الاثنين - 24 صفر 1447 هـ - 18 أغسطس 2025 م

وهم التعارض بين آيات القرآن وعلم الكَونِيّات

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

يمتاز التصوُّرُ الإسلامي بقدرته الفريدة على الجمع بين مصادر المعرفة المختلفة: الحسّ، العقل، والخبر الصادق، دون أن يجعل أحدها في تعارض مع الآخر. فالوحي مصدر هداية، والعقل أداة فهم، والحسّ مدخل المعرفة، والتجربة طريق التحقُّق. وكل هذه المسالك تتكامل في المنهج الإسلامي، دون تصادم أو تعارض؛ لأنها جميعًا منه سبحانه خلقًا وأمرًا، ومن أثر حكمته، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: “ما خالف العقلَ الصريح فهو باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنًى باطلًا، فالآفة منهم، لا من الكتاب والسنة”([1]).

ولذلك قرر المحقِّقون من أهل العلم أن كلَّ ما يُتوهَّم من تعارض بين العقل والنقل، أو بين الدين والعلم، هو في حقيقته إما نقلٌ لم يثبت، أو عقلٌ لم يفهم، فالنصوص الصحيحة لا تتعارض مع العقول الصريحة، وإذا بدا التعارض فالخلل في الفهم، لا في الأصل.

يقول ابن القيم في هذا المعنى: “الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- لم يخبروا بما تُحيله العقول وتقطع باستحالته، بل أخبارهم قسمان: أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر، والثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها… وكل خبر يُظنّ أن العقل يُحيله فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الخبر كذبًا عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسدًا”([2]).

وقد وقع الوهمُ في عقول فريقين متقابلين:

1- فريقٌ من دعاة العلموية، بالغوا في تعظيم الحس والمشاهدة، ورَدُّوا كلَّ ما لا تدركه التجربة، وزعموا أن الدين عائق أمام التقدّم العلمي، وأن النصوص تصادم ما تثبته المراصد والمخابر، وهذا زعمٌ يردُّه النظر العقلي والنقل الشرعي.

2- فريقٌ آخر من بعض المتديّنين، غلب عليهم التقليد، فأنكروا ما تشهد به الضرورة الحسية، وردّوا الحقائق العلمية بدعوى مخالفتها للشرع، فأنكروا بعض؛ ككروية الأرض، ودوران الأفلاك، وتفاعلات الكون، مما أجمع عليه العقلاء.

وقد نبّه العلامة ابن القيم إلى خطر هذا المسلك، فقال عن بعض المتكلمين في ردهم على الفلاسفة: “ظنوا أن من ضرورة تصديق الرسل ردّ ما علمه هؤلاء بالعقل الضروري… كمكابرتهم إياهم في كون الأفلاك كروية الشكل، والأرض كذلك، وأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، وأن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس…”([3]).

ومن هنا كان لزامًا على مركز سلف بيان انسجام العقل الصريح مع النقل الصحيح، ودفع شبهات التعارض بينهما، تأصيلًا للمنهج الإسلامي الرشيد.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

 

 

سيدور حديثنا وفق المباحث التالية:

المبحث الأول: منزلة الحس والتجربة عند علماء الإسلام:

يحظى الحسُّ والتجربة بمنزلة رفيعة في البنية المعرفية الإسلامية، حيث لم يكن علماء الإسلام في يوم من الأيام خصومًا للعقل أو الحس أو التجربة، بل أقاموا صرحهم العلمي على أساس التفاعل العميق بين النصوص الإلهية ومصادر المعرفة الإنسانية. وإذا كان العقل مناطَ التكليف فإن الحس والتجربة هما مفتاح إدراك عالم الشهادة، وبهما تكتمل المعرفة التي تُبنى عليها نتائج النظر والاستدلال.

بل قرر شيخ الإسلام أن العلم النظري لا يحصل إلا بعد الحس، فقال: “الاعتبار بالنظر والقياس، وإنما يحصل العلم به بعد العلم بالحِس، فما أفاده الحس معيَّنًا يفيده العقل والقياس كليًّا مطلقًا… والخبر يتناول الكليات والمعينات والشاهد والغائب، فهو أعلم وأشمل، لكن الحس والعيان أتم وأكمل”([4]).

ولذلك قرر المحدِّثون أن معارضة الحِسّ دليل على وضع الحديث وكذبه، قال ابن الجوزي: “من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفًا للعقل… ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة”([5])، وقال ابن القيم عمّا يُروى: (إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ عِنْدَ الْحَدِيثِ فَهُوَ دَلِيلُ صِدْقِهِ): “هذا الحديث وإن صحح بعض الناس سنده، فالحس يشهد بوضعه؛ لأنّا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله”([6]).

بل أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه ما يراه بعينه على تنفيذ أمره، فقال له: «بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب»([7])؛ في تقرير واضح بأنّ الحسّ لا يُعارَض بخبر إذا ثبت يقينًا بالعيان.

وإذا كان الحس أداة الإدراك، فإن التجربة وسيلة لفهم العلاقة بين الظواهر، ومن خلالها تُبنى العلوم الطبيعية، وتُصاغ قوانينها، لكنّ العقل وحده هو الذي يُضفي على التجربة معناها، ويستنبط منها القواعد العامة، كما هو شأن الفلسفة التجريبية في أصلها.

ويوضِّح ابن تيمية أثر التجربة على المعرفة قائلًا: “وكذلك المجرَّبات، فعامة الناس قد جربوا أن شرب الماء يحصل معه الري، وأن قطع العنق يحصل معه الموت، وأن الضرب الشديد يوجب الألم، والعلم بهذه القضية تجريبي، فإن الحس إنما يدرك رِيًّا معيَّنا، وموت شخص معين. أما كون كل من فعل به ذلك يحصل له مثل ذلك، فهذه القضية الكلية لا تعلم بالحس، بل بما يتركب من الحس والعقل”([8]).

والقرآن لم يعارض هذه المسالك المعرفية، بل أقرّها، ووجّه إلى ملاحظتها، ولكنه أيضًا لا يُعنى بوصف الظواهر كما هي عليه، بل كما يراها الإنسان. ومن هنا جاء التعبير القرآني على وفق ما يشاهده الناظر، كما في قوله تعالى: {وَوَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86]، أي: بحسب رؤية ذي القرنين، لا بحسب الواقع الكوني. ولذلك أجمع المفسرون أن الشمس لا تغطس في الماء، وإنما هذه عبارة عن صورة مرئية للإنسان، لا حقيقة الأمر بما هو عليه.

وقد بيَّن الإمام الغزالي هذا الأصل فقال: “إن الخطاب إنما يكون بحسب حال المخاطب وفهمه… فإن كان الخطاب مع نجّار لا يُحسِن إلا النجر وجب على مرشده أن لا يضرب له المثل إلا من صناعته، ليكون ذلك أسبق إلى فهمه”([9]).

كل هذه المعاني تقرّر أن العلم والدين في الإسلام ليسا خصمين، بل هما جناحان للحقيقة. وأما التعارض الذي يُشاع بينهما فإنما هو من قبيل المعارضة المتوهَّمة التي تزول إذا تبيّن مورد النص، أو ضبط العقل.

 

المبحث الثاني: نماذج من آياتٍ قرآنية أسيء فهمها:

المثال الأول: تسطيح الأرض في ضوء الفهم الخاطئ للفظ القرآن:

من الشبهات التي أُثيرت في العصر الحديث بدعوى الاستناد إلى النصوص القرآنية: الزعمُ بأن القرآن يثبت أن الأرض مسطَّحة وثابتة، وأن القول بكرَوِيّتها ودورانها مخالف لظاهر القرآن. ويستند بعضهم في ذلك إلى قوله تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 20]، وغيرها من الآيات التي يُذكر فيها شروق الشمس وغروبها، دون الإشارة إلى حركة الأرض.

لكن هذه القراءة تهمل المعنى البلاغيّ واللغويّ للفظ، وتتجاهل فهْم العلماء الراسخين، كما تتغافل عن النصوص الأخرى التي تؤكد كروية الأرض ودورانها، مع أن ذلك كله وارد في القرآن الكريم على نحو بالغ الدقة.

فلفظ “سُطِحَتْ” لا يدل على تسطيح مطلق، بل يعني التمهيد والبسط في إدراك الناظر، وهذا لا يتعارض مع كروية الأرض، بل هو من لوازم ضخامتها، إذ إن سطح الجسم الكروي إذا اتسع يُرى مسطحًا من زاوية النظر.

وقد أكد العلماء المسلمون قديمًا أن كروية الأرض مسلّمة، ومنهم ابن تيمية حيث قال: “اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل، وهي في الماء المحيط بأكثرها؛ إذ اليابس السدس وزيادة بقليل، والماء أيضًا مقبب من كل جانب للأرض، والماء الذي فوقها بينه وبين السماء كما بيننا وبينها مما يلي رؤوسنا، وليس تحت وجه الأرض إلا وسطها، ونهاية التحت المركز”([10]).

كما قال ابن حزم: “لم يُنقل عن أحد من أئمة المسلمين إنكار تكوير الأرض… بل البراهين من القرآن والسنة جاءت بتكويرها”. واستشهد بقوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: 5]، معتبرًا أن التكوير هنا نصٌّ صريحٌ في دلالة كروية الأرض؛ لأن التكوير لا يكون إلا على هيئة مستديرة كما يُدار العمامة على الرأس([11]).

ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]، وقد شبه انكشاف النهار عن الليل بعملية سلخ الجلد، إشارة إلى تدرّج الضوء على سطح الأرض بسبب دورانها، وهو ما لم يُدرك إلا بعد تطور علوم الفضاء، وظهور صور الأرض من المدار.

بل إن من إعجاز القرآن أن يجمع بين هذا البيان الكوني الدقيق وبين التعبير الذي يتوافق مع الإدراك البشري اليومي، فيقول: “طلعت الشمس” و”غربت”، دون أن يكون هذا إثباتًا لثبات الأرض أو نفيًا لحركتها، بل هو تعبير عن الظاهرة كما يراها الإنسان، كما في قوله تعالى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86]، وقد أجمع المفسرون على أن ذلك في نظر العين فقط، في واقع الأمر.

وهكذا يتبيّن أن ما يدّعيه بعض المعاصرين من أن القرآن يقول بتسطيح الأرض أو ثباتها هو توهّم ناشئ من إسقاط سطحيّ على النصوص، وتجاهل لما قرره العلماء، وما أشار إليه القرآن نفسه من إشارات علمية دقيقة إلى الشكل الكروي للأرض، ودورانها ضمن نظام سماوي دقيق.

المثال الثاني: الجمع بين السماوات والأرض في التعبير القرآني:

من الآيات التي طالما أُسيء فهمها في سياق النقاشات الكونية: ما جاء في قوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133].

فقد ذهب بعض المتأملين في ظاهر الآية إلى أن اقتران “الأرض” بالسماوات دالٌّ بالضرورة على تكافؤٍ في الحجم أو المساحة، أو على الأقل تقاربٍ معتبر، وإلا ما كان لله عز وجل أن يذكر الأرض إلى جانب السماوات، لا سيما إذا كانت متناهية الصغر في الواقع الكوني. ثم يَبني على ذلك الاعتراضَ على ما أجمعت عليه علوم الفلك الحديثة من أن الأرض ليست سوى جرم صغير جدًّا بالنسبة إلى سعة الكون، وأن التصديق بذلك يعدّ في زعمه مخالفة صريحة للقرآن، أو تبنّيًا لرؤية إلحادية.

غير أن هذا الفهم مبني على لوازم فاسدة فهمها هذا الشخص من الآيات، وليس مبنيًّا على صريح النص القرآني، ووجه الخلل في عدم فهم اللغة العربية وطريقة السرد القرآني.

فإن (السماوات والأرض) في التعبير القرآني يشكّلان الثنائية الوجودية التي بها يدرك الإنسان الكون المحيط به: أرضًا يستقر عليها، وسماواتٍ يشاهدها فوقه. ولهذا فإن هذا الاقتران في السياق القرآني هو اقتران شمول لا اقتران تكافؤ حجمي، أي: أن الله يجمع بين عُنصري الكون المنظور للإنسان، وهما: “السماوات والأرض”، لا ليقرّر نسبة حجمية بينهما.

ويؤكِّد هذا الفهم قول عدد من علماء الإسلام الذين لم ينكروا صغر حجم الأرض مقارنة بما فوقها من أجرام، دون أن يروا في ذلك تعارضًا مع الوحي، يقول أبو حامد الغزالي: “عرف العقل ببراهين لم يقدر الحسّ على المنازعة فيها أن قرص الشمس أكبر من كرة الأرض، بأضعاف مضاعفة”([12])، ويقول ابن القيم: “الأرض لا نسبة لها إلى السماء وسعتها، فهي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء، فهي وإن تعددت وتكبرت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل”([13]).

فلو كان ما قرّره الغزالي وابن القيم من حجم الأرض المتناهي مخالفًا لما في القرآن لما ساغ لهما أن يقرّراه، لا سيما في سياق مقالات علمية عقلية، ولم يُعرف أن أحدًا أنكر عليهما ذلك، أو عدّ ذلك مخالفة لثوابت الوحي.

وأما ما قد يُنقل من أقوال بعض المفسرين مما يوحي بتكافؤ في الحجم فهو من باب الاجتهاد المبنيّ على معطيات زمانهم، ولا يُقدَّم على ما يثبته الحسّ القطعي أو العلم المشاهد، خصوصًا أن هذه المسائل ليست من موضوعات الاعتقاد الأساسية، بل من الأمور التابعة للعلوم الطبيعية التي يُستأنس بها، ولا يُبنى عليها تكفير أو تبديع.

المثال الثالث: إمساك السماء أن تقع على الأرض:

من الآيات التي أُسيء فهمها في إطار إسقاطات علم الفلك والفيزياء الحديثة: قول الله تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65].

فقد فهم بعض الناس أن هذه الآية تدل على أنَّ هناك قوة جذب من الأرض تجاه السماء، بحيث يمنعها الله من السقوط عليها، وهو فهم غير دقيق من ناحيتين: اللغوية والكونية.

فمن جهة التفسير فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بـ”وقوع السماء” هو ما ورد في قوله تعالى: {أوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 92]، أي: قطعًا من السماء كنيازك أو مذنبات أو أجرام سماوية صغيرة، وهو ما يتوافق مع الظواهر الفلكية المعلومة، حيث تسقط على الأرض أحيانًا شظايا من الفضاء، يعمد الغلاف الجوي إلى تفتيتها قبل أن تصل سطح الأرض.

وحتى على القول الآخر -وهو ترك الآية على ظاهرها- فإن التعبير القرآني {يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ} لا يقتضي بالضرورة أن تكون السماء -بما تشمل من مجرات وأفلاك- في وضع يستدعي قوة جذب من الأرض، بل هو تعبير عن الحفظ الإلهي للنظام الكوني من الانهيار أو الاصطدام المدمر، كما يُدرك من منظور الإنسان الناظر من الأرض.

والإشكال عند البعض أنهم يجعلون زاوية النظر لأهل الأرض أساسًا ثم يعممونها على الكون كله. وهذا خطأ في فهم الآيات القرآنية.

ولتبسيط المسألة نقول: لو انطلقت مركبة فضائية جدلًا من كوكب آخر متجهة نحو الأرض، فإن الأرض ستكون في خط مستقيم بالنسبة إلى رؤيتها، بينما في المقابل: زاوية سكان الأرض تبدو وكأنها “تسقط عليهم”.

ففي حال تصادم جرم سماوي بالأرض يُقال بلغة الناس: “وقع علينا من السماء”، والعرب تطلق “السماء” على كل ما علا الأرض، بل يقولون: “سماء البيت” أي: سقفه.

إذن فالمعنى المقصود في الآية لا يخالف معطيات العلم الحديث، فالله عز وجل يمسك النظام الكوني أن ينحرف أو يسقط على الأرض بما يهدد بقاءها، سواء كان ذلك جزئيًا (كالسقوط النيزكي)، أو حتى كليًّا (كانهيار المجرة).

وما سبق ليس تأويلًا مجازيًّا للقرآن، بل هذا هو صريح لغة العرب، فإنك ترى السماء من فوقك، وكل آتٍ من السماء هو وقوعٌ عليك، وعلى هذا قد تأسست اللغات والفطرة ومنطق البشر، والقرآن نزل بلغة العرب.

 

المثال الرابع: طلوع الشمس وغروبها بين الإدراك البشري والدقة الفلكية:

من الآيات التي أُسيء فهمها حديثًا تحت ضغط القراءة العلمية الحرفية قول الله تعالى: ما جاء في قصة ذي القرنين: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86].

وقد توهّم بعض المعاصرين أن في مثل هذه الآيات ما يدل على ثبات الأرض ودوران الشمس حولها، وأن ظاهر النصّ يتناقض مع ما أثبتته العلوم الحديثة من أن الأرض هي التي تدور حول نفسها، فيحدث بسبب ذلك تعاقب الليل والنهار، وطلوع الشمس وغروبها.

لكن هذا الاعتراض ينشأ من عدم التمييز بين ظاهر اللفظ من جهة البلاغة، ومقصود الوحي من جهة البيان، إذ إن القرآن يتحدث بلغة الناس، وعلى منطقهم الإدراكي، لا بلغة المعادلات الفيزيائية أو الصيغ الهندسية المجردة.

وقد أجمع المفسرون قديمًا وحديثًا على أن قول الله: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} لا يعني غروبًا حقيقيًّا للشمس في عين مادية، وإنما هو وصف لمشهد بصريّ كما يراه الناظر من على سطح الأرض. فالإنسان إذا نظر من الأفق البعيد -سواء في الصحراء أو عند البحر- رأى الشمس وكأنها تغوص في نقطة محددة، وهذا تعبير لغوي مطابق لِما يُشاهَد حسًّا، ولا يقتضي تفسيرًا حرفيًّا علميًّا.

لذلك يقول ابن الجوزي: “وربما توهَّم متوهِّم أن هذه الشمس على عِظَم قدْرها تغوص بذاتها في عين ماءٍ، وليس كذلك، فإنها أكبر من الدنيا مرارًا، فكيف يسعها عين ماء؟!… وإِنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طَرَفه أن الشمس تغيب في الماء؛ وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان، فوجد عينًا حَمِئة ليس بعدها أحد”([14]).

ولو كان من مقتضيات الإعجاز أن يُصاغ الكلام بعبارات علمية دقيقة لاقتضى أن يقال: “فإذا دارت الأرض حول محورها بدأ قرص الشمس بالبزوغ “. وهذا كما هو بيِّن ركيك لا يتناسب مع بلاغة الوحي، ولا مع مقصد البيان القرآني الذي يخاطب الناس على ما اعتادوه في لغاتهم وفطرتهم الإدراكية.

بل حتى اليوم، ومع شيوع المعرفة الفلكية لا يزال الناس يقولون في لغاتهم: “طلعت الشمس” و”غربت الشمس”، ولا أحد يقول: “دارت الأرض فظهرت الشمس”. فهذه العبارات مؤسَّسة في اللغة منذ قرون طويلة، وهي تعبير عن الظاهرة كما تُشاهد، لا كما تُحلَّل فلكيًّا.

ومن ثم فإن الاعتراض على مثل هذه الآيات بحجة مخالفتها للحقائق الفلكية ليس إلا توهمًا ناشئًا عن القراءة المتصلبة التي لا تفرّق بين البيان الإلهي المراعي للغة البشرية، وبين التفسير العلمي بما هو عليه.

المثال الخامس: سوء فهم قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10]:

يُسيء بعض الناس فهم هذه الآية، فيظنون أن الله تعالى ينفي وجود أي “عَمد” أو قوة تمسك السماوات وتمنعها من السقوط، فينكرون بذلك وجود قوانين الجاذبية أو القوى الفيزيائية التي تنتظم بها الأجرام الكونية، بدعوى أن هذا يناقض ظاهر القرآن.

لكن التدبر السليم للنص -خاصة من خلال ما قاله علماء الإسلام- يُبيّن أن القرآن الكريم لا ينفي وجود “عمد” تمسك السماوات، وإنما ينفي رؤيتنا لهذه العمد.

وقد قال العلامة محمود شكري الآلوسي في تفسيره لهذه الآية: “أي: خلقها بغير عمد مرئية، على التقييد، للرمز إلى أنه تعالى عمدها بعمد لا تُرى، وهي عمد القدرة. وعلى قول علماء الهيئة في زماننا: عمد الجاذبية، ولا يخرج ذلك عن قُدرة مودعها جل جلاله”([15]).

وقال أيضًا: “ما ذهب إليه أهل الهيئة المتأخرون من أن قيام العالم العلوي والسفلي بالجاذبية لا يخالف الآية الكريمة؛ فالله سبحانه هو الذي أودع تلك الجاذبية، وبأمره كانت”([16]).

ومحاولة نفي القوانين الكونية أو القوى الفيزيائية باسم “نصوص الشرع” هو تأويل غير علمي وغير دقيق، يُخالف حتى تفسير كبار العلماء المسلمين، ويؤدي إلى حصر القرآن في صورة تخالف معطيات الحس والعقل.

المثال السادس: سوء الفهم لقضية الأرضين السبع:

يفهم بعض الناس قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] فهمًا سطحيًّا يُفضي إلى إشكالات علمية، إذ يظن أن الآية تشير إلى أن أرضنا بذاتها مقسّمة إلى سبع طبقات متراكبة، في حين إن ظاهر الآية -بالتتبع والاستقراء في أقوال المفسرين- لا يدل على هذا المعنى بالضرورة، بل يُشير إلى أرضين متعدّدة مستقلة، تقابل السماوات في العدد والترتيب، دون تحديد لطبيعتها أو موقعها.

وقد نقل القرطبي في تفسيره قولين مشهورين، فقال: “واختلف فيهن على قولين: أحدهما وهو قول الجمهور: أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء، وفي كل أرض سكان من خلق الله. وقال الضحاك: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} أي: سبعا من الأرضين، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السماوات. والأول أصح”([17]).

وظاهر القول الأول يُفهم منه أنها أرضون متمايزة مستقلة لا أنها مجرد طبقات أرضية داخل كوكب الأرض، إذ لا يُتصور أن يكون بين طبقات الأرض مسافات كالتي بين السماوات، فضلًا عن وجود خلق مستقلّ في كل طبقة، مما يرجّح أن المقصود عوالم أخرى أرضية في الكون، ولا يلزم من “الفوقية” هنا أنها فوق بعضها مباشرة؛ لأن القرآن يستخدم الفوقية لكل ما علا الأرض.

وقد أكّد الشيخ محمود شكري الآلوسي المعنى السابق، واعتبر أن القول بأن الأرضين السبع متمايزة تفصل بينها مسافات عظيمة هو قول الجمهور، بل نقل عن بعض الأخبار أن لكل أرض سكانها ونبيها وآدمها ونورها.

قال الآلوسي: “وَأما الأرضون السَّبع فقد حارت فِيهَا عقول الْمُفَسّرين، وَذكروا فِيهَا أقوالا كَثِيرَة… وَقَول الْجُمْهُور هَذَا أصح سَائِر الْأَقْوَال وَهُوَ أَن بَين كل أَرض وَأَرْض من السَّبع مَسَافَة عَظِيمَة، وَفِي كل أَرض خلق لَا يعلم حَقِيقَتهَا إِلَّا الله عز وَجل، وَلَهُم ضِيَاء يستضيئون بِهِ وَيجوز أَن يكون عِنْدهم ليل ونهار، وَلَا يتَعَيَّن أَن يكون ضياؤهم من هَذِه الشَّمْس وَلَا من هَذَا الْقَمَر”([18]).

ثم حكى الآلوسي ما يُفيد أن كل أرض مستقلة عن غيرها ولها سماء، ثم قال: “فلتكن كل أَرض من هَذِه الْأَرْضين السَّبع مَحْمُولَة بيد الْقُدْرَة بَين كل سماءين، وَهُنَاكَ مَا يستضيء بِهِ أَهلهَا سابحا فِي فلك بَحر قدرَة الله عز وَجل وَنسبَة كل أَرض إِلَى سمائها نِسْبَة الْحلقَة إِلَى الفلاة، وَكَذَا نِسْبَة السَّمَاء إِلَى السَّمَاء الَّتِي فَوْقهَا، ويمكن أن تكون الأرضون وكذا السماوات أكثر من سبع، والاقتصار على العدد المذكور لا يستدعي نفي الزائد، فقد صرّحوا بأن العدد لا مفهوم له”([19]).

إذن ما ظنه بعضهم من أن “السبع أرضين” تعني بالضرورة طبقات الأرض الجيولوجية ثم بدأ يُعارض القرآن بالعلم الحديث متوهِّمًا تعارضًا لا وجود له.

ولا يمنع أن يكون القول الثاني صحيحًا أيضًا، من أن الأرضين السبع بداخل أرضنا هذه، فالنص الشرعي لم يُحدّد طبيعة تلك الأرضين، بل تركها من الأمور الغيبية التي لا تخالف العقل ولا العلم، وإنما تُصنف في باب ما صح به النقل وسكت عنه العقل.

والآثار التي وردت من أن النار تحت الأرض السابعة لا تخالف شيئا من العلم الحديث، بل قد ثبت علميًّا أن مركز الأرض 11000 كلفن، مما يعني أن مركز الأرض أشد حرارة من سطح الشمس بكثير([20]).

والمقصود أنه لا يصح توهم المعارضة؛ وذلك لأن النص ليس قطعيَّ الدلالة على كيفية بعينها، بل تعددت أقوال المفسرين، ولأنه لا يستحيل وجود أرضين سبع سواء كانت مُستقلة عن كوكب الأرض، أو بداخل أرضنا، فقضية الأرضين السبع هي من القضايا الغيبية التي نؤمن بها كما وردت، ولا يُمكن أن تُعارض الحقائق العلمية بحال.

المثال السابع: إساءة فهم آية الرتق والفتق وردّ نظرية الانفجار العظيم تعسفًا:

من الآيات التي تحمل دلالة كونية قوية قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30]. وقد ذهب عدد من المفسرين إلى أن الرتق هنا يعني الالتحام والالتصاق، كما قال ابن عباس: “كانتا ملتزقتين ففتقهما الله”([21]).

ويتقاطع هذا الفهم مع ما تقرره نظرية الانفجار العظيم (Big Bang Theory) من أن الكون نشأ من حالة كونية واحدة فائقة الكثافة والحرارة، ثم بدأ في التمدد والانفصال والتوسع، وفقًا لأدلة تجريبية معتبرة. ووفق هذا لا مانع من قبول النظرية ما دامت لا تخالف معلومًا من الدين بالضرورة، ووضعها من حيث مرتبتها من الظن أو تغليب الظن -وفق وفرة الأدلة-.

والمسارعة في رد نظريات علمية عليها أدلة حسية لا يقل خطورة من قبول أي نظرية علمية دون تريّث، بل الإسلام لا يرد الظنيات جملة ولا يقبلها جملة، بل يضع الظن وفق مرتبته من حيث إفادة العلم.

ويُنبِّه على هذا الخطأ العلامة ابن عثيمين، ويُحذِّر من إنكار ظنيات العلم التجريبي مما ظاهره يُخالف الشرع، حيث قال: “يجب التأني في الإنكار، إذ قد يكون غير المُتيقن اليوم مقطوع به غدًا، فبذلك يجلب المرء الطعن إلى نفسه في قصوره أو تقصيره، أو الطعن في القرآن الكريم في نظره مخالفًا للواقع المُتيقن”([22]).

ونظرية الانفجار الكبير عليها أدلة رصدية كثيرة، منها: خلفية الإشعاع الكوني الميكروي (CMB)، وانزياح الضوء الأحمر الطيفي للمجرات (Redshift)، وانتظام نسبة الهيليوم والهيدروجين في الكون، وغيرها من القرائن الكونية المتواترة([23])

ورغم ذلك يعمد بعض طلاب العلم إلى رفض النظرية رفضًا مطلقًا، وذلك لأسباب:

الأول: ادعاء أنها مخالفة للشرع، فيفهم مثلًا أن فتق السماء عن الأرض تعني أن الله رفع السماء وأبقى الأرض في مكانها، مما يعني في تصوره أن الأرض في حجم السماء، وهذا التصور المغلوط قد رددنا عليه آنفًا.

الثاني: الاعتماد على القول الآخر للمفسرين، كقول من قال: “السماء كانت رتقا لا تمطر، والأرض رتقا لا تُنبت، ففتقهما الله بالمطر والزرع”([24]). لكن هذا الوجه لا يلغي الوجه الآخر، بل هما قولان معتبران في التفسير، وكلاهما لا يعارض الآخر، فهو من خلاف التنوع لا من خلاف التضاد.

الثالث: أن القول بحدوث الكون يوافق دليل الحدوث عند المتكلمين، ويخالف تسلسل الحوادث أزلًا. وهذا الاعتراض مبني على عدم إدراك مذهب أهل السنة في المسألة، فأهل السنة لا يعارضون دليل الحدوث بصورته البسيطة من أن (كل حادث لا بد له من مُحدِّث)، بل هذا يتوافق مع ما دلّ عليه الشرع، وشهد له العقل، لكن أهل السنة يعارضون الأصول الكلامية المرتبطة بدليل الحدوث عند المتكلمين، والكلام في الجواهر والأعراض، وأن الجوهر لا يخلو من العرض، وأن العرض لا يبقى زمانين، وغيرها من الأصول التي نفوا بها صفات الرب سبحانه، سواء الصفات الذاتية، أو الفعلية الاختيارية.

والمعنى الذي تدل عليه نظرية الانفجار العظيم (Big Bang) لا علاقة له بالمذهب الكلامي في حدوث العالم، كما يتوهمه بعض الباحثين.

فهذا الحدث إنما يُقصد به بداية هذا العالم المشهود، ولهذا لا يناقض إمكانية وجود مخلوقات أخرى قبل هذا العالم، أو جواز تسلسل الحوادث، ولا القول بأن الله سُبحانه لم يكن فاعلًا ثم صار فاعلًا، بل يُفهم الحدث في إطاره التجريبي: أن هذا الكون -بمادته وزمانه ومكانه- له بداية محددة، وهو أمر يدل عقلًا على وجود مُحدِث له، وهو الله عز وجل.

أما من يعارض النظرية بدعوى أن “الانفجار” لفظ يدل على الفوضى والدمار، فإن هذه مغالطة لا يقرها علماء الفيزياء أنفسهم، ويُبيِّن الدكتور جعفر شيخ إدريس رحمه الله -وهو المتخصص في فلسفة العلوم الحديثة- أن لفظة (الانفجار العظيم) ليست مرادة لذاتها عند علماء التجريب، بل مقصودهم أن الكون كان لُحمة واحدة في بداية الأمر.

يقول د. جعفر: “لهذا سُميَّت النظرية بنظرية الانفجار العظيم، لكن العلماء -أي: علماء الطبيعة- يقولون: إن كلمة الانفجار قد لا تكون كلمة مناسبة لوصف نشأة الكون؛ لأن الانفجار -كانفجار القنابل مثلًا- يكون في العادة شيئًا مدمرًا، إنه يُحلل الأشياء المجتمعة ويُبددها. أما الانفجار العظيم فقد أدى إلى تكوُّن لا تبدد؛ فمن الإشعاع الذي ظهر أولًا تكوَّنت المادة، ومنها تكوَّنت المجرات، ثم النجوم ثم الأفلاك بما فيها أرضنا هذه التي نشأت فيها الحياة”([25]).

بل إن هذه النظرية في أصلها تؤيد الإيمان بحدوث الكون، يقول بول ديفيز: “كل حدث يتطلب سببًا، ولا يمكن وجود سلسلة أسباب لا نهائية، ولهذا لا بد من سبب أول، ألا وهو الله”([26]). وهو ما دفع بعض الملاحدة إلى النفور من النظرية؛ لأنها تُقوّض الأساس الفلسفي الإلحادي الذي كان يرى أن الكون أزلي.

المبحث الثالث: خلل التصور في فهم دلالات القرآن الكونية:

من الأخطاء المنهجية التي يقع فيها بعض الباحثين عند التعامل مع الآيات الكونية: التصور الخاطئ بأن القرآن الكريم كتاب فيزياء أو مرجع للعلوم التجريبية بالمعنى الاصطلاحي المعاصر، وأنه ينبغي أن يتضمن كل تفاصيل النظريات الكونية أو يرفضها نصًّا، وهذا التصور له وجهان متقابلان، وكلاهما منحرف:

أولًا: الغلو في تحميل النصوص القرآنية دلالات علمية قسرًا:

يتجلى هذا في محاولات بعض من يُعنى بالإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن أن يُسقط كل نظرية علمية على آية من القرآن، ولو بتكلف ظاهر، حتى تحوّلت النصوص الشرعية في أيديهم إلى نظريات علمية وتأويلات فيزيائية وطبيعية منفصلة عن المقصود القرآني الأصيل: الهداية والإرشاد.

وقد بلغ هذا المسلك ببعضهم أن حوّلوا القرآن إلى كتاب في العلوم الطبيعية، وألفوا تفاسير علمية للقرآن قائمة على هذا النهج، مما أدى إلى مزالق تفسيرية خطيرة، وإساءة إلى مكانة القرآن ووظيفته الأساسية التي هي هداية البشر.

ثانيًا: الجمود على ظاهر بعض الأقوال ورفض كل الحقائق العلمية:

ويقابل الاتجاه السابق اتجاه آخر يجعل من النصوص الشرعية ميزانًا لفظيًّا جامدًا لأي نظرية علمية، فلا يقبل أي شيء في العلم، إلا إن جاء نصها الحرفي في القرآن أو السنة أو قال بها السلف.

وينتج عن هذا الجمود إنكار بديهيات علمية، مثل: إنكار كروية الأرض، إنكار الجاذبية الكونية أو دوران الكواكب بحجة أن السلف لم يذكروا هذه التفاصيل، بل يستند بعضهم إلى عبارات مثل: (لو كان خيرًا لسبقونا إليه) أي: لو كان خيرًا لسبقنا إليه الصحابة والتابعين.

ولا شك أن هذا من التعسف المقابل للطائفة الأولى؛ وذلك لأن هذه التجريبيات أمورٌ حسية تجريبية من أمور الدنيا، ولم يُكلّف السلف الصالح بالخوض فيها، بل كان مدارهم على الهداية والإيمان والعمل، أما العلوم التجريبية فهي من جنس الأمور التي أُحيلت إلى الخبرة البشرية، كما في قول النبي ﷺ: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»([27]).

وقد أكد هذا المعنى الشيخ الألباني رحمه الله بقوله: “لَيسَ مِن وَظِيفَة الشَّرعِ عُمُومًا والقُرآن خُصُوصًا أن يَتَحَدَّثَ عَن عِلمِ الفَلَكِ وَدَقائق عِلمِ الفَلك، وَإنمَا هَذه تَدخُل في عُمُوم قَولهِ عَليه الصَّلاةُ والسَّلام الذِي أخرَجَهُ مُسلمٌ فِي صَحيِحِه مِن حَدِيثِ أنسٍ بن مَالكٍ رضيَ اللهُ عَنهُ فِي قصَّة تَأبيـِر النَّخل حِينَمَا قَال لهُم: «إنَّمَا هو ظَنٌّ ظنَنتُهُ، فَإذَا أمَرتُكُم بِشَيء من أمرِ دينِكم فأتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم، وَمَا أمرتُكُم بشيء من أمورِ دُنيَاكُم فأنتُم أعلمُ بأمُور دُنيَاكُم». فَهذِهِ القَضَايَا لَيسَ من المَفرُوض أن يَتَحدَّثَ عَنها الرَّسُول عَليهِ السَّلَام، وإن تَحَدَّث هو فِي حَديِثِه أو رَبُّنًا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِه فإنَّما لِبَالِغةٍ أو لآيةٍ أو مُعجِزَةٍ أو نَحوِ ذَلك”([28]).

ويقول أبو حامد الغزالي بعدما نقل كلام الفلاسفة والطبائعيين في الكونيات وتفسير الخسوف والكسوف فلكيًّا، قال: “وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله؛ إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره، فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها، ويتحقق أدلتها، حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف، وقدرهما، ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له: إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع”([29]).

ثالثًا: تقديم جنس الدليل الشرعي على الدليل العقلي:

من الأخطاء المشهورة في الوسط الشرعي: خطأ تقديم جنس الدليل الشرعي على جنس الدليل العقلي؛ بمعنى أن الباحث يُقدم أي دليل شرعي (لمجرد أنه من الشرع) على أي دليل عقلي (لمجرد أنه من العقل)، ويظن بذلك أنه ينصر الإسلام، والحقيقة أن تلك الطريقة لها لوازم فاسدة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “تقديم الجنس على الجنس باطل، بل الواجب أن يُنظر في عين الدليلين المتعارضين، فيُقدم ما هو قطعي منهما، والراجح إن كان ظنّيين، سواء كان هو السمعي أو العقلي”([30]).

إذن الطريقة الصحيحة في حالة تعارض العقل والنقل ظاهريًّا هي تقديم القطعي من هذا أو ذاك، فإن لم يوجد قطعي يُقدم الراجح، ويُعرف الراجح بوفرة الأدلة الظنية سواء كانت عقلية أو شرعية.

رابعًا: إنزال أقوال بعض العلماء منزلة الوحي المُنزَّل:

من مظاهر الخلل كذلك: جعل أقوال بعض المفسرين أو آحاد السلف في الأمور الكونية بمنزلة النصوص المعصومة، ثم رد الحقائق الحسية القطعية بدعوى مخالفتها لهذه الأقوال.

وهذا خلل بيّن في مراتب المعرفة؛ لأن الحس والمشاهدة أعلى درجات المعرفة البشرية.

قال الإمام الغزالي بعد نقله تفسيرات فلكية دقيقة لحوادث الكسوف والخسوف: “ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين، وضعف أمره”([31]).

ويُقرّ الإسلام الحس والمشاهدة، كما أقر النبي ﷺ علي بن أبي طالب بقوله: «بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب»([32]). ومثله قول الهدهد لسليمان عليه السلام: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22].

خامسًا: الإقدام على نفي النظريات العلمية المحتملة:

الإسلام يحترم العقل، ويحترم قواعد التفكير والاستدلال المنطقي -حتى وإن لم يكن قطعيًّا-، فلا يقدح في الظن جملةً، ولا يقبله جملةً، بل يضع الظن وفق مرتبته من حيث إفادة العلم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكتاب: «إذا حدَّثَكم أَهلُ الْكتابِ فلا تصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم»([33])؛ وذلك لأنه لا دليل على بطلان قولهم، ولا دليل على صدقه.

ولقد عرف المسلمون طرق التفكير العقلي وحكموا بالظن في أمورٍ كثيرة، سواء في أصول الفقه، أو في علم الحديث، وكشف علماء الحديث عن العلة في الحديث بطرقٍ عقلية.

ومن الاستدلال العقلي في القرآن: قول الله تعالى مُصدِّقًا قول الشاهد: ﴿وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: 27]؛ وذلك لأن قطع القميص من الخلف دليلٌ على أن هذا الشخص كان يُلاحقه شخص من خلفه، وعليه فلا يكون هو المعتدي، وهي طريقة استدلالية عقلية مكوَّنة من مقدمات ونتائج.

وهذه الطريقة لا تُفيد القطع بالضرورة، وإنما تفيد تغليب الظن؛ لأنه قد يكون القميص قد قُطع بطريقة أخرى، كأن يكون لعدم قدرتها على دفعه من الأمام فأمسكته من الخلف وقطعت القميص، أو انزلق قميصه بسبب المشاجرة والفوضى فقطع من هذه الناحية، لكن تبقى هذه الاحتمالات ضعيفة. والمقصود أن الاحتمال الأول وإن كان لا يفيد اليقين فقد أقرَّه الإسلام، ولم ينفِ الاستدلال به.

وكذلك: (الدليل العقلي أو التجريبي) يُنظر فيه، إن كان الترجيح وفق قواعد علمية بحيث يصح تغليب الظن فيُسلَّم بذلك تغليبًا، ما لم يُخالف نصًّا شرعيًّا قطعي الدلالة والثبوت. وهذا المنطق الاحتمالي هو ما استخدمه علماء الحديث في طرق النقد، ومعرفة علل الحديث، وفق قواعد عقلية صحيحة.

الخاتمة:

تُظهر المعالجة السابقة أن ما يُظنّ تعارضًا بين الوحي والعلم التجريبي كثيرًا ما يعود إلى خللٍ في الفهم أو في التصور؛ إما في فهم النصوص الشرعية، أو في تقدير المعطيات العلمية. كما تبين أن العقل الصريح والحس السليم لهما منزلة معتبرة في المنظومة المعرفية الإسلامية، وأن علماء الإسلام لم يعارضوا التجربة ولا الملاحظة الحسية، بل جعلوهما من أصول النظر في الأمور الدنيوية، وفصّلوا في ذلك ضمن سياق التمييز بين مجالات الوحي ومجالات النظر الكوني.

وقد تناولت النقولات المستعرضة جملةً من القضايا التطبيقية التي شاع فيها الوهم بالتعارض بين الدين والعلم، مثل مسألة كروية الأرض، والجاذبية، والسبع أرضين، وغيرها، وبيّنت كيف تعامل العلماء مع هذه الظواهر بما يراعي المعطيات الحسية دون مصادمة النصوص، وبيّنت كذلك تحذيرهم من إنزال الآراء البشرية أو الأقوال الكونية لآحاد العلماء منزلة النصوص القطعية.

ويُلحَظ من مجموع ما سبق أن التراث الإسلامي لا يُقصي العقل ولا الحس، بل يضع كلًّا منهما موضعه، ويحذّر من مغبة تقديم الوهم أو التصورات القاصرة على المعطيات اليقينية، سواء أكانت من جهة الوحي أو من جهة الحس والعقل السليم.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) مجموع الفتاوى (11/ 490).

([2]) الروح (ص: 629).

([3]) مفتاح دار السعادة (2/ 212).

([4]) درء تعارض العقل والنقل (7/ 324).

([5]) ينظر: تدريب الراوي (1/ 277).

([6]) المنار المنيف (ص: 51).

([7]) أخرجه أحمد (628)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1904).

([8]) الرد على المنطقيين (ص: 134).

([9]) معيار العلم (ص: 61).

([10]) مجموع الفتاوى (5/ 150).

([11]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 78).

([12]) معيار العلم (ص: 62).

([13]) بدائع الفوائد (1/ 201).

([14]) زاد المسير (5/ 137).

([15]) ما دلّ عليه القرآن (ص: 117).

([16]) ما دلّ عليه القرآن (ص: 115-116).

([17]) تفسير القرطبي (18/ 162).

([18]) ما دلّ عليه القرآن (ص: 136).

([19]) ما دلّ عليه القرآن (ص: 137).

([20]) ينظر (probing question: what heats the earth’s core? penn state) على الرابط:

https://www.psu.edu/news/research/story/probing-question-what-heats-earths-core

([21]) ينظر: تفسير الطبري (18/ 431).

([22]) رسالة الوصول إلى القمر -ضمن رسائل العقيدة- (ص: 126).

([23]) (Weinberg, The First Three Minutes, Basic Books, pp. 15-30).

([24]) ينظر: تفسير الطبري (9/ 20).

([25]) الفيزياء ووجود الخالق (ص: 88).

([26]) (Paul Davies, God and the New Physics, p. 321-322).

([27]) رواه مسلم (2363).

([28]) سلسلَةُ الهُدَى والنُّور: الشَّريط 497؛ من الدَّقيقَة: 44:25، إلى الدَّقيقة 57:10.

([29]) تهافت الفلاسفة (ص:80).

([30]) درء تعارض العقل والنقل (1/ 136-137).

([31]) تهافت الفلاسفة (ص: 80).

([32]) أخرجه أحمد (628)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1904).

([33]) صحيح البخاري (4485).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

وهم التعارض بين آيات القرآن وعلم الكَونِيّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يمتاز التصوُّرُ الإسلامي بقدرته الفريدة على الجمع بين مصادر المعرفة المختلفة: الحسّ، العقل، والخبر الصادق، دون أن يجعل أحدها في تعارض مع الآخر. فالوحي مصدر هداية، والعقل أداة فهم، والحسّ مدخل المعرفة، والتجربة طريق التحقُّق. وكل هذه المسالك تتكامل في المنهج الإسلامي، دون تصادم أو تعارض؛ لأنها جميعًا […]

لا يفتي أهلُ الدثور لأهل الثغور -تحليل ودراسة-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في خِضَم الأحداث المتتالية والمؤلمة التي تمرُّ بها أمة الإسلام، وكان لها أثر ظاهر على استقرارها، ومسَّت جوانبَ أساسيّة من أمنها وأمانها في حياتها، برزت حقيقةٌ شرعيّة بحاجة لدراسة وتمييز، ورغم قيام العلماء من فجر الإسلام بواجبهم الشرعيّ في البيان وعدم الكتمان، إلا أنَّ ارتباطَ هذه الحقيقة بأحداث […]

مؤلفات مطبوعة في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (عرض ووصف)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: “السيد الحليم“، هكذا وُصف الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وقد كان سيِّدًا في المسلمين، حليمًا ذكيًّا ثقِفًا، يحسن إيراد الأمور وتصديرها، جعله النبي صلى الله عليه وسلم كاتبًا من كتاب الوحي القرآني؛ لأمانته وفقهه، وقد صح في فضله أحاديث، ومهما وقع منه ومن معه […]

جواب الاعتراضات على القدر المشترك (الجزء الأول)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: كنا كتبنا ورقةً علمية بمركز سلف للبحوث والدراسات حول مفهوم القدر المشترك، ووضّحناه وقربناه للعامة، وبقِيَت اعتراضات يوردها بعضهم عليه، وقد تُلبس على العامة دينَهم، وهذه الاعتراضات مثاراتُ الغلط فيها أكثرُ من أن تحصى، وأوسعُ من أن تحصَر، وبعضها ناتج عن عُجمة في اللسان، وبعضها أنشأه أصحابه على […]

ترجمة الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس (1349-1447هـ / 1931-2025م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الأرض تحيا إذا ما عاش عالمُها *** متى يمت عالمٌ منها يمُت طرَف كالأرض تحيا إذا ما الغيثُ حلّ بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلَف قال العلامةُ ابن القيم رحمه الله: “إن الإحـاطـة بـتراجم أعـيـان الأمـة مطلوبـة، ولـذوي الـمعـارف مـحبوبـة، فـفـي مـدارسـة أخـبـارهم شـفـاء للعليل، وفي مطالعة […]

‏‏ترجمة الشَّيخ محمد بن سليمان العُلَيِّط (1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ أبو عمر محمد بن سليمان بن عبد الكريم بن حمد العُلَيِّط. ويبدو أن اشتقاق اسم الأسرة (العُلَيِّط) من أعلاط الإبل، وهي من أعرق الأسر القصيمية الثريَّة وتحديدا في مدينة بريدة، والتي خرج من رَحِمها الشيخ العابد الزاهد الوَرِع التقيّ محمد العُلَيِّط([2]). مولده: كان مسقط رأسه […]

الأوراد الصوفية المشتهرة في الميزان

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الذكرَ من أعظم العبادات القلبية واللفظية التي شرعها الله لعباده، ورتَّب عليها الأجور العظيمة، كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، وقال سبحانه: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم على الأذكار الشرعية، وعلَّمها أصحابَه، وكان يرشِدهم إلى أذكار الصباح […]

مناقشة دعوى الرازي: “عدم هداية القرآن إلى العلم بالله وأنبيائه”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا جرم أن الله أنزل علينا قرآنا بدأه بوصفه: {لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} من إنس وجان، وتولَّى بنفسه حفظه لفظًا ومعنًى، وبَيَّنَه أتم بيان، وجعله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وحرَّر وفنَّد الشبهات التي ترِد على الفؤاد قبل أن ينطق بها لسان، فجلُّ ما استطاعه من […]

أصول الخطأ في الفتوى وأثره على حياة المسلمين المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عن معاوية رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»([1]). العلم هو أفضل ما رغب فيه […]

أشهر من امتُحنوا في مسألة خلق القرآن

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة إن فتنة القول بخلق القرآن من أعظم الفتن التي مرت بالأمة الإسلامية، وأشد المحن التي امتحن الله بها كثيرًا من العلماء والصالحين، حيث تعرض لها أئمة أعلام وفقهاء كبار، فثبتوا على الحق، ورفضوا الخضوع للبدع وأصحابها، وأفنوا أعمارهم في الذب عن عقيدة أهل السنة والجماعة، مؤكدين أن القرآن […]

بيانُ مركزِ سلف في الردِّ على فتوى دار الإفتاء المصريَّة بجواز طَلَب المدَدِ من الأموات

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومنِ اهتدَى بهداه. أما بعد: فقد أصدَرت دارُ الإفتاء المصريّة فتوى تجيزُ فيها طلَبَ المدَدِ منَ الأموات، وهو ما يُعدُّ من المسائل العظيمةِ التي تمُسُّ أصلَ الدين وتوحيدَ ربِّ […]

ردّ ما نُسِب إلى الإمام مالك رحمه الله من (جواز قتل ثُلُث الأُمَّة لاستصلاح الثلثين)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إن حفظ النفس من المقاصد الضرورية الخمس التي اتفقت في شأنها الشرائع، وبمراعاتها يستقر صلاح الدنيا والآخرة، وجاءت الشريعة الإسلامية بمراعاتها من جهتي الوجود والعدم. وبذل فقهاء المسلمين جهودهم في بيان تلك التشريعات والأحكام المتعلقة بحفظ النفس، إذ بها تنتظم حياة الناس وشؤونهم. ومما نُسِب إلى الإمام مالك […]

مشاهد وقباب آل البيت في بلاد الشام .. بين الحقيقة والخرافة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر في تاريخ بناء المشاهد والقباب في العالم الإسلامي يدرك منذ اللحظة الأولى أنّ الذي ساعد على نشر هذه البدعة السياسيون من أتباع المذاهب الباطنية التي تزعم الانتساب للتشيع لآل البيت، فالقرامطة والبويهيون والحمدانيون أول من بدأ ببناء الأضرحة كمزارات مقدّسة كالضريح المنسوب إلى علي بن أبي طالب؛ […]

المنهج العلموي في العلوم التجريبية… تقويم ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: شهد التاريخ الإسلامي ازدهارًا غير مسبوق في مجال العلوم التجريبية خلال القرون الأولى من الحضارة الإسلامية، حيث لم يكن العلم مفصولًا عن الدين، بل كان الاستكشاف العقلي للظواهر الطبيعية يُعدّ جزءًا من عبادة الله والتأمل في خلقه. فقد أسّس الحسن بن الهيثم منهجًا تجريبيًّا في دراسة الضوء والرؤية، […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى “ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017