الخميس - 13 رمضان 1446 هـ - 13 مارس 2025 م

تصفيد الشياطين في رمضان (كشف المعنى، وبحثٌ في المعارضات)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة 

تمهيد

يشكِّل النصُّ الشرعي في المنظومة الفكرية الإسلامية مرتكزًا أساسيًّا للتشريع وبناء التصورات العقدية، إلا أن بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة -ولا سيما تلك المتبنِّية للنزعة العقلانية- سعت إلى إخضاع النصوص الشرعية لمنطق النقد العقلي المجرد، محاولةً بذلك التوفيق بين النصوص الدينية وما تصفه بالواقع المادي أو مقتضيات المنطق الحديث، وقد أدَّى هذا المنهج إلى ظهور محاولات مستمرّة لتأويل النصوص أو التشكيك في صحتها تحت ذريعة تعارضها مع المعايير العقلية أو التجربة الحسية.

ومن الأحاديث التي تناولها العقلانيون بالنقد والرد حديث: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»؛ إذ رأوا فيه ما اعتبروه تعارضًا صريحًا مع الواقع، حيث جادلوا بأن وقوع المعاصي والمنكرات خلال شهر رمضان ينفي دلالة الحديث ظاهريًّا، كما أنهم رأوا تعارضه مع بعض الحالات الأخرى كالتعوذ من الشيطان الرجيم في رمضان، وكذلك حضور الشيطان في غزوة بدر، واستندوا في ذلك إلى قراءة سطحية للنص دون اعتبار للمنهجية الشرعية في فهم الأحاديث النبوية، والتي تجمع بين النصوص الشرعية الأخرى والتصور الكلي للإيمان بالغيب، وهو ما يشكِّل بُعدًا جوهريًّا في البناء العقدي الإسلامي.

هذا الحديث لا يمثل مجرد نصّ فردي يواجه التأويل العقلاني، بل يعد جزءًا من ظاهرة أوسع تسعى إلى زعزعة مكانة السنة النبوية من خلال الطعن في مصداقية الأحاديث الصحيحة والتشكيك في مرجعيتها، وقد اتسمت هذه الظاهرة باستخدام أدوات ظاهرها البحث والتحليل، لكنها في حقيقتها تستبطن أهدافًا تتجاوز حدود النص، لتُصيب المنظومة الشرعية بأكملها، في محاولةٍ لإعادة صياغة الدين وفق مقاييس وضعية مادية، وقد اهتم مركز سلف للبحوث والدراسات بالجانبين، أعني: جانب تثبيت حجية السنة وذلك عبر كتاب: “ومثله معه: ترسيخ لتميز المحدثين ومطارحة لفكر المنكرين”([1])، وعبر مقالات أخرى.

أما الجانب الثاني فهو الذب عن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عبر سلسلة “دفع الشبه الغوية عن أحاديث خير البرية”([2]).

وفي هذه الورقة نرى كيف تعامل العلماء الراسخون مع هذا الحديث، وهل يعارض الواقع حقًّا أم لا؟

 

مركز سلف للبحوث والدراسات

أولًا: نص الحديث:

هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان فُتِّحت أبواب السماء، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين»([3]).

وعند مسلم: «إذا جاء رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين»([4]).

وفي النسائي: «تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغلُّ فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر»([5]).

فثبت في هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تصفد وتسلسل في شهر رمضان، وهي أحاديث صحيحة في أصح كتب الحديث صحيح البخاري وصحيح مسلم.

ثانيًا: معنى تصفيد الشياطين:

قال ابن عبد البر: “الصفد بتخفيف الفاء: فهو الغل عند العرب”([6]).

 وقال ابن حجر: “قوله: «صفدت الشياطين» أي: أُوثِقت بأغلال الحديد”([7]).

وقد اختلف أهل العلم في معنى “تصفيد الشياطين” على عدة أقوال، ومعرفتها مهمة لأنها تحل كثيرًا من الإشكالات التي يذكرها بعض المعاصرين، وهذه الأقوال هي:

1- أن الحديث على حقيقته، أي: أن الشياطين تصفد وتغلُّ حقيقة، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء، قال السيوطي: “وقال عياض: يحتمل أن الحديث على ظاهره وحقيقته، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين”([8]).

وقال ابن الملقن: “وقد أسلفنا أنه حقيقة، فيسلسلون، ويقل أذاهم ووسوستهم، ولا يكون ذَلِكَ منهم كما هو في غير رمضان، ويدل عليه ما يذكر من تغليل الشياطين ومردتهم بدخول أهل المعاصي كلها في الطاعة”([9]).

والمراد هنا تصفيد كل الشياطين؛ لأن النصَّ عام في التصفيد، وفي كون التصفيد للشياطين كلهم.

2- أن التصفيد هنا على حقيقته لكنه ليس لكل الشياطين، وإنما للمردة منهم، وقد ورد هذا القيد في روايات كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان، لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليك، ويصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة»، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: «لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله»([10]).

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «في رمضان تفتح أبواب السماء، وتغلق أبواب النار، ويصفد فيه كل شيطان مريد، وينادي مناد كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك»([11]).

وقد رجحه ابن خزيمة رحمه الله فقال: “باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: «وصفدت الشياطين» مردة الجن منهم، لا جميع الشياطين، إذ اسم الشياطين قد يقع على بعضهم، وذكر دعاء الملَك في رمضان إلى الخيرات، والتقصير عن السيئات، مع الدليل على أن أبواب الجنان إذا فتحت لم يغلق منها باب، ولا يفتح باب من أبواب النيران إذا أغلقت في شهر رمضان”([12]).

وهو ما أكّد عليه العيني وبين أنه قولٌ من الأقوال في المسألة فقال: “وقيل: المراد بالشياطين بعضهم، وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه، وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين مردة الجن» وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ: «وتغلّ فيه مردة الشياطين»([13]).

3- أن الحديث ليس على حقيقته وإنما هو مجاز، والمعنى أن المسلمين لا يقعون في المعاصي كثيرا لأنه شهر طاعة وخير، يقول ابن عبد البر: “«صفدت الشياطين» وجهُهُ عندي -والله أعلم- أنه على المجاز، وإن كان قد روي في بعض الأحاديث: «سلسلت» فهو عندي مجاز، والمعنى فيه -والله أعلم- أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، ولا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليهم في سائر السنة”([14]).

قال الحليمي: “ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر”([15]).

ونقل ملا علي القاري عن الحليمي أيضا قوله: “والمعنى أن الشياطين لا يتخلصون فيه من إفساد الناس ما يتخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال أكثر المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات”([16]).

وقد قال القاضي عياض مبينا القولين: “قيل: يحتمل الحقيقة، وأن فتح أبواب الجنة وتغليق أبواب النار علامة لدخول الشهر وعظم قدره، وكذلك تصفيد الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم فيه. وقيل: يحتمل المجاز لكثرة الثواب والعفو، والاستعارة لذلك بفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار، وقد جاء في الحديث الآخر: «وفتحت أبواب الرحمة» وبأن الشياطين كالمصفدة لما لم يتم إغواؤهم بعصمة الله عباده فيه، ولم يفد خبث سعيها شيئا، ويكون معنى تصفيد الشياطين هنا خصوصا عن أشياء دون أشياء، ولبعض دون بعض، أو على الغالب، وجاء في حديث آخر: «صفدت مردة الشياطين».

وقد يكون فتح أبواب الجنة هنا عبارة عما يفتح الله على عباده من الطاعات المشروعة في هذا الشهر الذي ليست في غيره؛ من الصيام والقيام وفعل الخيرات، وأن ذلك أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين عبارة عما يكفه الصوم، والشغل بفعل الخير في هذا الشهر وعظم قدره في القلوب، وما جاء في النهي فيه عن أن يرفث أو يجهل، والكف فيه عن المحارم والمعاصي، وأن الصوم مانع عن كثير من المباحات، فكيف بما وراء ذلك؟! ومكفر للسيئات”([17]).

وقال ابن بطال أيضا مبينا القولين: “وتأول العلماء في قوله: «فتحت أبواب الجنة، وسلسلت الشياطين» معنيين:

أحدهما: أنهم يسلسلون على الحقيقة، فيقل أذاهم ووسوستهم، ولا يكون ذلك منهم كما هو في غير رمضان، وفتح أبواب الجنة على ظاهر الحديث.

والثاني: على المجاز، ويكون المعنى في فتح أبواب الجنة ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجب بها الجنة من الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، وأن الطريق إلى الجنة في رمضان أسهل والأعمال فيه أسرع إلى القبول، وكذلك أبواب النار تغلق بما قطع عنهم من المعاصي، وترك الأعمال المستوجب بها النار، ولقلة ما يؤاخذ الله العباد بأعمالهم السيئة، يستنفذ منها ببركة الشهر أقوامًا ويهب المسيء للمحسن، ويتجاوز عن السيئات فهذا معنى الغلق، وكذلك قوله: «سلسلت الشياطين«»، يعنى: أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب عن المعاصي والميل إلى وسوسة الشياطين وغرورهم”([18]).

4- أن الشياطين التي تصفذَد هي التي تسترق السمع أثناء الوحي، قال الحليمي: “يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ”([19]).

وقد ردّ ملا علي القاري هذا القول بأنه يلزم منه توقّف معنى الحديث على زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقط، يقول: “يلزم منه اختصاص هذا الوصف بأيام نزول الوحي وهو زمن حياته صلى الله عليه وسلم، وهو مع بعده وكونه خلافَ ظاهر التصفيد ينافي الإطلاق، ولا يلائمه بقية الأوصاف”([20]).

ثالثا: الحكمة من تصفيد الشياطين:

الشياطين مصفَّدة، سواء كان ذلك حقيقة أو مجازًا أو مقتصرًا على مردة الشياطين فقط، ومن حِكَم الشارع في ذلك تقليل تأثيرهم على عباد الله، وإعاقة إغوائهم للمؤمنين في شهر رمضان. فالتصفيد يهدف إلى منعهم من التسبب في إيذاء المسلمين، سواء بإفساد صومهم أو بإبعادهم عن الطاعات، ليظلّ المسلمون في حالة من الصفاء الروحي والتركيز على العبادة. في هذا الشهر المبارك لا يستطيع الشياطين أن يحققوا ما كانوا ينجحون فيه في غير رمضان من إضلال الناس عن الحق وتثبيطهم عن الأعمال الصالحة، وبالتالي يكون هذا التصفيد بمثابة حماية للمؤمنين من وساوسهم، ليُقبلوا على الطاعات، ويبتعدوا عن المعاصي والشهوات، ويسعوا جاهدين لتحقيق التوبة والاقتراب من الله.

قال ابن تيمية رحمه الله: “قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، وما ذاك إلا لأنه في شهر رمضان تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها وبسببها تفتح أبواب الجنة، ويمتنع من الشرور التي بها تفتح أبواب النار، وتصفد الشياطين فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار، فإن المصفَّد هو المقيَّد؛ لأنهم إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات، فإذا كفوا عن الشهوات صفدت الشياطين”([21]).

وقال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، فإن مجاري الشياطين الذي هو الدم ضاقت، وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات التي بها تفتح أبواب الجنة، وإلى ترك المنكرات التي بها تفتح أبواب النار، وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم، فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره”([22]).

ومن الحكم العميقة التي ذكرها ابن حجر في تفسيره لحديث تصفيد الشياطين قوله: “وقال غيره: في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلَّف كأنه يقال له: قد كفت الشياطين عنك، فلا تعتلّ بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية”([23]). فتصفيد الشياطين في رمضان ليس مجرد تقييد للشرور الظاهرة، بل هو رفع للموانع الداخلية التي قد يعتذر بها الإنسان في تقاعسه عن الطاعة، ففي هذا الشهر حيث تُتاح للمؤمنين فرص عظيمة للطاعة والعبادة يُسلب عنهم أي عذر قد يتعللون به نتيجة لإغواء الشياطين أو وساوسهم، فالشيطان يُحبس في هذا الوقت ليصبح الإنسان أمام نفسه محاسبًا على أعماله وقراراته دون أن يلقى اللوم على أي قوة خارجية. وبالتالي يصبح رمضان فرصة للمؤمن للتقرب إلى الله، والقيام بالطاعات بلا مبرر للكسل أو التفريط.

رابعًا: كيف تصفد الشياطين وتقع المعاصي؟!

إحدى الإشكاليات الفكرية التي أثارها القدماء ويُعاد طرحها اليوم من قبل بعض المعاصرين مسألة وقوع المعاصي في شهر رمضان رغم تصفيد الشياطين، إذ يُطرح التساؤل: كيف تصفّد الشياطين في هذا الشهر المبارك بينما لا يزال الإنسان يقع في المعاصي؟! هذه الشبهة التي تنطوي على ظاهرة قد تبدو متناقضة قد تلقت عدة أجوبة من العلماء منذ القدم، وليس مراد كثير من المعاصرين هنا إلا ردّ الحديث وإنكاره وإن كان في الصحيحين، بالرغم من أن المعارضة هذه قد أجيب عنها قديما ومن كثير من علماء المسلمين، ويمكن أن يجاب عن السؤال من خلال الآتي:

1- قدمنا فيما سبق أن التصفيد قيل: إنه لمردة الجن، وعلى هذا القول لا وجه لهذا الاعتراض، قال القاضي ابن العربي: “اعتراض من مستريب:

قال: إنَّا نَرَى المعاصي في رمضان كما هي في غيره، فما أفاد تصفيد الشّياطين؟! وما معنى هذا الخبر؟

قلنا له: كذبتَ، أو جهلتَ، ليس يَخْفَى أنّ المعاصي في رمضان أقلّ منها في غيره، ومن زعم أنّ رمضان في الاسترسال على المعاصي وغيره سواء فلا تُكلِّموه، فقد سقطت مُخَاطَبَتُه، بل تقلّ المعاصي ويبقى منها ما بقي، وذلك لثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون المعنى: صُفِّدت وسُلْسِلَت [المردةُ]، ويبقى ما ليس بمَارِدٍ ولا عفريتٍ، ويدلُّ على ذلك الحديثُ الآخر”([24]).

2- على القول بأن التصفيد حقيقيّ فلا يلزم منه عدم وقوع المعاصي؛ لأن المعاصي مرتبطة بأسباب أخرى غير الشيطان، فالشيطان ليس هو السبب الوحيد للمعاصي التي يرتكبها الإنسان، فمن الأسباب أيضا التأثيرات المتراكمة في النفس البشرية من المعاصي السابقة قبل رمضان، فلا شكّ أن للمعاصي ظلمة وأثرًا في أعمال الإنسان اللاحقة وفي طبيعته، يقول ملا علي القاري: “الحكمة في تقييد الشياطين وتصفيدهم كيلا يوسوسوا في الصائمين، وأمارة ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن المعاصي ورجوعهم بالتوبة إلى الله تعالى، وأما ما يوجد من خلاف ذلك في بعضهم فإنها تأثيرات من تسويلات الشياطين أغرقت في عمق تلك النفوس الشريرة، وباضت في رءوسها”([25]).

وقد ذكر ملا علي القاري قول من قال: إن إبليس قد استثني فتكون الوسوسة منه، لكن هذا لم يدلَّ عليه دليل، يقول: “وقيل: قد خص من عموم «صفدت الشياطين» زعيم زمرتهم وصاحب دعوتهم لمكان الإنظار الذي سأله من الله، فأجيب إليه، فيقع ما يقع من المعاصي بتسويله وإغوائه”([26]).

3- تأثير شياطين الإنس، وهم أقوى بالإغواء من شياطين الجن، وهذا ما نفهمه من تقديم الإنس على الجن بالإيحاء والإغواء؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112].

قال القرطبي: “لو سلمنا أنها صُفِّدت عن كل صائم، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين ألا يقع شر؛ لأن لوقوع الشر أسبابًا أخر غير الشياطين، وهي: النفوس الخبيثة، والعادات الرَّكيكة، والشياطين الإنسية”([27]).

4- النفس الأمارة بالسوء: فالنفس الأمارة بالسوء تظلّ أحد الأسباب الجوهرية التي تساهم في وقوع المعاصي حتى في ظل تصفيد الشياطين في رمضان، فمع تقييد الشياطين تظل النفس البشرية بما تحمله من رغبات وشهوات قادرة على دفع صاحبها نحو المعصية، هذه النفس تميل إلى الإغراءات التي تشتِّت الفكر وتدفَع الإنسان إلى اتخاذ قرارات تتناقض مع قيم الطاعة والالتزام، وبالتالي يظل الفرد في مواجهة مستمرّة مع دوافعه الداخلية التي قد تكون أكثر تأثيرًا عليه من الوساوس الخارجية، مما يبرز الدور الأساسي للنفس في تشكيل سلوك الإنسان بعيدًا عن تأثيرات الشياطين، وقد ذكر الله ذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: 53].

وإلى هذا أشار ابن القيم رحمه الله حيث قال: “النظر إلى محل الجناية ومصدرها وهو النفس الأمارة بالسوء، ويفيده نظره إليها أمورا، منها: أن يعرف أنها جاهلة ظالمة، وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قول وعمل قبيح، ومَن وصفُه الجهل والظلم لا مطمع في استقامته واعتداله البتة، فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يخرجها به عن وصف الجهل، والعمل الصالح الذي يخرجها به عن وصف الظلم، ومع هذا فجهلها أكثر من علمها، وظلمها أعظم من عدلها.

فحقيق بمن هذا شأنه أن يرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيها شرها، وأن يؤتيها تقواها ويزكيها فهو خير من زكاها، فإنه ربها ومولاها، وأن لا يكله إليها طرفة عين، فإنه إن وكله إليها هلك، فما هلك من هلك إلا حيث وكل إلى نفسه… وقد قال تعالى {وَمَن يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]، وقال: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].

فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر، ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها ففضل من الله من به عليها لم يكن منها، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21]، وقال تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]، فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا بها، ولكن هو الله الذي من بهما، فجعل العبد بسببهما من الراشدين، {فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 8] عليم بمن يصلح لهذا الفضل، ويزكو عليه وبه، ويثمر عنده، حكيم فلا يضعه عند غير أهله فيضيعه بوضعه في غير موضعه”([28]).

5- أن التصفيد لا يمنع من الوسوسة، فالحديث أخبر عن تصفيد الشيطان لا عن كونه مع ذلك لا يستطيع الوسوسة، قال القاضي ابن العربي وهو يتحدث عن هذا السؤال بعينه: “اعتراض من مستريب:

قال: إنَّا نَرَى المعاصي في رمضان كما هي في غيره، فما أفاد تصفيد الشّياطين؟! وما معنى هذا الخبر؟

قلنا له: كذبتَ، أو جهلتَ، ليس يَخْفَى أنّ المعاصي في رمضان أقلّ منها في غيره، ومن زعم أنّ رمضان في الاسترسال على المعاصي وغيره سواء فلا تُكلِّموه، فقد سقطت مُخَاطَبَتُه، بل تقلّ المعاصي ويبقى منها ما بقي، وذلك لثلاثة أوجه:

أحدها: أنّ يكون المعنى صُفِّدت وسُلْسِلَت [المردة]، ويبقى ما ليس بمَارِدٍ ولا عفريتٍ، ويدلُّ على ذلك الحديثُ الآخر.

الوجه الثّاني: أنّ يكون المعنى أنّها بعد تَصْفِيدِهَا كلِّها وسلسلتها تحمل المرء على المعاصي بالوسوسة، فإنّه ليس من شرط الوسوسة الّتي يجدها المُؤْمِن نفسه من الشّيطان الاتِّصال، بل هي [بالبعد] صحيحة؛ فإنّ الله هو الّذي يخلُقها في قَلْبِ العبدِ عند تكلُّم الشيطان بها، كما يخلق في جسم المسحور عند تكلّم الساحر، وعند تكلُّم العائن في جسم المُعَيَّن.

الوجه الثّالث: قلنا: ليس من شرط التَّصْفِيدِ عدم الوسوسة؛ لأنّ الوسوسة لا تكون باليَدِ والرِّجْل.

فإن قيل: إذا كان هذا تأويله فلَم يبق للحديث معنى!

قُلْنَا: عن هذا جوابان:

أحدهما: أنّه ليس يلزمنا معرفة معنى الحديث، ولا أن نُعلِّل جميع الأشياء، فإنّ أكثر الأحاديث غير معلولة المعنى.

الجواب الثّاني: أنّ نقول: فائدة الحديث أنّهم منعوا الإذاية بأيديهم وأرجلهم من العمل والجنون والحُمْق وغير هذا”([29]).

وهو ما يظهر من كلام ابن تيمية رحمه الله، قال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» فإن مجاري الشياطين الذي هو الدم ضاقت، وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات التي بها تفتح أبواب الجنة، وإلى ترك المنكرات التي بها تفتح أبواب النار، وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم، فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره، ولم يقل: إنهم قتلوا ولا ماتوا، بل قال: «صفدت» والمصفَّد من الشياطين قد يؤذي، لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان، فهو بحسب كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملا دفع الشيطان دفعا لا يدفعه دفع الصوم الناقص”([30]).

وقال الباجي: “وقوله: «وصفدت الشياطين» يحتمل أن يريد به على الوجه الأول أنها تصفد حقيقة، فتمتنع من بعض الأفعال التي لا تطيقها إلا مع الانطلاق، وليس في ذلك دليل على امتناع تصرفها جملة؛ لأن المصفد هو المغلول اليد إلى العنق يتصرف بالكلام والرأي وكثير من السعي”([31]).

وهو ما قاله ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل: كيف يمكن التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان ووقوع المعاصي من الناس؟! فأجاب فضيلته بقوله: “المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفَّد في رمضان؛ لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها، ولذلك جاء في الحديث: «تصفد فيه الشياطين فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره»([32]) وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبدًا، بل هي تتحرك، وتضِلّ من تضِلّ، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره”([33]).

6- ميل النفس إلى الشهوات: قال ابن الجوزي: “فإن قيل: إذا سلسلت الشياطين فكيف تقع المعاصي؟!

فالجواب: أن المعاصي تقع بميل الطبع إلى الشهوات المحرمة، وليس للشيطان إلا التزيين والتحريض، وإذا بعد المحرض عن المقدام لم يبطُل إقدامه”([34]).

وقال السندي: “ولا ينافيه وقوع المعاصي؛ إذ يكفي في وجود المعاصي شرارة النفس وخباثتها، ولا يلزم أن تكون كل معصية بواسطة شيطان، وإلا لكان لكل شيطان شيطانان ويتسلسل، وأيضا معلوم أنه ما سبق إبليس شيطان آخر فمعصيته ما كانت إلا من قبل نفسه”([35]).

فعلم أن عدم وجود الشيطان بيننا لا يمنع من وقوع الذنوب والمعاصي؛ فإنها واقعة لأسباب كثيرة، ومع ذلك فقد ذهب من ذهب إلى أن التصفيد لا يمنع من الوسوسة وإنما يقلل الأذية.

خامسًا: كيف أمرنا أن نتعوذ من الشيطان وهو مصفَّد لا فعلَ له؟!

يلحق بما سبق بيانه هذا السؤال وهو: أننا مأمورون بالتعوذ من الشيطان مع أنه مصفَّد، فلِم نؤمر بهذا التعوذ؟!

فيقال: إن الإنسان مأمور بالتعوذ من الشيطان دائما، ولا يسوغ ترك عمل دائم بذريعة هذا الحديث، كما أنه لم يؤثر عن الشارع تخصيص العمل بها بغير رمضان، بل جاءت الأوامر عامة فدخل فيها رمضان وغيره.

ثم إن التصفيد كما اختاره بعض العلماء لا يمنع الشيطان من الوسوسة، فبقيت الحاجة للتعوذ منه.

سادسًا: كيف تصفَّد الشياطين وقد حضرت في غزة بدر؟!

ممَّا يتعلق بهذه المسألة أيضا: ما ورد من حضور الشيطان في غزوة بدر -وكانت في رمضان- جاء إبليس في صورة سراقة بن مالك، فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبّث به الحارث بن هشام -وهو يظنه سراقة-، فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا لا تفارقنا؟! قال الله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48].

ويجاب عما ذكر من خلال الآتي:

1- على ما ذكرناه سابقا من تقييد الحديث بالمردة لا يبقى وجه للاعتراض، كما أنه على رأي من قال: إن التصفيد مجازيّ لا يبقى وجه للاعتراض.

2- وحتى مع القول بأن الشياطين كلها مصفدة تصفيدا عامًّا فإنه لا يمكن الجزم بأن ما قاله صلى الله عليه وسلم من تصفيد الشياطين أنه كان في أول تشريع الصوم، وقد شرع صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكانت غزوة بدر في السنة الثانية، فقد يكون ذلك بعد غزوة بدر، ولا شيء يثبت تاريخ الحديث.

أخيرًا، من خلال تتبع الحديث النبوي الشريف حول تصفيد الشياطين في شهر رمضان، ومعرفة أقوال العلماء وآرائهم المتنوعة؛ يتضح أن هذا النص يحمل أبعادًا معرفية عميقة تتجاوز الفهم الظاهري. فالقول بتصفيد الشياطين لا يعني إلغاء وجود الشر أو تعطيل قدرة الشيطان على الوسوسة بشكل مطلق عند كثير من العلماء، بل يشير إلى تقليص نفوذه وتأثيره على السلوك الإنساني. وهذا التفسير ينسجم مع حكمة الله سبحانه وتعالى في منح الإنسان فرصة سانحة خلال هذا الشهر الفضيل لتزكية النفس ومجابهة النزعات السيئة التي لا تنشأ فقط من وساوس الشياطين، وإنما قد تكون متأصلة في النفس البشرية.

وقد تبين أن الشر والسوء لا ينحصر في الوسوسة الشيطانية وحدها؛ بل يعود إلى أسباب متعددة، من بينها النفس الأمارة بالسوء التي تظل عاملًا رئيسًا في انحدار الإنسان نحو المعصية، إضافة إلى تأثير شياطين الإنس التي تمارس دورًا أكثر تعقيدًا وخطورة من الإغواء المباشر. لذلك فإن تصفيد الشياطين يخلق بيئة إيمانية أكثر ملاءمة للتقوى والعمل الصالح، لكنه لا يلغي تمامًا وجود تحديات داخلية وخارجية تواجه الإنسان.

كما أن هذا الحديث لا يُقرأ بمعزل عن مسؤولية الإنسان الأخلاقية، التي تستمر قائمة دونما تغيير في جميع الظروف، فمع تقليل تأثير الشياطين تُتاح فرصة ذهبية للمسلم لإعادة تقييم ذاته، وتقويم سلوكه، وتعزيز قيم الطاعة والإيمان، وهو ما يعكس الفلسفة التربوية العميقة لشهر رمضان، حيث تتكامل فيه العوامل الروحية والمعرفية لخلق تجربة أخلاقية تهدف إلى تمكين الإنسان من التغلب على ذاته ومجاهدة شهواته.

وقد رأينا بأن الحديث لا يتعارض مع الواقع ولا مع العقل، بل يقدم فرصة لفهم أعمق لدور الإنسان في السعي نحو الخير، ومسؤوليته في مواجهة نوازعه الداخلية، واستثماره لشهر رمضان في إصلاح النفس وتزكيتها، بعيدًا عن وساوس الشيطان وأسباب المعصية.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر الرابط:

https://salafstore.com/product/%D9%88%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%87-%D9%85%D8%B9%D9%87/

([2]) ينظر الرابط:

مقالات دفع الشبخ الغوية

([3]) صحيح البخاري (1899)، صحيح مسلم (1079).

([4]) صحيح مسلم (1079).

([5]) سنن النسائي (2107)، وصححه الألباني.

([6]) الاستذكار (3/ 377).

([7]) فتح الباري (1/ 144).

([8]) حاشية السيوطي على سنن النسائي (4/ 129).

([9]) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/ 56).

([10]) أخرجه النسائي (2106)، وأحمد (7917)، وصححه الألباني.

([11]) أخرجه النسائي (2108)، وأحمد (18794)، وصححه الألباني.

([12]) صحيح ابن خزيمة (3/ 188).

([13]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (10/ 270).

([14]) الاستذكار (3/ 377).

([15]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (4/ 114).

([16]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1364).

([17]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 5-6).

([18]) شرح صحيح البخاري (4/ 20).

([19]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (4/ 114).

([20]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1364).

([21]) مجموع الفتاوى (14/ 167).

([22]) مجموع الفتاوى (25/ 246).

([23]) فتح الباري (4/ 114-115).

([24]) المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 247-248) لابن العربي.

([25]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1364)

([26]) المصدر نفسه (4/ 1364).

([27]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 136).

([28]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 235-236).

([29]) المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 247-248).

([30]) مجموع الفتاوى (25/ 246).

([31]) المنتقى شرح الموطأ (2/ 75).

([32]) أخرجه أحمد (7917).

([33]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (20/ 76).

([34]) كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 409) لابن الجوزي.

([35]) حاشية على سنن ابن ماجه (1/ 503).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

تصفيد الشياطين في رمضان (كشف المعنى، وبحثٌ في المعارضات)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  تمهيد يشكِّل النصُّ الشرعي في المنظومة الفكرية الإسلامية مرتكزًا أساسيًّا للتشريع وبناء التصورات العقدية، إلا أن بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة -ولا سيما تلك المتبنِّية للنزعة العقلانية- سعت إلى إخضاع النصوص الشرعية لمنطق النقد العقلي المجرد، محاولةً بذلك التوفيق بين النصوص الدينية وما تصفه بالواقع المادي أو مقتضيات المنطق الحديث، […]

رمضان مدرسة الأخلاق والسلوك

المقدمة: من أهم ما يختصّ به الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والملل والنحل أنه دين كامل بعقيدته وشريعته وما فرضه من أخلاق وأحكام، وإلى جانب هذا الكمال نجد أنه يمتاز أيضا بالشمول والتكامل والتضافر بين كلياته وجزئياته؛ فهو يشمل العقائد والشرائع والأخلاق؛ ويشمل حاجات الروح والنفس وحاجات الجسد والجوارح، وينظم علاقات الإنسان كلها، وهو […]

مَن هُم أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَة؟

الحمدُ للهِ وكفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ على النبيِّ المصطفَى، وعلى آلِه وأصحابِه ومَن لهَدْيِهم اقْتفَى. أمَّا بَعدُ، فإنَّ مِن المعلومِ أنَّ النَّجاةَ والسَّعادةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ مَنوطةٌ باتِّباعِ الحَقِّ وسُلوكِ طَريقةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَة؛ ولَمَّا أصْبحَ كلٌّ يَدَّعي أنَّه مِن أهلِ السُّنَّةِ والجَماعَة، وقام أناسٌ يُطالِبون باستِردادِ هذا اللَّقبِ الشَّريفِ، زاعِمين أنَّه اختُطِفَ منهم منذُ قرون؛ […]

أثر ابن تيمية في مخالفيه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: شيخ الإسلام ابن تيمية هو البحرُ من أيِّ النواحِي جِئتَه والبدرُ من أيّ الضَّواحِي أتيتَه جَرَتْ آباؤُه لشأْو ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مريحًا من تَعَبِه، طلبًا لا يَرضَى بِغاية، ولا يُقضَى له بِنهايَة. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ وجهُ الصباحِ ليُحاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ الليلَ […]

عرض وتعريف بكتاب (نقض كتاب: مفهوم شرك العبادة لحاتم بن عارف العوني)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: إنَّ أعظمَ قضية جاءت بها الرسل جميعًا هي توحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، حيث أُرسلت الرسل برسالة الإخلاص والتوحيد، وقد أكَّد الله عز وجل ذلك في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. […]

عبادة السلف في رمضان وأين نحن منها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: لا يخفى أن السلف الصالح -رضوان الله عليهم- كانوا يحرصون كل الحرص على كثرة التعبد لله سبحانه وتعالى بما ورد من فضائل الأعمال، وبما ثبت من الصالحات الباقيات التي تعبَّد بها النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنهم كانوا يتهيؤون للمواسم – ومنها شهر رمضان – بالدعاء والتضرع […]

النصيرية.. نشأتهم – عقائدهم – خطرهم على الأمة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: لقد كانت الباطِنيَّةُ -وما زالت- مصدرَ خطَرٍ على الإسلامِ والمسلمين مذ وُجِدت، وقد أيقَن أعداءُ الإسلامِ أنَّ حَسْمَ المواجهة مع المسلمين وجهًا لوجهٍ لن يُجدِيَ شيئًا في تحقيق أهدافِهم والوصولِ لمآربهم؛ ولذلك كانت الحركاتُ الباطِنيَّةُ بعقائِدِها وفِتَنِها نتيجةً لاتجاهٍ جديدٍ للكيد للمسلمين عن طريق التدثُّرِ باسمِه والتستُّرِ بحبِّ […]

موقف الإمامية الاثني عشرية من خالد بن الوليد -قراءة نقدية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن الله أعزّ الأمة، ووجّهها نحو الطريق المستقيم، وفتح لها أبواب الخير بدين الإسلام، هذا الدين العظيم اصطفى الله له محمدَ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، واصطفى له من بين أهل الأرض رجالًا عظماء صحبوه فأحسنوا الصحبة، وسخروا كل طاقاتهم في نشر دين الله مع نبي […]

التلازم بين العقيدة والشريعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من تأمل وتتبَّع أسفار العهدين القديم والحديث يدرك أنهما لا يتَّسمان بالشمول والكمال الذي يتَّسم به الوحي الإسلامي؛ ذلك أن الدين الإسلامي جاء كاملا شاملا للفكر والسلوك، وشاملا للعقيدة والشريعة والأخلاق، وإن شئت فقل: لأعمال القلوب وأعمال الجوارح واللسان، كما جاء شاملا لقول القلب واللسان، وهذا بخلاف غيره […]

إنكار ابن مسعود للمعوذتين لا طعن فيه في القرآن ولا في الصحابة

يعمد كثير من الملاحدة إلى إثارة التشكيك في الإسلام ومصادره، ليس تقويةً لإلحاده، ولكن محاولة لتضعيف الإسلام نفسه، ولا شك أن مثل هذا التشكيك فيه الكثير من النقاش حول قبوله من الملاحدة، أعني: أن الملحد لا يؤمن أساسًا بالنص القرآني ولا بالسنة النبوية، ومع ذلك فإنه في سبيل زرع التشكيك بالإسلام يستخدم هذه النصوص ضد […]

دعاوى المناوئين لفتاوى ابن باز وابن عثيمين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُثار بين الحين والآخر نقاشات حول فتاوى علماء العصر الحديث، ومن أبرز هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين. ويطغى على هذه النقاشات اتهام المخالف لهما بالتشدد والتطرف بل والتكفير، لا سيما فيما يتعلق بمواقفهما من المخالفين لهما في العقيدة […]

شبهات العقلانيين حول حديث “الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم” ومناقشتها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في […]

البهائية.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بعد أن أتم الله تعالى عليه النعمة وأكمل له الملة، وأنزل عليه وهو قائم بعرفة يوم عرفة: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهي الآية التي حسدتنا عليها اليهود كما في الصحيحين أنَّ […]

الصمت في التصوف: عبادة مبتدعة أم سلوك مشروع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: الصوفية: جماعةٌ دينية لهم طريقةٌ مُعيَّنة تُعرف بالتصوّف، وقد مَرَّ التصوّف بمراحل، فأوَّل ما نشأ كان زُهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم تطوَّر شيئًا فشيئًا حتى صار إلحادًا وضلالًا، وقال أصحابه بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات([1])، وبين هذا وذاك بدعٌ كثيرة في الاعتقاد والعمل والسلوك. وفي إطار تصدِّي […]

دفع مزاعم القبورية حول حديث: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

مقدمة: من الفِرى ردُّ الأحاديث الصحيحة المتلقّاة بالقبول انتصارًا للأهواء والضلالات البدعية، وما من نصّ صحيح يسُدُّ ضلالًا إلا رُمِي بسهام النكارة أو الشذوذ ودعوى البطلان والوضع، فإن سلم منها سلّطت عليه سهام التأويل أو التحريف، لتسلم المزاعم وتنتفي معارضة الآراء المزعومة والمعتقدات. وليس هذا ببعيد عن حديث «‌اتخذوا ‌قبور ‌أنبيائهم»، فقد أثار أحدهم إشكالًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017