عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
تمهيد:
من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما من أحد إلّا وهو عُرضة للخطأ، فالخطأ من طبيعة البشر.
ولا يخفى ما لعلماء الحنابلة -رحمهم الله- من جهودٍ عظيمة في نشر عقيدة السّلف والدّفاع عنها، غير أنّ بعضَهم لم يسلم من الوقوع في زلّات اعتقاديّة خالفوا فيها مذهب السّلف الذي اشتهرَ إمامُهم بحمل رايته والدّفاع عنه؛ فكانت هذه الرسالة لبيان غلط بعض المخالفين الذين يشكِّكون في اعتقاد السلف، ويرمون أهله بالتجسيم، تمسكًا ببعض الآراء التي خالف فيها بعض الحنابلة اعتقادَ السلف.
المعلومات الفنية للكتاب:
عنوان الكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها.
اسم المؤلف: بندر بن عبد الله بن محمد الفايز.
دار الطباعة: دار طيبة الخضراء، مكة المكرمة، العزيزية.
رقم الطبعة وتاريخها: الطَّبعة الأولَى، عام 1445هــــــ / 2023م.
حجم الكتاب: يبلغ عدد صفحاته (571) صفحة، وطبع في مجلد واحد.
أصل الكتاب: رسالة علمية نال بها الباحث درجة الماجستير، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى لعام 1445هـــ – 2023م، من جامعة القصيم، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة.
مشكلة البحث:
تتلخّص مشكلة البحث في الأسئلة التّالية:
1- ما العلاقة بين الحنابلة والسّلف في الاعتقاد؟
2- ما المسائل التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف؟
3- ما أسباب وقوع بعض الحنابلة في مخالفة السّلف في الاعتقاد؟
4- هل هم في مخالفاتهم تلك موافقون لاعتقاد الإمام أحمد الذي هو أحد أئمّة السّلف أم مخالفون؟
5- ما موقف أهل السنة والجماعة من تلك المخالفات؟
أهميّة الموضوع:
تبرز أهميّة هذا الموضوع وأسباب اختياره من خلال ما يلي:
1- الرّغبة في الاطّلاع العميق على التّراث العقديّ الحنبليّ، لا سيّما أنّ الحنابلة معروفون بكونهم -في الجملة- من أبعد النّاس عن الطّرق الكلاميّة والمناهج الفلسفيّة، ومن أحرصهم على تعظيم السّلف واقتفاء آثارهم والاقتداء بطريقتهم.
2- بيان غلط بعض المخالفين -وخصوصًا المتأخّرين- الذين يحاولون التّشكيك في اعتقاد السّلف ورمي أهله بالتّجسيم والابتداع وغير ذلك؛ تمسُّكًا ببعض الآراء التي أخطأ فيها بعضُ الحنابلة وخالفوا فيها اعتقادَ السّلف وطريقتَهم.
3- محاولة تسليط الضّوء على تلك المخالفات وتلمّس الأسباب التي أدّت إليها.
4- أنّ كثيرًا من طلّاب العلم يُعنَون بكتب الحنابلة في العقيدة؛ لاعتقادهم أنها تمثّل اعتقاد السّلف بدقّة، غافلين عمّا قد يوجد في بعضها من الهفوات العقديّة تقريرًا أو استدلالًا؛ مما يُبرز أهمّيّة البحث عن مصادر الخلل والتّنبيه عليها.
أهداف البحث:
تتلخّص الأهداف التي يسعى البحث لتحقيقها فيما يلي:
1- حصر المسائل التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقادَ السّلف.
2- دراسة أسباب وقوع بعض الحنابلة في مخالفة السّلف في الاعتقاد.
3- بيان موقف أهل السنة والجماعة من مخالفات بعض الحنابلة لاعتقاد السّلف.
4- إبراز جوانب الاتّفاق بين الحنابلة والسّلف في الاعتقاد.
العرض التفصيلي للكتاب:
الكتاب قسم إلى: مقدّمة، وتمهيد، وستة فصول، وخاتمة.
التّمهيد: فيه تعريف مجمل بالحنابلة، وبيان جهودهم في تقرير عقيدة السّلف والدّفاع عنها.
فالحنابلة هم أتباع الإمام أحمد (241هــ)، ومذهبه أحد المذاهب الأربعة التي نشأت في أوقات متقاربة من القرن الثاني والثالث الهجريين.
وأما عن جهودهم في تقرير عقيدة السلف، فالحنابلة منذ عصر الإمام أحمد هم حملة لواء الدفاع عن عقيدة السلف، وقد عانوا في سبيل ذلك أشد المعاناة، ومن ذلك:
– ما حصل لإمامهم في محنة خلق القرآن.
– ما تعرض له البربهاري (329هــ) -شيخ الحنابلة في زمانه- لما كثر أتباعه فأغاظ ذلك المبتدعة، فألبوا السلطان عليه، وقبضوا على كبار أصحابه.
– ما حدث لأبي إسماعيل الهروي (481هــ)، فقد عُرض على السيف خمس مرات.
– ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية (728هــ) من الابتلاء والحبس والتضييق، حتى طُلب قتله أكثر من عشرين مرة.
وقد تنوعت جهود الحنابلة في تقرير عقيدة السلف من خلال الآتي:
1- الكتب المفردة ومن أمثلتها:
- الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد.
- الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لابن بطة العُكبري (387هــ).
- الرد على المبتدعة لابن البنا الحنبلي (471).
- لمعة الاعتقاد لابن قدامة (620ه).
- العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
- التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب (1206هــ).
- ما لا بد منه في أمور الدين لأبي بكر خوقير (1349هــ).
الفصل الأوّل: العلاقة بين الحنابلة واعتقاد السلف، وأسباب مخالفة بعض الحنابلة لاعتقاد السلف، وموقف أهل السنة والجماعة منها.
ذكر تحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: العلاقة بين الحنابلة واعتقاد السّلف.
بدأ المصنف بتعريف اعتقاد السلف، وخلص إلى أنه: ما كان عليه أصحاب القرون المفضلة من الالتزام بالكتاب والسنة والتمسك بهما والسير على منهج واضح منضبط في التعامل معهما.
ثم ذكر لاعتقاد السلف خصائص ميزته عن غيره منها:
- أن اعتقادهم مستقى من الوحي الإلهي، فلا تجد فيه تناقضًا ولا اضطرابًا ولا تغيرًا.
- لم يختلفوا في شيء من أصول الدين رغم اختلاف الأعصار والأمصار.
- أن في اعتقادهم راحة وطمأنينة وسعادة لا يجدها من يخالف اعتقادهم.
- الوضوح والسهولة؛ وذلك لموافقته الفطرة والعقل.
- الوسطية بين الفرق في سائر أبواب الاعتقاد.
- أن أصحابه المقتدى بهم هم الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم خلص إلى أنه بين الحنابلة واعتقاد السلف عموم وخصوص وجهي؛ فعامة الحنابلة على اعتقاد السلف -في الجملة- وليس كل من كان على اعتقاد السلف فهو حنبلي، وخروج بعض الحنابلة عن اعتقاد السلف الخالص لا يؤثر على الأصل العام الذي كان عليه عامة الحنابلة على اختلاف الأعصار والأمصار.
وذكر المصنف في هذا المبحث بعض دعاوى مخالفي الحنابلة لتشويه اعتقادهم وبين عدم صحتها ومن هذه الدعاوى:
أولًا: أن فضلاء الحنابلة أشاعرة:
وردّ على هذه الدعوى بأن من ذكر هذه الدعوى لم يذكر من هم فضلاء الحنابلة حتى يتحقّق من أشعريتهم، بل قال ابن عبد الهادي: “لا نعلم أحدًا كان أشعريًّا ولا يحبّ النسبة إليهم إلا ما يحكى عن الطوفي”.
ثانيًا: أن من الحنابلة مجسّمة أو مشبّهة:
وردّ على هذه الدعوى بأن من وصم الحنابلة بالتشبيه اعتمد على كتاب ابن الجوزي “دفع شبهة التشبيه”، مع أنه لم يذكر من الحنابلة إلا ثلاثة فقط هم: أبو عبد الله ابن حامد والقاضي أبو يعلى وابن الزغواني، وحتى هؤلاء الثلاثة لا يقرون بما اتهموا به، بل ينفونه.
ثالثًا: أن الحنابلة حشوية:
وردَّ على هذه الدعوى بأن لفظ الحشوية ليس له مسمّى معروف لا في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف العام، بل أشهر من يطلِق هذا القلب هم نفاة الصفات، يطلقونه على من يثبتها.
المبحث الثاني: أسباب مخالفة بعض الحنابلة لاعتقاد السلف.
ذكر المصنف لذلك عدة أسباب، أجملها في الآتي:
السبب الأول: التمسك برواية ضعيفة عن الإمام أحمد.
السبب الثاني: الخطأ في فهم كلام الإمام أحمد.
السبب الثالث: الاحتجاج بالآثار الضعيفة.
السبب الرابع: عدم معرفة قول السلف.
السبب الخامس: الأثر الكلامي، سواء بمخالطة أهل الكلام أو بالاطلاع على كتبهم.
ثم ذكر المصنف للأسباب السالفة أمثلة كثيرة تبين مراده وتؤكِّد عليه.
المبحث الثالث: موقف أهل السنة والجماعة من مخالفة بعض الحنابلة لاعتقاد السلف.
دأب أهل العلم على الاعتذار والتوجيه لكلام المخطئ ما وجدوا له طريقًا من غير تكلف، ولكن هذا لا يعني التعسّف في التأويل لمن وقع في مخالفة الشرع صراحةً، فإن ثبت وقوع العالم في الزلة فيمكن بيان موقف أهل السنة والجماعة من خلال الآتي:
1- بيان الحق في المسألة؛ وهذا لحفظ الشريعة وصيانتها، ولئلا يتابَع العالم في زلته.
2- حفظ قدر العالم ومكانته وحرمته.
3- عدم الاقتداء بزلة العالم.
4- نسبة زلة العالم له لا إلى الشريعة، ولا إلى أهل السنة والجماعة.
الفصل الثّاني: المخالفات المتعلّقة بمسائل توحيد الرُّبوبيّة.
وتحته مبحثان:
المبحث الأوّل: أوّل واجب على المكلّف.
بين الباحث أن المنطلقات للكلام في هذه المسألة عند أهل السنة يختلف عن الكلام عليها عند أهل الكلام، فأهل السنة بحثهم لها لكونها من مسائل توحيد الألوهية، بينما المتكلِّمون بحثهم لها لكونها من مسائل توحيد الربوبية، ونبَّه على أن بعض الحنابلة القائلين بأنَّ النظر أول واجب على المكلف، وإن كان قولهم مخالفًا للنصوص الشرعية، إلا أنه لا يلزم من ذلك أن يكونوا قائلين بالنظر الكلامي وإيجاب تفاصيله؛ لأن قولهم بوجوب النظر إنما كان مجملًا، وضرب أمثلة لذلك من كلام ابن الجوزي (597هــ)، وابن حمدان (695هــ)، وابن النجار (968هــ).
المبحث الثّاني: التّحسين والتّقبيح العقليّان.
بيّن المصنف أن الخلاف في الحسن والقبح إنما هو في بعض أنواعه، وأن محل النزاع هو فيما يطلق بمعنى المدح والذم والثواب والعقاب، فالمعتزلة ذهبوا إلى القول بالتحسين والتقبيح العقليين، وهذا متوافق مع تعظيمهم للعقل وتعويلهم عليه، أما الأشاعرة فوقفوا في الطرف المقابل للمعتزلة، فنفوا التحسين والتقبيح العقليين، وأما أهل السنة فهم وسط بين القولين.
الفصل الثالث: المخالفات المتعلّقة بمسائل توحيد الأُلوهيّة.
وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: المخالفات المتعلّقة بالشّرك.
هذا المبحث مكون من مطلبين:
المطلب الأول: الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقسم المصنف الاستغاثة بالمخلوق لثلاثة أنواع:
الأول: الاستغاثة بالحي الحاضر القادر، وهذه جائزة بالإجماع.
الثاني: الاستغاثة بالحي الحاضر فيما لا يقدر عليه، وهذه لغو وسخرية.
الثالث: الاستغاثة بالميت أو الغائب أو الحي الحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذه شرك بالإجماع، وهو مشهور عند الحنابلة، تناقلوه في كتبهم على اختلاف أعصارهم وأمصارهم.
المطلب الثاني: حل السحر بمثله:
وبيَّن فيه أن التحريم هو قول السلف، وأخذ به جماعة من الحنابلة، وأجاب المصنف عن أدلة بعض من قال بالجواز من الحنابلة، وبين أن رأي الإمام أحمد هو التحريم، وبين وجه توقف الإمام أحمد في حلّ المسحور بسحر.
المبحث الثاني: المخالفات المتعلقة بوسائل الشرك.
وهذا المبحث مكوَّن من أربعة مطالب:
المطلب الأول: التوسل بالصالحين.
وهذه المسألة يذكرها الحنابلة في ثلاثة مواضع، ولكل موضع سياقه الخاص به، وهي: حال الدعاء، كقول بعضهم: أسألك بجاه نبيك، وهو توسل بالجاه، وهو من التوسل غير المشروع. والموضع الثاني: حال زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا توسل غير مشروع. والموضع الثالث: في باب الاستسقاء، وهذا الموضع يكتنفه شيء من الإجمال، فهو دائر بين أن يكون مقصودهم التوسل بدعاء الصالحين، أو التوسل بذواتهم وجاههم.
والذي يظهر أن مقصود الحنابلة بالتوسل بالصالحين هو التوسل بدعائهم، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون مقصود بعض متأخريهم هو الذات والجاه.
وناقش من قال من الحنابلة بجواز التوسل بالجاه، وبين أن أدلتهم دائرة بين أمرين: صحيحة غير صريحة، أو صريحة غير صحيحة.
المطلب الثاني: التبرك بالصالحين.
بدأ المصنف بتعريف التبرك المشروع، ثم بين أنواع التبرك من حيث المشروعية وعدمها، فالمشروع ما ثبت بركته بالشرع، وفعله على الوجه الذي ورد به، وغير المشروع هو طلب البركة مما لم يثبت بركته بالشرع، أو ثبتت لكن فُعِل على غير الوجه الذي ورد به.
وقد وقع بعض الحنابلة في بعض صور التبرك غير المشروع ومن هذه الصور:
الصورة الأولى: التبرك بذوات الصالحين الأحياء وآثارهم، وهذا فعله الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم يفعلوه فيما بينهم، وقد قال بالمنع جماعة من الحنابلة، وهو منصوص الإمام أحمد، لكن قال بعض الحنابلة بالجواز، منهم ابن هبيرة، وتبعه ابن الجوزي.
الصورة الثانية: تقبيل القبور أو حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، والمروي في ذلك عن السلف النهي والمنع، وهو منصوص الإمام أحمد، لكن قال بعض الحنابلة بالكراهة فقط، منهم الحجاوي، وتبعه على ذلك مرعي الكرمي وابن بلبان والبعلي.
الصورة الثالثة: التمسح بالقبور، والمروي في ذلك عن السلف النهي والمنع، وهو منصوص الإمام أحمد، لكن قال بعض الحنابلة بالكراهة فقط، منهم السامري وابن النجار، وعلى هذا فلم يقل أحد من الحنابلة بمشروعية التبرك بتقبيل القبور أو التمسح بها، بل أقل الأحوال عندهم القول بالكراهة.
المطلب الثالث: الطواف بالقبور.
الطواف عبادة ولم ترد مشروعيته إلا بالكعبة، وعلى هذا فالطواف بغير الكبة كالقبور ونحوها بقصد التقرب لغير الله تعالى شرك أكبر.
أما إذا قصد بطوافه التقرب إلى الله تعالى، فهذا فيه قولين عن الحنابلة:
الأول: أنه محرم ووسيلة إلى الشرك، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
الثاني: أنه مكروه، وهذا نص عليه بعض الحنابلة كالحجاوي ومرعي الكرمي، غير أنه وإن نص على الكراهة إلا أن الظاهر أنه لم يرد الكراهة التنزيهية وإنما أراد التحريمية.
المطلب الرابع: البناء على القبور، وفيه مسائل:
الأولى: بناء المساجد على القبور.
الثانية: دفن الميت في المسجد.
الثالثة: دفن الميت في بيته.
الرابعة: البناء على القبور في المقابر المسبّلة.
الخامسة: البناء على القبور في الملك الخاص.
وقد جاءت الروايات عن الإمام أحمد تدل على التحريم والمنع من البناء على القبور.
المبحث الثالث: المخالفات المتعلقة بالبدع العملية:
وهذا المبحث مكون من مطلبين:
المطلب الأول: التلفظ بالنية.
الذي اتفق عليه السلف أن النية محلها القلب، فلو نوى بقلبه ولم ينطق بلسانه أجزأه، ولو نطق بلسانه ولم ينو بقلبه لم يجزئه.
أما المسألة التي خالف فيها بعض الحنابلة السلف فهي التلفظ بالنية سرًّا، وأول من قال منهم بذلك القاضي أبو يعلى، ثم تبعه تلميذه أبو الخطاب الكلوذاني وجماعة من الحنابلة.
والمروي عن الإمام أحمد في هذه المسألة هو عدم القول بالتلفظ بالنية.
المطلب الثاني: شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
حرر المصنف محل النزاع في هذه المسألة وهو قصد السفر لزيارة القبر فقط، وبين أن المنقول عن متقدمي الحنابلة فيها التحريم، لكن خالف في ذلك بعض الحنابلة فقالوا بالإباحة، وأول من قال ذلك ابن عبدوس، ثم أخذ بهذا القول ابن قدامة، ثم أخذ به بعض الحنابلة حتى أصبح هو المذهب.
الفصل الرابع: المخالفات المتعلّقة بمسائل الصّفات.
وتحته خمسة مباحث:
المبحث الأوّل: تأويل بعض الصّفات.
الأصل عند عامة الحنابلة هو إثبات الصفات وعدم تأويلها التأويل الفاسد، ومذهبهم في هذا الباب مشهور، وفي كتبهم مسطور، وكلامهم في هذا أشهر من أن يذكر وأكثر من أن يسطر، حتى نقله عنهم غير الحنابلة.
بل وورد عنهم استهجانهم وإنكارهم على من وقع في التأويل منهم، كرد ابن قدمة على ابن عقيل، وردهم على ابن الجوزي، وإنكار عبد الله بن محمد البغدادي على السامري صاحب المستوعب تأويله لبعض الصفات.
ومع ذلك فإن أكثر من وقع من الحنابلة في التأويل لم يكن وقوعه فيه متمحِّضًا ولا غالبًا، وإنما مجرّد شبهة عرضت للعالم، إما بناء على أصل بدعيّ، أو عدم تحقيقه لمذهب السلف، أو بناء على رواية ضعيفة للإمام أحمد، أو ظنًّا منه أن هذا ليس تأويلًا مذمومًا.
وكثير منهم لم يخلُ حالُه مما يلي:
1- الاضطراب بين الإثبات والتأويل الفاسد، كابن الجوزي.
2- التراجع عن التأويل، كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل.
3- تقرير تحريم التأويل بنصوص محكمة وصريحة، كابن حمدان، والطوفي، وابن بدران.
المبحث الثاني: القول بتفويض معاني بعض الصفات.
الذي سار عليه أكثر الحنابلة هو ما سار عليه السلف من إثبات معاني الصفات على ظاهرها المتبادر منها اللائق بالله تعالى حقيقة لا مجازًا، وقد جاءت النصوص عن الحنابلة في ذلك صريحة، مع تفسيرهم لجملة من الصفات، كصفة النزول، والاستواء على العرش، وصفة الرجل والقدم واليد، والمجيء والإتيان، وصفة الغضب.
أما ما ورد عن الحنابلة من عبارات توهم عدم إثباتهم لمعاني الصفات كقولهم عن نصوص الصفات: أمروها كما جاءت، أو أنها لا تفسَّر، أو أنها من المتشابه، فإنها عبارات لها مدلولها ومقصودها ممن أطلقها.
وقد استعمل هذه العبارات جماعة من الحنابلة وغيرهم، ومع ذلك يثبتون معاني الصفات، مما يدل على أنها لا تدل بذاتها على أن من أطلقها يفوِّض معاني الصفات.
وهذا لا ينفي وجود جماعة من الحنابلة قالوا بتفويض بعض معاني الصفات، منهم: القاضي أبو يعلى، وابن عقيل، وابن الجوزي، والطوفي، ومرعي الكرمي، والسفاريني.
ومنهم من لم يتحقَّق قطعًا قوله بتفويض معاني بعض الصفات، ومنهم: ابن الزغواني، وابن هبيرة، وابن قدامة، وابن حمدان.
المبحث الثالث: القول بعدم تعلّق كلام الله تعالى بالمشيئة.
ممن قال ذلك من الحنابلة القاضي أبو يعلى، وتبعه على ذلك أبو الفرج الشيرازي، وأبو الخطاب الكلوذاني، وابن عقيل، وابن الزغواني، وابن حمدان، والطوفي.
لكنهم استدلّوا بأدلة في حقيقتها تدلّ على تعلّق كلام الله بالمشيئة، والمروي في ذلك عن الإمام أحمد أن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا إذا شاء.
المبحث الرابع: الزيادة في الإثبات.
المقرر عند السلف أن باب الأسماء والصفات توقيفيّ، وقد وقع في إثبات ما لم يرد به النص طوائف، وهذا عند أهل الحديث أكثر منه عند المتكلمين.
وقد وقع بعض الحنابلة في مخالفة السلف في الزيادة في الإثبات، وأول من قال ذلك منهم عبد الوهاب الوراق، وذلك بإثباته مماسة الله تعالى لعرشه، ثم تبعه على ذلك أبو عبد الله بن حامد، ثم تبعه تلميذه القاضي أبو يعلى.
وقد أثبت أبو يعلى في كتابه “إبطال التأويلات” صفات لله عز وجل وردت في أحاديث ضعيفة جدًّا أو موضوعة، أو آثار موقوفة، ومن أمثلة ذلك: الذراعان والصدر ونحو ذلك.
المبحث الخامس: استعمال الألفاظ الحادثة.
الألفاظ الحادثة: هي ما وضعه أهل الكلام واصطلحوا عليه من ألفاظ لم تأت بها النصوص الشرعية، ولم يتكلم بها السلف.
وأول من استعمل هذه اللفاظ من الحنابلة أبو الحسن التميمي، ثم استعملها بعده جماعة من الحنابلة منهم: ابن أبي موسى، والقاضي أبو يعلى، وابن البنا.
إلا أن مما ينبه عليه أن موافقة هؤلاء الحنابلة للمتكلمين في استعمال هذه الألفاظ إنما هي في الغالب في مجرد استعمالها فقط، دون ما ينطوي تحتها من مقاصد مبنية على أصول كلامية أو فلسفية.
والذي ورد عن الإمام أحمد الالتزام بالنصوص الشرعية، وأما ما لم يرد من تلك الألفاظ فهو إما أن يرده، وإمّا أن يفصّل ما أجمله فيه.
الفصل الخامس: المخالفات المتعلّقة بمسائل الإيمان.
وتحته مبحثان:
المبحث الأوّل: عدم إدخال الأعمال في مسمّى الإيمان.
وافق المرجئة في إخراجهم عمل الجوارح من مسمى الإيمان بعض الحنابلة، كالطوفي ومرعي الكرمي.
أما الطوفي فقد قرر أن الإيمان هو التصديق المجرد، وأخرج العمل عن مسمى الإيمان، ثم جاء مرعي الكرمي وحصر الإيمان في التصديق فقط.
وهناك بعض الحنابلة له كلام متشابه، قد يفهم منه الوقوع في مخالفة السلف، منهم: القاضي أبو يعلى، والسفاريني.
والمروي عن الإمام أحمد أن الإيمان قول وعمل، قول باللسان وعمل بالأركان، يزيد وينقص.
المبحث الثاني: الاستثناء في الإيمان.
الاستثناء في الإيمان: هو أن يعلق الإيمان بالمشيئة، وقال بعدم الجواز المرجئة والجهمية والماتريدية، ولم يقل بهذا القول أحد من الحنابلة.
وأما القول الثاني: أن الاستثناء لا يخلو من حالين: الاستثناء بالنظر إلى الحال والماضي، فهذا لا يجوز لأنه يعتبر شكًّا، والاستثناء بالنظر إلى المستقبل وما يوافي العبد به ربه، ففي هذه الحالة له أن يستثني وهو قول الأشاعرة، وقد تأثر بعض الحنابلة بهذا القول، منهم: القاضي أبو يعلى.
والذي عليه السلف أن الاستثناء في الإيمان يختلف حكمه بحسب مأخذه، فيجوز باعتبار ويمنع باعتبار، والأصل عند السلف هو الاستثناء، وأنه يجوز تركه إذا لم يكن قصد التارك قصد المرجئة، وهو أن الإيمان مجرد القول.
الفصل السادس: المخالفات المتعلقة بمسائل القضاء والقدر.
وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: نفي الحكمة والتعليل عن أفعال الله تعالى وأوامره.
ذكر المصنف قول المعتزلة وهو: أن الله خلق الخلق لحكمة، لكن هذه الحكمة مخلوقة منفصلة عن الله تعالى، ووفاقهم في ذلك من الحنابلة ابن عقيل.
والقول الثاني: أن الله تعالى خلق الخلق لا لحكمة ولا لعلة ولا لباعث ولا لداعٍ، وإنما هو محض المشيئة، وهو قول الأشاعرة، ووفاقهم من الحنابلة على هذا القول القاضي أبو يعلى، وأبو إسماعيل الهروي، وابن الزغواني، وابن حمدان.
والذي عليه السلف إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى وأوامره، وهو الذي عليه عامة الحنابلة.
المبحث الثاني: القول بالكسب.
الكسب من المصطلحات التي اختلفت الطوائف في تعريفها، إلا أن الأشاعرة هم أشهر من عُرف به بسبب تخبطهم واضطرابهم الشديد في تعريفه، وذلك لأنهم أرادوا التوفيق بين أصلين: إثبات قدرة العبد على فعله، ونفي تأثير قدرة العبد على فعله.
وقد وافق الأشاعرة على القول بالكسب قلة من الحنابلة كالقاضي أبي يعلى، ثم تبعه تلميذه ابن عقيل وابن الزغواني وابن حمدان والطوفي.
والذي عليه السلف: أن الله تعالى خالق فعل العبد، وأن للعبد قدرة مؤثرة في الفعل.
المبحث الثالث: القول بالاستطاعة مع الفعل فقط.
وقد جاءت النصوص ببيان أن للعبد استطاعة مؤثرة، كما جاءت ببيان وقت الاستطاعة وهو قبل الفعل ومعه.
ورغم ذلك اختلف الناس في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الاستطاعة قبل الفعل فقط، وهو قول المعتزلة، وهذا لم يقل به أحد من الحنابلة.
الثاني: أن الاستطاعة مع الفعل فقط، وهذا قول الأشاعرة، ووافقهم في ذلك قلة من الحنابلة كالقاضي أبي يعلى.
الثالث: أن الاستطاعة على نوعين:
1- استطاعة قبل الفعل، وهي التي بمعنى الصحة والتمكن وسلامة الآلات.
2- استطاعة مع الفعل، وهي الاستطاعة الكونية التي يجب بوجودها وجود الفعل.
وهذا القول هو قول السلف، وهو اعتقاد الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
مميزات الكتاب:
تميز هذا الكتاب بعدة أمور منها:
1- جودة الطباعة.
2- تحرير مذهب الحنابلة في أبواب الاعتقاد، وبيان علاقته بعقيدة السلف.
3- حصر المسائل التي خالف فيها بعض الحنابلة اعتقاد السلف في جميع أبواب الاعتقاد.
4- إظهار موقف أهل السنة والجماعة من هذه المخالفات، ومنهجهم في الرد عليها.
5- الرد على من يزعم أن مذهب السلف هو التفويض محتجًّا بقول بعض الحنابلة.
6- حسن التقسيم والترتيب، وجودة التبويب، والبعد عن التعقيد، وندرة الحشو والاستطراد.
7- أدب المصنف في الطرح، والرد على المخالف، دون تجريح أو تبكيت أو اتهام.
8- عدم التسرع في تخطئة العلماء إلا بعد جمع كلامهم وعدم وجود ما يمكن أن يعتذر لهم به.
9- بيان حجم مخالفة بعض الحنابلة لاعتقاد السلف، وأنه لا يلزم من موافقة المتكلمين في بعض المسائل موافقتهم في تفاصيل القضايا الكلامية، لا كما يصوره البعض من تضخيم لبعض المخالفات.
10- تتبع الباحث لأول من خالف من الحنابلة في المسائل، وهذا التزم به المصنف من أول الكتاب إلى آخره.
الخاتمة:
وفيها بيان أهم التوصيات العلمية.