المنفلوطي ودعوته إلى عقيدة التوحيد
قال المنفلوطي رحمه الله:
(والله، لن يسترجعَ المسلمون سالفَ مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادةِ الحياة وهنائها، إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدةِ التوحيد، وإنَّ طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقربُ مِن رجوع الإسلام إلى سالفِ مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله ويقولون للأول كما يقول للثاني جل جلاله: “أنت المتصرِّف في الكائنات، وأنت سيِّد الأرضين والسموات”.
إنَّ الله أغيرُ على نفسه من أن يُسعِد أقوامًا يزدرونه ويحتقرونه ويتَّخذونه وراءهم ظهريًّا، فإذا نزلت بهم جائحة أو ألمت بهم ملمَّة ذكروا الحجَر قبل أن يذكروه، ونادوا الجِذع قبل أن ينادوه.
بمن أستغيث وبمن أستنجد ومن الذي أدعو لهذه الملمة؟ أأدعو علماءَ مصر وهم الذين يتهافتون على يوم “الكنسة”(1) تهافُت الذباب على الشراب؟!…
يا قادةَ الأمة ورؤساءَها، عذَرنا العامةَ في إشراكها وفساد عقائدها، وقلنا: إن العامِّيَّ أقصر نظرًا وأضعف إدراكًا من أن يتصوَّر الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والتماثيل والأضرحة والقبور، فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله، وتقرؤون صفاته ونعوته، وتفهمون معنى قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ}، وقوله مخاطبًا نبيَّه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا}، وقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}؟!
إنكم تقولون في صباحكم ومسائكم وغدوكم ورواحكم: “كلّ خير في اتباع من سلف، وكل شرٍّ في ابتداع من خلف”، فهل تعلمون أنَّ السلف الصالح كانوا يجصِّصون قبرًا أو يتوسَّلون بضريح؟! وهل تعلمون أن أحدًا منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحدٍ من الصحابة وآل بيته يسأله قضاء حاجة أو تفريج كربة؟! وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين؟! وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثًا ولعبًا أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟! وأيّ فرق بين الصّور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور ما دام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟!
والله، ما جهلتم شيئًا من هذا، ولكنكم آثرتم الدنيا على الآخرة، فعاقبكم الله على ذلك بسلب نعمتكم وانتقاض أمركم، وسلط عليكم أعداءكم؛ يسلبون أوطانكم، ويستعبدون رقابكم، ويخربون دياركم، والله شديد العقاب).
______
(1) هو يوم يذهب فيه علماء الدين إلى ضريح الإمام الشافعي؛ للتبرك بكنس ترابه.
المصدر: النظرات (2/ 19-21).