الاثنين - 21 ذو القعدة 1446 هـ - 19 مايو 2025 م

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

مقدمة:

يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق والتقييد، ومعرفة مراد العلماء ومقاصدهم، واستقراء مجموع أقوالهم، وربطها بسياقها التاريخي والاجتماعي الذي قيلت فيه.

وفي هذا السياق تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة قراءة نصوص أئمة الدعوة النجدية قراءة علمية، تعتمد على الاستقصاء الشامل لا الاجتزاء، والتحليل لا الحشو، والبيان لا التشويه. فليست العبرة بعبارةٍ قيلت في مقام زجر، تُنتزع من سياقها وتُعمّم على كل حال، بل العبرة بفهم البنية العلمية والفكرية التي صدر عنها الكلام، والتمييز بين مقام التعليم ومقام الرد، وبين مقام التأصيل ومقام الزجر.

كما أن من لوازم البحث في هذا الباب التفريقَ بين الأصل والاستثناء، ومعرفة مصطلحاتهم على وجهها، وتفصيلهم بين الشرك الأكبر والأصغر، والبدعة المكفرة وغير المكفرة. وهي أمور لا تتضح إلا لمن جمع النصوص في سياقاتها المتعددة، وتدبّرها جملة واحدة، ولم يقصر نظره على فتوى منفردة أو عبارة مجتزأة.

ومن المعايير المهمة كذلك في فهم تراث أئمة الدعوة: دراسة الواقع التاريخي الذي عايشوه وواجهوه، والخلل العقدي والاجتماعي الذي سعوا لإصلاحه، فإن كثيرًا من إطلاقاتهم ومواقفهم الصارمة، إنما جاءت ردًّا على انحرافات متجذرة وخرافات منتشرة وجهالات عامة، اقتضت منهم أن يكون خطابهم في مقام التحذير والتخويف، لا مقام التفصيل والتدقيق.

وهذه الورقة من مركز سلف للبحوث والدراسات هي محاولة لاستجلاء المنهج العلمي لدى أئمة الدعوة، من خلال عرضٍ تحليلي لنصوصهم، مع شرحها في ضوء ما يقتضيه سياقها ومقامها، دون اعتماد على إضافات خارجية، أو تحميلٍ لكلامهم ما لم يقولوه، مستندين في ذلك إلى مبدأ أصيل في البحث: أن الإنصاف لا يكون إلا بجمع الأدلة وفهمها ضمن سياقها التاريخي والعلمي الكامل.

مركز سلف للبحوث والدراسات

أولًا: إطلاق القول بالشرك دون تفصيل:

كثيرًا ما يقع الخلط عند من يطالع كلام أئمة الدعوة، خاصة حين يقرؤون لهم عبارات من قبيل: “من عبد غير الله فهو مشرك”، أو “من استغاث بغير الله أو ذبح لغير الله فهو مشرك”، فيتوقفون عند هذه الإطلاقات دون فهم السياق الذي قيلت فيه، أو الغاية التي قصدها العلماء منها، فيبنون على ذلك اعتراضًا مفاده: أن أئمة الدعوة يطلقون أحكام الشرك والكفر دون مراعاة الفروق العلمية الدقيقة، ودون تفصيل يُظهر اختلاف الحالات والنيات والملابسات التي قد تحيط بكل واقعة، فهناك النداء المجازي، وهناك نداء الندبة، وهناك ما هو دون الشرك الأكبر كالاستغاثة بلفظ التوسل وطلب الدعاء.

لكن هذا الاعتراض في حقيقته ناشئ عن الغفلة عن أمرين أساسيين:

أولهما: أن كلام أئمة الدعوة يجري في مقام بيان الأصل، وليس في مقام بيان الاستثناءات والتفريعات المرتبطة بكل صورة على حدة، فليس ضروريا ذكر الاستثناءات في معرض بيان أصل المسألة.

ويُقرر هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تقريرًا بالغ الأهمية، إذ يقول: “من فصيح الكلام وجيّده الإطلاق والتعميم عند ظهور قصد التخصيص والتقييد، وعلى هذه الطريقة الخطاب الوارد في الكتاب والسنة وكلام العلماء، بل وكل كلام فصيح، بل وجميع كلام الأمم، فإن التعرض عند كل مسألة لقيودها وشروطها تعجرف وتكلُّف وخروج عن سنن البيان وإضاعة للمقصود”([1]).

وهذا يعني أن الفصاحة -لا سيما في مقام التنبيه والزجر- تقتضي عدم التوسع في ذكر التفاصيل والشروط والقيود؛ لأن ذلك قد يُضعف وقع التحذير، ويفتح الباب للتأويلات التي تُميّع الحقائق الشرعية. بل إن هذا الأسلوب -أي: الإطلاق مع وجود قصد التخصيص- هو ما درج عليه القرآن الكريم نفسه، كما في قول الله تعالى مثلًا: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، دون أن يذكر أن من لم يحكم مع التأويل أو الإكراه ليس بكافر، رغم أن هذا معلوم من مواضع أخرى، لكنه لم يُذكر هنا لأن المقام مقام تحذير وتخويف، لا مقام تفصيل وتعليم.

وثانيهما: أن هذا الأسلوب في البيان -أي: إطلاق الأحكام عند الحديث عن أصل المسألة- هو الأسلوب المتّبَع عند علماء الأمة عبر القرون، وهو أسلوب له ما يسوّغه من جهة اللغة، ومن جهة مقاصد الشريعة، خاصة في مقام الزجر والتحذير من الوقوع في المهلكات.

وقد بيّن بعض أهل العلم أن هذا المسلك له أصلٌ معتبر في فقه الفتوى، وهو ما قرره ابن حجر الهيتمي حين قال: “إن للمفتي أن يُغلِّظ في الجواب، ولو بغير الواقع، حيث لا مفسدة، ففي المجموع والروضة وأصلها: للمفتي أن يُشدّد في الجواب بلفظ متأول عنده؛ زجرًا وتهديدًا في مواضع الحاجة”([2]).

ويقول النووي أيضًا ناقلًا عن الصيمري: “إذا رأى المفتي المصلحة أن يُفتي العامي بما فيه تغليظ، وهو مما لا يُعتقد ظاهره، وله فيه تأويل، جاز ذلك؛ زجرًا له…”([3]).

ثم ساق النووي ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما في التفريق بين جوابين عن توبة القاتل، بحسب حال السائل ونيته([4]).

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن حجر الهيتمي في فتواه المعروفة، حيث سُئل عن إطلاق بعض المفتين أن من استعمل الحشيشة كفر: هل يُنكر عليه هذا الإطلاق؟ فأجاب بقوله: “استُفتي عن ذلك الجلال السيوطي فقال: لا يُنكر عليه هذا الإطلاق؛ لأن مثل هذا يجوز أن يُقال فيه في معرض الزجر والتغليظ، كقوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك الصلاة فقد كفر»، فيكون مؤولًا على المُستحلّ، أو يكون المراد كفر النعمة لا كفر الملة، والعالم إذا استُفتي بمثل هذه العبارة إنما يُطلقها متأولًا على ما ذكرناه”([5]).

وإذا كان هذا الأسلوب معتمدًا في المذاهب الأربعة وفي كتب الفقهاء والأصوليين، فكيف يُستنكر على أئمة الدعوة الذين عالجوا واقعًا مريرًا عامرًا بالشركيات الظاهرة والانحرافات العقدية الشنيعة أن يُصرّحوا بالحكم على الشرك بأنه كفر، دون أن يُقيَّد كل موضع باحتمالات الأعذار؟! وهو ما لا يُطلب من العالم عند بيانه للأحكام الأصلية.

فأئمة الدعوة لا يقصدون بذلك كل من صدر منه الدعاء لغير الله، دون النظر في الحالة المخصوصة أو في مقاصد القائلين، وإنما يتكلمون عن حقيقة الفعل مجردًا، وأنه في ذاته صرفٌ لعبادةٍ محضةٍ لغير الله عز وجل، وهو في ميزان الشريعة شرك، سواء وُجد من يفعله عن جهل، أو تأويل، أو خطأ، فهذا يُبحث لاحقًا في باب العذر والمانع من التكفير، لا في باب حكم الفعل ذاته.

ولهذا فإن الأسلوب الإطلاقي الذي استخدمه أئمة الدعوة هو في الحقيقة أسلوبٌ مقصودٌ في ذاته، تمليه دواعي البيان والوضوح، خاصة حين يُراد التحذير من أمر خطير شاع وانتشر في زمانهم، وصار مقبولًا بين الناس، بحيث يحتاج إلى خطاب حاسم وصريح يُوقظ الغافلين، ويقطع الطريق على التلبيس.

وهنا تظهر حكمة أئمة الدعوة في اختيارهم لهذا الأسلوب البياني، إذ كانوا يواجهون واقعًا فيه من الانحرافات العقدية والبدع العملية والتلبّس بأنواع الشركيات ما يجعلهم في حاجة إلى خطاب واضح لا لبس فيه، يُعيد ترتيب المفاهيم في ذهن العامي، ويُرسّخ عنده خطورة هذه الأفعال، دون أن يفتح له الباب لتبريرها أو التساهل فيها.

ثانيًا: تفاوت المقصود بالشرك في كلام أئمة الدعوة:

ينبغي التنبيه إلى أن بعض العبارات التي يُطلقها أئمة الدعوة على أنها شرك لا تعني بالضرورة الشرك الأكبر المُخرج من الملة، بل قد يكون المقصود بها الشرك الأصغر، أو ما هو من وسائل الشرك، وهو ما يُفهم من خلال مراجعة أقوالهم في سياقاتها المتعددة.

فمثلًا: التطير أو الحلف بغير الله قد يُطلق عليها أنها من الشرك، وهذا لا يعني أنها تخرج من الملة عندهم، بل إنهم رحمهم الله كثيرًا ما يُصرحون بأن هذه الأفعال من الشرك الأصغر ما لم يقترن بها اعتقاد أو قصد يجعلها شركًا أكبر.

ومن ذلك ما قاله الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في رده على داود بن جرجيس، حيث نفى أن يكون كل ما وقع من هذه الأفعال مكفرًا، بل صرح بقوله: “وأما قوله: (إنكم تكفرون به، وترون أنه كفر) ‌فهو ‌كذب ‌بحت، وفرية ظاهرة، ما قال أحد ممن يعتدُّ به عندنا: إنه كفر مخرج عن الملة”([6]).

وكذلك قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “أما الشرك الأصغر فهو أنواع أيضًا: مثل الحلف بغير الله، والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمانة، وبرأس فلان، وما أشبه ذلك، فهذا شرك أصغر…”([7]).

غير أن بعض العلماء السابقين قد بيّن أن بعض صور الشرك الأصغر قد تتحول إلى شرك أكبر بحسب حال القائل ومقصده، كما قرر ذلك ابن القيم، حيث عدّ من الشرك الأصغر الحلف بغير الله، وقول: “ما شاء الله وشئت”، ثم قال: “وقد يكون هذا شركًا أكبر، بحسب حال قائله ومقصده”([8]).

وقد نقل أبو الحسين العمراني الشافعي رحمه الله هذا المعنى بتفصيل دقيق، مبينًا أن الحلف بغير الله لا يخرج عن ثلاث حالات، منها ما يكون شركًا أكبر، إذا قصد الحالف تعظيم المحلوف به كتعظيم الله، وهو ما يخرجه من الإسلام([9]).

ثالثًا: أئمة الدعوة النجدية لا يُنكرون وجود الخلاف في آحاد المسائل:

من الأخطاء الشائعة في تصوير منهج أئمة الدعوة الظنُّ بأنهم لا يقرّون بالخلاف الفقهي في بدع الدعاء، أو أنهم يُنكرون تعدد الأقوال في بعض المسائل التي هي محل اجتهاد. والحقيقة أن هذا الفهم غير دقيق، بل هو مجانب لما دلت عليه نصوصهم الصريحة التي تبين إدراكهم لمسألة الخلاف، وتفريقهم بين ما هو من قبيل البدع والمحدثات، وما هو من قبيل مسائل الاجتهاد.

ومن ذلك ما يقوله الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن مسألة التوسل بالصالحين: “فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد… أو يقصد قبر معروف -يعني: الكرخي- أو غيره يدعو عنده، ولكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين؛ فأين هذا مما نحن فيه؟!”([10]).

ومن الأمثلة الصريحة على احترام الخلاف ما قاله العلامة عبد اللطيف في رده على ابن جرجيس العراقي: “التوسل في عرف أهل العلم ليس هو التوسل في عرف العراقي وشيعته من عباد القبور، بل التوسل عندهم يطلق على المتابعة والاقتداء، ويطلق على سؤال الله بحق الأنبياء والصالحين. وليس النزاع في هذا كله، وإنما النزاع في اتخاذ الأنداد والآلهة والتوسل بدعائهم والاستغاثة بهم والطواف بقبورهم”([11]).

وهذا النص السابق نفيس؛ فالشيخ عبد اللطيف يُقرر بأن التوسل بحق الأنبياء والصالحين أحد وجهي أهل العلم، ويصرح أنها ليست مسألة نزاع مع القبورية. وهو ما يدفع عن النجديين التصور الشائع أنهم لا يعترفون بالخلاف.

وفي مسألة الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ عبد اللطيف: “ونحن لا ننكر أن بعض الناس قال بالكراهة، وإنما النزاع في تصويب أحد القولين، وأيهما تشهد له الأحاديث النبوية”([12]).

وعليه فالصورة الصحيحة لمنهج أئمة الدعوة هي أنهم يميزون تمامًا بين المسائل الظاهرة المتفق عليها وبين ما يسوغ فيه الخلاف، ولا يُنكرون على من خالفهم في مسائل الاجتهاد، بل يُقرّون أن الخلاف وارد، وأن المقصود هو البحث عن الأقرب للسنة.

رابعًا: ليس كل بدع القبور تُعدّ شركًا أكبر عند أئمة الدعوة:

وهذه مسألة أخرى وقع فيها كثير من الناس في طرفي الغلو والجفاء، فظن بعضهم أن أئمة الدعوة يُطلقون الكفر الأكبر على كل ما يتعلّق ببدع القبور، في حين أن كلامهم وكلام العلماء المحققين يدل على التمييز بين مراتب البدع، وأن ما يدخل منها في باب الشرك الأكبر إنما هو ما اشتمل على صرف عبادة لغير الله، كالدعاء والاستغاثة وطلب المدد، أما ما سوى ذلك فقد يكون بدعةً محرّمة أو شركًا أصغر أو وسيلةً إلى الشرك، وليس بالضرورة أن يكون كفرًا أكبر مخرجًا من الملة.

وقد بيّن هذا التفصيل الشيخ ابن باز رحمه الله في أكثر من موضع:

فقال في تقسيمه للشرك الأصغر: “أما الشرك الأصغر فهو أنواع أيضًا: مثل الحلف بغير الله، والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمانة، وبرأس فلان، وما أشبه ذلك، فهذا شرك أصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك»، وهكذا الرياء”([13]).

فهو هنا يُفرّق بوضوح بين الشرك الأكبر الذي هو عبادة غير الله، وبين الشرك الأصغر الذي هو وسيلة إليه، وإن لم يكن مخرجًا من الملة، فذكر الحلف بغير الله كمثال على الشرك الأصغر، مع أنه من الأمور الشائعة التي يقع فيها الناس، مما يدل على أن الحكم لا يُطلق دائمًا بالشرك الأكبر على كل صورة من صور الخطأ المتعلق بالتوحيد.

وقال الشيخ ابن باز أيضًا عن الطواف بالقبور: “إذا طاف يتقرّب بذلك إلى صاحب القبر فهو مثل إذا دعاه واستغاث به، يكون شركًا أكبر، أما إذا طاف يحسب أن الطواف بالقبور قربة إلى الله، كما يطوف الناس بالكعبة وليس يقصد الميت، هذا من البدع ووسائل الشرك المحرمة الخطيرة”([14]).

فهنا يُفرّق الشيخ ابن باز بين نية المتقرب، فإن كان قصده التقرب إلى الميت فهو شرك أكبر، أما إن كان قصده التقرب إلى الله تعالى بفعل غير مشروع -كأن يطوف بالقبور توهمًا بأن ذلك قربة- فهو بدعة محرمة ووسيلة من وسائل الشرك، وليس شركًا أكبر في ذاته.

وكذلك قال الشيخ ابن عثيمين في التبرك بالقبور عن طريق التمسح بالقبر: “إن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله عز وجل فهذا شرك في الربوبية مخرج من الملة، وإن كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر”([15]).

فهو هنا يُفصّل في الاعتقاد: فإن كان يعتقد الاستقلال في التأثير فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها مجرد سبب -وهو باطل- فهو شرك أصغر، وهذا دليل على تمييز دقيق بين مراتب الانحراف، وأن الحكم لا يُطلق جزافًا بمجرد الفعل الظاهري، بل يُنظر إلى النية والاعتقاد والمقصد.

وخلاصة ما سبق: أن أئمة الدعوة ومن سار على نهجهم من العلماء المحققين يُراعون التفصيل الدقيق في مسائل الشرك والبدعة، ولا يُطلقون أحكام التكفير على كل صور تلك المسائل، بل يُرجعون الأمر إلى مدى احتمال المسألة، ومدى انطباق مفهوم العبادة الصريحة عليها.

ومن هنا يتبين خطأ من يظن أن كل بدعة متعلقة بالقبور تُعدّ شركًا أكبر، أو أن كل من فعلها يُحكم عليه بالخروج من الملة، كما يتبين أيضًا خطأ من اتهم أئمة الدعوة بعدم الاعتراف بالخلاف الفقهي أو إنكارهم له، فذلك كله مبني على قراءة مجتزأة لنصوصهم، أو على تصورات مسبقة لا تستند إلى تحقيق علمي.

خامسًا: التعليل بالشرك أو بذرائع الشرك عند أئمة الدعوة:

يُعَدّ التعليل بالشرك أو بذرائعه من المسائل التي يُنكِرها بعض المخالفين على أئمة الدعوة، بدعوى أنهم خالفوا ما عليه جمهور الفقهاء في هذا الباب، مدَّعين أنه لا سلف لهم إلا ابن تيمية؛ إذ لم يصف الفقهاء -في زعمهم- كثيرًا من البدع الشركية بمصطلح “الشرك”، وإنما اقتصروا على أحكام مثل الكراهة أو الحرمة، ويرون أن تعبيرات أئمة الدعوة في هذا الباب تنطوي على تشدد أو تكفير أو خروج عن طريقة فقهاء المسلمين، إلى آخر تلك الاعتراضات المتكررة.

غير أن هذا الاعتراض مبني على تصور مغلوط لمناهج التأصيل الفقهي، ويتبين بطلانه من وجهين:

الوجه الأول: أن الشرك لا يُعد قسيمًا للتحريم، بل الحكم بالشرك يتضمن التحريم من باب أولى؛ لأن الشرك بنوعيه داخل في دائرة المحرَّمات. ومن المقرّر عند الأصوليين أن “الحكم بالأعم لا يستلزم نفي الأخص”، فإذا قال الفقيه عن فعلٍ ما: “هذا محرّم” فلا يعني بالضرورة نفي كونه شركًا، بل قد يكون تحريمه بسبب اشتماله على معنى الشرك أو كونه ذريعةً إليه.

فالشرك هو تعليل المسألة وليس قسيمًا للحكم الشرعي كما يتوهم عوام المخالفين. فالفقيه في كتب الفقه يكون في معرض بيان الأحكام التكليفية الخمسة، لا بيان تعليل المسألة.

ونظير ذلك ما يقال في القتل مثلًا: إنه محرّم، وتعليل تحريمه أنه “فساد في الأرض”. فالحكم هو الحرمة، والعلة هي الفساد. وقد يذكر الفقيه علة الفساد في الأرض تنفيرًا للناس عن القتل، وقد لا يذكره فقيه آخر.

وكذلك الشأن في مسائل الشرك؛ فالفقيه يذكر الحكم التكليفي غالبًا، ولكن حرص ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب على بيان العلة -كون الفعل وسيلةً إلى الشرك، أو كونه شركًا في ذاته- لأجل التنفير من الفعل، وبيان خطورته بسبب انتشاره في زمانهم.

الوجه الثاني: أن دعوى أن الفقهاء لم يذكروا علة الشرك في هذه الأبواب غير دقيقة، بل هناك فقهاء نصوا على علة الشرك في تحريم بعض الأفعال، ومن ذلك:

ما قاله الحجاوي الحنبلي في الإقناع: “ويحرم الحلف بغير الله وصفاته ولو بالنبي؛ لأنه شركٌ في تعظيم الله، فإن فعله استغفر وتاب ولا كفارة في اليمين به”([16]).

وفي هذا النص تصريح بأن العلة في التحريم هي كون الحلف بغير الله “شركًا في التعظيم”، مما يدل على اعتبار معنى الشرك في تعليل الحكم.

وقال النووي: “ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد: (باسم محمد) ولا (باسم الله واسم محمد)، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه، واليمين باسمه، والسجود له، ولا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر في الوسيط: أنه لا يجوز أن يقول: (باسم الله ومحمد رسول الله)، لأنه تشريك“([17]).

فقد علّل النووي التحريم هنا بكونه “تشريكًا”، وهو لفظ دال على المعنى العقدي للشرك.

ونقل الشربيني عن الرافعي قوله فيمن قال: (أذبح باسم الله ومحمد): “وقد تنازع جماعة من فقهاء قزوين فيه: هل تحل ذبيحته؟ وهل يكفر أو لا؟ والصواب ما بيناه، وقد نص الشافعي على أنه لو قال: (أذبح للنبي صلى الله عليه وسلم أو تقربًا له) لا يحل أكلها. أما لو قال: (باسم الله ومحمدٌ رسول الله) -برفع محمد- فإنه لا يحرم، بل ولا يُكره كما بحثه شيخنا لعدم إيهامه التشريك. قال الزركشي: وهذا ظاهر في النحوي، أما غيره فلا يتجه فيه ذلك”([18]).

فالعلة التي يدور عليها التحليل أو التحريم أو حتى الكراهة في هذا الباب هي إيهام التشريك، أي: دخول معنى الشرك أو الإيهام به في الألفاظ أو الأفعال.

ومن مجموع ما سبق يتبين أن أئمة الدعوة لم يبتدعوا توصيف البدع الشركية بكونها شركًا أو وسيلة إليه، بل هم مسبوقون بذلك في كلام من تقدمهم من أهل العلم، لكنهم أكثروا من التنبيه عليه لأجل الحاجة الماسّة إلى إنكاره في زمانهم، حيث كثر الوقوع في هذه الأفعال، وانتشرت مظاهر الغلو في القبور والتبرك بها.

سادسًا: إطلاقات خاصة بتواريخ وحروب النجديين:

1- إطلاق الوصف بالردة:

يُلاحظ في تواريخ ابن بشر وابن غنام استخدام مصطلح “الردة” في سياقات متعددة، كقولهم: “ارتد أهل كذا”، وذلك عند نقضهم البيعة أو خروجهم عن طاعة الإمام محمد بن سعود. ومن المهم هنا التنبيه إلى أن هذا التعبير لا يقتضي بالضرورة الردة بالمعنى العقدي المعروف -أي: الخروج عن الإسلام- بل قد يُراد به الارتداد السياسي، أو النقض في العهد والبيعة، كما هو مستقر في الاستعمالات اللغوية والشرعية.

يقول الإمام الشافعي في قوله: “الردة: الارتداد عمّا كانوا عليه بالكفر، أو الارتداد بمنع الحق، ومن رجع عن شيء جاز أن يقال: ارتد عن كذا”([19]).

وقد نقل الخطابي أن الردة لفظ لغوي يدل على الرجوع والانصراف عن الشيء، إذ يقول: “إن الردة اسم لغوي، وكل من انصرف عن أمرٍ كان مقبلًا عليه فقد ارتد عنه”([20]).

كما يقول ابن منظور: “ويُقال لأهل الحرب: قد كفروا، أي: عصوا وامتنعوا، والكفر كفر النعمة، وهو نقيض الشكر، والكفر: جحود النعمة، وهو ضد الشكر. وقوله تعالى: {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48]، أي: جاحدون”([21]).

ووفق هذه الدلالات يتضح أن استعمال المؤرخين النجديين لمصطلح “الردة” لا يلزم منه دائمًا التكفير العقدي، بل يدخل فيه البعد السياسي والاجتماعي والفقهي المتعلق بسلطان الإمام الشرعي وبيعة أهل البلد له.

2- وصف الجيش النجدي بجيش المسلمين:

وصف المؤرخون النجديون جيوشهم بأنها “جيوش المسلمين”، وهو وصف متداول في الكتابات الشرعية والتاريخية، للإشارة إلى الجيش الملتزم بطاعة الإمام، لا إلى الحصرية العقدية. وقد درج الفقهاء والمؤرخون على إطلاق هذا التعبير حتى في حالات الاقتتال الداخلي بين المسلمين، كما في قول الخطيب البغدادي عن وقعة النهروان: “فركبهم المسلمون فقتلوهم، ولم يقتلوا من المسلمين إلا تسعة رهط”([22]).

وقد تكرر هذا التعبير في عدد من التواريخ، منها ما جاء في تاريخ الفاخري: “وفي سنة 1176 غزا المسلمون الأحساء”([23])، وما ورد في تاريخ ابن لعبون: “وفي سنة 1194 سارت جيوش المسلمين على أهل الزلفي”([24]).

بل نجد أن الملك عبد العزيز آل سعود -المعروف بسعة أفقه وتسامحه السياسي والديني- قد استخدم هذا التعبير في وصف جيشه خلال معركة “السبلة”، حيث قال في رسالته لأمير الكويت: “ولذلك قام المسلمون في التاسع عشر من الشهر الماضي بالهجوم عليهم…”([25]). مع العلم بأن الخصم في هذه الواقعة هم جماعة “الإخوان” الذين كانوا متشدّدين دينيًّا، لا خارجين عن الإسلام.

3- وصف الحروب بالفتوحات:

لا يُفهم من إطلاق وصف “الفتوح” على بعض حملات الدعوة النجدية أنه مصطلح تكفيري بالضرورة، فقد وصف الشوكاني -وهو من كبار علماء زمانه ومن خارج البيئة النجدية- تلك الحروب بالفتوحات، قائلًا: “وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية، وصار الإسلام فيها غريبًا… فافتتح جميع الديار النجدية…”([26]).

وهذا لا يدل على نزعة تكفيرية عنده، وإنما يعكس توصيفًا شرعيًّا عامًّا لواقع الجهل بالشريعة وتغلّب البدع، دون أن يلزم منه تكفير المخالفين.

4- موقفهم من تكفير القبائل:

أما ما يُثار حول “تكفير القبائل” فهو في الغالب من باب “العام الذي أُريد به الخاص”، حيث يطلق الوصف على قرية أو طائفة بعينها، والمقصود به الرؤوس والقيادات التي أقيمت عليهم الحجة، دون أن يشمل ذلك عموم الناس. وقد بيّن ذلك الشيخان حسن وعبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقولهم: “وقد يُحكم بأن أهل هذه القرية كفار… ولا يُحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه”([27]).

وقد استندوا في هذا إلى قاعدة “الطائفة الممتنعة”، وهي مسألة فقهية معتبرة، اتفق العلماء فيها على مشروعية قتال الممتنعين عن بعض شعائر الإسلام، وإن اختلفوا في وصف الامتناع بالردة الإسلام وهو قول الجمهور، أو الردة عن الحق وهو قول الإمام الشافعي، وقد رجح ابن تيمية رأي الجمهور.

وعليه، فالأمر لا يخرج عن اجتهاد معتبر في فهم النصوص الشرعية، ولا يلزم منه إطلاق التكفير على عموم الناس، بل يُراعى فيه التفصيل والتدرج في الإنكار وإقامة الحجة.

سابعًا: ردّ المتشابه إلى المحكم في كلام أئمة الدعوة:

من القواعد المنهجية المقررة عند أهل العلم أن يُردّ المتشابه من الكلام إلى المحكم منه، إذ العبرة بما بيّنه صاحبه من مراده، لا بما يُتوهَّم من العبارات المشتبهة التي قد تحتمل أكثر من وجه.

لذلك كان من الخطأ البيِّن استدلال بعضهم بكلامٍ للشيخ محمد بن عبد الوهاب يتحدث فيه عن انتشار مظاهر الشرك في الأمة، كقول الشيخ: “فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام، هذا يأتي إلى قبر نبي، وهذا إلى قبر صحابي كالزبير وطلحة…”([28]).

مع أن عبارته لا تفيد تعيينًا ولا تعميمًا؛ فالشيخ يتحدث عن انتشار جنس الشرك، لا عن كفر عموم الناس.

وكقول الشيخ عن أهل الشام وعبادتهم لابن عربي: “لكن هو آتٍ من الشام -يعني: المويس-، وهم يعبدون ابن عربي، جاعلين على قبره صنمًا يعبدونه، ولست أعني أهل الشام كلهم، حاشا وكلا، بل لا تزال طائفة على الحق وإن قلت واغتربت”([29]). وقد استُدل بهذه العبارة ونحوها على أن الشيخ يُكفّر غالب أهل الشام.

ولفهم تلك العبارات ينبغي التنبه إلى أمور:

1- معلوم في القواعد المقررة رد الكلام المتشابه إلى المحكم: فإذا كان لعالم كلام مشتبه يحتمل عدة أوجه، ثم وضَّح هو بنفسه مقصوده، فلا يحل لأحد أن ينسب إليه قولًا هو نفاه عن نفسه، ولا يحل الدخول في نيته والتفتيش عن قلبه؛ لأن الله تعبدنا بالظواهر.

وقد نفى الشيخ عن نفسه هذا الكلام بقوله: “وأما القول: أنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم”([30]).

2- تشبيه الجنس بالجنس أو تشبيه النظير بنظيره: يجوز تشبيه الحب والتأله والشغف بشيءٍ ما بالعبادة، وإن لم تتحقق شروط العبادة في كل صورها، فقد يُشبه العالم أن أقوامًا يعبدون قبرًا من باب المبالغة لا من باب التحقيق. ومثله ما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين مرّ على قوم يلعبون الشطرنج، فقال: “ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟!”([31])، فشبّه الشطرنج بالأصنام، ولم يكن مراده تكفيرهم.

كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم»([32])، فسمى محبة المال عبادة له، وهي مبالغة لبيان التعلق القلبي، لا لكونه كفرًا بالضرورة.

وهذا الأسلوب معروف عند أهل العلم، يُستخدم للتقبيح والتقريع، لا لبيان الحكم الشرعي بالكفر على الأعيان.

يقول الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: {وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُم وَلَا يَنفَعُهُم وَيَقُولُونَ هَـٰؤلَاءِ شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ} [يونس: 18]: “ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظَّموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله”([33]).

3- الإنكار المجمل يختلف عن الحكم المُفصَّل: الإنكار المجمل قد يُستخدم فيه التشبيه، أو التغليب، أو التعبير عن خطورة الفعل، كأن يُقال عن من يذبح لغير الله: إنه يعبد غير الله، كما يُقال: “عبد المال” و”عبد الهوى”، وهذا مما جرى به عرف الوعاظ والعلماء قديمًا وحديثًا. أما مقام التحقيق الفقهي والقضائي فيُراعى فيه ضوابط التكفير من توفّر الشروط، وانتفاء الموانع، وقيام الحجة، ولا يُكفّر فيه إلا المُصرّ بعد البيان.

4- التفرقة بين الإسلام المطلق ومطلق الإسلام: تشكِّي الشيخ من غربة الإسلام أو انتشار الشرك إنما يقصد به الإسلام الخالص، لا مطلق دين الإسلام.

ويوضح هذا الشيخ رحمه الله في رسالته لعبد الله بن سحيم بقوله: “فإن عرفت أن الصواب معي، وأن دين الإسلام اليوم من أغرب الأشياء؛ أعني دين الإسلام الصِّرف الذي لا يُمزج بالشرك والبدع، وأمَّا الإسلام الذي هو ضد الكفر، فلا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم، وعليها تقوم الساعة“([34]).

وهذا النص السابق فيه تفصيلٌ بديع، ويرفع الإشكال رأسًا، فهو يقر أن الأمة على دين الإسلام حتى مع وجود الشرك، وأن مقصوده غربة دين الإسلام الخالي من البدع، فبعد هذا البيان لا يحل لأحدٍ أن ينسب إلى الشيخ قولًا هو ينفيه عن نفسه.

5- ما يُنكر على الشيخ من تلك العبارات قد ورد نظيرها عن كثيرٍ من أهل العلم: ومن ذلك ما قاله المُقبلي الكوكباني -وهو يسبق الشيخ بقرن من الزمان- ناقلًا عن بعض أهل العلم في زمانه: “أهلُ الطائف لا يعرفون الله، قد اتَّخذوا ابن عباس إلهًا من دون الله… وليس لهؤلاء من علاج غير السيف، ولكن أهل السيف الآن أجهل خلق الله، وأشدهم اغترارًا بتلك الأساليب، حيوانات مختلفة الطباع من ثعالب وسباع يعمها سلب الفلاح. والله المستعان”([35]).

ويقول المولى الدهلوي الحنفي: “اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح التوحيد الخالص غريبًا، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك، ويدَّعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به”([36]).

فما الفرق بين كلام الإمام الدهلوي وكلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟!

ويقرر الشوكاني أن الشرك قد عم في الأمة بقوله: “إن كثيرًا مما يفعله المعتقدون في الأموات يكون شركًا، قد يخفى على كثيرٍ من أهل العلم، لا لكونه خفيًّا، بل لإطباق الجمهور على هذا الأمر، وشيوعه حتى شبّ عليه الصغير، وشاب عليه الكبير، ولا يرى من ينكره، بل يسمع من يرغب فيه ويحث عليه”([37]).

فالشوكاني يُقِر بإطباق الجمهور على هذا الشرك، ومع ذلك لم يُلزمه أحد بأنه يرى كفر عموم المسلمين، وهو عين ما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ثامنًا: إطلاق تكفير من لم يكفّر المشركين:

هذه من أهم المسائل التي سببت إشكالًا، حيث إن الشيخ رحمه الله أطلق القول بأن من لم يكفر المشركين أو صحح مذهبهم فهو مثلهم، وأن من والى المشركين فهو مثلهم. وهذه قاعدة صحيحة لا غبار عليها قد ذكرها الفقهاء، لكن قد فهم بعض الناس باللوازم أنه يُكفِّر من لم يكفر المُعيَّن من القبورية، وهذا الفهم ليس صحيحًا؛ لأن لازم القول ليس بقول.

لفهم هذا الموضوع لا بد من الرجوع إلى السياق التاريخي لكلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة، فقد كان بعض المحسوبين على العلم في زمن الشيخ يوافقونه على أن عبادة الله وحده هي الأفضل، لكنهم زعموا أن دعاء غير الله والاعتقاد في الصالحين هي مسائل خلافية بين المذاهب الأربعة. واستدلوا ببعض أقوال الفقهاء التي أجازت التوسل والتشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم، وظنوا أن ذلك فيه إباحة لدعاء غير الله، ولذلك توقفوا في تكفير عباد القبور، ومنعوا من الإنكار عليهم.

لكن أوضح الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن التوحيد لا يكتمل إلا بالبراءة من الشرك وأهله، وأن مسألة عبادة غير الله ليست من مسائل الفروع الفقهية، بل من أصول الدين. ومن هنا جاءت عبارته المشهورة: “من لم يُكفِّر المشركين فهو مثلهم”، أي: أن من سوَّغ الشرك الأكبر فهو كافر. والمقصود هنا جنس المقالة لا مجرد الاختلاف في تكفير أشخاص بأعيانهم -كما فهم بعض المعاصرين-.

وقد أساء البعض في العصور الحديثة فهم هذه الإطلاقات، فظنوا أن الشيخ يكفر العاذر بالجهل، وهذا لم يكن مقصوده إطلاقًا، بل إن هذا النوع من الإطلاقات معروف عند علماء السلف، كما قال سفيان بن عيينة: (من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر)، رغم أن القائلين بذلك من المعتزلة كان محكوما بإسلامهم. فالمقصود هو إنكار أصل المقالة، وليس تكفير كل من وقع في التأويل أو الجهل.

نصوص صريحة من أئمة الدعوة تنفي تكفير من لم يُكفِّر المعين:

1- الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “إذا عرفتم ذلك فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم من أهل الخرج وغيرهم مشهورون عند الخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له ويأمرون الناس به، كلهم كفار مرتدون عن الإسلام. ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفرهم، أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلًا فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يُقبل خطه، ولا شهادته، ولا يُصلَّى خلفه”([38]).

فهذا النص يوضح أن الشيخ لم يُطلق التكفير على كل من توقف في تكفير شخص معين، مع أن كلامه فيمن يجادل عن رؤوس الطواغيت المعروفين كتاج وشمسان -ممن يدعون الخوارق وخطاب الملائكة-، فكيف بمن هم دونهم؟! بل فكيف بالعوام الجهال؟! فلو كان الشيخ يُكفر العاذر بالجهل لصرح بذلك، لكنه لم يفعل.

أضف إلى ذلك نصوصَ الشيخ الصريحة في إنكاره أنه يُكفِّر من لم يُكفِّر ولم يقاتل، يقول الشيخ: “وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم:… وأنّا نكفّر من لم يكفّر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه. فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدّون به الناس عن دين الله ورسوله”([39]).

فكيف يُنسب بعد ذلك إلى الشيخ قول هو يُنكره وينفيه عن نفسه؟!

وفي رسالته إلى الشيخ أحمد بن إبراهيم يقول: “وبعد، ما ذكرت من مسألة التكفير، وقولك أبسط الكلام فيها، فلو بيننا اختلاف أمكنني أن أبسط الكلام أو أمتنع، وأما إذا اتفقنا على الحكم الشرعي: لا أنت بمنكر الكلام الذي كتبت إليك، ولا أنا بمنكر العبارات التي كتبت إلي، وصار الخلاف في أناس معينين”([40]).

ففي هذه الرسالة يبيّن ويشرح وجهة نظره لأحد المعارضين الذين يوافقونه على أصل الدعوة، ويخالفونه في تكفير بعض المعينين.

ولو أنه يرى كفر من لا يكفرهم لصرح بتكفير من يُراسله (وهو الشيخ أحمد بن إبراهيم) ولكنه لم يفعل، بل صرح أنهما متفقان على أصل المسألة، وصار الخلاف في أناسٍ معينين؛ ليُثبت له أن الاتفاق بينهما أكبر من الاختلاف.

2- الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ:

للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رسالة نفيسة بعنوان: (الإنكار على من كفَّر المسلمين بغير ما أجمع عليه الفقهاء) يُنكر فيها على نابتة ظهرت تُكفر من لا يكفر بعض أعداء الدعوة مثل جماعة ابن فيروز وغيره.

يقول الشيخ عبد اللطيف رحمه الله مخاطبًا إياهم: “وقد رأيت سنة أربع وستين رجلين من أشباهكم المارقين بالأحساء قد اعتزلا الجمعة والجماعة، وكفّرا من في تلك البلاد من المسلمين، وحجتهم من جنس حجتكم، يقولون: أهل الأحساء يجالسون ابن فيروز، ويخالطونه هو وأمثاله ممن لم يكفر بالطاغوت، ولم يصرح بتكفير جده الذي رد دعوة الشيخ محمد ولم يقبلها وعاداها. قالا: ومن لم يصرح بكفره فهو كافر بالله لم يكفر بالطاغوت، ومن جالسه فهو مثله. ورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالتين ما يترتب على الردة الصريحة من الأحكام، حتى تركوا رد السلام، فرفع إليّ أمرهم، فأحضرتهم وهددتهم، وأغلظت لهم القول. فزعموا أولا أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأن رسائله عندهم، فكشفت شبهتهم وأدحضت ضلالتهم بما حضرني في المجلس، وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب، فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون… وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام فهذا مذهب الحرورية المارقين”([41]).

فلو كان أئمة الدعوة يكفرون العاذر، لما أنكر عليهم الشيخ عبد اللطيف، ولقال: إنهم على الحق، لكنه أوضح أنهم مارقون، وأنهم يشابهون الخوارج في التكفير بغير ضابط.

3- الشيخ أبا بطين رحمه الله:

الشيخ عبد الله أبا بطين من كبار علماء الدعوة، بل هو من المعروفين بتضييق مساحة العذر في مسألة عبادة غير الله، ومع ذلك قدم توضيحًا بالغ الأهمية في هذا الباب.

سئل أبا بطين رحمه الله عمن لا يعرف الإيمان بالله، ولا معنى الكفر بالطاغوت، وهذه حالة الأكثر ممن لدينا يدعي الإسلام، ويلتزم شرائعه الظاهرة، ويزعم حبَّ أهل الحق، وينتسب إليهم على الإجمال، وأما على التفصيل فيبغض أهل التوحيد ويمقتهم، ويرى منهم الخطأ في الأمور التي تخالف عادته وما يعرفه، فيعتقد خلاف ما عرف خطأ؛ لأن الذي في ذهنه أن ما عرف الناس عليه هو الدين، ولا يعرف دليلا يرد عليه، ولا يرعوي ولا يلتفت إليه، لأنه يرى الدين ما تظاهر به المنتسبون، فما حال من هذا وصفه؟ ومنهم كثير يصرحون بالبغض والعداوة لأهل الحق، ويحرصون على اتباع عوراتهم والوقوع في عثراتهم، ونرى مثل هؤلاء الواقع منهم هذا المذكور مع عدم معرفة أصل الإسلام كفارا، لأنهم لم يعرفوا الإسلام أولا، وثانيا: عادَوا أهله وأبغضوهم، ورأوا الدين ما عليه أكثر المنتسبين، فهل رأيُنا فيهم صواب أم لا؟

فأجاب رحمه الله: “إن كان الرجل يقر بأن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند القبور وغيرها، من دعاء الأموات والغائبين، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح، أن هذا شرك وضلال، ومن أنكره هو المحق، ومن زينه ودعا إليه فهو شر من الفاعل، فهذا يُحكم بإسلامه، لأن هذا معنى الكفر بالطاغوت، والكفر بما يعبد من دون الله. فإذا اعترف أن هذه الأمور وغيرها من أنواع العبادة محض حق الله تعالى، لا تصلح لغيره، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلًا عن غيرهما، فهذا حقيقة الإيمان بالله، والكفر بما يعبد من دون الله، قال النبي: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله تعالى». وفرض على كل أحد معرفة التوحيد، وأركان الإسلام بالدليل.

ولا يجوز التقليد في ذلك، لكن العامي الذي لا يعرف الأدلة، إذا كان يعتقد وحدانية الرب سبحانه، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بالبعث بعد الموت، وبالجنة والنار، وأن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند هذه المشاهد باطلة وضلال، فإذا كان يعتقد ذلك اعتقادا جازما لا شك فيه، فهو مسلم وإن لم يترجم بالدليل؛ لأن عامة المسلمين ولو لقنوا الدليل فإنهم لا يفهمون المعنى غالبا.

وذكر النووي في شرح مسلم في الكلام على حديث ضمام بن ثعلبة، قال: قال أبو عمرو بن الصلاح: فيه دلالة لما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون، وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق، جزما من غير شك وتزلزل، خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قرر ضمام على ما اعتمد عليه في معرفة رسالته وصدقه، ومجرد إخباره إياه بذلك، ولم ينكر عليه ذلك، ولا قال: يجب عليك النظر في معجزاتي، والاستدلال بالأدلة القطعية. انتهى.

وأما من قال: إن هذه الأمور التي تفعل عند هذه المشاهد، من دعاء غير الله والنذر والذبح لهم، إن هذا ليس بحرام، فإطلاق الكفر على هذا النوع لا بأس به، بل هذا كفر بلا شك”([42]).

تحليل فتوى أبا بطين رحمه الله:

السؤال كان عن حكم من لا يقر ما يحصل عند القبور إجمالًا، أما عند التفصيل فهو يمقت أهل التوحيد، وينكر الكثير مما هم عليه؛ لأنه يخالف ما اعتاد عليه، بل ويرى الدين في معظم من يخالف أهل التوحيد.

فجاء هذا الجواب الجليل من الشيخ أبا بطين رحمه الله من أن المناط هو اعتباره ما يحصل عند القبور باطلًا وضلالًا، وأنكر ما يفعله القبوريون إجمالًا دون تفصيل، فيُقبل منه هذا الإنكار وهو مُسلم بذلك؛ لأنه ليس كل الناس يفهمون الأدلة، مع أن كلام الشيخ أبا بطين هنا يقتضي أنه لو اعتبر أن هذه الأفعال هي من جنس الحرام عمومًا دون دخول في التفاصيل، فإن هذا يكفي في ثبوت إسلام الرجل؛ لأنه ليس كل الناس يفهمون الأدلة.

الخاتمة:

بعد هذا العرض والبيان يتضح أن تناول إطلاقات أئمة الدعوة النجدية لا يجوز أن يكون بمعزل عن أصول البحث العلمي، ولا بمنأى عن أدوات الفهم الشرعي والمنهجي؛ إذ إن كثيرًا من مواضع الاشتباه التي يقع فيها الغلاة أو الخصوم إنما نشأت من عدم التمييز بين المقامات، أو من اجتزاء العبارات، أو من إسقاطها على غير محلها، دون نظر إلى سياقها أو مقصد قائلها.

وقد بيّنا من خلال هذه الورقة أن أئمة الدعوة رغم ما اشتهر عنهم من عباراتٍ شديدة في الرد على مظاهر الشرك والبدع كانوا يُفرّقون بين مراتب الأفعال، ويُراعون أحوال المخاطَبين، ويدركون الفروق الدقيقة بين الشرك الأكبر والأصغر، والكفر الظاهر والمحتمل، كما أنهم لم يغفلوا الخلاف في بعض مسائل الفروع، ولم يخرجوا عنها عن دائرة الإسلام إلا ما دلّ الدليل عليه.

ولعل أبرز ما نبه إليه هذا البحث أن إطلاقاتهم جاءت في سياق زمني واجتماعي مضطرب، كانت تغلب عليه المظاهر الوثنية والانحرافات العقدية، ما استدعى في كثير من المواطن تغليظ القول وزجر العامة، حفاظًا على أصل الدين ومعالم التوحيد، وهو ما قرره غير واحد من العلماء عبر العصور في مقامات الزجر والردع.

إن الإنصاف المنهجي يقتضي أن يُحكَم على كل كلام في ضوء بيئته ومقصوده ومجمل أقوال قائله، لا على وفق التسرع أو الأهواء. ومن هنا، فإن الدعوة إلى فهم متوازن ومستنير لإرث أئمة الدعوة النجدية لا تعني تبرير الأخطاء، ولكنها تقتضي قراءته قراءة علمية منصفة، لا تقف عند ظاهر اللفظ، بل تنفذ إلى عمق المعنى والسياق.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) تنبيه الرجل العاقل (1/ 349).

([2]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 98).

([3]) المجموع (1/ 50).

([4]) المصدر نفسه (1/ 50).

([5]) الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 332).

([6]) تحفة الطالب والجليس (ص: 145).

([7]) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (28/ 369).

([8]) مدارج السالكين (1/ 530).

([9]) البيان في مذهب الإمام الشافعي (10/ 493-494).

([10]) مؤلفات الشيخ -القسم الثالث: الفتاوى- (ص: 59-60).

([11]) منهاج التأسيس والتقديس (ص: 306).

([12]) منهاج التأسيس والتقديس (ص: 302).

([13]) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (28/ 369).

([14]) فتاوى نور على الدرب (1/ 258).

([15]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 231).

([16]) الإقناع (4/ 333).

([17]) روضة الطالبين (2/ 475).

([18]) مغني المحتاج (4/ 273).

([19]) الأم (9/ 206).

([20]) معالم السنن (2/ 6).

([21]) لسان العرب (5/ 144).

([22]) تاريخ بغداد (1/ 536).

([23]) تاريخ الفاخري (ص: 139).

([24]) تاريخ ابن لعبون (ص: 191).

([25]) الإخوان السعوديون في عقدين (9/ 204).

([26]) البدر الطالع (1/ 182).

([27]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 145).

([28]) الرسائل الشخصية -ضمن مجموع مؤلفات الشيخ- (6/ 125).

([29]) الرسائل الشخصية -ضمن مجموع مؤلفات الشيخ- (6/ 137).

([30]) مجموع مؤلفات الشيخ (5/ 60).

([31]) أخرجه ابن أبي شيبة (26158)، والخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (153)، والآجري في تحريم النرد (107)، والضياء في المختارة (2/ 361/ 744). وصححه ابن حزم في المحلى (9/ 63).

([32]) أخرجه البخاري (2887).

([33]) مفاتيح الغيب (16/ 58).

([34]) الرسائل الشخصية (ص: ٦٦).

([35]) الأبحاث المسددة في فنون متعددة (ص: 158).

([36]) رسالة التوحيد (ص:17-18).

([37]) البدر الطالع (1/ 169).

([38]) تاريخ نجد (ص 310).

([39]) فتاوى ومسائل -ضمن مجموع مؤلفات محمد بن عبد الوهاب- (4/ 11).

([40]) الرسائل الشخصية -ضمن مجموع مؤلفات محمد بن عبد الوهاب- (6/ 204).

([41]) الإنكار على من كفر المسلمين بغير ما أجمع عليه الفقهاء -ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية- (3/ 4).

([42])  الدرر السنية (10/ 406-408).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

موقف الليبرالية من أصول الأخلاق

مقدمة: تتميَّز الرؤية الإسلامية للأخلاق بارتكازها على قاعدة مهمة تتمثل في ثبات المبادئ الأخلاقية وتغير المظاهر السلوكية، فالأخلاق محكومة بمعيار رباني ثابت يحدد مسارها، ويمنع تغيرها وتبدلها تبعًا لتغير المزاج البشري، فحسنها ثابت الحسن أبدًا، وقبيحها ثابت القبح أبدًا، إذ هي تحمل صفات ثابتة في ذاتها تتميز من خلالها مدحًا أو ذمًّا خيرًا أو شرًّا([1]). […]

حجاب الله تعالى -دراسة عقدية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: معرفة الله سبحانه وتعالى هي قوت القلوب، ومحفِّزها نحو الترقِّي في مقامات العبودية، وكلما عرف الإنسان ربَّه اقترب إليه وأحبَّه، والقلبُ إذا لم تحرِّكه معرفةُ الله حقَّ المعرفة فإنه يعطب في الطريق، ويستحوذ عليه الكسل والانحراف ولو بعد حين، وكلما كان الإنسان بربه أعرف كان له أخشى […]

ترجمة الشَّيخ د. عبد الله بن محمد الطريقي “‏‏أستاذ الفقه الطبي والتاريخ الحنبلي” (1366-1446هـ/ 1947-2024م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   اسمه ونسبه([1]): هو الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمود بن محمد الطريقي، الودعاني الدوسري نسبًا. مولده: كان مسقط رأسه في الديار النجدية بالمملكة العربية السعودية، وتحديدا في ناحية الروضة الواقعة جنوبي البلدة (العَقْدَة) -ويمكن القول بأنه حي من […]

ضبط السنة التشريعية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: السنة النبوية لها مكانة رفيعة في التشريع الإسلامي، فهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وهي التطبيق العملي لما جاء فيه، كما أنها تبيّن معانيه وتوضّح مقاصده. وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته، وتحذّر من مخالفته أو تغيير سنته، وتؤكد أن […]

القواعد الأصولية لفهم إطلاقات السلف والتوفيق بينها وبين تطبيقاتهم العملية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُعدّ مسألة التعامل مع أقوال السلَف الصالح من أهمّ القضايا التي أُثيرت في سياق دراسة الفكر الإسلامي، خاصةً في موضوع التكفير والتبديع والأحكام الشرعية المتعلقة بهما؛ وذلك لارتباطها الوثيق بالحكم على الأفراد والمجتمعات بالانحراف عن الدين، مما يترتب عليه آثار جسيمة على المستوى الفردي والجماعي. وقد تعامل العلماء […]

التدرج في تطبيق الشريعة.. ضوابط وتطبيقات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس الناس بالقسط، قال تعالى: ﴿‌لَقَدۡ ‌أَرۡسَلۡنَا ‌رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ﴾ [الحديد: 25] أي: “ليعمل الناس بينهم بالعدل”[1]. والكتاب هو النقل المُصَدَّق، والميزان هو: “العدل. قاله مجاهد وقتادة وغيرهما”[2]، أو “ما يعرف به العدل”[3]. وهذا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017