الثلاثاء - 21 شوّال 1445 هـ - 30 ابريل 2024 م

تنظيم السلوك الاجتماعي من خلال سورة النور

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 لقد اهتمّت جميع الفلسفات بالحوادث اليومية التي تصدر عن النشاط الاجتماعي، ومدى تأثيرها على حياة الفرد سلبًا أو إيجابًا، ولم تختلف هذه الفلسفات أن راحة الإنسان وسعادته في مقدرته على إدارة علاقاته الاجتماعية وتنظيم سلوكه وفق منظومة أخلاقية منسجمة ترتكز على مجموعة من القيم النبيلة والمبادئ الواضحة.

وقد شكّل السلوك الاجتماعي ووضع الصورة النموذجية له عقدة لجميع المنظّرين في هذا المجال على مر العصور، مع اتفاقهم على أهميته واختلافهم بعدد أنفاسهم في كيفيته، ومع ما للعقل من مكانة في إدراك حسن الأشياء وقبحها إلا أنه لم يتمكَّن منفردًا من ترتيب الأخلاق الاجتماعية ترتيبًا لائقًا يمكن من خلاله إيجاد منظومة متكاملة يرجع إليها الناس في علاقاتهم، فهو قد يدرك قبحَ الشيء، لكن مع انتشاره أو وجود معنى فيه كالشهوة يَضعُف العقل عن تقبيحه، أو يرضخ للعادة، وقد يبالغ في التّقبيح فتأتي العقوبة أكبرَ من الجرم الأخلاقي، كما هو حال العرب في وأد البنات خوفَ العار، فهم أدركوا قبحَ الزنى لكنهم عاقبوا من لم يصدر عنه، فالإجراء الوقائي عندهم لا يتناسب مع طبيعة الجرم، وبالغت عقول أخرى في معنى السماحة والمروءة، فخرجت بالسماحة عن معناها إلى المذلة، وبالمروءة عن معناها إلى ضياع الحق والرضا بالضيم.

وفي جانب آخر – ألا وهو تسيير الحياة اليومية – قصدت بعض الفلسفات إلى زوال الكلفة والمشقة، فوقعت في انتهاك الخصوصية وعدم احترامها؛ ممّا أوقع هذه المجتمعات في حرج شديد ومشقّة فادحة.

وقد جاء القرآن مبيّنًا لأصول الأخلاق، ومكمِّلًا للمعاني الحسنة التي وُجدت عند الناس، فألقى كلَّ سلوك سيّئ عند الفرد والمجتمع، ورشَّد بعض السلوكات الأخرى، وجعل لها حدودًا وضوابطَ تتناسب مع حياة الناس وما يطرأ عليهم من عوارض وأحكام، ويكفيك -أيها القارئ الكريم- في إدراك اهتمام القرآن بالأخلاق أن تعرف أنّ خلق النبي صلى الله عليه وسلم كان محصورًا في تمثّل القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها([1]).

وعليه فلا يمكن لبحث أن يستوعب موضوع الأخلاق في القرآن؛ لأنه باختصار هو سيرة النبي اليومية وتمثّله للقرآن في حياته وفي علاقاته، لكن حسبنا أن نقوم بالإشارة المفهمة والتعبير المبين لبعض هذه المعاني؛ مقتصرين في ذلك على سورة النور، وهي سورة من بين سور متعددة أخذ الحديث عن السلوك الاجتماعي فيها جانبًا كبيرًا من موضوعاتها، ودونك -أخي القارئ-نبذة عن السورة، وعن أهم ما ورد فيها مجملا مما يتعلق بموضوعنا، على أننا سوف نفصله:

بين يدي السورة:

سورة النور سورة مدنية، تناولت كثيرًا من الأحكام الشرعية التي تتعلق بسلوك المسلم، سواء كان سلبيًّا أو إيجابيًّا. ومن بين الأحكام التي تناولتها: سلوكُ المسلم تجاه زوجته فيما يعرض له من شكّ فيها، وكيفية معالجة ذلك الشكِّ في حالة انتقل من وهم إلى حقيقة، ومن حقيقة إلى قضية قضائية، وهو ما يعرف باللّعان. ثم تناولت أحكام القذف، وبينت حكم القاذف والمقذوف، وكيفية تناول الأخبار التي تتعلق بالشأن العام أو أعراض الناس، كما تناولت حكم دخول البيوت وآداب دخولها؛ من استئذان وغيره، ومراعاة الأوقات المناسبة لذلك، ومتى تزول الكلفة عن الإنسان، ومتى ينبغي أن يراعي الخصوصية المنزلية للآخرين. ثم تناولت قضية محورية مهمة تتعلق بزوال الكلفة عن المرأة، ومتى يكون ذلك، ومتى يجب عليها أن تراعي الحشمة والحياء في حالة وجود الآخرين بجانبها. ثم علَّقت على السلوك الشرعي المناسب للمسلم تجاه الطرف الآخر من المجتمع رجالا أو نساء، وبيَّنت أنَّ مبنى ذلك على الاحترام ومراعاة شرع الله في حقِّ الآخرين، ثم ختمت السورة بآداب المسلم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجالس التي تطبعها الجدية والاحترام.

وفيما يلي تفصيل ما ذكر في هذه السورة من سلوك اجتماعي:

السلوك الاجتماعي تجاه الشائعات:

لقد كانت حادثة الإفك درسًا عظيمًا اكتشف المسلمون من خالها خطورة التساهل في تناول الشائعات والتفاعل معها، فقد أشاع المنافقون حادثة الإفك وتبنَّوها وردَّدوها، حتى وقع في تصديقهم بعض فضلاء المجتمع ممن شهد بدرًا، ومن كانت له السابقة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان لهذه الحادثة تداعيات خطيرة على المجتمع، نتجت عنها سلوكات لم تكن مرضية أيضًا تجاه من وقع خطأً في هذا الإثم وتلقّفه، وقد علقت هذه السورة على كل تلك السلوكات وانتقدتها، وبينت الطريق السليم لتناول الأخبار والشائعات، وكيفية التعامل معها، كما رفضت ردة الفعل التي صدرت عن بعض الصحابة تجاه بعض المعنيين بالحادثة.

فافتح الله الحديث عن هذه الحادثة بأنها درس مهمّ للمسلمين، وبيَّن الفوائد التي سوف يستفيدونها من هذه التجربة المرَّة، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11].

فأرشد في هذه الآية إلى أن تناول هذا الخبر يوجب الإثم، وهو يختلف بحسب الغرض منه والمنشئ له أصالة دون غيره، وعقَّب ذلك بالتنفير من سرعة التناول له والتكلم به دون مراعاة حقوق الآخرين، وجعل المتسرّع في نقل الأخبار وتداولها كالذي لا عقلَ له يتناول الأمور بلسانه دون أن يرجع في ذلك إلى عقله وينظر في عواقبها، فقال: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم} [النور: 15]، “أي: لا تبعة له ولا عقوبة على مشيعه، {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أي: والحال أنه عظيم في الوزر واستجرار العذاب. قال المهايمي: لأن الجراءة على رسول الله وعلى أوليائه تشبه الجراءة على الله تعالى. قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله: {بِأَفْواهِكُمْ} والقول لا يكون إلا بالفم؟! قلت: معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب، فيترجم عنه اللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولا يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم، من غير ترجمة عن علم به في القلب؛ كقوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167]”([2]). “فذكر الأفواهَ -وكذا الألسنة- مع العلم بها بالحس لبيان ما ذكر، أي: أنه قول لا يعدوها ولا يتجاوزها إلى شيء في الوجود، فهو كما يقول العوام: كلام فارغ”([3]).

ولما انتهى من التشنيع على طريقة تناول الخبر نهى عن العود له، وبيَّن خطر ذلك على المجتمع المسلم، وخطر إرادة الشرّ له في التفاعل مع الأخبار السيئة، فقال سبحانه: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} يَعْنِي: أَن تذيع وتشتهر، {فِي الَّذِينَ آمَنُوا} أَي: عَائِشَة وَصَفوَان وَآل أبي بكر، وَكَانَت إشاعتهم أَن بَعضهم كَانَ يلقى بَعْضًا فَيَقُول لَهُ: أما بلغك كَذَا وَكَذَا من خبر عَائِشَة؟!

وَقَوله: {لَهُم عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا هُوَ الْحَد، وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة هُوَ النَّار.

وَقَوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} يَعْنِي: بَرَاءَة عَائِشَة وَأَنه خلقهَا طيبَة طَاهِرَة([4]).

ومع خطر هذه الحادثة وكثرة تداعياتها على المجتمع فإن القرآن لم يكتف بتهذيب السلوك الاجتماعي لدى متناولي الأخبار بشكل فضولي، بل أيضا التفت إلى الجهات المعنية والمتضررة، ولم يقبل منها كذلك ردة الفعل التي لا تتناسب مع الأخلاق الإسلامية تجاه القضايا الاجتماعية، فقد كان أبو بكر رضي الله عنه -وهو ثاني رجل بعد النبي صلى الله عليه وسلم يتضرر من خبر حادثة الإفك- قد تفاعل معه، وآلى أن يقطع نفقة بعض أقاربه ممن شارك بالحديث في هذه القضية، فأنزل الله آية تعالج هذا السلوك، وتنهى عنه؛ ليبقى المجتمع على صفائه ونقائه؛ بعيدًا عن الثارات والشنآن، قال سبحانه: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [النور: 22].

وهذه الآية نزلت في أبي بكر، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ، فقال: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ: بَلَى وَاللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجعَ إِلَى مِسْطَحٍ النفقة التي كان ينفقها عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا([5]).

وحتى لا تتكرر هذه الحادثة مرة أخرى في المجتمع فقد جعلها القرآن سببًا في تبيين حكم آخر وهو: أن من كانت من المحصنات الغافلات عن المعاصي فتصرفت بمقتضى براءتها وبُعدها عن المعاصي وعدم خطورها ببالها لا يجوز رميها بالمعصية، ومن فعل ذلك فقد باء بذنب عظيم، وهذا تعليق من القرآن، والتعميم هو استغلال للسبب في تبيين الحكم العام كما صرح بذلك المحققون من المفسرين قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [النور: 23]. قال ابن زيد: “هذا في عائشة، ومن صنع هذا اليوم في المسلمات فله ما قال الله، ولكن عائشة كانت إمام ذلك”([6]).

وتعليق القرآن على هذه القصة واستغلال جميع جوانها وآثارها وتعميم أحكامها على الناس دليل على عمق النظرة القرآنية للسلوك الاجتماعي، فهو لا يرى الفعل الصادر عن الإنسان سلوكًا فرديًّا معزولًا عن الواقع والحياة، بل له انعكاسات كثيرة وتداعيات نفسية وأخلاقية على الفرد وعلى المجتمع، وعليه فلا يمكن النظر إلى كل تصرف على أنه قول ومجرد تعبير عن الرأي منعزل عن دوافع صاحبه وعن تأثيراته وأضراره التي يدفع ثمنها الآخرون في المجتمع، فهذه الحادثة كان لها أضرار معنوية خطيرة، رغم بساطتها في نظرة المتناولين لها ابتداء وخوضهم فيها، فقد كادت أن تضرب مصداقية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم بين المجتمع المسلم، وهذا يفقد المجتمع القدرة، ويعطي انطباعا سلبيًّا عن القيادة الدينية لهذا المجتمع، كما أنها أثرت على العلاقات الاجتماعية بين بعض الأقارب، كما هو الحال في قصة أبي بكر ومسطح بن أثاثة رضي الله عنهما، وقد عالج القرآن كل هذه الآثار السلبية، وأرشد إلى السلوك الإيجابي فيها، وهو التثت وطلب البينة وعدم تتبع العورات أو الأخذ بالثارات.

مراعاة الخصوصية الفردية والأسرية:

لا شك أن انتهاك الخصوصية يدل على مستوى عال من تدني الوعي الاجتماعي، وكثير من الناس يقوده الفضول إلى جعل خصوصية الآخرين جزءًا من اهتماماته الثقافية، وأحيانا الدينية، وقد وسع الشرع مفهوم الخصوصية فلم يقصرها على الإنسان وحده، بل جعلها تشمل أشياءه وما يحيط به، وقدم كثيرا من الإرشادات الشرعة التي تدل على مراعاتها، وفي أكثر من جانب من جوانب الحياة. من هذه الخصوصيات:

خصوصية البيت:

فقد تحدثت السورة عن مراعاة هذه الخصوصية في جوانب متعددة، منها حكم دخول البيت وأوقات الزيارة وحكم الأكل فيه، وما هو حرج من ذلك وما ليس بحرج، فشرعت الاستئذان أولا عند إرادة الدخول؛ لما في الدخول بدونه من انتهاك لحرمة الخصوصية، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27]([7]).

وسبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري وغيره عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحبّ أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل عليّ، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29].

ومد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غايةٍ هي الاستئناس، وهو الاستئذان، قال ابن وهب: قال مالك: الاستئناس فيما نرى -والله أعلم- الاستئذان، وكذا في قراءة أبيّ وابن عباس وسعيد بن جبير: (حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا). وقيل: إن معنى: {تَسْتَأْنِسُوا}: تستعلموا، أي: تستعلموا من في البيت، قال مجاهد: بالتنحنح أو بأي وجه أمكن، ويتأنى قدر ما يعلم أنه قد شعر به، ويدخل إثر ذلك([8]).

والسنّة في الاستئذان أن يكون ثلاث مرات، قال مالك: الاستئذان ثلاث، لا أحبّ أن يزيد أحد عليها، إلا من علم أنه لم يُسمع، فلا أرى بأسًا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع. وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلامُ عليكم، أأدخل؟ فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثًا، ثم ينصرف من بعد الثلاث([9]).

فعن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعًا، فقلنا له: ما أفزعك؟ قال: أمرني عمر أن آتيه، فأتيته فاستأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قلت: قد جئت فاستأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذَن أحدُكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع»، قال: لتأتينَّ على هذا بالبينة، قال: فقال أبو سعيد: لا يقوم معك إلا أصغر القوم، قال: فقام أبو سعيد معه فشهد له([10]).

وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} تَوَعُّدٌ لِأَهْلِ التَّجَسُّسِ عَلَى الْبُيُوتِ وَطَلَبِ الدُّخُولِ عَلَى غَفْلَةٍ لِلْمَعَاصِي وَالنَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، ولغيرهم ممن يقع في محظور([11])، وقد عدَّ العلماء طلب الاستئذان واجبًا، والدخول بدونه محرَّمًا، وهذا محلُّه ما لم يكن البيت للشخص المستأذِن، فإذا كان له فإنه نُدب له أن يستأذن على أمه وأخته وكل من لم تزل عنه الكلفة معه في جميع الأحوال، بخلاف الزوجة، وهذا أدب رفيع وإرشاد قرآني بديع، سببه مراعاة خصوصيات الناس وعدم الاطلاع على عوراتهم؛ ولذلك أذن الشرع في البيوت التي لم تسكن؛ لأن العلة هي حرمة الاطلاع على العورات وانتهاك الخصوصيات، فإذا زالت العلة زال الحكم؛ ولذا قال سبحانه بعدها: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُون} [النور: 29].

وتعليق الدخول بالمتاع -وهو المنفعة كما هو قول المحققين من أهل التفسير- جعل الحكم عامّا في كل ما للإنسان فيه منفعة، ويتردد عليه باعتبار هذا المعنى، وما هو مشترك مما يعسر طلب الاستئذان فيه كالمدارس والجامعات والفنادق وغيرها مما لا تتحقَّق فيه خصوصية لفرد بعينه([12]).

احترام الخصوصية في الزيارة:

لم يمنع الشرع زيارة الناس في بيوتهم كما هو حال قيم المجتمعات المتفككة التي تندر فيها المروءة، ويرتفع منسوب الخصوصية والمنفعة فيها على حساب الإحسان، وإنما رشَّد الإسلام الزيارة، وجعل لها ضوابط وأوقاتا لكي لا يقع الحرج على الناس بسبب الفضوليين الذين لا يعرفون الخطوط الحمراء في العلاقات الاجتماعية، فكانت هذه السورة للسلف في آداب الزيارة أولا، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [النور: 58].

والآية تتحدث عمن يكثر منه التردّد على البيت من الإيماء والعبيد ومن في معناهم من العمال، وترشد إلى أن ثمة أوقاتًا مخصوصةً ينبغي مراعاتها من الجميع ذكورا وإناثا كما هو قول أهل التحقيق من المفسرين([13]).

وهذه الأوقات يستأذن فيها من كان من المفترض أن يرفع عنهم الحرج في الدخول دون إذن، وهم العمال والعبيد ذكورا وإناثا، ومن لم يبلغ الحلم من الأحرار، لكنه يميز ويستطيع وصف ما رأى، فإنه يستأذن كذلك([14]).

وإنما خصَّ هذه الأوقات الثلاثة لأنها أوقات خلوات الرجل مع أهله؛ ولأنه ربما بدَا فيها عند خلوته ما يكره أن يرى من جسده، فقد روي أن عمر بن الخطاب كان في منزله وقت القائلة، فأنفذ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من أولاد الأنصار يقال له: مدلج، فدخل على عمر بغير إذن، وكان نائمًا، فاستيقظ عمر بسرعة، فانكشف شيء من جسده، فنظر إليه الغلام، فحزن عمر فقال: وددت لو أن الله بفضله نهى أبناءنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذننا، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت، فخرَّ ساجدًا شكرًا لله([15]).

ثم بين حكم استئذان البالغ وأنه عام في جميع الأوقات، فقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [النور: 59].

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فقالت أسماء: يا رسول الله، ما أقبح هذا! إنه ليدخل على المرأة وزوجها -وهما في ثوب واحد- غلامهما بغير إذن، فأنزل الله في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} من العبيد والإماء {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ} قال: من أحراركم من الرجال والنساء([16]).

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في هذه الآية قال: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن([17]).

قال ابن كثير رحمه الله: “هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض، وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال: الأول من قبل صلاة الغداة؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم، {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} أي: في وقت القيلولة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال؛ لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله، ونحو ذلك من الأعمال”([18]).

وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} أَيْ: الاحتلام، يريد الأحرار الذين بلغوا، {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} أي: يستأذنوا في جميع الأوقات في الدخول عليكم، {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من الأحرار والكبار. وقيل: يعني الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى([19]).

وقيل: إنه إحالة إلى الآية قبل، قال الطاهر بن عاشور: “{وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} في موقع التصريح بمفهوم الصفة في قوله: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} ليعلم أن الأطفال إذا بلغوا الحلم تغير حكمهم في الاستئذان إلى حكم استئذان الرجال الذي في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} الآيات، فالمراد بقوله: {الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} فيما ذكر من الآية السابقة، أو الذين كانوا يستأذنون من قبلهم، وهم كانوا رجالا قبل أن يبلغ أولئك الأطفال مبلغ الرجال”([20]).

فهذا الاهتمام من القرآن باحترام الخصوصية الأسرية المتمثلة في ترشيد الزيارة، وبيان مَن يحقّ له الدخول ومن لا يحق، ومتى يكون ذلك، كل هذا دليل على أهمية السلوك الاجتماعي الإيجابي وخطر السلوك السلبي، فلو لم تكن المسألة ذات أهمية لأغفلها القرآن كما أغفل بعض المسائل وتركها عفوًا، ولم تكتف السورة بهذه الخصوصية الأسرية، بل تناولت جانبًا آخر مُهِمًّا، وهو خصوصية المرأة في نفسها، ومتى تكون خصوصية، ومتى يفتح الباب من أجل رفع الحرج، وهو ما تناولته الآيات من حكم إبداء الزينة، ومن يحق له أن يراها ومن لا.

حكم زينة المرأة بالنسبة للرجال:

من المعلوم أن التحفّظ في اللباس بالنسبة للمرأة يصعب في كل وقت ومع كل أحد، لكنه في المقابل مهمّ لما يترتب عليه من انتهاك الخصوصية النسوية، وما يترتب على ذلك من آثار كارثية على المجتمع، فقد بيّنت هذه السورة أحكام هذه الخصوصية والتي تختلف بحسب النساء في أنفسهن، كما أنها تختلف بحسب الرجال كذلك وعلاقتهم بالمرأة، قال سبحانه: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

لسنا هنا بصدَد شرح معنى الزينة وما يدخل في معناها وما يخرج منها، وقد راعى الإسلام في الأمر بغض البصر وإخفاء الزينة جانبًا مهمًّا من حياة الناس وهو الشهوة؛ إذ هي الدافع الحقيقي لكثير من تصرفات الناس وسلوكهم السيئ تجاه الآخرين، فحسمت الشريعة هذا الباب وأغلقت ذرائعه، ونظرا لما يترتب على هذا التحفظ من حرج فقد استثنت الشريعة كل ما يوجب الحرج ويوقع في المشقة، فاستثنت الأقارب والعبيد ومن ليس له رغبة في النساء من الرجال أو الأطفال الذين لا يميزون العورات، وهذا التسامح من الشريعة يعدّ قمة في تفهّم الحاجات الاجتماعية للمجتمعات، كما أن ترشيدها للعلاقة بين الرجال والنساء يعدّ سمة من سمات تنظيم السلوك الاجتماعي؛ لأنه إذا لم تضبط علاقات الأفراد بعضهم ببعض -وخصوصًا بين الرجال والنساء- فإن المجتمع يبقى في أمر مريج.

ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذه الآيات كانت تتنزل على المجتمع الأول، وهو مجتمع جمع بين معرفة الجاهلية الأولى والإسلام كما أراده الله ورسوله صلى الله عليه سلم؛ فكان الصحابة نموذجا عمليًّا لتطبيق هذه الآيات في صورتيها المثالية والواقعية، والناس تبع لهم.

ولم تقف السورة عند هذا الحدّ، فدخول البيت والأكل فيه يحتاج أيضًا تنظيمًا؛ لأنه قد يتعارض مع هذه الأوامر؛ لأن البيت إذا أُذن فيه يدخله بطبيعة الحال من ليس من هؤلاء الذين رُفِعَ عنهم الحرج، ففتحت الشريعة ذريعة الأكل والدخول مع الضوابط التي تراعي معنى الإحسان والتواصل بين أطياف المجتمع، لكنها لا تتسامح فيما يمكن أن يجر إلى معصية أو ضرر أخلاقي، فقد تكلّمت الآية عن القواعد من النساء، وعن حكم زينتهنّ وإبدائها في حالة معينة، ثم عقبت ذلك بالحديث عن الزوار للمنزل وحكمهم بحسب أحوالهم، وكان الناس بعد نزول قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] قد تحرجوا من مؤاكلة بعضهم بعضا، حتى صار الرجل يدعو صاحبه للطعام فيقول له: إني لأتجنح -يعنى: أتحرج-، المساكين أولى به مني، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [النور: 61]([21]).

قيل: إن الأنصار كانوا يتحرجون أن يؤاكلوا هؤلاء إذا دعوا إلى الطعام، فيقولون: الأعمى لا يبصر أطيب الطعام، والأعرج لا يستطيع الزحام عند الطعام، والمريض يضعف عن مشاركة الصحيح في الطعام. وكانوا يقولون: طعامهم مفرد، ويرون أنه أفضل من أن يكونوا شركاء، فأنزل الله هذه الآية فيهم، ورفع الحرج عنهم في مؤاكلتهم. قاله ابن عباس والضحاك والكلبي([22]).

وقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: من أموال عيالكم وأزواجكم؛ لأنهم في بيته.

الثاني: من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى بيوت أنفسهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَنتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ»؛ ولذلك لم يذكر الله بيوت الأبناء حين ذكر بيوت الآباء والأقارب اكتفاء بهذا الذكر.

الثالث: يعني بها البيوت التي هم ساكنوها؛ خدمة لأهلها واتصالًا بأربابها كالأهل والخدم.

{أَوْ بُيُوتِ ءَابَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ}، فأباح الأكل من بيوت هؤلاء لمكان النسب من غير استئذانهم في الأكل إذا كان الطعام مبذولًا، فإن كان محروزًا دونهم لم يكن لهم هتك حرزه. ولا يجوز أن يتجاوزوا الأكل إلى الادخار، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محروز عنهم إلا بإذن منهم.

ثم قال: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنه عَنَى به وكيل الرجل وَقيِّمه في ضيعته، يجوز له أن يأكل مما يقوم عليه من ثمار ضيعته. قاله ابن عباس.

الثاني: أنه أراد منزل الرجل نفسه يأكل مما اذخره. قاله قتادة.

الثالث: أنه عنى به أكل السيد من منزل عبده وماله؛ لأن مال العبد لسيده. حكاه ابن عيسى.

{أَوْ صَدِيقِكُمْ} فيه قولان:

أحدهما: أنه يأكل من بيت صديقه في الوليمة دون غيرها.

الثاني: أنه يأكل من منزل صديقه في الوليمة وغيرها إذا كان الطعام حاضرًا غير محرز([23]).

ومحل الشاهد من كل هذا تناول الآيات لسلوك الفرد في البيت بالتفصيل والدخول في حياته اليومية من أكل وشرب؛ مما يدل على هيمنة الشرع على حياة الفرد وتنظيمه لسلوكه الخاص والعام.

ونختم هذا المبحث بالكلام عن العلاقة بالرسول صلى الله عليه وسلم والأدب في مجلسه؛ إذ ذلك هو أس الشرع، وعليه تبنى جميع العلاقات، فقد بينت هذه السورة أن الإيمان محصور في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاستجابة لأمره والرضا بحكمه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [النور: 51].

وبين بعد ذلك الأدب في مجلسه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [النور: 62].

وفي الأخبار: أن الرجل من المسلمين كان إذا كان مع النبي في أمر، وأراد الاستئذان لحاجة له، قام وأشار إلى النبي كأنه يستأذن، فيشير إليه النبي أذنت لك. وقد قالوا: إنما يحتاج إلى الاستئذان إذا لم يكن هناك سبب يمنعه من المقام، فأما إذا عرض سبب يمنعه من المقام مثل امرأة تكون في المسجد فتحيض، أو رجل يجنب، أو عرض له مرض وما أشبه، فلا يحتاج إلى الاستئذان.

روي أن عمر استأذن رسول الله في غزوة تبوك أن يرجع إلى أهله فقال: «ارجع فلست بمنافق ولا مرتاب» يعرضه بالمنافقين. وقيل: إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى في سورة التوبة: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43].

وَقَوله: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أَي: أَمرهم، وَقَوله: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} مَعْنَاهُ: إِن شِئْت فَأذن، وَإِن شِئْت فَلَا تَأذن([24]).

وهذا السلوك يأمر به القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عام في كل من كان في أمر عام من أمور المسلمين، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد من التوقير والاحترام لمقام النبوة، ويعد التأكيد على السلوك الأخلاقي معه تجسيدًا لمعنى الاتباع الشرعي وحدوده.

وفي الختام، هذه نبذ لطيفة انتخبناها للقارئ الكريم، لم نلتزم فيها ترتيب الآيات كما في السورة، وإنما جمعنا بين النظائر في الأحكام، وقد تناولت هذه السورة كما بيَّنَّا السلوك الاجتماعي بالتفصيل، ووجهت المجتمع الأول نحو المثال الأعلى في السلوك الفردي والجماعي، كما أكدت على احترام الخصوصية من طرف الآخرين؛ لأن ذوبانها يفقد الإنسان إنسانيته، ورشّدت الخصوصية حتى لا تطغى على حساب المعاني الأخرى الجميلة من تواصل وتعاون على البر والتقوى. وقد جمعت هذه السورة بين السلوك المثالي والمنطقي، كما وضعت ضوابط للعلاقات الاجتماعية تضمن سيرها بشكل مستقيم دون تبعات سيئة، ويلاحظ تفعيل سلطة الضمير في السلوك الاجتماعي أكثر من إعمال سيف القضاء والعقوبة، فلم تذكر الشريعة عقوبة دنيوية في السلوكات إلا في القذف والزنى، وتركت الباقي للأخرى، وليس هذا تهاونا؛ لأن العقوبة الأخروية في نظر الشارع أقوى من الدنيوية، فالمؤمن لا يتخذها ظهريًّا، وإنما يحتاج المؤمن أن يتمثل الأخلاق سلوكًا وقناعةً، لا خوفًا ولا طمعًا، أما الزنى فلِقُوَّة دافع الشهوة لا بدَّ من عقوبة تكون بمثابة الإجراء الوقائي منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أخرجه مسلم (746)، ولفظه: «فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن».

([2]) تفسير القاسمي (7/ 338).

([3]) تفسير المنار (10/ 297).

([4]) ينظر: تفسير السمعاني (3/ 512).

([5]) أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770).

([6]) ينظر: تفسير الطبري (19/ 139).

([7]) تفسير الطبري (17/ 242).

([8]) تفسير القرطبي (12/ 313).

([9]) المصدر نفسه (12/ 314).

([10]) أخرجه أبو داود (5180).

([11]) ينظر: تفسير القرطبي (12/ 320).

([12]) ينظر: تبصرة الحكام، لابن فرحون (2/ 140).

([13]) ينظر: تفسير الطبري (19/ 211).

([14]) ينظر: النكت والعيون، للماوردي (4/ 120).

([15]) ينظر: النكت والعيون (4/ 120).

([16]) ينظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (6/ 217).

([17]) ينظر: المرجع نفسه.

([18]) تفسير ابن كثير (6/ 81).

([19]) ينظر: تفسير البغوي (3/ 429).

([20]) التحرير والتنوير (18/ 296).

([21]) ينظر: تفسير الطبري (17/ 365).

([22]) ينظر: تفسير الماوردي (4/ 134).

([23]) المصدر نفسه (4/ 125) وما بعدها.

([24]) ينظر: تفسير السمعاني (3/ 554).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

تذكير المسلمين بخطورة القتال في جيوش الكافرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: من المعلومِ أنّ موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين من أعظم أصول الإيمان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌وَلِيُّكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [المائدة: 55]، وقال تعالى: ﴿‌لَّا ‌يَتَّخِذِ ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةۗ […]

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017