذين العالمين للطعن فيهما من جهة، أو لترويج أفكار متطرفة من جهة أخرى، إلا أنه من الواضح أن مواقفهما لم تكن تهدف إلى تكفير المسلمين أو تفسيقهم، بل كانت تحذيرات علمية تهدف إلى الحفاظ على العقيدة الصحيحة. كما أن الفهم المتزن والمقارن بين مواقف علماء مختلف المذاهب يظهر أن الخطاب العلمي ليس ملكًا لطرف دون آخر، بل هو مجال للنقد والاختلاف ضمن حدود الأدب والاجتهاد.

وصلِّ اللهم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

[1] ينظر: الإنصاف، المرداوي (12/ 48).

[2] معونة أولي النهى (11/ 436).

[3] الإنصاف (12/ 36).

[4] مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (28/ 257).

[5] مجموع فتاوى ورسائل ابن باز (3/ 74).

[6] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/ 235).

[7] مجموع فتاوى ابن عثيمين (١/ ٤٣٨).

[8] مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (4/ 353).

[9] المصدر السابق.

[10] مقال في موقع الدكتور يوسف القرضاوي بعنوان: (ابن باز والقرضاوي اختلافٌ حاصل وأدبٌ جم).

https: //www.al-qaradawi.net/node/2278

[11] ينظر: إمام العصر، لناصر الزهراني (ص: 138).

[12] جوانب من سيرة الإمام ابن باز، محمد بن إبراهيم الحمد (ص: 280).

[13] مقال (في ذكرى الغزالي) للكاتب وليد كساب، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:

https: //www.iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=6776#

[14] لقاء الباب المفتوح رقم (232).

[15] لقاء الباب المفتوح (49/ 192-193).

[16] سلسلة لقاء الباب المفتوح -126b.

https: //alathar.net/home/esound/index.php?op=codevi&coid=64028

[17] لقاء الباب المفتوح (34/ 11).

[18] لوامع الأنوار (1/ 299).

[19] لوامع الأنوار (1/ 165).

[20] المرجع السابق (1/ 163).

[21] المرجع السابق (1/ 299).

[22] معونة أولي النهى (11/ 436).

[23] حاشية الخلوتي على المنتهى (ص: 249-251).

[24] التمهيد (ص: 29). وينظر: تبصرة الأدلة (ص: 428).

[25] فتح القدير (3/ 230).

[26] الفتاوى الهندية (2/ 257).

[27] فتاوى الإمام السبكي (1/ 53).

[28] تهذيب شرح السنوسية (ص: 12).

[29] شرح أم البراهين (ص: 86).

[30] البحر الرائق (3/ 155).

[31] البحر الرائق (5/ 131).

[32] البحر الرائق (3/ 366).

[33] مجمع الأنهر (2/ 705).

[34] رد المحتار (9/ 592).

[35] إعانة الطالبين (4/ 149).

[36] الفروق (4/ 265).

[37] إمداد الفتاوى (4/ 352).

[38] إمداد الفتاوى (4/ 352).

[39] إرشاد الطالبين (ص: ٢١).

[40] مجموعة الفتاوى للكنوي (ص: 387-389).

[41] القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 326).

[42] ينظر: فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء الجزائر (ص: 145)، وتم توقيع الشيخ في الكتاب على هذه الفتوى

[43] المرجع السابق.

[44] الشرح الكبير على العقيدة الطحاوية (ص: 1050-1051).

[45] لعلّ صوابه: الحياكة.

[46] نقلت رسالة الشيخ: مجلة الرسالة، العدد 467، بعنوان: (رأي الأزهريين في لبس البرنيطة)، ورسالة الشيخ عليش محفوظة في مخطوطات الأزهر الشريف، رقم النسخة: .305297/ فقه عام.

[47] اقتضاء الصراط المستقيم (ص: 176-177).

[48] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (6/ 131-132).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

دعاوى المناوئين لفتاوى ابن باز وابن عثيمين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُثار بين الحين والآخر نقاشات حول فتاوى علماء العصر الحديث، ومن أبرز هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين. ويطغى على هذه النقاشات اتهام المخالف لهما بالتشدد والتطرف بل والتكفير، لا سيما فيما يتعلق بمواقفهما من المخالفين لهما في العقيدة […]

شبهات العقلانيين حول حديث “الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم” ومناقشتها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في […]

البهائية.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بعد أن أتم الله تعالى عليه النعمة وأكمل له الملة، وأنزل عليه وهو قائم بعرفة يوم عرفة: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهي الآية التي حسدتنا عليها اليهود كما في الصحيحين أنَّ […]

الصمت في التصوف: عبادة مبتدعة أم سلوك مشروع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: الصوفية: جماعةٌ دينية لهم طريقةٌ مُعيَّنة تُعرف بالتصوّف، وقد مَرَّ التصوّف بمراحل، فأوَّل ما نشأ كان زُهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم تطوَّر شيئًا فشيئًا حتى صار إلحادًا وضلالًا، وقال أصحابه بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات([1])، وبين هذا وذاك بدعٌ كثيرة في الاعتقاد والعمل والسلوك. وفي إطار تصدِّي […]

دفع مزاعم القبورية حول حديث: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

مقدمة: من الفِرى ردُّ الأحاديث الصحيحة المتلقّاة بالقبول انتصارًا للأهواء والضلالات البدعية، وما من نصّ صحيح يسُدُّ ضلالًا إلا رُمِي بسهام النكارة أو الشذوذ ودعوى البطلان والوضع، فإن سلم منها سلّطت عليه سهام التأويل أو التحريف، لتسلم المزاعم وتنتفي معارضة الآراء المزعومة والمعتقدات. وليس هذا ببعيد عن حديث «‌اتخذوا ‌قبور ‌أنبيائهم»، فقد أثار أحدهم إشكالًا […]

استباحة المحرَّمات.. معناها وروافدها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من أعظم البدع التي تهدم الإسلام بدعة استباحةُ الشريعة، واعتقاد جواز الخروج عنها، وقد ظهرت هذه البدعة قديمًا وحديثًا في أثواب شتى وعبر روافد ومصادر متعدِّدة، وكلها تؤدّي في نهايتها للتحلّل من الشريعة وعدم الخضوع لها. وانطلاقًا من واجب الدفاع عن أصول الإسلام وتقرير قواعده العظام الذي أخذه […]

الحالة السلفية في فكر الإمام أبي المعالي الجويني إمام الحرمين -أصول ومعالم-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من الأمور المحقَّقة عند الباحثين صحةُ حصول مراجعات فكرية حقيقية عند كبار المتكلمين المنسوبين إلى الأشعرية وغيرها، وقد وثِّقت تلك المراجعات في كتب التراجم والتاريخ، ونُقِلت عنهم في ذلك عبارات صريحة، بل قامت شواهد الواقع على ذلك عند ملاحظة ما ألَّفوه من مصنفات ومقارنتها، وتحقيق المتأخر منها والمتقدم، […]

أحوال السلف في شهر رجب

 مقدمة: إن الله تعالى خَلَقَ الخلق، واصطفى من خلقه ما يشاء، ففضّله على غيره، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ ‌وَيَخۡتَارُ﴾ [القصص: 68]. والمقصود بالاختيار: الاصطفاء بعد الخلق، فالخلق عامّ، والاصطفاء خاصّ[1]. ومن هذا تفضيله تعالى بعض الأزمان على بعض، كالأشهر الحرم، ورمضان، ويوم الجمعة، والعشر الأواخر من رمضان، وعشر ذي الحجة، وغير ذلك مما […]

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

مقدمة: هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم […]

الصوفية وعجز الإفصاح ..الغموض والكتمان نموذجا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  توطئة: تتجلى ظاهرة الغموض والكتمان في الفكر الصوفي من خلال مفهوم الظاهر والباطن، ويرى الصوفية أن علم الباطن هو أرقى مراتب المعرفة، إذ يستند إلى تأويلات عميقة -فيما يزعمون- للنصوص الدينية، مما يتيح لهم تفسير القرآن والحديث بطرق تتناغم مع معتقداتهم الفاسدة، حيث يدّعون أن الأئمة والأولياء هم الوحيدون […]

القيادة والتنمية عند أتباع السلف الصالح الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان وما وراء النهر أنموذجا (182-230ه/ 798-845م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  المقدمة: كنتُ أقرأ قصةَ الإمام إسحاق بن راهويه -رحمه الله- عندما عرض كتاب (التاريخ الكبير) للإمام البخاري -رحمه الله- على الأمير عبد الله بن طاهر، وقال له: (ألا أريك سحرًا؟!)، وكنت أتساءل: لماذا يعرض كتابًا متخصِّصًا في علم الرجال على الأمير؟ وهل عند الأمير من الوقت للاطّلاع على الكتب، […]

دعوى غلو النجديين وخروجهم عن سنن العلماء

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تكثر الدعاوى حول الدعوة النجدية، وتكثر الأوهام حول طريقتهم سواء من المخالفين أو حتى من بعض الموافقين الذين دخلت عليهم بعض شُبه الخصوم، وزاد الطين بلة انتسابُ كثير من الجهال والغلاة إلى طريقة الدعوة النجدية، ووظفوا بعض عباراتهم -والتي لا يحفظون غيرها- فشطوا في التكفير بغير حق، وأساؤوا […]

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017