الأربعاء - 16 جمادى الآخر 1446 هـ - 18 ديسمبر 2024 م

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة 

مقدمة:

تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم ما بين غالٍ ومقتصدٍ ومُتسنِّن، وبسبب ذلك تباينت الآراءُ حولها على مرِّ العصور من علماء المسلمين، من بين مادحٍ لهم بالمجمل، وذامٍّ لهم بالمجمل. مع وجودِ من سلَك مسلكَ التوسُّط والاعتدال، وكان من هذا الفريق شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب.

فرغم ما يُشاع عن المنهج السلفيِّ من أنه يُعارض التصوُّف تمامًا، إلا أنه من إنعام النظر في كتب متقدمي الدعوة النجدية يتبيَّن أنه لم يكن لديهم ثمَّة إشكالٌ مع الصوفية من حيث المبدأ، والذي هو بمعنى الزهد والرقائق وأعمال القلوب، بل وللمفارقة ورد الثناءُ على الصوفية في كتاباتهم، ومما قد يَتعجَّب منه المُخالفُ أنَّ بعضَ علماء الصوفية أيضًا قد بادلوهم بالثناء، وأثنوا على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -وسيأتي بيانه-.

ومع ذلك فقد برز في العقود الأخيرة انتقاداتٌ من السلفيين للصوفية، وهي انتقادات تعود إلى انتشار الممارسات الخرافية في العصور المتأخِّرة، مثل الرقص والدَّروشة والاستغاثة بالقبور والتعبد بالطلاسم، والذي أسهم في تغيير مفهوم التصوّف التقليديّ.

وقد رأينا في مركز سلف للبحوث والدراسات أن نستعرضَ جانبًا من الآراء المختلِفة حول الصوفية، مع تسليط الضوء على مواقف الفقهاء منها، وبيان موقف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وموقف الصوفية المعتدِلَة من الدعوة السلفية، ثم الجواب عمَّا أثاره البعض حول موقف السلفية المعاصرة من الصوفية.

وسينتظم حديثنا في خمسة مطالب، وهذا أوان الشروع في المقصود، وبالله التوفيق.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

المطلب الأول: تقسيم الصوفية وبيان الممدوح منها والمذموم:

يوجد تقسيمات كثيرة للصوفية بحسب ضروبهم المتنوعة ومذاهبهم السلوكية والفلسفية الكثيرة، إلا أنَّ المقام لا يحتمل الإسهاب في تفصيل ذلك، وإلا خرج البحث عن مقصوده، وإنما المقام مقام بيان أنَّ التصوف ينقسمُ إلى قسمين رئيسيين وهما: التصوف الفلسفي، التصوف السلوكي.

أما التصوف الفلسفي: فيمثّله غلاةُ الصوفية الذين اشتمل كلامهم على الكفر والإلحاد كوحدة الوجود، والفناء، واتحاد الخالق بالمخلوق، والتأويل الباطني للقرآن، ولا خلاف بين أهل السنة في ضلال هذا النوع من التصوّف، وأبرزُ ممثلي هذا الصنف من التصوّف الغالي: ابن عربي الطائي، وابن سبعين، وعمر بن الفارض، والسهروردي، على اختلاف درجاتهم في الضلال، فهؤلاء قد ذمَّهم جمهور العلماء عبر التاريخ، إلا من شذَّ في القرون المتأخِّرة جدًّا، وأحسنَ الظنَّ فيهم؛ بسبب البيئة المحيطة والثقافة الغالبة.

وقد قُتل شهاب الدين السهروردي بأمر السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٨٦ﻫ، بإيعاز من علماء الأشاعرة آنذاك، قال الحافظ ابن حجر: “وقد قُتل لسوء معتَقَدِه”([1]).

ويقول تقي الدين السبكي رحمه الله: “ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضُلَّال جهَّال، خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء”([2]).

وقال الحافظ الذهبي عن ابن الفارض: “ينعِق بالاتحاد الصريح في شِعره، وهذه بليَّة عظيمة، فتدبَّر نظمَه ولا تستعجِل، ولكنّك حسن الظنّ بالصوفية. وما ثم إلا زيّ الصوفية، وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفةٌ وأفاعي، فقد نصحتك والله الموعد”([3]).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وقد كنتُ سألتُ شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عَنِ ابن العربي، فبادر الجواب بأنه كافر، فسألته عَنِ ابن الفارض فقال: لا أحبّ أن أتكلّمَ فيه. قلت: فما الفرق بينهما والموضعُ واحد؟ وأنشدته من التائية، فقطع عليّ بعد إنشاد عدة أبيات بقوله: هذا كفر، هذا كفر”([4]).

أما أصحاب التصوف السلوكي: فأمرهم أقربُ، وهم درجاتٌ متعدِّدة أيضًا، فأفضلُهم صوفية أهل الحديث المتقيِّدون بالكتاب والسنة، فالمتقدّمون منهم يقتصرون على السلوك والزهد وتقنين ذلك بمصطلحاتٍ وتقاسيم مثل درجات السير إلى الله، ودرجات الإيمان واليقين ونحو ذلك. فمنهم من يقتصد في ذلك ويجعل الكتاب والسنة هو المورد العَذب لطريقته، ومنهم من يتوسَّع بنوعٍ من البدع العمَلية، ومنهم من يدخل شيئًا يسيرًا من الفلسفة فيخلط هذا بذاك، فيزيد من البدع، فهم درجات متعدِّدة، وبسبب عدم انتظامهم على مذهبٍ واحد اختلفت أحكام العلماء عليهم.

ومن أصحاب التصوّف المقتصِد الإمام الْجُنَيْد رحمه الله، إذ يقول: “علمُنا مضبوطٌ بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقّه لا يُقْتَدى به”([5])، ويقول أيضًا: “الطريق إِلَى اللَّه عز وجل مسدودة عَلَى خلق اللَّه تعالى، إلا عَلَى المقتفين آثارَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين لسنته، كَمَا قَالَ اللَّه عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}”([6]).

والحاصل: أن خلاف هذا القسم قريب (أي: التصوف السلوكي)، وهو الذي وقع فيه خلاف بين العلماء قديمًا، فمن ذمَّهم له سلفٌ، ومن مدَحهم له سلفٌ. والصواب هو التفصيل؛ لأنهم درجات متعدّدة.

مع العلم أنَّ هذا الفريقَ الذي مدحه بعض العلماء هم متقدمو الصوفية ومن سار على دربهم، أما متأخِّروهم فمن سلك طريقة المتقدّمين فيأخذ حكمهم بحسب حاله، وأما من سلك طريقًا مبتدعًا من التزام أوراد مخصوصة، أو تعبَّد لله بالطلاسم والسحر، أو آمن بوجود الأقطاب الذين يتحكَّمون في العالم، فهذه وأمثالها من البدع التي لم تكن عند متقدّميهم، أضف إلى ذلك بدعة الغلوّ في الأضرحة والاستغاثة بالمقبورين. وتفصيل بدع المتأخرين له مقام آخر.

المطلب الثاني: مذاهب علماء المسلمين في الصوفية:

معلومٌ لدى كلِّ باحث أنَّ كثيرًا من العلماء المتأخرين قد مدحوا الصوفية، لا سيما من علماء العصور المتأخرة جدًّا بعد القرن التاسع الهجري فما بعده، وذلك بسبب انتشار مذهبهم عن طريق الدولة العثمانية، فوردت ثناءات متعددة، بل وأحسنوا الظنَّ بالغلاة أيضًا كابن عربي الطائي وغيره، ومن هؤلاء المادحين: جلال الدين السيوطي -وإن رجع عن قوله في ابن عربي([7])– وابن حجر الهيتمي، وملا علي القاري، وابن عابدين الحنفي، والشيخ البيجوري، والبرزنجي، بل وحتى علماء الإصلاح أحسنوا الظنَّ فيهم أيضًا: كولي الله الدهلوي، وأبي الثناء الآلوسي، والنعمان الآلوسي، وغيرهم كثير. وكلامهم في مدح التصوّف أشهر من أن يُذكَر، فلا حاجةَ لذكر أقوالهم حتى لا يطول المقام ولا يخرج البحث عن مقصوده.

بل سنكتفي بذكر نماذج ممن ذمَّ التصوف بإطلاق؛ وذلك لأنَّ هذا الجانبَ هو ما يُحاول إخفاءَه كثير من المخالفين زاعمين أنَّ فقهاء المسلمين على مرِّ التاريخ قد أجمعوا على استحسان مذهب الصوفية، وأن السلفية المعاصرة شذَّت عن مجموع الأمة! وهي دعوى عريضة لا تقوم على بحث علميٍّ متحرِّر؛ لذلك رأينا أن نبدأ بمن ذمُّوا التصوّفَ، ثم بعد ذلك نستعرض الرأي المعتدل، وإنصاف ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو الرأي الذي نذهب إليه في هذا البحث إن شاء الله.

أولًا: من ذمّوا التصوُّف بإطلاق:

كثير من أهل العلم ذمّوا التصوف بإطلاق ودون تفصيل، حتى إنهم ذمّوا المعتدلين منهم، ورأوا أنه لا دليل على هذه التقاسيم والمصطلحات التي اخترعوها، وأن البدعة تبدأ صغيرة ثم تنتهي كبيرة، وممن ذمهم بإطلاق: أبو زرعة الرازي، وابن عقيل، وابن الجوزي، والحافظ الذهبي، وأكثر علماء المالكية: كالقاضي عياض والإمام القرطبي وغيرهم.

1- أبو الوفاء ابن عقيل (513هـ):

قال ابن عقيل رحمه الله: “أهل الكلام يفسدون عقائد الناس بتوهيمات شبهات العقول، والصوفية يفسدون الأعمال، ويهدمون قوانين الأديان، ويحبون البطالات وسماع الأصوات، وما كان السلف الصالح على ذلك المنهاج، فقد كانوا في العقائد عبيدَ تسليم، وفي الأعمال أربابَ جدٍّ”([8]).

2- أبو بكر الطرطوشي (520هـ):

قال أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: “مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأَوّل مَنْ أَحدثه أصحاب السامريّ لما اتخذ لهم عجلًا جسدًا له خوار، قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعبّاد العجل. وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى. وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين”([9]).

3- القاضي عياض (544هـ):

قال القاضي عياض رحمه الله: “نَوحُ المُتَصوِّفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء، فمن اعتقد في ذلك أنّه قُرْبة لله تعالى فهو ضالٌّ مُضِلّ، وَلا يعْلَمُ المسكين أنّ الجنّة حُفّت بالمكاره، وأنّ النار حُفّت بالشهوات، والله تعالى لم يَبعَث أحدًا منَ الأنبياء باللهو والرّاحة والغِناء، وإنّما بُعِثوا بالبِرِّ والتقوى وما يُخالف الهوى”([10]).

وقال أيضًا: “والشيخ أبو حامد -يعني: الغزالي- ذو الأنباء الشنيعة والتصانيف الفظيعة، غلا في طريق التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعية في ذلك، وألَّف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسرِّه، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب، وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك”([11]).

4- أبو الفرج ابن الجوزي (597هـ):

أكثر من توسع في ذم الصوفية هو أبو الفرج ابن الجوزيّ، فقد أفرد لهم بابًا في كتابه (تلبيس إبليس) وذم الصوفية بالإجمال، وذمَّ المعتدلين منهم: كالحارث المحاسبي، وأبي نعيم أحمد الصفهاني، وعبد القادر الجيلاني وغيرهم.

قال ابن الجوزي: “الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزهاد. الصوفية من جُملة الزهاد، وَقَدْ ذكرنا تلبيس إبليس عَلَى الزهاد، إلا أن الصوفية انفردوا عَن الزهاد بصفات وأحوال وتوسّموا بسمات فاحتجنا إِلَى إفرادهم بالذكر”([12]).

وقال ذامًا للمعتدلين: “وصنف لهم أبو طالب المكي (قوت القلوب)، فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع، وذكر فيه الاعتقاد الفاسد… وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب (الحلية)، وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة، ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وسادات الصحابة، فذكر عنهم فيه العجب، وذكر منهم شريحًا القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، وكذلك ذكر السلمي في (طبقات الصوفية) الفضيل وإبراهيم بن أدهم ومعروفًا الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد… فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد، ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمّه أحد، وقد ذمّوا التصوف على ما سيأتي ذكره، وصنف لهم عبد الكريم بن هوازن القشيري كتاب (الرسالة) فذكر فيها العجائب”([13]).

فذم ابن الجوزي أبا طالب المكي وأبا نعيم الأصبهاني والسُّلمي والقشيري، وكل هؤلاء ليسوا من الغلاة، مما يدلّ على نقده للتصوف بإطلاق.

وقال أيضًا تحت نفس الباب: “وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب (الإحياء) على طريقة القوم -يعني: الصوفية-، وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون الفقه، وقال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم -صلوات الله عليه- أنوار هي حُجُب الله عز وجل، ولم يُرد هذه المعروفات، وهذا من جنس كلام الباطنية”([14]).

وقد كان بين ابن الجوزي وعبد القادر الجيلاني منافرةٌ بسبب التصوف، قال الذهبي: “وكان ابن الجوزي لا ينصف الشيخَ عبد القادر ويغضّ من قدره”([15]).

إذن كان ابن الجوزي –وشيخه ابن عقيل- يذمان الصوفية بإطلاق، بل تعرَّضا لمصطلح التصوف ذاته بالنقد.

5- أبو العباس القرطبي (656هـ):

قال أبو العباس القرطبي: “فأما ما أَبدَعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل ما لا ‌يُختلف ‌في ‌تحريمه، لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن يُنسب إلى الخير وشُهر بذكره، حتى عمُوا عن تحريم ذلك وعن فحشه؛ حتى قد ظهرت من كثير منهم عوارات المُجَّان والمخانيث والصبيان، فيرقصون ويزفنون بحركات مطابقة وتقطيعات متلاحقة كما يفعل أهل السَّفَه والمجون، وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا: إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال، وأن ذلك يُثمر صفاء القلوب وسنِيَّات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة، وقول أهل البطالة والمَخرَقَة، نعوذ بالله من البدع والفتن، ونسأله التوبة والمشي على السنن”([16]).

6- أبو عبد الله القرطبي المفسر (671هـ):

قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله: “فأما طريقة الصوفية: أن يكون الشيخ منهم يوما وليلة وشهرا مفكرا لا يفتر، فطريقة بعيدة عن الصواب، غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن”([17]).

7- الحافظ الذهبي (748هـ):

نقل الحافظ الذهبي قول أبي زرعة الرازي لما سئل عن المُحاسبي: إياك وهذه الكتبَ، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر؛ فإنك تجد فيه ما يغني عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنَّفوا هذه الكتبَ في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟! هؤلاء قومٌ خالفوا أهلَ العلم، فأَتَونا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي، ومرة بحاتم الأصمّ، ومرة بشقيق البلخي. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع!

فعلَّق الإمام الذهبي قائلًا: “وأين مثل الحارث؟! فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كـ«القوت» لأبي طالب؟! وأين مثل القوت؟! كيف لو رأى «بهجة الأسرار» لابن جهضم، و«حقائق التفسير» للسلمي؟! لطار لبُّه. وكيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك -يعني الغزالي- على كثرة ما في «الإحياء» من الموضوعات؟! وكيف لو رأى «الغنية» للشيخ عبد القادر؟! وكيف لو رأى «فصوص الحكم» و«الفتوحات المكية»؟!”([18]).

والمستفاد من النقل السابق: أن الإمام الذهبي انتقد الصوفية بإطلاق، فقد ذكر أبا طالب المكي، وعبد القادر الجيلاني وغيرهما.

ويقول الذهبي عن كتاب «إحياء علوم الدين»: “وأما «الإحياء» ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علما نافعًا، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا… فعليك -يا أخي- بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في (الصحيحين) و(سنن النسائي)، و(رياض النواوي) و(أذكاره)، تفلح وتنجح، وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فوا غوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم”([19]).

فنَصَح الإمام الذهبي بالقرآن وبكتب الحديث بدلًا من هذه الرسوم والرياضات الصوفية، ولو قالها أحدٌ من العلماء المعاصرين لقامت عليه الدنيا ولم تقعد!

ويتتبّع الحافظ الذهبي ما روي في فضائل الصوفية ثم يُبطلها، فيقول في ترجمة علي بن الحسن الطرطوسي: “علي بن الحسن الطرسوسي صوفيّ، وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية رواه العتيقي”([20]).

إشكال وجوابه:

وقد أشكل على بعض المعاصرين موقف الذهبي المُعارض للصوفية، وهو يُبيح السفَرَ لزيارة قبور الصالحين والدعاء عندهم، بل ظنَّ البعض أن الذهبيَّ من الصوفية لأجل ذلك، والحقيقة أن مسألة الزيارة والدعاء عند القبور بعيدة كلَّ البعد عن قضية التصوف كعلم مُستقلّ -وإن دخلت في المتأخرين منهم-، وقد أجاز شد الرحل للزيارة والدعاء عند القبور -من غير استغاثة بأهلها- جمهور فقهاء المتأخرين حتى ممن ذموا التصوف كابن قدامة والقرطبي وغيرهما، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها من البدع، فهي من جنس النزاع في مسألة التوسُّل ونحوه، فليس للذهبي خصوصية في ذلك، فتنبَّه.

8- أبو فارس القيرواني (750هـ):

له فتوى شهيرة في الصوفية طبعت بعنوان (الفتوى المالكية في أفعال الصوفية)، جاء فيها: “وهذه الطائفة أشدّ ضررًا على المسلمين من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدُها عن فهم طرق الاحتجاج؛ لأنهم أول أصل أصَّلوه في مذهبهم بُغض العلماء والتنفير عنهم، ويزعمون أنهم عندهم قُطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق… فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات من أهل البدع والضلالات، ويعتقد أنها كرامات، بل هي شركٌ وحبالات، نصبها الشيطان لينتقص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات”([21]).

وفي النهاية:

ليس معنى ما سبق أننا مع هذا الرأي القائل بذم التصوف بإطلاق ودون تفصيل، وإنما نقلنا رأي هذا الفريق لنضع بين يدي القارئ الحقائق كاملةً غير مجتزأة، لا كما يُحبّ أن يحكيها أصحاب القناعات المُسبَقَة، وحتى يعلم القارئ أن ذم مصطلح الصوفية بالإجمال ليس شذوذًا -كما يدَّعي المخالفون- بل هو أحد الآراء المعتبرة لكثير من فقهاء المسلمين بشتى مذاهبهم (وفيهم كثير من الأشعرية)([22]).

وقد كان بين أكثر الفقهاء والصوفية نزاع شديد، وكان الصوفية يُسمّون الفقهاء بأهل الظاهر (أي: أهل ظواهر الشريعة)، والفقهاء يسمونهم بأهل الباطن، واختار ابن تيمية وابن القيم مذهب الإنصاف والتوسط -كما سيأتي-.

قال الحافظ الذهبي ناقلًا عن شيخه ابن وهب: “ومِن ذلك الاختلافُ الواقعُ بين المتصوِّفة وأهلِ العلمِ الظاهرِ، فقد وَقَع بينهم تنافُرٌ أوجَبَ كلامَ بعضِهم في بعض. وهذه غَمْرَةٌ لا يَخلُصُ منها إلا العالمُ الوَافي بشواهد الشريعة. ولا أَحْصُرُ ذلك في العلم بالفروع، فإنَّ كثيرًا من أحوال المُحِقِّين من الصوفية لا يَفِي بتمييزِ حَقِّه من باطِلِه عِلمُ الفروع، بل لا بُدَّ مِن معرفةِ القواعدِ الأصولية، والتمييزِ بين الواجبِ والجائز والمستحيلِ عقلًا والمستحيلِ عادَةً”([23]).

ثانيًا: من سلكوا مسلك التفصيل والإنصاف:

ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد اتَّبع منهج الإنصاف والعدل كما هي طريقته في التعامل مع المذاهب والطوائف، فيقبل منهم الحقَّ ويترك الباطل، فمدحهم من وجوه، وانتقدهم من وجوه، وكذلك تلميذُه العلامة ابن القيم، وإن كان ابن القيم رحمه الله توسَّع أكثر من شيخه في أمور التصوف وتسامح في بعض مصطلحاتهم، كما تأول أيضًا للشيخ أبي إسماعيل الهروي في أمورٍ انتقده عليها ابن تيمية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية متوسّطًا بين الفقهاء والصوفية: “وأنت تجد كثيرًا من المتفقهة إذا رأى المتصوّفة والمتعبّدة لا يراهم شيئًا، ولا يعدّهم إلا جهّالًا ضلالًا، ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئًا، وترى كثيرًا من المتصوفة والمتفقِّرة لا يرى الشريعة ولا العلم شيئًا، بل يرى المتمسك بها منقطعًا عن الله، وأنه ليس عند أهلها مما ينفع عند الله شيئًا. وإنما الصواب: أن ما جاء به الكتاب والسنة من هذا وهذا حق، وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا باطل”([24]).

ويقول أيضًا: “ولأجل ما وقع في كثير منهم -أي: الصوفية- من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم، فطائفة ذمَّت الصوفية والتصوف، وقالوا: إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونُقِل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبِعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام. وطائفة غلت فيهم، وادَّعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. والصواب: أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرَّب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصِد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يُذنب فيتوب أو لا يتوب. ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوّف ليسوا منهم؛ كالحلاج مثلا، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق؛ مثل الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره. كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في (طبقات الصوفية)، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في (تاريخ بغداد)”([25]).

ولم يمنع هذا الثناءُ ابنَ تيمية من ردّ بعض البدع التي دخلت عليهم، ومنه تصنيفه كتاب (الرد على الشاذلي) في ردّ استحسان البدع العمَلية من الذكر والصلوات ونحوها، وكذلك انتقد أبا إسماعيل الهروي وأبا حامد الغزالي وغيرهما في أمورٍ عقائدية، فثناء ابن تيمية على التصوّف غير الغالي لم يمنعه من انتقاد المخالف للكتاب والسنة سواء كان منهم أو من غيرهم. فتنبَّه لذلك.

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في منهج وسطيّ جليل: “وهذه الشطحات -أي: من الصوفية- أوجبت فتنةً على طائفتين من الناس: إحداهما حُجبت عن محاسن هذه الطائفة، ولُطف نفوسهم، وصدق معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار، وأساءوا الظنَّ بها مطلقًا، وهذا عدوان وإسراف، فلو كان من أخطأ أو غلط ترك جملة وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها. والثانية: حُجبوا بما رأوه من محاسن القوم، وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم، وحسن معاملتهم على عيوب شطحاتهم ونقصانها، فسحبوا عليها ذيلَ المحاسن، وأجرَوا عليها حكم القبول والانتصار، وهؤلاء معتدون ومفرطون أيضا. والطائفة الثالثة: وهم من أهل العدل والإنصاف، الذين أعطوا كلّ ذي حقّ حقّه، وأنزلوا كلّ ذي منزلة منزلته، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح”([26]).

المطلب الثالث: موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من التصوّف المعتدِل:

المُشتهر عند المخالفين والموافقين أنَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة النجدية يُبدِّعون الصوفية جُملةً وتفصيلًا، وبعض المخالفين يزيد من كيسه ويقول: يُكفِّرون الصوفية! وهذا الأمر غير صحيح، ولم ينبنِ على قراءة مُتأنّية لكتب الشيخ وتلاميذه، وإنما هو مبنيٌّ على الانطباع المُسبَق.

فالحقُّ أنه لم يكن لمتقدِّمي الوهابية موقف مصادِمٌ من الصوفية المعتدِلة، فعلى عكس ما هو شائع -وللمفارقة- فالمنقول عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو مدح الصوفية لا ذمُّها، ولا يوجد في كتبه ورسائله -على وفرتها- أيّ تصريحٍ بذمّ الصوفية.

وإنما أشيع أنه من أعداء الصوفية لما انقدح في الأذهان من علاقة شرك القبور بالتصوف، وهي علاقة آثمة، لم تدخل في التصوّف إلا في العصور المتأخرة جدًّا، ولا علاقة للتصوف السلوكي بها، وقد كان الشيخ يستدلّ بالصوفية المُتسنّنة في مواضع كثيرة من رسائله، ومن أمثلة ذلك:

1- قوله رحمه الله: “فنفس محبته أصل عبادته، والشرك فيها أصل الشرك في عبادته، ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيرًا بمتابعة العلم، قال بعضهم: ما ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبرٍ في نفسه”([27]).

فوصف مشايخ الصوفية بالعارفين، أي: يعرفون الله حقَّ معرفته، واستدلّ بأحوالهم وأقوالهم.

2- وقال رحمه الله: “اعلم -أرشدك الله- أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع، ودين الحق الذي هو العمل الصالح؛ إذا كان من ينتسب إلى الدين منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء، ومنهم من يتعانى العبادة وطلب الآخرة كالصوفية، فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين”([28]).

فجعل التصوف أحدَ جناحي الإسلام، وجعل الفقهَ هو الجناح الآخر، فالإسلام جاء بالعلم والعمل في قالبٍ واحد. وهذه تُمثِّل نظرة معتدِلة من الشيخ رحمه الله.

3- ويقول أيضًا وهو يُعدّد الفوائد المستنبطة من سورة اقرأ: “الثانية: الجمع بين التوكل والسبب، خلافًا لغلاة المتفقهة وغلاة المتصوفة”([29]).

ووجه النكتة هاهنا أن الشيخ جعل الفقهاء فيهم غلاة أيضًا من حيث تعلُّقهم بالأسباب العِلمية، وإهدارهم الزهد وأعمال القلوب، كطرف مقابل لغلاة الصوفية الذين غالوا في الزهد وأعمال القلوب دون أخذ بأسباب العلم الشرعي، والإسلام جاء بالأمرين معًا. وهو نفس موقف ابن تيمية رحمه الله، فهو يمدح المتوسطين من هؤلاء وهؤلاء، فتأمل.

وهذا الموقف من الشيخ رحمه الله يعكس وسطيته واعتداله واتزان نظرته، بخلاف ما يُشاع عنه من أنه ظاهريُّ المذهب ونحو ذلك.

4- وانظر إلى إنصاف أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث ورد إليهم سؤال عن أبي حامد الغزالي، فأجابوا السائل بكلام ابن تيمية والذهبي، ثم قالوا بإنصافٍ شديد: “وهذا غاية ما نعتقده فيه: لا نرفعه فوق منزلته فعل الغالين، ولا نضعه من درجته كما وضعه بعض المقصّرين، فإنَّ من الناس من يغلو فيه وفي كلامه الغلوَّ العظيم، ومنهم من يذمّه ويهدر محاسنه وفضائله، ويرى تحريق كتابه؛ وسمعنا أن منهم من يقول: ليس هذا (إحياء علوم الدين)، بل إماتة علوم الدين؛ والصراط المستقيم: حسنة بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين”([30]).

فهذا جوابهم، رغم ما ورد في (الإحياء) من فلسفات غالية وموضوعات، ورغم تقريع كثير من العلماء له كالمازري وأبي بكر بن العربي والقاضي عياض وابن الصلاح والذهبي، ومع كل هذا لم يرض أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يكونوا في فريق الذامّين له بإطلاق، بل توسَّطوا في المسألة، وهذا يعكس إنصافهم واعتدال نظرتهم.

5- ويقول ابنه العلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى أهل مكة الموسومة بـ(رسالة في مباحثة علماء مكة): “ولا ننكر الطريقة الصوفية، وتنْزيه الباطن من رذائل المعاصي المتعلِّقة بالقلب والجوارح، مهما استقام صاحبها على القانون الشرعي والمنهج القويم المرعي، إلا أنا لا نتكلَّف له تأويلات في كلامه، ولا في أفعاله، ولا نعوّل ونستعين ونستنصر ونتوكل في جميع أمورنا إلا على الله تعالى، فهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم”([31]).

وبناءً على كل ما سبق: تبيّن أنه لم يكن للشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه إشكال مع الصوفية من حيث المبدأ، بل كانوا يمدحون المتقدّمين منهم، ويستدلّون بكلامهم، وهذا معناه أنَّ النجديين الأوائل لا يعتبرون القبوريّة والخرافيين من الصوفية أصلًا، وإنما كانوا يسمونهم الباطنية والغلاة والمشركين ونحو ذلك.

وفي الجملة، لا يوجد في كتب الشيخ ورسائله -على وفرتها- تصريح بذم لفظة “الصوفية” ذاتها، إلا أن يقول: الغلاة والباطنية ونحو ذلك، ودون أن يُصرِّح بمصطلح الصوفية؛ لأنه يعلم أن هذه العقائد دخيلة على التصوف.

فهذا موقف متقدّمي الدعوة النجدية وإمامهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الصوفية، وهو موقف معتدِل، يعكس توازنهم واتِّزان نظرتهم ووسطيتَهم.

المطلب الرابع: الثناء المُتبادَل بين مُنصفي الصوفية والوهابية:

معتدلو الصوفية من محبي الحقِّ قد أبدَوا موقفًا وسطيًّا وحكيمًا تجاه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد نظروا في أهمِّ مطالبها، فوجدوها تشتمل على معاني الإسلام وجوهَره وحقيقته، دون تكلُّف المُتكلِّفين، وطالب الحقّ لا يضرّه من جاء به، ولا يضرّه الدعاوى التي تُنسج من حوله، وإنما يبني نظرته على قراءة مُنصفة لكتبهم. وسوف نورد نماذج لصوفية أثنَوا على الدعوة الوهابية،([32]):

1- يقول علامة الأزهر الشيخ محمد العزيزي الشافعي الصوفي الخلوتي: “فإنه لما حضر إلى مصر السادة الوهابية، وكان من أجلِّهم وأعظمهم حبيبُنا العمدة الفاضل والهُمام الكامل مولانا الشيخ عبد الله الحنبلي [يقصد: الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب]، وأخيه العمدة الفاضل حبيبنا صاحب الأخلاق المرضية والأفعال المصطفوية الشيخ إبراهيم الحنبلي، وكذلك من أعيانهم النبلاء الأذكياء: سيدي عبد الرحمن بن عبد العزيز -رحمه الله رحمةً واسعة بمنِّه وكرمه-، وكان حبيبنا الشيخ عبد الله -رحمه الله رحمةً واسعة- من العلماء الفضلاء، وأنجب ولده الشيخ عبد الرحمن الحنبلي، وهو من أذكياء أهل العلم وصلحائهم”. ثم قال في آخره: “قاله وكتبه بيده الفانية الفقير إلى الله تعالى: محمد بن محمد العزيزي بلدًا، الشافعي مذهبًا، الخلوتي طريقةً، غفر الله ذنوبه، وستر في الدارين عيوبه”([33]).

2- يقول علامة الصوفية ومؤرخها السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف: “والحبيب علوي بن سقاف الجفري له رسالة سماها: (الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة)، ترجم فيها لابن تيمية وتلميذه ابن القيم وللشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة المشهورة، وأطنب في الثناء عليهم، ولمَّا اطلع عليها الحبيب عبد الله بن حسين كتب عليها بخطه: (علوي بن سقاف يقول الحق ولو كان مُرًّا)”. إلى أن قال: “ومن هذا أنه قد أخذ الجماعة كلهم [يعني: الصوفية] عن السيد أبي بكر بن هندوان وهو وهابيٌّ قحّ، وتبيّنتُ أن عند مولانا شيخ الوادي الحسن بن صالح مِسحة من تلك الآراء بغاية الاعتدال؛ لموافقتها لِما هو فيه استغراقٌ في تجريد التوحيد وعدم التفاته إلى غير العزيز الحميد. ولا يُشكل ما في (بغية المسترشدين) عن فتاوى سيدي الحبيب علوي السقاف الجفري من جواز التوسل؛ لأنه إنما يُبيح منه ما لا يوهم القدح في التوحيد”([34]).

3- ويثني العلامة عبد الرحمن بن حسن -صاحب (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) وحفيد إمام الدعوة- على علماء الأزهر الشريف بمن فيهم من يتعاطى التصوف المعتدل فيقول: “وأما مشايخنا من أهل مصر فمن فضلائهم في العلم الشيخ حسن القويسني، حضرت عليه (شرح جمع الجوامع) في الأصول للمحلي، و(مختصر السعد) في المعاني والبيان”. ثم ذكر عددًا كبيرًا من المشايخ ثم قال: “ومنهم إبراهيم البيجوري، قرأت عليه (شرح الخلاصة) للأشموني إلى الإضافة، وحضرت عليه في (السلم)، وعلى محمد الدمنهوري في (الاستعارات)، و(الكافي في علمي العروض والقوافي)، قرأها لنا بحاشيته بالجامع الأزهر، عمره الله تعالى بالعلم والإيمان، وجعله محلًّا للعمل بالسنة وجميع المدن والأوطان، إنه واسع الامتنان، وصلى الله على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما”([35]).

ويُلاحظ هنا أنَّ الشيخ عبد الرحمن بن حسن يُثني على شيخ الأزهر حسن القويسني، ثم في النهاية يدعو للجامع الأزهر، رغم سلوك شيوخه نوعًا من التصوف على اختلاف درجاتهم، وهذا لا يمنع احتمالَ وقوع بعضهم في نوعٍ من بدعٍ آنذاك، ولكن ثناءه كان على مجمل حالهم، بناءً على قاعدة: (إذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث)، وهذا يدلّ على وسطية الشيخ واتِّزان نظرته.

4- يقول شيخ الأزهر عبد الحليم محمود رحمه الله وهو من أعلام الصوفية مادحًا جهود ابن تيمية السلفية الإصلاحية: “ولقد كان للإمام ابن تيمية فضلٌ كبير وأثرٌ بالغ في بيان فساد علم المنطق الذي كان سائدًا في الأوساط الإسلامية منذ أن كان الكندي والفارابي وابن سينا، ولقد كتب الإمام ابن تيمية فيه كتبا من أنفس ما يكون، وعلى الخصوص كتاب (الرد على المنطقيين)، ولم يقتصر الإمام ابن تيمية على نقد المنطق، وإنما عمل جهده على تسفيه كلّ فكرة منحرفة من أفكارهم”([36]).

5- الشيخ العلامة خليل أحمد السهارنفوري الصوفي الماتريدي، وهو صاحب كتاب (بذل المجهود في شرح سنن أبي داود)، كان هذا العالم الصوفي في مكة المكرمة وقتَ دخول الملك عبد العزيز مكة، وكان بيت الشيخ قريبًا مع بيت العلامة عبد الله بن بليهد النجدي، فحصلت بينهما مناقشاتٌ تبيَّن للشيخ من خلالها أن مذهب الوهابيين لا يخرج عن جملة مذاهب أهل السنة المقبولة، فكتب إلى أصحابه في الهند قائلًا: “إنه تكثر اللقاءات والمحادثات فيما يتّصل بالمسائل الدينية بيني وبين الشيخ عبد الله بن بليهد -رئيس القضاة- الذي يُجاور بيته بيتي، والرجل عالم ديني كبير، على مذهب أهل السنة والجماعة، آخذًا بمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، مشغوفٌ بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، كثير الرجوع إليهما -وكلا الإمامين من أجلة العلماء عند علمائنا أيضًا- شديد الكراهية للبدع والمحدثات، قد جعل عقيدة التوحيد والنبوة أساس إيمانه وأصل عقيدته، وبالجملة فإني لم ألمس -إلى حدّ تتبعي- أيّ شذوذٍ منهم عن عقائد أهل السنة، ومعظم أهل نجد يحبون تلاوة القرآن، ويكثر فيهم حفاظ القرآن الكريم، يُحافظون على الصلاة جماعة، وهذه الأيام برد قارس في المدينة المنورة، ولكنهم يواظبون على الحضور حتى في صلاة الفجر جماعة، وعلى كلٍّ فإن وضعهم الديني جيد جدًّا -فيما رأيت-“([37]).

ولما ظهر الكلام بأن الحكومة السعوديّة هدمت الأضرحة وظهرت الدعاوى أنهم يريدون الانتقام من الصحابة والأولياء بهدم قبابهم، وغيرها من هذه الترَّهات، راسله علماء الهند للتحقق من هذا، فكتب إليهم العلامة السهارنفوري رسالة جاء فيها: “أعتقد أن الحكومة السعودية ميّالة إلى الدين بالنسبة إلى هذا الزمان، وأنها مُخلِصة في منجزاتها وأعمالها، وما تمّ من المنجزات الكبيرة ليس فيه ما لا يمُتّ -فيما أرى- للدين بصلةٍ ما، وما صدر منها من الزلات الصغيرة فإنَّ ذلك فيما لمستُ يرجع إلى أن الحكومةَ ينقصها رجال صالحون من أولي الكفاءات الإدارية، مما يُسبّب تقصيرًا في بعض الجوانب الإدارية والتنفيذية، وأما السلطان ابن سعود فإنه في ذاته رجلٌ متديّن، يتّصف بغاية من الحكمة والحلم، ولكن الرجل وحده لا يستطيع أن يصنع شيئًا ما لم تكن عنده أيدٍ عاملة ورجال وأعوان، وقد بلغ الأمن إلى أنّ الراحلة أو راحلتين تختلف وحدها فيما بين مكة والمدينة المنورة والينبوع وجدة، ولا يشكو أحدٌ خوفًا ولا غائلة، أما الشكوى التي تدور فيما بين الجماهير فإنَّ مثارها هو تحطيم القباب على القبور والضرائح التي جعلها الجهال -والروافض معهم- أساسَ دينهم وعقيدتهم،فإني أرى أن هدمها كان واجباً، ولم تقم الحكومة بهذه الخطوة الجريئة إلا بعد الاستفتاء من عماء المدينة المنورة، وافتَوهم بجواز هذه العملية”([38]).

6- الشيخ محمد منظور النعماني الحنفي الصوفي:

لما انتشرت كتب الزيني دحلان أن محمد بن عبد الوهاب يُكفِّر العلماء الماضين ويقول: إنَّ عصايَّ هذه خيرٌ من محمد؛ لأنني أنتفع بها في قتل الحية، ومحمد قد مات وليس فيه نفع! فقام الشيخ النعماني بدراسة كتب الوهابيين ومخالفيهم ليحكم على الطرفين بإنصاف. ثم بعدها قام بتأليف كتاب (دعايات مُكثّفة ضدّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب) قام بتقريظه العلامة المُحدث الصوفي محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي، والشيخ محمد طيب رئيس جامعة دار العلوم بديوبند، وهم ماتريدية متصوفة.

قال الشيخ النعماني: “كاتب هذه السطور يؤكد -في ضوء دراسته- أنه لا يصحّ شيء من هذه التّهَم، وقد جاء تفنيدها صريحًا في مؤلفات وكتابات الشيخ والمؤلفين الآخرين من أتباعه، وسوف يمرّ كلّ ذلك بالقراء الكرام في الصفات الآتية. ويبدو أن الشيخ دحلان لم يطلع على كتاب من الكتب التي ألفها أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجديّ في شرح دعوتهم وفكرتهم، كما أنه لم يشعر بضرورة البحث والتنقيب قبل أن يرميهم بهذه التهم اللاذعة”([39]).

ومع هذا فقد خالف الشيخ النعماني الوهابيين في بعض المسائل، وقال: “لكنَّ هناك اختلافًا -على الرغم من هذا التوافق والانسجام بين علمائنا وعلماء نجد- في بعض المواقف والقضايا الفرعية”. ثم ذكر مسألة التوسّل بذوات الصالحين، وشدّ الرحال بنيّة زيارة القبر الشريف، والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبره، ونداء النبي صلى الله عليه وسلم في الشعر من باب الاستحضار في القلب حيث ذكر النعماني أن الوهابيين يرونه شركًا، ومسألة تارك الصلاة كسلًا([40]).

ثم ردَّ النعماني على أدلة الوهابيين في تلك القضايا، لكنه في النهاية ذهب إلى أن مخالفات الوهابيين هي من قبيل الخلاف العلِمي السائغ، فقال: “على كلٍّ، فأيُّ قضية من هذه القضايا المُختلَف فيها فيما بين علماء نجد وعلمائنا ليس مما يُفسَّق به فريق من الفريقين، أو يعتبره مارقًا من الدين أو خارجًا عن دائرة أهل السنة والجماعة”([41]). وذكر السبب أن هذه القضايا قديمة بقدم ابن تيمية والتقي السبكي وابن عبد الهادي، وغيرهم.

7- وقال الشيخ رشيد الكنكوهي -شيخ الماتريدية في وقته- لما سُئل عن الوهابية: “إنَّ من يقتدي بمحمد بن عبد الوهاب يُسمّى وهابيًّا، وكانت عقائدهم صالحة وحسنة، ومذهبهم في الفقه الحنبلية، إلا أنه كان في طبيعتهم التشدّد، والذين يقتدون به صالحون. نعم المعتدي منهم يلحقه الفساد، وعقائد الجميع متّحدة، وإنما الفرق بينهم في الأعمال بالنسبة إلى المذاهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي”([42]).

8- وقال الشيخ حسين أحمد المدني ويُلقبه الأحناف بشيخ الإسلام، وكان يُضلّل الوهابية في أول أمره، ثم لمَّا عكف على دراسة كتب الشيخ محمد وتلاميذه أصدر بيانًا نشره في صحيفة (زميندار) الأُردية في لاهور 17/ 1925 وقال: “أُريد أن أعلنها صريحًا دون تلعثم أنَّ الرأي الذي كنت قد أبديتُه ضدَّ أهل نجد في كتابي (رجوم المذنبين) وفي (الشهاب الثاقب) لم يكن يستند إلى كتاباتهم، بل إنما كان يستند إلى الشائعات وإلى أقوال مُخالفيهم، لكن مؤلفاتهم الموثوق بها -والتي تناولتها بالدراسة- تدلّ دلالة صارخة على أنهم لا يختلفون مع أهل السنة والجماعة ذاك الاختلاف الكبير الذي يتحدّث عنه الناس، بل الاختلاف يقتصر فيما يتعلّق ببعض القضايا الفرعية، مما لا يُجيز أبدًا تكفيرهم أو تضليلهم أو تفسيقهم، والله أعلم”([43]).

وأخيرًا لا بد من توضيح: أنه لا صحة لما يزعمه البعض من أنَّ هؤلاء الصوفية قد تأثروا بالدعوات الإصلاحية، وتركوا مذاهبَ المسلمين المعتبرة وأصبحوا وهابيّة، فهذا من الكذب الذي لا شكّ فيه، فقد صرَّح هؤلاء بأنهم يخالفون ابن تيمية والوهابية في قضية التوسّل بذوات الصالحين، وشدّ الرحل بالزيارة، والاستشفاع بالنبي عند الزيارة، ولكن اعتبروها من مسائل الفروع السائغة، ولو كانوا انقلبوا للسلفية لتغيرت آراؤهم، ولقاموا بتدريس كتب ابن عبد الوهاب في معاهدهم الشرعية، ولم يحدُث ذلك، بل بقوا على مذاهبهم الفقهية والسلوكية.

كلّ ما في الأمر أنهم لما قرؤوا كتبَ الوهابيين وجدوها توافق ما عرفوه من الإسلام وما درسوه من الشريعة، فمدحوهم لأجل ذلك، وهذا حال أهل الإنصاف والعدل في كل زمانٍ ومكان، وهو ما لا يوجد عند غلاة أهل البدع الذين يقتلهم الحقد والحسد.

المطلب الخامس: لماذا ذمَّ كثيرٌ من علماء السلفية المعاصرين الصوفية بإطلاق؟

ثمةَ سؤالٌ مهمٌّ قد يسأله القارئ، وهو: إذا كان التحقيق هو التفصيل في أمر الصوفية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب يمدح المُتسننين منهم ويستدلّ بهم، فلماذا يشتهر ذمّ الصوفية بإطلاق على ألسنة السلفية المعاصرة؟!

والجواب على ذلك من أوجه:

الوجه الأول: لا ننكِر أنَّه قد غلب على كتابات السلفيين المتأخرين في القرن الماضي ذمُّ الصوفية بالمجمل، كما في كتابات الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ حامد الفقي والشيخ عبد الرحمن الوكيل والشيخ أحمد شاكر -رحمهم الله تعالى-، وقد تابعهم أكثر العلماء المعاصرين ومتأخري النجديين، لكن ينبغي تأمُّل الفترة الزمنية التي كان يعيش فيها هؤلاء الأفاضل وغيرهم من دعاة الإصلاح ممن كانوا يُعالجون وضعًا مريرًا تمر به الأمة الإسلامية بعد سقوط الدولة العثمانية، وما تركته من مُخلَّفات ثقافية وخرافات صوفية تُثقل كاهل الأمة.

فالصوفية المعروفة في زمانهم -بل وفي زماننا- هي صوفية الرقص والطبل والموالد والاستغاثة بالأولياء، وبدع الأوراد والطلاسم، والإيمان بالأقطاب، وتصوف ابن عربي ووحدة الوجود. ثم استئثار تلك الطائفة المبتدعة بلفظ «الصوفية». وبالتالي خرج مصطلح التصوف عن مضمونه القديم، بل قد أصبح المعروف المشهور: أنه لا يُعرف بالصوفية الآن إلا الطُرقية القبورية.

فكان رواد الإصلاح في القرن الماضي يذمّون هذا النوع من التصوف، والعالِم إنما يُكلِّم الناس بما يعقلون، لا بالمصطلحات التي هي في بطون الكُتب والمجلدات. فتنبَّه.

ورحم الله الإمام السَّفاريني الحنبلي وهو ينعى خرافات صوفية زمانه بقوله: “هيهات! ذهب الأبطال ولم يبق إلا كل بطَّال! فيا من رضي من الزهد بالزّيّ، ومن الفقر بالاسم، ومن التصوف بالصوف، ومن التسبيح بالسِّبح، أين فضل الفُضيل؟! أين جدّ الجنيد؟! أين سِرّ السّري؟!”([44]).

والذي ينتقد السلفية المعاصرة لأنهم لا يُفصِّلون في أمر الصوفية فإنما يقع في مغالطة منطقية؛ وذلك لأنه يعلم في قرارة نفسه أن السلفيين يقصدون القبورية والخرافيين، ولا يقصدون الإمام الجُنيد ولا أبا سليمان الداراني ولا عبد القادر الجيلاني، فذم السلفية لأجل هذه المسألة من غير تفكيك مقصودهم فيه مغالطة لا تخفى؛ لأنه من المعلوم عند علماء الأصول أنَّ: (العبرة بالمضامين والمعاني لا بالمصطلحات والمباني).

الوجه الثاني: لا نُسلِّم أن السلفية المعاصرة انفردوا بهذا الذمّ، بل قد ذمّ الصوفيةَ أيضًا كثير من شيوخ الأزهر الشريف: كالشيخ محمد الغزالي والشيخ المراغي، والدكتور محمد عمارة، الدكتور محمد المُسيِّر وغيرهم. وزعماء الإصلاح في القرن الماضي كالشيخ عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، والجمال القاسمي، والأدباء كالرافعي والمنفلوطي.

يقول الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله: “والصوفية أو الطرقية -كما نسميها نحن- في موقفنا معها هي نزعة مستحدثة في الإسلام، لا تخلو من بذور فارسية قديمة، بما أن نشأة هذه النزعة كانت ببغداد في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، وأصباغ بغداد بالألوان الفارسية في الدين والدنيا معروف”([45]).

ويقول الدكتور محمد عمارة -عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف-: “لذلك تجد كثيرًا من المستشرقين يُرحِّبون بالتصوف والصوفية، لماذا يُرحب الغرب بالصوفية؟ لأنه إسلامٌ بلا جهاد، ولماذا يُعادي الغرب ابن تيمية؟ لأنه إسلامٌ فيه جهاد”([46]).

ويقول الدكتور محمد المسيَّر رحمه الله -رئيس قسم العقيدة بجامعة الأزهر- ناقدًا التصوف بالجملة: “فأصبح التصوف عبارة عن مصطلحات علمية لا علاقة لها بحقيقة الزهد أو العبادة.. فالتصوف كنظريات فيه كثيرٌ من المخالفات الشرعية، كقضية الاعتقاد في الأولياء أنهم يملكون من الأمر شيئا، وقضية الأقطاب والأبدال”.

ثم سأله المذيع عن المشكلة في التصوف العملي -السلوكي-، فقال: “لأنهم يشرعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله، كالأوراد المبتدعة. وورد الشيخ فلان يلتزم به التزام القرآن، وهذا خطأ”([47]).

ويقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “انتشرت مع التصوف الدخيل على الأمة الإسلامية صور من الرهبانية وظِلال من الجهل بالحياة الدنيا، والعزوف عن أعبائها ومباهجها جميعًا. وأصبحت الفكرة الشائعة عن الدين أنه عدو للحياة، وأن وظيفته الأولى هي إعداد الناس لاستقبال الدار الآخرة بأنواع المراسم وأشكال الطاعات، وأنه إن لم يزهد أتباعه في هذه الحياة فهو لا يبالى بتجهيلهم فيها وانصرافهم عنها، وربما يعدّ ذلك من كمال التقوى وأمارات حب الله! وهذه التصورات كلها خيالُ مرضَى. والذي يطالع القرآن والسنة وسيرة الخلافة الراشدة وكتب الأئمة المتبوعين يدرك أن الإسلام أبعد ما يكون عن هذا الحمق”([48]).

وقال أيضًا: “إنني ألفت النظرَ إلى أن المواريث الشائعة بيننا تتضمّن أمورًا هي الكفر بعينه. لقد اطلعت على مقتطفات من (الفتوحات المكية) لابن عربي فقلت: كان ينبغي أن تسمى الفتوحات الرومية! فإن الفاتيكان لا يطمع أن يدسَّ بيننا أكثر شرًّا من هذا اللغو”([49]).

وقال أيضًا: “ولماذا نستحي من وصف القبوريين بالشرك مع أن الرسول وصف المرائين به، فقال: الرياء شرك، وإن واجب العالم أن يرمق هذه التوسّلات النابية باستنكار، ويبذل جهده في تعليم ذويها طريق الحقّ، لا أن يفرغ وسعه في التمحل والاعتذار”([50]).

والحاصل: أنَّ ما سبق أقوالٌ لعلماء ليسوا من السلفية المعاصرة، ولولا خشية الإطالة لذكرنا أكثر من ذلك، وإذا واجهتَ مدَّعي الإنصاف بهذه الأقوال أجاب: بأن هؤلاء المشايخ يقصدون ذم التصوف المذموم، ثم تراه يتأوّل لهم بأنواع التأويلات البعيدة، ولا يُكلِّف نفسه أن يتأول بمثل هذا التأويل لعلماء السلفية، مع أنه يعلم أن السلفيين يقصدون التصوف المذموم أيضًا، ولا شك أنَّ هذا كيلٌ بمكيالين، وبعيد عن الإنصاف العلمي، فطالب العلم لا تعنيه الأسماء بقدر ما يعنيه تقرير الحقيقة كما هي.

ولسنا هنا في مقام الدفاع عن السلفيين المعاصرين؛ إذ لا مانع عندنا أن يكون بعض المعاصرين قد جانبهم الصواب في ذم التصوف بإجمال، أو بالغ في الذمّ واختار قولًا هو خلاف الأولى، فهذا أمرٌ وارد، ونحن في هذه الورقة لا نذهب إلى هذا الرأي، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويُترك، لكن ينبغي رؤية الصورة كاملة ودون تهويل، وينبغي لِحاظ مقصود السلفيين من التصوف الذي ذموه، وتفكيك مرادهم منه، أمَّا التشغيب والتعمية عن محلِّ النزاع لمجرَّد الاصطلاح فإنه يكونُ غالبًا بدوافع أيدلوجية كما لا يخفى.

الوجه الثالث: لا نُسلِّم أنَّ جميع العلماء المعاصرين ذموا التصوف بإطلاق، بل كثيرٌ منهم يمدَح التصوف المعتدِل، ويُفصِّل بحسب المقام.

ومن هؤلاء الذين مدَحوا التصوف المعتدل الشيخ العلامة عطية محمد سالم رحمه الله -أحد كبار رموز السلفية المعاصرة-، وهو الذي أتمَّ تفسير (أضواء البيان) للشنقيطي.

يقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: “وممن يأتي بالبدع في الدين من يدَّعون التصوف، وليسوا بصوفية، وإنما يأتون بما حرم الله زاعمين أنه من الدين، والدين بريء منه، ويشهد على ذلك قول بعض علماء الصوفية الصادقين: كل عملٍ أو كل دعوى ليس عليها شاهدَا عدلٍ من الكتاب والسنة فهي مردودة”([51]).

فتأمل قول الشيخ: (وليسوا بصوفية) يعني أنه يُنزِّه الصوفية منهم، ثم يستدل بأقوال الصوفية الصادقين.

ويُفصِّل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ الصوفية إلى (سُنيين، وبدعيين) قائلًا: “مطلق لفظ التصوف بدعة، لكن جنس الأَسماء ليست مثل الاعتقادات، والمتصوفة على قسمين: متصوفة سُنيين، ومتصوفة بدعيين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير”([52]).

ومن النص السابق يتضح أن الشيخ رحمه الله يرى أنَّ من الصوفية من هم سُنيِّون، وليسوا كلهم مبتدعة.

ويفصِّل الشيخ ابن عثيمين قائلًا: “يوجد من السلف من فيه تصوّف لا شكّ؛ لكنها ليست الصوفية الغالية الآن، الآن الصوفية تطوَّرت إلى أن بلغت إلى القول بوحدة الوجود والعياذ بالله، حتى كان الواحد منهم يقول: ليس هناك أحد، كل الكون هو الله عز وجل، ويقول أحدهم: ليس في الجُبَّة إلا الله، فيقول: هو الجبة، الجبة: أليس هو لابِسٌ جُبَّتَه؟! يقول: ليس في الجُبَّة إلا الله، وبعضهم يحصل له هوس، يقول: أنصب خيمتي على جهنم -هكذا نقل عنهم شيخ الإسلام وهو ثقة- ويقول بعضهم: سبحاني سبحاني، أنا الله، فـالصوفية ليست هينة، بل تطورت”([53]).

وقد سُئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز: من هم الصوفيون؟ وما موقف الإسلام منهم؟

فأجاب رحمه الله بعد التعريف بالصوفية المبتدعة: “فإذا كان زهده لا يوقعه فيما حرم الله، ولا يزيد في أعماله على ما أوجب الله، ولا يبتدع، بل يتحرى الشريعة في أعماله وأقواله؛ فهذا مشكور، ويثنى عليه كـالجنيد بن محمد، وأبي سليمان الداراني، وبشر الحافي، وجماعة اجتهدوا في العبادة والزهد في الدنيا، هؤلاء يثنى عليهم كثيرًا؛ من أجل زهدهم، ورغبتهم في الآخرة، وعدم ابتداعهم”([54]).

وبعدما نقلنا ما سبق نقول: حتى لو فرضنا جدلًا أنَّ بعض المعاصرين ذهب إلى نقد التصوف كله، فهو مسبوقٌ بفحولٍ من العلماء أيضًا -كما مرَّ بك- كابن الجوزي وشيخه ابن عقيل، والحافظ الذهبي والطرطوشي والقرطبي والقاضي عياض وغيرهم كثير، ولم يأتِ ببدْعٍ من القول. وإنما الذي سلك التوسّط هو ابن تيمية وابن القيم، وهو ما نراه الصواب والتحقيق في المسألة.

وأخيرًا نقول: إنَّ السلفيين لا يُهملون التصوّف بالمعنى السُني المنضبط، ولكن يُسمونه (التزكية) أو (الرقائق)، ويهتمّون بأعمال القلوب وتقوية اليقين بتدبر القرآن، والسيرة النبوية والأحوال المصطفوية، وسير السلف الصالحين، وتدريس الكتب التي اعتنت بالزهد والورع كـ(رياض الصالحين) للنووي، ويدرسون كتب السلوك الصافية من البدع مثل: (منهاج القاصدين) ومختصره لابن قدامة، و(زاد المعاد)، و(مدارج السالكين)، و(التبوكية) لابن القيم، وغيرها من الكتب النافعة.

إذن بقيَ الخلاف في المصطلح، ومعلومٌ أنه لا مُشاحة في الاصطلاح، فكونهم اصطلحوا على التصوف بالتزكية، فلا شيء في ذلك.

فإن كان معنى التصوف هو التزكية والزهد والرقائق ورفع مستوى الثقة واليقين بالله، فما معنى ذم المخالف للسلفية إلا أن يكون مقصوده المعنى البدعي؟!

وفي ختام هذا البحث:

يتضح مما سبق أن علماء المسلمين تعدّدت آراؤهم في الصوفية، من بين ذامٍّ لهم بالمطلق، ومادحٍ لهم بالمطلق، ومعتدلٍ منصف، وسبب هذا التضارب هو ما للصوفية من اعتقادات وممارسات تتفاوت بين الاعتدال والانحراف، ويظهر جليًّا أن الاعتدال كان سمتًا بارزًا في نظرة ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب تجاه الموقف من التصوف. فقد اتسمت آراؤهم بالتوازن والاعتدال، حيث أكّدوا على أهمية الجوانب الروحية والأخلاقية في التصوف المعتدل، مع تأكيدهم على ضرورة الالتزام بالعقيدة الصحيحة ومقتضيات الشريعة.

وقد استعرضنا بعضًا من الثناءات المتبادلة بين أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين بعض علماء الصوفية المُنصفين، وبيّنَّا أيضًا أنَّ بعض الانتقادات في صفوف السلفية المعاصرة هي متعلقة أصالةً بتفشّي الممارسات الخرافية التي تبتعد عن جوهر التصوف القديم. هذه الممارسات هي التي أسهمت بشكلٍ رئيس في تغيير مفهوم التصوف، وتحوُّله إلى الخرافة والبدع الغالية في القرون المتأخرة.

وصلِّ اللهم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) لسان الميزان (4/ 158).

([2]) انظر: مغني المحتاج، للشربيني (3/ 61).

([3]) ميزان الاعتدال (3/ 215).

([4]) لسان الميزان (6/ 125).

([5]) ينظر: تاريخ الإسلام (22/ 73).

([6]) ينظر: تلبيس إبليس (ص: 12).

([7]) قال السيوطي في كتابه التحبير في علم التفسير (ص: 537): “ويحرم تحريما غليظا أن يفسر القرآن بما لا يقتضيه جوهر اللفظ كما فعل ابن عربي المبتدِع الذي ينسب إليه كتاب الفصوص الذي هو كفر كله”.

([8]) انظر: تلبيس إبليس، ابن الجوزي (ص: 416).

([9]) ينظر: تفسير القرطبي (11/ 238).

([10]) ينظر: المعيار المعرب (11/ 29). وقد استلَّها الشَّيخ أبو أحمد علي الكندي المرر وأخرجها في رسالة سمَّاها: فتوى المالكيَّة في الصُّوفيَّة، ونشرت بدار الفضيلة.

([11]) ينظر: سير أعلام النبلاء (19/ 327).

([12]) تلبيس إبليس (ص: 145).

([13]) تلبيس إبليس (ص: 158).

([14]) تلبيس إبليس (1/ 158).

([15]) سير أعلام النبلاء (21/ 376).

([16]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ ٥٣٤).

([17]) تفسير القرطبي (4/ 315).

([18]) ميزان الاعتدال (1/ 431).

([19]) سير أعلام النبلاء (19/ 340).

([20]) ميزان الاعتدال (3/ 122).

([21] ) الفتوى المالكية في أفعال الصوفية (ص: 18-22).

([22]) وليس الأمر كما يظنّ عوام المخالفين من أن الأشاعرة تنتظم مع الصوفية في قالبٍ واحد، فهذا الظنُّ غيرُ دقيق؛ فإنه لم يحدث التقاء تامٌّ وكامل بين الأشعرية والصوفية إلا في العصور المتأخرة.

([23]) الموقظة (ص: 88).

([24]) اقتضاء الصراط المستقيم (3/ 19).

([25]) مجموع الفتاوى (14/ 176).

([26]) مدارج السالكين (2/ 39).

([27]) مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (11/ 124).

([28]) مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (4/ 31).

([29]) مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (4/ 369).

([30]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (3/ 18).

([31]) رسالة في مباحثة مع أهل مكة (ص: 65).

([32]) مع أن بعض هؤلاء المثنين يقولون ببعض المسائل التي يحكم عليها الوهابية بالبدعية

([33]) كتاب الإجازة العلمية في نجد، قراءة استقرائية (2/ 518-521). وانظر: مخطوط الإجازة بخط المُجيز محفوظ بمكتبة ليدن برقم (2496).

([34]) إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (ص: 656-657).

([35]) كتاب الإيمان والرد على أهل البدع، ضمن الرسائل النجدية (ص: 24).

([36]) مجلة البحوث الإسلامية – عدد: المحرم – جمادى الثانية لسنة 1400هـ.

([37]) دار العلوم ديوبند، مدرسة فكرية توجيهية، محمد عبيد الله الأسعدي (ص: 740-741).

([38]) المصدر السابق (ص: 741-742).

([39]) دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: 30-31).

([40]) دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: 93-98). ولم يُحرر الشيخ النعماني بدقة مذهب الوهابيين في خطاب الغائبين من باب الاستحضار في القلب دون أن يطلب القائل ما لا يقدر عليه إلا الله، فإن الوهابية لا يعتبرون ذلك شركًا، وقد نصّ على ذلك السهسواني في ردّه على دحلان، نعم قد يصدر من آحادهم المنع منه بسبب ما انتشر في الشعر من الغلو، ولكن تقرير مذهبهم شيء، والمنع سدًّا للذريعة شيء آخر.

([41]) دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: 98-99).

([42]) الفتاوى الرشيدية (ص: 237).

([43]) فتاوى شيخ الإسلام المدني (ص: 177-178).

([44]) البحور الزاخرة في علوم الآخر (3/ 593).

([45]) آثار محمد البشير الإبراهيمي (5/ 141).

([46]) من محاضرة: لماذا يحاربون فكر ابن تيمية، للدكتور محمد عمارة، على الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=xed6YfTCLbA

([47]) فتوى في حقيقة التصوف، للدكتور محمد المسيَّر، لقاء تلفزيوني:

https://www.youtube.com/watch?v=YGnpMbrTJOI

([48]) حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة (ص: 220).

([49]) تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل (ص: 60).

([50]) عقيدة المسلم (ص: 72).

([51]) شرح الأربعين النووية (الحديث الخامس).

([52]) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 261).

([53]) لقاءات الباب المفتوح (21/ 131).

([54]) فتاوى نور على الدرب (3/ 163).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017