
ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1362 – 1447هـ)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
اسمه ونسبه([1]):
هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
مولده ونشأته:
وُلِد سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله بمدينة مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 1362هـ. وقد شاء الله أن يذوق مرارة اليُتم مبكراً، إذ تُوفي والده عام 1370هـ وهو في الثامنة من عمره فقط، فكان لذلك الأثر البالغ في صقل شخصيته وتقوية عزيمته، حيث نشأ مُعتمداً على نفسه مستعيناً بالله تعالى، في بيئة احتضنته ووجهته نحو العلم وحفظ القرآن.
وكان من أبرز من أخذ بيده في صغره الشيخ محمد بن سنان، الذي تولى تحفيظه كتاب الله تعالى بعد ثلاث سنوات من وفاة والده، فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وهو ما شكّل الأساس المتين لمسيرته العلمية والشرعية، وقد واجه الشيخ ابتلاءً عظيماً حين فقد بصره في مطلع العشرينات من عمره، إلا أنه حوَّل هذا الابتلاء إلى منحة ربانية؛ فزاده صبراً واحتساباً، وأكسبه تفرغاً أعمق للتأمل والعلم والعبادة، حتى أصبح مثالاً للعالم الذي لم تحل العوائق الجسدية دون تحقيق رسالته.
وعلى الصعيد الاجتماعي والأسري، رُزق رحمه الله بأربعة أبناء هم: عبدالله، ومحمد، وعمر، وعبدالرحمن، وكان هذا الامتداد الأسري أحد مظاهر توازنه بين مسؤولياته العلمية والدعوية، وبين واجباته الأسرية التي أدّاها بوفاء وحسن رعاية.
تلقيه للعلم:
حفظ القرآن الكريم مبكرا على يد محمد بن سنان، ودرس العلم الشرعي على مفتي الديار السعودية الأسبق محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فقرأ عليه كتاب التوحيد والأصول الثلاثة والأربعين النووية وذلك من عام 1374 هـ حتى عام 1380 هـ.
كما قرأ على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الفرائض في عام 1377 هـ وعام 1380 هـ.
وقرأ على الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد رحمه الله الفرائض والنحو والتوحيد وذلك في عام 1379 هـ.
وفي عام 1375 هـ و1376هـ قرأ على الشيخ عبد العزيز الشثري عمدة الأحكام وزاد المستقنع.
أما دراسته النظامية، ففي عام 1374هـ التحق بمعهد إمام الدعوة العلمي بالرياض، ثم تخرج منه والتحق بكلية الشريعة بالرياض عام 1380 هـ، وقد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الشرعية واللغة العربية منها وذلك في العام الجامعي 1383 / 1384هـ.
حياته العملية:
عين مدرسا في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض من عام 1384هـ حتى عام 1392هـ، وانتقل إلى كلية الشريعة بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث كان يعمل أستاذا مشاركا فيها.
وبالإضافة إلى التدريس بها يقوم بالإشراف والمناقشة لرسائل الماجستير والدكتوراه في كل من كلية الشريعة، وأصول الدين، والمعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكلية الشريعة التابعة لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بالإضافة إلى التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض، والعضوية والمشاركة بالمجالس العلمية بالجامعة.
وفي شهر شوال عام 1407هـ عين عضوا في هيئة كبار العلماء، وقد تولى سماحته الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم بدخنة بالرياض بعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وذلك في عام 1389هـ.
وفي شهر رمضان عين خطيبًا في الجامع الكبير بالرياض.
وفي عام 1402 هـ عين إماما وخطيبا بمسجد نمرة بعرفة، وبقي خطيبا لمدة 35 سنة، فمنذ أن اعتلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ منبر مسجد نمرة بعرفة ظل حاضرًا في المشهد الديني الأكبر للمسلمين كل عام حتى خطبته الأخيرة عام 1436هـ؛ ليصبح بذلك أطول خطيب لعرفة في التاريخ الحديث، على مدى ثلاثة عقود ونصف، وارتبط صوته بمناسك الحج.
ثم عضوا في هيئة كبار العلماء عام 1407هـ.
وفي عام 1412هـ، أصبح عضوا متفرِّغا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمرتبة الممتازة. وفي نفس العام عين إماما وخطيبا بجامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض.
كما صدر أمر ملكي عام 1416ه بالأمر الملكي رقم (838) بتعيينه نائبا للمفتي العام للمملكة بالمرتبة الممتازة.
ثم صدر أمر ملكي بتعيينه مفتيا عامّا للمملكة ورئيسا لهيئة كبار العلماء، ورئيسا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير بتاريخ 29 محرم 1420هـ/14 مايو 1999م، بعد وفاة المفتي السابق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
أما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقد استمرت علاقته العلمية مع الجامعة بعد أن انتقل منها، وذلك من خلال التدريس في المعهد العالي للقضاء، والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه.
ولسماحته حضور مميز في المحافل العلمية، إضافة إلى المشاركة في الندوات وإلقاء المحاضرات والدروس، وكذلك المشاركة في البرامج الدينية في الإذاعة والتلفاز([2]).
في رحاب أخلاقه:
مثّل سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ نموذجاً بارزاً للعالم الرباني الذي جمع بين سعة الفقه، وحسن الاعتدال، وحكمة التوجيه والإرشاد في حياة الأمة، فقد كان حضوره العلمي والإرشادي مؤثراً في مختلف الميادين، إذ لم يكن مجرد ناقل للعلم، بل مربياً وموجهاً، يسهم في تهذيب الوعي العام ورسم معالم الاعتدال الشرعي في النوازل والفتن.
وقد نشأ الشيخ رحمه الله منذ نعومة أظفاره في بيئة صالحة غرست فيه مكارم الأخلاق، فكان مثالاً للورع والتقوى، ومظهراً للإخلاص في القول والعمل، كما عُرف بصفاء مقاصده وإخلاص نصحه لولاة الأمر ولعموم المسلمين، ومن الصفات التي عُرفت عنه محبته للناس، وحرصه على مصالحهم، وعطفه الخاص على طلاب العلم الذين وجدوا فيه الأب المربي كما وجدوا فيه العالم الراسخ.
في الخلق، كان الشيخ عبدالعزيز نموذجاً نادراً في تواضعه وإخلاصه، يلين كلامه في مجلسه، لا يرد باحتدام ولا ينفر بسخط، بل كان رحيماً بطبعه مع طلاب العلم، محباً لهم يحفزهم ويرفق بهم، يصغي لهم بكل ود، وينهل من علم زملائه وأقرانه ويثني عليهم، لم يكن ينشغل بالخلافات، بل كانت همته العلم والتعليم، ومشاعره ملأى بالتسامح، ويدعو للائتلاف وجمع الكلمة، مانعاً الشتائم والنيل من العلماء أو الدعاة.
يقول عنه الأستاذ فهد العماري: “جاءتني رسالة على البريد من أحد موظفي مكتبه: (نرغب منكم زيارة سماحة المفتي في بيته حيث قرأ عليه في كتابك ( التحفة )) فقلت في نفسي لعلي كتبت شيئا فيه مخالفة للإجماع أو المصلحة ونحوها ، فلما دخلت بيته في مكة وانتظرته فلما دخل علينا وجلس في مجلسه وسأل عني وقال أين فلان قالوا بجوارك.فقال قرأنا كتابك واستفدنا منه …إلخ فقلت أنتم أهل العلم والإفادة ثم قال ماذا عندك من المسائل التي عرضت عليك وفيها غرابة فذكرت له شيئاً من ذلك فقال ماذا أجبتم ؟ فقلت العلم عندكم ومنكم نستفيد فقال لابأس نريد نسمع ونستفيد” وهذا من تواضعه الجم رحمه الله.
كما كان مهتماً بشؤون طلبة العلم في الداخل والخارج، معتبرًا إياهم سفراء الأمة الذين يبثون العلم والوسطية في أوطانهم.
ومما تميز به اتزانه وثباته عند وقوع الفتن، حيث لم يشارك في المهاترات التي لا مردود لها، وإنما اختط لنفسه منهج الحكيم الناصح الذي يزن الأمور بميزان العلم والعقل، ملتزماً جانب الصمت أو البيان الرشيد متى اقتضت المصلحة الشرعية ذلك، لقد اجتمعت في شخصيته محاسن العلم والعمل والعقل معاً، فكان بحق قدوة في جمع ما تفرق في غيره من صفات.
في رحاب عبادته:
كانت حياة الشيخ عبدالعزيز رحاباً للإيمان والعبادة، عرف بين من عرفه بختمه القرآن كل ثلاثة أيام، وكثرة قيامه الليل وطول صلاته فيه، حيث كان يعلو في صلاة العشاء بالمصحف بين يديه ساعة تلو الساعة، مزمراً بنغمة الذكر والتأمل، وقد جمعت سيرته بين هذه العبادات وبين عطاءه العلمي المتواصل الذي لم ينقطع أبداً، فدرّس في الجامع والجامعة ومقرات العلم، وتفرّغ ناقلاً ومنشراً للعلم مع المحافظة الصارمة على وسطية المنهج، رافضاً التطرف والغلو، وملتزماً بتعظيم الدليل من الكتاب والسنة وسلف الأمة دون تعصب لمذهب أو اتجاه.
يذكر عنه الشيخ ياسر بن عبدالعزيز الثميري – وهو أحد المقربين منه- أنه رحمه الله كان يطيل قيام الليل، وقد يبدأ من الحادية عشر ليلا، كما كان لا يترك صلاة الضحى.
وكان قد حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ومنذ ذلك الحين إلى وفاته لم ينقطع عن تلاواته ومراجعته، وكان يختم القرآن كل ثلاثة أيام، فقيل له لو ختمت كل أسبوع، فقال: هداك الله، إن فلانا يختم كل ليلة، ليتني مثله.
ومن المواقف المشهودة له حرصه على الوفاء لعلماء الأمة وأئمتها، إذ قام بأداء فريضة الحج عن عدد من الأعلام الذين لم يتيسر لهم القيام بها، مثل الإمام ابن عبد البر المالكي، وابن حزم الظاهري، والمنذري، والإمام النووي الشافعي، وابن رجب الحنبلي. وقد كان هذا الفعل النبيل تعبيراً عن وفائه لجهود هؤلاء الأئمة، واستشعاراً لحقهم على أهل العلم والفضل، حتى عُدّ من الأعمال الفريدة التي لم يُسبق إليها.
كما كان رحمه الله كثير الورع والتحري، فمع أنه كان عضوا في هيئة كبار العلماء، ثم ار رئيسا لها إلا أنه كثيرا ما كان يقول: الله أعلم، وربما اعتذر عن الجواب وأحال السائل على بعض أقرانه من الشيوخ.
فرحمة الله عليه رحمة واسعة، فقد ترك علماً باقياً وسيرة طيبة، نسأل الله أن يجزيه عن الأمة خير الجزاء، وأن يبارك في آثاره وعطائه، ويخلفها خيراً في علمائها ومرشديها.
نتاجه العلمي:
قدّم سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عطاءً علمياً واسعاً تمثل في مؤلفات عديدة ودروس شرعية متواصلة، تنوعت موضوعاتها بين الفتاوى المتصلة بالمعاملات والعبادات، وأحكام العقيدة، وقضايا الحلال والحرام التي يحتاجها عامة المسلمين في حياتهم اليومية، وقد تميزت كتاباته بالوضوح والاعتماد على النصوص الشرعية، مقرونةً بالمنهج الوسطي الذي يبتعد عن الغلو والتفريط، مما جعل نتاجه العلمي محل ثقة واعتماد لدى شرائح واسعة من المجتمع.
إلى جانب ذلك، عُرف الشيخ بنشاطه الواسع في مجالات التعليم الشرعي والإرشاد الدعوي، إذ قدّم الدروس والمحاضرات بانتظام، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية التي تناولت قضايا الأمة المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية، كما كان له حضور دائم عبر وسائل الإعلام والبرامج الدينية التي وصلت إلى الملايين، فساهم ذلك في نشر العلم الشرعي الصحيح وتعزيز المرجعية الدينية لدى عامة الناس.
ومن أبرز محطاته الدعوية ما اشتهر به من خطب الجمعة المؤثرة في الحرمين الشريفين، وفي عدد من مساجد المملكة، حيث ألقى مواعظ جامعة تجمع بين البيان الشرعي العميق والأسلوب المربّي النافع. وقد انعكس أثر هذه الخطب في ترسيخ القيم الإسلامية، وحثّ المجتمع على التمسك بالفضائل، والتحذير من عوامل الانحراف والفرقة.
كما ارتبط اسمه بنشر مبادئ الوسطية والاعتدال، فكان يوازن بين متطلبات الحفاظ على الثوابت الشرعية وبين مواكبة قضايا الواقع وتحدياته، الأمر الذي جعله من أبرز الأصوات العلمية التي مثّلت منهج الاعتدال الإسلامي في الداخل والخارج. وبذلك اجتمعت في جهوده العلمية والدعوية عناصر التأصيل الشرعي، والتوجيه المجتمعي، والدعوة العالمية، مما يزيد من قيمة أثره العلمي والديني بعد وفاته رحمه الله.
ومن أهم مؤلفاته التي هي له أو جمعت من دروسه وخطبه:
1/ جامع خطب عرفة لعبد العزيز آل الشيخ.
2/ حرمة الإفساد في الأرض.
3/ حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقع في 126 صفحة.
4/ رسائل وفتاوى عبدالعزيز آل الشيخ.
5/ كتاب الله عزوجل ومكانته العظيمة.
6/ فتاوى نور على الدرب، عدة أجزاء.
7/ رسائل وفتاوى عبدالعزيز آل الشيخ.
إضافة إلى أن سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله خدم الإسلام والمسلمين بدروسه وفتاواه التي استمرت لسنوات طويلة، ومن أشهر برامجه برنامج “نور على الدرب” الذي كان مفتياً فيه ويجيب عن أسئلة المستمعين يومياً.
وفاته:
أعلن الديوان الملكي السعودي الثلاثاء 1، 4، 1447هـ، وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي، وصلي عليه بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبد الله بمدينة الرياض، كما صلي عليه صلاة الغائب في الحرمين الشريفين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
- المعجم الجامع في تراجم المعاصرين (ص: 171).
- مجلة البحوث الإسلامية – العدد السادس والخمسون ذو القعدة – ذو الحجة 1419 هـ محرم – صفر 1420هـ.
- عبدالله زقيل- صيد الفوائد: سيرة فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
- مدادMidad – العلماء والدعاة – عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
- عقيدة المسلم: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ | موقع عقيدة المسلم
([2]) ينظر: مجلة البحوث الإسلامية – العدد السادس والخمسون ذو القعدة – ذو الحجة 1419 هـ محرم – صفر 1420 هـ، المعجم الجامع في تراجم المعاصرين (ص: 171).