الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

ما بين التقويم القمري والشمسي (هل تراكمت الأخطاء حتى صام المسلمون شهرًا خاطئًا؟)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

تمهيد:

الصِّيام أحدُ أركان الإسلام، وهو من محكَمات الدّين، وجاء في فرضه وبيانِه نصوصٌ كثيرة محكمة، فمن أدلَّة وجوب صيام رمضان المحكمة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، ومن الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم رمضان»([1])، وأجمعتِ الأمة على وجوب صيام شهر رمضان، يقول ابن قدامة رحمه الله (ت: 620ه): “وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان”([2]).

ولا نريد التَّأصيل لمسألة الوجوب، ولكن ثمةَ أمور طرأت وشبهات ظهرت تشكِّك في الصيام الذي صامَه المسلمون طوال هذه القرون، فمنها ما يتعلَّق بحكمه بزَعم عدمِ إيجاب الصيام وأن الإنسان مخيَّر بين الصيام والفطر([3])، ومنها ما نروم بيانه في هذه الورقة، وهو الزعمُ بأن المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا قد أضاعوا صيامَهم، فلم يصوموا في الشهر الذي فرضَ الله صيامَه على المسلمين؛ فالمسلمون بأجمعهم يصومون شهرًا لم يوجبِ الله صيامه، ويتركون صيام شهر رمضان الحقيقيّ. وسبب هذا -في نظرهم- هو الخطأ الذي ارتكبه المسلمون في التقويم الهجريّ بإلغاء النسيء أو إلغاء زيادة الأيام في السنة الهجرية، فضاع شهر رمضان من بين يدي المسلمين.

أربعة عشر قرنًا لم يهتد المسلمون إلى الشَّهر الصحيح للصيام حتى ظهر هؤلاء الذين يدَّعون أن المسلمين قد ضيَّعوا الشهر الصحيح، وتاهوا في متاهات التاريخ، وتراكمت الأخطاء حتى صاروا لا يؤدون عبادة زمانية على الوجه الصحيح، فلا يصومون في شهر رمضان، ولا يحجون في شهر ذي الحجة.ما الإشكال؟

يرى البعض([4]) أنَّ التقويم الهجريَّ كلّه قد وقع فيه خطأ من بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم؛ سواء من أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو من أيام الأمويين، وهذا الخطأ قد تراكم مع مرور السنين إلى يومنا هذا، فمنذ وقوع الخطأ صار المسلمون يصومون الشهر الخاطئ ولا يهتدون إلى صيام شهر رمضان، والأمر نفسه ينطبق على الحجّ، فالمسلمون على مدى هذه القرون لا يحجّون في شهر ذي الحجة الصحيح.

حُجَّتهم الكبرى في ذلك: أنَّ التقويم الهجري ناقص عن التقويم الشمسي بقرابة أحد عشر يومًا، فيلزمنا أن نزيد في كل سنة أحد عشر يوما، أو نزيد شهرًا كل اثنين وثلاثين شهرا حتى نوافق التقويم الشمسي، ورمضان يجب أن يكون بين سبتمبر وأكتوبر، ولهم أدلة أخرى سأعرضها أثناء البحث.

وممَّا يبين أهمية البحث في المسألة أنَّها متعلقة بركنين عظيمين من أركان الإسلام، وهما الصيام والحج، فالركنان -حسب زعمهم- لا يؤدّيهما المسلمون في الوقت الصحيح وذلك على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان حتى ظهروا هم فأرادوا تصحيح هذا الخطأ في التاريخ!

ففي هذه الورقة أريد أن أعرِّج على خطأ الصيام في شهر رمضان الحالي بالخصوص، ولا شكَّ أن المسألة مرتبطة بخطأ التاريخ الهجري، فسأمرّ على المسألتين معًا مع التركيز على أدلتهم في الصيام بالخصوص، ويمكن مناقشة قولهم في الآتي:

أولا: الشهور عند الله:

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنَّ عدد الشهور اثنا عشر شهرًا، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36].

ولا يقول أصحاب القول بالنَّسيء بأنَّ عدد الشُّهور في السنة أكثر من اثني عشر شهرًا، لكن الاختلاف في كون هذه الشهور تمثل السنة الشمسية، فهم يقولون: إن السنة الشمسية اثنا عشر شهرا ويجب أن نستوفيَها، أما السنة القمرية فهي أيضا اثنا عشر شهرا لكن أيامها أقلّ من أيام السنة الشمسية، فنزيد في السنة القمرية أحد عشر يوما حتى نوافق السنة الشمسية([5])، والسؤال هو: أين ذكر الله سبحانه وتعالى أن التقويم المعتمَد في الإسلام أو في العبادات هو الشمسيّ، وأنه يجب علينا أن نُرجِع السنة القمرية إلى الشمسية؟

يضاف إلى هذا أنَّ لهم طريقتين في تصحيح التقويم القمري، وهما: إما بإضافة أحد عشر يوما نهاية العام، أو إضافة شهر كل اثنين وثلاثين شهرا قمريًّا، ألسنا بهذا الفعل نزيد شهرا في السنة التي نزيد فيها هذا الشهر فتصبح السنة ثلاثة عشر شهرا بدلا من اثني عشر شهرا؟!

ومهما قالوا بأن هذا الشهر للتصحيح أو لتقويم الخطأ، إلا أن حقيقته أنه شهر زائد على الأشهر الاثني عشر القمرية أو الشمسية، وهذا يعارض الآيةَ معارضة صريحةً، فهو شهر مضاف من عند أنفسهم لا من عند الله سبحانه وتعالى.

وقد ربط المفسرون هذه الآية بما كان يفعله أهل الجاهلية من تقديم وتأخير لأسماء الأشهر، وسيأتي الكلام عنه في النسيء، فالشهور عند الله اثنا عشر شهرا أقرها الله سبحانه وتعالى يوم خلق السموات والأرض لا يُزاد عليها، يقول القرطبي رحمه الله (ت: 671ه): “إنه سبحانه وضع هذه الشهور وسمَّاها بأسمائها على ما رتّبها عليه يوم خلق السموات والأرض، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة، وهو معنى قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}، وحكمها باق على ما كانت عليه، لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها، وتقديمُ المقدم في الاسم منها. والمقصود من ذلك: اتباع أمر الله فيها، ورفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها، وتعليق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليه”([6]).

ولم يَفُته اعتمادُ البعض على تقويم غير عربيّ تُزاد الأيام في التقويم العربي ليوافقه أحيانا، فيقول: “هذه الآية تدلّ على أنَّ الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرا؛ لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعيّن له شهر، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج”([7]).

ويذكر الرازي رحمه الله (ت: 606ه) أنَّ الآية نزلت في زيادة العرب لشهر لم ينزله الله، وهو ما ينادي به هؤلاء، فالنسيء الذي كانت العرب تفعله إما زيادةٌ أو تأخير، وسيأتي الكلام عنه.

ويرى الرازي أنهم كانوا يزيدون، فحرم الله ذلك بهذه الآية، فالآية على هذا القول ردٌّ على المسألة بأكملها، يقول الرازي: “واعلم أنَّ السَّنة الشمسية لما كانت زائدة على السَّنة القمرية جمعوا تلك الزيادة، فإذا بلغ مقدارها إلى شهر جعلوا تلك السنة ثلاثة عشر شهرا، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وقال: إن حكم الله أن تكون السنة اثني عشر شهرًا لا أقل ولا أزيد، وتحكُّمهم على بعض السنين أنه صار ثلاثة عشر شهرا حكمٌ واقع على خلاف حكمِ الله تعالى، ويوجب تغيير تكاليف الله تعالى، وكل ذلك على خلاف الدين”([8]).

ومختصر الكلام: زيادتهم التي يريدونها هي زيادةٌ على ما قرّره الله في هذه الآية الكريمة، وهي زيادة مذمومة؛ لهذه الآية، ولآية النسيء عند من يرى أنَّ العرب كانت تزيد هذه الزيادة، وسواء كانت العرب تفعل ذلك أو لا، فإن الزيادة مذمومة وخروج عن إخبار الله تعالى بأن الشهور لا تزيد عن اثني عشر شهرا.

بقي أن يقال: السنة الشمسية اثنا عشر شهرا، فنقول: أين ذكر الله أن المراد من الأشهر هنا هي الشمسية؟! بل كل القرائن تدلّ على أنها القمرية؛ لأن العبادات كلها مرتبطة بها، كما أنه يوجد خلاف في فعل العرب قبل الإسلام هل كانوا يعتمدون القمرية أو الشمسية، فالدليل لا يدل على قولهم.

ثانيًا: معنى: «استدار كهيئته»:

من الأدلة المرتبطة بالآية الكريمة السابقة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: «الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»([9]).

وهذا الحديث قد استدلَّ به أصحاب هذه النظرية ليقولوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن وقوع الخطأ في السنة القمرية، وبين أن ذا الحجة في تلك السنة هو شهر ذو الحجة الصحيح، فيجب أن تضاف الأيام من بعد هذه السنة حتى لا نضيع التاريخ من جديد بعد أن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الزمان قد رجع إلى هيئته.

بداية: لا شك أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم هو عود الزمان إلى هيئته، أي: بعد التغيير والتبديل، ولكن هذا ليس فيه دليل لهم من وجهين:

الوجه الأول: أنَّ الزمان قد عاد إلى هيئته -كما بين النبي صلى الله عليه وسلم- بعد النسيء الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية، وقد ذكر عدد من العلماء أنَّ العرب كانت تؤخر الشهور أو تزيد ليوافق الحج مواسم رحلاتهم أو مهرجاناتهم وما إلى ذلك، فأبطل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الزمخشري رحمه الله (ت: 538ه): “والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه، وعاد الحج في ذي الحجة، وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية، وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة”([10]).

ويقول الرازي رحمه الله (ت: 606ه): “اعلم أنَّ السنة عند العرب عبارة عن اثني عشر شهرا من الشهور القمرية، والدليل عليه هذه الآية، وأيضًا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5]، فجعل تقدير القمر بالمنازل علة للسنين والحساب، وذلك إنَّما يصح إذا كانت السنة معلَّقة بسير القمر، وأيضا قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، وعند سائر الطوائف: عبارة عن المدة التي تدور الشمس فيها دورة تامة، والسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار معلوم، وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة، وفي الصيف أخرى، وكان يشق الأمر عليهم بهذا السبب، وأيضًا إذا حضروا الحج حضروا للتجارة، فربما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجارات من الأطراف، وكان يخل أسباب تجاراتهم بهذا السبب، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة على ما هو معلوم في علم الزيجات، واعتبروا السنة الشمسية، وعند ذلك بقي زمان الحج مختصًّا بوقت واحد معين موافق لمصلحتهم، وانتفعوا بتجاراتهم ومصالحهم، فهذا النسيء وإن كان سببًا لحصول المصالح الدنيوية، إلا أنه لزم منه تغير حكم الله تعالى؛ لأنَّه تعالى لما خصَّ الحج بأشهر معلومة على التعيين، وكان بسبب ذلك النسيء يقع في سائر الشهور تغير حكم الله وتكليفه. فالحاصل: أنهم لرعاية مصالحهم في الدنيا سعَوا في تغيير أحكام الله وإبطال تكليفه، فلهذا المعنى استوجبوا الذم العظيم في هذه الآية”([11]).

إذن كانت العرب تفعل النسيء سواء بالتأخير أو الزيادة؛ لأهوائهم وليوافقوا مهرجاناتهم وتجاراتهم، فأبطل الإسلام ذلك، ومن العجيب أنَّ هذا هو عين ما يستدلّ به بعض أصحاب هذه النظرية، فيقولون: كانت العرب تعمل النسيء أو الكبيس ليوافق الحجّ موسم مهرجاناتهم أو موسم البرد، ويجب أن نعود إلى فعلهم، والسؤال هنا: هل نحن نتبع فعل العرب قبل الإسلام وقد جاء الإسلام فأبطله؟! وهل فعلهم حجة على المسلمين في العبادات؟!

الجواب: أنهم إن كانوا يفعلون ذلك فقد أبطله الإسلام، وربط الحج بشهر ذي الحجة الذي يعرف بهلال ذي الحجة، وإذا عرفنا أن السنة اثنا عشر شهرا فإن هلال ذي الحجة يطلع بعد كل أحد عشر هلالا، فيُعرف ويثبت.

أما الوجه الثاني فهو في الآتي:

ثالثًا: متى بدأ الخطأ؟

من أكثر ما يبين خطأ القول أنَّ هناك من يأتي ليخطِّئ المسلمين طيلة أربعة عشر قرنا وفي ركنين من أركان الإسلام، ثم لا يقدمون شيئًا واضحًا عن هذا الخطأ، فإنهم يقولون: رجع الزمان إلى هيئته في حجة الوداع، إذن متى حصل الخطأ مجدّدا؟

اختلف أصحاب هذه النظرية إلى أقوال، فمنهم من يقول: لا يهمّنا متى حصل، لكنه حصل وبقي أثره إلى يومنا هذا!

وآخر يدّعي أنَّ الخطأ وقع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه([12]).

وثالث يرى أنَّ الخطأ وقع من الأمويين لبغضهم للإسلام وإرادتهم طمس الهوية الإسلامية، أو لانشغالهم بأمور الحرب عن متابعة التقويم!

وسيأتي نقاش ادعاء أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من غيَّر التاريخ، لكن يقال هنا: هل يُعقل أن تقع الأمة في هذا الخطأ وهم في القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية، والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»([13]) ثم يسكت الصحابة والتابعون عنه؟!

الصحابة عُرف عنهم الشجاعة في قول الحق، فسواء غيره عمر بن الخطاب أو الدولة الأموية، هل يعقل أن يسكت كل هؤلاء العلماء أو يجهلونه؟! هل يعقل أن كبار السَّلف في عمًى وجهل ولم يعترض أحد منهم على التاريخ وهم في عهد الصحابة والتابعين؟! وهل يرضون التلاعب بالحج والصوم وهما ركنان من أركان الإسلام؟!

ولئن كانت الدولة الأموية فعلت ذلك نكاية بالإسلام -كما يدعيه بعض الشيعة- لِمَ سكتت عنه الدولة العباسية؟!

تغيير أمر كبير كهذا يجب أن يشهده كلّ الناس، ولئن كان البعض لا يستطيع التغيير لقوة السلطة -مثلا وهو بعيد- فإن العلماء قادرون على تغيير ذلك في الدولة الأخرى والتي هي على الضد من الأولى في كثير من الأمور.

غاية أدلتهم: أنه لا يوجد دليل على اعتناء المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بالتاريخ والتقويم، وهذا خطأ أولا؛ لأن الصحابة الكرام قد اهتموا بالتقويم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وثانيا: لا يُطالب الإنسان بدليل على اهتمام السلف بشيء مقرر ساروا عليه منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، وإنما يطالب بالدليل مَن ادعى عكس ذلك، فالبينة على من ادعى الخطأ لا على من يرى أن الصحابة والسلف لم يخطؤوا بل ساروا على ما كان عليه الأمر.

وهذا يقودنا إلى النقطة الرابعة:

رابعًا: أين الدليل؟

المسألة من المسائل التي تعم بها البلوى، وهي مسألة متعلقة بركنين من أركان الإسلام المفروضة على كل المسلمين، ومع كل هذه الأهمية هل يمكن أن يخلو القرآن الكريم بأكمله والأحاديث النبوية كلها عن إشارة واحدة تشير إلى اعتماد التقويم الشمسي، أو إلى زيادة الأيام ليناسب التقويم الشمسي، أو حتى إلى خطأ التقويم القمري؟!

فلا يُطالب بالدليل من يقول: إن التقويم القمري هو الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، فقد وردت عدة آيات وأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار الشهر القمري في العبادات، وسيأتي بيان ذلك.

لكن يُطالب بالدليل من يرى أن التقويم القمري خاطئ، وأنه يجب أن نغيره ليناسب الشمسي.

ودون إثبات ذلك بدليل واحد صحيح من الكتاب والسنة أو حتى بحديث ضعيف خرط القتاد.

وحتى إن تركنا الدليل الشرعي من الكتاب والسنة؛ أين الدليل التاريخي؟

أمرٌ كهذا يحدُث ويختفي في غياهب التاريخ لا يمكن أن يحصل، فكتب التاريخ دوَّنت كل شيء بما فيها الأحداث التي لا يُلقى لها بال، فكيف بمثل هذه الأحداث العظيمة، خاصة وأن التغيير متعمّد -حسب زعمهم- إما من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو من الأمويين؟! فكيف لو عرفنا أن التقويم يخص المسلمين كلهم شرقا وغربا؟! فلو حُرِّف في منطقة معينة ومنع حاكمها من الكتابة فيها كيف انتقل الخطأ إلى كل الديار؟! ولو كان ذلك بسبب السلطان كيف لم يؤرخ حتى من الكتابات غير الإسلامية؟!

ثم لا يقال: اختفى التقويم الصحيح بسبب الإهمال وعدم حرص الدولة الأموية على تدوين التاريخ أو عدم اهتمامهم بالتقويم؛ فمنذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد -حسب زعمهم- أي دليل على اهتمام الصحابة أو التابعين بعلم التقويم، نعم اهتموا بالتدوين، لكن لا يُذكر أنهم عيّنوا أناسا مهمتُهم زيادة أحد عشر يوما كل سنة، أو زيادة شهرا كل اثني عشر شهرًا، فكيف بقي التقويم محفوظا إلى عصر الأمويين؟!

هذا الادعاء -بالرغم من كل دغدغة المشاعر الذي يصاحبه- ادعاءٌ يفتقر إلى أي دليل شرعي أو تاريخي، وكل ما لديهم ظنونٌ وتخمينات. فحين سئل أحدهم: ما الدليل على أن التقويم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر كان هكذا ثم غُيِّر؟ قال: نعتقد ذلك، ولا يحتاج إلى دليل لأن السنة الهجرية مختلفة عن الشمسية فهذا هو الدليل!

ثم نعيد الكلام السابق لمناسبة السياق: إذا كانت الدولة الأموية هي من غيرت التقويم فأين أعداؤها؟ مخالفو الدولة فيهم العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد خاضوا خلافات عميقة وكبيرة مع الأمويين -وبالأخص مروان بن الحكم وعبد الملك رحم الله الجميع- ومع ذلك لم ينقل عن أحد أنه أثار هذه المسألة أو قال: إن بني أمية قد حرفوا التقويم ولعبوا بدين الله.

يضاف إلى هذا التواتر العملي، فلم يؤثر خلافٌ بين الأمة كلها في أن صيام شهر رمضان لا يصح لأن شهر رمضان مختلف عن الشهر الذي يصومه المسلمون، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا المعاصرون ممن اخترعوا هذا القول.

خامسا: أسماء الأشهر قبل الإسلام:

من أكثر ما يتمسَّك به هؤلاء أنَّ أسماء الشهور وضعتها العرب للدلالة على مناخ تلك الشهور([14])، فربيع الأول والثاني لأجل الربيع، ورمضان يأتي في الخريف، وهي شهور لا تتغير، فلا يمكن أن يأتي الربيع في غير فصل الربيع. فهل بالفعل كانت الشهور لا تتغير عند العرب، أم أنهم سمّوا ذلك لاعتبارات أخرى؟

ينقل ابن كثير رحمه الله نصًّا للسخاوي ثم يعلق عليه، يقول: “ذكر الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه (المشهور في أسماء الأيام والشهور) أن المحرّم سمي بذلك لكونه شهرا محرّما، وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه؛ لأن العرب كانت تتقلّب به، فتحلّه عاما وتحرّمه عاما… قال: وكانت الشهور في حسابهم لا تدور. وفي هذا نظر؛ إذ كانت شهورهم منوطة بالأهلة، ولا بدّ من دورانها، فلعلهم سموه بذلك أول ما سمّي عند جمود الماء في البرد”([15]).

والذي يعنينا هنا قول ابن كثير: “كانت شهورهم منوطة بالأهلة، ولا بد من دورانها”، فبعض أسماء الشهور عند العرب مرتبطة بالمناخ بلا شكّ، لكن ذلك كان عند أول وضعهم للأسماء، بل يذكر عدد من العلماء أن العرب لا تقول: ربيع، وإنما تضيف كلمة الشهر فتقول: شهر ربيع، يبين أبو علي الأصفهاني (ت: 421ه) سبب ذلك فيقول: “والشّهور كلّها مذكّرة سوى جماديين، ولا يذكرون من شهر كذا إلا في ثلاثة أشهر: شهر رمضان وشهرا ربيع؛ لأنّ الربيع وقت من السّنة، فخافوا إذا قالوا: من ربيع أن يظنّ أنه من الرّبيع الذي قبل الخريف”([16])، فهم يخافون أن يختلط شهر ربيع بربيع المناخ فيقولون: شهر ربيع، وهذا يعني أن الشهر منفصل عن فصل الربيع، وأن هذا مستقرّ عندهم، وهو ما يؤكّده الفيروزآبادي (ت: 817ه) فيقول: “والربيع: ربيعان، ربيع الشهور، وربيع الأزمنة، فربيع الشهور: شهران بعد صفر، ولا يقال إلا: شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر، وأما ربيع الأزمنة، فربيعان: الربيع الأول الذي يأتي فيه النور والكمأة، والربيع الثاني الذي تدرك فيه الثمار”([17]).

وهو ما يؤكِّده الفيومي (ت: 770ه) فيقول: “قال بعضهم: إنما التزمت العرب لفظ شهر قبل ربيع لأن لفظ ربيع مشترك بين الشهر والفصل، فالتزموا لفظ شهر في الشهر وحذفوه في الفصل للفصل”([18]).

ويذكر جواد علي أنَّ هذا هو الدارج عند العرب، فيقول وهو يتحدث عن تاريخ العرب قبل الإسلام: “والربيع جزء من أجزاء السنة، وهو عند العرب ربيعان: ربيع الشهور وربيع الأزمنة”([19]).

الأمر نفسه ينطبق على كلمة “رمضان”، فإنَّهم يدّعون أنَّ شهر رمضان مرتبط بالخريف.

بداية: عرَّفت المعاجم كلمة رمضان، وأنها من الرَّمض، أي: شدَّة الحر، يقول ابن فارس (ت: 395ه): “(رمض) الراء والميم والضاد أصل مطَّرد يدل على حدَّة في شيء من حر وغيره. فالرمض: حر الحجارة من شدة حرِّ الشمس. وأرض رمضة: حارة الحجارة. وذكر قوم أن رمضان اشتقاقه من شدّة الحر؛ لأنهم لما نقلوا اسم الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة، فوافق رمضان أيام رمض الحر”([20]).

ونلاحظ في هذا النَّصِ أنَّه يذكر أنَّ رمضان من الرَّمض وهو شدَّة الحر، كما يؤكّد على نقطة سابقة ذكرتها، وهي: أنَّ العرب سمَّت الشهور بأسماءٍ وافقت أزمنة في وقت التسمية، فوافق رمضان أيام رمض الحر، فحتى عند التسمية كان رمضان في الحر لا في اعتدال الخريف.

فرمضان العرب هو رمضان القرآن الكريم، ويأتي كلَّ اثني عشر شهرا، فأين هذا من الرمضان الخريفي الذي ينادون إليه؟!

ثم لمَّا لم يجدوا في المعاجم من قال: إن رمضان في الخريف تمسَّكوا بقول ابن منظور (ت: 711ه) في لسان العرب: “والرمضي من السحاب والمطر: ما كان في آخر القيظ وأول الخريف”([21])، وقد تمسَّكوا بهذا القول اليتيم للدلالة على أنَّ رمضان سمِّي بذلك لأنه جاء في الخريف، وهذا شِبْه تلبيس، فإنَّ ابن منظور يتكلَّم عن الرمضي، وهو المطر يأتي قبل الخريف ويلقى الحر الشديد، فأصل الرمض هو الحرّ الشديد، والرمضي تسمية من التسميات علاقتها بالحر لا بالخريف، فإنه يسمّى رمضيًّا لأنه يأتي في الحر كما يقول ابن منظور نفسه: “وإنما سمي رمضيًّا لأنه يدرك سخونة الشمس وحرها. والرمض: المطر يأتي قبل الخريف، فيجد الأرض حارة محترقة”([22])، ثم يقول ابن منظور -وهو النَّص الذي لا ينقلونه-: “قال ابن دريد: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر وشدته فسمي به… وشهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش”([23])، وهذا يوافق جميع ما مرَّ سابقًا من أن رمضان مأخوذ من الرَّمض وهو شدة الحر، وأن العرب قد سمت الأسماء بحسب الأزمنة التي وافقتها، ولا يعني ذلك أن تبقى ثابتة فيها، بل تتغير لكل الفصول، ولهذا يضيفون كلمة شهر على ربيع حتى لا يختلط ربيعٌ بربيعٍ.

ثم إنهم يقولون: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»([24])، فوجب أن يرتبط هذا الشهر بمناخ معين حتى يُعرف، لكن أين قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن شهر ذي الحجة يجب أن يرتبط بمناخ معين؟! وكيف يُفهم من قوله: «استدار» أنه يدور على مناخ معين؟! لم لا يمكن أن يدور كل اثني عشر شهرا وهو المراد؟! وكونه عاد كهيئته، أي: بعد تلاعب العرب بالنسيء، فحرم النسيء وثبتت الأشهر.

سادسًا: النسيء:

ما ينادي به هؤلاء هو ما جاء ذمّه في القرآن الكريم، وهو النسيء، فقد ذمه الله في قوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37].

ومن العجيب أن بعضهم ينادي صراحة بالنسيء ويقول: فعلٌ كانوا يفعلونه في الجاهلية ويجب أن نعود إليه حتى نقوِّم التقويم، وينكر آخرون أن ما ينادون به هو النسيء المذموم، فالنسيء هو استبدال شهر بشهر، لا زيادة شهر أو أيام في السنة، وفي الحقيقة فإن النسيء قد ذكر فيه العلماء معنيين هما:

الأول: أنهم يؤخّرون تحريم الشهور، فإذا جاء شهر المحرم وأرادوا فيه قتالا أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر، وعلى هذا فإن الشهور باقية إلا أن التحليل والتحريم هو المتغير.

يقول الفراهيدي (ت: 170ه): “كان القلمس الكناني مِن نَسَأَة الشهور على معد. كان يقف في الجاهلية عند جمرة العقبة، فيقول: اللهم إني ناسئ الشهور، واضعها مواضعها، وإني لا أعاب ولا أجاب. اللهم إنِّي أحللت أحد الصفرين، حرمت صفر المؤخر، وكذلك في الرجبين، شعبان ورجب، ثم يقول: انفروا على اسم الله، فذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ}”([25]).

الثاني: أنَّ العرب في الجاهلية كانوا يضيفون أياما على السنة القمرية، وهو ما حرمه الله في كتابه، يقول جواد علي: “وقد تعرض البيروني لموضوع النسيء عند العرب، فقال: وكانوا في الجاهلية يستعملونها على نحو ما يستعمله أهل الإسلام. وكان يدور حجهم في الأزمنة الأربعة. ثم أرادوا أن يحجوا في وقت إدراك سلعهم من الأدم والجلود والثمار وغير ذلك، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة، وفي أطيب الأزمنة وأخصبها؛ فتعلّموا الكبس من اليهود المجاورين لهم وذلك قبل الهجرة بقريب من مئتي سنة، فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل اليهود من إلحاق فضل ما بين سنتهم وسنة الشمس شهرًا بشهورها إذا تم… ويسمون هذا من فعلهم: النسيء؛ لأنهم كانوا ينسؤون أول السنة في كل سنتين أو ثلاث شهرًا، على حسب ما يستحقه التقدم”([26]).

وعلى المعنيين لا دليل لأصحاب هذه النظرية، بل هو دليل عليهم، فعلى المعنى الأول كانت العرب تؤخّر تحريم شهر إلى آخر مع بقاء الأشهر كما هي، ولا يوجد فيه دليل على أنه يزيدون أياما، فيبقى أصحاب النظرية بلا دليل، وعلى المعنى الثاني وهو ما يريدونه ويرون الرجوع إليه، فإن الله قد ذمه في القرآن الكريم ذمًّا مطلقًا.

سابعًا: إرادة الله اليسر:

من الأدلة التي يستدلُّ بها أصحاب هذه النظرية قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، فيرون أن إرادة اليسر هنا هو أن يكون الصيام في الاعتدال الخريفي، فيكون الصيام قرابة نصف اليوم ولا يزيد عن ذلك.

لكن إرادة اليسر هنا مرتبطة بصيام المريض والمسافر إذ قال الله في نفس الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، يقول ابن كثير رحمه الله (ت: 774ه): “{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} أي: إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح، تيسيرا عليكم ورحمة بكم”([27]).

ثم إن كانت الآية عامة تشمل الصيام كله فإنَّ اليسر هنا لا يعني أن يصوم الإنسان نصف اليوم، ولو كان كذلك لنبه عليه القرآن، خاصة وأن أصحاب هذه النظرية يدعون أن السنة عادت إلى ما كانت عليه بعد التلاعب في حجة الوداع حين قال النبي صلى الله علي وسلم: «الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»([28])، فكيف صام النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه طيلة تسعة أعوام؟! فقد فرض الصيام في السن الثانية، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فكيف لا يأتي تصحيح التقويم إلا في السنة العاشرة من الهجرة؟!

ثامنًا: السنة القمرية ليست بدعة عمرية:

يحلو لكثير من أصحاب هذه النظرية أن ينسبوا تحريف التقويم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه هو من اعتمد التاريخ الهجري، فهم يرون أن الناس كانوا على التقويم الصحيح ويزيدون في السنة أياما إلى أن أبطل ذلك عمر رضي الله عنه، وهذا غير صحيح لوجوه:

1- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يخترع الشهور، ولم يزد فيها أو ينقص منها، فالأشهر كانت موجودة عند العرب كما هو معلوم، وكلّ ما فعله عمر بن الخطاب هو أنه اختار بداية التقويم، بمعنى: الجميع يعلم أن السنة اثنا عشر شهرا، وهي معروفة، لكن نقول: شعبان من السنة الأولى أم الثانية أم من أيِّ سنة؟ فاختاروا أن يكون التاريخ بدءًا من سنة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فالأشهر بقيت كما هي، وإنما قيل فقط: شعبان من السنة الأولى من الهجرة أو العاشرة من الهجرة وهكذا. كما أنهم جعلوا المحرم هو أول الشهور، فسواء أرخ عمر بن الخطاب من هذه السنة أو لم يؤرخ كانت الأشهر اثني عشر شهرا، ورمضان يعود بعد انقضائه بأحد عشر شهرا وكذلك الحج.

2- لم يكن هذا فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحده، بل هو اختيار الصحابة الكرام، يقول ابن كثير (ت: 774ه): “عن محمد بن سيرين قال: قام رجل إلى عمر فقال: أرِّخوا. فقال: ما أرِّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم، يكتبون: في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: حسنٌ، فأرِّخوا. فقالوا: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه. وقالوا: من وفاته. ثم أجمعوا على الهجرة. ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان. ثم قالوا: المحرم، فهو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام. فاجتمعوا على المحرم”([29]).

تاسعًا: المناسبات الدينية مرتبطة بالهلال:

على عكس ما يريدون إثباته من أن السنة القمرية يجب أن تعدل إلى الشمسية لارتباط العبادات بالمناخ الثابت من خريف أو شتاء، فإننا نجد أن العبادات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأشهر القمرية، فالسنة الشمسية لا علاقة لها بالعبادات والسنة القمرية، فهما سنتان مختلفتان، ولا أدري بأي نص شرعي يريدون أن ندمج السنتين ونجعلهما سنة واحدة؟! وما الداعي لذلك؟!

أما الشهر القمري فالعبادات مرتبطة به، كالصيام، فإنه مرتبط بشهر رمضان، وبرؤية الهلال كما يقول صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ»([30]).

وكذلك الحج، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].

فجعل الله الأهلة هي المواقيت، وهي التي تنبئ بدخول موسم العبادات، ولو كان مُهمًّا أن نزيد أياما كل سنة لبيَّنه الله تعالى، خاصة وأننا إذا أضفنا أحد عشر يوما نهاية السنة سيكون قد انتصف الشهر القمري، فأي شهر نحسبه؟!

وأخيرا:

أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نربط صيامنا برؤية هلال شهر رمضان، وهو المتفق عليه الثابت بين المسلمين، ولا ينقض هذا التواتر طوال أربعة عشر قرنًا أن يأتي من لا دليل له -لا شرعي ولا تاريخي- ثم يدعي أن التقويم بأكمله خاطئ، وقد رأينا كمية الأخطاء التي تحيط بهذه النظرية، كما أنها نظرية فوضوية، سواء في الاستدلال أو في النتائج، ففي الاستدلال ليس لهم دليل شرعي، ودليلهم التاريخي مظنون، فهم يدعون أن عمر بن الخطاب هو من غير التقويم، ويدعي آخرون أنها الدولة الأموية!

كما أنها فوضوية في نتائجها، فبعضهم ينادي بإضافة أحد عشر يوما نهاية السنة، وآخرون ينادون بإضافة شهر كل اثنين وثلاثين شهرا، بالرغم من أن التقويمين مختلفان، ولم يرد أي دليل على وجوب ربطهما أو تقويم أحدهما على الآخر.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).

([2]) المغني (3/ 104).

([3]) تنظر ورقة علمية بعنوان: (صيام رمضان.. بين جزم الشارع وتخيير المتهوكين) على:

https://salafcenter.org/4805/

([4]) ينظر: أحمد المتعافي في كتابه: التقويم العربي والأشهر الحرم ورمضان والنسيء.

أحمد عبده ماهر على:

https://www.youtube.com/watch?v=UWUJKNZMnhg

https://www.youtube.com/watch?v=rHECCHVMgfM&t=444s

ويوسف زيدان على:

https://www.youtube.com/watch?v=7jGsnBAmBU8

وإهاب فهمي على:

http://ehabfahmy.blogspot.com/2016/06/blog-post_10.html?m=1

ورشيد إيلول على:

https://www.youtube.com/watch?v=DH4y4RvGNPg

([5]) ينظر: إهاب فهمي على:

http://ehabfahmy.blogspot.com/2016/06/blog-post_10.html?m=1

([6]) تفسير القرطبي (8/ 132-133).

([7]) تفسير القرطبي (8/ 133).

([8]) تفسير الرازي (16/ 40).

([9]) أخرجه البخاري (3197)، ومسلم (1679).

([10]) تفسير الزمخشري (2/ 269).

([11]) تفسير الرازي (16/ 40).

([12]) ويدعيه أحمد ماهر وغيره.

([13]) أخرجه البخاري (2651).

([14]) ذكره أحمد ماهر وغيره.

([15]) تفسير ابن كثير (4/ 146).

([16]) الأزمنة والأمكنة (ص: 470).

([17]) القاموس المحيط (ص: 718).

([18]) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 216).

([19]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (16/ 76).

([20]) مقاييس اللغة (2/ 440).

([21]) لسان العرب (7/ 161).

([22]) لسان العرب (7/ 161).

([23]) لسان العرب (7/ 161)

([24]) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3197)، ومسلم برقم (1679).

([25]) العين (5/ 253).

([26]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (16/ 124).

([27]) تفسير ابن كثير (1/ 503).

([28]) أخرجه البخاري (3197)، ومسلم (1679).

([29]) البداية والنهاية (4/ 511).

([30]) أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017