الأحد - 20 جمادى الآخر 1446 هـ - 22 ديسمبر 2024 م

عرض وتحليل لكتاب : السعودية والحرب على داعش – الفصل الخامس –

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

موضوع كتاب (السعودية والحرب على داعش) إجمالًا:

كتاب (السعودية والحرب على داعش) لمؤلفه: حسن سالم بن سالم، وهو من إصدارات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، يضع النقاطَ على الحروف في قصَّة هذا التنظيم، ويجيب عن الكثير من التساؤلات، إلا أن الجانب الأهمَّ الذي تناوله الكتاب هو: مِن أين يستقي داعش مصادرَه العلمية؟ وهو ما يثير تساؤلًا حول التّهمة الموجهة للدّعوة السلفية: هل داعش نبتة سلفية؟ وبعبارة أصرح: هل داعش امتدادٌ لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؟

وقد أجاب المؤلِّف عن هذا التساؤل، وذكر بعضَ ما يتعلَّق به في مواضع أخرى متفرقة، وكان موقِفه فيه حسنًا، فهو يرى أنَّ الأكثر موضوعية بالنظر في سلوك داعش أنَّ هذا التنظيم متعدِّد الأوجه، ولا يمكن أن يعزَى إلى شخصٍ واحد أو حركة أو حِقبة واحدة، والاعتماد على عناوين المصادر والمؤلَّفات التي يستخدمها التنظيم يمكِن أن يزيدَ من غموض فهم أيدلوجيته.

كما ذكر -وهو يتحدَّث عن عددٍ كبير من الدول التي لا تتبنّى المناهجَ الإسلامية في مقرراتها الدراسية، ومع ذلك تشهد تزايدًا في عدد المتطرفين لديها- أنَّ هذا مما يُضعف إلصاق التهمةِ بالتراث السلفي.

والمؤلِّف استقصَى الاتجاهاتِ في تناول الموضوع، وأحسن العرضَ والتحليل، إلا أنه لم يتوسَّع في مناقشة الأفكار، وقُمنا بالتعليق على بعض المواضع من الكتاب من باب زيادة الإيضاح، والتأييد لما ذكره المؤلِّف، وجعلنا تعليقنا بين معقوفين مصدَّرًا بكلمة (تعليق)؛ تمييزًا له عن عبارات المؤلِّف وأفكاره.

مع الكتاب:

بالرجوعِ إلى الباب الثاني -وبالتحديد في الفصل الخامس من الكتاب- عنون المؤلف لهذا الفصل بعنوان: “داعش وجدل الانتماء إلى السلفية الوهابية”.

وصدَّر المؤلِّف الجوابَ عن هذا السؤال بقول  أحدهم في تغريدة له في تويتر، جاء فيها: “داعش نَبتة سلفية حقيقيَّة، يجب أن نواجهَها بكلِّ شفافية”.

وقال في لقاء تلفزيوني: “الفكر الذي يحمله تنظيمُ داعش فكرٌ سلفي، فهم يستدلّون بما في كتبنا، وإنَّ أكثرَ من يهاجم هذا التنظيم وينقده لا يهاجم أو ينقد أفكارَه، وإنما أفعاله الإجرامية”.

وذكر في الفصل الرابع بعض من نحَا هذا المذهب، ممن اتَّهم المشايخ والعلماء -تحت مقال: “المشايخ الكسالى”- بأنهم لا يقومون بالرد على الفكر التكفيري المتطرف إلا وهم كُسالى؛ لأنهم يردّون دون قناعةٍ منهم، ويردّون مع فقدان منطق الإقناع في خطابهم، وذلك لمخالفته لما في ضمائرهم أَصلًا؛ ولذلك يتكاسلون في الردِّ، وأكبر دليل على ذلك استمرارُ وجود هذا الفكر وتمدُّده وزيادة انتشاره واستناده في غلوِّه وتطرُّفه إلى كتبٍ ومقالات ما زالت تكرّرها تلك المدارس.

بَل يرى أنَّ إنكارَ بعض العلماء علاقةَ موسوعة (الدرر السنية) بالتكفير بالباطل وعدم التبرُّؤ منها هو بمنزلة (خيانة الأمَّة والوطن)، وأن الإنكارَ والدفاعَ الدائمَ عن أخطاء وردت في هذه الموسوعة هو ما أبقى أفكارَها المتطرِّفة حيَّةً بين الناس، ويُعاد إنتاجها وتوليدُها في رسائل جامعيّة وعدد من المحاضرات العلميَّة.

والدَّعوةُ من بعض المتشرِّعين إلى تنقيح التراث الدينيّ وتصحيحه قوبِلت بالإشادَة والدَّعم من مثقَّفين وكُتَّاب ليبراليّين.

[تعليق: نرى أنَّ من ألحق تنظيمَ داعش بالمدرسة السلفية استند إلى المراجع والمصادر التي يستقي منها التنظيم، فبما أنَّ هناك نصوصًا واردةً في بعضِ كتب أئمَّة الدعوة في نجد قد غلت وجانبتِ الصوابَ في بعض مسائل التكفير، واحتجَّت بها داعش؛ فالنتيجة إذن أنَّ داعش لم تتغذَّ فكريًّا إلا من خلال هذا التراث السلفيِّ. وهذا يعني أيضًا أنَّ العلاج يبدأ من إصلاح الخلل الموجود في كتب التراثِ السلفيّ، وقد دعا بعضهم إلى ذلك صراحةً. فإذا اعترفنا بوجود هذه الأخطاءِ نكون قد توصَّلنا إلى إجهاضِ أهمِّ مصادر التطرُّف والحدّ من انتشاره.

وهذه النظرةُ الأحادية في الحكم على كتب التراث السلفيِّ وإلصاقه بتنظيم متعدِّد الأوجه ومتشابك الأطراف، مع ما يكتنفه من غموضٍ في بعض فتراته التاريخيّة، يعدُّ نظرة قاصِرةً في النظر لمجريات الأحداث، كما سيأتي في ترجيح المؤلِّف.

والحقّ أنَّ أيَّ خطأ في كتب التراث – سواء كان سلفيًّا أو غيره- لا بد من إصلاحه، وهذا ينبغي أن يكونَ محلَّ وِفاق بين كلِّ من يناقش هذه المسألة وغيرها. لكننا في هذه المسألة خاصَّة نريد أن نلقيَ مزيدًا من الأضواء حول حقيقةِ هذا التنظيم، ومتى تُلحق به السلفية الوهابية كفكر؛ حتى يصدق عليه أنه نبتة سلفية.

“دعونا نحدث تغييرًا يسيرًا في هذه المقارنة، فنضع الإسلامَ هنا بدلًا من السّلفية، ونتأمل في طبيعة النتائج:

إنّ الغلاةَ ينتسبون إلى الإسلام، ويستدلّون بأصوله لغُلوّهم، فيبرهنون على صحَّةِ أفعالهم بأدلّة الكتاب والسنّة، وينسبون هذا كلَّه إلى تراثِ المسلمين وأقاويل الصحابة، فالغلو -بناء على هذا- نبتة إسلامية!

والربط بين الإسلام والغلوِّ ليس ربطًا حجاجيًّا إلزاميًّا فقط، بل له حضور كبيرٌ في الأوساط الإعلاميَّة والثقافيَّة المعاصرة، فكثير من وسائل الإعلام الغربية هي بين مصرّحٍ بهذا الربط، أو مضمر له، وهي تنْطلق من التسليم بأنَّ هناك علاقةً بين الغلوِّ والإسلام؛ بناءً على ما يرونه من انتساب بعض الغلاة إلى الإسلام، واستنادهم إلى نصوصه وأحكامه.

فحقيقة الأمر: أنّ من يجعل انتسابَ الغلاة إلى السلفية واستدلالهم بها وبأدبيَّاتها دليلًا على أن الغلوَّ نبتة سلفيَّة فهو يمارس ذاتَ الدور الذي يقوم به من ينسِب الغلوَّ إلى الإسلام، ويقع في ذات الخلَل العلميِّ والغلط المنهجيِّ وتجاوُزِ العدلِ والإنصاف الذي يقع فيه من ينسب الغلوَّ إلى الإسلام.

ولهذا لو جرّب من يربط بين الغلوّ والسلفية أن يردّ على من يربط بين الإسلام والغلو سيجد أنّه يقدّم أدلّةً تردّ على مقارنته الساذجة والسطحية بين الغلو والسلفية. فهو يقول: وجود غلاة ينتمون إلى الإسلام لا يعني أنّ الغلوَّ متعلِّق بالإسلام نفسِه، وأنّ استدلال الغلاة بالإسلام لا يعني أنّ هذه الأفعالَ يقرّها الإسلام فعلًا.

فهذه الردود تسير كما ترى على طريقة موضوعية صحيحةٍ في بيان فساد ربطِ الغلوِّ بالإسلام، وأنه ربْط جاهلٌ ساذَج قاصِر، مبنيّ على تحيّز وظلم وبغي، لكنّها في الحقيقة تمثّل ذات الطريقة التي تكشف أنّ ربط الغلو بالسلفية هو كذلك ربطٌ جاهل وساذج ومبنيٌّ على تحيّز وظلم وبغي.

إذًا، فربط الغلوِّ بالسّلفية بناءً على وجودِ غلاةٍ ينتمون إلى السلفيَّة ويستدلّون بمقولاتها ويقرؤون كتبها ويثنون على علمائها طريقة ساذجة سطحية هزيلة، لا يليق بمن يحترم البحث الموضوعيَّ ويعظِّم الحكم العلميَّ العادل أن يتفوّه بها؛ لأنّ فسادها ظاهر بأدنى نظر عقليٍّ.

فمشكلة من يربط بين الغلوّ والسلفية أنّه عاجز عن التمييز بين المقولات والأفكار والأشخاص، فإذا رأى أنّ الغلاةَ يستدلّون بمنهج سلفيّ، ويكرّرون مقولات ابن تيمية، ويستندون إلى قواعد سلفية معروفة، قال مباشرة: إذًا هذه فكرة سلفية، ويجب أن نُعيد تصحيح السلفية حتى لا تنتج الغلوَّ!!

فمنشَأُ الخلل دخل عليهم من عدم قدرتهم على التمييز بين الأصولِ نفسِها وحدود عملها، وبين توظيف الغلاة لها، وكان الواجب عليهم أن يرجِعوا لأهل العلم حتى يميّزوا لهم الحدّ الشرعي المعتبر والتجاوز الغالي الذي وقع، لكنَّهم بدلًا من ذلك استندوا إلى قصورهم العلميّ، فانطلقوا منه للطَّعن في السلفيّة ذاتها.

ولهذا، فإذا أردتَ أن تُثبتَ أنّ الغلوَّ نبتة سلفيةٌ فالطريقة الصحيحةُ أن تثبتَ وجود مقولات سلفيَّة صحيحة هي من الغلوِّ نفسه، فإن كانت محلَّ إجماع تكون دليلًا على وجود غلوّ متّفق عليه، وإن كانت محلَّ خلافٍ تُنسب المقولة الغالية إلى أصحابها، ثم يُنظر في هذه المقولة: هل هي غلوٌّ قطعيّ، أم مخالفة اجتهاديَّة؟ وهل هي من قبيل الزلّة والغلَط الفرديّ، أم هي تمثّل منهجًا عامًّا؟ ثم تنظر فيما يمكن أن يُساء فهمُه من مقولات ومدى حضورها عندهم، وهل وجدت عندهم ضمانات تدفع هذا الوهم الفاسد.

هذه هي الطريقة الصحيحةُ لإثبات وجود غلوٍّ في المنهج السلفيّ أو في أيّ جماعة معيّنة، فهل مَن يقول: إنّ الغلو نبتة سلفية قدّم شيئًا من ذلك؟!

نعم، بعض القائلين بهذا قدّموا شيئًا من ذلك، فحكموا -ولو بلا وعيٍ- على بعض النصوص الشرعية بأنّها من قبيل الغلوّ! كما حاربوا جملةً من الأحكام الشرعية بذريعة الغلوِّ، وحكموا على اجتهاداتٍ فقهية معتبرة بالغلوّ، وهكذا وقعوا في مصادمةٍ مع أحكام ونصوص لإثباتِ وجودِ الغلو، ففي سبيل إثبات وجود غلوٍّ في المنهج السلفيّ أظهروا أنّ مشكلتهم ليست مع الغلوّ، بل مع النصوص ذاتها! وأما أكثر القائلين فإنّهم لا يقدّمون شيئًا من ذلك أصلًا، وإنّما يكتفون بذكر العلاقة الساذجة بين الغلاة والسلفية.

وثمّ قلّةٌ من الناقدين تذكر بعض المقولات وتستشكل بعضَ العبارات التي تراها دليلًا على الغلوِّ، وليس المقام لبيانها ومناقشتها، وإنّما نقرّر هنا أنّ هذه طريقةٌ صحيحة في إثبات العلاقة، وهي أن تذكر المقولات التي ترى أنّها تتضمن غلوًّا معيّنًا -عند مذهب أو مدرسة أو عالم معيّن- وتضع نقدَك عليها بحسَب حجم المخالفة التي وقعت فيها، ويكون بيان ذلك بعلم وعدل. هذا المستوى من الخطاب هو الذي يستحقُّ أن يُجاب عنه؛ لأنّه يتحدَّث بطريقة قد تظهر وجود علاقة، فلا بدَّ من أن يناقش بعلم وعدل فيما يذكر.

وأنت إذا تدبّرت كثيرًا مما تُتَّهم به السلفية ويُجعل أمارة ودلالة على غلوّها وجدته أمرًا شائعًا عند عامّة فقهاء الإسلام في القديم والحديث، فإنّ كثيرًا مما يُنقم على السلفية هو مقرّر في المذاهب الفقهيَّة، فالحكم على الأقوال السلفية في حدّ الردّة وتحريم الاختلاط وتكفير النصارى وغير ذلك بأنّها أدلّة على وجود غلوّ عندهم؛ ينجرّ على غيرهم مما يتوهَّم المخاصِم أنّهم خارجون عن هذا الحكم، فإنّ القول بهذه الأمور مثلًا ليس خصيصة سلفية كما يتوهّمه المخالف، بل هو أمر شائع جدًّا في التراثِ الإسلامي، وهو يمثّل في عامّة موارده مناطق إجماع أو مذهبًا للجمهور.

فمِن المهمّ أن يلاحَظ أنّ كثيرًا من الانتقادات على السلفية بسببِ الغلو تنسبهم إلى الغلو بأفعال ليست مختصّة بهم، بل هي موجودة في التراث الشرعي والفقهي نفسه؛ ولذلك تجد أنّ النقد العلماني كان أكثر اتِّساقًا في هذا، فهم لا يخصّون نقدَهم لفصيل فقهيّ معيّن، بل يتّهمون السياق الفقهيَّ كلّه بهذه التّهمة، وما أدركوه في محلّه، وسيبقى النزاع معهم في تحقيق هذه التهمة، هل هي تهمة أم هو الحق الذي يتعيّن الأخذ به؟ فنزاعنا معهم ليس في نسبة هذه المقولة للتراث الفقهي، وإنّما المنازعة في حقيقة هذه المقولة وعلاقتها بالغلوِّ.

والخلاصة التي يجب أن نراعيَها في نقد الأشخاص والاتجاهات والطوائف: الانطلاقُ في نقدها من مقولاتها، وما تفرزه تلك المقولات ويلزم عنها، وفي حجم وجود الضمانات التي تحفظ لتلك المقولات انضباطها الشرعيَّ فتصونها من التطرّف والغلو، وفرز ذلك كله من الممارسات البشرية التي هي عرضة للخطأ والزلل والتقصير، فالأصل أن لا تحاسب الاتجاهات والمذاهب بمجرّد ممارسات أصحابها، بل الأصل محاسبةُ الاتجاهات مما تتبنّاه من رؤى وأفكار وتصوّرات، ولتكن الممارسات البشريّة قرينةً أو أمارةً تحمل الباحثَ على التفتيش عن موجب تلك التصرّفات، فقد تكون تلك الممارسات ناشئةً حقًّا عن مقولات مقرّرة في المذهب، وقد لا تكون، فيكون الحكم تابعًا للمقولات، لا مجرّد الممارسات والتصرّفات”. انظر: زخرف القول معالجة لأبرز المقولات المؤسِّسة للانحراف الفكري المعاصر، لفهد العجلان وعبد الله العجيري (ص: 337-341)].

ثم استطرد المؤلف قليلًا بالسؤال عن علاقة داعش بالخوارج.

وتحت عنوان: “داعش وخوارج العصر” ذكر المؤلف أنَّ عددًا كبيرًا من المنظمات والهيئات الشرعية حكمت بأنَّ داعش يمثِّل نمطًا خارجيًّا، فمِنْ مَنْظُورِهم أنَّ داعش يلتقي مع الخوارج في التكفير وسياسة القتل الجماعيّ في حقّ مخالفيهم مستحلِّين دماءهم وأعراضهم.

ومن أبرز الشواهد: حكمهم على عموم بلاد المسلمين بالكفر والردة؛ لذا يوجبون الهجرة إلى مناطق سيطرتهم ونفوذهم؛ لأنها إسلامية! ويصفون كلَّ من يخالفهم في الفكر أو يعاديهم بالخيانة والعمالة، وكذا يكفِّرون من يتعامل مع الحكومات والأنظمة الأخرى.

وممَّن أطلق عليهم وصف الخوارج المؤسّسة الدينية في المملكة العربية السعودية، وكثير من المشايخ والدعاة، وكذا شيخ الأزهر، والعديد من الهيئات والمؤسسات في سوريا، مثل هيئة الشام الإسلامية، وجبهة علماء حلب، والمجلس الإسلامي السوري، والأمانة العامة لرابطة علماء المغرب العربي، وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدينية.

وداعش تتبرَّأ من وصفها بالخوارج عبر مسارين:

الأول: نفي المتحدِّث الرسمي باسم التنظيم أبي محمَّد العدناني في أكثر من بيان وخطاب.

الثاني: التأليف في الرد على هذه التّهمة بذكر الفروق في أصول المعتقدات بينهم وبين الخوارج.

[تعليق: من منطلق قاعدة “من فمك أدينك” ننظر ماذا يقول التنظيم في هذا الباب.

في الحقيقة إنَّ دفاع داعش عن نفسها متعلِّق بالقواعد العامة في التكفير، وهذه القواعد يتَّفق معهم فيها السلفيون وغيرهم من حيث الأصل، لكن إشكال هذا التنظيم يأتي في التطبيق، والوقائع التي يمارسونها.

فمن منهج التنظيم العام ما قاله أبو عمر البغدادي في كلمة (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي) في 23 صفر 1428هـ الموافق 13/ 3/ 2007م: “لا نُكفِّر امرأ مسلمًا صلى إلى قبلتنا بالذنوب، كالزنا وشرب الخمر والسرقة ما لم يستحلَّها، وقولنا في الإيمان وسط بين الخوارج الغالين وبين أهل الإرجاء المفرِّطين، ومن نطق بالشهادتين وأظهر لنا الإسلام ولم يتلبس بناقض من نواقض الإسلام عاملناه معاملة المسلمين، ونَكِلُ سريرته إلى الله تعالى، وأنَّ الكفر كفران: أكبر وأصغر، وأنَّ حكمه يقع على مقترفه اعتقادًا أو قولًا أو فعلًا، لكنَّ تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوفٌ على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه” انتهى.

فهذا الكلام الذي يقوله أبو عمر البغدادي يتوافق مع المذهب السلفي في الاحتياط في باب التكفير، لكن حين نأتي على أرض الواقع وننظر في تنزيلهم هذه القواعد نجد البون الشاسع حينها؛ فالبغدادي يقول في كلمة (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي): “ونعتقد بأن الديار إذا علتها شرائع الكفر، وكانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام، فهي ديار كفر، ولا يلزم هذا أن نكفّر ساكني الديار، وبما أن الأحكامَ التي تعلو جميع ديار الإسلام اليوم هي أحكام الطاغوت وشريعته، فإننا نرى كفرَ وردة جميع حكام تلك الدول وجيوشها، وقتالهم أوجب من قتال المحتل الصليبي؛ لذا وجب التنبيه أننا سنقاتل أي قوات غازية لدولة الإسلام في العراق، وإن تسمَّت بأسماء عربية أو إسلامية” انتهى.

ويقول المتحدِّث الرسميّ أبو محمد العدناني في كلمته (السلمية دين من؟) بتاريخ 31/ 8/ 2013م: “لا بد لنا أن نصدعَ بحقيقة مرةٍ لطالما كتمها العلماء، واكتفى بالتلميح لها الفقهاء، ألا وهي: كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت، وفي مقدمتها الجيش المصري، والجيش الليبي، والجيش التونسي، قبل الثورة وبعدها، وهذا الجيش السوري قد بات كفره واضحًا حتى عند العجائز، قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}. لابد لنا أن نصرِّح بهذه الحقيقة المرة ونسطع بها؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة. إنَّ جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردة وكفر، وإنَّ القول اليوم بكفر هذه الجيوش وردتها وخروجها من الدين، بل ووجوب قتالها وفي مقدمتها الجيش المصري لهو القول الذي لا يصحّ في دين الله خلافه، وهو الذي تشهد له الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وكلام العلماء الأفذاذ الفحول المعتبرين، وليس هو قطعًا من أقوال أهل الغلو والتكفير بغير وجه حق” إلخ.

فمن يتأمَّل في مثل هذه الأقوال من منابرهم الرسمية، وتصريحاتهم الواضحة في مسائل التكفير، لا يشك أنهم يمارسون أخطاء جسيمةً في العقيدة، فهذا التنظيم يعتبر بعضَ البلدان العربية الإسلامية ديارَ كفر وردَّة، ويكفِّر حكامها وجيوشها؛ ولهذا نجد في مقرراتهم الدراسية خريطة كلها سوداء ما عدا المناطق التي يسيطرون عليها تشعّ باللون الأبيض!

كما أن التنظيم يكفر من يشارك في العملية السياسية (الديمقراطية)؛ لأن قوانين هذه الدول لا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية كاملة؛ فهو لا يفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله وبين المشاركة السياسية، قال أبو عمر البغدادي في كلمة (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي): “نرى كفر وردَّة كل من اشترك في العملية السياسية، كحزب المطلق والدليمي والهاشمي وغيرهم”.

بل التنظيمُ يكفِّر حتى رموز التيارات التي تنتمي لجماعة الإخوان كالرئيس المصري السابق محمد مرسي، والتونسي راشد الغنوشي، ويرونهم أشدَّ فتنةً على المسلمين من غيرهم، يقول أبو محمد العدناني في كلمة (السلمية دين من؟): “فلتعلموا -يا أهل السنة الثائرين في كل مكان- أنَّ داءَنا ليس هو الأنظمة الحاكمة، وإنما القوانين الشركية التي بها يحكمون، فلا فرق بين حاكم وحاكم ما لم نغيّر الحكمَ، لا فرقَ بين مبارك ومعمر وابن علي، وبين مرسي وعبد الجليل والغنوشي، فكلّهم طواغيت يحكمون بنفس القوانين، غير أن الأخيرين أشدّ فتنة على المسلمين” انتهى.

فكيف لا يكفّر التنظيم كل أولئك إن كانوا يكفّرون جميع الفصائل المجاهدة بالخيانة والعمالة والردة، وأنها صحوات، وقاتلتها واستهدفتها بذلك، فقتلت مئات المجاهدين والقادة والعلماء والدعاة بهذه التهمة، بل اعتبرت أنَّ قتالها أولى من قتال الصليبي المحتل!

كما أنه من المهمّ أن يُعلم أن محاولة داعش إيجاد الفروق في أصول المعتقدات بينهم وبين الخوارج لا يغيِّر من حقيقتهم شيئًا؛ فالخوارج مروا بفترات زمنيةٍ متعدِّدة، وفي كل فترة يظهر فيهم معتقداتٌ قد لا تكون فيمن قبلهم، وقد لا يكون ذلك الوصف الزائد ملازمًا لهم، ووصفًا منضبطًا، فالأحاديث لم تصف الخوارج أنهم يكفرون بالكبيرة؛ لذا نرى أن التكفيرَ بالكبيرة هو وصف الخوارج في فترة ما، والخوارج في عهد علي كذلك لم يكفروا بالكبيرة، ثم ظهر من الخوارج من يقول بقول المعتزلة كما في خلق القرآن، وإنكار عذاب القبر؛ لذا من أراد أن يوجد الفرق بين داعش والخوارج بهذه الطريقة فلن يكون هناك خارجي اليوم!

والوصف الذي يميّزهم أنهم يكفرون المسلمين بما ليس بمكفِّر، ويستحلّون دماء مخالفيهم. فإذا انطبق ذلك على جماعة فهم من تلك الفئة وإن لم يتسمَّوا بالخوارج].

أسباب التِصاق داعش بالدعوة السلفية:

يرى الفَريق الذي يُلحق داعش بالخوارج أنَّ تبيينَ أوجه التشابُه بينهما للناس هو ما أدَّى أن يلتصق داعش بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويتترَّس بها كما في التأليف في الردود؛ لأجل تحقيق غاياته ومكاسبه السياسية، ولإضفاء الصبغة الشرعية في استحلال دماء المعصومين وأموالهم، وتبرير سلوكياتهم الإجرامية البشعة.

[تعليق: سيأتي أنَّ هذا التعليل ظهر جليًّا في التنظيم حين دخل سوريا، إضافةً إلى أن التمسك بالمرجعية السلفية ظهر جليًّا منذ الجهاد الأفغانيّ الذي شارك فيه كثير من أبناء هذا التيار.

كما أن تدخُّل الشيعة في سوريا قد زاد من وتيرة النهج الطائفيّ الذي سبق أن تأجَّج في العراق، وكرَّس أبو مصعب الزرقاوي التوسّع في تكفير كلّ الشيعة؛ ولذلك حاول مناصرو التنظيم العملَ على الاستشهاد بفتاوى ونقولاتٍ عن بعض علماء الدعوة السلفية].

الخلل المنهجي في الاستدلال:

وهذا من أوجه مباينة داعش لأتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ فالواقع أن هذا التنظيمَ لا يسير وفقَ منهجيَّة معتدلة، فهو ينتقي أشدَّ الآراء والأقوال من التراث السلفي.

وهو لا يكتفِي بالاقتباس من نصوص كتب أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورسائلهم، بل يتجاوز ذلك إلى كتب فقهاءِ المذاهب الأربعة.

أهم مصادر داعش الفكرية:

من خلالِ الرجوع لأهمّ مصادر داعش ومراجعهم الفكرية -وهي مجلَّة (دابق) الناطقة باسم التنظيم- نجد التنوُّعَ والاختلاف والتباين، ففيها نقول عن المذاهب الأربعة وكتب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والإحياء للغزالي المعروف بتصوُّفه، وعن المعاصرين المعتنين بالمقاصد كالشيخ طاهر بن عاشور.

لغة الأرقام تتحدَّث:

فمن بين (145) إحالة مرجعية في الأعداد العشرة الأولى من مجلة (دابق) نجد الآتي:

(16) إحالة على مؤلَّفات علماء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعها.

وأهم مصدر ومرجع للتنظيم في المنهج والعقيدة القتالية هو كتاب “مسائل في فقه الجهاد” المعروف باسم: “فقه الدماء” لأبي عبد الله المهاجر المصري، والذي يبلُغ أكثر من (600) صفحة. وقد استغلَّ الكاتب رسائلَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة، مع رجوعه إلى الكتاب والسنة وآراء المذاهب الأربعة.

وهذا لا يعني بالضرورةِ انتماءَ هذا التنظيم لمدرسةِ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فكما أنَّ هناكَ أفكارًا مشتركة إلا أن هناك فروقًا كثيرة بينهما، فهناك خلَل في فهم نصوص أولئك الأئمة وتفسيرها، وهناك دراسات غربية تدعم هذه الرؤية.

داعش والسَّلفية الوهابيَّة.. التشابه والاختلاف:

تتبنَّى المراكز البحثيَّة والمقالات الصحفية الغربية القولَ بوجود علاقة بين داعش وتراث دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، خاصَّة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م.

أمَّا في السعودية فالكتابات التي تلصق التهمةَ بالسلفية عمومًا وبدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خصوصًا على فئتين:

الفئة الأولى: التيار الليبرالي، وقد استَخدم في أغلب الأحوال “السلفية والتراث السلفي” دونَ الإشارة إلى الوهابية إلا في أحوال قليلة. وكذا تناولت صحفٌ محلية سعوديَّة بعضَ المقالات النقدية للفكر السلفي، وحمَّلته مسؤولية الفكر الداعشي وتبعاته.

الفئة الثانية: ألقت الضوء على نشأة الوهابية التي ترافقت مع الدولة السعودية الأولى، وزعمت أن داعش امتدادٌ لمفاهيم الوهابية في العهد القديم، وأنهم قريبون من (إخوان من أطاع الله) الذين طبَّقوا نصوص الوهابية، إلا أن الملك عبد العزيز بعد أن استتبَّ له الأمر شرع في تأسيس نهج جديدٍ وتغيير للخطاب الوهابيّ.

وهناك دراسة أخرى تقول: إن داعش نسخَة من السلفية الوهابية، وإن هناك تسعةَ عشر وجهًا من أوجه التشابه المتعلِّقة بالتكوين العقدي والعلمي والتربوي، والفارق بينهما في تحقيق المناط والحكم على الوقائع، فتنظيم داعش حسب الوصف السلفيّ خارجيّ؛ لأنه بالغ في تطبيق أحكام التكفير والردة على المسلمين، وإن كانت المنطلقات التي يستدلون بها والنظريات سلفيةً مئة بالمئة، ولم يقوموا بإضافات عليها، إلا أن المشكلة تكمن في التوسع في تطبيق النظرية.

الرافضون لهذا الطرح يختلفون في التعليل:

هناك من يرى أن نشأةَ داعش في العراق كان لعواملَ مؤثرةٍ في البيئة التي خرجت منها، وإلى الظروف السياسية بعد الاحتلال الأمريكي عام (2003م) وما نجم عنه من تدمير لكل مقومات الشعب والدولة، وأنَّ انتسابها للوهابيَّة هو مجرَّد لباس لإبعاد التهمة عن حلفائها وإلصاقها بمحيط آخر هو المتضرِّر الحقيقيّ من وجودها، وأنَّ السلفية بشكلٍ عامّ ليست مسلَّحة.

وهناك من رفض بحجَّة أن إطلاق الردَّة عند الوهابية على بعض البلدات النجدية لم يكن القصد منه إلا القيادات السياسية للبلد ولا يشمل كلَّ السكان، وأشار قائله إلى سبب استخدام اللغة الدينية في التعبير عن المواقف والرؤى إلى أنها كانت اللغة الوحيدة التي يعرفها المجتمع النجديّ، بل المجتمع العربيّ كله، بالتالي يكون المقصود بردَّة البلد في الأساس ردة سياسية وليست دينية([1]).

وهناك من يرى خطأ تاريخيًّا مهمًّا لمن ذهب بالربط بينهما، وهو أن الدعوة الوهابية في الحروب التي خاضتها في سبيل إقامة دولتها وبسط دعوتها كانت خاضعة لمنطق عصرها، وهو منطق الإخضاع القسريّ لكل المخالفين للدخول في حيز الدولة، ورفض التعايش مع أي فكر مخالف لها، وكلّ الدول المعاصرة للحركة كانت خاضِعة للمنطق نفسه، وهو منطق التوسّع والهيمنة عن طريق القوة، وبمقارنتها ببعض الدول والأحداث المعاصرة لها كأحداث الثورة الفرنسية وسقوط الدولة الصفوية، نجدها الأقل خضوعًا لذلك المنطق، وتنظيم داعش في فكرته ومنهجه ودعوته لم يخرج من فكر القرون الوسطى، وأن المفترض ربطها بذلك العصر، لا بالوهابية وحدها.

لكن الواقع أنَّ تنظيم داعش يحلو له أن يلتصق بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذا ما يروّجه بصورة مكثفةٍ من خلال منشورات التنظيم ومؤلفاته، إضافة إلى تناول مؤلفات علماء الدعوة ورسائلهم بتدريسها، ووصف حالها اليوم مع أعدائها كحال المفترين على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتشبيه دولتهم بالدولة السعودية الأولى، وأن الهدف من الدولتين محاربة الشرك بجميع صوره، وتطبيقهم الشرع مباشرة بمجرد سيطرتهم على الأرض.

[تعليق: لا مقارنةَ بين تنظيم داعش والدولة السعودية الأولى، فداعش لا تقاتِل على أصل ديني صحيحٍ، وأما الوهابية فقد قاتلت أناسًا على مناطات تفيد دلائلُ تاريخية أنهم كانوا متورِّطين بها، وهي مناطات كفر وفق تقريرات تحقّقات سلفية سابقة على الوهابية. انظر: ما بعد السلفية (ص: 547)].

ثم رجَّح المؤلِّف أن الأكثرَ موضوعيةً بالنظر في سلوك داعش أن هذا التنظيمَ متعدِّد الأوجه، ولا يمكن أن يعزى إلى شخص واحدٍ أو حركة أو حقبة واحدة، والاعتماد على عناوين المصادر والمؤلَّفات التي يستخدمها التنظيم يمكن أن يزيد من غموض فهم أيدلوجيته.

فداعش من حيث سلوكياتها قطعًا ليست تابعة للمدرسة الوهابية، وهي بوضعها الراهن ليست امتدادًا للسلفية الجهادية بنسختها القاعدية ومرجعيتها القطبية، بعد أن كانت سابقًا جزءًا منها، ومسارها العملي يظهر تباينات منهجية مع القاعدة.

وليس لهذا التنظيم مرجعيات وتأصيلات شرعية يعتدُّ بها في الأوساط الجهادية، بل إن رموز تنظيم القاعدة لهم موقفٌ رافض ومحذِّر من داعش.

لتحديد هويَّة تنظيم داعش لا بد من النظر في السياقات التاريخية والسياسية:

يعدّ كتاب سيد قطب “معالم في الطريق” أهمَّ كتاب اعتمدت عليه الحركات القتالية، ويقوم على مفهومين تأسيسيَّين: على الحاكمية والجاهلية. ويقطع قطب بغياب مفهوم الأمَّة، فلا يراها قائمَة في مصر ولا غيرها، فوجب أن تكونَ هناك جماعات جهاديَّة لتعيد دار الإسلام.

ثم تطوَّر الفكر الجهاديُّ نتيجة الالتقاء والتلاقح بين المفاهيم والتصورات القطبية الإخوانية والمعتقدات السلفية الوهابية في مدينة بيشاور في باكستان، وهناك كتبت النصوص الأخطَر في التراث الجهاديّ المعاصر، وهي رسالة “ملَّة إبراهيم” لأبي محمد المقدسي عام 1985م، وكتابه الشهير “الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية” عام 1989م، إضافة إلى كتاب “العمدة في إعداد العدة” لعبد القادر بن عبد العزيز.

وأبو مُصعب الزرقاويّ المؤسِّس لتنظيم داعش ممن التحَق بالأفغانيين عام 1989م، لكنه لم يقاتل الروس، فقد كانتِ الحرب في نهاياتها، وهناك التَقى بالمنظِّرين الحقيقيِّين للحركات الجهادية المعاصرة، من أعضاء تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أبو محمد المقدسي (أردني الجنسية)، وأبو عبد الله المهاجر (مصري الجنسية)، وقد تتلمَذ على الثاني منهما مدَّة أربع سنوات، واقتنع بأفكاره في العمليات الاستشهادية وتكفير عموم الشيعة ومسألة التترس وعمليات الاختطاف وقطع الرؤوس، فصار كتاب “مسائل من فقه الجهاد” المعروف “بفقه الدماء” دليلَ العمل الإرشاديّ لداعش؛ من حيث الإثخان في العدو بالحرق والإغراق بالماء وهدم الجدر والبيوت والرمي من شاهق.

وبعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق بدَت الهوية الدينية (سنة شيعة) والإثنية والعرقية (عرب وكرد) ظاهرة للنفوذ والسيطرة على العراق، مع تهميش السنة في إجراء عقابي نتيجة لانخراطهم في النظام السابق.

ثمَّ التحقَ بشبكة الزرقاوي كثيرٌ من المقاتلين بدوافع وطنيَّة معادِية للسيطرة الأمريكية، ورغم مبايعته لاحقًا واندماج شبكته (التوحيد والجهاد) في تنظيم القاعدة، إلا أنَّ الفرعَ القاعديَّ الجديد خضَع لتحوُّل في المختبر العراقي، وذلك بعد انضمام العديد من ضباط جيش صدام واستخباراته البعثيّين إلى القتال بجانب دولة العراق الإسلامية، وباتت الجماعَة مِن خلال هذا المزيج أقربَ إلى العصابات المنظمة منه إلى عمل الجماعات الدينية المسلحة، فتحوَّلت القاعدة من شبكة دينية مسلَّحة إلى منظمة مخابراتية عنيفة تقوم على العقيدة السلفية الجهادية.

ومع تولِّي أبي بكر البغداديّ إمارةَ دولة العراق الإسلامية في العام 2010م دخل التنظيم في طور تنظيميّ عسكريّ أمنيّ شديد الارتياب والسرية، وصارت العمليات تعتمد منهجًا أشدَّ فتكًا بعد هيمنة الضباط البعثيين.

أمَّا في سوريا فقد استخدم التنظيم الأيدلوجية السلفية كأداةٍ للحصول على الشرعية والسلطة والمال، وليست كغاية أساسيَّة، وقد قام التنظيمُ بعد السيطرة على بعض المناطق بأعمال ينظر إليها على أنها ترويج للشريعة؛ مثل حرق علب السجائر، وتدمير قوارير الكحول، ومعاقبة النساء اللاتي لا يرتدين الحجابَ؛ بهدف إظهار أن الترويج للشريعة من أولويات التنظيم، وهو في الوقت نفسِه وسيلةٌ لقمع كلّ الخارجين عن سلطته والمخالفين له.

والعراقيّون والمهاجرون هم من شغلوا مواقع القيادة في سوريا.

وفي سوريا ظهر تحوّل جديدٌ في الفكر الجهاديّ العالمي، فمنذ حرب أفغانستان، مرورًا بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، إلى بداية احتجاج الشارع العربي، كان تنظيم القاعدة يهدف إلى قتال (العدوّ البعيد) ممثلًا بالغرب عمومًا، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا.

لكن تنظيم داعش ارتكَز في منهجه ومشروعه على مقاتلة العدوّ القريب، وإنشاء (إقليم – قاعدة) يكون منطلقًا للعمليات الجهاديّة في مختلف الجهات الأخرى.

ومما يعزِّز من تنامي نهج داعش وخطابه هو تركيزه المطلق على سياسات الهوية الطائفية التي تجتاح المنطقة، وعلى الصراعات المحلية والإقليمية، بدلًا من العالمية التي هيمنت على تنظيم خطاب القاعدة وأولوياتها.

[تعليق: ما يتعلَّق بالتحوُّل الإستراتيجي في الفكر الجهاديّ -والذي فارقت داعش فكر القاعدة في بعض مراحلها- أنها ركزت على العدو القريب، لا بد من تسليط الضوء على أن هذه سياسة الجماعات التكفيرية من قبل، فبعد أن كانت نظرية العدوّ القريب هي السائدة، قام أسامة بن لادن وأيمن الظواهري بتغيير هذا المسار بنظرية العدوّ البعيد؛ لأن العدو القريب لا استمرار ولا وجود له إلا باستهداف العدو البعيد الذي يُعدّ الداعم الحقيقيّ له، وقد أنتج ذلك تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيّين والأمريكيين” عام 1998م.

ومن التنظيمات التي كانت تستهدف العدو القريب: تنظيم الفنية العسكرية، وقد اعتمد التنظيم في أدبياته الرئيسة على أفكار صالح سرّية مؤسس التنظيم وفيلسوفه، والذي خلّف مجموعة من الكتابات أهمها “رسالة الإيمان”، قام التنظيم بمحاولة انقلاب من الكلية الفنية العسكرية سنة 1972م، وكان يصف المجتمع بأنه في ردّة جماعية، وكان يدعو إلى الجهاد؛ لأن العدو القريب أولى وآكد من العدو البعيد.

وقد تم القضاء على هذا التنظيم في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، ثم ظهرت تنظيمات جديدة، منها “تنظيم الجهاد” بزعامة محمد عبد السلام فرج، ويرى أن الجهاد فرض عين على كل مسلم، وأنه يجب قتال العدو القريب قبل البعيد. فلم تخرج داعش عن هذه العباءة].

ومن القضايا التي ذكرها المؤلف في غير هذا الفصل، ويمكن أن تعطي مزيدًا من القرائن في الترجيح:

أولًا: ما يتعلَّق بالمنضَمِّين لهذا التنظيم، فقد انجذَب إلى داعش الآلاف من الشبان والفتيات من بلدان ودول لا وجود فيها للثقافة والأفكار الراديكالية، ولا أي تأثير لها، فمن بين مجنَّديه جاء أكثر المقاتلين المنضمّين إلى صفوف داعش من تونس، وهي الدولة العلمانية التي تربّى فيها أجيال على مناهج غربية بعيدة كل البُعد عن التصورات والمفاهيم الدينية، أو من دول الجمهوريات الإسلاميّة التي ظهرت بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي، أو من الدول الغربية.

فعلى سبيل المثال: فرنسا وحدها بلغ عدد الملتحقين منها بصفوف داعش -وفقًا لما قالته مجموعة (صوفان غروب) الأمريكية- 1910 أشخاص، وقدّر المركز الفرنسي لمنع الانجراف الطائفي أن 80 في المئة من المتعاطفين مع التنظيم ينحدرون من عائلات غير متديّنة.

وقد حرصت الجهات الأمنية السعودية في أكثر من مناسبة على التأكيد على نفي وجود ارتباط أو تعلّق بين التديُّن وبين الانضمام إلى داعش، وأن التنظيم جنّد أفرادًا من المنتمين إليه من خلفيات جنائية، وأن الادِّعاءات بأن المناهج التعليمية سبب من أسباب التطرف الفكريّ غير صحيحة، ولا توجَد دلائل علمية تدلُّ على ذلك.

ومن جهة أخرى تجد عددًا كبيرًا من الدول لا تتبنّى المناهج الإسلامية في مقرراتها الدراسية، ومع ذلك تشهد تزايدًا في عدد المتطرفين لديها، إلا أن ذلك لا يعني نفي نور الدين والثقافة بشكل مطلق من أن يكون من عوامل الانجذاب تجاه داعش ومن الدوافع إليها.

ثانيًا: نسبة المعتنين بالعلوم الشرعية ممن ينتسبون إلى التنظيم:

في وثائق تنظيم داعش المسرَّبة للفترة من منتصف العام 2013م إلى نهاية 2014م، هناك إحصائيات تتعلق بـ 1700 عضو ممن ينتسبون إلى التنظيم ينتمون إلى ما يناهز 50 جنسية، وكان من أبرز النتائج:

معدل أعمار المقاتلين بين 26 و27 سنة.

الحالة الاجتماعية: 61% من غير المتزوجين.

الحالة العلمية: 70% معرفتهم بالعلوم الشرعية محدودة، في مقابل 5% قالوا: إنهم ذوو معرفة دينية متقدّمة.

ثالثًا: التخصّصات العلمية (الطب – الهندسة) في المنتمين لتنظيم داعش:

عند التأمُّل والتفكير في الأسباب التي تقف وراء انضمام أفراد على درجة من الوعي والمعرفة في تخصصات علمية كالطب والهندسة واقتناعهم بإيديولوجيات التنظيم، قد يكون من الصعوبة بمكان إيجاد رابط منطقيّ بين دراسة الطب أو الهندسة وبين الميل إلى التشدّد والتطرف، لكن هناك فرضية طرحها الباحثان البريطانيان ديغو غامبيتا من جامعة أكسفورد وستيفن هيرتوغ من جامعة درهام عن غلبة القابلية للتطرف على الدارسين في التخصصات العلمية كالطب والهندسة والعلوم في جماعات التطرف والعنف من تخصّصات العلوم الإنسانية؛ حيث أجرى الباحثان تحقيقًا منهجيًّا عن مدى وجود علاقة محتملة بين دراسة العلوم وبين اعتناق التطرف العنيف على 497 شابًّا جامعيًّا تحولوا إلى التشدّد، والتحقوا بجماعات العنف في دول العالم الإسلامي وبلاد الغرب، خلصت دراسة العيّنة إلى أن الذين درسوا تخصّصات مثل العلوم أو الهندسة أو الطب كانوا الأكثر تمثيلًا ضمن المتعلمين، ووجدا تحديدًا أن المهندسين يمثلون النسبة الأكبر (44,9%) في دول العالم الإسلاميّ و(45,1%) في بلاد الغرب.

وما يثير الاهتمام هو تفسير الباحثين لدارسي الهندسة بأن هناك شيئًا ما في طريقة تدريس الهندسة على وجه الخصوص، وأن طبيعة الدراسة في الهندسة والرياضيات والعلوم قائمة على منهج علميّ صارم، لا يسمح بوجود وجهات نظر متعدِّدة، بل النتيجة تكون حاسمة؛ بحيث لا يتعلّم خريجو الهندسة سوى أسلوب التفكير الثنائي -صح أو خطأ- الذي يبسّط الأمور، إما إلى لون أسود أو أبيض، بدون مجال للتساؤل وتنمية مهارات التفكير النقدية، كما هو الحال مع خريجي العلوم الإنسانية؛ حيث يتعلّم المرء في العلوم الإنسانية أنه إذا قدم أحد حجة فبالإمكان نقدها، وأن التشكيك في المعرفة المكتسبة أمر مرحَّب به.

وفي المقابل؛ لا توجد في العلوم الطبيعية آراء، بل هي حقائق فقط، وهو ما ينتج عقلية تتعامل مع الواقع الإنساني بما فيه من أفكار وأشخاص وأحداث بمقياس صارم يعتمد على ثنائية الصواب والخطأ، والحق والباطل، ولا مجال فيه لوجهات نظر أو نسبية، وهذا ما يُسهّل تجنيدها في جماعات العنف؛ لأن منهج تلك الجماعات قائم على الصرامة في فهم الدين، والثنائية الحادة في فهم تعاليمه.

ويتَّفق هذا التفسير مع دراسة ميدانية أخرى أعدَّها مركز أبحاث ديموس البريطاني على مجموعة من الإرهابيين -ممن أجرموا جرائم وأدينوا في أكثر من دولة أوروبية-، وتناولت الدراسة نفسها مجموعة متشدِّدة لم تنخرط قطّ في عمل ذي طابع إرهابي، واشتركت المجموعتان في الخلفية الفكرية نفسها، وبينت الدراسة أن نظرة الإرهابيين تتسم بثنائية أبيض وأسود، في حين ينحو المتشدِّدون نحو فهم ما حولهم، والتوسّع في إدراكه، وأن غالبية الإرهابيين كانوا يدرسون مواد علمية تطبيقية، في حين يغلب على المتشدِّدين التخصُّص في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

رابعًا: المقاتلون السعوديون في سوريا بين الواقع والمبالغات:

راقبت الجهات الرسمية السعودية عن كثب كل التطورات المتعلقة بذهاب مواطنيها إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق، وحرصت على نشر أعداد السعوديين الذين ثبت لدى الجهات الأمنية تورّطهم في القتال الدائر هناك، وحدّثت تلك الأعداد بحسب ما يستجدّ من متغيرات ومعلومات.

وكان أول إحصاء رسمي أعلنته وزارة الداخلية السعودية في نوفمبر 2014م قد أفاد بأن عدد السعوديين الذين تأكّد ذهابهم على مدى ثلاثة أعوام وثمانية أشهر 1500 شخص. وأوضح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية في مارس 2015م أن عدد السعوديين الذين ذهبوا للدول التي تعاني من صراعات خلال الأعوام الأربعة الماضية بلغ 2284 سعوديًّا.

وفي آخر إحصاء رسمي صدر في مايو ۲۰۱6م بشأن السعوديين المنضمين إلى صفوف تنظيم داعش وجبهة النصرة، أشار إلى أن العدد قد تجاوز الـ 3000 سعودي بقليل، عاد منهم إلى السعودية 760 إما بتسليم أنفسهم، أو بالقبض عليهم.

هذا التقاربُ الكبير بين الأعداد الرسمية المعلَنة عن أعداد العناصر السعودية في سوريا والعراق، وبين الأرقام الصادرة مِن مراكز الدراسات والبحوث الغربية المختصة، وتضاؤل أعدادهم مقارنة بدُول أخرى وجنسيات أخرى كتونس البلد الأكثر علمانية، والأقل تشددًا من بين المجتمعات العربية كافة التي التحق منها ما يقرب من 6500 مقاتل، علمًا بأن السلطات التونسية منعت خمسة آلاف آخرين من مغادرة تونس للانضمام للقتال، وإذا كان تعداد الشعب التونسيّ نحو نصف عدد السعوديين، والتحق منه في صفوف القتال أكثر من ضعف عدد المقاتلين السعوديين، فإن ذلك ينفي وجود خصوصية متعلّقة بالعنصر السعودي تجعله أكثر قابلية من غيره للانضمام إلى تنظيم داعش أو غيره، ويضعف كل الحسابات والعوامل المتعلقة بقابلية السعوديين واستعدادهم ليكونوا أكثر الفئات التحاقًا بتنظيم داعش التي من أبرزها دور الفكر -أو المعتقد- الوهّابي، وتأثيره في نشر التطرف والعنف، ويوحي إلى حدّ كبير بوجود تفسيرات أوسع من مجرد اعتبار المناخ الديني والثقافي محددًا رئيسًا للانجذاب نحو الإرهاب.

ختامًا:

من نظَر إلى هذا الموضوع (علاقة داعش بالسلفية) من الزوايا التي ذكرها المؤلّف مجتمعة لا يسعه إلا أن يبرئ ساحَة السلفيَّة مما رُميت به من التّهم جزافًا، وأُلصقت بها من المكر الكبَّار مرارًا، ولسنا نجعل من أَخطأ في التوصيف بعد استفراغ الوسع والاجتهاد وعدل كمن جار وعادى دون تحرٍّ ولا تروٍّ، إلا أن الدلائل والبراهين تظلّ سلطانًا فوق الجميع، والحمد لله رب العالمين.

([1]) وممن نحا هذا النحوَ خالد الدخيل، في “مراجعات للوهابية تأخَّرت كثيرًا”، نشر في جريدة الحياة الدولية للنشر، بتاريخ 21 سبتمبر 2014م. وينبه إلى أن الدخيل له نظرات حول الوهابية في النشأة وغيرها؛ فهو يرى أن الوهابيةَ نشأت كنتيجة طبيعية للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تلك الفترة، لا لأجل الدين ونبذ الشرك أو مظاهر البدع التي يرى أنها كانت محدودة في تلك الفترة، وهذا ما يؤكِّده في كتابه “الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017