الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

عدالةُ الصَّحابة من وجهةِ نظرٍ حداثيَّة (شبهات وردود)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

            لا يخفى على كل مهتمٍّ بالدراسات المتعلِّقة بالنصوص الشرعية ما يحاوله الحداثيون في كل آنٍ وحين، وعبر مختلف الأدوات المتاحة لهم والمنقولة من التراث الغربي من محاولةٍ لتنحية النَّص الشرعي عن كونه حاكمًا على أفعال الناس وتصرفاتهم، ومؤطرًا لتوجهاتهم واعتقاداتهم وتعاملاتهم، وقد كُتب الكثير عن مواقفهم من القرآن والسنة وأحكام الإسلام، ومحاولتهم الدائمة لبثِّ أفكارٍ تؤدي في الأخير إلى إلغاء حاكمية النصوص أولًا، وإلغاء تشريعات الدين بالكلية ثانيًا، لذا يعلون كثيرًا من شأن المقاصد والمصالح لدرجة إيهام التعارض، ثم تقديم المصالح على النُّصوص، كما يقول فهمي هويدي: “تطبيق النصوص له شروطه الموضوعية التي ينبغي أن تتوفر، وله مصالح منشودة ينبغي أن تتحقق عند أهل الأصول، فإنه إذا لم تتوفر تلك الشروط أو إذا حدث التعارض بين النصوص وبين أيٍّ من مصالح الناس المعتبرة، فلا محل للتطبيق في الأولى، وتُغَلَّبُ المصلحة على النص في الثانية”([1])، فكانت المقاصد والمصالح راية الحداثيون التي رفعوها لإسقاط النص سواء صرحوا بذلك أم لا.

            ولهم سبلٌ كثيرةٌ في تحقيق هذا المعنى، أعني: تنحية الكتاب والسنة من وعي الفكر الإسلامي حتى يكونا هامشيين لا حاكمين، أما القرآن الكريم فهو أعلى قدرًا في نفوس المسلمين من أن يستطيعوا إلغاءه فراحوا يفرغونه من مضامينه، ويجعلون مفاهيمه التي كانت شائعة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ماهي إلا مفاهيم تاريخية مرهونة بزمانها ومكانها، وأنَّ المنقول إلينا إنما هو النص مفرغًا من مضامينه لنملأه نحن كما شئنا، ولذلك نادوا بتعددية المعنى، وتعددية التأويل، وما هو إلا عبثية المعنى والفهم([2]).

            أما السنة النبوية فحدث ولا حرج، فقد اقتحموا سياجها من كل جانب، فتارة مدعين عدم حجيَّتها، وأخرى مدعين أنَّها اجتهادات نبوية لا تلزمنا، وثالثة بالقول بتأريخيتها وعدم صلاحيتها لوقتنا، وأخرى في الطعن في أسانيدها، والشاهد أنهم إذا رموا سهمًا تجاه القرآن رموا مثله تسعًا نحو السنة، خاصة فيما يتعلق بفهم السنة بفهوم السلف الصالح، أو الصحابة الكرام، وتأتي هذه الورقة مناقشةً واحدًا من تلك الأساليب التي ينتهجونها في نقد السنة النبوية ألا وهي: الطعن في الصحابة الكرام، ففي هذه الورقة ننظر إلى الصحابة الكرام من وجه نظر حداثية.

تمهيد:

            إحدى المسائل المنهجيَّة التي يُجمع عليها أهل السنة والجماعة: عدالة الصحابة الكرام، فإنَّ أهل السنة والجماعة يرون أنَّ الصحابة الكرام كلهم عدول ثقات، عدلهم الله سبحانه وتعالى في كتابه، والنَّبي صلى الله عليه وسلم في سنته، واهتمَّ العلماء الكرام اهتمامًا كبيرًا بتأصيل هذا الباب من حيث مفهوم الصحبة والصحابة، وبيان فضلهم([3])، وحجية إجماعهم، وسبيل الاختيار من اختلافهم، وكان النصيب الأكبر من الاهتمام منصبًّا نحو عدالة الصحابة الكرام، ذلك أنها تتعلق بعدة أمور منها: الرواية ونقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمة، فإنَّه ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الطعن فيهم يعني إغلاق باب السنة إذ لا ثقة في نقل غير العدل؛ فقد يكذب أو يجور أو يظلم في القول، وخالف في هذه القضية: المعتزلة، وخلافهم في جزئيات عديدة على خلاف بينهم، فمجملهم يتولون الشيخين، وبينهم خلاف طويل فيمن بعدهم، وخلاصته أنهم مائلون للتشيع في هذا الباب، ومنهم الخوارج الذين كفَّروا الصحابة الكرام، ومنهم الشيعة كذلك الذين لهم الموقف الأبرز في موضوع عدالة الصحابة، فهم يرون عدم عدالتهم إلا النزر اليسير ممن ينصّون عليهم، بل يرون أن كثيرًا من الصحابة على رأسهم الشيخين أبي بكر وعمر قد تولوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أولئك الذين بدؤوا يطعنون في عدالة الصحابة الكرام: الحداثيون المعاصرون، وذلك ضمن مشروعهم الكبير في نقد التراث عمومًا ونقد السنة خصوصًا، فراحوا يعملون نقدهم على الصحابة الكرام؛ إذ إسقاطهم هو إسقاطٌ لمشروع السنة بالكامل.

            ويمكن القول: إن الحداثيين أضافوا بعدًا جديدًا في الصراع القائم على عدالة الصحابة، فإن الشيعة ومن مال إليهم إنما ينطلقون من إمامة علي رضي الله عنه، واغتصاب الصحابة لحقه – حسب زعمهم -، وغايتهم هو إسقاط الصحابة جلِّهم، لكنهم في الغالب يستعوضون عن الصحابة بمروياتهم المنقولة عبر شيوخهم إلى الأئمة الكرام -بغض النظر عن صحة ذلك- لكنهم لم يُسقطوا موضوع الرواية بالكامل، أما الطعن في عدالة الصحابة الكرام من قبل الحداثيين فقد راموا منه تحقيق غايات عديدة من أهمها بلا ريب: النَّص المفتوح، وعدم الالتزام بأي تفسير أو توجيه من الصَّحابة ومن بعدهم، وإنما يرون الأخذ من القرآن مباشرة، وليت أنه كان بالمفهوم الصحيح لكنهم إنما يقصدون أنَّ ألفاظ القرآن لا تتقيد بمعانٍ، وأن لكل قارئ حقه الكامل في قراءته التفسيرية كما يريد ويشتهي، ولذلك كانت هجمتهم كبيرة على أصول الفقه؛ لأنه يؤصل للطريقة الاستدلالية الصحيحة، ويحفظها من الفوضى التأويلية التي يريدونها، يقول عبدالمجيد الشرفي: “نلاحظ من جهة ثانية أنَّ التفاسير القرآنية وتوظيفات الفقهاء والمتكلمين قد شكلت عبر التاريخ الإسلامي نصوصًا ثواني؛ إذ لا يفهم النص المقدس إلا عبر تلك النصوص الثواني…بينما لو أبعدنا -وهذا مجرد افتراض نظري- هذه النصوص الثواني وهذه السنة التأويلية فإننا إذ ذاك نتعامل مباشرة مع النص القرآني بطريقة مختلفة عن هذه التأويلات التاريخية”([4]). وليست الإشكالية في مجرد القول إننا نفهم القرآن فهذا لا يردُّه أحد، وإنما في تجاوز الفهوم كلها بدءًا من الصحابة الكرام وصولًا إلى قارئ النص في أي عصر كان، فوصول النص وحده كافٍ في فهمه – حسب زعمهم -، وإن كان هذا الفهم جديدًا مخالفًا لكل ما سبق، فالنص قطعي الثبوت هلامي المعنى بحيث يفهمه كل أحد حسب ما يريد، وهو ما يتعارض مع القول بعدالة الصحابة وحجية قولهم، فإننا ملزمون بأخذ أقوالهم وإجماعاتهم، ومن غرضهم كذلك: إسقاط السنة، فالسنة تبدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم وينقلها الصحابة فإن سقطوا سقطت، لذلك يعد شحرور القولَّ بعدالة الصحابة هو المؤدي إلى قبول السنة في حين أنَّها يجب أن لا تقبل، يقول: “إنَّنا نعي تمامًا جميع التنائج والمتواليات التي قاد إليها الاعتقاد بأنَّ السنة القولية وحي ثان، بدءًا من علم طبقات الرجال، وكتب التراجم، وسلالم الجرح والتعديل، مرورًا بعدالة الصحابة والعصمة”([5])، ولذا كان موضوع عدالة الصحابة يسبِّب أزمة لدى الحداثيين والطاعنين، يقول زكريا أوزون: “وإنَّ محاولة تقديس أقوالهم وأفعالهم، وتخصيص أبواب لهم في الفضائل، تجعل الإسلام والمسلمين في مأزقٍ حقيقي في أيامنا المعاصرة”([6])، بل يجعل أبو رية القول بعدالة الصحابة هو سبب كل وجه للإسلام من طعنات! يقول: “إنَّ القول بعدالة جميع الصحابة، وتقديس كتب الحديث؛ يرجع إليهما كل ما أصاب الإسلام من طعنات أعدائه، وضيق ذوي الفكر من أوليائه”([7])، ويقول في نصٍّ أوضح وأصرح: “فإذا نحن رفعنا صوتنا وقلنا: إنَّ البلاء الذي يصيب الإسلام إنما يرجع إلى أمرين: عدالة الصحابة المطلقة، والثقة العمياء بكتب الحديث التي تجمع بين الغثِّ والسمين، فإننا لا نبعد ولا نتجاوز الحقيقة”([8]).

            وفي هذه الورقة سنناقش بعضًا من طعناتهم على عدالة الصحابة الكرام، مع التنبيه إلى أن بعضها يتشارك فيها الحداثيون مع غيرهم ممَّن سبقهم، ولا غرابة؛ فماهم إلا مقلدة لكل من رام هدم المسلَّمات والمحكمات، مع ادعائهم التَّجديد، فهم عالة على غيرهم، ليس في المعاني فحسب؛ بل حتى في الأدوات والإجراءات التي تُعامل بها النصوص، وليس مراد هذه الورقة هو الخوض في كل الطعون التي وجهت إلى عدالة الصحابة([9])، وإنما الاقتصار على بعض ما ذكره الحداثيون، ولاكوه بألسنتهم، فأقول وبالله التوفيق:

العدالة عند أهل السنة والجماعة:

            العدالة عند أهل السنة والجماعة: ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التَّقوى. والتقوى: فعل المأمورات، وترك المنهيات. وعلى هذا المعنى تدور عبارات العلماء، يقول الخطيب البغدادي: “العدل هو: من عرف بأداء فرائضه، ولزوم ما أمر به، وتوقي ما نهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملته، والتوقي في لفظه ما يثلم الدين والمروءة، فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه”([10]).

            وعرفها ابن حجر بقوله: “ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شركٍ أو فسق أو بدعة”([11]).

            وأكثر من ينطبق عليهم حدُّ العدالة هم الصحابة الكرام، لذلك أجمع أهل السنة والجماعة عل عدالتهم؛ لتعديل الله سبحانه وتعالى لهم، وتعديل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون ذلك هو الواقع، يقول ابن عبدالبر في حكاية الإجماع: “ونحن وإن كان الصحابة رضى الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم؛ لإجماع أهل الحق من المسلمين – وهم أهل السنة والجماعة – على أنَّهم كلهم عدول، فواجب الوقوف على أسمائهم، والبحث عن سيرهم وأحوالهم؛ ليُهتدى بهداهم؛ فهم خير من سلك سبيله واقتدى به”([12]).

            ويقول ابن الصلاح: “للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنّه لا يُسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة”([13])، ويقول أيضًا: “الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانًا للظن بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر”([14]). فهو رحمه الله يحكي الإجماع عن أهل السنة والجماعة على تعديل الصحابة؛ سواء من تلبس منهم بالفتنة أو لم يتلبس، ويقول في ذلك النووي: “الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم، بإجماع من يعتد به”([15])، وليس الغرض هنا الاستفاضة في ذكر عدالة الصحابة وأدلتها، فلذلك مقام آخر، وإنما بيان مجمل قول أهل السنة في عدالة الصحابة، وإجماعهم على ذلك.

            وقد أورد الحداثيون -وقبلهم الروافض- عددًا من الاعتراضات على هذه العدالة حتى يتخلصوا من الإلزام بأقوالهم وآرائهم، وكذلك يتخلصوا من السنة النبوية المنقولة عن طريقهم، فلكل شخصٍ مأرب يختلف عن الآخر في إسقاط عدالة الصحابة، يجمعها ردُّ أقوالهم وتجاوزها في فهم النَّص الشرعي، ومن تلك الاعتراضات:

الاعتراض الأول: الصحابة بشر يصيبون ويخطؤون وليسوا بمعصومين:

            هذا الاعتراض هو نفس ما يمارسه الحداثيون وغيرهم حين ينتقدون البخاري فيقولون: إنه ليس بمعصوم، ومادام أنه كذلك فإنه يجب أن يقع الخطأ في حديثه! وكذلك يتحدثون عن الصحابة الكرام، ويؤكِّدون أنَّهم ليسوا إلا بشرًا يصيبون ويخطؤون وليسوا بمعصومين، وبناءً عليه؛ فإنَّه لا يمكن أن نعدلهم كلَّهم.

            فحسب رأي زكريا أوزون: أهل السنة والجماعة قد غلوا في الصحابة حتى رفعوهم إلى منزلة الملائكة، يقول: “ولقد بالغ التابعون والأئمة والعلماء الأفاضل بمكانة وصفات الصَّحابة، فجعلوهم كالملائكة، إن لم يكن أفضل منهم، وفي حقيقة الأمر فإنَّ الصحابة كغيرهم من الناس”([16]).

            ويقول: “أقوال وأفعال الصحابة هي أعمال إنسانيَّة بشريَّة لا تمثل شرعًا ولا دينًا ولا قدسيَّة لها، وهم كغيرهم من الناس يخطؤون ويصيبون، ينجحون ويفشلون، وأمرهم كغيرهم مفوَّض لله عزوجل، وإنَّ محاولة تقديس أقوالهم وأفعالهم وتخصيص أبواب لهم في الفضائل تجعل الإسلام والمسلمين في مأزقٍ حقيقي في أيامنا المعاصرة”([17]).

            ويربط أبو رية بين العدالة والعصمة فيصرح بأن الجمهور يرون عصمة الصَّحابة كلِّهم، يقول: “وإذا كان الجمهور على أنَّ الصحابة كلهم عدول ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة، واعتبروهم جميعًا معصومين من الخطأ والسهو والنسيان، فإنَّ هناك كثيرًا من المحققين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة”([18])، فهو يرى أنَّ القول بالعدالة هو قول بالعصمة، وأن هذا منافٍ لبشرية الصَّحابة، والتي تدل عليها أدلة عديدة ذَكَرَها، ويقول: “وقال ابن حجر العسقلاني -وهو إمام في المتأخرين- في ترجمة مروان: إذا ثبتت صحبته لم يؤثر الطعن فيه. كأن الصحبة نبوة، أو أنَّ الصحابي معصوم”([19]).

            كما يرى أنَّ أهل السنة حين أضفوا عليهم هذه العصمة – حسب رأيه – فإنهم بذلك قد حرَّموا على الناس نقدهم بعلم وبرهان، وفي ذلك يقول: “إذا كان اللأمر يتصل بأحد الصحابة الذين قالوا فيهم: “إنهم كلهم عدول” فلا يجوز لأحد أن ينتقد بالعلم والبرهان والحجة أحدًا منهم، لا في روايته ولا في شهادته ولا في سيرته. ومما قالوه في ذلك أيضًا: “إنَّ بساطهم قد طوى” كأن العدالة موقوفة عليهم وحدهم، وكأنهم في ذلك قد ارتفعوا عن درجة الإنسانية فلا يعتريهم ما يعترى كل إنسان من سهو أو خطأ أو وهم أو نسيان، ولا نقول الكذب والبهتان”([20]).

            وبنفس هذا يقول شحرور، فإنَّه يؤكد أن أهل السنة والجماعة حين يعدلون الصحابة فإنهم لا يذكرونهم بأيِّ خطأ، وأن العدالة تقتضي ارتفاعهم عن البشريَّة، وفي ذلك يقول: “إن مشكلتنا هي في أننا عندما نتكلم عن الصحابة نتكلم عن مجتمع أحادي الجانب؛ كما لو كانوا فوق البشر”([21]).

            وهذا من أشد ما يتمسكون به في نقد العدالة، إلا أنه متلبس بعدد من الأخطاء، يبين ذلك الآتي:

أولًا: أنَّه تصور خاطئ لقول أهل السنة والجماعة، فلا قولهم يدل على عصمة الصحابة، ولا حتى تعاملهم معهم يدل على أنَّهم يرونهم معصومين، فالخطأ هو في تصور أن أهل السنة والجماعة حين يقولون بعدالة الصحابة فإنهم يرفعون الصحابة إلى درجة العصمة، وهذا لم يقل به أحدٌ من العلماء، يقول العلاوي: “وبهذا يتبين أنه ليس المعنى بعدالة كل واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنَّ العصمة له ثابتة والمعصية عليه مستحيلة”([22]).

            ويقول المرداوي: “ليس المراد بكونهم عدولًا: العصمة لهم واستحالة المعصية عليهم، إنما المراد أن لا نتكلف البحث عن عدالتهم، ولا طلب التزكية فيهم”([23]).

            ويقول ابن الوزير: “ولم يقل أحد من أهل السُّنة بعصمة أحد من الصحابة في الباطن والظاهر، وكم بين القول بالعدالة في الظاهر والقول بالعصمة في الباطن والظاهر! فإن كان المعترض يزعم أنّهم نصُّوا على العصمة فهو كذَّاب أشر غير جدير بالمناظرة، وإن كان يزعم أنَّ نصوصهم على عدالة الصّحابة في الظَّاهر تقتضي العصمة؛ فكذلك نصوص الزَّيدية على عدالة العدول من أئمتهم وسائر المسلمين، وكان يلزمه أن تقتضي عصمتهم”([24]).

            فنحن لا نرى عصمة أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرفع الصحابة فوق البشر وننزع عنهم البشريَّة، فنقد المسألة من جهة أن الصحابة بشر نقد في غير محل النزاع.

ثانيًا: القول بالعدالة هو قولٌ بعدم ضرورة البحث عن عدالة كلِّ فردٍ منهم، فمادام أنَّ الله سبحانه وتعالى قد زكَّاهم وعدلهم فلا نحتاج بعد ذلك إلى تزكية، فحكمه فيهم لا شكَّ أنه حكم عالم بأحوالهم الآنية والمستقبلية ومع ذلك عدلهم بالعموم، فنقدِّم تلك العدالة ونقول بموجبها، وفي هذا يقول الخطيب البغدادي: “عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن”([25])، ثم قال: “والأخبار في هذا المعنى تتسع، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم – المطلع على بواطنهم – إلى تعديل أحد من الخلق لهم”([26]).

ثالثًا: إن القول بعدم عصمة الصَّحابة لا يعني ضرورة وقوعهم فيما يخرم العدالة، فإنَّ هذا ليس بلازم، ولم يؤثر عن جلِّ الصحابة أنهم وقعوا في ذنوب كبيرة، نعم أثر ذلك عن بعض الصحابة ممن لا يساوون عشر معشار الصحابة كلهم، ومع ذلك فإنه لم يؤثر عنهم أنَّهم أصروا على كبيرة، أو لم يرجعوا عنها، وبعضهم أقيمت عليه الحدود؛ ممَّا يعني الكفارة لهم، هذا مع ما كانت لهم من حسنات عظيمة ماحية، يقول ابن تيمية رحمه الله: “ثمَّ إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب؛ فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسناتٍ تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمَّد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحقُّ الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفِّر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزرٌ مغمورٌ في جنب فضائل القوم ومحاسنهم؛ من: الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما منَّ الله به عليهم من الفضائل؛ علم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم صفوة الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله”([27])، ومع هذا فإن البعض الذين ارتكبوا محرمات كبرى، كالردة؛ لا يُدخلهم أهل السنة في حدِّ الصحابة أصلا إذا توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهم بحالتهم، فحقيقة قول أهل السنة هو: أنَّ العدالة ثابتة؛ لأنها جاءت بنصوص قطعية ما لم يأت أمرٌ قطعي آخر ينفيها.

رابعًا: قول أبي رية بأن مقتضى عدالة الصحابة هو القول بأنهم لا يخطؤون ولا ينسون ولا يسهون مجرد مغالطة الرجل القش! فإن أهل السنة لم يقولوا ذلك في بيان عدالة الصحابة، وهذه كتبهم بين أيدي الجميع من أولهم إلى آخرهم، لم يدَّعِ أحدٌ منهم أن الصحابة فوق النسيان والخطأ، وسيأتي بيان ذلك أكثر في اعتراض تكذيب الصحابة بعضهم بعضًا، فالصحابة ينسون ويخطؤون كغيرهم، والعدالة لا تقتضي إنكار ذلك عنهم أصلًا.

خامسا: قول شحرور: إننا نعامل الصحابة كما أنهم فوق البشر غير صحيح، ويدل عليه تأليفات أهل السنة والجماعة في رواية ما وقع فيه الصحابة من أخطاء وذنوبٍ ومعاصي وكبائر، وما أقيم عليهم من الحدود، وما وقع بينهم من قتال، بل وتصويب فئة وتخطئة فئة أخرى، وبيان أنَّ الحق مع طائفة دون الثانية، وهذا كله ذكرٌ للأخطاء التي وقع فيها الصَّحابة، ممَّا يدل على أنهم لم يتعاملوا معهم على أنَّهم معصومون أو أنهم فوق البشر، كلُّ ما في الأمر أنَّ أهل السنة والجماعة يتعاملون مع هذا الملف بضوابط شرعية عقلية، ومنهجهم في ذلك متسقٌ مع المعطيات الشرعية ولله الحمد.

            فإن قيل: هذا ما تقررونه نظريًّا، لكن تعاملكم تعامل من يرى العصمة لهم؛ لأنكم تعدلونهم كلهم مع ما وقعوا فيه من كبائر.

            يقال: سيأتي الجواب عنه في جواب الاعتراض الثاني، وهو:

الاعتراض الثاني: عدالة الصحابة تنافيها الواقع المعاش للصحابة:

            ويعنون بذلك أنَّ من الصحابة من وقع في بعض الكبائر، وأقيم حدٌّ على بعضهم، فكيف نقول بعدالتهم كلهم؟ وفي هذا يقول أحمد حسين يعقوب: “إذا كان الصحابة عدولًا وكلهم في الجنة وأنَّ الله قد ساوى بينهم.. لماذا أقيمت الحدود على بعضهم؟ وهل يسرق العادل النَّزيه المضمون دخوله الجنة؟”([28])، وقد عدد جملة من الأمثلة على ذلك في كتابه “نظرية عدالة الصحابة”، كما ركز على بيان أن القول بالعدالة ينافي القرآن الكريم، والذي بين الله فيه أن كل أمة فيها من يخطئ ويفسق، وأن القول بعدالتهم تتنافى مع القرآن الكريم، وقد عنون لذلك فقال: “نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة”([29]). ويرومون من ذلك كله إسقاط العدالة عن الصحابة كلها، ووقوع بعض الصحابة في الكبائر لا ينافي القول بالعدالة، ويوضح ذلك الآتي:

أولًا: عدَّل الله سبحانه وتعالى الصحابة بنصوص عامة، فلا يحق لنا صرفها عن مدلولاتها إلا إذا عارضه نصٌّ معارضة صريحة، وذلك أن قول الله قطعي الثبوت والدلالة، ومع ورود مثل هذه النصوص فإن الأصل أن العدالة باقية في الصحابي فلا نحتاج أن نسأل عن حالهم، يقول العلَّائي: “وبهذا يتبين أنه ليس المعنى بعدالة كل واحد من الصحابة رضي الله عنهم أن العصمة له ثابتة، والمعصية عليه مستحيلة، ولكن المعنى بهذا: أن روايته مقبولة، وقوله مصدق، ولا يحتاج إلى تزكية، كما يحتاج غيره إليها؛ لأن استصحاب الحال لا يفيد إلا ذلك”([30])، فالعدالة في كل صحابي بعينه موجودة من خلال النَّص، ولا نخرج عنه إلا بنصٍّ قطعي.

            يقول الخطيب البغدادي في نصٍّ واضح يجلي ما قلناه: “فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم، المطلع على بواطنهم، إلى تعديل أحد من الخلق لهم، فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحدهم ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط عدالته، وقد برأهم الله تعالى من ذلك، ورفع أقدارهم عنه، على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين: القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء”([31]).

ثانيًا: مفهوم العدالة لا يقتضي أنَّ العدل هو من لا ذنب له، يقول ابن الوزير: “عن الشافعي أنه قال: “لو كان العدل من لا ذنب له لم نجد عدلاً، ولو كان كل مذنب عدلاً لم نجد مجروحاً، ولكنّ العدل من اجتنب الكبائر، وكانت محاسنه أكثر من مساويه”([32])، وقد تقدم القول بأن العدالة لا تعني العصمة، فيقع الذنب من الصحابي كما يقع من غيره، لكن تجتمع مع أمور أخرى من أهمها تعديل الله لهم، وترضِّيه عنهم، ومسارعتهم إلى التوبة، وسبقهم إلى الدين، فتقوى جانب العدالة على غيرها.

ثالثًا: من منهجية الاستدلال عند أهل السنة والجماعة أنه إذا ورد دليل عام وآخر خاص فإن الخاص يخصص العام ولا يلغيه، وهكذا ورود كل هذه النصوص في تفضيل الصحابة والترضي عنهم وتعديلهم موجبة لهم بالعدالة، فإن ورد نصٌّ في أحد الصحابة يقتضي بأنه خرج عن هذه العدالة فإن هذا لا يمكن القول معه بأنه هدم للعدالة وإنكار لها، بل تبقى الآية على عمومها، وإن دلت آية أخرى على نقد أحد الصحابة – كما مثل له صاحب كتاب نظرية العدالة – فإن هذا الصحابي ينظر في حاله بعينه، لا أن تهدم العدالة بأكملها.

رابعًا: إنَّ وقوع الصحابة في الكبائر نادرٌ وقليلٌ وليس كما يصورونه، فإن المتمسك بهذا الاعتراض يصور مجتمع الصحابة وكأنه مجتمع تطغى فيه الكبائر والآثام، ويكثر فيه الفساق، وحاشا أن يكون من اختارهم الله لصحبة نبيه هكذا، وإن شئت فافتح كتب الأحاديث المعتمدة وابحث عن الصحابة الذين أثر عنهم أنهم ارتكبوا كبائر، كالزنى وشرب الخمر، فكم تجد منهم؟ وكم هو نسبة فعلهم بالنسبة إلى أفعالهم كلها؟ وهل كان هذا هو الحال منهم بتتبع كل صحابي لوحده؛ هل كان ارتكاب الكبائر هو الحال الأعم لهم؟ وكم يمثل هؤلاء من مجتمع الصحابة؟ إنك لن تجد ما يملأ عليك أصابع يدك حين تعدهم من أصل أكثر من مائة ألف صحابي. فكيف مع ذلك نترك كل النصوص التي تدل على عدالتهم وفضلهم، ونطعن فيها بهذه الحوادث القليلة؟

خامسًا: إنَّ السلف الصالح قد تعاملوا مع من ما وقع من الصحابة الكرام حسب حالهم، ولا شكَّ أن بعض ما وقع فيه بعض الصحابة سبب من أباب زوال العدالة، لكن لكل سبب شروط وموانع حتى يُحكم بموجبه على الإنسان، والصحابة قد اجتمع في حقهم النصوص القاطعة على تعديلهم، والأحوال الشخصية التي تقتضي سرعة توبتهم ورجوعهم للحق، فمن وقع في شيء من ذلك فإنه يحكم على كل حالة بمفردها، ولا يطعن ذلك في عدالة الصحابة كلهم، أما الحالات الخاصة فقد تعامل معها أهل السنة والجماعة بما يليق بها، فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحدَّ على بعض الصحابة، ومع ذلك ماذا ذكر عنهم؟

            حين أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحدَّ على ماعز جلس عند أصحابه فقال لهم: ((استغفروا لماعز بن مالك، قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم))([33]).

            وقال عن المرأة الغامدية التي أقام النبي صلى الله عليها الحد: ((فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له)) ([34]).

            وقال عن عبدالله الذي كان يؤتى في الخمر فيجلد: ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا إنه يحب الله ورسوله)) ([35]).

            فهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم عمن أقام عليهم الحدود، وغيرهم يقاس عليهم، بأن لهم من الحسنات والسبق إلى الإسلام ونصرة الرسول صلى الله عليه وسلم  ما يغفر لهم خطاياهم التي لم تكن هي سيرة حياتهم أصلًا، فكان الإتيان بما يخرم العدالة يتعامل معه بإقامة الحد وغيره، وهكذا فعل الصحابة الكرام، فقد تعاملوا مع الصحابة بمقتضى البشرية التي تورد الإنسان الذنوب والمعاصي، وقد أقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحدَّ على قدامة بن مظعون رضي الله عنه، بل وعزله من ولاية البحرين، يقول الذهبي في سيرته: “قدامة بن مظعون: أبو عمرو الجمحي. من السابقين البدريين، ولي إمرة البحرين لعمر، وهو من أخوال أم المؤمنين حفصة وابن عمر، وزوج عمتها صفية بنت الخطاب – إحدى المهاجرات -. ولقدامة هجرة إلى الحبشة، وقد شرب مرة الخمرة متأولًا مستدلا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [المائدة: 93] الآية، فحدَّه عمر، وعزله من البحرين”([36]).

            والشَّاهد أن وجود بعض الأفراد من الصحابة ممن ارتكبوا الذنوب والكبائر لا يعني هدم نظرية العدالة، لأنَّ العدالة ثابتة بنصوص قطعية، والتخصيص لا يلغي الآيات العامة، أما ما ورد عن بعض الصحابة فإنه ينظر في كل صحابي بعينه دون إلغاء للعدالة كلها، إذ إن هذا خلل منهجي في طريقة التعامل مع النصوص، سواء كانت شرعية أو غير شرعية.

الاعتراض الثالث: أن عدالة الصحابة تشريع سني لسلطة الصحابة:

            يرى بعض الحداثيين أنَّ القول بعدالة الصَّحابة ما نشأ إلا متأخرًا، وهو قولٌ يشاطرهم الشيعة فيه، وينصُّون على أنَّ العدالة إنَّما أشيعت زمن معاوية رضي الله عنه؛ لتشريع سلطته، بحيث إنه لا يُنتقد إذا كان من الصحابة، وكذلك الحداثيون يرون أنَّ القول بالعدالة ما هو إلا تشريعٌ للسلطة إثر الخلاف الذي وقع بين الصحابة آخر الخلافة الراشدة، فمحمد حمزة يرى أنَّ الصحابة كان لهم “تاريخ معقد لا ينسجم البتة وما أضفي عليهم من عدالةٍ مطلقة، فلا يعدو هذا التَّقديس في حقيقة أمره أن يكون مسألة افتراضية وضعها الإسلام السُّني تشريعًا لسلطة الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أيام الخلاف الشديد الذي بدأ في أعقاب الخلافة الراشدة”([37]).

            ويقول أحمد حسين يعقوب: “وبدون مقدمات أو بمقدمات سياسيَّة أصبح كل رعايا دولة النَّبي صلى الله عليه وسلم عدولًا، بحجَّة أنَّهم كلهم صحابة شاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم أو شاهدوه، وآمنوا به أو تظاهروا بالإيمان، وأنهم ماتوا على هذا الإيمان، مع أن النظرية قد ابتدعت في العصر الأموي (عصر خلافة الطلقاء) وقبل أن يموت جيل الصحابة بالمفهوم الآنف الذكر، أي أنهم قد حكموا بالعدالة قبل أن يتأكدوا من حسن الخاتمة”([38]).

            ويدعي أنَّ سبب اختراع العدالة هو أنَّ معاوية رضي الله عنه يحتاج إلى معاضدة شرعية، يقول: “وأفضل وسيلة لتبريره هو القول بعدالة كل الصحابة، وبما أن معاوية وشيعته هم صحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي، وبما أنَّ الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة ولن يدخل أحد منهم النار، ولا فرق بينهم؛ لأنَّهم كلهم عدول وكلهم صحابة، فمالذي يمنع شيعته – وهم صحابة أيضًا بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي – أن يكونوا بطانة لمعاوية…فنظرية عدالة الصحابة بثوبها الفضفاض هي المبرر الأمثل لملك معاوية”([39]).

            ويزعم أنَّ الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة إنما اخترعت من أجل الأمويين، ونكاية بالهاشميين! يقول: “روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم كما جاء في شرح النهج: أنَّ أكثر الأحاديث في فضائل الصحابة قد افتعلت أيام بني أمية تقربًا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم، وقد صيغت بأسلوبٍ يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لأهل الأرض، وصبت اللعنة على كل من طعن في أحد منهم”([40]).

            وخلاصة هذا أن العدالة اخترعت لتشريع سلطة الأمويين، لأن العدالة تقتضي عدم الإنكار عليهم، وهذا القول يأباه الميزان العلمي، ويبين ذلك الآتي:

أولًا: أننا لا ننكر العلم الحقيقي القائم على أدلة صحيحة، وعلى أصول استدلاليَّة صحيحة، ويستند إلى واقع صحيح، فمن يقول: إن مفهوم العدالة لم يظهر إلا زمن بني أمية فإنه يجب عليه تقديم الدليل الواقعي على ذلك، وليس مجرد تكهنات لا تغني عن المطالبة بدليل؛ ولا دليل لديهم. أما القول الآخر – وهو الذي يقول بعدالة
الصحابة – فعنده كل الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن نقل ذلك هم الصحابة الكرام، فقولهم مجرد دعوى بلا دليل.

ثانيًا: إن هذا مفهوم غريب للعدالة لم يقل به أهل السنة، فالعدالة لا تعني أن الخطأ يصبح صوابًا! فالخطأ إن ارتكبه صحابي يعتبر خطأ، بل يقام بما يقتضيه من إقامة الحد أو غير ذلك كما مرَّ بنا، فلِمَ تُخترع عدالة الصحابة من أجل تشريع حكم معاوية رضي الله عنه والتبرير له، ونحن نعلم أنَّ العدالة لا تعني تصويب الخطأ؟

ثالثًا: إذا كان القول بعدالة الصحابة إنما اخترع من أجل تثبيت حكم معاوية رضي الله عنه، فلِمَ جاءت العدالة شاملة له ولمناوئيه؟ ولِمَ تناولت العدالة عليَّ بن أبي طالب والحسن والحسين وأهل البيت رضي الله عنهم، بل هم أول من تُصرف إليهم العدالة، فلئن كان المراد هو تثبيت حكم معاوية لكان حريًّا لمن اخترع العدالة أن يخترع ما يثبت حكم معاوية ويرفع من شأنه ،لا ما يعمم على الجميع، سواء كان من الموافقين له أو المخالفين.

            ولئن قيل: إن ذلك كان بعد موت علي بن أبي طالب وابنيه رضي الله عنه عنهم أجمعين، فلا يستطيعون أخذ الحكم استنادًا إلى هذه العدالة.

            يقال: إن مات هؤلاء رضي الله عنهم فهناك من يخلفهم من أهل البيت، ثم مالفائدة من إرساء دواعم عدالة الصحابة بعد فضِّ الخلاف واستقرار الملك لمعاوية رضي الله عنه، إذ إن الملك قد ثبت لديه.

            فإن قيل: إن ذلك من أجل تشريع ما يفعله معاوية في الناس وفي آل البيت.

            يقال: إن كانت العدالة أرسيت زمن الخلاف مع علي رضي الله عنه ثم ابنيه من بعده فإن العدالة – بمفهوهم – يعطي الحق للاثنين لارتكاب الأخطاء، فمالفائدة من نظرية العدالة حينئذ بالنسبة لمعاوية رضي الله عنه؟ وإن كانت العدالة إنما اخترعت بعد الخلاف فسيرة معاوية في الأمة الإسلامية موضع نزاع أصلًا بين أهل السنة وغيرهم من الشيعة، فلا يمكن أن يستدل بموضع النزاع، إذ يقال: إن سيرة معاوية رضي الله عنه كانت حسنة فلا يحتاج إلى تبرير ما يفعله بعدالة الصحابة، ثم حتى وإن قلنا إن سيرته لم تكن حسنة – تنزلًا- فإن العدالة لا تفيده، ذلك أن العدالة كما بينَّا لا تسمح بارتكاب الأخطاء ولا تبررها، ولذلك تكلم أهل السنة والجماعة عن موقف معاوية من آل البيت، وموقفه من القتال وخطَّأه بعضهم في ذلك، وكتبوا عن سيرته في الأمة، فلو كان مجرد العدالة كاف في فعل ما يحلو لمعاوية رضي الله عنه وبني أمية لما خطَّأ أهل السنة – المخترعين للعدالة بزعمهم – معاوية رضي الله عنه، والأمويين بالعموم.

رابعًا: إذا كان أهل السنة والجماعة هم من اخترعوا عدالة الصحابة زمن معاوية رضي الله عنه، وكان مفهوم ذلك تبرير كل ما يفعلونه، فلِمَ عارضهم بعض الصحابة وأنكروا عليهم أشياء؟ فقد أنكر الصحابة على مروان حين قدَّم خطبة العيد على الصلاة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف)) قال أبو سعيد: ((فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان – وهو أمير المدينة – في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجذبت بثوبه، فجذبني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير ممَّا لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة))([41])، وأنكر ابن عمر رضي الله على الحجَّاج وأغلظ عليه القول([42])، وأنكر كعب بن عجرة على عبدالرحمن بن أم الحكم – والي مُعاوِيَة على الكوفة – خطبته قاعدًا([43])،  وأنكر عمارة بن رويبة على بشر بن مروان لما رَآه على المنبر رافعًا يديه في الدعاء([44])، وأنكر أبو هُريرة رضِيَ اللهُ عَنه على مروان في التصوير([45])، فهل يمكن للصحابة أن يخترعوا عدالة الصحابة ليبرر الأمويون أفعالهم، ثم هؤلاء الصحابة الكرام أنفسهم -ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه المتهم بميله إلى الأمويين ووضعه الأحاديث من أجلهم- ينكرون على الأمويين؟ فهل مخترع العدالة ينقضها؟

خامسًا: قول أحمد حسين يعقوب: “الأحاديث في فضائل الصحابة قد افتعلت أيام بني أمية تقربًا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم”. يرده أدنى نظر للصحيحين فحسب، وليس للسنة كلها؛ فكيف يريدون التقرب من الأمويين بوضع أحاديث في فضل الصحابة، وقد نقلوا أحاديث كثيرة في فضائل آل البيت؟ ألم يكن الأولى إن أرادوا ذلك أن يقتصروا على الأمويين، ويذمُّوا أهل البيت؟! ولو نظرت إلى الصحيحين فقط لوجدت أن من نقل فضائل علي رضي الله عنه: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين([46]).

            فظهر من هذا أن هذه دعوى بلا دليل، وهو كلام تأباه المنهجية العلمية الصحيحة، ويأباه العقل والواقع كما بينا.

الاعتراض الرابع: إذا كانت العدالة عدم الكذب فقد كذب الصحابة، وانتقد بعضهم بعضًا:

            وفي هذا يقول أبو رية مبينًا أن الصحابة كذَّب بعضهم بعضًا، وأن ذلك علة خطيرة في الأحاديث: “ولكن ثم علة خطيرة لم نتكلم عنها من قبل كشف عنها الصحابي الكبير: عمران بن حصين رضي الله عنه في كلامه الذي أقسم عليه: إذ قال: “والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين متتابعين، ولكن بطَّأني عن ذلك أنَّ رجالًا من أصحاب رسول الله سمعوا كما سمعت، وشهدوا كما شهدت، ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم، فأعلمك أنهم كانوا يغلطون – وفي رواية: يخطئون – لا أنهم كانوا يتعمدون.

            وروى ابن الجوزي في كتاب “شبهة التشبيه” قال: سمع الزبير ابن العوام رضي الله عنه رجلًا يحدث، فاستمع الزبير حتى قضى الرجل حديثه، فقال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ فقال الرجل: نعم. فقال الزبير: هذا وأشباهه ممَّا يمنعاني أن أتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قد – لعمري – سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ بهذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حديثه يومئذ فجئت أنت بعد انقضاء صدر الحديث وذكر الرجل الذي هو من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله.

            وقال بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا في الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله.

            هذا ما ذكره عمران بن حصين، والزبير بن العوام، وبسر بن سعيد، وإن على كل مسلم مفكر غير مغلول العقل أن يتدبره ويطيل النظر فيه . فالصحابي عمران بن حصين يقسم بالله أنَّه لو شاء لحدث عن رسول الله يومين متتابعين ولكنه يأبى لأنه رأى رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وإنما يغلطون – أو يخطئون – فإذا كان هذا شأن غير المتعمدين من الصحابة الصادقين؛ فترى ماذا يكون أمر المتعمدين ومن إليهم من المنافقين وأعداء الدين؟ إنها والله في الرواية لإحدى الكبر! ومن يبصر الناس بذلك يقولون عنه: إنه قد كفر. ويصف الزبير علة أخرى، هي أن يسمع بعضهم الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء صدر منه ثم يخرج فيروي ما سمعه على أنه حديث كامل. ثم يأتي بسر بن سعيد، فيناشد الناس أن يتقوا الله في الحديث: لأنَّ بعضهم كان يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب الأحبار ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك وغيره قد حملته بطون الكتب، وبقي على وجه الزمن يرويه الخلف عن السلف إلى يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله”([47]).

            ويقول مبينًا انتقاد الصحابة بعضهم البعض: “أوجب العلماء البحث عن رواة الحديث…فإنهم قد وقفوا دون عتبة الصَّحابة فلم يتجاوزوها؛ إذ اعتبروهم جميعا عدولًا، لا يجوز عليهم نقد ولا يتجه إليهم تجريح، ومن قولهم في ذلك: إن بساطهم قد طوى. ومن العجب أنهم يقفون هذا الموقف على حين أن الصحابة  أنفسهم قد انتقد بعضهم بعضًا، وكفر بعضهم بعضًا”([48]).

            وغرضه من ذلك أن الصحابة لو كذبوا وكشفهم صحابة آخرون فمالذي يمنع الآخرين من الكذب؟ وماذا لو وجدت أحاديث كثيرة على هذا النحو ولم تكشف كما كشفت هذه الأحاديث؟ يقول محمد حمزة: “فهل يعني ذلك أن الكذب في الرواية والانتحال في الأخبار وجد بن الصحابة؟ تعد هذه الإشكالية من أعوص الإشكاليات وأخطرها لسببين: أولهما لما يثيره طرح هذه القضية من أسئلة محرجة على الضمير الديني قد تقلب المسلمات التي استقرت عليها أفهام المسلمين، وثانيهما: أنَّ افتراض صدور الكذب في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم يطرح بين الباحثين المعاصرين خلافًا حادًّا حول مدى الصدق الذي نقل بواسطته الصَّحابة الأحاديث، فهل يمكن الجزم بأن بعض الصحابة كانوا يزيدون في الحديث، سواء أكان ذلك قصدًا أو توهمًا؟”([49]).

            وهذا الاعتراض أيضًا مما لم يتقن فيه المعترضون ما اعترضوا به، ولم ينظروا ولو سريعًا على ما استدلوا به، فإنَّهم لو فعلوا لعرفوا أن ماقالوه ماهو إلا استدلال في غير محله، واستنباطٌ بعيدٌ عن مقصد الرواية نفسها، بل اعتماد أصلًا على روايات هشَّة في الميزان الحديثي، يبين ذلك الآتي:

أولًا: حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن حصين قال: ((والله إن كنت لأرى أني لو شئت حدثت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم يومين متتابعين لا أعيد حديثًا، ثم لقد زادني بطئا عن ذلك وكراهية له أن رجالا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أو من بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، شهدت كما شهدوا، وسمعت كما سمعوا، يحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، ولقد علمت أنهم لا يألون عن الخير، فأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم))([50]).

            هذا الحديث قال عنه شعيب الأرنؤوط: “إسناده ضعيف، إسناده الأول رجاله ثقات لكنه منقطع، أبو هارون الغنوي- وهو إبراهيم بن العلاء – لم يسمعه من مطرف- وهو ابن عبد الله بن الشخير- بينهما هانئ الأعور، كما في الإسناد الثاني.

            والإسناد الثاني ضعيف، هانئ الأعور تفرد بالرواية عنه اثنان، وذكره ابن حبان في “الثقات” فهو في عداد المجهولين، وباقي رجاله ثقات.

            وأخرج الطبراني في “الكبير” والخطيب البغدادي في “الجامع لأخلاق الراوي” من طريق محمد بن سليم الراسبي، عن حميد بن هلال، قال: قال عمران بن حصين سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث سمعتها وحفظتها ما يمنعني أن أحدث بها إلا أصحابي يخالفوني فيها. قلنا: ومحمد ابن سليم وهو أبو هلال الراسبي ضعيف، وحميد بن هلال لم تذكر له رواية عن عمران، وإنما يروي عنه بواسطة كما في الحديث السالف”([51]) فهو حديث ضعيف لا يستقيم مع شروط قبول الحديث، ويضاف إليه أن هذا نقد إجمالي، فكون أحد الصحابة قد شهد مع عمران بن الحصين رضي الله عنه ثم نقل بألفاظ متقاربة لا يعني بالضرورة أنه كذب في الحديث أو حتى أخطأ، فربما روى بالمعنى وهي مقبولة، وربما حدث كما سمع في موضع آخر، فمن المعلوم أن القول أو الحادثة الواحدة قد تتكرر، وتكون ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم مختلفة، فيؤديها كل صحابي كما سمعه، والشاهد أنه نقد إجمالي لا يستلزم الطعن في الصحابة أو اتهامهم بالكذب.

ثانيًا: حديث الزبير رضي الله عنه في الأسماء والصفات للبيهقي، وفيه أن الزبير بن العوام سمع رجلًا يحدث حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاستمع الزبير له حتى إذا قضى الرجل حديثه قال له الزبير: “أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: نعم. قال: هذا وأشباهه مما يمنعنا أن نحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قد لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ هذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حدثه إياه، فجئت أنت يومئذ بعد أن قضى صدر الحديث، وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم”([52])، وهذا أيضًا حديث منقطع، يقول عنه عبدالرحمن المعلمي: “أبو جعفر لم أعرفه والصبغي هو محمد بن إسحاق بن أيوب مجروح وابن أبي الزناد فيه كلام، وعبد الله بن عروة ولد بعد الزبير بمدة فالخبر منقطع”([53]).

ثالثًا: ما روي عن بسر، فإنَّه قال: “اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة رضي الله عنه فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”([54])، وهذا ليس فيه أي قدح بعدالة الصحابة إذ إنَّ هذا الخطأ الذي نقله بسر ليس من أبي هريرة رضي الله عنه، وإنما يقع ذلك من بعض من سمع من أبي هريرة رضي الله عنه.

            فهذه النصوص الثلاثة لا تدل على عدم عدالة الصحابة، فهل نقصت بضاعة القوم إلى درجة أن يأتوا إلى مثل هذا ليردوا به أمرًا قطعيًّا مقررًا في الكتاب والسنة؟

رابعًا: هذه النصوص لم تنقل فقط في معرض رد عدالة الصحابة، بل في رد السنة وحجيتها، فإنَّ السؤال الذي طرحه محمد حمزة جدير بالتفكير، فقد قال: “افتراض صدور الكذب في عهد النبي يطرح بين الباحثين المعاصرين خلافًا حادًّا حول مدى الصدق الذي نقل بواسطته الصحابة الأحاديث، فهل يمكن الجزم بأن بعض الصحابة كانوا يزيدون في الحديث سواء أكان ذلك قصدا أو توهمًا؟”([55])، فهل هذا الأمر – إن تنزلنا وقلنا إنها صحيحة – مكدر على حجيَّة السنة؟

            يقال: بل الأمر على العكس من ذلك، فإن تخطئة بعض الصحابة لبعض دليل على حفظ الله للسنة، وأنه إذا وقع أحد في خطأ في النقل فإن الله يقيض له من يرده إلى الحق، ويبين الخلط الذي وقع فيه، فمثل هذا التدقيق ممَّا يقوي السنة لا يضعفها، وهو ما يجاب به عن رواة أبي هريرة حين يجعلون حديث النبي صلى الله عليه وسلم لكعب وحديث كعب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن مثل هذا مع ندرته لا يمكن أن يمر دون بيان، ولا يمكن أن تشاع في الأمة كما يصوره أبو رية دون دليل، فإنهم قد عاشوا في زمن التدقيق والحرص في الرواية، ولم يكن له أن يمرَّ على صيارفة الحديث الدقيقَ من العلل حتى  يمرَّ هذا.

خامسًا: ما نقله أبو رية عن نقد الصحابة بعضهم البعض ما هو إلا دليلٌ على قوة القول بحجية السنة، وأن قبول أهل السنة للحديث النبوي قائم على شروط دقيقة، وعلى تدقيق فائق، فاستيثاق الصحابي من حديث صحابي آخر ليس تكذيبًا له وإنما هو إعمال لأعلى درجات التثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إحدى الآليات التي حفظت لنا السنة الصحيحة، فقول بعض الصحابة لبعض ميزة لا مثلبة.

سادسًا: ما استعظمه محمد حمزة في قوله: “فهل يعني ذلك أن الكذب في الرواية والانتحال في الأخبار وجد بين الصحابة؟”([56]). لا حقيقة له، فإن الخطأ غير الكذب تمامًا، فاستنباط أنَّ الصحابة قد يكذبوا من روايات تدل على أنَّ بعض الصحابة خطأ آخرين استنباط غير دقيق؛ بل هو بعيد، فالخطأ يحدث بوهم أو نسيان أو ما شابه، والكذب غير ذلك، غاية ما يمكن أن يقال: هل مثل هذه الأوهام من الصحابة قد مرت على الأمة حتى انتشرت وصححتها الأمة وهي ضعيفة أو وهم؟

            نقول: من يعرف علم الحديث والرجال وضوابط الرواية وقبول الأحاديث لا يمكنه أن يقول مثل هذا الكلام، خاصة وأن الرواية الواحدة لا تأتي من طريق واحد، وقد عمل المحدثون كثيرا في موضوع الشاذ واستخرجوا الدقائق من المخالفات والتي قد تكون أوهامًا، فمجرد هذه التخيلات لا ينبني عليها رد حجية السنة، ولا رد عدالة الصحابة رضوان الله عليهم.

            ويظهر من خلال هذا أن القول كبيت عنكبوت واهن، لا يستقر على أي ميزان علمي أو عقلي، فالروايات نفسها ضعيفة، والاستدلال بها أضعف.

الاعتراض الخامس: لا يمكن فصل الصحابة عن المنافقين:

            وفي الحقيقة هذه النقطة من أكثر النقاط ورودًا في كتابات الشيعة والحداثيين ومنكري عدالة الصحابة، فإنهم يدعون أن المنافقين كثروا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نصت الشريعة على وجودهم، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبينهم للأمة، فامتزجوا امتزاجًا تامًّا بالصحابة الكرام، ولم يعد بإمكاننا الفصل بين المنافقين وبين الصحابة، فوجب التوقف عن القول بالعدالة، والحكم على كل صحابي بعينه بكونه عدلًا أو غير ذلك، يقول أحمد حسين يعقوب: “ومن الطبيعي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لمنافق: أنت منافق، بل كان يدعو الله أن يستر على عيوب خلقه وأن يصلحهم ويهديهم، مع أن القرآن الكريم حافلٌ بالآيات التي تقرع بشدة المنافقين المنتشرين في عاصمته المدينة ومن حولها من الأعراب، وقد كشفت هذه الآيات أسرارهم، وفضحت ضغائنهم، وعالجت أمورًا واقعية، ووصفت وشخصت حالات فردية لأشخاص كانوا يعتبرون صحابة، بل وأقيمت الحدود على كثير منهم”([57]).

            ويقول: “نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة، فقد شاعت ظاهرة النفاق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبرز المنافقون كقوة حقيقية يحسب حسابها”([58]).

            وهذا القول خطأ من أوجه عديدة، وقبل ذكرها ينبه إلى أنَّ المنافقين ليسوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن حدَّ الصحبة لا يتناولهم، وهو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ومات على ذلك([59])، فهذا الحد لا ينطبق عليهم، وليسوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص القرآن إذ قال تعالى: ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾(1). وبناء عليه فلا تنصرف إليهم العدالة، وهذا للتنبيه فقط؛ إذ إنَّ السؤال قائم، وهو: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن المنافقين وهم كثيرون واختلطوا بالصحابة فكيف نأمنهم؟ وكيف نعرف أن هذا الصحابي ليس منهم؟ فبوجود المنافقين نفقد المصداقية في عدالة كل الصحابة. ويجاب عنه بالآتي:

أولًا: خطأ قولهم من جهة تكثير المنافقين، وتعظيم شأنهم، وكأنهم أكثر الأمة، أو حتى كثيرون فيها، أعني: أمة الصحابة، وهذا ليس بصحيح، فقد كانوا قلة من الناس، ولم يشكلوا السواد الأعظم بل ولم يكونوا كثيرين، يقول ابن تيمية رحمه الله: “قد ذكرنا فيما تقدم أنَّ المهاجرين لم يكن فيهم منافق، وينبغي أن يعرف أنَّ المنافقين كانوا قليلين بالنسبة إلى المؤمنين”([60])، وليس ثمت دليل يذكروه على كثرتهم لدرجة أنه لا يمكن معرفة العدول من الصحابة خشية الاختلاط بهم.

ثانيًا: مع قلة المنافقين فإنَّ أكثرهم كان مكشوف الحال، خاصة بعد تخلفهم عن غزوة تبوك، فكان الصحابة يعرفون معظمهم من حالهم، ويدلُّ عليه قول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق))([61])، وكما يدل عليه قول كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزو تبوك: ((فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصًا عليه النفاق، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء))([62])، فكانت أحوالهم معروفة، سيماهم على وجوههم وتصرفاتهم، يقول ابن تيمية رحمه الله: “قد ذكرنا فيما تقدم أن المهاجرين لم يكن فيهم منافق، وينبغي أن يعرف أنَّ المنافقين كانوا قليلين بالنسبة إلى المؤمنين، وأكثرهم انكشف حاله لما نزل فيهم القرآن وغير ذلك، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف كلا منهم بعينه فالذين باشروا ذلك كانوا يعرفونه.

            والعلم بكون الرجل مؤمنًا في الباطن أو يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشركًا أمر لا يخفى مع طول المباشرة، فإنه ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.

            وقال تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾ [محمد: 30]، وقال: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: 30]، فالمضمر للكفر لا بد أن يعرف في لحن القول، وأما بالسيما فقد يعرف وقد لا يعرف”([63]) .

            ويقول الملا الهروي: “ولم يكن يخفى على المحفوظين شأنهم؛ لاشتهارهم بذلك في الصحابة، إلا أنهم كانوا لا يواجهونهم بصريح المقال أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حذيفة أعلمهم بأسمائهم”([64]) .

            ويقول المعلمي: “وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك – وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا- : ((فكنت إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء” وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك، ثم تأكد ذلك بتخلفهم لغير عذر وعدم توبتهم، ثم نزلت سورة براءة فقشقشتهم، وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاور إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم))([65]).

ثالثًا: الصحابة الذين اشتهرت أسماؤهم، وعرفوا بالرواية ونقل الدين قد عرفنا عنهم عدالتهم بأعيانهم من أحوالهم، فليس الأمر فقط أننا نعدلهم بالنصوص التي تتناول كل الصحابة، بل حتى من أحوالهم، أما من لمز بالنفاق فلم يعبأ به السلف، ولم يحدثوا عنه حتى تعلم أنَّ السنة محفوظة، والدين محفوظ، يقول المرداوي: “قال الحافظ المزي: من الفوائد أنه لم يوجد قط رواية عمن لمز بالنفاق من الصحابة رضي الله عنهم”([66])

            ويقول ابن تيمية رحمه الله: “والصحابة المذكورون في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والذين يعظمهم المسلمون على الدين كلهم كانوا مؤمنين به، ولم يعظم المسلمون – ولله الحمد – على الدين منافقًا.

            والإيمان يعلم من الرجل كما يعلم سائر أحوال قلبه من موالاته ومعاداته، وفرحه وغضبه، وجوعه وعطشه، وغير ذلك، فإن هذه الأمور لها لوازم ظاهرة، والأمور الظاهرة تستلزم أمورًا باطنة، وهذا أمر يعرفه الناس فيمن جربوه وامتحنوه.

            ونحن نعلم بالاضطرار أن ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبا سعيد الخدري وجابر ونحوهم كانوا مؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم محبين له، معظمين له، ليسوا منافقين، فكيف لا يعلم ذلك في مثل الخلفاء الراشدين؛ الذين أخبارهم وإيمانهم ومحبتهم ونصرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد طبقت البلاد مشارقها ومغاربها؟

            فهذا مما ينبغي أن يعرف، ولا يجعل وجود قوم منافقين موجبًا للشك في إيمان هؤلاء الذين لهم في الأمة لسان صدق، بل نحن نعلم بالضرورة إيمان سعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والأسود ومالك والشافعي وأحمد والفضيل والجنيد، ومن هو دون هؤلاء، فكيف لا يعلم إيمان الصحابة، ونحن نعلم إيمان كثير ممن باشرناه من الأصحاب؟”([67]).

رابعًا: أن الله سبحانه وتعالى قد عدل الصحابة كلهم بنصوص عامة تشملهم، ووجود بعض الأفراد ممن عرفوا بالنفاق يعني إخراجهم دون أن تسقط العدالة عن جميعهم، هذا ما تقتضيه المنهجية العلمية الصحيحة، فالنص العام الصريح لا يلغى لوجود أفراد يخرجون عن هذا النص، فليس المطلوب هو عدم تعديل الصحابة إلا بعد البحث عن كل صحابي بعينه كما يقولون، وإنما الذي تقرره المنهجية العلمية هو أن نعدل الصحابة كلهم للنصوص الواردة فيهم، ثم ننظر في أحوال من لمز بالنفاق أو أثر ذلك عنه.

           

            وأخيرًا: يقول ابن عبدالبر: “ومن أوكد آلات السنن المعينة عليها والمؤدية إلى حفظها: معرفة الذين نقلوها عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة، وحفظوها عليه، وبلغوها عنه، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين، حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت بهم حجة الله تعالى على المسلمين، فهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه”([68])، فالصَّحابة هم الذين اختارهم الله لنقل الشريعة، ولصحبة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، وعدل الله يقتضي أن يختار لصحبة نبيه ونقل دينه أفضل أمته، ولذلك جاءت النصوص الكثيرة في عدالتهم، ورضوان الله عنهم، ووعدهم بالجنة.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) التدين المنقوص، لفهمي هويدي (ص: 176).

([2]) ينظر على سبيل المثال: قول أركون في انعدام المعنى النهائي لأي نص شرعي: الإسلام، أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادة الهيمنة لمحمد أركون (ص: 24).

([3]) أُلِّفت كتب عديدة في فضائل الصحابة، مثل: فضائل الصحابة للإمام أحمد، وفضائل الصحابة للإمام النسائي، وينظر كتاب: معجم ما ألف عن الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت لمحمد بن إبراهيم الشيباني.

([4]) تحديث الفكر الإسلامي، لعبد المجيد الشرفي (ص: 16).

([5]) نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، لمحمد شحرور (ص: 61).

([6]) جناية البخاري (ص: 110).

([7]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 312).

([8]) المرجع السابق (ص: 313).

([9]) ألفت كتب عديدة في عدالة الصحابة، ومن الكتب الجميلة التي جمعت بين التأصيل والرد على الشبهات في هذا الباب، كتاب: عدالة الصحابة رضى الله عنهم في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات، لعماد السيد محمد إسماعيل الشربينى.

([10]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 80).

([11]) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص: 69).

([12]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 19).

([13]) مقدمة ابن الصلاح (ص: 397).

([14]) المرجع السابق (ص: 398).

([15]) التقريب والتيسير للنووي (ص: 92)

([16]) جناية البخاري (ص: 100).

([17]) المرجع السابق (ص: 110).

([18]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 326- 327).

([19]) المرجع السابق (ص: 322).

([20]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 193- 194).

([21]) الدولة والمجتمع لمحمد شحرور (ص: 160- 161).

([22]) تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة (ص: 86).

([23]) التحبير شرح التحرير (4/ 1994).

([24]) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (1/ 246).

([25]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 46).

([26]) المرجع السابق (ص: 48).

([27]) العقيدة الواسطية: اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة (ص: 121).

([28]) نظرية عدالة الصحابة (ص: 31- 32).

([29]) ينظر: المرجع السابق (ص: 43).

([30]) تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة (ص: 86).

([31]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 48).

([32]) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (1/ 55).

 

([33]) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1695).

([34]) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1695).

([35]) أخرجه البخاري برقم (6780).

([36]) سير أعلام النبلاء (3/ 105).

([37]) الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث (ص: 347).

([38]) نظرية عدالة الصحابة (ص: 40).

([39]) المرجع السابق (ص: 105).

([40]) المرجع السابق (ص: 55).

([41]) أخرجه البخاري برقم (956).

([42]) ينظر: صحيح البخاري، حديث رقم (966).

([43]) ينظر: صحيح مسلم (864).

([44]) ينظر: صحيح مسلم (874).

([45]) ينظر: صحيح مسلم (2111).

([46]) ينظر: باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، وما بعده في صحيح البخاري (5/ 18)،  وباب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وما بعده في صحيح مسلم (4/ 1870).

([47]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 89- 90).

([48]) أضواء على السنة المحمدية (ص: 315).

([49])  الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث (ص: 123).

([50]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (19893).

([51]) مسند أحمد  (33/ 123).

([52]) الأسماء والصفات للبيهقي، حديث رقم (764).

([53]) الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة (ص: 60).

([54]) ينظر: سير أعلام النبلاء (2/ 606).

([55])  الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث (ص: 123).

([56])  المرجع السابق.

([57]) نظرية عدالة الصحابة (ص: 24).

([58]) المرجع السابق (ص: 41).

([59]) ينظر: شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي (2/ 120)، والإصابة في تمييز الصحابة (1/ 8).

([60]) منهاج السنة النبوية (8/ 474).

([61]) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (654).

([62]) أخرجه البخاري برقم (4418).

([63]) منهاج السنة النبوية (8/ 474).

([64]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3816).

([65]) الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة (ص: 267).

([66]) التحبير شرح التحرير (4/ 1995).

([67]) منهاج السنة النبوية (8/ 474- 475).

([68]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 1- 2).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017