الاثنين - 20 ذو الحجة 1446 هـ - 16 يونيو 2025 م

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة

تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، ويفد إليها الحجاج والمعتمرون والزائرون للطواف حولها، مما يؤكّد أهميتها الدينية ومركزيتها في الشعائر الإسلامية.

إن تعظيم الكعبة من تعظيم شعائر الله، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. ويتجلى هذا التعظيم في احترام قدسيتها، والالتزام بأحكامها الشرعية، وتجنب أيّ ممارسات أو تصرّفات تتنافى مع مقاصد الشريعة. ويؤكد القرآن الكريم هذا المفهوم في قوله تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125]، حيث أشارت الآية إلى أمر إلهي بتطهير البيت الحرام، وهو تطهير تعبدي يشمل بُعدين رئيسين:

  1. التطهير الحسي: ويشمل تعاهد البيت بالتنظيف وحفظه من التلويث، مع مراعاة قداسته وحرمته، وهو واجب على كل مسلم، وليس خاصًّا بإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
  2. التطهير المعنوي: ويتمثل في تنزيهه من الشرك وعبادة غير الله، والدعاء لغيره، كما قام النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الكعبة من الأصنام التي كانت حولها وعلى الصفا، مما يُؤكد أن التطهير هنا أوسع من مجرد إزالة النجاسات، بل يشمل كل ما قد يلوّث قدسية البيت الحرام، سواء كان ماديًّا أو معنويًّا.

إلا أنه قد ظهرت عبر العصور بعض البدع والمخالفات التي أُلحقت بمحيط الكعبة وشعائرها، سواء من خلال تصوراتٍ خاطئة أو ممارسات غير مشروعة، مما يستدعي إبراز خطورة هذه الظواهر، وتسليط الضوء على أثرها في تشويه مفهوم التعظيم الحقيقي.

تهدف هذه الورقة العملية من مركز سلف للبحوث والدراسات إلى رصد أبرز البدع العقدية والمخالفات العمليّة التي نشأت حول الكعبة المشرّفة، لتسهم في تعزيز الفهم الصحيح لمفهوم التعظيم، بما يحقق المحافظة على نقاء الشعائر من أيّ انحراف، ويضمن استمرار أداء العبادات المرتبطة بالكعبة وفق الضوابط الشرعية الصحيحة.

 

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

أولًا: البدع الاعتقادية المرتبطة بالكعبة:

1- الحلف بالكعبة:

يُعَدُّ الحلف بالله وحده من مقتضيات التوحيد الخالص، إذ إن القَسَم يُعبر عن تعظيم المحلوف به، والتعظيم المطلق لا يكون إلا لله عز وجل. ولهذا جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة تنهى عن الحلف بغير الله، إذ إنه يتضمن صورةً من التعظيم الذي قد يؤدّي إلى الوقوع في إحدى صور الشرك بحسب نية الحالف ومقصده.

وقد دلت الأحاديث النبوية الصحيحة على النهي الصريح عن الحلف بغير الله، وهو نهيٌ يفيد التحريم، وليس مجرد الكراهة، إذ إن تعظيم غير الله بالحلف قد يُفضي إلى مساواة غيره به في التعظيم، وهو منافٍ للعقيدة الصحيحة.

قال ابن القيم رحمه الله: “ومن الكبائر: الحلف بغير الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حلفَ بغيرِ اللَّهِ فقد أشرَكَ»([1])، وقد قصّر ما شاء أن يقصر من قال: إن ذلك مكروه، وصاحب الشرع يجعله شركًا؛ فرتبته فوق رتبة الكبائر”([2]).

وقد بيّن العلماء أن هذه المسألة تأخذ حكم الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف أن المحلوف به يملك القدرة على التأثير في الأمور، أو أن له من المكانة ما يستحقّ به هذا القسم. وأما إن كان الحلف بغير الله دون اعتقاد المضاهاة لله، ولكنه أقدم عليه تعظيمًا للشيء المحلوف به، فهو شركٌ أصغر؛ لأنه وسيلةٌ إلى الشرك الأكبر، وقد نهى عنه الشرع سدًّا للذرائع([3]).

ولم يكن هذا المفهوم غائبًا عن الصحابة الكرام، بل كانوا شديدي الحرص على النهي عن أي مظاهر الغلو، خاصةً تلك التي قد تفتح باب الانحراف العقدي. وقد وردت عنهم مواقف صريحة تدل على مدى إنكارهم للحلف بالكعبة. ومن أبرز هذه المواقف:

– ما ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أنكر على عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عندما قال أثناء السباق: “سبقته والكعبة”.

عن ابن الزبير رضي الله عنهما يخبر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان بالمخمص من عسفان استبق الناس، فسبقهم عمر رضي الله عنه، قال ابن الزبير رضي الله عنهما: فنهزت فسبقته، فقلت: سبقتك والكعبة، قال: ثم نهز فسبقني، فقال: سبقتك والله، قال: ثم نهزت فسبقته، فقلت: سبقتك والكعبة، ثم نهز فسبقني الثانية، فقال: سبقتك والله، قال: ثم أناخ فقال: أرأيت حلفك بالكعبة، والله لو أعلم أنك فكّرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله، فأثم وابرر([4]).

– كما جاء عنه رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يحلف بالكعبة، فضربه نهيًا له عن هذا الفعل، ثم خاطبه بعبارة تحمل دلالة عقدية عميقة.

عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلًا حلف بالكعبة، فضربه وتكلّم ثم قال: (الكعبة تطعمك؟! الكعبة تسقيك؟!)([5]).

– وكذلك ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ سمعت امرأة تحلف بالكعبة، فقالت لها بلهجة الإنكار والاستهجان: أرأيتك هيه؟!([6]). أي: هل تظنين أن الكعبة تستحق أن يُحلف بها؟! مما يدل على إدراك الصحابة خطورة هذا الفعل حتى في أبسط صوره.

2- بدعة العروة الوثقى والمسمار في وسط البيت:

عمد بعض الجهلة إلى ابتداع طقوس لا أصل لها في الدين، مما أدى إلى انحراف بعض الناس عن الهدي النبوي الصحيح. ومن بين تلك البدع التي انتشرت في القرن السابع الهجري ما ذكره أبو عمرو ابن الصلاح (ت 643هـ) في كلامه عن بدعة العروة الوثقى والمسمار في وسط البيت، حيث وصف أثرهما السلبي على العامة، وخطورتهما على العقيدة والسلوك.

قال ابن الصلاح: (وقد ابتدع من قريب بعض الفجرة المحتالين في الكعبة المكرمة أمرين باطلين، عظُم ضررهما على العامة.

أحدهما: ما يذكرونه من العروة الوثقى، عمدوا إلى موضع عال من جدار البيت المقابل لباب البيت، فسموه بالعروة الوثقى، وأوقعوا في قلوب العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى، فأحوجوهم إلى أن يقاسوا في الوصول إليها شدة وعناء، ويركب بعضهم فوق بعض، وربما صعدت الأنثى فوق الذكر، ولامست الرجال ولامسوها، فلحقهم بذلك أنواع من الضرر دينًا ودنيا.

والثاني: مسمار في وسط البيت، سمَّوه: سرَّة الدنيا، وحملوا العامة على أن يكشف أحدهم عن سرته وينبطح بها حتى يكون واضعًا سرته على سرة الدنيا. قاتل الله واضعَ ذلك ومختلقه وهو المستعان)([7]).

وقد تصدى العلماء والولاة لهذه البدع، ففي سنة (701هـ) أزيلت البدعة التي كانت بالكعبة الشريفة يقال لها: العروة الوثقى، قال ابن فهد (ت 885هـ): (وسبب ذلك أن الصاحب زين الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن حِنا قدم إلى مكة في أثناء هذه السنة، فرأى هذه البدعة؛ فأمر بقلع ذلك المثال، وأزيلت تلك البدعة ولله المنّة)([8]).

وفي سنة (702هـ) سعى الأمير بيبرس الجاشنكير عند الملك الناصر صاحب مصر بأن بمكة المشرفة جملة من البدع، منها الأذان بـ(حي على خير العمل)، ومنها إمام زَيْدي بالمسجد الحرام، ومنها ما يسمى بالعروة الوثقى، فكتب صاحب مصر صحبة أمير الركب يأمر الأشراف أبا الغيث وعُطيفة أمراء مكة ألا يمكّنوا من الأذان بـ(حيّ على خير العمل)، ولا يتقدم في الحرم إمام زيديّ، وألا يهبط الحاج حتى ينقضوا ما كان في الكعبة مما سمّوه العروة الوثقى، ولا يمكَّن أحدٌ من مسّ المسمار الذي في الكعبة الذي يُقال له: سرة الدنيا، وكان يحصل من التعلّق بالعروة ومن التسلق إلى المسمار عدة مفاسد قبيحة، فترك ذلك كله، وقد تقدم في السنة قبلها إزالة العروة([9]).

3- اعتقاد أن حمام مكة لا يطير فوق الكعبة:

من بين المعتقدات الشائعة التي حيكت حول الكعبة منذ القدم، ولا تستند إلى دليل شرعي أو ملاحظة واقعية: القول بأن حمام مكة لا يطير فوق الكعبة احترامًا لقدسيتها، وإن سقط عليها فذلك بسبب علة أو مرض أصابه.

نقل الجاحظ (ت 255هـ) وغيره عن تعظيم الحمام لحرمة البيت الحرام أنّ أهل مكة يشهدون عن آخرهم أنّهم لم يروا حمامًا قطّ سقط على ظهر الكعبة، إلّا من علة عرضت له([10]).

وناقش المؤرخ الكُردي (ت 1400هـ) هذا الادعاء، وبيَّن رحمه الله أن هذا الاعتقاد غير صحيح لعدة أسباب:

الملاحظة المباشرة: فقد شوهد حمام الحرم يحطّ فوق سطح الكعبة، كما وثّقه الكردي من خلال عدة صور فوتوغرافية أوردها في مؤلفاته، والتي تظهر جلوس الحمام على سطح الكعبة وطيرانه فوقها.

غياب الدليل اللغوي والتواصلي: حيث أشار إلى أننا لا نملك وسيلة لفهم لغة الحمام، كما أنه لا يفهم لغتنا، فكيف يمكننا الجزم بأنه يمتنع عن الطيران فوق الكعبة احترامًا لقدسيتها؟!

التناقض المنطقي في القول بالاستشفاء: إذ لو كان وقوع الحمام على الكعبة بدافع إدراكه لقدسية المكان أو طلبًا للاستشفاء، فكيف يمكن تفسير سقوط فضلاته على سطح الكعبة وكسوتها وأرض المسجد الحرام؟! وهو سلوك لا ينسجم مع فكرة احترام المكان أو استشعار قداسته([11]).

4- خرافة عدم حكاية ما يُرى في الكعبة والنظر إلى سقفها:

من العادات التي شاعت بين العامة اعتقادُهم أنّ من دخل الكعبة لا يجوز له أن يحدّث أحدًا بما رآه داخلها، ومن نظر إلى سقفها أصيب بالعمى! وهي خرافات لا أصل لها في الشرع، ولا سند لها في الواقع، بل هي أوهام نسجَها الخيال وتوارثتها الأجيال بلا دليل.

وقد أشار العلماء إلى خطورة مثل هذه الاعتقادات، إذ إنها تُدخل العوام في دائرة التعلق بالأساطير والابتعاد عن الفهم الصحيح للدين، كما قال المؤرخ محمد طاهر الكردي r (ت: 1400هـ): “وهذا كله لا أصل له، وهو كلام فارغ، ووسواس من الشيطان، فينبغي التحرّز من مثل هذه الأوهام والتخيلات”([12]).

ومن الطرائف التي تعكس انتشار هذه الخرافة ما ذكره الأديب المصري إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه “رحلة الحجاز” التي كانت تقريبًا سنة (1348هـ)، حيث روى كيف أن والدته حذرته من الحديث عما رآه داخل الكعبة، رغم أنه أكد لها أنها خالية تمامًا، لكنها أصرت على موقفها قائلة: “أيوه خليك على كده… كل من سألك عنها تقول له: لم أر شيئًا”.. إلى أن قال: وها أنا ذا أقول للقراء: إن الكعبة لا شيء فيها، فليصدقوا أو لا يصدقوا، وليكونوا كأمي، وليدعوا لي أو فليضنوا عليَّ بالدعاء كما يشاؤون([13]).

إن مثل هذه البدع والخرافات تُشوّه معاني التوحيد الصافي، وتحوّل الشعائر الدينية إلى طقوس محاطة بالأوهام، مما يستوجب التوعية والتصحيح استنادًا إلى الوحي والعقل، حتى يبقى تعظيم الكعبة في إطاره المشروع، دون إضافات لا دليل لها من كتاب أو سنة.

5- الفلاسفة وسر انجذاب الناس للكعبة:

ظل بيت الله الحرام على مرّ العصور محطَّ أنظار البشرية، وقبلة تتوجه إليها القلوب قبل الأجساد، مما دفع بعض الفلاسفة والمنجمين وأصحاب النظرة المادية إلى محاولة تفسير سرّ ارتباط الناس بالحج إلى الكعبة المشرفة. وقد عجزوا عن إدراك البُعد الإيماني والتعبدي الذي يجعل المسلمين يفدون إليها من كل بقاع الأرض، فلجؤوا إلى افتراضات بعيدة عن الحقيقة، مبنية على تصورات خاطئة أو مفاهيم باطلة.

أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن أمر الكعبة المشرفة أدهش الفلاسفة والمنجمين والطبيعيين، وأثار حيرتهم، حيث تساءلوا عن السر وراء توجه الناس إليها لأداء الحج. ولمّا عجزوا عن فهم طبيعة هذه العبادة المبنية على الامتثال لأمر الله والتسليم لحكمه، نسجوا حولها خرافات وتفسيرات مغلوطة.

فقد زعم بعضهم أن تحت الكعبة بيتًا يضم صنمًا يُبَخَّر، ويصرف وجهه إلى الجهات الأربع، ليقبل الناس إلى الحج. بينما تساءل آخرون بقولهم: “ليت شعرنا ما هو الطلسم الذي صنعه إبراهيم الخليل حتى صار الأمر هكذا؟!”([14])، في محاولة منهم لتفسير الظاهرة بطريقة تتماشى مع تصوراتهم السطحية حول الأسباب المادية والتأثيرات الغامضة، دون إدراك حقيقة أن الله c أخبرنا في كتابه العزيز أنه جعل البيت الحرام موضعًا يتكرر شوق الناس إليه، فلا يكادون يفارقونه حتى تعود أفئدتهم تهوي إليه، وتتطلع قلوبهم لزيارته من جديد، تحقيقًا لدعوة نبيه إبراهيم عليه السلام حين قال: {وَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]. وقد جاء التأكيد على هذه الحقيقة في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]. ذكر السلف الصالح -ومنهم ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير رحمهم الله- أن الله سبحانه لو قال في كتابه: “أفئدة الناس” بدلًا من {أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ} لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال: {مِنَ النَّاسِ} فاختص به المسلمون([15]).

فالله تعالى بحكمته قال: {وَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، فجاءت “من” هنا للتبعيض، أي: أن هذا الحب الفطري والانجذاب الروحي خُصِّص به المسلمون وحدهم دون غيرهم من الأمم، فجعل الله قلوب أهل الإيمان تهوي إلى الكعبة، وتتعلق بها شوقًا وتعظيمًا وإقبالًا على العبادة.

6- خرافة مفتاح الكعبة وأثره في إطلاق اللسان:

ارتبطت بعض العادات الشعبية في رحاب الحرمين الشريفين بموروثات تناقلتها الأجيال، حيث نُسجت حول الأماكن المقدسة تصورات جعلتها في نظر البعض مفاتيح للشفاء والتيسير، حتى وإن لم تستند إلى دليل شرعي. ومن بين هذه العادات ذاك الاعتقاد الذي شاع بين بعض أهل مكة والمدينة بأن ملامسة مفاتيح الكعبة المشرفة أو الحجرة النبوية قد تكون سببًا في إطلاق ألسنة الأطفال الذين تأخر نطقهم، وكأن لهذه المفاتيح قوة خفية تمنح البيان لمن استعصى عليه النطق.

ذكر المؤرخ تقي الدين الفاسي (ت 832هـ) نقلًا عن الفاكهي: (كان من سنن المكيين وهم على ذلك إلى اليوم إذا ثقل لسان الصبي وأبطأ كلامه عن وقت عادته جاؤوا به إلى الحجبة، وسألوهم أن يدخلوا مفتاح الكعبة في فمه، فيأخذونه الحجبة فيدخلونه خزانة الكعبة، ثم يغطون وجهه، ثم يدخل مفتاح الكعبة في فمه، فيتكلم وينطلق لسانه، ويتكلم سريعًا بإذن الله، وذلك مجرب إلى وقتنا هذا). ثم قال الفاسي: وأهل مكة يفعلون ذلك إلى الآن([16]).

وقد توسع بعضهم وجعلوه عامًّا في الصغار، قال الحطاب (ت 954هـ): (ولا يخصون بذلك من ثقل لسانه، بل يفعلون ذلك بالصغار مطلقًا تبركًا بذلك، ورجاء أن يمن عليه بالحفظ والفهم، وقد فعل ذلك بنا آباؤنا وفعلناه بأولادنا، والحمد لله على ذلك)([17]).

وقد امتدت هذه الممارسات إلى المدينة النبوية، والغريب أن التدرج في التوسع قد أخذ مجراه كذلك([18]).

7- حقيقة قبور الأنبياء حول الكعبة المشرفة:

تناقل بعض الإخباريين في كتب تاريخ مكة روايات تزعم أن عددًا من الأنبياء عليهم السلام دُفنوا داخل المسجد الحرام، إلا أن هذه الأخبار لم تثبت بسند صحيح. وقد اختلفت المصادر في تحديد مواضع هذه القبور، فمنهم من قال: إنها في الحجر، ومنهم من قال: بين الركن اليماني والحجر الأسود، أو بين المقام وزمزم، أو حول الكعبة.

وقد تباينت الأقوال حول عدد الأنبياء المدفونين في الحرم، فقيل: ألف نبي، كما ذكر ابن الضياء الحنفي (ت 854هـ)([19])، وقيل: ثلاثمائة نبي، كما ورد عن الحسن البصري([20]) والفاكهي([21])، بينما روى عبد الله بن ضمرة السلولي أن هناك تسعة وتسعين نبيًّا دفنوا بين المقام والركن وزمزم، ومنهم هود وشعيب وصالح وإسماعيل عليهم السلام([22]). وهناك روايات أخرى تذكر تسعين نبيًّا مدفونين بين زمزم والركن اليماني، كما نقل عثمان ومقاتل([23])، وقيل غير ذلك([24]).

وجميع هذه الروايات إما ضعيفة أو موضوعة، ولا يمكن الاستدلال بها على جواز بناء المساجد على القبور أو التبرك بهذه المواضع. فقد أكد المحدث الشيخ الألباني r أنه: “لم يثبت في حديث مرفوع أن إسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام، ولم يرد شيء من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب الستة ومسند أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة، وغيرها من الدواوين المعروفة، وذلك من أعظم علامات كون الحديث ضعيفًا بل موضوعًا عند بعض المحققين، وغاية ما في ذلك آثار معضلات بأسانيد واهيات موقوفات أخرجها الأزرقي في (أخبار مكة) فلا يلتفت إليها، وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلَّمات”([25]).

ولأجل ضعف الروايات الواردة في هذا الباب قال ابن تيمية رحمه الله: (ليس في الأرض قبر اتفق الناس على أنه قبر نبي غير قبره صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفوا في قبر الخليل وغيره)([26]). وقال ابن الجزري: (لا يصح تعيين قبر نبي غير نبينا عليه الصلاة والسلام، نعم قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في تلك القرية لا بخصوص تلك البقعة)([27]).

ومن الممارسات التي نشأت بسبب هذه الأخبار الواهية اعتقاد بعض الناس بقدسية مواضع معينة داخل المسجد الحرام، وتحري الصلاة عندها بغرض التبرك، خصوصًا في الحجر، حيث زُعم أن قبر إسماعيل عليه السلام ووالدته هاجر هناك. فقد أشار ابن جزي إلى أن بعض الناس يقصدون هذا الموضع للتبرك، بناءً على هذه الروايات الضعيفة([28]). كما ذكر ابن جبير أن الناس يتبركون بالصلاة في هذه المواضع ظنًّا منهم أن أجساد الأنبياء المقدسة مدفونة تحتها([29]).

8- خرافة زيارة الكعبة للأولياء:

يُعد كتاب “عقائد النسفي” أحد المصنفات العقدية في المذهب الماتريدي، وهو من تأليف نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد النسفي الحنفي (ت 537هـ)، أحد علماء سمرقند البارزين. وعلى الرغم من انتشاره الواسع واعتماده في التدريس، إلا أنه يحوي جملة من المخالفات العقدية التي تتعارض مع أصول التوحيد النقي، كما هو معلوم عند أهل السنة والجماعة.

أحد أبرز الإشكالات الواردة في هذا الكتاب ما نقله ابن عابدين في حاشيته عن شرح التفتازاني على عقائد النسفي، حيث ذكر أن الإمام النسفي سُئل عن صحة ما يُحكى بأن الكعبة كانت تزور أحد الأولياء، فأجاب قائلًا: “نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة“([30]).

وهذا القول يتضمن إثبات إمكان تنقل الكعبة المشرفة لزيارة أحد الأولياء، وهو تصور باطل شرعًا وعقلًا، لا يحتاج إلى رد مفصل، إذ يكفي وضوح فساده بذاته، لما فيه من تجاوز لحدود السنن الكونية والمعاني العقدية الصحيحة.

9- هل يصعد دخان البيت مستقيمًا؟

من الروايات المتعلقة بالكعبة المشرفة وهي ظواهر خارقة للعادة، وتدخل في إطار المبالغات أو المعتقدات التي لا تستند إلى دليل علمي: ما نُقل عن عمرو بن ميمون أنه قال: “رأيت دخان البيت لا يميل إلى اليمين أو اليسار، ولا يتجه إلى الأمام أو الخلف، بل يصعد مستقيمًا نحو السماء”. وقد فُسِّر ذلك بأن المقصود هو أن الدخان لا ينحرف في أي اتجاه، بل يرتفع عموديًّا بشكل مستقيم([31]).

وفي هذا السياق أشار المؤرخ الفاسي إلى احتمال أن يكون المقصود بالدخان دخان البخور الذي يُستخدم في تجمير الكعبة([32]).

لكن من الناحية الواقعية فإن هذا القول غير صحيح، وغير مطابق لما يُشاهد فيزيائيًّا، حيث يتأثر الدخان بحركة الهواء واتجاه الرياح، مما يجعل ادعاء استقامته المطلقة أمرًا يتعارض مع القوانين الطبيعية المعروفة.

10- تأثير اتجاه المطر عند الكعبة على خصب البلدان:

سعت المجتمعات القديمة إلى ربط الظواهر الطبيعية بالمستقبل الاقتصادي والزراعي، حيث اعتقد الناس أن المطر يحمل إشارات حول الخصب والجفاف في المناطق المختلفة. ونتيجة لذلك نشأت تفسيرات عديدة حول اتجاه نزول المطر على الكعبة المشرفة وعلاقته بمواسم الخير والرخاء، وهي اعتقادات تداولها بعض العلماء والمؤرخين في كتبهم، مستندين إلى مرويات قديمة أو اجتهادات شخصية.

فقد أورد المؤرخ تقي الدين الفاسي نقلًا عن ابن الحاج أن بعض المفسرين ذهبوا إلى أن اتجاه هطول المطر عند الكعبة المشرفة قد يدل على خصب مناطق معينة، فكانوا يعتقدون أنه إذا نزل الغيث ناحية الركن اليماني فإن الخصب يعم اليمن، وإذا وقع ناحية الركن الشامي فإن الشام ستنعم بموسم جيد، أما إذا عمّ البيت كله فهو بشارة بخصب عام يشمل جميع البلدان. وقد وافق المحب الطبري على هذا القول، وأورده بمعناه([33]).

أما المؤرخ ابن الضياء الحنفي فقد أشار إلى أن هذا الاعتقاد كان متداولًا قديمًا وحديثًا بين الناس، مضيفًا أنه إذا لم يصب المطر أحد جوانب الكعبة فقد يشير ذلك إلى نقص في الخصب في المنطقة التي يقابلها خلال تلك السنة([34]).

ولم يقتصر تداول هذا الاعتقاد على المؤرخين فحسب، بل تناقله الرحالة الذين زاروا مكة، ومن بينهم الرحالة الحضيكي المغربي (ت 1189هـ)، الذي أورد هذا المفهوم ضمن ملاحظاته عن العادات والتقاليد المرتبطة بالحرم المكي والمناخ([35]).

يرجع هذا الاعتقاد إلى محاولة الناس استقراء الظواهر الطبيعية وربطها بالأوضاع الاقتصادية والزراعية، وهو اتجاه كان شائعًا في العصور القديمة، حيث اعتمدت بعض المجتمعات على العلامات المناخية في توقع الأحوال المستقبلية. ومع ذلك فإن العلم الحديث يوضح أن اتجاه هطول المطر لا يرتبط بخصب منطقة معينة؛ لأن عوامل الخصوبة الزراعية تعتمد على مجموعة من العوامل المناخية والتضاريسية، وليس فقط على اتجاه نزول المطر في وقت معين.

ومن الناحية الشرعية لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية ما يدل على صحة هذا الاعتقاد، مما يجعله مجرد رأي لا يستند إلى نص شرعي. وقد يكون هذا المعتقد ناتجًا عن تقاليد وموروثات ثقافية لا علاقة لها بالتوجيهات الدينية الصحيحة، ولذلك لا ينبغي الاعتماد عليه في توقع الأحوال المستقبلية، بل يجب رد الأمور إلى السنن الكونية الثابتة التي وضعها الله في الكون.

ثانيًا: البدع العملية المرتبطة بالكعبة المشرفة:

1- إدخال الأيدي في حلقات الشاذروان:

من بين الممارسات الخاطئة لدى الطائفين: إدخال الأيدي في حلقات الشاذروان أثناء الطواف، ظنًّا منهم أنها جزء من الشعائر التعبدية، أو أنها تحقق لهم البركة والقرب من الله.

فهي من البدع التي انتشرت بين بعض العوام حول الكعبة المشرفة، وقد أشار الرحالة اليوسي (ت: 1131هـ) إلى أنه رأى في الشاذروان ثلاثًا وأربعين حلقة، كان العامة يدخلون أيديهم فيها أثناء الطواف، معتقدين أن ذلك من الواجبات التي لا يصح الطواف بدونها([36]).

كما أورد الرحالة الحضيكي أن الناس أطلقوا على هذه الحلقات اسم: “العروة الوثقى”، مما زاد من ارتباطهم بها اعتقاديًّا، حتى ظن بعضهم أن ملامستها أو إدخال اليد فيها يُحقق لهم نوعًا من القرب والارتباط الروحي بالكعبة. وقد نبه الحضيكي إلى بطلان هذا الفعل([37]).

2- التبرك بماء الميزاب عند نزول المطر:

يُعَدّ التبرك بالماء النازل من ميزاب الكعبة من الممارسات التي انتشرت بين الناس عبر العصور، حيث اعتقد الكثيرون أن هذا الماء يحمل بركة خاصة لكونه يسقط من بيت الله الحرام. وقد وثّق بعض الرحالة والمؤرخين هذه الظاهرة، حيث نقلوا مشاهد ازدحام الناس تحت الميزاب، وتسابقهم للتعرض للماء النازل منه، بل وسعيهم لجمعه والتبرك به. وعلى الرغم من أن المطر بحد ذاته نعمة من الله تعالى، إلا أن تخصيص الماء النازل من الميزاب ببركة خاصة لا يستند إلى دليل شرعي معتبر.

أورد الرحالة ابن جبير (ت: 614هـ) في رحلته مشهدًا من مشاهد التبرك بالماء النازل من ميزاب الكعبة أثناء هطول المطر، حيث وصف اندفاع الناس إلى الحجر وازدحامهم تحت الميزاب وهم يتجردون من ثيابهم ليتلقوا الماء على رؤوسهم وأيديهم وأفواههم، اعتقادًا بأنه ماء مبارك يحمل لهم نصيبًا من رحمة الله. وقد أحدث هذا المشهد ضوضاء عظيمة نتيجة التنافس على الوقوف تحت الميزاب، فيما كانت النساء يقفن خارج الحجر يتابعن المشهد بعيون دامعة وقلوب خاشعة، متمنيات أن يحظين بنفس الفرصة. ويضيف ابن جبير أن بعض الحجاج كانوا يبلّون ثيابهم بهذا الماء ويعصرونه في أيدي النساء ليشربنه أو يمسحن به وجوههن وأبدانهن، في مشهد يعكس مدى التعلق بهذا الماء باعتباره وسيلة للبركة والرحمة([38]).

أما الرحّالة ابن رشيد (ت 721هـ) فقد وصف ظاهرة مشابهة عند طوافه بالبيت أثناء المطر، حيث كان الميزاب يفيض بالماء بغزارة، فيسارع الناس إلى الحجر ويتزاحمون فيه حتى امتلأ بمن داخله، فيما كان من لم يستطع الدخول يطلب من غيره أن يعصر له ثوبه ليحصل على بعض هذا الماء المبارك. كما نقل عن أحد شيوخه أن قراءة القرآن أثناء الطواف عند نزول المطر مستحبة، لكونها تجمع بين بركات ثلاثة مواضع ورد ذكرها في القرآن الكريم، وهي: بركة البيت الحرام في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: 96]، وبركة القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: 92]، وبركة ماء المطر في قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق: 9]([39]).

3- بدع مراسم غسل الكعبة في العصور الغابرة:

عند التأمل في مراسم غسل الكعبة المشرفة في عصرنا الحاضر يتضح مستوى التنظيم الدقيق الذي يُراعى فيه تحقيق الطهارة، والمحافظة على نظافتها، وتطييب جدرانها، مع الحرص على الالتزام بالتعليمات التي تمنع ارتكاب المخالفات الشرعية أو الممارسات البدعية. ولكن بالنظر إلى الروايات التاريخية نجد أن تلك المراسم في العصور الماضية لم تكن تخلو من بعض الممارسات التي لا تستند إلى أصل شرعي، بل كانت تمتزج ببعض العادات والاعتقادات التي أضفت عليها طابع الغلو. فمن روايات المؤرخين حول مراسم غسل الكعبة قديمًا:

١- رواية ابن جبير:

يذكر الرحالة ابن جبير أن السدنة كانوا يقومون بغسل الكعبة بماء زمزم، خصوصًا بعد دخول النساء إليها مع أطفالهن، خشية وقوع أي تلوث داخلها. لكن الغريب في الأمر أن هذا الماء كان يُستخدم للتبرك، حيث كان الرجال والنساء يبادرون إلى غسل وجوههم وأيديهم به، بل كانوا يجمعونه في أوانٍ خاصة لحمله معهم، دون مراعاة أن الغسل كان بغرض التطهير وليس التبرك.

ثم أشار ابن جبير إلى أن هناك من كان يمتنع عن التبرك بهذا الماء، أو على الأقل يتردد في ذلك؛ لأنهم كانوا يرون أن الماء المستخدم في التنظيف لا يُتبرك به، وأن العقل لا يجيز هذا التصرف، لأنه ماء استُخدم في إزالة الأوساخ والشوائب.

دفاع ابن جبير عن التبرك بالماء:

والغريب في الأمر أنه رغم أن البعض كان يعترض على هذا الفعل، إلا أن ابن جبير نفسه يبدو مدافعًا عنه، حيث يستنكر هذا التردد ويطرح تساؤلًا غريبًا، مفاده: كيف لا يكون ماء زمزم المبارك جديرًا بأن تتلقاه الأفواه وتغمس فيه الأيدي والوجوه -بل حتى الأقدام- وهو الماء الذي جرى داخل الكعبة وغمر أركانها المقدسة؟! ويؤكد أن لا علة تمنع منه، ولا شبهة في التبرك به، معتبرًا أن النيات في ذلك مقبولة عند الله، وأن الاجتهاد في تعظيم شعائر الله موصل إلى رضاه، وهو وحده العليم بالسرائر([40]).

٢- رواية الشيخ حسن عبد القادر الشيبي في هامش “الإتمام على أعلام الأنام”:

يشير الشيخ الشيبي إلى أن الأمراء والقائمين على مراسم الغسل كانوا يرمون المكانس التي استُخدمت في تنظيف الكعبة إلى الحجاج الواقفين عند بابها بقصد التبرك بها، كما كان أحد سدنة الكعبة يقوم بالدعاء للحاضرين، ثم تُختتم مراسم الغسل، ويُعاد تعطير البيت الحرام وتبخيره قبل إغلاق الباب([41]).

٣- رواية اللواء إبراهيم رفعت باشا:

أما إبراهيم رفعت باشا (ت 1353هـ) فقد وصف مراسم الغسل التي شهدها بنفسه خلال العهد العثماني، مشيرًا إلى أن عملية تنظيف الكعبة كانت تتم باستخدام مقشات صغيرة مصنوعة من خوص النخيل، ثم كان المشاركون يمسحون جدران الكعبة بقطع قماش مبللة بماء الورد والروائح العطرية. ولكن أكثر المظاهر البدعية التي لاحظها هي التهافت الشديد على أخذ مياه الغسل، حيث كان المطوفون يجمعونه في قوارير ويوزعونه على الحجاج الذين كانوا يعتبرونه ماءً مباركًا، بل وصل الأمر إلى أن البعض كان يتصارع على الحصول على المقشات المستخدمة في الغسل، ويتباركون بها، ويمسحون بها وجوههم وأجسادهم، ومنهم من كان يعصر المنشفة التي استُخدمت في الغسل ليحصل على أي قطرة ماء متبقية فيها!([42]).

من خلال هذه الروايات يتضح أن غسل الكعبة في العصور الماضية لم يكن مجرد عملية تنظيف، بل تحوّل إلى طقس يمارس فيه بعض الناس مظاهر بدعية تتعارض مع المفهوم الشرعي للتطهير. فمن المعلوم أن الماء المستخدم في إزالة الأوساخ والشوائب لا يُتبرك به، ولا يُستعمل كوسيلة لنقل البركة، إذ لم يرد في الشرع دليل يجيز مثل هذه التصرفات.

كما أن التهافت على أدوات التنظيف وجمع المياه المستخدمة يُظهر تأثر الناس بالمفاهيم غير الصحيحة حول التقديس، وهو ما يتنافى مع توجيهات الإسلام التي تؤكد أن البركة فيما شرعه الله، وليس فيما يعتقده الناس بناءً على العادات والممارسات غير المستندة إلى دليل.

والحمد لله الذي قضى على هذه المظاهر في عصرنا الحاضر، وجعل مراسم غسل الكعبة تتوافق مع مكانتها وقدسيتها، دون أن تُمارس فيها أي أعمال تستوجب التحذير والتنبيه.

4- بدعة استدبار الكعبة للدعاء:

الدعاء عبادة عظيمة لها آدابها وأحكامها المستمدة من الكتاب والسنة، ومن أبرزها استقبال القبلة أثناء الدعاء، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. إلا أن بعض الممارسات المبتدعة تسربت إلى هذا الجانب من العبادة، ومن ذلك استدبار الكعبة أثناء الدعاء، والتي تنبع من تصورات خاطئة حول بركة مواضع معينة أو اتجاهات محددة.

فمن البدع التي أشار إليها المؤرخ ابن الضياء الحنفي وقوف بعض الناس في فتحتي الحِجْر مستدبرين الكعبة، متوجهين بوجوههم إلى جهة يُظَنُّ أنها موضع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يرفعون أصواتهم بالدعاء([43])؛ ظنًّا منهم أن استدبار الكعبة واستقبال موضع النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الدعاء أفضل أو أكثر بركة، وهي ممارسة لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، بل تخالف الهدي النبوي.

وقد نبه على هذا السلوك المؤرخ ابن ظهيرة (ت 986هـ) محذرًا من هذه العادة التي انتشرت بين العوام، حيث يقفون في فتحتي الحِجْر بقصد إلقاء السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستدبرون الكعبة أثناء الدعاء، وهو أمر مخالف لآداب الدعاء المعروفة في الإسلام، إذ إن المشروع هو استقبال الكعبة عند الدعاء([44]).

أما المؤرخ السنجاري (ت 1125هـ) فقد أورد مظهرًا آخر من المخالفات، مشيرًا إلى أنه في ليالي ختم القرآن في رمضان -خاصة عند ختم إمام المذهب الحنفي- يمتلئ الحِجْر بالناس الذين يستدبرون الكعبة لاستقبال الإمام والنظر إلى صلاته، حتى إن بعضهم يضع أبناءه على جدار الحجر ليتمكنوا من رؤية المشهد. وقد استنكر هذا الفعل واعتبره من البدع المنكرة التي ينبغي التصدي لها.

كما أبدى دهشته من أن ولاة الحرم لم يتدخلوا لمنع هذا السلوك، رغم أنهم يوقفون “المشدين” صفين في وسط الطواف، مما يوشك أن يعرقل حركة الطائفين، بينما لم يمنعوا أولئك الذين يقفون في فتحتي الحِجْر ويستدبرون الكعبة في تلك الليالي. وأكد أن استدبار الكعبة في ليالي ختم القرآن يقع في صلوات الأئمة الأربعة جميعًا، لكنه في هذه الجهة أشد خطأ وأعظم مخالفة([45]).

وهكذا نجد أن الازدحام في الحجر والاستدبار المتعمد للكعبة خلال ليالي ختم القرآن الكريم -بحجة رؤية الإمام أو لغير ذلك من الأسباب- يعد مظهرًا من الفوضى التي تعيق حركة الطائفين وتتنافى مع تعظيم شعائر الله.

إن الدعاء عبادة توقيفية لا تُبنى على الاجتهادات الشخصية أو التصورات الخاطئة، بل تُلتزم فيها السنن الثابتة. لذا فإن استدبار الكعبة أثناء الدعاء -سواء في الحجر أو غيره- يُعد من البدع التي ينبغي إنكارها، وإرشاد الناس إلى اتباع الهدي النبوي الصحيح في آداب الدعاء وتعظيم بيت الله الحرام وفق الضوابط الشرعية.

5- الطواف بالميت سبعًا حول الكعبة:

فيما يتعلق بـالطواف بالميت حول الكعبة سبع مرات قبل دفنه أشار ابن الضياء الحنفي إلى أن هذه العادة كانت تُمارس من قِبَل بعض الأشراف في زمانه، معتبرًا ذلك بدعة شنيعة لم ينقل عن أحد من السلف الصالح العمل بها([46]).

وأكد المؤرخ السنجاري أن هذه البدعة قد أُزيلت لاحقًا، لكنه لم يتمكن من تحديد متى انتهت تمامًا، مما يدل على أن العلماء والمصلحين كان لهم دور في محوها([47]).

وذكر المؤرخ الصباغ (ت 1321هـ) أن جميع الناس -رجالًا ونساء، أحرارًا وعبيدًا، علماء وأشرافًا- يُصلّى عليهم عند باب الكعبة دون تمييز، كما يُخرجون من أي باب من أبواب الحرم، ولا مزية لأحد على غيره، مشيرًا إلى أن عادة الطواف بالميت قد اختفت تمامًا بحمد الله([48])، مما يعكس تصحيح المفاهيم العقدية وإزالة الممارسات التي لم يأت بها الشرع.

ختامًا:

 بعد استعراض موضوع البدع والمخالفات المرتبطة بالكعبة المشرفة يتبين أن هذه الانحرافات لم تكن مجرد ممارسات فردية أو عابرة، بل امتدّت عبر العصور واتخذت صورًا متعدّدة، منها ما مسَّ جوهر التوحيد والعقيدة، ومنها ما شوّه نقاء العبادات وأدخل عليها ما ليس منها. وإن تعظيم الكعبة المشرفة لا يكون إلا بالاتباع الصادق لما شرعه الله ورسوله ﷺ، بعيدًا عن الغلو والتصورات الخاطئة التي تراكمت عبر الزمن.

وما ورد في هذا البحث مجرد نماذج ونبذٌ من تلك البدع والخرافات، وليس حصرًا لكل ما أُدخل على العبادات من ممارسات تخالف الهدي النبوي.

إن صون قدسية هذا البيت العتيق لا يتحقّق إلا بالتمسك بالسنة والالتزام بالضوابط الشرعية التي تحفظ الشعائر الإسلامية من التحريف أو الزيادة، فما لم يكن له أصل في الكتاب والسنة فإنه ليس من التعظيم المشروع. ومن هنا تبرز مسؤولية العلماء والدعاة والمصلحين في توعية المسلمين وتصحيح المفاهيم المغلوطة.

ولا يمكن إغفال الجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة العربية السعودية في العناية بالحرمين الشريفين، ومن ذلك إزالة البدع والممارسات المخالفة، وفق توجيهات مستمدة من الكتاب والسنة، مما جعل الحرمين الشريفين محلًّا للعبادة الخالصة، بعيدًا عن أي مظاهر تخالف العقيدة الصحيحة. فقد عملت المملكة على تطهير محيط الكعبة المشرفة من الممارسات الدخيلة، وعززت جهود التوعية والإرشاد لضيوف الرحمن، بهدف ترسيخ الالتزام بالهدي النبوي. وقد امتدت هذه الجهود عبر عقود من الزمن، مما أسهم في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وفق ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.

وفي الختام، نسأل الله أن يبارك في هذه الجهود، وأن يوفق الجميع إلى اتباع سنة النبي ﷺ، وأن يحفظ هذا البيت الحرام من كل ما يشوبه من محدثات. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

([1]) أخرجه أبو داود (3251) والترمذي (1535) وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ”، وصححه ابن القيم في الوابل الصيب (189)، والسيوطي في الجامع الصغير (8623)، والألباني في إرواء الغليل (8/ 189).

([2]) إعلام الموقعين (6/ 571-572).

([3]) انظر: فضل الغني الحميد بهامش فتح المجيد (1/ 48).

([4]) أخرجه عبد الرزاق (8/ 468)، والفاكهي (1/ 353)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 29)، وهو صحيح.

([5]) أخرجه الفاكهي (1/ 353).

([6]) أخرجه الفاكهي (1/ 353) وفي سنده انقطاع.

([7]) صلة الناسك (ص: 199).

([8]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى (3/ 132-133).

([9]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى (3/ 136-137).

([10]) الحيوان (3/ 96).

([11]) التاريخ القويم (2/ 281-283)، ومقام إبراهيم n (ص: 181-182). كما أن بعض الرحالة المستشرقين -مثل البريطاني جوزيف بيتس- استنكروا هذا الاعتقاد أيضًا، كما ورد في: المختار من الرحلات الحجازية (1/ 338).

([12]) التاريخ القويم (3/ 523).

([13]) ينظر: التاريخ القويم (3/ 523).

([14]) انظر: الصفدية (1/ 220).

([15]) انظر: تفسير ابن كثير (4/ 514).

([16]) شفاء الغرام (1/ 249). ولم أقف على الكلام المنقول عن الفاكهي في النسخة المطبوعة التي بين أيدينا، ولعل الفاسي وغيره ينقل من الجزء المفقود، والله أعلم. وانظر: تاريخ مكة المشرفة لابن الضياء (ص: 167)، تحفة الراكع (ص: 231)، الجامع اللطيف (ص: 51)، تحصيل المرام (1/ 278)، العقد الثمين للحضراوي (ت 1327هـ) (ص: 83)، وقال: (وهو يفعل في عصرنا هذا).

([17]) انظر: مواهب الجليل (3/ 331).

([18]) انظر: نزهة الناظرين في مسجد سيد الأولين والآخرين، لجعفر بن إسماعيل البرزنجي (ص: 308-310)، حمام الحمى الحجازي، للخياري (ص: 14).

([19]) انظر: البحر العميق (1/ 24).

([20]) انظر: فضائل مكة (ص: 20).

([21]) انظر: أخبار مكة (2/ 291).

([22]) أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 120)، وصالح في مسائل الإمام أحمد (1/ 408)، وهو موقوف ضعيف الإسناد. انظر: السلسلة الضعيفة (12/ 648).

([23]) أخرجه عبد الرزاق (9130)، ولا يصح. انظر: المسجد الحرام تاريخه وأحكامه (354).

([24]) انظر: المباحث العقدية المتعلقة بمكة المكرمة، محمد عمر (ص: 348-354).

([25]) تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص: 108-111). وينظر: المسجد الحرام تاريخه وأحكامه، د. وصي الله عباس (ص: 354).

([26]) مجموع الفتاوى (27/ 116).

([27]) انظر: كشف الخفاء (2/ 498).

([28]) انظر: القوانين الفقهية (1/ 153).

([29]) انظر: رحلة ابن جبير (ص: 65).

([30]) حاشية ابن عابدين (5/ 246).

([31]) انظر: إفادة الأنام (1/ 515).

([32]) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (1/ 302).

([33]) انظر: شفاء الغرام (1/ 248).

([34]) انظر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام (ص: 168).

([35]) رحلة الحرمين (ص: 49). وانظر: كتب الرحلات في المغرب الأقصى، لنواب (ص: 471).

([36]) رحلة اليوسي (ص: 89).

([37]) رحلة إلى الحرمين (ص: 63)، وانظر: كتب الرحلات في المغرب الأقصى، لنواب (ص: 467-468).

([38]) انظر: رحلة ابن جبير (ص: 90).

([39]) انظر: ملء العيبة (ص: 84-86).

([40]) انظر: رحلة ابن جبير (ص: 107-108).

([41]) انظر: الإتمام على إعلام الأنام (ص:110-111).

([42]) انظر: مرآة الحرمين (1/ 41).

([43]) انظر: مختصر تنزيه المسجد الحرام عن بدع الجهلة العوام (ص: 16-21).

([44]) انظر: الجامع اللطيف (ص: 131).

([45]) انظر: منائح الكرم في أخبار مكة ووُلاة الحرم (1/ 318-320).

([46]) انظر: البحر العميق (3/ 280).

([47]) انظر: منائح الكرم (3/ 350).

([48]) انظر: تحصيل المرام (1/ 379-380).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

قطعية تحريم الخمر في الإسلام

شبهة حول تحريم الخمر: لم يزل سُكْرُ الفكرة بأحدهم حتى ادَّعى عدمَ وجود دليل قاطع على حرمة الخمر، وتلمَّس لقوله مستساغًا في ظلمة من الباطل بعد أن عميت عليه الأنباء، فقال: إن الخمر غير محرم بنص القرآن؛ لأن القرآن لم يذكره في المحرمات في قوله تعلاى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ […]

السَّلَف والحجاج العَقلِيّ .. الإمام الدارمي أنموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: من الحقائق العلمية التي تجلَّت مع قيام النهضة العلمية لأئمة السلف في القرنين الثاني والثالث وما بعدها تكامل المنهج العلمي والمعرفي في الدين الإسلامي؛ فالإسلام دينٌ متكاملٌ في مبانيه ومعانيه ومعارفه ومصادره؛ وهو قائم على التكامل بين المصادر المعرفية وما تنتجه من علوم، سواء الغيبيات والماورائيات أو الحسيات […]

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017