الدِّعاية الموحِّديّة ضدَّ دولة المرابطين السلفيّة (قراءة تحليليّة في رسائل محمد بن تومرت)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
إنّ المغربَ الإسلاميَّ كان إلى غاية أوائل القرن السادس على عقيدة السلف في الغالب الأعمّ؛ رغم قيام دولٍ رافضيّة وخارجية حاولت فرضَ عقائدها على الأمّة، فلم يزل الناس على مذهب مالك في الفروع، وعلى عقيدته -التي هي عقيدة السلف- في الأصول، وهذا الوضعُ الغالبُ لم يمنع من وجود من تبنّى آراءَ شاذةً أو انتسب إلى طوائفَ وفرقٍ غيرِ مرضية، لكنّ ذلك بقي في نطاق محدود جدًّا. ثم إنّ هذا الوضع لم يلبث أنِ انقلب رأسًا على عقب بعد قيام دولة الموحّدين التي أطاحت بالمرابطين ثم الحمّاديين والزيريِّين؛ حيث صارت العقيدة الرسميةُ للدولة والغالبة هي العقيدة الأشعرية، وتراجعت العقيدة السلفية ولم يبقَ لها إلا أنصار قليلون في أزمنة وأمكنة مختلفة بعدها، وإنّ هذا التحوُّلَ السريع الذي شهِد به المؤرِّخون في هذه الحقبة يحتاج إلى كشفٍ عن أسبابه التي أيَّدته والعوامل التي صاحبته، وذلك بالرجوع إلى مضامين الدعاية الموحّدية التي أسقطت دولة المرابطين.
ولقد يسَّر لي المولى عز وجل قراءة النصوص التأسيسيّة للدولة الموحِّدية التي كتبها محمد بن تومرت، والتي جُمعت في كتاب “أعز ما يطلب”، فعنّ لي أن أنجز دراسةً علمية تبحَث في هذه الأسباب، يكون عنوانها: “الدعاية الموحّدية ضدّ دولة المرابطين السلفية”، وأقوم فيها بإبراز ركائز الدعاية التي كان يحرّض بها القبائل للثورة على المرابطين، وأحسب أنّ هذه الدراسة مهمّة جدًّا؛ وذلك لاعتمادها على مصدرٍ كُتب في عصر التأسيس للدولة، وبِيَد الداعي إليها؛ وهذا المصدر جدير بأن يكون حَكَمًا على الأخبار التي نقلها المؤرخون والأحكامِ التي أُصدرت في حقّ الموحّدين إثباتًا أو نفيًا، وتأييدًا أو تفنيدًا، ومن ذلك قضيةُ التكفير للمخالفين واستباحة دماء كلّ من لم يتقبل عقائد ابن تومرت التي جعلها دستورَ دولة الموحدين، وقد ظهر في المعاصرين من يشكِّك في متواتراتِ الأخبار على أنها من أثر “هوى العداء”، ويهوِّن من سفك الدماء، ويجعله من قبيل “التعامل الانفعاليّ المتوَتِّر”، لا من قبيل التأصيل العقدي القاضي بالتكفير وما يتبعه من استحلال للدماء([1]).
وقد قسّمت هذه الدراسة إلى مطلبين: الأول منهما متعلق بعقيدة الدولة المرابطية والتعريف بابن تومرت وكتابه “أعز ما يطلب”، وهو مدخل ضروري لفهم مقاصد الدراسة، والمطلب الثاني فيه إبراز ركائز الدعاية الموحدية ضدَّ المرابطين؛ لنقف عن أسرار ذلك الانقلاب العقديّ الشامل.
ولتحقيق أهداف هذه الدراسة انتهجت المنهج التحليليّ أساسًا، وخاصة فيما يتعلق بقراءة نصوص ابن تومرت، كما أني استعنت بالمنهج التوثيقي -أو الاستردادي- وذلك فيما يتعلّق بالأمور التاريخية التي تضمّنها المطلب الأول، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
المطلب الأول: عقيدة الدولة المرابطية والتعريف بابن تومرت وكتابه أعز ما يطلب:
قبل الخوض في بيان عناصر الدعاية الموحدية ضدَّ المرابطين لا بدّ من تقديم مقدمات تتضمّن تصويرًا عامًّا للوضع العقديّ في المغرب قبل الموحّدين، وتتضمَّن أيضًا تعريفًا موجزًا بشخص ابن تومرت صاحب الدعوة الموحدية وناشر الأشعرية في المغرب، وتعريفًا بكتابه “أعز ما يطلب” ومحتوياته مع تصحيح نسبته إليه.
الفرع الأول: عقيدة الدولة المرابطية:
كان المغرب الإسلاميُّ من منتصف القرن الخامس إلى منتصف القرن السادس مقسّمًا إلى ثلاث دول: الدولة الزِّيريَّة في المغرب الأدنى، والدولة الحمّادية في المغرب الأوسط، والدولة المرابطية في المغرب الأقصى والأندلس، وكانت عقيدة الأمّة في ظلّ هذه الدول سلفيّةً محضةً، فأمّا الدولتان الزِّيرِيَّة والحمادية فأصلهما الدولة الصنهاجية التي انقلبت على العبيديين، وفرضت فقهَ مالك، وبعثت عقيدةَ السلف([2])، وأمّا دولة المرابطين فدولة قامت على أساس دينيّ، وقد ارتبط ذكرها بالفقهاء الذين كانوا على مذهب مالك عقيدةً وفقهًا وأصولًا وفروعًا. وسنخصُّ دولة المرابطين بالبحث باعتبار أنّ دولة الموحّدين قامت على أرض المرابطين وواجهتهم أولا، قبل أن تتوسّع بعد ذلك شرقًا لتشمل كلّ المغرب الإسلامي.
أوّل شيء ننوّه به في هذا المقام هو أنّ دولة المرابطين قد عُرفت في التاريخ بدولة الفقهاء، وسبب ذلك المكانة العالية التي أعطيت لهم؛ حيث كان الخلفاء يرجعون إليهم في أمور السياسة والقضاء، وحتى في شؤونهم الخاصة، فهذا يوسف بن تاشفين (ت: 500هـ) وصف بأنه: “كان يفضّل الفقهاء ويعظّم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها برأيهم، ويقضي على نفسه بفتياهم”([3])، وكذلك ابنه علي بن يوسف الخليفة بعده؛ فقد سار على منهاج والده في النزاهة والقناعة والقيام على الحدود وإقامة العدل، وكذا في تعظيم شأن العلماء، وفيه يقول المراكشي: “واشتدَّ إيثاره لأهل الفقه والدين، وكان لا يقطع أمرًا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء؛ فكان إذا ولَّى أحدًا من قضاته كان فيما يعهد إليه ألا يقطع أمرًا ولا يبتّ حكومة في صغير من الأمور ولا كبير إلا بمحضر أربعة من الفقهاء، فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغًا عظيمًا لم يبلغوا مثلَه في الصدر الأول من فتح الأندلس”([4]).
وهؤلاء الفقهاء كانوا على مذهب مالك رحمه الله في الفقه والعقيدة، ولم يكن الانفصال بين العِلْمين قد حدث في زمنهم، وقد تجلَّى ذلك في بعض المقررات الدراسية المعتمدة عندهم، التي كانت تتضمّن مقدّماتٍ في العقائد، ومن أشهر تلك المقررات “الرسالة” لابن أبي زيد القيرواني، وقد حوت مقدّمة عقدية سلفية، وتوجيهًا منهجيًّا سلفيًّا، حيث نهى فيها صاحبها عن سلوك طرائق المتكلمين في الدين فقال: “وتَركُ المراءِ والجِدَالِ في الدِّين، وتَركُ ما أَحْدَثَهُ المُحْدِثُونَ”([5])، ومنه فإن عقيدةَ هؤلاء الفقهاء -والدولة المرابطية تبعًا لهم- كانت عقيدة سلفية في الإيمان والصفات والقدر والصحابة وغيرها من القضايا العقدية، كما أنّ منهج التلقي عندهم كان منهج السلف المعتمِد على القرآن والسنة وفهم سلف الأمة، لا منهج الخلف المبني على الكلام والجدل العقليّ، فالمرابطون وأهل المغرب عمومًا كانوا كما قال الذهبي: “على طريقة السلف، ينافرون الكلام وأهله”([6]).
وإذا دقّقنا في مذهبهم في الصفات وجدناه مذهب الإثبات والتنزيه من غير شكّ؛ كما تدلّ عليه نصوص علمائهم، وتواطأت عليه كتابات المؤرّخين أيضًا، هذا مع اختلافهم في توصيف هذا المذهب حسب توجُّهاتهم، فقال اليَسَع بن حزْم (ت: 575هـ): “سَمَّى ابن تُومَرْت أتباع المرابطين مجسّمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلّا بتنزيه الله تعالى عمّا لَا يجب له، وصِفَتِه بما يجب له، وترك الخوض فيما تقصر العقول عن فهمه، وكان علماء المغرب يعلّمون العامَّة أنّ اللّازم لهم أنَّ اللَّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير”([7])، ويقول مبارك الميلي السلفي (ت: 1364هـ): “إنهم كانوا سلفيّين، يؤمنون بآيات الصفات وأحاديثها بلا تأويل”([8])، ويقول السلاوي (ت: 1315هـ) -وهو من مصحِّحي مذهب التفويض-: “أَقَامُوا على مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، مقلِّدين لِلْجُمْهُورِ من السّلف رَضِي الله عَنْهُم فِي الْإِيمَان بالمتشابه وَعدم التَّعَرُّض لَهُ بالتأويل مَعَ التَّنْزِيه عَن الظَّاهِر”([9])، فقوله: “مع التنزيه عن الظاهر” تفسير لمذهبهم بناء على فهمه وظنّه.
وهناك من وصفهم بالحشوية، وهو وصف يطلِقه المعتزلة والأشاعرة على كلّ من لم يخُض في علم الكلام، وهو نظير كلمة “الجمهور” التي يطلقها الفلاسفة على من عداهم. وممن استعمل هذا الوصف الرحالة ابن حوقل (ت: 397هـ) الذي قال عن أهل أغمات السُّنَّة بإقليم السوس: “والمالكية من فظاظ الحشوية”([10])، وقد تبعه على ذلك ياقوت الحموي (ت: 626هـ) في معجمه([11])، ولقَّبهم ابن تومرت (ت: 524هـ) بالمجسمة؛ إذ هو يعتبر كل إثبات تجسيمًا، وقد ردَّ عليه ابن تيمية (ت: 728هـ) بقوله: “ولم يكونوا من أهل هذه المقالة، ولا يعرف عن أحد من أصحاب مالك إظهارُ القول بالتشبيه والتجسيم”([12]).
ولقد كان المالكية مقلِّدة محضة لنصوص مالك رحمه الله، لا يرضون بمناظرة من اعتبروه من أهل البدع، وكانوا لا يعاملونهم إلا بالزجر والهجر، كما فُعل ذلك بكثير ممن جنح إلى الاعتزال حتى اضطروا بعضَهم إلى ترك البلاد، وهناك من نقل عنهم الحكمَ بتكفير من خاض في علم الكلام([13]).
وإذا رجعنا إلى واقع دولة المرابطين في عهد علي بن يوسف بن تاشفين (ت: 537هـ) فإننا نجد شهادة المراكشي التي يقول فيها: “ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كلِّ من ظهر منه الخوض في شيء من علوم الكلام. وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيحَ علم الكلام وكراهة السلف له وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنه بدعة في الدين، وربما أدى أكثره إلى اختلاف في العقائد، في أشباهٍ لهذه الأقوال، حتى استحكم في نفسه بُغْض علم الكلام وأهله، فكان يُكتب عنه في كلّ وقت إلى البلاد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه، وتوعّد من وُجد عنده شيء من كتبه. ولما دخلت كتب أبي حامد الغزالي رحمه الله المغرب أمر أمير المسلمين بإحراقها، وتقدم بالوعيد الشديد -من سفك الدم واستئصال المال- إلى من وُجد عنده شيء منها، واشتد الأمر في ذلك”([14]). وقد استمرَّ الحال في عهد ابنه تاشفين بن علي الذي أُثر عنه قوله: “ومتى عثرتم على كتاب بدعة أو صاحب بدعة فإيّاكم وإياه، وخاصة كتب أبي حامد الغزاليّ، فليُتتبَّع أثرُها، وليُقطع بالحرق المتتابِع خبرُها، ويبحث عليها، وتغلَّظ الأيمانُ على من يُتَّهم بكتمانها”([15])، على أنّ الإنكار على كتب الغزالي لم يقتصر على السلفيين، بل بعض كتبه أنكرها عليه حتى الأشاعرة لما فيها من أشياء فلسفية ونحوها.
وليس المقصود هنا تأييد هذه الأحكام أو تقييمها، أو التفصيل فيها أو حتى التحقُّق منها، ولكن تقرير الواقع العقديّ الذي كان بعيدًا كلَّ البعد عن المناهج الكلامية وطريقة التأويل والخوض في مضائق المعقولات.
الفرع الثاني: التعريف بابن تومرت:
في ظلّ الدولة المرابطية وفي المغرب الأقصى وإقليم السوس المذكور سابقًا ولد نحو سنة 471هـ([16]) محمد بن تومرت الهرقي المصمودي البربري، وتلقّى تعليمه الأوّلى في هذا الإقليم، ثم رحل إلى المشرق سنة 499هـ، فتنقّل بين العراق والشام ومكة والإسكندرية، ولقي أبا حامد الغزالي وإلكِيا الهَرّاسي وأبا بكر الطُّرطوشي([17])، وأبا بكر الشاشي والمبارك بن عبد الجبار الصيرفي([18])، ومحمد بن منصور الحضرميّ([19])، فأخذ عن بعضهم الحديثَ كالصيرفي والحضرمي، وعن الآخرين أصول الفقه وكذا علم الكلام على الطريقة الأشعرية، وكان قد تأثر بها تأثرًا بالغًا.
وفي طريق رجوعه بعد رحلته إلى المشرق شرع ابن تومرت بالجهر بدعوته العقدية الجديدة، فبمجرّد حلوله -بطرابلس أوّل بلاد المغرب- أظهر النكير على علمائها في عدولهم عن طريقة التأويل للصفات([20])، فأُخرِج منها كما أخرِج من الإسكندرية قبلها ومن المهدية بعدها، أما في بجاية فترفّق به صاحبها ولم يخرجه مطرودًا، ومكّنه منِ اتخاذ رباطٍ للتعليم بأطرافها، وفي هذا الرباط تعرّف على عبد المؤمن بن عليّ الذي سيؤسِّس دولة الموحدين بعد وفاة ابن تومرت([21])، ثم إنّه واصل مسيرته غربًا متّبعا السلوك ذاته في إظهار عقيدة التعطيل، وكذا تغيير منكرات الأعمال التي يقع فيها العامة، حتى دخل مراكش عاصمة الدولة المرابطية، وفيها ناظر الفقهاء في حضرة الأمير علي بن يوسف بن تاشفين، فظهر عليهم حسب رواية المؤرخين([22])، ومنهم ابن خلدون الذي لم يخفِ ميله إليه؛ فجعل سبب تلك المناظرة حسدَ الفقهاء له، وإنكارَهم لانتحاله مذهب الأشعريّة، وقد ذكر أنّه كان “ينكر عليهم جمودَهم على مذهب السلف في إقراره كما جاء، ويرى أن الجمهور لُقّنوا تجسيمًا، ويذهب إلى تكفيرهم”([23]).
ثم إنّه خرج من مراكش خوفًا من أن يناله الخليفة بسوء، فاتجه إلى إقليم السوس جنوبا، وفي مدينة أغمات جرت له مع فقهائها مناظرة شهيرة في العلم وطُرُقه وفي أصول الحق والباطل([24])، وقد ظهر عليهم لأنّه فرض عليهم النقاش في مسائل عقلية وكلامية كانوا عنها في معزل، ثم إنه التجأ بعدها إلى مسقط رأسه “هرغة”؛ لأنّ له فيها عصبةً تحميه، كما أنها منطقة أكثر حصانة وأمنًا، وهناك شرع في الدعاية إلى عقيدة جديدة لخَّصها في “المرشدة” التي ترجمها إلى اللسان البربريّ، مع الدعوة إلى الثورة على السلطان، فصار يأخذ البيعة في آن واحد على عقيدةِ التَّوْحِيد وقتال المرابطين المجسِّمين، وذلك سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة([25]).
وتدعيمًا لدعايته الدينية في الأوساط البربرية ادَّعى أنّه المهديُّ، وساق لنفسه نسبًا ينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، وهو نسب يشكِّك فيه مؤرِّخون([26])، ويدافع عنه آخرون نحو ابن خلدون الذي تمسك بمجرد إمكانه، وأنّ النّاس مصدَّقون في أنسابهم([27]).
واستمرّ في الدعوة إلى نفسه وإلى إقامة الدولة الموحدية إلى غاية وفاته سنة 524هـ، وقد ذكر بعض المؤرّخين أنه تمّ كتم موته عن العامة، وكانت الأمور تُسيّر باسمه حتى استتبّت الأمور، وبُويع عبد المؤمن خليفةً سنة 527هـ([28]).
الفرع الثالث: التعريف بكتابه (أعز ما يطلب):
لابن تومرت مؤلفات كثيرة، أكثرها صغير في حجمه، بمثابة رسائل تذكيرية أو دعائية تتضمّن قواعد أساسية في العقيدة والأصول وغيرها، كما ألّف مختصرًا للموطأ سماه: محاذي الموطأ، ومختصرا لصحيح مسلم عرف بتلخيص كتاب مسلم([29]).
وقد جمع عبد المؤمن بن علي أكثر تلك الرسائل المشار إليها بعد وفاة ابن تومرت في مجموع، أعطي له اسم أول رسالة فيه: “أعز ما يطلب”، وهذه الرسالة متعلّقة بالعلم، وابتُدِئت بهذه العبارة: “أعز ما يُطلب وأفضلُ ما يكتَسَب وأنفسُ ما يُدَّخر وأحسن ما يُعمَل العلم”. فسميت الرسالة بهذا الاسم، ثم أطلقت التسمية على الكلّ.
وقد أطلق المراكشيُّ هذا العنوان على الرسالة الصغيرة، وتبعه الذهبي وابن السبكي([30])، بينما نجد ابن خلدون يطلقه على المجموع كلّه حيث قال: “وألّف في ذلك كتابه في الإمامة الّذي افتتحه بقوله: (أعزّ ما يطلب)، وصار هذا المفتتح لقبًا على ذلك الكتاب”([31]).
ولهذا المجموع المعنون بـ”أعزّ ما يطلب” مخطوطتان: بارسية ومغربية، اعتمدهما الدكتور عمار طالبي في تحقيقه له، وعلى طبعته سنعتمد في هذه الدراسة.
وكما ذكرنا فإنّ الذي أشرف على إملاء هذا المجموع وكتابة بعض موادّه الشفهية هو عبد المؤمن بن علي، وقد جاء ذلك مبيّنا في أوّل المخطوط، حيث نجد هذه العبارة: “سفر فيه جميع تعاليق الإمام المعصوم المهديّ المعلوم رضي الله عنه مما أملاه سيدنا الإمام الخليفة أمير المؤمنين أبو محمد عبد المؤمن بن علي”([32]). ويظهر تصرّف عبد المؤمن في مواضع، منها حكايته للمناظرة التي كانت بأغمات حيث بيَّن بدايتها ونهايتها([33])، ومنها كتابته تقديما لرسالة للمهدي قبل أن يوجّهها إلى أهل جزولة وتعقيبًا عليها، وقد ذكر فيها أنّ عمر الدعوة بلغ ثلاثا وعشرين سنة([34])، مما يفيد أن تاريخ إعادة توجيه الرسالة كان سنة 538هـ.
ويستثنى مما وًجد في المجموع كتاب الجهاد الذي في آخره؛ فقد ظهر لي أنه ليس مما أملاه عبد المؤمن (ت: 558هـ) عن ابن تومرت؛ إذ جاء في آخر الرسائل وقبل كتاب الجهاد في النسخة الباريسية هذه العبارة: “كمل الإملاء بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على محمد وآله وصحه وسلم وشرّف”([35])، والذي ألحق كتاب الجهاد هو الخليفة الثاني يوسف بن عبد المؤمن (ت: 580هـ)، وقد جاء في نهاية النسخة المذكورة: “تم كتاب الجهاد بحمد الله وحسن عونه، وبتمامه كمل جميع تعاليق الإمام المعصوم المهدي المعلوم رضي الله عنه مما أملاه الخليفة أمير المؤمنين -أدام الله تأييدهم وأعز نصرهم ومكّن سعودهم-، وذلك في العشر الأواخر من شعبان المحرم سنة تسع وسبعين وخمس مائة”([36]).
وفي هذا التاريخ كان يوسف هو الخليفة، وقد ثبت تاريخيًّا أنّ يوسف بن عبد المؤمن أمر من يجمع له أحاديث الجهاد وقام بإملائها بنفسه، ممّا يدلّ على أنها لم تُجمع قبله([37])، ولكن هذه النسخة من الكتاب لم تتضمّن إلا ثلاثة أبواب فقط من أبواب الجهاد، وأما بقية أبواب الجهاد فواردة فقط في النسخة المغربية، فيحتمل أن تكون الأبواب الزائدة من إملاء الخليفة الثاني يوسف وسقطت من نسخة باريس، كما يحتمل أن يكون الخليفة الثالث يعقوب هو من زادها؛ لأن التاريخ المذكور لنسخها وهو سنة 595هـ، وهو لا يعني بالضرورة أنه تاريخ الإملاء، فقد يكون تاريخ النسخ متأخّرا إذا فرضنا أنها نسخت عن أصل آخر([38]).
ومهما يكن فإنّ هذا الشكَّ المثار حول مؤلّف هذه القطعة لا تعلّق له بموضوع بحثنا؛ لأنّ كتاب الجهاد عبارة عن أحاديث مبوّبة ليس فيها شيء من الشرح، أو التوظيف للمعاني عقائديًّا أو سياسيًّا.
المطلب الثاني: ركائز الدِّعاية الموحدية ضدَّ المرابطين:
بعد أن فرغنا من بيان المقدّمات الأساسية التي تُعطي تصوّرًا على واقع العقيدة في المغرب في ذلك العصر، وشخصية ابن تومرت المتمرّد عليها، نأتي للنظر في الدعاية لدولته في أوساط القبائل البربرية، والتي كانت دعاية دينيّة بحتَة، وسنقصر النظر في عناصر الدعاية المسلَّطة ضدَّ المرابطين السلفيين، والتي أوجبت تكفيرَهم واستباحةَ دمائهم والخروجَ على دولتهم، دون التي كان فيها تقريرٌ للعقائد الجديدة التي جاء بها.
الفرع الأول: تنزيل أحاديث أشراط الساعة على المرابطين وأحاديث الطائفة المنصورة على أتباعه:
أوّل شيء يُلفت الانتباه في رسائل ابن تومرت -وهو يتحدث عن المرابطين- تنزيلَه لكلّ ما بلغه من أحاديث أشراط الساعة التي تتضمّن الذمَّ لأناس في آخر الزمان على المرابطين، ففي إحدى رسائله جمَع علامات من سماهم: “المبطلين من الملثَّمين والمجسِّمين” من الأحاديث النبوية وأوصلها إلى عشرين صفة، هي: أنهم الحفاة، والعراة، والعالة، ورعاء الشاء والإبل، والجاهلون بأمر الله تعالى، وأنهم ملوك، ويأتون في آخر الزمان، ويتطاولون في البنيان، ويلدون مع الإماء، وأنهم صمّ عن الحق، وبكم عن الحقّ لا يقولون به، وأنهم مضيِّعون للأمانة، وفي أيديهم سياط كأذناب البقر، وأنهم يعذِّبون الناس ويضربونهم، ورؤوس نسائهم كأسنمة البخت، وكاسيات عاريات، ومائلات عن الحقّ، ومميلات لغيرهن، وأنهم يغدون في سخط ويروحون في لعنة([39]). والملثّمون هم المرابطون الذين ينتمون إلى قبائل بربرية، كان تَلثّمُ الرجالِ عادةً لهم، وهي عادة باقية في بعض قبائل الصحراء إلى يومنا هذا.
والقصدُ من صنيع ابن تومرت هذا واضحٌ، وهو الإمعان في التغرير بالأمّيين وأشباههم من البربر؛ الذين كان لهم ميل طبعي إلى مناصرة كلّ خارج على الحكم ومتمرّد على السلطان([40])، ولا شكّ أنّ تصوير الحكام بصورة بشعة والزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدّث عنهم بالسوء مما يزيد في الشَّحن ضدَّهم وفي تقوية ذلك الطبع في نفوس العامّة.
وفي الجهة المقابلة نجد ابنَ تومرت قد حمل أحاديث الطائفة المنصورة والغرباء على جماعته، وقد بوَّب بعضَ الأحاديث بما يؤكِّد انطباقها عليهم كقوله: “باب في أن الطائفة التي تقاتل على الحقّ في آخر الزمان بالمغرب”، وقوله: “بابٌ في أنّ الله يفتح الدنيا كلّها لأهل الغرب”([41]). كما ادّعى أنّه هو المهدي المنتظَر ظهورُه في آخر الزمان، وكان دافعُ هذا الادعاء المصلحة السياسية لا الاقتناع العقديّ([42])، فهو لا يختلف عن ادّعائه النسب الشريف القرشيَّ العربي؛ إذ الغاية هي تحقيق شرط استحقاق الإمامة دون المرابطين البربر، الذين لا يتوافر فيهم شرط القرشية، وبعد موته وانتقال الخلافة إلى عبد المؤمن بن علي الكومي البربري أيضا ادُّعيَ له النسب الشريف من جهة إحدى جدّاته، ووصل نسبه البربريّ بقيس بن عيلان للغاية نفسها([43]).
الفرع الثاني: الإصرار على وصم المرابطين بالمفسدين وبالجهال:
ومما يلاحَظ أيضًا في تلك الرسائل حرصُ المهدي على أن يجعلَ دعوته إصلاحية ضدَّ الفساد، وعِلمية ضدَّ الجهل؛ لذلك نجده يشنّع على المرابطين بأنواع المنكرات الموجودة في الرعية أو الأمراء أو القضاة، وقد ذكر منها الإسرافَ والتبذير وأكلَ أموال اليتامى وقطع الطريق وسفك الدماء، وخصَّ أبوابا لبيان وجوب جهاد من استحلّ الأموال والأعراض والدماء، ومن ضيّع السنن ومنع الفرائض، ومن ارتكب المناكر، ومن يقول ما لا يفعل([44])، ولا شكّ أنّ النفوس كلَّها تتطلّع إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، وأنّ كلّ من طمح في الحكم يجعل الإصلاح وعْدَه والفسادَ صفةَ خصمِه، لكنْ اللافت للنظر أن ابن تومرت ركّز كثيرا على وصف خصومه بالجهل، وعلّة ذلك محاولة محو الصورة البرّاقة التي اكتسبتها دولة المرابطين من أنّها دولة الفقهاء، وهو إذا صوّر خصومه بالجهل؛ فإنّ وصف العلم سيكون خاصيته وخاصية أتباعه، كما أنّه إذا وُصف أتباعه بالموحدين فإنّ خصومه سيكونون في نظر الأتباع على الضدّ من ذلك، وممّا يدلّ على هذا التركيز والحرص أنّه حين عدّد علاماتهم في الأحاديث ذكر الجهلَ بالشرع علامةً مفردة، ولما ذكر أنهم صمّ وبكم قال: “وكل ذلك راجع إلى الجهل والعدول عن الحق”([45]). فصارت ثلاث علامات كلها راجعة إلى الجهل، وقال في موضع آخر وهو يحرّض على عصيان المرابطين: “وحرَّمَ -أي: الله تعالى- طاعة الجاهلين”([46]).
وذكر في إحدى رسائله أصنافَ المعاونين للمرابطين، فخصّ منهم الفقهاءَ الذين وصفهم بالمكر واتباع الهوى، وقال: “منهم الملبِّسون -أعني المكّارين- الذين يضلّونهم بغير علم، ويتوسّلون بفُتياهم إلى باطلهم وأهوائهم؛ كلّما سألوا عن شيء أفتوهم به على وفق ما وافق أهواءهم وأغراضهم، فضلّوا وأضلوا”([47]).
وفي رسالة أخرى قسّم خصومه إلى ثلاثة طوائف، وجعل الفقهاء شرَّ الثلاثة، حيث قال: “الذين شمّروا وتجرّدوا لهدم الدين وإماتته، أعني أهل التجسيم الملثَّمين، والبرابر المفسدين، والمكّارين الملبّسين من الطلبة وهم شرّ الثلاثة؛ تسمّوا بالعلم ونسبوا أنفسهم إلى السّنة وتزينوا بالفقه والدين، وتعلّقوا بالكفرة وانحازوا إلى جنبتهم، واستفرغوا مجهودهم في معونتهم وفي طلب مرضاتهم”([48]).
وكلّ هذا الإصرار والتكرار مقصوده نزع الثقة في العلماء من نفوس العامة، وكذا الإجابة عن تساؤل أكثر من وارد يومها، وهو: إذا كان المرابطون أهل فساد في الاعتقاد والعمل، فلم نرَ الفقهاء في صفهم قبل الثورة وبعدها؟! فهو قد أجاب عن هذا التساؤل بأنهم ملبسون يصدرون الفتاوى على وفق الأهواء، وأنهم أيضا ممن يقولون ما لا يفعلون.
يؤكد ذلك قوله في رسالة خارج مجموع “أعز ما يطلب”: “واعلموا -وفقكم الله- أن المجسمين والمكّارين وكل من نسب إلى العلم أشدّ في الصد عن سبيل الله من إبليس اللعين، فلا تلتفتوا إلى ما يقولون؛ فإنه كذب وبهتان وافتراء على الله ورسوله”([49]).
الفرع الثالث: نبز المرابطين وتلقيبهم بالمجسمين:
إنّ أكثر شيء كرّره ابن تومرت في رسائله هو نبزه المرابطين والعلماء المؤيدين لهم بأنهم مجسّمون، وقد أحصيت في ذلك نحو أحد عشر موضعا([50])، منها قوله: “وتجسيمهم وكفرهم أكبر، وهذا الباب اشتهاره وانتشاره يغني عن بيانه وتفصيله؛ يعني تجسيمهم وكفرهم وباطلهم والضروري لا يحتاج إلى دليل”([51]). ومنها قوله وهو يقرّر وجوب مخالفتهم: “وكذلك المجسّمون الكفار، وهم يتشبّهون بالنساء في تغطية الوجوه بالتلثّم والتنقيب”([52])، ومنها قوله في آخر رسالة دعائية له: “تمَّ القول في المجسمين، والحمد لله وحده”([53]).
وقد سبق أن العقيدة التي كانت سائدة في ذلك العصر هي عقيدة الإثبات والتنزيه، وهي عقيدة السلف، ولم يجد ابن تومرت طريقة لتنفير العامة عنها إلا بهذا النبز الذي يعلم هو أنه مجرد إلزام لأهل الإثبات الذين يبرؤون إلى الله من التشبيه والتجسيم، كما أن الأشعري يُعتبر عند المعتزلي مجسمًا([54])، والمعتزلي نفسه يعتبر عند الفيلسوف مجسّمًا([55]).
وقد أفرط ابن تومرت في جانب النفي، حتى إنه ليوهم قارئ بعض نصوصه أنه جهمي صرف لا يثبت لله صفة، والواقع أن دافع ذلك الإفراطِ هو حرصه على محو عقيدة التجسيم التي انتشرت في وقته كما عبّر ابن رشد الحفيد (ت: 595هـ)([56]) الذي عاش في كنف هذه الدولة وحمايتها، ومن تتبّع آراءه العقدية في كتاب “أعز ما يطلب” وجدها متطابقة مع آراء الجويني إلى حدٍّ كبير، وقد قرّر ابن تيمية هذا موضع حيث قال: “ولهذا كان المغاربة الذين اتّبعوا ابن تومرت المتّبع لأبي المعالي أمثل وأقرب”([57])، يعني: هم أقرب إلى الحق من الجهمية والفلاسفة، وإذا كان الجويني كان قد مال إلى المعتزلة، وخالف متقدمي الأشاعرة في قضايا كثيرة وعلى رأسها الصفات الخبرية، فإنه من الطبيعي أن يوصف ابن تومرت بالميل إلى المعتزلة بالتبع، هذه خلاصة نظرٍ لعلّي أفرده ببحث مفرد بإذن الله تعالى.
الفرع الرابع: المجاهرة بتكفير المرابطين بسبب التجسيم:
لم يكتفِ ابن تومرت بوصف المرابطين بالتجسيم الذي قد يحمل على معنى الابتداع؛ بل أكّد على كون المجسّمين كفّارا مرتدّين عن دين الله تعالى، وذلك تنفيرا للناس عنهم وإباحة لدمائهم أيضا، فذكر في موضع تحت عنوان “تحريم معونة المرابطين وتصديقهم” حديث: «أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي»([58]) وقال: “وفيه تنبيهٌ على طوائف أهل الباطل الذين تركوا دينهم بعده، وارتدوا وبدّلوا وغيّروا وجسّموا وعاندوا الحق”([59]). فجعل من المبدّلين المرتدّين من يصفهم بالتجسيم، والتبويب المذكور وسياق الرسالة يجعل الحكم موجَّها إلى خصوص المرابطين.
وقال ابن تومرت في موضع آخر: “حرّم الله تعالى طاعة المجسِّمين والمرتدّين واليهود والنصارى”([60]). فقرنهم باليهود والنصارى وقدّمهم عليهم، وقال في موضع آخر: “فجهاد الكفرة الملثَّمين قد تعيّن على كلّ من يؤمن بالله واليوم الآخر، لا عذرَ لأحد في تركه”([61])، وهذا التكفير كان سببُه الرئيس هو تهمة التجسيم، وهو قد جعل التوحيد مقابلًا للتجسيم، فجماعته هم الموحّدون، لا موحّد إلا من اعتقد عقيدتهم، ويقابلهم الكفرة المرتدون الذين خرجوا من التوحيد بسبب التجسيم، وقد بحثتُ في كلامه عن سبب آخَر للحكم عليهم بالكفر فلم أجد، إلا أن يكونَ تكفير الأتباع والمعاونين -كما سيأتي- ولكن ذلك تابع لتكفير المتبوعين الذين ارتدّوا بسبب التجسيم، فهؤلاء كفروا بسبب الاعتقاد، والأتباع كفروا إما للاعتقاد أو للموالاة.
ووجدتُ نصًّا فيه التكفير بسبب تهمة استحلال المحرمات في غير هذا المجموع، حيث يقول في رسالة إلى الموحدين: “واستحلّوا الحرام حتى صار مطعهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم ومركبهم، واستحلوا ذلك كله فزادوا به كفرا على تجسيمهم”([62])، ولا يخفى أن استحلال الحرام بالتأويل لا يُعدّ كفرًا، وإلا كانت استباحة ابن تومرت لقتال مخالفيه تعدّ أيضا كفرًا في نظر كل مخالف له، ولا أظن هذا كان خافيا على ابن تومرت الذي جعل هذا الاستحلال الذي لا يمكنه إثباته نافلة بعد ثبوت التكفير بالتجسيم كما هو نصه.
الفرع الخامس: تعميم التكفير للاتباع والمعاونين واستباحة دمائهم:
لم يقنع ابن تومرت بتكفير الفقهاءِ الذين كانت تهمتهم الأساسيّة التجسيم؛ حتى عدّى الحكم إلى كلّ المعاونين والمؤيدين للمرابطين، فقال في رسالة خصّها لأصناف المعاونين للمرابطين: “ومن أعوانهم المرتدّون الذين رجعوا إليهم، وباعوا دينهم بعرض من الدنيا، يصبح أحدهم مؤمنا ويسمي كافرا يبيع دينه… وفتنة الدين أكبر من هذا، لا فتنة ولا مصيبة أعظم من الارتداد والتبديل والتغيير”([63]).
ومما يتبع التكفيرَ استباحةُ الدماء، وقد شمل هذا كلَّ الأصناف من المخالفين من المرابطين وفقهائهم وجنودهم والموالين لهم([64])، وشرح في موضع أسباب استباحة دمائهم -مع أنه كان ينكر ذلك عليهم- فقال: “باب وجوب جهادهم على الكفر والتجسيم وإنكار الحق واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم”([65])، فذكر أسبابًا أربعة عطفها على بعض، ولم يُفصّل في هذا الباب الفرق بين الكفر والتجسيم، ثم بيّن أنّ القتال لا يكون فقط على الكفر، بل يكون بأسباب أخرى، منها عدم الرضوخ للحق، ومنها تضييع السنن ومنع الفرائض، وذكر تحت هذا السبب قتالَ أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة؛ ثم فرّع على ذلك وقال: “كلّ من منع فريضةً من فرائض الله حقّ على المسلمين جهاده حتى يأخذوها منه، فكيف من منع الإيمان والدين والسنة”([66])، وذلك أنه لم يجد عند المرابطين تعطيلا للسنن ولا منعًا للفرائض، وختم مبررات الجهاد بقوله: “باب في وجوب جهادهم على العناد والفساد في الأرض”، ونحن نرى أن ابن تومرت استفرغ وسعَه في ذكر الأسباب الشرعية التي تبيح له ولأتباعه قتال المرابطين وأعوانهم، فذكر الكفر والردة والتجسيم، وعطف عليها أشياء تدخل في مسمى الردة كإنكار الحق واستحلال المحرمات، وأمورا أخرى توجب القتال حتى ولو لم توجب الردّة وهي تضييع السنن، والسنن في اصطلاح المالكية يشمل شعائر الدين نحو الأذان والختان ونحوها، وذكر منع الفرائض ومثّل بالزكاة، وأخيرًا ذكر الإفساد في الأرض الذي هو قطع الطريق، وهذا يبيّن لنا جليًّا أن ابن تومرت استباح القتال والخروج على الدولة القائمة بعد تكفيرها واعتقاد عدم شرعية حكمها، وهذا يؤكّد الصبغة الدينية لحركته، خلافا لما عهد في التاريخ من حروب بين الدول، فأهلها في أكثر الأحيان لم يكونوا محتاجين ولا مستندين لتأصيلات شرعية، ولا فتاوى لثوراتهم أو اعتداءاتهم، ومن جهة أخرى فإننا نجد دقّة متناهية في تعداد أسباب الجهاد، وليس فيها شيء من التكفير بالمعاصي.
وهذا يجعلنا ننفي تهمة الخارجية التي أُلصِقت بابن تومرت نفيًا قاطعًا، كيف وهو أشعريّ يقول: إن الإيمان هو التصديق فقط([67])، وتبقى تلك التّهمة مجردَ رأي صادر عن استنكار توسُّع ابن تومرت وأتباعه في استباحة الدماء([68])، ولكن هذا ليس خاصّا بدولة الموحدين، وما لقِّب السفاح في دولة بني العباس بالسفاح إلا لسفك الدماء، ثم إنّ تجاوزَ الحدّ في التكفير لا يقتصر على التكفير بالكبيرة وهذه هي خاصية الخوارج، بل إن التجاوز يكون بالتكفير بغير ذلك كالتقليد في الاعتقاد عند المعتزلة والأشاعرة، وكالتكفير بالخلاف في أمور الاعتقاد دون مراعاة للأحوال والأعذار والموانع، ولا ظهور المسائل وخفائها، ولا كونها منصوصة أو مولّدة من بنات العقول، وهذا عند جميع الفرق الإسلامية عدا أهل السنة المحضَة، وابن تومرت قد كفّر المخالفين له بهذا النوع الأخير، حيث اعتبر إثبات الصفات الخبرية تجسيمًا، ثم ركب على ذلك تكفير المخالفين سواء كانوا حكّامًا أو علماء أو أتباعًا، وليس في هذا خروجٌ عن الأشعرية، بل هو تطبيق لها -على أنّ لبعضهم رأيًا مخالفًا لهذا([69]) ورواية يروونها عن الأشعري في التراجع عن تكفير المخالفين من أهل القبلة([70])-، وأمّا القتال للمخالفين فليس مستغربًا من أشعريّ يكفّر المخالف، كما لا يستغرب القتل للمخالفين من المعتزلة لما كان لهم السلطان، فاستباحةُ الدماء ليس خاصًّا بالظلمة من ذوي السلطان، بل هو في الطوائف الدينية أكثرُ من غيرها، كان لها سلطان أم لا، فإذا كان لها السلطان أمكنها تنفيذ ما تمليه عليه عقيدتها، وهذا هو الواقع مع ابن تومرت الأشعريّ، ومن نصوصه الواردة عنه خارج المجموع قوله: “إن جهادكم فرضٌ على الأعيان على كلّ من فيه طاقة على القتال، واجتهدوا في جهاد الكفرة الملثَّمين، فجاهدهم أعظم من جهاد الروم وسائر الكفرة بأضعاف كثيرة؛ لأنهم جسَّموا الخالق سبحانه وأنكروا التوحيد وعاندوا الحقَّ”([71]).
الخاتمة: وفي الأخير، وبعد هذه الجولة التاريخية والتطواف في كتاب “أعز ما يطلب” تنقيبًا عن عناصر الدعاية الموحدية ضدّ المرابطين؛ نكون قد توصّلنا إلى الإجابة عن الإشكال الأساس المتعلّق بسرّ التحوّل السريع للناس من العقيدة السلفية إلى الأشعرية، حيث تمّ توثيق ما نقله المؤرّخون من التكفير للمخالفين واستباحة دمائهم لأجل رفضهم للعقيدة الأشعرية، والذي يُبيّن أنّ ما هو مذكور في كتب التاريخ من سفك للدماء لم يكن غرضه سياسيًّا، وهو إعلان الولاء للدولة الجديدة فحسب؛ بل كان الدم لا يُعصم حتى يعلنَ الإيمان بالعقائد التي فرضها ابن تومرت([72])، وهي في جملتها العقائد الأشعرية مع أمرٍ آخرَ متعلِّق بشخصه وهو القول بأنه المهديّ المعصوم، ولم يكن ذلك مجرَّد ردةِ فعل عابرة كما يزعمه بعض المدافعين عن ابن تومرت والأشعرية في عصرنا، وهذا ما وثّقه المقريزيّ حيث يقول: “فلذلك صارت دولة الموحدين ببلاد المغرب تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن تومرت… فكم أراقوا بسبب ذلك من دماء خلائق لا يحصيها إلّا الله خالقها سبحانه وتعالى، كما هو معروف في كتب التاريخ، فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعريّ وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نسي غيره من المذاهب”([73]). وإذا أردنا التدقيق أكثر قلنا: هو سبب انتشار الأشعرية بفهم الجويني وتلاميذه، الذي يختلف عن عقيدة متقدمي الأشاعرة ويميل إلى الاعتزال في أشياء غير قليلة.
كما يمكننا أيضا تسجيلُ النتائج الآتية:
– لقد تطابقت الشهادات من المؤرخين من مختلف التوجهات والمذاهب أنّ أهل المغرب الإسلامي إلى عهد المرابطين كانوا على عقيدة السلف في الغالب الأعم، ولم يكن قد انتشر فيهم علم الكلام ولا المذهب الأشعري.
– إنّ ابن تومرت قد أتمّ تكوينه العالي في المشرق، فتمكن من علم الكلام وتبنى الأشعرية، فلمّا رجع إلى المغرب عزم على إحداث انقلاب على العقائد، وثورة على السلطة الحاكمة، فأخذ البيعة لنفسه على الأمرين معا.
– إنّ أوثق المصادر التي ينبغي الاعتماد عليها في بيان عقائد ابن تومرت وتفسير أفعاله وأفعال الخلفاء من بعده هو كتاب “أعز ما يطلب” الذي كان بمثابة الدليل المرشد أو الدستور المتَّبع لدولة الموحدين في طور التأسيس، وأغلب مادته ثابتة عن ابن تومرت إلا مواد حديثية صرفة متعلقة بالجهاد أُلحقت به من بعده.
– وقد تمكّن ابن تومرت من حشد الناس حوله وصرفهم عن المرابطين باستعمال دعاية متكاملة العناصر، والتي كانت دعاية دينية بحتة؛ أول ركائزها إقناع الناس بأن أتباع ابن تومرت هم الطائفة المنصورة، وأن قائدهم هو المهدي، وأن المرابطين قدِ اجتمعت فيهم جميع الخصال السيئة المذكورة في أحاديث أشراط الساعة.
– ونظرا لاشتهار الدولة المرابطية بكونها دولة الفقهاء؛ فإنّ ابن تومرت حرِص في دعايته على سلب هذه الصفة منها، وذلك بإلصاق وصف الجهل بالمرابطين، كما اجتهد في تشويه صورة الفقهاء الملتفّين حولهم؛ بكونهم من أتباع الأهواء مجسّمين وملبّسين ومكّارين وموالين للظلمة.
– وأظهرُ عنصرٍ في الدعاية الموحدية نبزُ المرابطين السلفيين وتلقيبهم بلقب المجسّمة، وقد كرّر ابن تومرت ذلك في رسائله كثيرًا، وهو نبزٌ مكمِّل لوصف أتباعه بالموحدين، حيث إنه جعل التوحيد والتجسيم أمرين متقابلين، فلا يتحقق التوحيد إلا بالبراءة من التجسيم والمجسّمة، وهذا العنصر البارز يؤكد أنّ المرابطين كانوا سلفيين أهل إثبات وتنزيه، وأن حربه كانت عقائدية في أساسها.
– ومن الأمور البارزة في الدعاية الموحدية بعد النبز بلقب التجسيم: الحكم بالتكفير، ولم أجد سببًا آخر للتكفير سواه، إلا أن يكون تكفيرًا للأتباع بحكم الموالاة والمناصرة للمجسمين، فعاد الأمر إلى التهمة نفسها.
– وآخر شيء وجدته بارزا في دعايته ضدَّ المرابطين هو استباحته لدمائهم، وقد حاول ابن تومرت إقناع أتباعه بشرعية ذلك من عدّة أوجه؛ منها شرعية قتال الكفار والمرتدين بسبب التجسيم وجحد الحق، ومنها شرعية قتال تاركي شعائر الدين التي سماها السنن وكذا قتال الممتنعين عن الفرائض كالزكاة، ولما لم يكن ذلك ظاهرا في المرابطين جعل قتالهم أولويا؛ لأنهم منعوا الإيمان والسنة حسبه، فرجع الأمر إلى العقيدة، ومنها قتال المفسدين في الأرض، وقد اعتبر المرابطين كذلك، رغم كونهم هم الدولة الحاكمة يومها.
وفي الأخير نحمد الله تعالى على منّته وتوفيقه، ونسأله السداد والرشاد في القول والعمل، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) تجربة الإصلاح في حركة المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 131، 135) المعهد العالي للفكر الإسلامي، فيرجينيا، ط2، 1415هـ-1995م.
([2]) تاريخ الجزائر في القديم والحديث، لمبارك الميلي، المؤسسة الوطنيّة للكتاب بالجزائر، 1406هـ- 1986م.
([3]) البيان المغرب لابن عذارى (3/ 38)، تحقيق: بشار عواد معروف ومحمود بشار، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1434هـ.
([4]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص: 130)، تحقيق: صلاح الدين الهواري، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ط1، 1426هـ-2006م.
([5]) عقيدة السلف -مقدمة أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة- (ص: 61)، تحقيق: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة.
([6]) العبر في خبر من غبر (2/ 422)، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت.
([7]) ينظر: تاريخ الإسلام للذهبي (11/ 417)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط1، 2003م.
([8]) تاريخ الجزائر في القديم والحديث (2/ 339).
([9]) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (1/ 196)، تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء.
([10]) صورة الأرض (ص: 90) دار مكتبة الحياة، بيروت، 1992م.
([11]) معجم البلدان (1/ 225) دار صادر، بيروت، ط2، 1995م.
([12]) مجموع الفتاوى (11/ 478)، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1416هـ-1995م.
([13]) انظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 50، 56)، دار الغرب الإسلامي – بيروت، ط1، 1403هـ-1983م، جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة لإبراهيم التهامي (ص: 275).
([14]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص: 131).
([15]) الحياة الفكرية بالأندلس في عصر المرابطين لمحمد الأمين بلغيت (1/ 394)، القافلة للنشر والتوزيع، 2014م.
([16]) انظر تفصيل الأقوال في مكان مولده وتاريخه في: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 30-33).
([17]) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (11/ 408).
([18]) انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص: 136).
([19]) انظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 84، 154). وانظر ترجمته في: المقفى الكبير للمقريزي (7/ 164)، تحقيق: محمد اليعلاوي، دار الغرب الاسلامي، بيروت، ط2، 1427هـ-2006م.
([20]) انظر: تاريخ ابن خلدون (6/ 302)، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1408هـ-1988م.
([21]) انظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 86-94).
([22]) انظر: أخبار المهدي ابن تومرت للبيذق (ص: 57)، تحقيق: عبد الحميد حاجيات، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1395هـ-1975م.
([23]) تاريخ ابن خلدون (6/ 303). وقال الذهبي في العبر (2/ 422): “وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها”.
([24]) تنظر المناظرة في: أعز ما يطلب لابن تومرت (ص: 31-36)، تحقيق: عمار طالبي، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، 1985م.
([25]) انظر: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (2/ 85)، المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 102-103).
([26]) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (11/ 408)، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب ومدينة فاس لابن أبي زرع (ص: 172) المصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972م.
([27]) تاريخ ابن خلدون (1/ 36).
([28]) انظر: أخبار المهدي ابن تومرت للبيذق (ص: 77) والمهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 128).
([29]) انظر: المهدي ابن تومرت لعبد المجيد النجار (ص: 154-156)، وأعز ما يطلب -مقدمة عمار طالبي- (ص: 12).
([30]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص: 141)، تاريخ الإسلام (11/ 414)، طبقات الشافعية الكبرى (6/ 117)، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1413هـ.
([31]) تاريخ ابن خلدون (6/ 302).
([32]) أعز ما يطلب (ص: 29)، وجاء ذلك في الغلاف وليس في الأخير، خلافًا للنجار.
([33]) أعز ما يطلب (ص: 31، 36).
([34]) أعز ما يطلب (ص: 256). قال البيذق في أخبار المهدي (ص: 179): “وفي عام واحد وعشرين وخمسمائة كتب الرسالة المنظمة إلى الموحدين في بعض غزواتهم، وهي التي بعث الخليفة إلى جزولة”.
https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/btv1b8419211m/f189.item.
https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/btv1b8419211m/f199.item.
([37]) المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي (ص: 187).
([38]) ولذلك لم يحدّد عبد المجيد النجار من هو الذي أضافه، واحتمل أن يكون أحد الخلفاء الثلاثة: عبد المؤمن أو ابنه يوسف أو حفيده يعقوب. وأما عمار طالبي فحدّد الخليفة بأنه أبو يوسف يعقوب المنصور اعتمادا على تاريخ نسخ المخطوطة المغربية، وقد علم ما في ذلك، وتبعه عبد الغني أبو العزم في آخر الكتاب رغم أنه قرر في بداية كتاب الجهاد أن كاتبه هو يوسف بن عبد المؤمن. انظر: المهدي ابن تومرت (ص: 148)، أعز ما يطلب (ص: 8) تحقيق: عمار طالبي، وأعز ما يطلب (ص: 413، 510) تحقيق: عبد الغني أبو العزم، مؤسسة الغني للنشر، الرباط، 1997م.
([39]) أعز ما يطلب (ص: 242-243).
([40]) انظر: تاريخ الجزائر في القديم والحديث (2/ 60).
([41]) أعز ما يطلب (ص: 250-253).
([42]) انظر: المهدي ابن تومرت (ص: 245).
([43]) انظر: أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين، للبيذق (ص: 21-22)، تحقيق: لافي نرونسفال، طبعة باريس، 1928م.
([44]) أعز ما يطلب (ص: 244، 249-250، 260-261).
([47]) أعز ما يطلب (ص: 245-246).
([49]) أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين، للبيذق (ص: 4).
([50]) انظر: أعز ما يطلب (ص: 242، 244، 245، 247، 248، 249، 250، 258، 261، 262، 263).
([54]) انظر: المغني للقاضي عبد الجبار (4/ 280، 7/ 85)، الدار المصرية للتأليف والترجمة.
([55]) انظر: التعليقات لابن سينا (ص: 308)، تحقيق: حسن حمدي العبيدي، دار الفرقد دمشق، 2009م.
([56]) انظر: درء تعارض العقل والنقل (10/ 299).
([57]) الفتاوى الكبرى (6/ 622)، دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ-1987م.
([62]) ينظر: أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين، للبيذق (ص: 9).
([64]) قال في رسالة له لم يتضمّنها كتاب أعز ما يطلب: “فادعوهم إلى التوبة والإنابة والرجوع إلى الكتاب والسنة وترك معونة المجسمين والمرتدين والمعتدين، فإن قبلوا منكم ورجعوا إلى السنة وأعانوكم على جهاد الكفرة فخلّوا سبيلهم وهم إخوانكم في دين الله وسنة رسوله، وإن عاندوا الحقّ وأصروا على معونة أهل الباطل والفساد فاقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليّا ولا نصيرا، وكلُّ من امتنع عن الرجوع إلى السنة فهو عدوّكم إلى الممات، وكلّ من قُتل من الكفرة والمجسمين فهو مخلّد في جهنم وبئس المهاد، وكل من قُتل من المؤمنين فهو من أهل الجنة”. وهي ضمن أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين، للبيذق (ص: 2).
([67]) أعز ما يطلب (ص: 177، 206، 273).
([68]) انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 501)، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوي (1/ 196-197).
([69]) وممن جاهر بخلاف الأشعرية في هذا الغزالي رحمه الله، انظر: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة (ص: 75) وما بعدها، تحقيق محمود بيجو، ط1، 1413هـ-1992م.
([70]) انظر: تبيين كذب المفتري، لابن عساكر (ص: 149) دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1404هـ.
([71]) أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين، للبيذق (ص: 9).
([72]) تأمل هذه العبارة: “وكل من امتنع عن الرجوع إلى السنة فهو عدوكم إلى الممات”. أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء أمر الموحدين، للبيذق (ص: 2).
([73]) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (4/ 192)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ.