الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

حديث: «شدة الحر من فيح جهنم» والرد على المبطلين

A A

من أبرز سمات المؤمن تصديقَه بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ويقينه بأنه لا تعارض البتة بين المنقول الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعقول الصريح، وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) هذا المعنى بقوله: “ليس العقل الصحيح ولا الفطرة المستقيمة بمعارضة النقل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما يظن تعارضهما من صدَّق بباطل من المنقول وفهم منه ما لم يدلَّ عليه، أو إذا اعتقد شيئًا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من المكشوفات وهو من المكسوفات، إذا كان ذلك معارضًا لمنقول صحيح”([1]).

وفي هذه المقالة شرح وبيان لحديث نبوي شريف، يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأن شدة الحر من فيح جهنم، وأن النار اشتكت إلى ربها، فجاء بعض الناس وعارض ذلك بعقله وما توصل إليه بمنظوره، وفيما يلي -بعون الله تعالى- بيان للفهم الصحيح لهذا الحديث، والرد على المبطلين له.

أوّلا: نص الحديث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ»([2]).

ثانيًا: درجة الحديث:

قبل الشروع في بيان معنى الحديث ورد الشبهات حوله، فإنه لا بد أولًا من تقرير صحته؛ إذ تصديق الحديث والاعتقاد بما جاء فيه مبنيٌّ على ثبوت صحته والاحتجاج به.

وهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه إماما أهل الحديث البخاري ومسلم في صحيحهما، وقد قرر صحته حفاظ الحديث، يقول الإمام ابن عبد البر حافظ المغرب (ت 463هـ): “هذا الحديث يتصل من وجوه كثيرة ثابتة… عن أبي هريرة… وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة، منهم: أبو ذر وأبو موسى الأشعري، وهو حديث صحيح مشهور، فلا معنى لذكر الأسانيد فيه؛ إذ هو عند مالك متصل كما ذكرنا، ومشهور في المسانيد والمصنفات كما وصفنا”([3]).

ثالثًا: قبول العلماء للحديث:

إذا ثبتت صحَّة الحديث فإن الواجب على المؤمن هو الإيمان به وتصديقه، بأن يعتقد فيه أكمل الهدى والنصح لعباد الله تعالى؛ حتى ولو لم يدركه عقله القاصر، فإن حديثه صلى الله عليه وسلم وحي من الله تعالى، يقول تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، أي: ما يقول قولًا عن هوى وغرض، إنما يقول ما أُمر به، يبلغه إلى الناس كاملًا موفرًا من غير زيادة ولا نقصان([4]).

وفي هذا المعنى يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فظُنُّوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه»([5]).

يقول السندي (ت 1138هـ) في شرحه: “«الذي هو أهناه» أي: الذي هو أوفق به من غيره، وأهدى وأليق بكمال هداه، «وأتقاه» أي: وأنسب بكمال تقواه، وهو أن قوله صواب، ونصح واجب العمل به؛ لكونه جاء به من عند الله تعالى، وبلغه الناس بلا زيادة ونقصان”([6]).

لذا لم يتقدم العلماء على هذا الحديث بقول ولا اعتراض، يقول ابن عبد البر: “وهو حديث عند أهل السنة والعلم بالحديث صحيح لا مقال فيه لأحد([7]).

إذا تقرر هذا فما معنى الحديث؟ وكيف يُفهم في ظل ما يشاع بين الناس من أن السبب في الحر الشديد في الصيف هو أن الشمس تكون على الرؤوس، وأن السبب في البرودة في الشتاء هو بعد الشمس عن مسامتة الرؤوس، وغيرها من الشبهات؟!

رابعًا: شرح غريب الحديث وبيان معناه:

«فأبردوا بالصلاة»: الإبراد: انكسار شدة حر الظهيرة، وذلك أن فتور حرها بالإضافة إلى وهج الهاجرة برد، وليس ذلك بأن يؤخر إلى أحد بردي النهار، وهو برد العشي؛ إذ فيه الخروج من قول الأمة([8]).

«فيح جهنم»: سطوع حرها، وارتفاع لهيبها([9]).

«الزَّمْهَرِير»: شدة البرد([10]).

وقد اتفق أهل العلم على تلقي الحديث بالقبول وتصديقه على الوجه المقصود منه، وتعاضدت على معناه أحاديثُ أخرى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ): “وهذا حديث اتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول، فأخبر أن شدة الحر من فيح جهنم، وهذا موافق لقوله: «فإنه حينئذٍ تسجَّر جهنم»([11])([12]).

وقد تنوعت أنظار العلماء في شرح الحديث، فذهب جمهور العلماء إلى أن الحديث محمول على الحقيقة، وذهب بعض العلماء إلى حمله على التشبيه والاستعارة([13])، وتفصيل ذلك فيما يلي:

مذهب جمهور العلماء حمل الحديث على حقيقته:

ذهب جمهور العلماء وشراح الحديث إلى أن الصواب -وهو الأظهر- أن الحديث محمول على ظاهره وحقيقته؛ وعليه فإن شدة الحر في الصيف من وهج حرِّ جهنم في الحقيقة، وإن لها “لسان مقال محقق، وشكوى محققة، وتنفس محقق؛ إذ هو إخبار من الصادق بأمر جائز، فلا يحتاج إلى تأويله”([14])، ودونك بعض أقوالهم على اختلاف مذاهبهم:

يقول شهاب الدين التوربشتي الحنفي (ت 661هـ): “ذكر في أول الحديث: «إن شدة الحر من فيح جهنم»، أي: من سطوع حرها، وكانت هذه الصيغة محتملة للمجاز على معنى أنها تعدّ من جملتها؛ لما بينهما من مشاكلة ما، فبين بالبيان الذي ذكره أن المراد منه الحقيقة لا غير([15]).

ويقول القاضي عياض المالكي (ت 544هـ): “ وكلا الوجهين ظاهر، والأول أظهر، وحمله على الحقيقة أولى([16]).

ويقول الإمام النووي الشافعي (ت 676هـ): “والصواب الأول؛ لأنه ظاهر الحديث، ولا مانع من حمله على حقيقته، فوجب الحكم بأنه على ظاهره([17]).

ويقول الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 795هـ): “وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «اشتكت النار إلى ربها» فالمحققون من العلماء على أن الله أنطقها بذلك نطقًا حقيقيًّا، كما ينطق الأيدي والأرجل والجلود يوم القيامة، وكما أنطق الجبال وغيرها من الجمادات بالتسبيح والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يسمع نطقه في الدنيا”([18]).

وذهب بعض العلماء إلى حمله على التشبيه والاستعارة:

فقيل: إن الحديث خرج مخرج التشبيه والتقريب، أي: كأنه نار جهنم في الحرِّ، فاحذروه واجتنبوا ضرره، كما قال الشاعر: شكا إليَّ جملي طول السرى.

ومن أشهر القائلين بهذا القول البيضاوي (ت 685هـ) حيث قال: “واشتكاء النار من أكل بعضها بعضًا مجاز عن كثرتها وغليانها وازدحام أجزائها، بحيث يضيق عنها مكانها، فيسعى كل جزء في إفناء الجزء الآخر، والاستيلاء على مكانها”([19]).

وهذا القول ضعيف مردود؛ فقد رده الزين ابن المنيِّر (ت 695هـ) بقوله: “المختار حمله على الحقيقة؛ لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عُهدت وسُمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقَصره على اثنين فقط بعيد من المجاز، خارج عمَّا ألف من استعماله”([20]).

أدلة الجمهور على حمل الحديث على الحقيقة:

1- مما يدل على حمل الحديث على حقيقته: ما جاء في نفس الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ»([21]).

2- من حمل الحديث على الحقيقة قال: جائز أن ينطقها الله كما تنطق الأيدي والجلود والأرجل يوم القيامة، يقول تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، وقال سبحانه: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].

3- أن الحمل على الحقيقة هو الظاهر والموافق لقول الله عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]، ومن قوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18]، وقوله عز وجل: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8] أي: تتقطع عليهم غيظًا، كما تقول: فلان يتَّقد عليك غيظًا، وقال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12]، قال ابن عبد البر معقبًا: “فأضاف إليها الرؤية والتغيُّظ إضافة حقيقية، وكذلك كل ما في القرآن من مثل ذلك”([22]).

4- أن الحمل على الحقيقة موافق لقول أهل السنة بأن النار موجودة مخلوقة الآن؛ يقول أبو الفضل العراقي (ت 806هـ): “وهذا إجماع ممن يعتدّ به، إلا أن المعتزلة قالوا: إنها إنما تخلق يوم القيامة، والأدلة السمعية متوافرة على خلاف ذلك”([23]).

5- لا مانع من الحمل على الحقيقة؛ إذ ليس من شرط الكلام آلة اللسان ونحوه؛ يقول ابن الأثير الشافعي (ت 606هـ): “الكلام عند المحققين من الأصوليين وأهل السنة ليس من شرطه وشرط العلم في القيام بالجسم إلا الحياة، فأما الهيئة والبنية واللسان فليس من شرطه، فإذا خلق الله في النار حياة وُجِدَ منها الكلام الذي هو الكلام الحقيقي…”([24]).

خامسًا: شبهات والرد عنها:

1- شبهة رد الحديث بدعوى أن الغيب لا يؤخذ إلا من القرآن:

مفاد هذه الشبهة أن الحديث يتناول قضية غيبية، ويدعي أصحابها أن الغيب لا يأتي إلا من القرآن الكريم؛ يقول جمال البنا وهو أحد المنظرين لتلك الشبهة: “ويفترض ثانيًا: أن يأتي الغيب من القرآن الكريم وحده؛ لأنه الأصل الوحيد المقطوع بسلامته، ولأنه وحده هو المخوَّل بالحديث عن الغيب”([25]).

الرد على هذه الشبهة:

من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمته عن أمور غيبية، وقد قبلتها الأمة قاطبة([26])، وأما دعوى عدم قبول الغيبيات إلا من القرآن الكريم فهي دعوى باطلة عارية عن الصحة؛ إذ فيها رد للسنة النبوية، وقد أمر الله تعالى عباده بقبولها وتحكيمها، فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]([27])، ولو أنهم استنارت قلوبهم بنور الهدى لعلموا وجوب قبول ما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا فرق في ذلك بين العقائد والأحكام، وليس تحكيمه صلى الله عليه وسلم مختصًّا بالعمليات دون العلميات، كما يقوله أهل الزيغ والإلحاد([28]).

2- شبهة مخالفة الحديث للأسباب الحسية:

استشكل بعضهم هذا الحديث، وظن أنه مخالف للواقع المشاهد([29])؛ بدعوى أن الحرارة والبرودة ناتجتان من موقف الشمس من الأرض.

الرد على هذه الشبهة:

ليس في الحديث أن حصول الحرارة أو البرودة بسبب نَفَسَي جهنم، وإنما لفظه يدل على أن لجهنم نفسين، وأن شدة الحر وشدة البرد هما من آثار ذانك النفسين، ولا يدل الحديث بحال على أنهما يسببان الصيف والشتاء.

وفي هذا المعنى يقول ابن عبد البر: “وأما قوله: «فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف» فيدل على أن نفسها في الشتاء غير الشتاء، ونفسها في الصيف غير الصيف”([30]).

ويزيد التوربشتي هذا المعنى بقوله: “وأشار بقوله: «أشد» إلى أن هذين النفسين ليسا على الإطلاق بموجبين للحر والبرد في فصلي الشتاء والصيف؛ فإن الله سبحانه جعل ذلك مربوطًا بالآثار العلوية على السُّنّة التي أجرى عليه أمر العالم، بل ينشأ من أحد النفسين أشد ما تجدون من الحر في أوان الحر، وينشأ من الآخر أشد ما تجدون من الزمهرير في أوان البرد”([31]).

3- شبهة أن شدة الحر والبرد ترجع إلى بعد الشمس وقربها، والجواب عنها:

نعم من الأسباب لوقوع شدة الحر وشدة البرد قرب الشمس وبعدها عن مسامتة الرؤوس، لكن هل هذا هو السبب الوحيد، أم أن هناك أسبابًا أخرى معلومة وغير معلومة؟!

قد تناول الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت 1421هـ) هذه الشبهة وفنَّدها، فقال رحمه الله: “فإن قال قائل: هذا مشكل حسَب الواقع؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو: بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس، وأنها تتجه إلى الأرض على جانب، بخلاف الحر.

فيقال: هذا سبب حسِّي، لكن هناك سبب وراء ذلك، وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي، ولا مناقضة أن يكون الحر الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضًا يُؤذن للنار أن تتنفس، فيزداد حر الشمس.

وكذلك بالنسبة للبرد: الشمس تميل إلى الجنوب، ويكون الجو باردًا بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس، ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يخرج منها شيء من الزمهرير ليبرّد الجو.

فيجتمع في هذا: السبب الشرعي المدرَك بالوحي، والسبب الحسِّي المدرَك بالحسِّ.

ونظير هذا: الكسوف والخسوف…”.

إلى أن قال رحمه الله: “ولا مانع من أن يجتمع السببان الحسي والشرعي، لكن من ضاق ذرعًا بالشرع قال: هذا مخالف للواقع ولا نصدِّق به، ومن غالى في الشرع قال: لا عبرة بهذه الأسباب الطبيعية…”([32]).

فالسعيد من استنار قلبه بنور الوحي، فعلم وآمن، ولم يقس الأمور الغيبية بما يشاهده من المحسوس؛ فإن الله تعالى جعل لكل دار نواميس خاصة، يقول ابن عبد البر: “وحمل كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة أولى بذوي الدين والحق؛ لأنه يقص الحق، وقوله الحق تبارك وتعالى علوًّا كبيرًا”([33]).

 بل إن الحديث مما يزيد الإيمان واليقين في قلب المؤمن؛ لعلمه بأنه من مقتضيات حكم الله تعالى الباهرة؛ يقول التوربشتي: “وهذه من مقتضيات حكمة الله البالغة؛ حيث أظهر آثار فيح جهنم في زمان الحر، وآثار الزمهرير في زمان البرد، ولم يجعلهما على العكس، فيتولد منهما وخامة في الأهوية، وفساد في الأمزجة، ثم إن المنفعة العظمى والمصلحة الكبرى في ذلك أن المكلف إذا صدَّق النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر من غير أن يشاهد أثرًا من فيح جهنم في أوان البرد، أو يجد أثرًا من الزمهرير في أوان الحر، كان تصديقه ذلك أقوى وأكمل في باب الإيمان بالغيب؛ لخلوه عن الشواهد الحسية”([34]).

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

([1]) مجموعة الرسائل والمسائل (4/ 134) -رشيد رضا-.

([2]) أخرجه البخاري (537)، ومسلم (617).

([3]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 1-2).

([4]) ينظر: تفسير ابن كثير (7/ 443).

([5]) أخرجه ابن ماجه (20)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه وضعيفه.

([6]) حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 12).

([7]) الاستذكار (1/ 97).

([8]) أعلام الحديث، للخطابي (1/ 424).

([9]) المرجع نفسه.

([10]) تهذيب اللغة، للأزهري (6/ 278).

([11]) أخرجه مسلم (832) من حديث عمرو بن عَبَسة السُّلَمي رضي الله عنه.

([12]) مجموع الفتاوى (23/ 207).

([13]) ينظر: معالم السنن للخطابي (1/ 129)، الاستذكار (1/ 97-98)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (1/ 31-32)، المسالك في شرح موطأ مالك لابن العربي (1/ 454-455)، إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 582-583)، الشافي في شرح مسند الشافعي لابن الأثير (1/ 386-387)، طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي (2/ 157-158)، العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 570)، وغيرها مما سيأتي.

([14]) النفح الشذي شرح جامع الترمذي، لابن سيد الناس (3/ 377).

([15]) الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 182).

([16]) إكمال المعلم (2/ 583).

([17]) شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 120).

([18]) فتح الباري (4/ 244).

([19]) تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 237).

([20]) ينظر: فتح الباري، لابن حجر (2/ 19).

([21]) ذكره الخطابي في معالم السنن (1/ 129).

([22]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 15).

([23]) طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 158).

([24]) الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 386).

([25]) تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم (ص: 86).

([26]) في مركز سلف ورقة علمية تناقش منهج أهل السنة في الإيمان بالمغيبات ودفع التعارض في أدلتها، ودونك رابطها: https://salafcenter.org/2810/

([27]) في مركز سلف استيفاء لأغلب الأدلة على بطلان هذا القول ضمن ورقة علمية بعنوان: “حجية خبر الآحاد في العقائد”، ودونك رابطها: https://salafcenter.org/623/

([28]) ينظر: مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، للبعلي (ص: 545).

([29]) في مركز سلف ورقة علمية تؤصل للرد على تلك الشبهة وغيرها، بعنوان: “قَواعِدُ وضَوابِطُ يُردّ إليها ما يُسْتَشْكَل مِن الحديث”، ودونك رابطها: https://salafcenter.org/2059/

([30]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 8).

([31]) الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 182).

([32]) شرح صحيح مسلم: كتاب الصلاة ومواقيتها، شريط رقم (10).

([33]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 16).

([34]) الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 182-183).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017